المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة(العاشقة)تأليف:محمد عبد المحسن سنجر



محمد سنجر
12/04/2006, 05:32 PM
مجرورة على الأرض أمامي ثكلى تحاول المسكينة جاهدة التشبث بالأرض، بآخر أمل لها في البقاء ، حاولت الإفلات من بين أيديهم ،ولكن هيهات ضاعت محاولاتها أدراج الرياح ، نظرت إلي بعينين يكاد أن يتفجر منهما الدمع ، ينادى قلبها المنفطر ،

تستصرخني: محمد، هل ستتركني لهم ؟

هل ستبقى هكذا في مقاعد المشاهدة مكتوف الأيدي ؟

هل ستظل عينك البلهاء تدور داخل علامة الاستفهام التي ارتسمت بداخلها لاتحرك ساكنا ؟

محمد قل شيئا، تحرك وأوقف هذه المهزلة،

محمد لمن تتركني من بعدك ؟

ألهؤلاء؟

أتعلم ما سيفعلونه بي؟

أ تعلم ؟

تعلم ،

نعم تعلم ،

واعلم أنك تعلم ، لا تحاول الإنكار ،

لا تحاول ممارسة دور المغلوب على أمره في هذه المسرحية الفاشلة ،
صرخت بصوت لم يسمعه سواي :
أغلقوا الستار ياسادة وانزعوا تلك الأقنعة البيضاء ، فلقد تعرت النفوس و أطلت علينا ضمائركم واضحة جلية ،سوداء هي هذه الضمائر حالكة السواد ، أيها المشاهدون نعتذر عن هذا الخلل الفني ونواصل ترقيع الأقنعة البلهاء ، أيها المخدوعون لقد ذهبت نقود تذاكركم سدى فالمخرج فاشل لم ينه دراسته الابتدائية لا يعلم الفرق بين الفتح وبين الضم ، والمنتج تجدونه كل صباح يقفز بين قطارات الوجه القبلي حاملا صندوقه الخشبي ، يستجد البسطاء ليبيعهم حلواه العفنة أغلقوا الستار ،قلت لكم أغلقوا الستار .
اهتزت أمامي منتحبة ، حاولت جاهدا ألا أنظر إليها ، نادتني بصوت يملؤه الأسى : ومحمداه حاولت أن أنشغل عنها ،

عبثت يدي بمفاتيح المذياع الأخرس بجواري ،

جاءني صوت من خلال المذياع يتحدث بلسان حالها

: ( الله يعوض على الأيام و على الليالي ) لم أتمالك دمع عيني الذي انهمر رغم محاولاتي المضنية ألا تراني هكذا ؟

اختلست النظر إليها ، تتراقص الصورة بعيني ، وجدتها هذا الفلاح البسيط ( محمد أبو سويلم ) في رواية ( الأرض ) يحاول التشبث بأرضه بأنامله الرقيقة دون جدوى ، وجبروت الظلم والطغيان يهدر كالطوفان يقتلع كل ما في طريقه يجرفه بعيدا.

استبنت وجهها الحزين من خلف زجاج سيارتي تتوسل إلي


: لن أثقل كاهلك بأية أعباء ، ليست لي أية مطالب، هم ؟
ما رأيك ؟
وعد مني لن تحس بوجودي ، أريد فقط البقاء بجانبك ، هل تفهم ؟
أرجوك ، أريد فقط أن أراك كعادتي تشرق علي بوجهك الصبوح عندما ينفض الباب عنك في رحلتك الصباحية ،
يبرد قلبي عند رؤيتك عائدا من عملك اليومي تتسارع خطاك لتتقي شمس الظهيرة

تطل علي في المساء ، هل تذكر ؟

تجلس معي كعادتك، تتناول بقربي كوب الشاي، كما كنت تفعل أتذكر ؟

أتذكر عندما كنت تتملى بنور القمر، تناجيه ؟

تتناول لفافة تبغك، تشعلها ؟


تنفث من صدرك ما أثقله من أحزان غربتك الأبدية دخانا يتصاعد
كنت أرى رجاءا يكاد أن بقفز من عينيك ،
تتمنى لو تتطاير كالدخان لتصل إليه حين يمسي بدرا، أتذكر ؟


كم من مرة همست لي بأنك تري فيه وجه أمك تعرف منه إن كانت حزينة،
ما تلبث أن تتناول هاتفك المحمول تناجيها،
وأراك طفلا يتراقص قلبك البريء يكاد أن يقفز من صدرك فرحا عندما يأتيك صوتها الحاني عبر الفضاء ،


ربما كنت أغار قليلا ،
وعندما تغلق هاتفك المحمول ،كنت أرى دموعك تترقرق فوق خديك ، أتمنى لو ضممتك إلى صدري تنام هنيئا حتى توقظك خيوط شعاع الفجر و زقزقة العصافير لتبدأ يومك الجديد ، وفي الصباح أحملك وأولادك إلى وجهتكم اليومية ، كم كنت أظل أنا واقفة في برد الليل الشتوي القارص ، أنتظر حتى أحميكم من مطره
وإذا ما وصلنا إلى البيت كنت تتركني وحيدة دون وداع،


لم أتذمر يوما،
لم أطلب منك أن تترك بيتك، أن تترك أولادك من أجلي،
لا

فأنا أعرف قدري جيدا ولا أطلب ما ليس لي بحق،


و أعلم أنك تعرفني مليا
هل طلبت منك قبلا مالا تقدر على الوفاء به ؟
هه؟

هل حدث مني يوما ما أغضبك ؟

فلماذا إذن تفرط في قلبي بهذه السهولة ؟


لا ترد ؟
هه؟
لا تذكر ؟

أجبني أرجوك، أتوسل إليك،


لا فائدة ؟
لا فائدة ، يبدو أنك لا تذكر شيئا ،
يبدو أنك ما عدت لتهتم بأمري
ولكن لا ،لا وألف لا ،
لن أرحل مهما أوتيتم من جبروت ، لن أخضع لوجهة نظركم البشرية التي تتسم بالأنانية المطلقة دون مراعاة لسواكم ، لا ، لا ،
وسأبقى أرددها لا وألف لا

اتركوني اتركوني أيها الأنانيون اتركوني ،

عندها انفلتت السلاسل الحديدية،

سقطت ،

صم أذني هدير ارتطامها بالأرض

ارتجلت مسرعا نحوها، بالكاد وصل إلى مسامعي تأوهات تتردد بصدرها،

وابيضت عينيها

تختلط بأذني أصوات أقدام وهمهمات تأنيب


عندها صرخت بوجههم:
لماذا نفعل بها كل هذا ؟ أليس من الممكن أن تسير الأمور أفضل من هذا ؟
وجاءتني نبرة أعرفها من قسوتها:

وهل تتحمل ماستؤل إليه الأمور؟

قلت وعلامات الاستفهام ترتسم على وجهي الحزين :


وما الذي يمكن أن تؤل إليه ؟
قال وكأنه أخذ قرارا بالرحيل بها :
هل تنتظر حتى تصل بك العقوبة خلف القضبان ؟

قالها ولم ينتظر وكأنه يعلم مسبقا إجابتي وراح ليجلس كما كان وهو يتمتم:


هيا هيا لنكمل ما بدأناه
بعدها بلحظات وجدتني أعود إلى سيارتي أمسح دموعي وأسير خلفهم مرة أخرى ترمقني بنظراتها الآسفة على ما صرت إليه من أنانيتي المفرطة
وصلنا إلى المقبرة
وهناك قاموا بإنزالها فكوا قيودها الحديدية وحملوها بعيدا وجدت أقدامي تتلاحق خلفهم
وفي إحدى الزوايا وجدت (مكبسا) تتساقط من بين فكيه قطرات اللهفة شرها


رفعوها لأعلى، و أزاحوها بين فكيه
قفزت إليها وجدتني داخلها
سحبتني أياديهم القوية لأسفل

حاولت جاهدا الإفلات ولكن ضاعت محاولاتي سدى


نظرت إليها نظرة وداع
أغمضت المسكينة عينيها مستسلمة
و بالكاد فهمت تمتمتها الأخيرة :
هكذا أنتم أيها البشر لا تعطون دون مقابل
رفعت بجهد كف يدي المرتعشة، أظلم عيني من هول المشهد ولكن اخترق الظلام صوت تكسر ضلوعها وتهشم زجاجها ووجدتني داخلها أصرخ، و يعانق جسدي الأرض مغشيا علي

لم يفارقني المشهد لأيام بعدها ،

كم من ليلة أستيقظ فزعا


وأراني أخرج في ضوء القمر الشاهد على حبنا أجلس أرتشف الشاي وأنفث دخان لفافتي يتصاعد من صدري دخان الذكرى وأرفرف معه إلى ذكرياتنا معا .



قصة من تأليف : محمد عبد المحسن سنجر

السن :40 عاما

بلد الإقامة : الكويت

الجنسية : مصري

بكالوريوس الفنون الجميلة – جامعة حلوان

المهنة : فنان تشكيلي

ت : **********************

البريد الإلكتروني: singerbasha@yahoo.com