المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قلب لم أعرفه



محمد سنجر
10/04/2006, 06:19 PM
دق الباب



ذهبت في اتجاه الباب العتيق واهنة الخطى ، تتسربل في جلبابها الشاحب فوق الكتفين ، هزيلة هي ، تحمل فوق عاتقها آلام تثقل الجبال ،



أهذه هي ؟



أين من كانت تمشي تتهادى الأرض طواعية تحت أقدامها ؟

أين من كانت تتمايل الأشجار طربا إذا ما تمتمت بأنشودتها الصباحية؟

ورقصت العصافير على استحياء حولها فرحة برحيق ابتسامتها البريئة؟

وهي تحمل جرتها في اتجاه النهر

أين من كانت تتهافت المياه لملء جرتها وتلامس يديها خلسة و لتنعم بحملها على رأسها ، ترافقها في رحلة العودة إلى دارها القابعة بين الحقول ؟

أهذه هي ؟



جالس أنا في زاوية الدار

أرقبها ذاهبة نحو الباب العتيق

تتقاذفني شكوك الخوف

أعتقد أنه هو

أحاول طمأنة نفسي

ليس هذا موعد عودته

اعتدت أن يعود بعدما أندس في سريري مدعيا الدخول في ثبات عميق

مدت أناملها الرقيقة نحو الباب تفض الصمت المسدول عليه منذ سنين

تساءلت بصوتها الرقيق : من؟



سرت بجسدينا قشعريرة رعب عندما أتانا صوت أجش من وراء الباب

: من؟

ترددت في فض الباب العتيق لكنها أيقنت باستحالة التراجع

نظرت نحوي

اندفعت من عينيها تجاهي نظرة المغلوب على أمره

لم أقوى على الحراك فارا بنفسي من نظراته

هرعت داخل نفسي أختبئ كي لا يراني

دسست وجهي الهالع بين ركبتي





انفض الباب

غمرني سيل الضوء المندفع بين مصراعيه

وأراني أدور

تسحبني لأسفل دوامات الرعب الجاثم على صدري

حجب الضوء ظلام حالك

أختلس النظرة من بين يداي المتشابكة حول ركبتاي

وأراه

ليثا ينقض على فريسته الثكلى

تجمدت أطرافها خوفا

وجاء زئيره مزلزلا الأرض من تحتي

: ألم أحذرك من ارتداء السواد

سمعت اصطكاك ركبتيها وهي تحاول الإفلات من قبضته

قالت متحشرجة :

حاضر ياخويا حاضر

قالتها وانطلقت كالريح تتوارى خلف باب غرفتها

انطلق خلفها ، فهدا يلاحق فريسته الفارة

اندفع الباب خلفهما ، فارتجت جنبات الدار



لا أدري من أين جاءت المسكينة بكل هذه القوة

سمعت زئيره يدوي يلاحقه صمت



تسللت إلى غرفتي تتحسس أصابع قدمي الطريق

بالكاد وصلت

أغلقت الباب خلفي خلسة

رميت بنفسي فوق سريري الحديدي

أدس وجهي السلبي بين وسائده القطنية

تتساقط أمطار دموعي تغرقها

أتمتم :

حتى السواد ؟ حتى السواد





تتوغل إلى شعري أنامل حنان

يتسلل داخلي صوتها الحاني

: علي ؟ علي



أحاول منع اشتياقي لحضنها الآمن كي أتلذذ بنبراتها ، لا أقدر

تضمني لصدرها

:علي ؟ البكاء حيلة النساء

ألف وجهي باتجاهها

: حتى السواد يا أمي ؟ حتى السواد ؟

أليس الذي مات هذا ابنه ؟

منعك من العويل ،

منعنا من البكاء ،

لكن ، حتى ارتداء ملابس الحداد يمنعك منه ؟

ليس أبا هذا

أهذا الذي ينبض بصدره قطعة من حجر أم ماذا ؟

: يا بني الحزن في القلب

ليس الحزن بارتداء السواد

: نعم يا أمي نعم ، ولكن

: علي ، أباكم يخاف عليكم من الحزن

:وهل السواد يا أمي

: علي أنت لم تعرف أباك بعد

: أنت دائما هكذا يا أمي

: في يوم من الأيام سأبرهن لك ، والله إنه ليقبع على صدره حزن الكون

هيا يا علي ، هيا ، فلقد تأخر نومك

أسدلت فوقي الغطاء وراحت تربت على صدري

لم أشعر بعدها بشيء



وأثناء الليل

شعرت بأناملها تهزني ،

أتى همسها إلى مسامعي :

علي ؟ علي؟

: نعم يا أمي ، ماذا هناك ؟

: قم ، تعال معي

: خيرا يا أمي ، خيرا ، هل حدث مكروه لا سمح الله ؟

: لا تنزعج يا بني ، ألم أقل لك أنك لم تعرف أباك بعد ؟

: وهل توقظينني يا أمي لتقولين لي هذا ؟

: نعم تعال معي

قمت معها ، أخذتني من يدي و اتجهت إلى غرفة أبي

: حذار أن يحس بنا



فتحت برفق باب الغرفة

وجدته جالسا في ضوء المصباح الشاحب مفتوحا بين يديه كتاب الله

وصلت إلى مسامعي حشرجة مكتومة

: والله إنا لفراقك يا محمود لمحزونون

انهمرت من عينيه سيول الدمع المتفجر بعد محاولاته المضنية لكبتها

وانطلقت أنا لغرفتي أحاول أن أكتم حزنا جاش بصدري



لا أدري ، أهذا أبي ؟

أيعقل أن هذا الجبل الصلد يحمل داخله كل هذا الحنان ؟

أيعقل أن هذا الجبروت الجامح يحمل بين صدره هذا القلب الحاني ؟

واحسر تاه على هذه السنين التي ضاعت دون علمي بهذه الحقيقة

واحسر تاه على هذا الحنان الضائع أدراج الرياح

كيف يا أبي استطعت أن تخدعنا كل هذه السنين ؟

و الله إن الحق كل الحق معك يا أمي

نعم أنا لم أعرف أبي بعد

نعم فحزنه على محمود يكفي العالم أجمع

أحمد الله أنني الآن عرفت أبي ، عرفت الآن و الآن فقط هذا القلب النابض بالرحمة



شق الصمت صوت ارتطام بالأرض تبعتها صرخة مدوية

إنها صرخة أمي ، نعم هذه أمي

انطلقت إلى غرفة أبي



دفعت الباب الواقف في وجهي

توقف قلبي رعبا عندما بصرت أمي تهز جسد أبي الممدد فوق الأرض

تدور الغرفة من حولي



وأراني أقترب رعبا

تترقرق الصورة بعيني ، أراه ممددا حاملا فوق القلب كتاب الله



يرحمك الله يا قلبا لم أعرفه





( قلبا لم أعرفه )

قصة من تأليف : محمد عبد المحسن سنجر

السن :40 عاما

بلد الإقامة : الكويت

الجنسية : مصري

بكالوريوس الفنون الجميلة – جامعة حلوان

المهنة : فنان تشكيلي

ت : 009656588110

البريد الإلكتروني: singerbasha@yahoo.com

طارق شفيق حقي
10/04/2006, 11:57 PM
أولا وقبل كل أي كلام

أهلا بك في المربد
المربد يرحب بك أجمل ترحيب

محمد سنجر
24/04/2006, 06:23 AM
أشكركم جزيل الشكر
أرجو متابعة بقية نزيف قلمي المتواضع

طارق شفيق حقي
25/04/2006, 10:46 PM
أشكركم جزيل الشكر

أرجو متابعة بقية نزيف قلمي المتواضع


عزيزي

حبذا لو تضع عنوان القصة دون ذكر كاتبها لان اسمك يظهر بجانب الموضوع


ألست معي

محمد سنجر
26/04/2006, 05:29 AM
مشكورين جدا على إخطاري بما هو من شأنه تنويري

محمد سنجر
04/06/2006, 06:13 AM
إخواني الأعزاء
أرجو منكم قول كلمة حق
هذه قصتي
و لقد فوجئت بأحد المنتديات
و إسمه منتدى محشات
منزل قصتي بإسم واحد آخر
أرجو من كل من أعجبته قصصي
أن يستنكر هذا الفعل المشين

أخيكم محمد سنجر

محمد سنجر
11/06/2006, 05:12 AM
مشكورين على التفاعل
فلقد تم و الحمد لله تعديل الموضوع من قبل إدارة المنتدى الموقرة
و تم بالفعل وضع اسم المؤلف كاملا على القصة
شكرا على التفاعل
جزاكم الله خيرا

خليد خريبش
27/01/2007, 10:17 PM
قلب لم أعرفه،نستلجيا الألم بكلمات تسربلت بوهج العبارات الشعرية البليغة،قوة الحدث،حبكة،سرد...ومتعة الحكي تحياتي .

محمد سنجر
12/02/2007, 09:48 AM
جزاك الله خيرا
أستاذنا الفاضل
خليد خريبش
على تزكيتك لموضوعي
قلبا لم أعرفه

خليد خريبش
16/02/2007, 05:16 PM
صيحة

صيحة هنا،صيحة رفض ضد حرماننا من الحنان الأبوي،ولقد حرمونا،أرادونا رجالا غلاظا نسوا أننا فراخ نحتاج إلى أجنحة آبائنا،كبرنا وصرنا نسورا بدون أجنحة لم يرعوها حتى كبرت.نبحث تائهين عن أسباب عرجنا،عورنا إعاقتنا،،،،،،،،،،

محمد سنجر
25/02/2007, 03:55 PM
جزاكم الله خيرا
يا أحبة رسول الله
صلوات ربي و سلامه عليه
لا عدمناكم

محمد سنجر
21/03/2007, 05:03 PM
كل الشكر و التقدير
لأساتذتي الأفاضل
كل الشكر و التقدير
لمن رشح قصتي قلبا لم أعرفه
للفوز بالقصة الذهبية لشهر فبراير
و إنه و الله لوسام شرف لي
أن أكون بينكم