المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المولد النبوي في الإسلام .. بين البدعة و الإيمان



طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:19 PM
المولد النبوي في الإسلام ..... بين البدعة و الإيمان.... مع أدلة المعارضين والرد عليها

----------------------------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم
المولد في الإسلام بين البدعة والإيمان


الشيخ هشام قباني



الغرض من هذا الكتاب

الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على نبيه ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم. هناك عيدين في الإسلام: عيد الأضحى وعيد الفطر، أما الاحتفالات الأخرى كالاحتفال بذكرى مولد الرسول  فهي ليست إلزامية ولا ممنوعة. ومع ذلك وصلنا إلى وقت بتنا نسمع فيه الكثير من الانتقادات لهذا الاحتفال. ولم أشأ أن أتطرق إلى هذا الموضوع من قبل بسبب وجود قضايا أهم تشغل بال المسلمين في وقتنا الحاضر. فنحن نعيش في زمن يهدم فيه أعداء الإسلام أمة النبي من الداخل والخارج بلا رحمة، فيما يوجد القليل فقط من المؤمنين القادرين على مواجهتهم. وقد وصلنا إلى زمن جاهلية جديدة أضحت فيه الحقيقة سلعة، وبات الكذب هو الأصل.






نعيش اليوم في عصر يذبح فيه المسلمون في كل مكان. وقلوب المؤمنين تناجي الله عز وجل طالبة العون ليرسل إليهم من هو مؤيد بنصره وملائكته ليخلصهم من هاوية الجهل والقهر التي وقعوا فيها. وحيثما نظرنا نرى المسلمين يعذبون، ويقتلون ويؤذون لا لشيء إلا لقولهم «ربنا الله». وما يحدث في البوسنة وأذربيجان وكشمير وتايلندا وطاجكستان والجزائر، كما في كثير من أنحاء المعمورة لشواهد مرعبة على الطرق التي يعامل بها الإسلام والمسلمون، وبين الآلاف المؤلفة من العلماء ليس هناك سوى قلة منهم على استعداد لأن تدب الصوت وتطالب بالتغيير والعودة للشريعة وسنة المصطفى .
هذه هي حالنا، وفي هذا الوضع كنت متردداً لأن أبحث في أي موضوع قد يساء فهمه مما قد يثير فتنة بين المسلمين. فالله سبحانه وتعالى قد أمر في كتابه العزيز: واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا (آل عمران: 103).


ومع ذلك نرى، وأكثر من أي مرة سابقة، أن ما يؤلم المسلمين ليس جميعه من تدبير أعدائهم. فمن بين أظهرنا تهاجم الأمة وتصاب إصابات بالغة من أناس معروفين لا نحب أن نسميهم. هم لا يحبذون مقارعة أعداء الدين لكنهم يجدون ضرورة في محاربة المسلمين والجماعات المؤمنة في العالم الإسلامي. لذلك وجدت لزاماً علي أن أعد العدة لكي أرد عن المؤمنين كيد هؤلاء المسلمين الذين لا هم لهم سوى إيجاد العيوب في إيمان المسلمين الآخرين بينما أعداء الأمة يمزقونها شر ممزق. وهم يجهدون في إيجاد أي نقطة يعتبرها أئمتهم موضع شك كعذر للازدراء والحط من إيمان المسلمين فيكيلوا إليهم نعوتاً من أمثال: مشركين، كافرين، مبتدعين. ولا يجدون أسهل من أن يبدلوا ما اتفق عليه أئمة المسلمين على مدى أربعة عشر قرناً ويسمونه: بدعاً، شركاً أو كفراً.


لذا، ومن أجل حماية المسلمين والمؤمنين من هكذا اتهامات خاطئة وغير مقبولة، خاصة في أميركا وكندا، حيث هناك ندرة في العلماء القادرين على الرد على هؤلاء الجهلة، وجدت لزاماً عليّ أن أعد هذا الرد. وإن شاء الله فإني سأسرد الحقائق والبراهين على جواز الاحتفال بالمولد النبوي من القرآن والسنة واجتهاد أئمة المسلمين بنية الرد على انتقاد وتشكيك بعض العلماء الجهلة الذين يدّعون الإلمام بكل أمور الدين وكذلك من أجل مشاركة الآخرين بالفهم الذي أنعم الله به على علماء الإسلام الحقيقيين. وقبل أن نخوض في الشرح أود أن أطرح ثلاثة أمور:


1 – إن الاحتفال بذكرى مولد النبي جائز، وأن الاجتماع للاستماع إلى السيرة والمدائح النبوية جائز، وإطعام الطعام وإدخال البهجة إلى قلوب الأمة في تلك المناسبة جائز.
2 - إن الاحتفال بالمولد النبوي يجب ألا يكون فقط يوم الثاني عشر من ربيع الأول بل يجب أن يقام في كل يوم من كل شهر وفي كل مسجد، لكي يشعر الناس بنور الإسلام ونور الشريعة تدخل في قلوبهم.


3 – ونقول بأن هذه التجمعات في المولد مفيدة ومنشطة لجهة دعوة الناس للإسلام وتعليم الأطفال أمور الدين، كما أن فيها فرصة ذهبية لا تعوض لكل الأئمة والدعاة لكي يرشدوا ويذكَروا الآمة المحمدية بأخلاقه وطريقة عبادته ومعاملته للناس. وهذه إحدى السبل لجعل الأطفال يحبون النبي  ويذكرونه. عن طريق الحلوى والعصير والهدايا لإدخال البهجة إلى قلوبهم.

معنى الاحتفال بالمولد

إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو الاحتفال بالإسلام عينه، ذلك لأن النبي  هو رمز الإسلام.


يقول الإمام متولي الشعراوي في كتابه "مائدة الفكر الإسلامي" ص 295، إذا كان بنو البشر فرحون بمجيئه لهذا العالم، وكذلك المخلوقات الجامدة فرحة لمولده وكل النباتات فرحة لمولده وكل الحيوانات فرحة لمولده وكل الجن فرحة لمولده، فلماذا تمنعونا من الفرح بمولده.

الأدلة على أن الاحتفال بالمولد النبوي جائز
أثر الاحتفال بالمولد على الكفار


إن الابتهاج والاحتفال بيوم مولد النبي  يعود بفائدة، بفضل الله ورحمته، حتى على الكافرين. وقد جاء في صحيح البخاري الذي ذكر في حديثه بأنه في كل يوم اثنين يطلق سراح أبي لهب من عذاب القبر لأنه أعتنق جاريته ثويبة عندما بشرته بخبر مولد النبي ه.
قال ابن كثير وهو من أئمة السلف في كتاب "البداية والنهاية" إن أول من أرضعته  هي ثويبة مولاة أبي لهب وكان قد أعتقها حين بشرته بولادة النبي . ولهذا لما رآه أخوه العباس بعد موته في المنام بعدما رآه بشر خيبة، سأله: ما لقيت؟ قال: لم ألق بعدكم خيراً غير أني سقيت في هذه بعتاقتي لثويبة (وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع). وأصل الحديث في الصحيحين. وقد ذكر السهيلي وغيره أنه قال لأخيه العباس في هذا المنام: وإنه ليخفف عني في كل يوم اثنين.

وهذا الحديث مذكور في صحيح البخاري في «كتاب النكاح». وقد ذكره ابن كثير في كتبه «سيرة النبي» الجزء الأول ص 124، وفي كتاب «مولد النبي» ص 21، وفي كتاب «البداية والنهاية» ص 272 – 273
كما أن الحافظ شمس الدين بن نصر الدين الدمشقي كتب الأبيات التالية في كتابه «مورد الصادي في مولد الهادي».

إذا كان هذا كافراً جاء ذمه بتبّت يداه في الجحيم مخلّدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائماً يخفف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسروراً ومات موحّدا

تبيان النبي على أن ولادته جاءت يوم الاثنين
وقد روي في صحيح مسلم في «كتاب الصيام» عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: سئل رسول الله عن صوم يوم الاثنين، فقال: هذا يوم ولدت فيه وأنزل عليّ فيه رواه مسلم.
ونورد أيضاً من أقوال الشيخ متولي الشعراوي: إن أشياء عجيبة حدثت يوم مولده كما ورد في الحديث والتاريخ، ولم تكن ليلة مولده كأية ليلة من ولادات بني البشر. وقد وردت هذه الأحداث والأحاديث العائدة لها كاهتزاز عرش كسرى، وانطفاء النار بفارس بعد أن دامت ألف عام، وغيرها في كتاب ابن كثير «البداية والنهاية» الجزء الثاني ص 265-268.
ونورد لكم من كتاب ابن الحاج «كتاب المدخل» الجزء الأول ص 261: «يجب علينا في كل يوم اثنين من ربيع الأول أن نكثر من العبادات لنحمد الله على ما أتانا من فضله بأن بعث فينا نبيه الحبيب  ليهدينا للإسلام والسلام… فالنبي  عندما سئل عن صوم يوم الاثنين أجاب: هذا يوم ولدت فيه. لذا، فهذا اليوم يشرف ذاك الشهر لأنه يوم النبي  ...

وقد قال: أنا سيد ولد آدم ولا فخر.وقال: آدم ومن جاء بعده تحت لوائي يوم القيامة. رواها الشيخان بخاري ومسلم. وقد أورد في صحيحه أن النبي قال: ولدت يوم ذاك الاثنين وفي مثله نزل عليّ أول الوحي. وقد أعطى النبي  اهتماماً ليوم مولده وحمد الله على نعمة خلقه بأن صام في هذا اليوم كما هو وارد في حديث أبي قتادة. ونفيد من ذلك أن النبي  كان يعبر عن فرحه بهذا اليوم بالصوم، وهو نوع من العبادات. وبما أن النبي  أبدى اهتماماً بهذا اليوم بصومه عرفنا أن العبادة في مختلف أشكالها جائزة لبيان مكانة هذا اليوم. وحتى لو تغير الشكل فالمحتوى قائم لذا فالصوم أو إطعام المساكين، أو الاجتماع لمدح النبي  أو تبيان مناقبه وخلقه الحسن كلها طرق لتبيان أهمية ذاك اليوم.

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:20 PM
وقد جاء الأمر الإلهي بالابتهاج بمبعث النبي  بقوله تعالى في كتابه العزيز: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا (يونس: 58).
وقد جاء هذا الأمر لأن الفرح يجعل القلب شاكراً لرحمة الله. وأية رحمة إلهية أعظم من النبي  إذ قال الله تعالى فيه: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (الأنبياء: 17).

ولأن النبي  بعث رحمة للعالمين كان لزاماً ليس على المسلمين فقط، بل على كافة البشر أن يفرحوا به. ولكن مع الأسف نجد أن بعض المسلمين هم في طليعة العاصين لأمر الله بالابتهاج بنبيه.

احتفال النبي  بالمناسبات التاريخية الكبرى
كان النبي  دائم الربط بين المناسبات الدينية والأحداث التاريخية، وكلما مرت مناسبة هامة نبَه أصحابه للاحتفال بذلك اليوم والتأكيد على أهميته حتى لو كان الحدث قد تم في زمن سحيق. وهذا البدء يؤكده الحديث التالي من صحيح البخاري في كتاب الصوم باب 69 وكتاب الأنبياء باب 24 وابن ماجد ومالك في الموطأ والإمام أحمد: أن النبي  قدم إلى المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه قوم فرعون، ونجى موسى، فنحن نصومه شكراً لله تعالى فقال: نحن أولى بصوم موسى منكم.

قال تعالى: صلوا على النبي 
إن في إقامة ذكرى مولد النبي  ما يحث على الثناء والصلاة عليه وهو واجب أمرنا الله تعالى بالقيام به:
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (الأحزاب:56)
فمجرد الاجتماع وذكر النبي  يجعلنا نثني ونصلي عليه، فمن له ان يمنع الالتزام بواجب أمرنا الله به في كتابه العزيز. ولعمري ففي إنفاذ أمر من أمور الله نكتسب نوراً يملأ قلوبنا بفيض لا حد له. والجدير بالذكر أن هذا الأمر أتى بالجمع: إن الله وملائكته يصلون على النبي، كأنهم في اجتماع منعقد، فمن الخطأ الجسيم والحال هذه أن يقال بأن الصلاة على النبي  يجب أن تكون على انفراد.

التكليف بالازدياد في حب النبي  وتشريفه
يطلب الله من النبي  بأن يذكّر أمته بأن على من يدعي حب الله عليه أن يحب نبيه أيضاً:
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله 0(آل عمران: 31).
فالاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف يعد من الالتزام بالتكليف بحب النبي  وطاعته والإقتداء بسنته والفخر به لأن الله سبحانه وتعالى يفخر به في كتابه العزيز:
وإنك لعلى خلق عظيم (القلم: 4).

فحب النبي  هو ما يميز المؤمنين في كمال إيمانهم. ففي حديث صحيح عن أنس بن مالك أن رسول الله  قال:
لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين رواه البخاري ومسلم فكمال الإيمان يعتمد على حب النبي  لأن الله تعالى وملائكته دائمون في تشريفه كما جاء في الآية السابقة: إن الله وملائكته يصلون على النبي. فالأمر الإلهي الذي جاء بعد هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه صحيح وواضح بأن صفة الإيمان تعتمد وتتجلى بالصلاة على النبي. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

ضرورة معرفة السيرة النبوية والإقتداء بها
ومن البديهي أن تكون لنا دراية عن نبينا  عن حياته، معجزاته، مولده، أخلاقه، إيمانه، آياته، خلواته وعبادته، وبعد أوليست هذه المعرفة واجبة على كل مسلم؟ فما الذي هو أفضل من الاحتفال وتذكر مولده الذي يمثل أساس حياته كمقدمة لنكتسب المعرفة عن حياته؟ فبتذكرنا لمولده نبدأ بتذكر كل شيء عنه، وبذلك يرضى الله عنا لأننا حينئذ نصبح قادرين على أن نعرف سيرة النبي  على وجه أفضل، ونصبح أكثر استعداداً لكي نجعله مثالاً لنا نصلح به عثراتنا ونقتدي به. ولهذا كان الاحتفال بالمولد فضلاً عظيماً أرسل ألينا.

قبول النبي  للقصائد المنظومة في مدحه
في زمن النبي  كان من المعروف أن الشعراء يأتون بقصائد كثيرة يمدحونه فيها ويذكرون فيها غزواته ومعاركه وصحابته. والبرهان على ذلك واضح من الأشعار الكثيرة الواردة في سيرة ابن هشام، وأعمال الواقدي وغيرهما، وقد كان النبي  راضياً عن الشعر الحسن وجاء في «الأدب المفرد» للبخاري قوله: «في الشعر حكمة». كما أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وهو عم النبي  قد نظم شعراً مدح فيه مولد النبي  ومن هذه الأبيات المذكورة في «حسن المقصد» للسيوطي (صفحة 5) وكتاب المولد لابن كثير (صفحة 30):

وأنت لما ولدت أشرقت ال
فنحن في ذلك الضياء وفي أرض وضاءت بنورك الأفق
النور وسبل الرشاد نخترق

قال ابن كثير في كتاب المولد: قال أصحاب رسول الله  كنا إذا اشتدت الحرب اتقينا برسول الله  ، وقد كان يوم حنين حين انهزم أصحابه عنه وولوا مدبرين. ولم يبق إلا في نحو من مئة من أصحابه، وحده في مواجهة عدة من الألوف، في العدة الباهرة من الرماح والسيوف، وهو مع ذلك على بغلته يهمزها إلى وجوه أعدائه وينوه باسمه ويقول:

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وقد رضي النبي  عن الذين مدحوه لأن في ذلك امتثالاً لأمر الله وقد أعطاهم مما أعطاه الله. فلو عملنا شيئاً للتقرب من النبي فإنما نكون نعمل للتقرب من الله عز وجل كما أن التقرب من النبي  يعود علينا بمرضاة الله تعالى.

غناء وإنشاد الشعر
وقال ابن القيم في كتاب مدارج السالكين أن النبي  أقر عائشة على غناء القينين يوم العيد. وقال لأبي بكر "دعهما. فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا أهل الإسلام". وبأنه  أذن بالغناء في العرس وسماه لهواً. وقد سمع رسول الله  الحداء (أي الشعر). وأذن فيه. وكان يسمع أنساً والصحابة، وهم يرتجزون بين يديه في حفر الخندق:

نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبدا

ودعا لحسان أن يؤيده الله بروح القدس ما دام ينافح عنه وكان يعجبه شعره وقال له اهجهم وروح القدس معك. وأنشدته عائشة قول أبي بكر الهذلي:
ومبرئ من كل غبّر حيضة
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه وفساد مرضعة وداء مغيل
برقت كبرق العارض المتهلل
وقال عائشة «أنت أحق بهذا البيت يا رسول الله» فسر بقولها.

وقد ذكر ابن القيم أيضاً قصيدة عبد الله بن رواحة المطولة في مدح النبي  عندما دخل مكة، وبأنه دعا له. كما أنه  خلع بردته على كعب بن زهير بعد أن ألقى قصيدته الشهيرة في مدح النبي وطلب النبي  من أسود بن سارح بأن يصنع قصائد يثني فيها على الله عز وجل، كما أنه  طلب من أحدهم أن ينشد معلقة «أمية بن أبي السلط».

ترتيل وتلاوة القرآن
يقول ابن القيم في كتابه (ص. 488): أذن الله لنبيه  بأن يرتل القرآن. وفي ذات يوم كان أبو موسى الأشعري يرتل القرآن على مسمع من النبي  ، فلما فرغ أثنى عليه لترتيله وقال له: إنك لذو صوت حسن، والله لقد أعطيت مزماراً من مزامير داوود. فقال أبو موسى: يا رسول الله لو كنت أعلم بأنك تسمعني لرتلت بصوت لم تسمع مثله قط. وتابع ابن القيم يقول بأن النبي  قال: «زينوا القرآن بأصواتكم» و«من لم يرتل القرآن فليس منا».

ويعلق ابن القيم في الصفحة 490 قائلاً: «الطرب جائز طالما أنه موافق للشرع» وهو كالاستمتاع بمنظر جميل للجبال أو الطبيعة، أو برائحة زكية، أو مأكل طيب، ولو كان الاستماع للصوت الحسن حراماً لكان الاستمتاع بكل هذه الأشياء حراماً أيضاً.
ويختتم ابن القيم بقوله (صفحة 498): والاستماع إلى صوت حسن في احتفالات المولد النبوي أو أية مناسبة دينية أخرى في تاريخنا لهو مما يدخل الطمأنينة إلى القلوب ويعطي السامع نوراً من النبي  إلى قلبه ويسقيه مزيداً من العين المحمدية.

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:21 PM
تحديد النبي  لأيام وأماكن ولادة الأنبياء
لقد حدد النبي  في حديثه أيام وأماكن ولادة الأنبياء السابقين. فمن حديثه عن مكانة يوم الجمعة أنه قال: في هذا اليوم خلق الله آدم، وفيه أن أهمية يوم الجمعة تعود لكون آدم ولد فيه وهو نبي وأب لجميع الناس فكيف باليوم الذي خلق فيه أعظم الأنبياء وخير البشر. عن العرباض بن ساريه السلمي رضي الله عنه قال قال رسول الله : إني عند الله لخاتم النبيين وآدم مجندل في طينته رواه ابن كثير في كتاب مولد رسول الله  ورواه أحمد في مسنده والبيهقي في دلائل النبوة.
عن شداد بن عويس أمر جبريل عليه السلام النبي  بصلاة ركعتين ببيت لحم ثم قال له: أتدري أين صليت؟ قال: لا، قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى رواه البزار وأبو يعلي والطبراني. وكذلك الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد، ورجاله رجال الصحيح ج1 ص47 وقد نقل هذه الرواية الحافظ بن حجر في الفتح ج7 ص199.

إجماع العلماء على جواز المولد
إن إقامة ذكرى المولد النبوي لعمل تقبّله علماء المسلمين في جميع أنحاء العالم. وهذا يعني أن الله عز وجل يقبله بحسب ما جاء في الحديث عن ابن مسعود بأن ما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح، أخرجه أحمد في المسند.

تاريخ الاحتفال بالمولد
المولد في مكة بحسب المؤرخين المسلمين وتكريم موضع ولادة النبي 
مكة، أم القرى، زادها الله رفعة وشرفاً، هي رائدة المدن الإسلامية في الاحتفال بالمولد وغيره. وقد ذكر الأزرقي وهو من مؤرخي القرن الثالث الهجري في كتابه أخبار مكة (ص. 160 الجزء الثاني) أنه من بين الأماكن التي تستحب الصلاة فيها المنزل الذي ولد فيه النبي . وقال أيضاً بأن المنزل قد تم تحويله سابقاً إلى مسجد على يد أم الخليفتين موسى الهادي وهارون الرشيد.

كما ذكر النقاش وهو من علماء القرآن (ص. 266 – 351) بأن موضع ولادة النبي  هو مكان يستجاب فيه الدعاء عند الظهر من كل يوم اثنين. ذكره الفاسي في كتاب شفاء الغرام (ص. 199 الجزء الأول)، وغيره‎.

أول ذكر لاحتفال عام بالمولد
إن أقدم المصادر التي ذكر فيها إقامة احتفال عام لذكرى المولد هي كتاب رحال (ص. 114 115) لابن جبير (ولد عام 540 وتوفي عام 614 هجرية):
يفتح هذا المكان المبارك أي منزل النبي  ويدخله جميع الرجال للتبرّك به في كل يوم اثنين من شهر ربيع الأول ففي هذا اليوم وذاك الشهر ولد النبي .
وذكر أبو العباس العظافي وابنه أبو القاسم العظافي وهما من مؤرخي القرن السابع عشر في كتاب الدر المنظم والذي لم ير سبيله إلى النشر:
كان الحجاج الأتقياء والمسافرون البارزون يشهدون أنه في يوم المولد في مكة لا يتم بيع ولا شراء كما تنعدم النشاطات ما خلا وفادة الناس إلى هذا الموضع الشريف. وفي هذا اليوم أيضاً تفتح الكعبة وتزار.

ويروي ابن بطوطة المؤرخ الشهير من القرن الهجري الثامن في رحلته (الجزء الأول ص. 309 – 347) : أنه بعد كل صلاة جمعة وفي يوم مولد النبي  يفتح باب الكعبة بواسطة كبير بني شيبة، وهم حجّاب الكعبة، وأنه في يوم المولد يوزع القاضي الشافعي وهو قاضي مكة الأكبر نجم الدين محمد ابن الإمام محيي الدين الطبري الطعام على الأشراف وسائر الناس في مكة.

ثلاث روايات للاحتفال بالمولد من القرن العاشر
الوصف التالي يطابق رواية ثلاث شهود أعيان لمرجعيات من القرن العاشر الهجري: وهم المؤرخ ابن زهيرة في كتابه الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها (ص. 326)، الحافظ ابن حجر الهيثمي من كتاب لم ينشر له بعنوان كتاب المولد الشريف المعظم، والمؤرخ النهروالي من كتابه الإعلام بأعلام بيت الله الحرام ص. 205:

في اليوم الثاني عشر لربيع الأول من كل عام وبعد صلاة المغرب يخرج قضاة المذاهب الأربعة في مكة مع أعداد غفيرة من الناس بما فيهم الفقهاء والفضلاء والشيوخ ومدرسي الزوايا وتلاميذهم وكذلك الرؤساء والمتعممين من المسجد ويقومون جميعاً بزيارة لموضع ولادة النبي  وهم يذكرون ويهللون. أما البيوت التي تقع في طريقهم فتضاء جميعها بالمشاعل والشموع الكبيرة وتتواجد خارجها وحولها جموح غفيرة من الناس حيث يلبس الجميع ثياباً خاصة ويأخذون أولادهم معهم. وعندما يصلون إلى موضع الولادة تلقى خطبة خاصة لذكرى مولد النبي  ثم يتم الدعاء للسلطان ولأمير مكة وللقاضي الشافعي ثم يصلي الجميع بخشوع. ثم قبيل صلاة العشاء يعود الجميع إلى المسجد الكبير وهو يعج بالناس فيجلسون في صفوف متراصة عند أعتاب مقام إبراهيم. وفي المسجد يبدأ الخطيب بالحمد والتهليل ثم الدعاء مرة أخرى للسلطان وللأمير وللقاضي الشافعي. بعد ذلك يؤذن لصلاة العشاء ويتفرق الجمع بعد الصلاة. وجاء وصف مطابق لهذا في كتاب تاريخ الخميس للديار بكري المتوفى عام 960 للهجرة.

الاحتفال بالمولد في البلاد الإسلامية المعاصرة
في كل دولة إسلامية معاصرة تجد الناس يحتفلون بذكرى المولد النبوي الشريف. وهذا ينطبق على مصر، سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين، العراق، الكويت، الإمارات، السعودية، (في أكثر البيوت وليس على الصعيد الرسمي)، السودان، اليمن، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا، جيبوتي، الصومال، تركيا، باكستان، الهند، سريلانكا، إيران، أفغانستان، أذربيجان، أوزباكستان، التركستان، البوسنة (يوغوسلافيا سابقاً)، إندونيسيا، ماليزيا، بروناي، سنغافورة، ومعظم الدول الإسلامية الأخرى. وفي أكثر الدول العربية يعتبر عطلة رسمية. فكل هذه الدول تحتفل بهذه المناسبة. فكيف يا أمة الإسلام تقوم فئة قليلة وتقول بأنه حرام مع أننا أوردنا رأي ابن القيم وسنقوم الآن بعرض رأي ابن تيمية وغيره.

الاحتفال بالمولد في مفهوم العلماء السلفيين والمدارس الأخرى
رأي ابن تيمية بالاحتفال بالمولد
هذا هو رأي الإمام ابن تيمية في المولد من مجمع فتاوى ابن تيمية الجزء 23 ص. 1634:
فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون لهم فيه أجر عظيم لحسن قصدهم وتعظيمهم لرسول الله 

إجازة الإمام أحمد لتزيين المصحف
ونذكر هنا حادثة وقعت للإمام أحمد ابن حنبل شيخ مذهب ابن تيمية. فقد أخبره بعض الناس أن أميراً أنفق ألف دينار على تزيين مصحف فقال لا بأس فهذا خير مكان ينفق فيه الذهب.

ونسأل هل كان ابن تيمية يروّج بدعة عندما أذن بالاحتفال بالمولد؟
فهو لم يكتف بإجازته بل ذكر أن للمحتفلين أجراً عظيماً. نسأل أيضاً هل كان الإمام أحمد يصطنع بدعة عندما أجاز بتزيين المصحف. الجواب على كلا السؤالين هو النفي المطلق.

رأي ابن تيمية في مجالس الذكر
وهذا هو رأي ابن تيمية في مجالس الذكر ويقع في الجزء 22 ص. 523، طبعة الملك خالد بن عبد العزيز لمجمع فتاوى ابن تيمية:
وسئل رحمه الله عن الفقراء يجتمعون في مسجد يذكرون ويقرأون شيئاً من القرآن ثم يدعون ويكشفون رؤوسهم ويبكون ويتضرعون وليس قصدهم من ذلك رياء ولا سمعة، بل يفعلونه على وجه التقرب لله تعالى فهل يجوز ذلك أم لا؟
فأجاب: الحمد لله، الاجتماع على القراءة والدعاء حسن مستحب.

ثناء ابن كثير على ليلة المولد
ويذكر الإمام ابن حجر العسقلاني وهو محدث من أتباع ابن تيمية في كتاب الدرر الكامنة في عين الماء الثامنة. عن ابن كثير يقول وفي آخر أيامه دوّن كتاباً عنوانه مولد رسول الله  بلغت شهرته الآفاق. هذا الكتاب يجيز ويحض على الاحتفال بالمولد، وفي ص. 19 يقول: إن ليلة مولد النبي  كانت ليلة شريفة عظيمة مباركة سعيدة على المؤمنين، طاهرة، ظاهرة الأنوار جليلة المقدار.

آراء أخرى بالاحتفال بالمولد
وبحسب مفتي مكة أحمد زين المعروف بدهلان في كتابه السيرة النبوية والآثار المحمدية ص. 51: إن الاحتفال بالمولد وتذكر النبي  مقبولان عند جميع علماء المسلمين وأكثر الاقتباسات التالية مأخوذة من هذا الكتاب.
قال الإمام السبكي: عندما نحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف يدخل الأنس قلوبنا ونشعر بشيء غير مألوف.
وقال الإمام الشوكاني في كتابه «البدر الطالع»: «إن الاحتفال بالمولد النبوي جائز». ويذكر أن الملاّ علي القاري كان له الرأي نفسه في كتاب اسمه المورد الراوي في المولد النبوي، وقد وضعه خصيصاً ليؤيد الاحتفال بالمولد النبوي.
وقال الإمام أبو شامة، شيخ الإمام النووي: أفضل ذكرى في أيامنا هي ذكرى المولد النبوي. ففي هذا اليوم يكثر الناس من الصدقات ويزيدون في العبادات ويبدون كثيراً من المحبة للنبي  ويحمدون الله تعالى كثيراً بأن أرسل إليهم رسوله ليحفظهم على سنة وشريعة الإسلام.
وقال الإمام السخاوي: بدأ المولد بعد ثلاثة قرون من وفاة النبي  واحتفلت به جميع الأمم الإسلامية، كما تقبله جميع العلماء بعبادة الله وحده بالصدقات وتلاوة السيرة النبوية.
وقال الحافظ ابن حجر الهيثمي: كما أن اليهود تحتفل بيوم عاشوراء بالصوم حمداً لله كذلك علينا الاحتفال بيوم المولد.
وأورد الحديث المذكور آنفاً: عندما قدم النبي  إلى المدينة… فيستفاد منه (أي حديث صوم عاشوراء) فعل الشكر لله تعالى على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة. ويعاد هذا في نظير ذلك اليوم من كل سنة. والشكر لله تعالى يحصل بأنواع العبادات كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة وأي نعمة أعظم من نعمة ظهور هذا النبي الذي هو نبي الرحمة في ذلك اليوم.

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:22 PM
فضل الموت يوم الاثنين كما أورده البخاري
قال الإمام القسطلاني: وقد خصّ البخاري في كتابه عن الجنائز باباً خاصاً عن فضل الموت يوم الاثنين وفيه:
عن عائشة قالت دخلت على أبي بكر رضي الله عنه فقال: في كم كفنتم النبي ، قالت في ثلاث أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة، وقال لها: في أي يوم توفي النبي ؟ قالت يوم الاثنين، قال فأي يوم هذا؟ قالت يوم الاثنين، قال: أرجو فيما بيني وبين الليل رواه البخاري في باب الجنائز باب موت يوم الاثنين.
ويتابع الإمام القسطلاني فيقول: فلماذا دعا أبو بكر لكي يكون موته يوم اثنين؟ أوليس لكونه يوم وفاة النبي  ولكي يجوز على بركة ذلك اليوم فهل اعترض أحد على رغبة أبي بكر؟ ولماذا نرى أناساً يعترضون على الاحتفال والاهتمام بيوم المولد بقصد التبرك.

إجازة النبي  لضرب الدف عند حسن القصد
قال الشيخ ابن عباد في رسائله إن للمولد النبوي مستنداً، يمكن أن يستروح منه وهو أن امرأة جاءت إلى النبي  عند قفوله من بعض غزواته، فقالت: إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب على رأسك بالدف فقال لها  أوفي بنذرك. الحديث مشهور.

رواه أبو داود كتاب الإيمان باب 22، والترمذي في المناقب باب 17، والإمام أحمد ج 5 ص. 353 – 356.
وتابع ابن عباد يقول: وما لا شك فيه أن ضرب الدف نوع من اللهو، حتى ولو أن النبي  أمرها بإيفاء نذرها فقد فعله لحسن قصدها في تكريمه بعودته سالماً وليس بغرض معصية أو إضاعة الوقت. ويستتبع ذلك أنه لو احتفل أحدهم بالمولد النبوي بطريقة سليمة ونية حسنة بقراءة السيرة والثناء عليه لكان ذلك جائزاً.

ليلة المولد أعظم من ليلة القدر
قال ابن مرزوق: «قال الشيخ محيي الدين النووي الشافعي، بأن ليلة القدر هي أفضل من ليلة المولد وذلك إقرار من الشيخ بوجود ما يسمى بليلة المولد، لكن في رأيي حتى مع كون الشيخ محيي الدين عالماً ومحدثاً عظيماً فإن ليلة المولد هي أفضل من ليلة القدر ولو لم يكن محمداً لما كان هناك إسلام، والقرآن. ففي تلك الليلة أرسل الله رسوله الحبيب الذي جاء بالإسلام والقرآن ولما عرفنا الإسلام حتى وإن كان محمداً لا يزال في نطاق العبودية والله هو الخالق».

ليلة الإسراء والمعراج أعظم من ليلة القدر
وقد أورد ابن القيم في كتابه البدائع الجزء الثالث ص. 162 ما يلي:
وسئل شيخ الإسلام عن ليلة القدر أيهما أفضل؟ فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي وليلة القدر أفضل إلى الأمة الخ…
ونحن نتساءل: إذا كان ابن تيمية قد سلّم بأن ليلة الإسراء يمكن اعتبارها أفضل من ليلة القدر لماذا لا تقبلوا منا أن نعتبر ليلة المولد أفضل من ليلة الإسراء بما أن ليلة المولد هي التي ولد فيها من قام بالإسراء والمعراج؟ وهكذا نقول كما قال ابن مرزوق: «ليلة المولد هي أفضل من ليلة القدر».

الاحتفال بالمولد أمر مندوب
يقول الإمام السيوطي في كتابه حسن المقصد في عمل المولد ص. 54 – 62:
«أصل الاجتماع لصلاة التراويح سنة وقربى… وكذلك نقول: أصل الاجتماع لإظهار شعائر المولد مندوب وقربى… وهذا معنى نية المولد، فهي نية مستحسنة بلا شك، فتأمل.
ويتابع الإمام السيوطي ص. 64 – 65:
وظهر لي تخريجه على أصل آخر، وهو ما أخرجه البيهقي، عن أنس، رضي الله عنه، أن النبي  عقّ عن نفسه بعد النبوة. مع أنه قد ورد أن عبد المطلب قد عقّ عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل على أن الذي فعله النبي  كان إظهاراً للشكر على إيجاد الله تعالى إياه، رحمة للعالمين، وتشريفاً لأمته، كما كان يصلي على نفسه، لذلك فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده باجتماع الإخوان، وإطعام الطعام، ونحو ذلك من وجود القربات، وإظهار المسرات.
وهذا الحديث يؤكد الحديث السابق الذي يحدد فيه النبي  بأن يوم الاثنين هو يوم مولده ويوم نبوّته.

شفاعة النبي في مفهوم العلماء السلفيين والمدارس الأخرى
لقد أثنى الله سبحانه وتعالى على النبي  أمام المؤمنين إذ قال:
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (التوبة: 128).
فالله تعالى أعطى النبي  الشفاعة لأنه أثنى عليه وباركه وصلى عليه وشرفه كثيراً ولولا ذلك لما أعطاه الشفاعة.
والأحاديث التالية تبين أنه حتى آدم لم يعط الشفاعة وبأن يهود خيبر كانوا يستشفعون به في دعائهم. ونحن في ذلك نفعل ما أمرنا به: يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وإن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.

أحاديث شفاعة النبي 
روى الشيخ أبو الفرج بن الجوزي بسنده المذكور في مجموعة الفتاوى للعلامة ابن تيمية، ج2 ص.150، عن ميسة رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله متى كنت نبياً؟ قال لما خلق الله الأرض واستوى إلى السماء فسواهن سبع سموات، وخلق العرش، كتب على ساق العرش محمد رسول الله خاتم الأنبياء، وخلق الله الجنة التي أسكنها آدم وحواء، فكتب اسمي على الأبواب والأوراق والقباب والخيام وآدم بين الروح والجسد، فلما أحياه الله تعالى، نظر إلى العرش فرأى اسمي فأخبره الله أنه سيد ولدك فلما أغراهما الشيطان تابا واستشفعا باسمي إليه.

رأي ابن القيم في شفاعة النبي 
قال العلامة ابن القيم في الجامع الفريد ص 493:
عن ابن عباس رضي الله عنهما كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فلما التقوا هزمت يهود خيبر فعانت اليهود بهذا الدعاء فقالت: «اللهم نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم»، قال فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان. فلما بعث النبي  كفروا به. فأنزل الله عز وجل: وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا يعني بك يا محمد.

رأي ابن القيم في أن النبي  هو الوسيلة العظمى
وقد صرح ابن القيم الجوزية في كتابه زاد المعاد بقوله:
لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا ينال رضى الله البتة إلا على أيديهم.
فعلم أن الوسيلة التي تحصل بها السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة هي ذوات الأنبياء والرسل، وأيضاً أن الوسيلة تحصل بها الحوائج، وحصول الحاجة نعمة من الله، الوسيلة تحصل بها النعمة، ومن حصلت به النعمة فهو أيضاً نعمة، لأنه سبب النعمة. فإذا ثبت أن الوسيلة نعمة وإحسان من الله، فمن يكون أكمل نعمة فهو أكمل وسيلة، ولا شك أن ذوات الأنبياء والرسل من أعظم نعمه تعالى فجازت أن تكون وسيلة.
إذا تقرر هذا فاعلم أن النعمة الكبرى والإحسان الأكبر والمن الأعظم من الله عز وجل هو ذات محمد ، لأنه هو الرسول الأعظم ورحمة للعالمين وخاتم النبيين وشفيع المذنبين، إذ قال الله تعالى في إعلاء شأن محمد عليه أفضل السلام وأتم التسليم على العالمين: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فثبت أن النبي  هو الوسيلة العظمى وصاحب المرتبة العليا في الدنيا والآخرة، فلا يحصل الفلاح والسعادة لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا به وبواسطته.

موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب من التوسل كما نشرتها جامعة محمد بن سعود الإسلامية في المملكة العربية السعودية في أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب
ينسب كثير من الناس اليوم إلى محمد بن عبد الوهاب أموراً تناقض ما درّس في زمانه من تعاليم. وقد حصل هذا أيضاً في أثناء حياته كما تبين الرسائل التي كتبها إلى قادة المسلمين وعلمائهم في العراق والقصيم والتي يبين فيها أنه لم يكن في يوم من الأيام ضد التوسل ولا ضد الثناء على النبي (صلى الله عليه وسلم) ، ولا ضد دلائل الخيرات ولا ضد ابن عربي وابن الفارض ولا ضد زيارة قبر النبي  بل إنه يقبل بجميع هذه الأمور ولم يقل قط بأنها شرك أو ضلال.
وقد وقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذا الميدان موقفاً عظيماً، قد يستنكره كثير ممن يدعي أنه منسوب إليه ومحسوب عليه، ثم يكيل الحكم بالتكفير جزافاً لكل من خالف طريقته ونبذ فكرته، وها هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب ينكر كل ما ينسب إليه من هذه التفاهات والسفاهات والافتراءات فيقول ضمن عقيدته في رسالته الموجهة لأهل القصيم قال:
ثم لا يخفى عليكم أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم، والله يعلم أن الرجل افترى عليّ أموراً لم أقلها ولم يأت أكثرها على بالي.
فمنها: قوله: أني مبطل كتب المذاهب الأربعة، وأني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء وأني أدعي الاجتهاد، وأني خارج من التقليد، وأني أقول: إن اختلاف العلماء نقمة، وأني أكفر من توسل بالصالحين، وأني أكفر البوصيري لقوله: يا أكرم الخلق وأني أقول: لو أقدر على هدم قبة رسول الله  لهدمتها، ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب، وأني أحرم زيارة قبر النبي  ، وأني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما، وأني أكفر من حلف بغير الله، وأني أكفر ابن الفارض وابن عربي، وأني أحرق دلائل الخيرات، وروض الرياحين، وأسميه روض الشياطين.
جوابي عن هذه المسائل: أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، وقبله من بهت  أنه يسب عيسى ابن مريم، ويسب الصالحين، فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب، وقول الزور.

(أنظر مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، القسم الخامس: الرسائل الشخصية، طبعة 1980، ص11 – 12، ص61، ص 64، وهو في الدرر السنية الجزء الأول، ص 28).

الخاتمة:
ليس المولد عيداً
وسنفسر دقائق ما قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب في منشورات لاحقة. أما الآن فقد أوردنا والحمد لله أدلة كافية بما لا يدع مجالاً للشك بأن الاحتفال بالمولد وكل ما يعود بالثناء والاحترام على نبي الإسلام  كالصلوات وتلاوة السيرة والقصيدة والمدح، وأي صورة من الأذكار ليست فقط جائزة بحسب جميع المرجعيات الواردة، بل إنه وحسب جميع المصادر محمودة ومندوبة طالما لم نجعلها عيداً رسمياً لأنه وكما قلنا في البداية بأن هناك عيدان: عيد الأضحى، وعيد الفطر نقول بأن الاحتفال بمولد النبي  هو مناسبة تجلب الفرح والبركة وليست عيداً.

ليس لأحد الاعتراض على المولد
يا أهل الإسلام، يا أمة النبي ، احتفلوا بنبيكم بكل فخر وفرح ولا تتنازعوا في أمور تجلب الفتن والفوضى. لا تمنعوا أحداً من الاحتفال واتركوا الناس تفعل ما تمليه قلوبها ولنقف صفاً واحداً بالامتثال لأمر الله في كتابه العزيز (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) ولنبتهل إلى الله تعالى طالبين العون على أعداء الإسلام، ذلك خير من الاختصام والمجادلة.

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:23 PM
نبدأ ... و على الله التكلان ..

المولد النبوي الشريف
نورد هنا حجج من أنكر مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ثم نورد حجج المجيزين
والمبيحين لها وردهم على المنكرين بادئين برأي المنكرين وأهم حججهم:
1. أن الذي يمارس هذا الفعل واقع فيما حذر منه النبي  حين قال: ( وَإِيّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأمُورِ، فَإِنّ كُلّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكلّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة ) فقوله (كل بدعة ضلالة ) عموم لا مخصص له يدخل فيه كل أمر مخترع محدث لا أصل له في دين الله والعلماء مجمعون على أنه أمر محدث فصار الأمر إلى أنه بدعة ضلالة تودي بصاحبها إلى النار.


2. أن الممارس لهذا الأمر - أي بدعة المولد- كأنه يتهم الرسول  بالخيانة وعدم الأمانة -و العياذ بالله- لأنه كتم على الأمة ولم يدلها على هذه العبادة العظيمة التي تقربها إلى الله. قال الإمام مالك – رحمه الله -: ( من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا  خان الرسالة لأن الله يقول " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا " فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا ).


3. البدعة في الاحتفال بالمولد النبوي جعل ذلك الاجتماع المخصوص بالهيئة المخصوصة في الوقت المخصوص لأن تخصيص عبادة معينة في وقت معين هو بدعة ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي  قال: ( لاَ تَخْتَصّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللّيَالِي وَلاَ تَخُصّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيّامِ إِلاّ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُم ).


4. أن هذا المولد فيه مشابهة واضحة لدين النصارى الذين يحتفلون بعيد ميلاد المسيح وقد نهينا عن التشبه بهم كما قال  ( مَنْ تَشَبّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم ).


5. أن فيه قدحا في من سبقنا من الصحابة ومن أتى بعدهم بأننا أكثر محبة للنبي  منهم ، وأنهم لم يوفوه حقه من المحبة والاحترام لأن فاعلي المولد يقولون عن الذين لا يشاركونهم انهم لا يحبون النبي  وهذه التهمة منصرفة إلى أصحابه الأطهار الذين فدوه بأرواحهم وبآبائهم وأمهاتهم رضي الله عنهم وأرضاهم .


6. لم يفعله السلف، مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضا، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله  وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص.


7. أنه مجاوزة للحد المشروع في إقامة الأعياد فليس في شرعنا نحن المسلمين إلا عيدان فقط ومن أتى بثالث فهو متجاوز للحد المشروع .



8. أن الفرح بهذا اليوم والنفقة فيه وإظهار الفرح والسرور فيه قدح في محبة العبد لنبيه الكريم إذ هذا اليوم باتفاق هو اليوم الذي توفي فيه النبي  فكيف يفرح فيه.


9. لا يجوز الاستدلال على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بقوله تعالى " قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا
يَجْمَعُون " لأنه قد فسر هذه الآية الكريمة كبار المفسرين، كابن جرير وابن كثير والبغوي و القرطبي وابن العربي وغيرهم، ولم يكن في تفسير واحد منهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية رسول الله ولأن الرحمة للناس لم تكن بولادة النبي  وإنما كانت ببعثه وإرساله إليهم، وعلى هذا تدل النصوص من الكتاب والسنة.


10. لا يجوز الاستدلال على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في الصحيح في كتاب الصيام ( عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ  سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الاِثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيّ ) لأن الرسول  لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول إن صح أنه يوم ولادته وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه في كل شهر.



11. لا يجوز الاستدلال على مشروعية الاحتفال بالمولد بما جاء في البخاري أنه يخفَف عن أبي لهب كل يوم اثنين بسبب عتقه لثويبة جاريته لما بشرته بولادة المصطفى  لأنه مرسل كما يتبين من سياقه عند البخاري أن ذلك الخبر لو كان موصولا لا حجة فيه لأنه رؤيا منام ورؤيا المنام لا يثبت بها حكم شرعي ولأن هذا الخبر مخالف لظاهر القرآن حيث في الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة؛ وهذا مخالف لظاهر القرآن، قال الله تعالى"وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ".

12. أن أول من أحدث فعل ذلك - أي فعل المولد - صاحب إربل الملك المظفر .


13. اشتمال الموالد على كثير من كبائر وعظائم الأمور التي لا تتفق مع مقاصد الشرع المطهر كالدروشة والرقص والطرب وهز الرؤوس كما أن فاعل هذا المولد واقع فيما نهى النبي  أمته صراحة فقد قال  ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ) فقد نهى عن تجاوز الحد في إطرائه ومدحه وذكر أن هذا مما وقع فيه النصارى وكان سبب انحرافهم .وما يفعل الآن من الموالد من أبرز مظاهر الإطراء التي تنفق فيها الأموال الطائلة وتنشد فيها المدائح النبوية التي تشتمل على أعظم أنواع الغلو فيه  وهو غلو مذموم في شخص النبي  و من أعظم الذرائع المؤدية للشرك الأكبر وهو الكفر المخرج من الملة لأن الغلو في الصالحين كان سبب وقوع الأمم السابقة في الشرك وعبادة غير الله عز وجل. وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع الموصلة للشرك . وقد حذر النبي  أمته من ذلك فقال  إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ).

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:25 PM
_____________.. الألباني .. و ابن عثيمين .. و ابن باز ... قولهم ملخصاً في الأعلى __________


الرد عليها ........ نبدأ .. الأولى ..

1. في معرض ما ذكره المنكرون من أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وأن فيه اتهام للرسول  بالخيانة لأنه لم يدلنا على هذه العبادة العظيمة نورد ما يلي:
أولاً: يقول الشيخ الدكتور محمد علوي المالكي الحسني: ( إن الاجتماع لأجل المولد النبوي الشريف ما هو إلا أمر عادي وليس من العبادة في شئ فهل يبقى بعد هذا إنكار لمنكر واعتراض لمعترض. ويقول أيضا: إن أقل الطلاب علماً يعلم الفرق بين العادة والعبادة وحقيقة هذه وتلك.. إلى أن يقول: والحاصل أن الاجتماع لأجل المولد النبوي أمر عادي ولكنه من العادات الخيرة الصالحة التي تشتمل على منافع كثيرة وفوائد تعود على الناس بفضل وفير.. ويقول كذلك: وإن هذه الاجتماعات هي وسيلة كبرى للدعوة إلى الله وهي فرصة ذهبية ينبغي ألا تفوت بل يجب على الدعاة والعلماء أن يذكروا الأمة بالنبي  بأخلاقه وآدابه وأحواله وسيرته ومعاملته وعباداته وأن ينصحوهم ويرشدوهم إلى الخير والفلاح ويحذروهم من البلاء والبدع والشر والفتن فهي وسيلة شريفة إلى غاية شريفة ومن لم يستفد شيئاً لدينه فهو محروم من خيرات المولد الشريف ) انتهى بتصرف.

وتفصيل ذلك أن أحكام التشريع الإسلامي مقسمة إلى قسمين قسم متعلق بالعبادات وقسم متعلق بالمعاملات
فأما الأول فيشمل الصلاة وتندرج تحتها صلاة الفريضة وصلاة التطوع والصيام ويندرج تحته صيام الفريضة وصيام التطوع والزكاة وتندرج تحتها زكاة الفريضة بأنواعها وصدقة التطوع والحج ويندرج تحتها حج الفريضة وعمرة التطوع
ويشمل كذلك العبادات المرتبطة بهذه العبادات كالوضوء وأذكار الأذان والإقامة وكالاعتكاف وأحكام المساجد والنذور وغيرها
وهذه العبادات الأصل فيها التوقيف أي الأصل فيها ورود نص قرآني أو نبوي يبين لنا مناسكها وكيفيتها لقول الحبيب المصطفى  (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم )،

وأما القسم الثاني وهو قسم المعاملات فهو كل ما هو ليس من جنس العبادات المفصلة في القسم الأول وهذه الأصل فيها الإباحة ما لم يرد نص قرآني أو نبوي فيها بنهي أو تحريم.
وهذه القاعدة الفقهية يلخصها لنا الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله: ( والأصل في هذا، أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها، إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه، كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله، إلا ما دل الكتاب والسنة على شرعه، إذ الدين ما شرعه الله، والحرام ما حرمه الله، بخلاف الذين ذمهم الله، حيث حرموا من دون الله ما لم يحرمه الله، وأشركوا بما ما لم ينزل به سلطانا، وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، اللهم وفقنا لأن نجعل الحلال ما حللته، والحرام ما حرمته، والدين ما شرعته ) انتهى.

وفي ذلك أيضاً يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: ( ومما يدل على هذا الأصل المذكور ما جاء في الصحيح عن جابر بن عبد الله قال: (كنا نعزل، والقرآن ينزل، فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن). فدل على أن ما سكت عنه الوحي غير محظور ولا منهي عنه، وأنهم في حل من فعله حتى يرد نص بالنهي والمنع.

وهذا من كمال فقه الصحابة رضي الله عنهم. وبهذا تقررت هذه القاعدة الجليلة: ألا تشرع عبادة إلا بشرع الله، ولا تحرم عادة إلا بتحريم الله ) انتهى.

ويقول أيضاً في موضع آخر: ( بناء على هذا قرروا أن الأصل في العبادات الحظر والمنع، حتى لا يشرع الناس في الدين ما لم يأذن به الله، أما في العادات والمعاملات فالأصل فيها الإباحة. وهناك فائدة أخرى لهذا التقسيم، نبه عليها الإمام الشاطبي وغيره، وهي: أن الأصل في جانب العبادات هو التعبد، دون الالتفات إلى المعاني والمقاصد، أما العادات أو المعاملات فالأصل فيها الالتفات إلى ما وراءها من المعاني والحكم والمقاصد.

فإذا أمر الشارع مثلا بذبح الهدي في الحج، فهذا أمر تعبدي لا يجوز تركه، والتصدق بثمن الهدي، لما في ذلك من تعطيل هذه العبادة الشعائرية. ولكن إذا حث الشارع على ربط الخيل واقتنائها والاهتمام بها لقتال الأعداء، ثم تغير الزمن وأصبح الناس يركبون للحرب الدبابات والمدرعات بدل الخيل، أصبح الاهتمام بهذه الأسلحة الجديدة هو التنفيذ العملي لما جاء من حث على رباط الخيل، بناء على رعاية المعاني والمقاصد التي تفهم من وراء ما جاءت به نصوص الشرع هنا.

فهذا هو سر تقسيم الفقهاء أحكام الفقه إلى عبادات ومعاملات، وهذا هو أثره، وإن كان التزام أحكام الشرع في كل المجالات هو عبادة بالمعنى الشامل الذي بيناه من قبل.) انتهى.

وعلى هذا يكون ما درج عليه المسلمون من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف مندرج تحت قسم العادات والمعاملات فالأصل فيه الإباحة ما لم ترتكب مخالفات شرعية ورد النهي عنها كاختلاط أو شرب مسكر أو إسراف وتبذير منكر أو ما شابه فيكون المنع والتحريم قاصراً على هذه الممارسات الوارد فيها النهي أو التحريم لا على أصل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أما ما يذهب إليه القائلون بعدم جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بناءً على قاعدة كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فقد تبين أن هذا الأصل خاص بقسم العبادات إذ الأصل فيها التوقيف ولا يجوز فيها إحداث عبادة مبتدعة على نحو لم يرد عن رسول الله  أو صحابته الغر الميامين بأي وجه كان


نرجو القراءة ... بتمعن .. وعقلانية .. و النظر إلى المصادر .. وشكراً

و أرجو من أهل السفاهة المجادلة بعلم .. أو الرحيل بحلم

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:26 PM
الرد الثاني ..

ثانياً: في نشرة صادرة عن دائرة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدبي إدارة الإفتاء والبحوث ورد فيها ما يلي: (قال المعارض إن لفظة كل الواردة في الحديث كل بدعة ضلالة من ألفاظ العموم تشمل جميع أنواع البدع بدون استثناء فهي ضلالة.

وبقولهم وتجرئهم هذا هم يرمون علماء الأمة بالابتداع وعلى رأسهم سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه فإن قلتم إن النبي  أقره على ذلك نقول لكم سوف نأتيكم بأفعال أخرى فعلها الصحابة و التابعون بعد وفاته , فهل تتهمونهم بالبدعة و الضلال أم ماذا؟؟!
فإليكم أفعالهم رضي الله عنهم:
جمع القرآن: حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (( قبض النبي  ولم يكن القرآن جمع في شئ)).
وعمر هو الذي أشار على أبي بكر رضي الله عنهما بجمع القرآن في مصحف حيث كثر القتل بين الصحابة في واقعة اليمامة، فتوقف أبو بكر وقال: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟ قال عمر: هو والله خير (أنظر إلى قوله: هو والله خير)، فلم يزل عمر يراجعه حتى شرح الله صدره له، وبعث إلى زيد بن ثابت فكلفه بتتبع القرآن وجمعه، قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل علي مما كلفني به من جمع القرآن ثم قال: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله ؟ قال: هو خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري. والقصة مبسوطة في صحيح البخاري.
مقام إبراهيم عن البيت: أخرج البيهقي بسند قوي عن عائشة قالت: إن المقام كان في زمن النبي  وفي زمن أبي بكر ملتصقا بالبيت، ثم أخره عمر.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ولم تنكر الصحابة فعل عمر، ولا من جاء بعدهم فصار إجماعا، وكذلك هو أول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن.
زيادة الأذان الأول يوم الجمعة: ففي صحيح البخاري عن السائب بن زيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي  وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم . فلما كان عثمان.. زاد الأذان الثالث. باعتبار إضافته إلى الأذان الأول و الإقامة، ويقال له أول باعتبار سبقه في الزمان على أذان الجمعة، ويقال له ثاني بإسقاط اعتبار الإقامة.
الصلاة على النبي: صلى الله عليه وآله وسلم التي أنشأها سيدنا علي رضي الله عنه وكان يعلمها للناس. ذكرها سعيد بن منصور وابن جرير في تهذيب الآثار وابن أبي عاصم ويعقوب بي شيبة في أخبار علي، والطبراني و غيرهم.
ما زاده ابن مسعود في التشهد: بعد (ورحمة الله وبركاته) كان يقول: السلام علينا من ربنا. رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد.
زيادة عبد الله بن عمر البسملة في أول التشهد: وكذلك ما زاده في التلبية بقوله: (( لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل..)) وهو مبسوط في صحيح البخاري، ومسلم، الخ من زيادة الصحابة وعلماء وفضلاء الأمة.
فكل هؤلاء ابتدعوا أشياء رأوها حسنة لم تكن في عهد المصطفى  وهي في العبادات، فما قولكم فيهم؟ وهل هم من أهل الضلال والبدع المنكرة أم ماذا؟ (( نبئوني بعلم إن كنتم صادقين)) وفي نفس النشرة في موضع آخر تم فيها الرد على المعارضين لكل ما لم يفعله الرسول  بما يلي: (فقد أحدثتم في أصل العبادات مسائل كثيرة لم يفعلها  ولا الصحابة ولا التابعون ولا حتى تابعي التابعين فعلى سبيل المثال لا الحصر:
جمع الناس على إمام واحد لأداء صلاة التهجد بعد صلاة التراويح في الحرمين الشريفين وغيرهما من المساجد.
قراءة دعاء ختم القران في صلاة التراويح وكذلك في صلاة التهجد.
تخصيص ليلة (27) لختم القرآن في الحرمين.
قول المنادي بعد صلاة التراويح: (صلاة القيام أثابكم الله).
قول: إن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد ألوهية، وتوحيد ربوبية، وتوحيد أسماء وصفات. فهل هذا حديث شريف، أو قول أحد من الصحابة أو الأئمة الأربعة؟!!


إلى غير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره من تخصيص هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجامعات إسلامية، وجمعيات لتحفيظ القرآن، ومكاتب دعوة وإرشاد، وأسابيع احتفال المشايخ، ومع ذلك فنحن لا ننكر هذه الأشياء إلا أنها من البدع الحسنة التي ينكر هؤلاء القوم على من يفعل أمثالها ثم يفعلونها.
ففعلكم لهذه المبتدعات التشريعية التي لم يفعلها الرسول  فيه تعارض واضح مع قاعدتكم التي تقول: أن العبادات توقيفية وإن كل ما لم يفعله الرسول  وأصحابه فهو بدعة (سيئة) ) انتهى بتصرف.

ولا عبرة بقول المعترض إن ما ذكر من أمور أحدثها الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين بعد النبي  ليس بحجة لأن فعل الصحابي في حد ذاته حجة لقول النبي  عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي فهذا حجة على القائل لا حجة له من وجهين :-

الأول أن الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين والذين أمرنا بالاقتداء بهم لا يمكن أن يخالفوا أمراً صريحاً للنبي  دل هذا على أنهم فهموا من قوله  كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة أنه كل محدثة مخالفة للكتاب والسنة أما ما عدا ذلك فلا حرج ولو لم يكن كذلك لما أحدثوا بعده  فعلاً مطلقاً وبعض ما أحدثوه كان في أمور تعبدية كالأذان الذي استحدثه سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه وكالزيادات التي زادها كل من عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم أجمعين في التشهد والمذكورة أعلاه.

والوجه الثاني - في كون ذلك حجة على القائل - أنه بذلك يقر ضمناً بما أحدثه الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين بعد النبي  وهذا إقرار ضمني بجواز إحداث ما لم يفعله المصطفى  مما ليس مخالفاً للكتاب والسنة لأن ذلك من سنة الصحابة كما بينته النشرة السابقة بالأمثلة والنبي  - كما احتج المعترض – يقول: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) والحديث قال عنه الحافظ العراقي في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين للإمام الغزالي: ( رواه أبو داود والترمذي وصححه، وابن ماجه من حديث العرباض بن سارية ) انتهى.
ولقول النبي  كما في كشف الخفاء للإمام العجلوني: (أصحابي كالنجوم، فبأيهم اقتديتم اهتديتم. رواه البيهقي، و أسنده الديلمي عن ابن عباس بلفظ أصحابي بمنزلة النجوم في السماء بأيهم اقتديتم اهتديتم ) انتهى.

فإذا أجزنا عملاً لم يفعله المصطفى  ولكنه ليس مخالفاً للكتاب والسنة فقد اقتدينا في ذلك بفعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

ويقول الشيخ البروفيسور محمد علوي المالكي: ( ليس كل ما لم يفعله السلف ولم يكن في الصدر الأول فهو بدعة منكرة سيئة يحرم فعلها ويجب الإنكار عليها بل يجب أن يعرض ما أحدث على أدلة الشرع فما اشتمل على مصلحة فهو واجب، أو على محرّم فهو محرّم، أو على مكروه فهو مكروه، أو على مباح فهو مباح، أو على مندوب فهو مندوب، وللوسائل حكم المقاصد، ثم قسّم العلماء البدعة إلى خمسة أقسام:
واجبة: كالرد على أهل الزيغ وتعلّم النحو.
ومندوبة: كإحداث الربط والمدارس، والأذان على المنائر، وصنع إحسان لم يعهد في الصدر الأول
. ومكروه: كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف.
ومباحة: كاستعمال المنخل، والتوسع في المأكل والمشرب.
ومحرمة: وهي ما أحدث لمخالفة السنة ولم تشمله أدلة الشرع العامة ولم يحتو على مصلحة شرعية.
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: (ما أحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثراً فهو البدعة الضالة، وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو المحمود). وجرى الإمام العز بن عبد السلام والنووي كذلك وابن الأثير على تقسيم البدعة إلى ما أشرنا إليه سابقاً.
فكل خير تشمله الأدلة الشرعية ولم يقصد بإحداثه مخالفة الشريعة ولم يشتمل على منكر فهو من الدين.

وقول المتعصب إن هذا لم يفعله السلف ليس هو دليلاً له بل هو عدم دليل كما لا يخفى على مَن مارس علم الأصول، فقد سمى الشارع بدعة الهدى سنة ووعد فاعلها أجراً فقال  : (مَنْ سَنّ فِي الإسْلاَمِ سُنّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمَلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجُورِهِمْ شَيْئا وَمَنْ سَنّ فِي الإسْلاَمِ سُنّةً سَيّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئا) ) انتهى بتصرف.
ويقول الشيخ الحبيب علي الجفري: ( لم يكن الصحابة عندهم حفل تخرج لحفظة القرآن ولم يكن عند الصحابة جامعات إسلامية ) انتهى فكما أن المحتجين على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يقولون لنا أنه لم يرد عن النبي  ولا عن صحابته ولا عن السلف الصالح من القرون الخيرية الأولى أنهم احتفلوا بمولده فكذلك يحتج عليهم الشيخ الحبيب علي الجفري بأنه لم يرد عن النبي  أنه احتفل بحفظ أحد من صحابته للقرآن الكريم ولا فعل ذلك صحابته ولا ورد فعله عن السلف الصالح من القرون الخيرية الأولى وكلا الأمرين احتفال وكلا الاحتفالين تحفيز على عمل الخير بنية مرضاة الله تعالى وشكره.

وهذه اللفتة من الشيخ الحبيب علي الجفري كما هو بين لا يقصد منها حقيقة الإنكار على حفلات تخريج حفظة القرآن الكريم بل التنبيه على الشبه بين الأمرين في مشروعية الاحتفال بتخريج حفظة كتاب الله تعالى والاحتفال بيوم مولد المصطفى  بكثرة الذكر والصلاة عليه والصيام والصدقة وغيرها. ومن العجيب رد أحدهم على قول الحبيب الجفري السابق بقوله: (فإقامة حفل لحفظة القرآن الكريم إنما هو من أجل تشجيع الحفظة على حفظ كتاب الله تعالى
. وأي غضاضة في ذلك فهو لم يقرن بمحرم ولا بدعة زمانية ولا بدعة مكانية فهو من جنس المباحات التي أباحها الله ثم ما يحصل في حفل لحفظ كتاب الله مخالف تماما لما يحصل في المولد من البدع والمحدثات ) انتهى.

فقوله (فهو لم يقرن بمحرم ولا بدعة زمانية ولا بدعة مكانية فهو من جنس المباحات التي أباحها الله) مع أن النبي  لم يفعله مع صحابته ولا فعله صحابته من بعده هو ما نقوله أيضا في حق المولد النبوي الشريف وما يتم فيه من ذكر وتسبيح وصلاة على النبي  واستذكار لسيرته وإكثار من التصدق في هذا اليوم والصيام وغيره من الأعمال الصالحات التي جاءت الآثار الصحيحة بالحث عليها.

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:29 PM
الرد الثالث :-

ثالثاً: إن الحديث كالقرآن يفسر بعضه بعضا وحديث ( كل محدثة بدعة ) يفسره حديث ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )

وهذا يعني أن الأمر المحدث المعتبر بدعته وضلالته في الحديث الأول هو فقط الأمر الذي تنطبق عليه صفة ( ما ليس منه ) كما وضح في الحديث الثاني وليس هو على إطلاقه كما استشكل على المنكرين ،
ويفصل لنا معنى (ما ليس منه) ما ورد في فيض القدير شرح الجامع الصغير للإمام المناوي: ( ( ما ليس منه) أي رأياً ليس له في الكتاب أو السنة عاضد ظاهر أو خفي ملفوظ أو مستنبط (فهو ردّ) أي مردود على فاعله لبطلانه من إطلاق المصدر على اسم المفعول، وفيه تلويح بأن ديننا قد كمل وظهر كضوء الشمس بشهادة " اليوم أكملت لكم دينكم " فمن رام زيادة حاول ما ليس بمرضي لأنه من قصور فهمه أما ما عضده عاضد منه بأن شهد له من أدلة الشرع أو قواعده فليس بردّ بل مقبول كبناء نحو ربط ومدارس وتصنيف علم وغيرها ) انتهى.

وكذلك ما ورد في عون المعبود شرح سنن ابي داود (عن القاسم بن محمد): أي ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (من أحدث): أي أتى بأمر جديد (في أمرنا هذا): أي في دين الإسلام (ما ليس فيه): أي شيئاً لم يكن له سند ظاهر أو خفي من الكتاب والسنة (فهو): أي الذي أحدثه (رد): أي مردود وباطل ) انتهى. ولذلك ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم على ما أوردناه آنفاً أنهم أحدثوا أموراً لم يفعلها النبي  ولم ينكر بعضهم على بعض.

فالحاصل أنه ليس كل ما أحدث فهو باطل هكذا على الإطلاق وإنما الأمر محصور فقط فيما أحدث في الدين مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعة لغة.

فكما أنه لا يجوز الاكتفاء بحديث ( كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرْضُهُ ) في تحريم دم المسلم مطلقاً لورود حديث آخر يفسره ويبينه ويفصله وهو حديث (لا يَحِلّ دَمُ امرئ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلا الله وأَنّي رَسُولُ الله إلاّ بإحْدَى ثَلاَثٍ: الثّيّبُ الزّانِي والنّفْسُ بِالنّفْسِ والتّارِكُ لِدِيِنِه المُفَارِقُ للْجَمَاعَة ) فكذلك لا يجوز الاكتفاء بحديث ( كل محدثة بدعة ) في تحريم كل أمر محدث مطلقاً وإغفال حديث ( ما ليس منه ) والله تعالى يقول: " أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْض " ولذلك قسم العلماء البدعة كما ذكرنا سابقاً ومن ذلك ما ذكره الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم بقولهقوله  (وكل بدعة ضلالة) هذا عام مخصوص والمراد غالب البدع.

قال أهل اللغة: هي كل شيء عمل على غير مثال سابق. قال العلماء: البدعة خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة…الخ) ومن أنكر عليهم ذلك فقد وقع في قوله تعالى "أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْض" فتأمل.

.................. أرجو القراءة بعقلانية ... وتمعن .

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:31 PM
الرد الرابع :-

رابعاً: إن قول القائل أن المقصود من قول النبي  (مَنْ سَنّ فِي الإسْلاَمِ سُنّةً حَسَنَةً ) معناه من أحيا سنة من سنن النبي  وليس معناه من استحدث عملاً لم يعمله النبي  مستدلاً بقول النبي  (من أحيا سنة من سنتي فعمل بِهَا النَّاس، كَانَ لَهُ مثل أجر من عمل بِهَا لاَ ينقص من أجورهم شيئاً. ومن ابتدع بدعة فعمل بِهَا، كَانَ عَلَيْهِ أوزار من عمل بِهَا لاَ ينقص من أوزار من عمل بِهَا شيئاً) هو قول مردود من عدة أوجه:
1) أن الحديث القائل " من أحيا سنة من سنتي " دليل على أن الحديث الثاني " من سن في الإسلام سنة حسنة " بمعنى من استحدث وليس بمعنى من أحيا لأنهما حديثان منفصلان فالأول يتحدث عن فضل من أحيا سنة من سنن المصطفى  قد أميتت كما في رواية الترمذي وابن ماجة أما الثاني ففي حق من استحدث أمراً حسناً لم يعمله المصطفى  ولو كان الحديث الأول تفسيراً للثاني لاكتفى برواية من أحيا ومن ابتدع إذ الفرق واضح في اللغة بين أحيا وبين سن.
2) ليس في شروح العلماء المحدثين لهذا الحديث القول بالإحياء بل قالوا إنه بمعنى من أتى بطريقة أو من دعا إلى أمر وهذا يشمل الأمر المحدث والأمر غير المحدث.
3) ليس الإحياء في اللغة من معاني السن.



4) يدلل على أن معنى سن في الحديث أي استحدث ما ذكره شمس الأئمة السرخسي في شرح المبسوط قوله: ( والحاصل أنه يبدأ بما أدرك مع الإمام لقوله : (إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون عليكم بالسكينة والوقار ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا). وكان الحكم في الابتداء أن المسبوق يبدأ بقضاء ما فاته حتى أن "معاذاً" رضي الله عنه جاء يوماً وقد سبقه النبي  ببعض الصلاة فتابعه فيما بقي ثم قضى ما فاته فقال : ما حملك على ما صنعت يا معاذ؟ فقال: وجدتك على حالٍ فكرهت أن أخالفك عليه فقال : سن لكم معاذ سنة حسنة فاستنوا بها ) انتهى. وفعل معاذ رضي الله تعالى عنه على ما هو بين استحداث لفعل لم يأمر به النبي  وليس إحياء لسنة من سننه.
5) يستلزم من تأويل قوله  " من سن في الإسلام سنة حسنة " بمعنى من أحيا سنة حسنة أن نقول بذلك في باقي الحديث " ومن سن في الإسلام سنة سيئة " أي من أحيا سنة سيئة وهذا باطل لأنه ليس في سنن النبي  سنة سيئة.

________________

الرد الخامس :-

. في معرض ما ذكره المنكرون من أن تخصيص عبادة معينة في وقت معين هو بدعة نورد ما يلي:
إن القول بأن تخصيص ليلة المولد النبوي الشريف ويومه بالاحتفال بالذكر وإلقاء الخطب والمواعظ أو بالصيام والتصدق وما إلى ذلك مما يندرج تحت بند العبادات غير جائز لأن تخصيص عبادة معينة في وقت معين هو بدعة هو قول مغلوط لأنه لا ينطبق على مسألتنا لأن ذلك مقصور على عبادات الفرائض فهذه تخصيصها بوقت معين هو أمر توقيفي كوقت صلاة الفريضة ووقت الصيام المفروض ووقت وجوب زكاة الفريضة ووقت الحج أما ما يخص العبادات التطوعية فهي مشروعة في كل وقت وحين باستثناء الأوقات الوارد فيها النهي عن عبادة بعينها كالصلاة في أوقات الكراهة وكصيام أيام العيدين والأيام المنهي عن الصيام فيها وما إلى ذلك مما ورد فيه نص أما سائر الأوقات مما لم يرد فيها نص مخصوص فإنه يباح فيها كل تطوع قولي أو فعلي من ذكر أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو تطوع بصلاة أو صيام أو صدقة أو عمرة سواء خصص لهذه العبادات التطوعية وقت مخصوص أم لم يخصص ما لم يكن هذا الوقت المخصوص ورد النهي فيه عن تطوع بعينه على النحو الذي مثلناه.
ومع أن هذا الأمر بين وليس بحاجة لإثبات إلا أننا مع ذلك نسوق الدليل عليه وهو الحديث الوارد في فتح الباري بشرح صحيح البخاري أنه كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس (وانظر هنا لتخصيصه رضي الله تعالى عنه يوم الخميس بإلقاء المواعظ ) فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم (وانظر هنا إلى عدم اعتراض القائل على تخصيص يوم الخميس بعينه دون سائر الأيام لإلقاء المواعظ كما يعترض المنكرون على تخصيص ليلة المولد النبوي الشريف بالذكر وإلقاء المواعظ ) قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي  يتخولنا بها مخافة السآمة علينا. وفي هذا الرد البليغ على المنكرين بتخصيص يوم مولده  بالذكر والموعظة وسائر القربات وكذلك رد على استنكارهم عدم دوام إلقاء الخطب والمواعظ وحلقات الذكر في سائر أيام السنة كما يحدث في هذا اليوم وفي سائر أيام المناسبات الإسلامية الأخرى كيوم الإسراء والمعراج ويوم بداية السنة الهجرية وغيرها فنجيبهم أن تخصيص هذه المناسبات بالمواعظ والدروس هو امتثال لقوله تعالى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) (ابراهيم:5) ولا يخفى ما في استهداف هذه الأيام والمناسبات بتذكير الناس ووعظهم من اقتداء بأمر الله تعالى لنبيه موسى عليه وعلى رسولنا أفضل الصلاة وأزكى وأتم التسليم في قوله تعالى( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ) وما في ذلك من اتباع لسنة المصطفى  وسنة صحابته الكرام من بعده رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم في تخير المناسبات والأوقات وما يناسبها من مواعظ لما في ذلك من حكمة بينها لنا الحبيب المصطفى  التي لا يكون معها مخافة السآمة كما في الحديث السابق. وفي هذا المعنى يقول الشيخ الدكتور محمد بن علوي المالكي: (إن في شهر ولادته يكون الداعي أقوى لإقبال الناس واجتماعهم وشعورهم الفياض بارتباط الزمان بعضه ببعض، فيتذكرون بالحاضر الماضي وينتقلون من الشاهد إلى الغائب ) انتهى.
أما الدليل الذي ساقه المنكرون على أن تخصيص عبادة معينة في وقت معين هو بدعة وهو الحديث الذي رواه مسلم وفيه لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي فهو دليل عليهم ويوضح ذلك قول الإمام الخطيب الشربيني في كتاب مغني المحتاج تعليقاً على هذا الحديث: (وظاهر تخصيصه ليلة الجمعة أنه لا يكره تخصيص غيرها وهو كذلك) انتهى.
وإتماماً للفائدة بخصوص هذا الحديث نورد ما قاله الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث إذ يقول: (قال العلماء: والحكمة في النهي عنه أن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها لقول الله تعالى: " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً " وغير ذلك من العبادات في يومها، فاستحب الفطر فيه، فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة فإن السنة له الفطر كما سبق تقريره لهذه الحكمة، فإن قيل: لو كان كذلك لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده لبقاء المعنى. فالجواب أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه، فهذا هو المعتمد في الحكمة في النهي عن إفراد صوم الجمعة، وقيل سببه خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن به كما افتتن قوم بالسبت، وهذا ضعيف منتقض بصلاة الجمعة وغيرها مما هو مشهور من وظائف يوم الجمعة وتعظيمه، وقيل سبب النهي لئلا يعتقد وجوبه وهذا ضعيف منتقض بيوم الاثنين فإنه يندب صومه ولا يلتفت إلى هذا الاحتمال البعيد وبيوم عرفة ويوم عاشوراء وغير ذلك فالصواب ما قدمنا والله أعلم) انتهى.

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:34 PM
الرد السادس :-

. وفي معرض الرد على شبهة التشبه بالنصارى في احتفالهم بعيد ميلاد المسيح عليه وعلى رسولنا أفضل وأزكى وأتم التسليم نورد ما يلي:
أولاً: ورد في الموسوعة الفقهية لمجموعة من العلماء تصدرها وزارة الأوقاف الكويتية شرحاً لحديث من تشبه بقوم فهو منهم ما نصه: ( هَذَا , وَالتَّشَبُّهُ فِي غَيْرِ الْمَذْمُومِ وَفِيمَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّشَبُّهُ لَا بَأْسَ بِهِ . قَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ : إنَّ التَّشَبُّهَ ( بِأَهْلِ الْكِتَابِ ) لَا يُكْرَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ , بَلْ فِي الْمَذْمُومِ وَفِيمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّشَبُّهُ . قَالَ هِشَامٌ : رَأَيْت أَبَا يُوسُفَ لَابِسًا نَعْلَيْنِ مَخْصُوفَيْنِ بِمَسَامِيرَ فَقُلْت أَتَرَى بِهَذَا الْحَدِيدِ بَأْسًا ؟ قَالَ : لَا , قُلْت : سُفْيَانُ وَثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ كَرِهَا ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالرُّهْبَانِ , فَقَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَهَا شَعْرٌ وَإِنَّهَا مِنْ لِبَاسِ الرُّهْبَانِ " ) انتهى.

ثانياً: يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي تعليقاً على هذا الحديث: (والمراد: التشبه بهم فيما هو من سماتهم الدينية خاصة ) انتهى.

ومعلوم أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليس من سمات النصارى ولا أي طائفة أخرى إذ لا يعترف بنبوته  أصلاً أحد من غير المسلمين فضلاً عن أن يحتفلوا بهذه المناسبة فليس في الاحتفال بمولده  تشبه بأحد بل هو خاص بهذه الأمة.

ثالثاً: وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والبيهقي عن ابن عباس قال: "قدم النبي  المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى، وأغرق فيه آل فرعون، فصامه موسى شكرا لله. فقال رسول الله : فنحن أحق بموسى منكم، فصامه رسول الله  وأمر بصيامه" وقد أورد الإمام النووي في شرح مسلم حديث قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح: (أن قريشاً كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر رسول الله  بصيامه حتى فرض رمضان) وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والبيهقي عن ابن عباس قال: "حين صام رسول الله  يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه تعظمه اليهود، فقال رسول الله : إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا يوم التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله ".

وقد علق الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي على ذلك بقوله: (على أن موافقة النبي لليهود في أصل الصيام كانت في أوائل العهد المدني إذ كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه استمالة لهم، وتألفا لقلوبهم، فلما استقرت الجماعة الإسلامية، وتبينت عداوة أهل الكتاب للإسلام ونبيه وأهله أمر بمخالفتهم في تفاصيل الصوم مع الإبقاء على أصله احتفالا بالمعنى العظيم الذي ذكرناه، فقال  "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يوما وبعده يوما" رواه أحمد. وقد دخل الصحابة أنفسهم -في أواخر العهد المدني- ما داخل السائل من موافقة أهل الكتاب مع حرصه  على تميز أمته عن مخالفيهم في العقيدة ويتجلى هذا فيما رواه مسلم عن ابن عباس قال: لما صام رسول الله  يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال: إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفى رسول الله . والراجح، الذي يفهم من هذا الجواب ومن الآثار الأخرى أنه  لن يقتصر على اليوم العاشر بل يضيف إليه التاسع مخالفة لليهود والنصارى) انتهى.

فتأمل قوله (أمر بمخالفتهم في تفاصيل الصوم مع الإبقاء على أصله احتفالا بالمعنى العظيم) فليست المخالفة وعدم التشبه في ترك الاحتفاء بالذكرى وإلا لكان الرسول  قد دعانا لذلك وفي ذلك رد على من قال بالتشبه بالنصارى وغيرهم لأن فعل الرسول  في هذه الحادثة دليل على بقاء مشروعية الاحتفال بذكرى نصر الله تعالى لنبيه موسى عليه وعلى رسولنا أفضل وأزكى وأتم التسليم وإن كان اليهود يعظمون ذلك اليوم لأن المناسبة لا تخص اليهود وحدهم.

فكيف بذكرى المولد النبوي الشريف والتي تخصنا وحدنا نحن المسلمين ولا يشاركنا فيها أحد من أهل الملل الأخرى ولذلك استنبط الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) من هذا الحديث جواز عمل المولد____________


الرد السابع :-

. وفي معرض الرد على قول المنكرين أن في الاحتفال بالمولد النبوي قدحا في من سبقنا من الصحابة ومن أتى بعدهم بأننا أكثر محبة للنبي  منهم نورد ما يلي:

أولاً: يقول الإمام أبي العزائم: ( إن إحياء ليالي المولد الشريف وإن لم يظهر في عهد السلف فإن أنفسهم كلها كانت ذكرى له  وبه تحف وكانت قلوبهم تتمثله في كل همة وحركة وتستحضره  في كل لمسة وسكنة وقد شغلت الدنيا وحظوظها القلوب فاحتاجت إلى اليقظة لذكر شمائل الحبيب المحبوب لتحيا في رياض الشهود ) انتهى. وفي هذا رد أيضاً على من قال بأنه لو كان هذا الاحتفال خيراً محضا، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا إذ شتان بين عهد الصحابة والسلف رضوان الله تعالى عنهم وانشغالهم في كل أحوالهم وأوقاتهم بحب المصطفى  واتباع سنته وبين عهودنا التي شغلت الدنيا فيها أكثر أهلها. ولكي يتضح الفرق نورد ما ذكر في مختصر تفسير ابن كثير للصابوني في تفسير قوله تعالى " وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا ": (روى ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول اللّه  وهو محزون، فقال له النبي : "يا فلان مالي أراك محزوناً"؟ فقال: يا نبي اللّه شيء فكرت فيه، فقال ما هو؟ قال: نحن نغدوا ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك، وغداً ترفع مع النبيين، فلا نصل إليك، فلم يرد عليه النبي  شيئاً، فأتاه جبريل بهذه الآية: " ومن يطع اللّه والرسول فأولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين " الآية، فبعث النبي  فبشره. وعن عائشة، قالت: جاء رجل إلى النبي ، فقال: يا رسول اللّه! إنك لأحب إليَّ من نفسي، واحب إليَّ من أهلي، وأحب إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلتّ الجنة رفعتَ مع النبييّن، وإن دخلتُ الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي  حتى نزلت عليه " ومن يطع اللّه والرسول فأولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ".

وثبت في صحيح مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه قال: كنت أبيت عند النبي  فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: سل فقلت: يا رسول اللّه أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: "أو غير ذلك؟" قلت: هو ذاك، قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود"

وقال الإمام أحمد عن عمروا بن مرة الجهني، قال: جاء رجل إلى النبي  فقال: يا رسول اللّه شهدت أن لا إله إلا اللّه، وأنك رسول اللّه؛ وصليت الخمس، وأديت زكاة مالي وصمت شهر رمضان، فقال رسول اللّه  : "من مات على ذلك كان مع النبيين والصديقين.

وقد ثبت في الصحيح والمسانيد وغيرهما من طرق متوترة عن جماعة من الصحابة أن رسول اللّه  سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال: "المرء مع من أحب". قال أنس: فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث، وفي رواية عن أنس أنه قال: إني لأحب رسول اللّه  وأحب أبا بكر وعمر رضي اللّه عنهما، وأرجوا أن اللّه يبعثني معهم، وإن لم أعمل كعملهم.

قال الإمام مالك بن أنس عن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول اللّه  : "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم"، قالوا: يا رسول اللّه تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: "بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدَّقوا المرسلين" (أخرجه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم) قال تعالى: " ذلك الفضل من اللّه " أي من عند اللّه برحمته، وهو الذي أهّلهم لذلك لا بأعمالهم، " وكفى باللّه عليماً " أي هو عليم بمن يستحق الهداية) انتهى.

وكذلك يقول الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في إحدى محاضراته الصوتية المسجلة: (لما جيء بزيد بن الدثنة رضي الله عنه ليقتل هو الآخر قال له أبو سفيان وكان مشركاً رحمه الله تعالى كان آنذاك مشركا قال أنشدك الله يا زيد - أي أسألك بالله لا تكذبني لا تكذبني في الجواب - أتحب أنك في أهلك آمنا مطمئناً وأن محمداً في مكانك هنا فقال والله لا أحب أن أكون في بيتي آمناً مطمئناً وإن محمداً ليشاك بشوكة - أي أوثر أن ألقى مصيري هذا في سبيل ألا يشاك رسول الله شوكة واحدة - نظر أبو سفيان متعجبا وقال والله ما رأيت قوماً أشد حبا لشخص من حب أصحاب محمد لمحمد …
ولذلك فالله عز وجل أودع في كيانك عوامل حب المصطفى لما أودع في شخص المصطفى أسباب هذا الحب "وإنك لعلى خلق عظيم" ، " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" انظر كيف صاغ رب العالمين رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام حتى يسهل حب الناس له ولذلك كان الرجل ينظر إلى رسول الله  من خلال منظار عدائه له فلا يرى من خلال هذا المنظار إلا صفة العداء والبغضاء في كيانه يكون هذا محجوباً عن رسول الله  لكن إذا أشاح عن وجهه هذا الحجاب ونظر إلى رسول الله من خلال طبيعته البشرية في اللحظة ذاتها يتحول من عدو لدود إلى عاشق محب وهذا ما وقع عندما جاء ذلك الأعرابي فاخترط سيف رسول الله  ليقتله وهو نائم والقصة تعرفونها سقط السيف من يده وعفا عنه رسول الله  وأشهد على هذه الحادثة بعضاً من أصحابه تحول الرجل في تلك اللحظة من العداوة والبغضاء إلى الحب الشديد والعجيب جداً له وأسرع عائداً إلى قومه يقول لهم جئتكم من عند خير الناس.. رجل اسمه فضالة كان يوم الفتح يتربص برسول الله ليقتله - مشرك ما أسلم - رأى رسول الله  آتياً من بعد يريد أن يطوف بالكعبة فاختبأ وراء ركن من أركان الكعبة ينتظر أن يأتي الرسول إليه ليفاجئه فيقتله، الرسول نبي والله يقول " والله يعصمك من الناس" ألهم الله رسوله أن هذا يريد قتله ترك رسول الله طوافه وغير مساره واتجه من طرف آخر إلى فضالة يعني فضالة كان ينتظر أن يأتيه رسول الله هكذا سار رسول الله معاكساً وفاجأه من الطرف الآخر لما فوجئ به فضالة قال له رسول الله متبسماً أفضالة؟

قال نعم قال ماذا تصنع؟ قال لا شيء أسبح الله فضحك المصطفى عليه الصلاة والسلام ودنا منه ووضع يده الشريفة على صدره يقول فضالة فوالله لم يكن في الدنيا رجل أبغض إلي من رسول الله ما رفع يده عن قلبي حتى لم يكن رجل في الدنيا أحب إلي من رسول الله  وعاد إلى داره ورأسه يفيض نشوة بهذا الحب كان في طريقه إلى الدار امرأة بينها وبينه خلة في الجاهلية لما رأته آتياً من بعيد ظنت أنه جاء ليزورها كالعادة فدعته إلى مجلسها ولكنه رفض ونشوة هذا الحب تطوف في رأسه قال قالت هلم إلى الحديث فقلت:لا.
يأبى علي الله والإسلام ** لوما رأيت محمدا وصحابه
في الفتح يوم تكسر الأصنام ** لرأيت دين الله أضحى واضحاً
والكفر مرغ وجهه الإظلام.

هذا الحب هو الذي يقود الإنسان إلى السلوك وإذا خلا إيمان المرء من هذا الحب كان هذا الإيمان أشبه بسيارة فارغة من الوقود مهما كانت في هيكلها رائعة ومهما كانت حديثة الصنع فإنها لا تفعل شيئاً وقود الإيمان هو الحب حب الله عز وجل وحب رسوله 

وبهذا الحب قال زيد بن الدثنة هذا الكلام أين نحن أيها الإخوة من هذا الحب؟ نحن في أحسن أحوالنا وظروفنا مؤمنون إيماناً عقلانياً يعني موقنون أما هذا الولع لرسول الله - فرعاً عن الولع بالله فرعاً عن محبة الله لأن حب رسول الله غصن مقدس من جذع محبة الله عز وجل -

هذا الشيء مفقود وعندما يوجد لا يوجد منه إلا شيء بسيط لا يحرك ساكناً ولا يقوم اعوجاجاً ولذلك تجد أن المعاصي كثيرة وأن الانزلاق إلى الدنيا هو شغلنا الشاغل لأن القلب إذا فرغ من حب الله وحب رسوله لابد أن يمتلئ بحب الدنيا مستحيل إما هذا وإما ذاك فالآن نحن نعافس الدنيا فاضت أفئدتنا حباً للدنيا وحباً لشهواتها وأهوائها .. أصحاب رسول الله  كانوا يتحركون ويضحون ويفعلون ما يفعلون بسائق واحد هو هذا الحب ) انتهى بتصرف.


كما ينقل لنا الإمام عز الدين أبو العزائم صور من تعلق قلب السلف الصالح بالنبي  في كل حين فأورد لنا ما يلي: (وفي الشفاء للقاضي عياض أن مصعب بن عبد الله قال كان مالك إذا ذكر النبي  يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه فقيل له يوماً في ذلك فقال لو رأيتم ما رأيت ما أنكرتم علي ما ترون. وكذلك قوله لقد كنت أرى محمد بن المنكدرة وكان سيد القراء لا تكاد تسأله عن حديث أبداً إلا ويبكي حتى ترحمه.

ولقد كنت أرى جعفر بن محمد وكان كثير الدعابة والتبسم فإذا ذكر عنده النبي  اصفر وما رأيته يحدث عن رسول الله إلا على طهارة ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي  فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم وقد جف لسانه في فمه هيبة منه لرسول الله  ولقد كنت أرى عامر بن عبد الله بن الزبير فإذا ذكر عنده النبي  بكى ولا يزال يبكي حتى يقوم الناس ويتركوه. إلى أن يقول ومن تعظيم مالك لرسول الله  كراهته أن يقال زرنا قبر النبي  - وكره تسوية النبي  مع الناس بهذا اللفظ - وأحب أن يخص بأنه يقال سلمنا على النبي .

وقال أيضا (أي القاضي عياض في الشفاء) كان أصحاب النبي  بعده لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودهم وكذلك كثير من التابعين منهم من يفعل ذلك محبة له وشوقاً إليه ومنهم من يفعله تهيباً وتوقيراً ) انتهى بتصرف.


ثانياً: يقول الشيخ البروفيسور محمد علوي المالكي: (إن الله تعالى قال: " وكلاًّ نقصُّ عليك من أنباء الرسل ما نثبّت به فؤادك " فهذا يظهر منه أن الحكمة في قصّ أنباء الرسل عليهم السلام تثبيت فؤاده الشريف بذلك ولا شك أننا اليوم نحتاج إلى تثبيت أفئدتنا بأنبائه وأخباره أشد من احتياجه هو  ) انتهى.


ثالثاً: يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: ( هناك لون من الاحتفال يمكن أن نقره ونعتبره نافعا ًللمسلمين،ونحن نعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يحتفلون بمولد الرسول  ولا بالهجرة النبوية ولا بغزوة بدر، لماذا؟ لأن هذه الأشياء عاشوها بالفعل، وكانوا يحيون مع الرسول ، كان الرسول  حياً في ضمائرهم، لم يغب عن وعيهم، كان سعد بن أبي وقاص يقول: كنا نروي أبناءنا مغازي رسول الله  كما نحفِّظهم السورة من القرآن، بأن يحكوا للأولاد ماذا حدث في غزوة بدر وفي غزوة أحد، وفي غزوة الخندق وفي غزوة خيبر، فكانوا يحكون لهم ماذا حدث في حياة النبي ، فلم يكونوا إذن في حاجة إلى تذكّر هذه الأشياء. ثم جاء عصر نسي الناس هذه الأحداث وأصبحت غائبة عن وعيهم، وغائبة عن عقولهم وضمائرهم، فاحتاج الناس إلى إحياء هذه المعاني التي ماتت والتذكير بهذه المآثر التي نُسيت، صحيح اتُخِذت بعض البدع في هذه الأشياء ولكنني أقول إننا نحتفل بأن نذكر الناس بحقائق السيرة النبوية وحقائق الرسالة المحمدية، فعندما أحتفل بمولد الرسول فأنا أحتفل بمولد الرسالة، فأنا أذكِّر الناس برسالة رسول الله وبسيرة رسول الله.

وفي الهجرة أذكِّر الناس بهذا الحدث العظيم وبما يُستفاد به من دروس، لأربط الناس بسيرة النبي  (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) لنضحي كما ضحى الصحابة، كما ضحى علِيّ حينما وضع نفسه موضع النبي ، كما ضحت أسماء وهي تصعد إلى جبل ثور، هذا الجبل الشاق كل يوم، لنخطط كما خطط النبي للهجرة، لنتوكل على الله كما توكل على الله حينما قال له أبو بكر: والله يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال: "يا أبا بكر ما ظنك في اثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا".

نحن في حاجة إلى هذه الدروس فهذا النوع من الاحتفال تذكير الناس بهذه المعاني، أعتقد أن وراءه ثمرة إيجابية هي ربط المسلمين بالإسلام وربطهم بسيرة النبي  ليأخذوا منه الأسوة والقدوة، أما الأشياء التي تخرج عن هذا فليست من الاحتفال ؛ ولا نقر أحدًا عليها ) انتهى.

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:36 PM
الرد الثامن :-

. وفي معرض الرد على من يقول أنه ليس في شرعنا إلا عيدان فقط ومن أتى بثالث فهو متجاوز للحد المشروع نورد ما يلي:
أخرج ابن جرير عن قبيصة بن أبي ذؤيب قال: قال كعب: لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه، فقال عمر: وأي آية يا كعب؟ فقال " اليوم أكملت لكم دينكم " فقال عمر: لقد علمت اليوم الذي أنزلت، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت في يوم جمعة، ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد. فهل تجاوز سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه الحد المشروع باعتباره يوم الجمعة ويوم عرفة عيد؟!، وتأمل عدم استنكار عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه مبدأ اتخاذ اليوم الذي نزلت فيه الآية عيداً بل استفسر عن الآية ثم لما علمها فرح وحمد الله تعالى لأن اليوم الذي نزلت فيه هو فعلياً يوم عيد للمسلمين. وماذا يقول هذا القائل فيما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبى هريرة عن النبي  "يوم الجمعة يوم عيد. فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم، إلا أن تصوموا قبله أو بعده" وفي تحفة الأحوذي للمباركفوري ما نصه: (قال الحافظ: ذهب الجمهور إلى أن النهي فيه للتنزيه واختلف في سبب النهي عن إفراده على أقوال: أحدها: لكونه يوم عيد والعيد لا يصام. واستشكل ذلك مع الإذن بصيامه مع غيره، وأجاب ابن القيم وغيره بأن شبهه بالعيد لا يستلزم استواءه معه من كل جهة ) انتهى.

فلا يخفى ما في تسمية الجمعة ويوم عرفة وغيرها بالعيد من المجاز لكونها أيام اجتماع وفرح وسرور لا أنها أعياد على الحقيقة فليس في هذه الأيام صلاة عيد كعيد الفطر وعيد الأضحى بل هو المجاز وفي ذلك يقول القائل إن كل يوم لا نعصي الله فيه هو لنا عيد أي يوم فرح وسرور وكذلك الحال مع يوم المولد النبوي الشريف الذي هو كما يصفه الشيخ هشام قباني بقوله: (نقول بأن الاحتفال بمولد النبي  هو مناسبة تجلب الفرح والبركة وليست عيداً) انتهى. أي ليست عيداً بالمعنى الشعائري التعبدي لأن ذلك قاصر على عيدي الفطر والأضحى إذ لعيد الفطر وعيد الأضحى شعائرهما الخاصة وعلى رأسها صلاة العيد.



______________
الرد التاسع :-

. وفي معرض الرد على قول القائل أن الفرح بهذا اليوم والنفقة فيه وإظهار الفرح والسرور فيه قدح في محبة العبد لنبيه الكريم إذ هذا اليوم باتفاق هو اليوم الذي توفي فيه نورد ما يلي:
أولاً: الأصل في الاحتفال بيوم المولد النبوي الشريف هو الفرح بيوم مولده لا بيوم وفاته والرسول  يقول " إنما الأعمال بالنيات "






ثانياً: أورد السيوطي حديث " من وسع على عياله في يوم عاشوراء وسع الله عليه في سنته " وقال أورده الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد وصححه السيوطي وقال حديث صحيح. وقد تعارف المسلمون منذ عهد النبي  إلى يومنا هذا على صيام هذا اليوم والاحتفال به لأنه يوم أعز الله فيه نبيه موسى عليه السلام كما سبق ذكره ولم يقل أحد بوجوب ترك تعظيم هذا اليوم وصيامه والتوسيع فيه على العيال لأنه ذات اليوم الذي قتل فيه سيدنا الحسين رضي الله تعالى عنه وأرضاه سبط النبي  ولا يعلم من الفرح والسرور بهذا اليوم الذي نصر الله تعالى فيه نبيه موسى عليه وعلى رسولنا أفضل وأزكى وأتم التسليم فرح بقتل الحسين رضي الله تعالى عنه وأرضاه وكذلك الحال مع الفرح بيوم مولده  فلا يعلم منه فرح بوفاته .






وقد ورد رداً على هذه الشبهة في نشرة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدبي ما نصه: ( يقول المعارض: إن يوم ولادته  هو نفس يوم وفاته فالفرح فيه ليس بأولى من الحزن، ولو كان الدين بالرأي لكان اتخاذ هذا اليوم مأتما ويوم حزن. ونقول: ما شاء الله على هذه الفصاحة العرجاء والتي سيجيبكم عليها العلامة جلال الدين السيوطي كما في (الحاوي للفتاوى ص193، طبعة دار الكتب العلمية) حيث قال ما نصه: (( إن ولادته  أعظم النعم، ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم، والصبر والسكون عند المصائب، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهي إظهار شكر وفرح بالمولود، ولم يأمر عند الموت بذبح عقيقة ولا بغيره، بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته  دون إظهار الحزن فيه بوفاته، وقد قال ابن رجب في كتابه (اللطائف) في ذم الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتما لأجل مقتل الحسين رضي الله تعالى عنه: ولم يأمر الله ولا رسوله  باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف ممن هو دونهم)) ) انتهى.

ثالثاً: يقول الشيخ هشام قباني: ( قال الإمام القسطلاني: وقد خص البخاري في كتابه عن الجنائز بابا خاصا عن فضل الموت يوم الاثنين وفيه: عن عائشة قالت: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: في كم كفنتم النبي ؟ قالت: في ثلاثة أثواب سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة.

وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله ؟ قالت: يوم الإثنين. قال: فأي يوم هذا؟ قالت: يوم الإثنين.
قال: أرجو فيما بيني وبين الليل. رواه البخاري في باب الجنائز باب موت يوم الاثنين،

ويتابع الإمام القسطلاني فيقول: فلماذا دعا أبو بكر لكي يكون موته يوم اثنين؟ أوليس لكونه يوم وفاة النبي  ولكي يحوز على بركة ذلك اليوم فهل اعترض أحد على رغبة أبي بكر؟ ولماذا نرى أناساً يعترضون على الاحتفال والاهتمام بيوم المولد بقصد التبرك ) انتهى.

وكما أن رغبة الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه بأن يكون يوم وفاته هو ذات اليوم الذي توفي فيه الحبيب المصطفى  هو من قبيل التماس بركة هذا اليوم وليس من قبيل الفرح بيوم وفاته  فكذلك الاحتفال بيوم مولده هو التماس لبركات هذا اليوم وابتهاج باليوم الذي قال عنه العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه وأرضاه في معرض مدحه للنبي :
وأنـت لمّا وُلدتَ أشرقت ال
أر ضُ فـضاءت بنورِها الأفـقُ
فـنحن في ذلك الضياء وفي
النّورِ وسُـبْلِ الـرشادِ نَخْترِقُ
وليس من قبيل الفرح بيوم وفاته .

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:38 PM
الرد العاشر :-

. وفي معرض الرد على القول بعدم جواز الاستدلال على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بقوله تعالى " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " لأن كبار المفسرين لم يكن في تفسير واحد منهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية رسول الله ولأن الرحمة للناس لم تكن بولادة النبي وإنما كانت ببعثه وإرساله إليهم، وعلى هذا تدل النصوص من الكتاب والسنة نورد ما يلي:
أولاً: في إحدى محاضراته ساق الأستاذ البشير المحمودى الخطيب والواعظ بمدينة مراكش مجموعة من الأدلة على جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ذكر منها : (ما استنبطه الألوسي من تفسير قول الله تعالى "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا" فالرسول  رحمة كما قال عز و جل "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" و كما جاء في الحديث: "إنما أنا رحمة مهداة " فوجب من هنا الاحتفال و الفرح بهذه الرحمة ) انتهى.


ثانياً: إن القول بأن كبار المفسرين لم يكن في تفسير واحد منهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية رسول الله  ليس صحيحاً ففي كتاب الدر المنثور في التفسير بالمأثور للإمام جلال الدين السيوطي ذكر عدة أقوال للصحابة والتابعين في تفسير فضل الله ورحمته وذكر منها ما يلي: (أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله " قل بفضل الله وبرحمته " قال: بكتاب الله وبالإسلام. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله " قل بفضل الله وبرحمته " قال: فضله الإسلام ورحمته القرآن.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما " قل بفضل الله " القرآن " وبرحمته " حين جعلهم من أهل القرآن وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: فضل الله العلم، ورحمته محمد ، قال الله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء الآية 107) … ومنها أيضاً … وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما " قل بفضل الله " قال: النبي ، " وبرحمته " قال: علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) انتهى بتصرف.

وقد ذكرنا استشهاد العلامة الألوسي عند تفسيره لهذه الآية في تفسيره روح المعاني على أن الرسول  رحمة بقوله  (إنما أنا رحمة مهداة) والحديث صححه السيوطي في الجامع الصغير.

فالقول بأنه ليس في تفسير أكابر المفسرين أن المقصود بالرحمة في الآية الرسول  قول عار عن الصحة. كما أن من استدل بهذه الآية على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أخذ عموم ما في الآية من معنى ندب الفرح بكل ما هو من فضل الله ورحمته – مما هو خير من متاع الدنيا الزائل - وأي رحمة إلهية أعظم من النبي  كما يقول الشيخ هشام قباني كما أنه لا فرق بين ما ورد من أن المقصود من الفرح بالرحمة في الآية الفرح بالإسلام وبين ما ورد من أنها الفرح بالنبي  فالفرح بمولده  هو فرح بنعمة الإسلام وفرح بأن شرفنا الله تعالى فجعلنا من خير الأمم وجعلنا من أمة خير الأنام  فمولده  هو مولد لرسالة الإسلام ولذا قال العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه وأرضاه في معرض مدحه للنبي :
وأنـت لمّا وُلدتَ أشرقت ال ****
أر ضُ فـضاءت بنورِها الأفـقُ
فـنحن في ذلك الضياء وفي ****
النّورِ وسُـبْلِ الـرشادِ نَخْترِقُ
ثالثاً: يعزز من جواز الاستدلال بهذه الآية على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف إظهاراً للسرور والفرح والابتهاج بمولده  وبكل ما هو مظهر من مظاهر فضل الله تعالى ورحمته الحديث المذكور في تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي: (حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ حدثنا عَلِيّ بنُ الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ حَدّثنِي أَبي قال حدّثنِي عَبْدُ اللّهِ بن بُرَيْدَةَ قالَ: سَمِعْتُ بُرَيْدَةَ يَقُولُ: "خَرَجَ رسُولُ اللّهِ  في بَعْضِ مَغَازِيهِ فَلَمّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كُنْتُ نَذْرتُ إِنْ رَدّكَ اللّهُ صَالِحاً أنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بالدّفّ وَأَتغَنّى. فَقَالَ لها: رَسُولُ اللّهِ  إنْ كُنْتِ نَذَرْت فَاضْرِبي وإلاّ فَلاَ، فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عَلِيّ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عُثْمانُ وَهِي تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ فَأَلْقَتِ الدّفّ تَحْتَ اسْتِهَا ثُمّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ : إنّ الشّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ إِنّي كُنْتُ جَالِساً وَهِيَ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عَلِيّ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ فَلَمّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ ألْقَتْ الدّفّ".

قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ. وفي البابِ عَن عُمَرَ وسعد بن أبي وقاص وَعَائِشَةَ ) انتهى. والحديث رواه أحمد وفي نصب الراية للزيلعي عقب على الحديث بقوله: (كما رواه ابن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب عن حسين بن واقد به، وزاد: فضربت، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عمر، وهي تضرب، فألقت الدف، وجلست عليه، فقال عليه السلام: إني لأحسب الشيطان يفرق منك يا عمر، قال: وهذا حديث صحيح، انتهى كلامه) انتهى.


فهذه الجارية قد فرحت بعودته  سالماً من إحدى غزواته وعبرت عن فرحها على الصورة الواردة في الحديث ولم ينكر عليها رسول الله  بل أجاز لها ذلك. فكيف يعاب وينكر علينا إظهار الفرح بمولده  في ذكرى مولده الشريف وإن كان ذلك بضرب الدفوف كما فعلت الجارية بين يديه .


وفي البداية والنهاية للإمام ابن كثير: (وقال البيهقي أخبرنا أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو بن مطر سمعت أبا خليفة يقول سمعت ابن عائشة يقول لما قدم رسول الله  المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن:
طلع البدر علينا ***** من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا **** ما دعا لله داع
قال البيهقي وهذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينة من مكة لا أنه لما قدم المدينة من ثنيات الوداع عند مقدمه من تبوك والله اعلم ) انتهى. فها هم الصحابة قد فرحوا بمقدمه  عليهم فاستقبلوه بالفرح والسرور والإنشاد ولم ينكر عليهم رسول الله  ذلك. فكيف يعاب وينكر علينا إظهار الفرح بمولده  في ذكرى اليوم الذي شهد مقدمه  إلى الوجود بإلقاء المدائح والأشعار كما فعل صحابته ذلك عند مقدمه المدينة .


وفي البداية والنهاية أيضاً في ذكر توبة كعب بن مالك بعد تخلفه عن غزوة تبوك: (فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع يقول بأعلى صوته يا كعب ابشر فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله للناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يباشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله  فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة يقولون ليهنك توبة الله عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فإذا برسول الله  جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله  قال رسول الله  وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله وكان رسول الله  إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلسنا بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله  أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر وقلت يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي ألا أتحدث إلا صدقا ما بقيت ) انتهى.


فهذا الصحابي كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه وأرضاه قد فرح بتوبة الله تعالى عليه حتى كان من فرحه أن خلع ثوبه وكسا به من جاءه مبشراً وها هم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وكذلك النبي  يصافحون كعباً ويهنئونه على توبة الله تعالى عليه. فكيف يعاب وينكر علينا إظهار الفرح بمولده  في ذكرى مولده الشريف سواء كان ذلك بالصدقة كما فعل كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه وأرضاه أو بتبادل التهاني في هذا اليوم كما فعل النبي  والصحابة ذلك مع كعب بن مالك رضي الله تعالى عنهم أجمعين في يوم توبته.


رابعاً: إن قول القائل الرحمة للناس لم تكن بولادة النبي وإنما كانت ببعثته وإرساله إليهم تؤكد من مشروعية الاحتفال بمولده  لأن الاحتفال بيوم مولده أو بيوم بعثته هما وجهان لعملة واحدة وفي هذا المعنى يقول الشيخ الدكتور محمد علوي المالكي: (أن تعظيمه  مشروع ، والفرح بيوم ميلاده الشريف بإظهار السرور وصنع الولائم والاجتماع للذكر وإكرام الفقراء من أظهر مظاهر التعظيم والابتهاج والفرح والشكر لله بما هدانا لدينه القويم وما منّ به علينا من بعثه عليه أفضل الصلاة والتسليم ) انتهى.


ويتضح المعنى أكثر من كلام الأستاذ البشير المحمودي: (إن الاحتفال بذكرى مولد الرسول  ليس لذاته الجسمية وإنما هو لروحه الملكوتية العلوية فنحن لا نحب النبي  لذاته وإنما نحبه لربه. و قد بين  كيفية وأسباب حبنا لله وحبنا لرسوله  فعن ابن عباس قال: قال رسول الله : أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي. أخرجه الترمذي وحسنه والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب فنحن لا نحبه لأنه محمد بن عبد الله ولكننا نحبه لأنه رسول الله  ونحبه لأنه مبلغ عن الله تعالى، وأنه حبيب الله عز وجل، و نحبه لأن محبته طاعة لله سبحانه و تعالى.

إن الاحتفال بمولد الرسول  هو احتفال و تذكر لنعم الله كما أمر الله أن نتذكرها و نشكرها. و لذا ينبغي أن يكون هذا الاحتفال مصحوبا بالدروس و العظات و المحاضرات و الندوات و العلم و الذكر و القرآن و البر و الإنفاق و الإحسان و التصافح و التسامح بين الإخوان ) انتهى.


خامساً: يقول الشيخ الحبيب علي الجفري: ( إن قول سيدنا العباس رضي الله عنه:
وأنت لمّا وُلدتَ أشرقت ا **** لأرضُ فضاءت بنورِها الأفقُ
فنحن في ذلك الضياء وفي ***** النّورِ وسُبْلِ الرشادِ نَخْترِقُ
يدل على أن اعتقاد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بأن أنوار الهداية والرشاد بدأت بولادة الحبيب.

وسيدنا العباس رضي الله تعالى عنه في البيت الأخير ذكر بأنهم (أي الصحابة رضي الله عنهم) في ذلك الضياء وكانت هذه القصيدة بعد غزوة تبوك في أواخر حياة المصطفى  وهذا اعتقاد من عاصر النبي  وعاشره وشرب من كؤوس قربه وليس كما يدّعي البعض هداهم الله بأن ذلك كان بالبعثة وليس بالولادة. وذكر أيضاً بأن سيدنا العباس رضي الله عنه وأرضاه بعد قول النبي  له ((قل لا يفضض الله فاك )) ما سقطت له سِنّة حتى توفي رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعمره اثنان وثمانون عاماً ) انتهى.

سادساً: يقول الإمام عز الدين ماضي أبو العزائم: ( قال سبحانه " قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين " فالمسيح عليه السلام اتخذ نزول المائدة السماوية والبركة الإلهية عيداً لأنه سبحانه أكرمه وأكرم تلاميذه بهذه المائدة فإذا كانت المائدة السماوية سبباً لاتخاذ يوم نزولها عيداً فلماذا لا يجوز أن نتخذ يوم البعثة النبوية أو المولد النبوي الذي هو يوم البركة ويوم نزول المائدة المعنوية عيداً؟! هل يستطيع أن يدعي أحد أن وجود رسول الله  وما جاء به من شريعة عظيمة خالدة أقل بركة من المائدة المادية التي نزلت على المسيح عليه السلام وتلاميذه؟! ) انتهى.


_____________________

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:39 PM
الرد الحادي عشر :-

. وفي معرض الرد على من قال أن الرسول  لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول إن صح أنه يوم ولادته وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه في كل شهر نورد ما يلي:


أولاً: قال الأستاذ البشير المحمودي: ( تحدث العلامة محمد بن عبد الله ابن الحاج الفاسى القيرواني التلمساني المالكي (ت 714 هـ) في كتابه المدخل عن تعظيم شهر ربيع الأول وحث على تكريمه و احترامه و الإكثار من فعل الخيرات، فيه لأنه وقع فيه مولد الرسول ، شكرا لله على أن أولانا هذه النعمة العظيمة، و ذكر إشارة الحديث النبوي إلى فضيلة يوم ولادته و شهرها بقوله  لمن سأله عن صوم يوم الاثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه" ) انتهى.

وكذلك يقول الإمام عز الدين ماضي أبوالعزائم والشيخ الدكتور محمد علوي المالكي: (أنه  كان يعظّم يوم مولده، ويشكر الله تعالى فيه على نعمته الكبرى عليه، وتفضّله عليه بالوجود لهذا الوجود، إذ سعد به كل موجود، وكان يعبّر عن ذلك التعظيم بالصيام كما جاء في الحديث .. وهذا في معنى الاحتفال به إلا أن الصورة مختلفة ولكن المعنى موجود سواء كان ذلك بصيام أو إطعام أو اجتماع على ذكر أو صلاة على النبي  أو سماع شمائله الشريفة ) انتهى.


ثانياً: لا فرق بين الاحتفال بيوم الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام على أنه يوم المولد النبوي الشريف وبين صيام يوم الاثنين من كل أسبوع لأنه يوم مولده  فالعبرة بأصل الاحتفاء بيوم مولده  كما يفهم من الحديث.

ثالثاً: إذا كان الاعتراض على تخصيص يوم المولد النبوي الشريف بالصيام فلا مانع من ذلك شرعاً لأن صيام التطوع جائز في كل وقت عدا الأيام المنهي عنها وقد تم الكلام على ذلك عند الحديث على قضية التخصيص.

رابعاً: إذا كان الاعتراض هو على عدم التأسي بالنبي  في كيفية احتفاله بيوم الاثنين يوم مولده وذلك بصيام الاثنين من كل أسبوع فنقول في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله  كان يقوم من الليل حتى تفطر قدماه؛ فقالت له عائشة رضي الله عنها: أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: (أفلا أكون عبدا شكورا). فقد كان شكره  لربه على ما أنعم عليه ليس كشكر أحدنا فقد كان يقوم من الليل كما في الحديث السابق حتى تفطر قدماه كيف وهو كما قال عن نفسه : ( أما والله إني لأتقاكم لله وأشدكم خشية له ) وكذلك كان في صيامه  ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله  يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله  استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان. وكذلك سائر عباداته  فلا تقاس عليها عبادة أحد من سائر المسلمين فقد أوتي من الجهد والطاقة ما يعينه على ذلك فهو سيد أولي العزم من الرسل والخلق أجمعين ويؤكد هذا المعنى ما ورد عن سيدنا أنس رضي الله تعالى عنه وأرضاه قال: قال رسولُ الله : "لا تُوَاصِلُوا، قالُوا فإِنّكَ تُوَاصِلُ يا رسولَ الله قال: إِنّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ إِنّ رَبّي يُطْعِمُني ويَسْقِيني".
فمن وسعه صيام الاثنين من كل أسبوع أو من كل شهر فبها ونعمة ومن لم يسعه إلا صيام يوم مولده الذي يصادف الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام فإن الله تعالى يقول " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " والرسول الكريم  يقول: " اتقوا الله ما استطعتم " وما لا يدرك كله لا يترك كله بل من لم يستطع صيام ذلك اليوم كلية فلا إثم عليه لأن صيام التطوع نافلة وليس بفرض ولكن التطوع بالنوافل مما يحبه الله تعالى، ويقرب إلى رضوانه. وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري: ( ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ).
خامساً: قال الشيخ سعيد حوى: ( من المعروف أن ابن الحاج في مدخله كان من أشد الناس حربا على البدع، ولقد اشتد رحمه الله بمناسبة الكلام عن المولد على ما أحدثوه فيه من أعمال لا تجوز شرعا من مثل استعمال لآلات الطرب، ثم قال: فآلة الطرب والسماع أي نسبة بينهما وبين تعظيم هذا الشهر الكريم الذي من الله تعالى علينا فيه بسيد الأولين والآخرين. فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير، شكرا للمولى سبحانه وتعالى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة، وإن كان النبي  لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئا من العبادات، وما ذاك إلا لرحمته  بأمته ورفقه بهم، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته رحمة منه بهم، كما وصفه المولى سبحانه وتعالى في كتابه حيث قال: (بالمؤمنين رؤوف رحيم) لكن أشار عليه الصلاة والسلام إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله عليه الصلاة والسلام للسائل الذي سأله عن صوم يوم الإثنين، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ذلك يوم ولدت فيه) فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه. فينبغي أن نحترمه حق الاحترام، ونفضله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة، وهذا منها لقوله عليه الصلاة والسلام: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" ولقوله عليه الصلاة والسلام: "آدم ومن دونه تحت لوائي". وفضيلة الأزمنة والأمكنة تكون بما خصها الله تعالى به من العبادات التي تفعل فيها لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تتشرف لذاتها، وإنما يحصل لها الشرف بما خصت به من المعاني. فانظر رحمنا الله وإياك إلى ما خص الله تعالى به هذا الشهر الشريف ويوم الإثنين، ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم، لأنه  ولد فيه، فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرم ويعظم ويحترم الاحترام اللائق به وذلك بالاتباع له  في كونه عليه الصلاة والسلام كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات. ألا ترى إلى ما رواه البخاري ـ رحمه الله تعالى: "كان النبي  أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان" فنتمثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله عليه الصلاة والسلام على قدر استطاعتنا ) انتهى.


سادساً: وأما ما ذكره المنكرون حول ما يتعلق بالمولد النبوي الشريف من اختلاف الروايات حول تاريخ مولده  فصحيح أنه اختلف في تاريخ مولده كما ذكر المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح الترمذي: (قال ابن الجوزي في التلقيح: اتفقوا على أن رسول الله  ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول عام الفيل واختلفوا فيما مضى من ذلك لولادته على أربعة أقوال أحدها أنه ولد لليلتين خلتا منه، والثاني لثمان خلون منه، والثالث لعشر خلون منه، والرابع لإثنتي عشرة خلت منه) انتهى.

إلا أنه في البداية والنهاية لابن كثير ذكر عدة أقوال في تاريخ مولده منها مايلي: ( وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عثمان عن سعيد ابن مينا عن جابر وابن عباس قالا ولد رسول الله  عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الاول وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات فيه انقطاع وقد اختاره الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي في سيرته وهذا هو المشهور عند الجمهور والله أعلم ) انتهى.


وفي السيرة النبوية لابن هشام: ( قال: حدثنا أبو محمد عبد الملك ابن هشام قال: حدثنا زياد بن عبد الله البكائي محمد بن إسحاق قال: ولد رسول الله  يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل ) انتهى.

والإمام المناوي ذكر في فيض القدير شرح الجامع الصغير: ( الأصح أنه ولد بمكة بالشعب بعيد فجر الاثنين ثاني عشر ربيع الأول عام الفيل ولم يكن يوم جمعة ولا شهر حرام دفعاً لتوهم أنه شرف بذلك الزمن الفاضل فجعل في المفضول لتظهر به على رتبته على الفاضل ونظيره دفنه بالمدينة دون مكة إذ لو دفن بها لقصد تبعاً ) انتهى.


ولو لم يصح ما ذهب إليه الجمهور من ترجيح كونه يوم الثاني عشر من ربيع الأول وهو ما عليه المسلمون منذ قرون إلى يومنا هذا فهذا لا يغير من الأمر شيء إذ ليست هناك عبادات مخصوصة بهذا اليوم بما يجب معه تحري تاريخ هذا اليوم بعينه بما يبطل معه الاحتفال في غيره إذ العبرة بأصل الاحتفال والسرور بذكرى يوم مولده  لا بموافقة ذات اليوم على الحقيقة كما هو الحال في تحري ليلة القدر. أرأيت لو أن زوجين قد اعتادا على أن يحتفلا بعيد زواجهما في كل عام ثم اتفق أن وافق في ذلك اليوم ما يشغلهم عن الاحتفال به فاتفقا على الاحتفال في يوم آخر أيغير هذا من قيمة الاحتفال بالذكرى وفرحتها وخصوصيتها في شيء؟!!.


وإذا أخذنا بالقول بخصوصية هذه الليلة على التعيين وأن لها بركة مخصوصة وفضلاً وشرفاً بما شرفها الله تعالى بمولده  ( وقد ذهب الحافظ ابن حجر إلى ذلك استدلالاً من صوم عاشوراء شكراً لله على نصره لسيدنا موسى عليه وعلى رسولنا أفضل وأزكى وأتم التسليم وإغراقه فرعون فقال: ( وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ) انتهى.


) كان هذا أدعى لالتماس بركة هذا اليوم في كامل شهر الربيع - أخذاً بالأحوط في الخلاف الدائر في تاريخ مولده  إذ الخلاف محصور في هذا الشهر والقول بولادته  في غير هذا الشهر قول مطروح عند أهل التحقيق - لا إلى ترك الاحتفال بالكلية.
____________________________


الرد الثاني عشر :-


. في معرض الرد على ما قيل حول قصة عتق ثويبة نورد ما يلي:

أولاً: قال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية: ( وذكر السهيلي وغيره إن الرائي له هو أخوه العباس وكان ذلك بعد سنة من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر وفيه أن أبا لهب قال للعباس انه ليخفف علي في مثل يوم الاثنين قالوا لأنه لما بشرته ثويبة بميلاد ابن أخيه محمد بن عبدالله أعتقها من ساعته فجوزي بذلك لذلك) انتهى. ‏


ثانياً: يقول الشيخ الدكتور محمد علوي المالكي: ( والحاصل أن هذه القصة مشهورة في كتب الأحاديث وفي كتب السير ونقلها حفاظ معتبرون معتمدون مثل الإمام عبد الرزاق الصنعاني والإمام البخاري والحافظ ابن حجر والحافظ ابن كثير والحافظ البيهقي وابن هشام والسهيلي والحافظ البغوي وابن الديبع الشيباني صاحب جامع الأصول والإمام الأشخر والعامري ويقول في ذلك الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي:
إذا كان هذا كافـراً جاء ذمـه بتبّت يداه في الجحيم مخلّدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائـمـا ***** يُخفّف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره ***** بأحمد مسرورا ومات موحّدا
ويكفي في توثيقها كون البخاري نقلها في صحيحه المتفق على جلالته ومكانته وكل ما فيه من المسند صحيح بلا كلام حتى المعلقات والمرسلات فإنها لا تخرج عن دائرة المقبول ولا تصل إلى المردود وهذا يعرفه أهل العلم المشتغلون بالحديث والمصطلح والذين يعرفون معنى المعلق والمرسل ويعرفون حكمها إذا جاءت في الصحيح. ثم إن هذه المسألة من المناقب والفضائل والكرامات التي يذكرها العلماء في كتب الخصائص والسير ويتساهلون في نقلها ولا يشترطون فيها الصحيح بالمعنى المصطلح عليه.

أما قول من قال: إن هذا الخبر يعارض قوله تعالى " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " فتحرير الكلام في هذا المقام هو أن الآية تدل على أن أعمال الكفار لا ينظر إليها وليس فيها أنهم سواء في العذاب وأنه لا يخفف عن بعضهم العذاب كما هو مقرر عند العلماء وكذلك الإجماع الذي حكاه عياض بقوله (انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب وإن كان بعضهم أشد عذاباً من بعض) فإنه في عموم الكفار وليس فيه أن الله تعالى لا يخفف العذاب عن بعضهم لأجل عمل عملوه ولهذا جعل الله تعالى جهنم دركات والمنافقون في الدرك الأسفل منها. ثم إن هذا الإجماع يرده النص الصحيح وذلك إنه ثبت في الصحيح أن رسول الله  سئل: هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويدافع عنك؟ فقال: وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح منها.


فالتخفيف عن أبي لهب من هذا الباب أيضا لا منكر فيه والحديث يدل على أن الآية المذكورة فيمن لم يكن لهم عمل يوجب التخفيف وكذلك الإجماع. وأما قول من قال: إن هذا الخبر رؤيا منام لا يثبت بها حكم فإن هذا القائل هداه الله إلى الصواب لا يفرق بين الأحكام الشرعية وغيرها أما الأحكام الشرعية فإن الخلاف واقع بين الفقهاء: هل يجوز أخذ الأحكام وتصحيح الأخبار برؤيا رسول الله  في المنام أم لا؟ وأما غيرها فإن الاعتماد على الرؤيا في هذا الباب لا شيء فيه مطلقاً.

وأما قول من قال إن الرائي والمخبر هو العباس في حال الكفر والكفار لا تسمع شهادتهم ولا تقبل أخبارهم فإن هذا قول مردود لا رائحة للعلم فيه وهو باطل ذلك لأنه لم يقل أحد أن الرؤيا من باب الشهادة مطلقاً وإنما هي بشارة لا غير فلا يشترط فيها دين ولا إيمان بل ذكر الله تعالى في القرآن معجزة يوسف عليه السلام عن رؤيا ملك مصر وهو وثني لا يعرف ديناً سماوياً مطلقاً ومع ذلك جعل الله تعالى رؤيته المنامية من دلائل نبوة يوسف عليه السلام وفضله وقرنها بقصته ولو كان ذلك لا يدل على شيء لما ذكرها الله تعالى لأنها رؤيا مشرك وثني لا فائدة فيها لا في التأييد ولا في الإنكار.

والعجب كل العجب من قول القائل: إن العباس رضي الله تعالى عنه رأى ذلك في حال كفره والكفار لا تسمع شهادتهم ولا تقبل أخبارهم فإن هذا القول يدل على عدم المعرفة بعلم الحديث إذ المقرر في المصطلح أن الصحابي أو غيره إذا تحمل الحديث في حال كفره ثم روى ذلك بعد إسلامه أخذ ذلك عنه وعمل به ) انتهى بتصرف.


ولا نضيف على هذا سوى الرد على من احتج بقوله تعالى " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " سببا في رفض قصة ثويبة فنقول إن الاحتجاج بالآية مردود لأنها تتحدث عن الحساب يوم القيامة وفي ذلك يذكر الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ( وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في الآية قال: هو الكافر يعطي كتابه يوم القيامة فينظر فيه فيرى فيه كل حسنة عملها في الدنيا، فترد عليه حسناته، وذلك قول الله تعالى: " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " (سورة الفرقان الآية 23) فأبلس واسود وجهه، وأما المؤمن فإنه يعطى كتابه بيمنيه يوم القيامة فيرى فيها كل خطيئة عملها في دار الدنيا ثم يغفر له ذلك وذلك قول الله: " فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات " (سورة الفرقان الآية 70) فابيض وجهه واشتد سروره ) انتهى.

أما قصة ثويبة فيفهم منها أنه يخفف عنه في القبر أي يخفف عنه من عذاب القبر وهو ما لا تتعلق به الآية ويؤيد هذا المعنى من جواز تخفيف عذاب القبر على الكافر ما ذكره السيوطي في تفسيره حيث قال: (وأخرج ابن الأنباري عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: ينامون نومة قبل البعث، فيجدون لذلك راحة فيقولون " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ".

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي صالح رضي الله عنه في الآية قال: كانوا يرون أن العذاب يخفف عنهم ما بين النفختين، فلما كانت النفخة الثانية، قالوا " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ") انتهى .


كما يفهم من القصة أن هذا التخفيف هو كرامة للمصطفى  وليس لفعل أبي لهب في حد ذاته، وعليه يمكن تفسير القصة بما لا يتعارض مع الآية على أن تخفيف الله تعالى للعذاب عن أبي لهب في كل يوم اثنين هو تفضل منه سبحانه وتعالى وكرامة منه لنبيه  وإلا فإن عمل أبي لهب في حد ذاته في ميزان عدل الله تعالى هباء منثور.

وفي صحيح مسلم والبخاري وغيرهما عن النبي  (لن ينجي أحدا منكم عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ ! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه) فالذي خفف عن أبي لهب في قبره هو ليس عمله حتى يحتج بالآية بل رحمة الله تعالى وتفضله وكرامته لنبيه  وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله تعالى أعلم.

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:41 PM
الرد الثالث عشر :-


. وفي معرض الرد على من قال أن أول من أحدث فعل ذلك - أي فعل المولد - صاحب إربل الملك المظفر نورد ما يلي:
أولاً: يقول الإمام العلامة زين الدين المخدوم الفناني في كتابه البنيان المرصوص في شرح المولد المنقوص نقلاً لكلام الخطيب الشيخ عبد القادر محمد عبد القادر مسليار: ( وما كان المسلمون الأولون في القرون الثلاثة الأولى يفكرون في تعيين زمن خاص يذكرون فيه الناس بعظمة سيدنا محمد  لأنهم يحتفلون به في كل وقت وحين. فلما أضحت الحياة بعد ذلك لاهية والقلوب سقيمة احتاج الناس إلى الذكرى. من هنا استحسن العلماء هذا التقليد الجديد (لاحظ قوله التقليد ولم يقل العبادة) وهو الاحتفال بالمولد النبوي منذ القرن الرابع الهجري وأقره العلماء وصنفوا فيه الكتب ولله در من قال:
واعلم بأن من أحب أحمدا ** لابد أن يهوى اسمه مرددا
لذلك أهل العلم سنوا المولدا
… وقال آخر في بعض رسائله عن الدكتور حسن إبراهيم حسن أنه روى عن الإمام الزاهد عبيد الله بن الحسين أبو الحسن الكرخي الذي انتهت إليه رياسة المذهب الحنفي أنه رحمه الله كان يولي يوم مولد الرسول  ما هو خليق به من تعظيم وتقديس وقد احتفل المسلمون منذ ذلك الحين بليلة مولد الرسول  انتهى ما ذكره الدكتور

وهذا الحين الذي هو كبداية لاحتفال المسلمين بالمولد كان بعد ثلاثمائة وأربعين سنة من الهجرة وهو العام الذي توفي فيه هذا الإمام الحنفي اه.

وفي الروضتين للإمام أبي شامة وكتاب البداية والنهاية للإمام ابن كثير رحمهما الله تعالى والعبارة للأول: وللعلامة العابد الزاهد عمر الملا الموصلي رحمه الله المتوفي سنة خمسمائة وسبعين هجرية دعوة يحتفل بها في أيام مولده  يحضر فيها صاحب الموصل والعلماء والفقهاء والأمراء ويحضر الشعراء وينشدون مدح رسول الله  في ذلك المحفل.

طالع ذينك الكتابين قال الإمام أبو شامة رضي الله عنه في كتاب الباعث: تابع صاحب إربل الملك مظفر في احتفاله بمولده  هذا الإمام الزاهد الموصلي عمر الملا الخ. واحتفل بعدهما ملوك الإسلام احتفالاً عظيماً.

وذكر العلامة الجليل في خلاصة الأثر عن ملوك حيدرا بالدكن أنهم يحتفلون بمولده  احتفالاً عظيماً اه. فالاحتفال بالمولد الشريف مما شاع وذاع في كل البلاد بلا نكير ) انتهى بتصرف.
ثانياً: التسليم بأن أول من أحدث المولد هو صاحب أربل ليس فيه مأخذ على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف خاصة إذا علم من سيرة هذا الرجل الصلاح ففي نشرة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المشار إليها سابقاً ما نصه: (مهد المغرضون لنشر باطلهم ولو بالتدليس كعادتهم على عامة المسمين وقليلي الفهم منهم،حيث قالوا بالحرف الواحد: (( إن الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (11-172) قال إن الدولة الفاطمية العبيدية المنتسبة إلى عبيد الله بن ميمون القداح اليهودي والتي حكمت مصر من سنة (357-567هـ) أحدثوا احتفالات بأيام كثيرة، ومنها الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. انتهى.

هذا ما نقلوه عن الحافظ ابن كثير. وحسب المرجع الذي أشاروا إليه نقول لكم: كذبتم والله!! فإننا وجدنا ما ادعيتموه على الحافظ وما نقلتموه عنه إنما هو عين الكذب والافتراء والتدليس والخيانة في النقول عن علماء الامة.

وإن كنتم مصرين على ذلك فنقول لكم: أخرجوه لنا إن كنتم صادقين.وأين أنتم من ادعائكم بأنكم ستناقشون هذه القضية بعدل وإنصاف وتجرد عن كل هوى بل إنه عين التعصب المخزي والهوى الممقوت.

فكيف نأمن بعد ذلك يا أخي المسلم. لمثل هؤلاء في نقولهم عن علماء الأمة.
وإليك أخي المسلم الرأي الحقيقي للحافظ ابن كثير في عمل المولد ونشأته, والذي أخفاه من يدعي مناقشة الموضوع بعدل وإنصاف. قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) 13-136 طبعة دار المعارف, ما نصه:
( الملك المظفر أبو سعيد كوكبري, أحد الأجواد و السادات الكبراء والملوك الأمجاد, له آثار حسنة ( أنظر إلى قوله آثار حسنة) وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا, وكان مع ذلك شهما شجاعا فاتكا عاقلا عالما عادلا, رحمه الله وأحسن مثواه) إلى أن قال: (( وكان يصرف في المولد ثلاثمائة ألف دينار )) أه.
فانظر رحمك الله الى هذا المدح والثناء عليه من ابن كثير إذ أنه وصفه بأنه عالم، عادل، شهم, شجاع, إلى قوله: رحمه الله وأحسن مثواه، ولم يقل: زنديق، فاجر فاسق، مرتكب للفواحش والموبقات كما هي دعوى المعارض فيمن يقول بعمل المولد الشريف!! وأحيل القارئ إلى نفس المرجع فهناك كلام أعظم مما ذكرت في حق الإمام الجليل لم أنقله خوف الإطالة.

وانظر الى قول الإمام الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (22-336) عند ترجمة الملك المظفر ما نصه: كان متواضعا، خيرا سنيا، يحب الفقهاء والمحدثين)) ) انتهى. وفي هذا أيضاً يورد الإمام عز الدين ماضي أبو العزائم ما نصه: (أول من أحدث عمل المولد صاحب أربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين على أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له آثار حسنة وهو الذي عمر الجامع المظفري بسطح قايسون. قال ابن كثير في تاريخه: كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً وكان شهماً شجاعاً بطلاً عاقلاً عالماً عادلاً.

وقد صنف له الشيخ أبو الخطاب بن دحية مجلداً في المولد النبوي سماه (التنوير في مولد البشير النذير) فأجازه على ذلك بألف دينار وقد طالت مدته في الملك إلى أن مات وهو محاصر للإفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمود السيرة والسريرة وقال سبط بن الجوزي في مرآة الزمان: كان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار وكان له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة فكان يصرف على هذه الدار في كل سنة مائة ألف دينار وكان يصرف على الحرمين والمياه بدرب الحجاز في كل سنة ثلاثين ألف دينار هذا كله سوى صدقات السر وحكت زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب أخت الملك الناصر صلاح الدين أن قميصه من كرباس غليظ لا يساوي خمسة دراهم قالت: فعاتبته في ذلك فقال: ألبس ثوباً بخمسة وأتصدق بالباقي خير من أن ألبس ثوباً مثمناً وأدع الفقير والمسكين ) انتهى.


ثالثاً: ذكر الشيخ هشام قباني في معرض حديثه عن تاريخ الاحتفال بالمولد ما نصه: ( مكة أم القرى زادها الله رفعة وشرفاً هي رائدة المدن الإسلامية في الاحتفال بالمولد وغيره وقد ذكر الأزرقي وهو من مؤرخي القرن الثالث الهجري في كتابه أخبار مكة (ص160 الجزء الثاني) أنه من بين الأماكن التي تستحب الصلاة فيها المنزل الذي ولد فيه النبي  وقال أيضاً بأن المنزل قد تم تحويله سابقاً إلى مسجد على يد أم الخليفتين موسى الهادي وهارون الرشيد.

كما ذكر النقاش وهو من علماء القرآن (ص266-351) بأن موضع ولادة النبي  هو مكان يستجاب فيه الدعاء عند الظهر من كل يوم اثنين ذكره الفاسي في كتاب شفاء الغرام (ص199 الجزء الأول) وغيره ) انتهى.


فتأمل ما ذكره الفاسي (وهو تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن الفاسي الشريف الحسني الحافظ القاضي نزيل مكة المتوفى سنة اثنين وثلاثين وثمانمائة كما وردت ترجمته في الرسالة المستطرفة لمحمد بن جعفر الكتاني) وما ذكره الأزرقي في كتابه أخبار مكة ( وهو الإمام أبو الوليد محمد بن عبد الكريم الأزرقي المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومائتين (أي من القرون الخيرية الأولى) كما وردت ترجمته في كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون وقيل أن اسمه هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق الغساني المكي كما في فيض القدير شرح الجامع الصغير للإمام المناوي. وقيل اسمه هو محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق الغساني الملكي كما ترجم له ابن النديم في كتابه الفهرست.


وقد اختلف في تاريخ وفاته فقد كان الفاسي ( وهو يعتقد أنه كان على قيد الحياة حتى سنة 248 هـ كما في كتابه العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين. وقال خير الدين الزر?لي: إن وفاته كانت حوالي سنة 250 للهجرة، وتعرّض إلى اختلاف الأقوال فيه كما في كتابه الأعلام. ويقول محمد علي مهدوي عن كتابه أخبار مكة: (كان هذا الكتاب النفيس على الدوام موضع اهتمام العلماء والمحدّثين والمؤرّخين، فقد استفاد منه الكثيرُ من الباحثين واستندوا إليه في تنظيم بحوثهم. قرأه عبد الكريم بن محمّد السمعاني، وهو مؤرخ وكاتب سيرة واسع الاطلاع، على بعض المحدثين، وكان يقول عنه كما في كتابه الأنساب: محمّد بن عبد الله الأزرقي حفيد أحمد بن محمّد الأزرقي، صاحب كتاب «أخبار مكّة» كتبه بمنتهى الروعة والدقّة) انتهى بتصرف.

ويقول الدكتور محمد بن صامل السلمي في منهج كتابة التاريخ الإسلامي: (وأقدم من ترجم للأزرقي هو ابن النديم وقد ذكر له ( كتاب مكة وأخبارها وجبالها وأوديتها) ووصفه بأنه كبير، ثم أبو سعيد السمعاني في كتاب الأنساب، الذي أثنى فيه على كتابه (أخبار مكة ) وقال: ( قد أحسن في تصنيف ذلك الكتاب غاية الإحسان) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .. ولم يعرف للأزرقي من المؤلفات سوى كتاب (أخبار مكة) وهو ثابت بالنسبة له ومعروف ومتداول بين العلماء، والنقل عنه في كتبهم مشهور مستفيض، وهو أول كتاب وصل إلينا عن تاريخ مكة وخططها) انتهى بتصرف.


وفي مغني المحتاج للخطيب الشربيني: (ثم بعد الرمي ينصرفون فينزلون موضعا بمنى والأفضل منها منزل النبي  وما قاربه. قال الأزرقي ومنزله  بمنى عن يسار مصلى الإمام ) انتهى. فانظر استجباب الخطيب الشربيني الفقيه الشافعي النزول عند منزل النبي  بمنى.

ولكن للأسف تم هدم المسجد الذي بني في موضع مولده  في القرون المتأخرة على يد من خالفوا سيرة ونهج السلف الصالح إذ يقول الأستاذ لؤي طلال يحيى عبده ما نصه: ( المولد النبوي الشريف....هو المكان الذي ولد فيه رسول الله  معروف معلوم في فم شعب علي وهو الشعب الذي كان يسكنه بنو هاشم وفيه حاصرتهم قريش عند بعثته .

وبني فوق المكان مسجدا ثم هدم لكثرة تبرك الناس به ثم بنيت في المكان عمارة جعلت مقرا لمكتبة مكة بناها الشيخ عباس القطان سنة 1371هـ من ماله الخاص وهذه قصة بناء المكتبة في مكان ولادته : كان الشيخ عباس قطان يتمنى أن يقيم في هذا المكان مكتبة عامة، و اتفق مع أصهاره/ آل الكردي، أن يشتري منهم مكتبة المرحوم الشيخ/ ماجد الكردي، الشهيرة بالمكتبة/ الماجدية، و هي من أثمن المكتبات الخاصة، و ينقل محتوياتها إلى هذه الدار، صيانة للموضع الذي ولد فيه الرسول الكريم ، من أن يبقى معرضا للإهمال و تكريما له بإقامة عمل نافع للناس فيه.

و كانت العقبات التي واجهها الشيخ/ عباس قطان، لتحقيق هذه الأمنية الكبيرة كثيرة، و لكنه استمر في محاولاته تلك دون كلل أو ملل، فاستطاع بعد سنوات طويلة من الصبر و تصيد الفرص المناسبة، أن يحظى بموافقة جلالة المغفور له الملك عبد العزيز، للسماح له بإقامة المبنى الذي يريد.

و ما أن حصل الإذن من جلالته بإقامة المبنى حتى سارع باتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك عام 1370هـ، و كان يشرف على البناء بنفسه في كل يوم راغبا في سرعة إنجازه و تحقيق الأمينة التي كان ينشدها برؤية المكتبة العامة مشيدة في موضع مولد النبي .

و في يوم من أيام شهر رجب 1370م، ذهب كعادته لرؤية العمارة مصطحبا بعض أصدقائه، و لكنه شعر بألم مفاجئ، و هو واقف في الموقع، فقد فاجأته نوبة قلبية حادة، فأمسك به بعض الحاضرون من أبنائه و أصدقائه، و استدعى له أحد الأطباء، ثم نقل إلى بيته، و في اليوم التالي فارق الحياة، فكانت هذه العمارة التي تمنى أن ينشئها هي الخاتمة السعيدة لحياته، و لقد قام أبناؤه من بعده بإكمال العمل الطيب الذي بدأه والدهم العظيم، كما نقلوا إليها المكتبة/ الماجدية، و سلمت إلى وزارة الحج و الأوقاف، و هي مفتوحة للجميع. نقلا عن كتاب/ أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة، للأديب السعودي الكبير/ محمد علي مغربي، الطبعة الأولى 1401هـ – 1981م، من إصدارات إدارة النشر بشركة تهامة ، سلسلة الكتاب العربي السعودي ) انتهى. فتأمل الفرق بين ما ذكر من سبب هدم المسجد وما ذكرناه من قول الأزرقي والنقاش والشربيني!!.


رابعاً: يقول الشيخ هشام قباني: ( إن أقدم المصادر التي ذكر فيها إقامة احتفال عام لذكرى المولد هو كتاب رحال لابن جبير (ولد عام 540 وتوفي عام 614 هـ) ويقول فيه (ص114،115): يفتح هذا المكان المبارك أي منزل النبي  ويدخله جميع الرجال للتبرك به في كل يوم اثنين من شهر ربيع الأول ففي هذا اليوم وذاك الشهر ولد النبي . وذكر أبو العباس العظافي وابنه أبو القاسم العظافي وهما من مؤرخي القرن السابع عشر في كتاب الدر المنظم والذي لم ير سبيله إلى النشر: كان الحجاج الأتقياء والمسافرون البارزون يشهدون أنه في يوم المولد في مكة لا يتم بيع ولا شراء كما تنعدم النشاطات ما خلا وفادة الناس إلى هذا الموضع الشريف.

وفي هذا اليوم أيضاً تفتح الكعبة وتزار. ويروي ابن بطوطة المؤرخ الشهير من القرن الهجري الثامن في رحلته (الجزء الأول ص309-347): أنه بعد كل صلاة جمعة وفي يوم مولد النبي  يفتح باب الكعبة بواسطة كبير بني شيبة وهم حجاب الكعبة وأنه في يوم المولد يوزع القاضي الشافعي وهو قاضي مكة الأكبر نجم الدين محمد ابن الإمام محيي الدين الطبري (وهو خلاف الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة 310 هـ صاحب التفسير المشهور) الطعام على الأشراف وسائر الناس في مكة.

والوصف التالي يطابق رواية ثلاث شهود أعيان لمرجعيات من القرن العاشر الهجري وهم المؤرخ ابن زهيرة في كتابه الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها (ص326) والحافظ ابن حجر الهيثمي من كتاب لم ينشر له بعنوان كتاب المولد الشريف المعظم والمؤرخ النهروالي من كتابه الإعلام بأعلام بيت الله الحرام (ص205): في اليوم الثاني عشر لربيع الأول من كل عام وبعد صلاة المغرب يخرج قضاة المذاهب الأربعة في مكة مع أعداد غفيرة من الناس بما فيهم الفقهاء والفضلاء والشيوخ ومدرسي الزوايا وتلاميذهم وكذلك الرؤساء والمتعممين من المسجد ويقومون جميعاً بزيارة لموضع ولادة النبي  وهم يذكرون ويهللون أما البيوت التي تقع في طريقهم فتضاء جميعها بالمشاعل والشموع الكبيرة وتتواجد خارجها وحولها جموع غفيرة من الناس حيث يلبس الجميع ثياباً خاصة ويأخذون أولادهم معهم وعندما يصلون إلى موضع الولادة تلقى خطبة خاصة لذكرى مولد النبي  ثم يتم الدعاء للسلطان ولأمير مكة وللقاضي الشافعي ثم يصلي الجميع بخشوع ثم قبيل صلاة العشاء يعود الجميع إلى المسجد الكبير وهو يعج بالناس فيجلسون في صفوف متراصة عند أعتاب مقام إبراهيم وفي المسجد يبدأ الخطيب بالحمد والتهليل ثم الدعاء مرة أخرى للسلطان وللأمير وللقاضي الشافعي بعد ذلك يؤذن لصلاة العشاء ويتفرق الجمع بعد الصلاة. وجاء وصف مطابق لهذا في كتاب تاريخ الخميس للديار بكري المتوفي عام 960 هـ ) انتهى بتصرف.

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:50 PM
الرد الرابع عشر :-


. وفي معرض الرد على من أنكر ما في احتفالات المولد النبوي الشريف من رقص وطرب وذكر جماعي وإنشاد ومديح منكر نورد ما يلي:
أولاً: يقول أبو محمد الويلتوري في كتابه إبتغاء الوصول لحب الله بمدح الرسول: ( اعلم أن قراءة مولده وإن كانت محدثة بعد القرون الثلاثة لكنها ثابتة بالكتاب والسنة وفيها فضائل لا تحصى فقد كانت العلماء العاملون المحبون لله ولرسوله يقرؤونه ويوصون به ولم ينكره إلا من حرم التوفيق فادعى أنها بدعة قبيحة وتعلق بقوله  (شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) ولم يدر أن قراءة المولد أمر ثابت بالكتاب والسنة.
أما الكتاب فقد قال تعالى " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " (التوبة 128) وفي هذه الآية أمور منها مدح النبي  ومنها الأمر بمدحه وتوقيره لأن هذه الآية لأن هذه الآية أفادت أنه  رسول من الله وأنه من أنفسهم وأن عنتهم عزيز عليه وأنه حريص على هدايتهم وبالمؤمنين رؤوف رحيم وهذه الأمور كلها معلومة عند المخاطبين المصدقين له - وأما المكذبون به  فهم يكذبون بهذه الآية أيضاً فلا يظهر فائدتها فيهم - فتذكيرهم بذلك المعلوم أمر بتوقيره ومدحه فهذه الآية وإن كانت خبراً لفظاً لكنها إنشاء معنى كما أنّا إذا لم نوقر والداً أو إماماً رئيساً يقال لنا إنه أبوك الوالد لك المتبع المشفق عليك فإن معناه إنشاء طلب التوقير لا الإخبار بالحال فكذلك القصد بالآية طلب التوقير والتعظيم كما أشار إليه بعض العلماء الموفقين بإيرادهم لهذه الآية في أوائل مدائحهم وكما صرح به شيخ مشايخنا العلامة شمس العلماء محمد القطبي رحمه الله تعالى كما أخبرني من أثق به هذا.

وقال تعالى " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " (الأنبياء 107) وقال أيضاً " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " (آل عمران 164) فبين تعالى أن إرساله  رحمة للعالمين عامة وأن بعثه من المنة العظمى والنعمة الكبرى ولا خفاء في كون شكر النعمة مطلوباً وإنما الخلاف في كون طلبه بالشرع أو بالعقل فقلنا بالأول والمعتزلة بالثاني. وظاهر أن مِن أنواع الشكر الإخبار والتحديث بها قال تعالى " وأما بنعمة ربك فحدث " وفي تفسير ابن كثير قال رسول الله  ( مَنْ أَعْطَى عَطَاءَ فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ، فَمَنْ أَثْنى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَه ) رواه أبو داود اه. وفي حاشية الكمالين على الجلالين للشيخ المحدث سلام الله الدهلوي أخرج البيهقي والطبراني مرفوعاً التحديث بنعمة الله شكر زاد البيهقي وتركه كفر وأخرج ابن جرير عن أبي بصرة الغفاري كان المسلمون يرون أن من شكر النعمة إظهارها والتحدث بها اه. فثبت أن محض ذكر ولادته  وبعثته من شكر النعمة فضلاً عن اشتماله على مدح النبي  وأيضاً قال تعالى " إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " (الأحزاب 56) وفي كتاب التفسير من صحيح البخاري قال أبو العالية صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة اه. ولا خفاء في كون المقصود بالذات من قراءة مولده  الثناء عليه ومدحه وقال ابن كثير تحت هذه الآية والمقصود من هذه الآية أن الله تعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلي عليه ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً اه. فقوله ليجتمع الثناء عليه الخ صريح في أن الثناء عليه  ومدحه من المطلوب بهذه الآية فثبت بهذه الآيات مع تفسير الأئمة أن قراءة المولد المعبَّر به عن مدح النبي  والثناء عليه أمر مندوب إليه شرعاً.
وأما السنة فقد قال  (اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم) رواه أبو داود والترمذي قال بعض شراح الحديث أفاد إضافة الموتى إلى ضمير المخاطبين أن هذا مخصوص بالمسلمين الصالحين اه. وإذا كان ذكر محاسن آحاد المسلمين مطلوباً فما ظنك بذكر محاسن الأنبياء سيما بمحاسنه  المعبَّر عنه بقراءة المولد وأيضاً أخرج الديلمي في مسند الفردوس عن معاذ رضي الله عنه قال ذِكر الأنبياء من العبادة وذكر الصالحين كفارة وذكر الموت صدقة وذكر الموت يقربكم من الجنة كما في الجامع الصغير وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة قالت يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف قال (أوفي بنذرك) رواه أبو داود وغيره وقال بعض شراح المشكاة أن ضرب الدف وإن لم يكن من القربات التي يجب على الناذر الوفاء بها لكنه أمرها بالوفاء نظراً لمقصدها الصحيح الذي هو إظهار الفرح والسرور بقدومه  من بعض غزواته التي كان فيها مساءة الكفار وإرغام المنافقين ولهذا استحب ضرب الدف في النكاح لما فيه من إظهار السرور اه. ) انتهى. ولا عبرة هنا باعتراض المعترض أنه لا خلاف على وجوب مدحه  والصلاة عليه لكن تخصيص ذلك بيوم المولد بدعة منكرة فقد سبق الحديث عن التخصيص وعن البدعة فلينظر في موضعه.
ثانياً: يقول الشيخ سعيد حوى: ( وأن مما ألف في بعض الجهات أن يكون الاجتماع على محاضرة وشعر أو إنشاد في مسجد أو في بيت بمناسبة شهر المولد، فذلك مما لا أرى حرجا على شرط أن يكون المعنى الذي قال صحيحا. إن أصل الاجتماع على صفحة من السيرة أو على قصيدة في مدح رسول الله  جائز ونرجو أن يكون أهله مأجورين، فأن يخصص للسيرة شهر يتحدث عنها فيه بلغة الشعر والحب فلا حرج. ألا ترى لو أن مدرسة فيها طلاب خصصت لكل نوع من أنواع الثقافة شهرا بعينه فهل هي آثمة، ما نظن أن الأمر يخرج عن ذلك ) انتهى.
ثالثاً: يقول الشيخ هشام قباني: ( وقال ابن القيم في كتاب مدارج السالكين أن النبي  أقر عائشة على غناء القينين يوم العيد وقال لأبي بكر دعهما فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا أهل الإسلام وبأنه  أذن بالغناء في العرس وسماه لهواً وقد سمع رسول الله  الحداء وأذن فيه وكان يسمع أنساً والصحابة وهم يرتجزون بين يديه في حفر الخندق:
نحن الذين بايعوا محمداً … على الجهاد ما بقينا أبداً
ودعا لحسان أن يؤيده الله بروح القدس ما دام ينافح عنه وكان يعجبه شعره وقال له اهجهم وروح القدس معك وأنشدته عائشة قول أبي بكر الهذلي:
ومبرأ مـن كـل غبر حيضـة * وفسـاد مرضعـة وداء مغيـل
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه * برقت كبرق العارض المتهلل


وقالت عائشة أنت أحق بهذا البيت يا رسول الله فوضع  ما كان بيده وقام إلي وقبل ما بين عيني وقال "جزاك الله خيرا يا عائشة ما سررت مني كسروري منك" رواه البيهقي في دلائل النبوة.

وقد ذكر ابن القيم أيضاً قصيدة عبد الله بن رواحة المطولة في مدح النبي  عندما دخل مكة وبأنه دعا له كما أنه خلع بردته على كعب بن زهير بعد أن ألقى قصيدته الشهيرة في مدح النبي  وطلب النبي  من أسود بن سارح بأن يصنع قصائد يثني فيها على الله عز وجل كما أنه  طلب من أحدهم أن ينشد معلقة أمية بن أبي السلط …

ويختتم ابن القيم بقوله (ص498): والاستماع إلى صوت حسن في احتفالات المولد النبوي أو أية مناسبة دينية أخرى في تاريخنا لهو مما يدخل الطمأنينة إلى القلوب ويعطي السامع نوراً من النبي  إلى قلبه ويسقيه مزيداً من العين المحمدية ) انتهى.


وكذلك يقول سلطان العلماء الإمام العز بن عبد السلام في كتابه المسمى بحل الرموز تحقيق طه عبد الرؤوف سعد: ( وقد روى أبو طالب المكي في كتابه بإسناده أن رجلاً دخل على النبي  وعند قوم يقرءون القرآن وقوم ينشدون الشعر فقال يا رسول الله قرآن وشعر فقال من هذا مرة ومن هذا مرة. وقد روى القشيري في رسالته عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكحت ذات قرابتها من الأنصار فجاء النبي  فقال أهديتم الفتاة ؟ فقالت نعم قال فأرسلت من يغني ؟ قالت لا فقال عليه السلام إن الأنصار فيهم غزل ولو أرسلتم من يقول أتيناكم فحيانا وحياكم.

وروى أيضاً بإسناده أن رجلاً أنشد بين يدي النبي  فقال:
أقبلت فلاح لها ** عارضان كالسبج
أدبرت فقلت لها ** والفؤاد في وهج
هل علي ويحكما ** إن عشقت من حرج
فقال رسول الله  لا حرج إن شاء الله تعالى.


وأما الصوت الطيب بالشعر الموزون المفهوم فقد صحت الأخبار وتواترت الآثار بالأصوات الطيبة بين يدي رسول الله  وكان يضع لحسان منبراً بالمسجد يقوم عليه يفاخر عن رسول الله  يقول إن الله يؤيد حساناً بروح القدس ما نافح عن رسول الله .


وقالت عائشة كان أصحاب رسول الله  يتناشدون الأشعار وهو يبتسم ولما أنشده النابغة شعره قال لا يفضض الله فاك وأنشد رسول الله  مائة قافية من قول أمية بن أبي الصلت يقول في كل ذلك هيه هيه ثم قال إنه كاد في شعره ليسلم.


وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي  كان يحدى له في السفر وأن أنجشة كان يحدو بالنساء والبراء ابن مالك يحدو بالرجال فقال عليه السلام يا أنجشة رويدك سوقاً بالقوارير ولا يجوز أن يكون الصوت الطيب بالشعر الموزون والمعنى المفهوم حراماً إذ الأصوات الطيبة غير منكرة ولا محدثة وقد ثبت ذلك بالنص والقياس.


وأما الضرب بالدف والرقص فقد جاءت الرخص في إباحته للفرح والسرور في أيام الأعياد والعرس وقدوم الغائب والوليمة والعقيقة ( فقد رأى  وعائشة رضي الله عنها الحبشة وهم يفعلون ذلك ) وقد ثبت جواز ذلك بالنص فمن ذلك إنشادهم وضربهم بالدف عند قدوم النبي  وقولهم طلع البدر علينا ** من ثنيات الوداع ** وجب الشكر علينا ** ما دعى لله داع.


فأباح لهم ذلك لإظهار السرور بقدومه عليه الصلاة والسلام. ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى يدففان ويضربان والنبي  متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف رسول الله  عن وجهه وقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد.


وفي حديث آخر قالت عائشة رضي الله عنها دخل علي رسول الله  وعندي جاريتان يتغنيان بغناء بعاث ( يوم من أيام العرب الذي وقعت فيه إحدى المعارك ) فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال مزمارة الشيطان عند رسول الله  فأقبل عليه وقال دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا.

وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب فأما سألت ( السائلة هي عائشة رضي الله عنها ) وأما قال أتشتهين تنظرين فقلت نعم فأقامني وراءه وخدي على خده ويقول دونكم يا بني أرفدة (هم الأحباش) حتى إذا مللت قال حسبك قلت نعم قال فاذهبي.


فهذه الأحاديث نص صريح في الصحيح على أن الغناء واللعب بالدرق ليس بحرام ويدل أيضاً على كثير من الرخص منها اللعب وإباحة ذلك في المسجد ووقوفه مع عائشة حتى ملت مع صغر سنها وإنكاره على ابي بكر ومنعه له من انتهار الجاريتين وكان يقرع سمع رسول الله  صوت الدف وصوت الجاريتين فلو كان بموضع يضرب فيه الأوتار لما جوز الجلوس فيه. وفيه دليل على أن صوت النساء أخف تحريماً من صوت الأوتار والمزامير.

فأما صوت الشبابة فاستدل أهل التحريم بحديث نافع عن ابن عمر حين وضع أصبعه في أذنيه وقد سمع زمارة راع فعدل عن الطريق ولم يزل يقول يا نافع أتسمع حتى قال لا فأخرج أصبعيه من أذنيه وقال هكذا رأيت رسول الله  صنع.

فهذا ليس فيه دلالة على التحريم بل فيه دليل قوي على إباحة الشبابة بدليل أنه لم يأمر نافعاً بسد أذنيه ولم ينكر على الراعي وكذلك فعله عليه السلام لا يدل على التحريم لأنه لم يأمر عبد الله بسد أذنيه ولم ينكر على الراعي في فعله وحاشا رسول الله  أن يمر بمنكر ولم ينكره أو بباطل ولم يبطله إذ لم يعرف الحلال والحرام إلا من جهته ولو كان حراماً لأخبر به أصحابه. وأما سده أذنيه عليه السلام فيحتمل معنيين: أحدهما أنه سالك أتم الأحوال وأفضلها ونحن نقول أن الأولى تركه في أكثر الأحوال بل أكثر مباحات الدنيا الأولى تركها. والثاني أنه عليه السلام قل ما يخلو قلبه من فكر أو ذكر وحال مع الله تعالى واشتغاله به فلعله كان في حالة تشغله زمارة الراعي عن هذه الحالة لتأثيرها في القلب كما أنه خلع ثوب أبي جهم بعد الفراغ من الصلاة لأنه كان عليه السلام شغله عن حالته ووقته فلا نقول أن ذلك يدل على تحريم أعلام الثوب بل انه ليستشعر انما شغلت قلبه فخلعه فكذلك سد أذنيه.


وأما احتجاجهم بقول ابن مسعود رضي الله عنه الغناء ينبت في القلب النفاق كما ينبت الماء البقل ويقول الفضيل الغناء رقية الزنا وبقوله عليه السلام ما رفع أحد صوته بالغناء إلا بعث الله إليه شياطين على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك وقول عثمان منذ أسلمت ما تغنيت ولا تمنيت ولا لمست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله .


وبقوله عليه السلام كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى وقول عائشة رضي الله عنها ان الله حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها وبقوله تعالى ( أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون ) الآية قال ابن عباس هو الغناء بلغة حمير.

فيلزم من هذا إذا قلنا بتحريمه أن يحرم الضحك أيضاً وعدم البكاء قياساً ويحرم في حديث عثمان مس الذكر باليمين قياساً أيضاً ويلزم من هذه الأحاديث كلها إذا قلنا بإطلاق التحريم فيها أن يكون رسول الله  فعل حراماً أو أمر بحرام أو رضي حراماً ومن ظن ذلك بنبيه فقد كفر.


وقد ثبتت النصوص بالغناء في بيته وضرب الدف في حضرته ورقص الحبوش في مسجده وإنشاد الشعر بالأصوات الطيبة بين يديه فلا يجوز أن نقول بتحريم الغناء واستماعه وإباحته على الإطلاق بل يختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص وأرباب الرياء والإخلاص. فنقول أن السماع

ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

منها ما هو حرام محض وهو لأكثر الناس من الشباب ومن غلبت عليهم شهواتهم ولذاتهم وملكهم حب الدنيا وتكدرت بواطنهم وفسدت مقاصدهم فلا يحرك السماع منهم إلا ما هو الغالب عليهم وعلى قلوبهم من الصفات الذميمة سيما في زماننا هذا وتكدر أحوالنا وفساد أعمالنا.

وقد روى الجنيد أنه ترك السماع في آخر أمره فقيل له كنت تسمع أفلا تسمع فقال مع من ؟ فقيل له تسمع أنت لنفسك فقال مِن مَن ؟ فالسماع لا يحسن إلا بأهله ومع أهله ومن أهله فإذا انعدم أهله واندرس محله فيجب على العارف تركه.

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:51 PM
والقسم الثاني منه مباح وهو لمن لا حظ له منه إلا التلذذ بالصوت الحسن واستدعاء السرور والفرح أو يتذكر غائباً أو ميتاً فيثير حزنه فيروح بما يسمعه.


والقسم الثالث منه مندوب وهو لمن غلب عليه حب الله تعالى والشوق إليه فلا يحرك السماع منه إلا الصفات المحمودة وتضاعف الشوق إلى الله سبحانه واستدعاء الأحوال الشريفة والمقامات العلية والكرامات السنية والمواهب الإلهية.

ومجمل القول في ذلك أن من سمع فظهرت عليه صفات نفسه وتذكر به حظوظ دنياه فاستثار بسماعه وسواس هواه فالسماع عليه حرام محض.

ومن سمع فظهر له ذكر ربه وخوفه من ذنبه وذكر آخرته فأتيح له ذلك الذكر شوقاً إلى الله تعالى وحباً فيه ورجاء لوعده وخوفاً من وعيده فسماعه ذكر من الأذكار مكتوب في صحائف الأبرار ) انتهى بتصرف.


رابعاً: يقول الإمام عز الدين ماضي أبو العزائم: ( إن القرآن الكريم يثني على أولئك الذين أكرموا النبي  وعظموا شأنه وبجلوه إذ يقول " فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون " فهل يحتمل أحد أن تختص هذه الجمل ( آمنوا به – وعزروه – ونصروه – واتبعوا ) بزمن النبي  ؟ الجواب لا فإن الآية لا تعني الحاضرين في زمن النبي  خاصة أضف إلى ذلك أن القائد العظيم يجب أن يكون موضعاً للتكريم والاحترام والتعظيم في كل العهود والأزمنة فهل إقامة المجالس لإحياء ذكريات المبعث أو المولد النبوي وإنشاء الخطب والمحاضرات والقصائد والمدائح إلا مصداقاً جلياً لقوله تعالى " وعزروه " والتي تعني: أكرموه وعظموه ) انتهى بتصرف. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله " عزروه" يعني عظموه ووقروه كما في الدر المنثور في التفسير بالمأثور للإمام جلال الدين السيوطي.


خامساً: يقول الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في إحدى محاضراته الصوتية: ( هناك شئ آخر ينكره علينا الأجانب ينكرونه مستغلين هذه الطبيعة المهينة التي توجد عند بعض المسلمين ينكرون علينا تقديس سيدنا رسول الله  وكأنهم يتهموننا بأن التقديس يبعدنا عن الموضوعية. لكي تكون موضوعيا ينبغي ألا تقدس. هذا الكلام قرأناه كثيرا من هؤلاء الكتاب ولهم رسل بيننا.


يعالجونه بما يسمى مشكلة القداسة عندنا وهناك هدف لهم من وراء ذلك خطة قرأناها وإن كانوا يوسوسون بها بينهم لكنها خطة مكشوفة. ما هي هذه الخطة ؟ هي أن يعالجوا واقعنا النفسي ويجردونا من التقديس إنْ لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أو للقرآن أو للحديث وأحكامه فإذا جردونا من هذا التقديس سهل عليهم أن يجردونا من .. هذا هو الهدف … ولقد ناقشناهم في هذا الكلام مناقشة صريحة ومواجهة وسجلت هذه المناقشة في كتاب من كتبي اسمه هذه مشكلاتهم.


لا الكتاب الأخير هذه مشكلاتنا بل هذه مشكلاتهم قلنا إن التقديس لدينا ثمرة لدراسة موضوعية اجتزناها وقطعناها وهذا التقديس الذي ترونه ثمرة لدراسة طويلة موضوعية مستوعبة كنا آنذاك لا نقدس لكن لما درسنا شخصية سيدنا رسول الله  لنعرف من هو لكن بشكل موضوعي لا بطريقة مزاجية واستعنا بعقولنا الحرة ودرسنا القرآن أيضاً دراسة موضوعية بعيدة عن التقديس واستمرت بنا الدراسة بأناة ومهل مدة من الزمن وانتهينا بعد هذه الدراسة إلى أن القرآن لا يمكن إلا أن يكون كلام الله عز وجل وإلى أن محمداً  لا يمكن إلا أن يكون رسول الله جاء التقديس بعد ذلك نتيجة لهذا القرار … نحن لا يمكن أن نقدس شيئا نحن لم ندرسه أبدا لكن لا يمكن أن نقدس إلا ما قد ثبت لدينا بالدليل القطعي انه الحق ومن لم يقدس الحق فإنه جند للباطل دائماً

هل هناك شك في أن الحق ينبغي أن يقدس؟!

أبداً وتقديسك للحق هو دفاعك عنه لكن إن التبس عليك الحق بالباطل فلك أن تتوقف تدرس حتى تتبين وحتى تعلم أن هذا حق وهذا باطل إذا تبين لك بجلاء ذلك فلابد أن تعطي ولاءك للحق أي أن تقدسه ولا بد أن تترفع عن الباطل أي أن تمجه نعم فنحن الآن عندما نتحدث عن سيدنا رسول الله  نتحدث عنه وقد فرغنا من دراسة شخصيته وعرفنا انه رسول ينطق باسم رب العالمين سبحانه وتعالى فتقديسنا له ليس إلا تقديساً للحق والذين يطلبون منا أن ندرس حياته من دون تقديس يطلبون منا ألا نقدس الحق نعم

من هذا القبيل حبنا لسيدنا رسول الله من هذا القبيل نعتنا له بكلمة سيدنا،

قولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا كله من مظاهر فعلاً التقديس ولو أننا لم نكن قد وصلنا إلى اليقين بأنه رسول الله لما قلنا سيدنا ولو أننا لم نصل إلى اليقين بأنه نبي من عند الله وأن القرآن كلام الله

والله يقول ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما لما قلنا اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد وآله وسلم ولكن العجب كل العجب من أناس هم أبناء جلدتنا مؤمنون مسلمون اجتازوا معنا هذه المرحلة لكن استحياءً منهم من هؤلاء السادة الذين وضعوا أَزِمَّةً ( جمع زمام ) في أعناقهم وأخذوا يقودونهم إلى الطرق التي ينبغي أن يسيروا فيها خجلاً واستحياءً منهم يرفضون تقديس سيدنا رسول الله 

والحق أحق أن يتبع والأعجب من هذا أن في الناس اليوم من يعارض تقديس سيدنا رسول الله باسم الدين بل باسم السلفية ربما شيء غريب وهذا من أعجب الأعاجيب وإن كانت هذه الأعجوبة أصبحت قديمة وإن كان الناس الذين لا يزالون يمارسون هذا قد فضحوا وقد ظهرت نياتهم العفنة. من يقول باسم الإسلام ما ينبغي أن نغالي في حب سيدنا رسول الله ولست أدري من هو هذا المجذوب الذي يغالي اليوم في حب سيدنا رسول الله بحيث يعني يشغله حب رسول الله عن طعامه وشرابه وأهله وأولاده .

هل في عالمنا اليوم واحد بهذا الشكل؟

‍ الغريب والعجيب أن نجد من ينكر على طالب قوله سيدنا محمد  يا سادة هذا غلط والصحيح محمد! عليه الصلاة والسلام‍ .

أجل طالب قال لي سأل أستاذ المقرر من هو خاتم النبيين؟ رفع أحدهم إصبعه قائلاً سيدنا محمد قال هكذا ونظر إلى الآخرين رفع يده أحدهم قال محمد قال أصبت.
هذه ليست نكتة واقع في حين أن سيدنا محمد  يقول في الحديث الصحيح أنا سيد ولد آدم ولا فخر. أنا سيد ولد آدم ولا فخر ( التكرار من الشيخ للتأكيد ) أنا لا أعجب ممن يمزق أو يحاول أن يمزق قداسة سيدنا رسول الله  بدافع الاستشراق أو بدافع عدوان مستشر ضد هذا الدين هذا شأنهم لكن العجب كل العجب ممن يسعى هذا السعي ذاته باسم إرجاع هذه الأمة إلى السلف باسم ما يسمى بالسلفية ولا والله لا يمكن أن تتجلى محاربة سلف هذه الأمة بسلاح أخطر ولا أعتى من هذا السلاح نعم ولكن الأمر لم يعد مستوراً لم يعد خفيا في هذا الشكل لا يمكن إلا أن تفضح الأمور نعم إياكم والمغالاة في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم‍‍ هل بوسعك أن تقول هذا الكلام في حق رئيس من رؤسائك هل يمكن أن تنطق بهذا الكلام في حق قائد من قوادك ؟‍‍ تمنع الناس من المغالاة في حب سيدنا رسول الله  طيب حسناً امنعهم من المغالاة في حب الآخرين أيضاً قل لي ما معنى هذا الكلام؟ سمع ذلك سمعته أذني نعم إياكم والمغالاة في حب سيدنا رسول الله  وسيدنا رسول الله يقول لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين ويقول له أبو بكر ( أخطأ الشيخ سهواً وقصد بذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ) لأنت أحب إلي من مالي ووالدي وولدي قال لا حتى أكون أحب إليك من نفسك قال والله إنك لأحب إلي من نفسي. وهؤلاء يقولون إياكم والمغالاة في حب سيدنا رسول الله  ‍‍ ليت أن الله يكرمنا بحب يطهر قلوبنا من الأدران من الأحقاد من حب الدنيا من حب الشهوات من حب الأهواء أين نحن وهذه المغالاة التي نتمنى نتمنى أن نصل إليها وما هي المغالاة في حب سيدنا رسول الله ؟ هي أن تفنى بحب سيدنا رسول الله وهل الفناء في حب سيدنا رسول الله إلا فناء في حب الله ؟‍‍ طبعا من يطع الرسول فقد أطاع الله وهذا هو الشرف الكبير الذي نحج إليه ونجاهد في سبيل الوصول إليه نعم آن أيها الإخوة أن ننظر إلى الأحداث ببصائرنا لا مجرد أبصارنا آن أن نتبين ما وراء الأكمة ) انتهى بتصرف.
ويقول الشيخ أحمد بن زيني دحلان الشافعي مفتي الشافعية بمكة المكرمة المتوفي سنة 1304هـ في المدينة المنورة: ( وكان هؤلاء المانعين للتوسل والزيارة يعتقدون أنه لا يجوز تعظيم النبي  فحيثما صدر من أحد تعظيم له  حكموا على فاعله بالكفر والإشراك وليس الأمر كما يقولون فإن الله تعالى عظم النبي  في القرآن الكريم بأعلى أنواع التعظيم فيجب علينا أن نعظم من عظمه الله تعالى وأمر بتعظيمه نعم يجب علينا ألا نصفه بشيء من صفات الربوبية ورحم الله البوصيري حيث قال:دع ما ادعته النصارى في نبيهم**واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم. فليس في تعظيمه بغير صفات الربوبية شيء من الكفر والإشراك بل ذلك من أعظم الطاعات والقربات وهكذا كل من عظمهم الله تعالى كالأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين وكالملائكة والصديقين والشهداء والصالحين قال تعالى: " ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " (الحج 32) وقال تعالى: " ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه " (الحج 30) ومن تعظيمه  الفرح بليلة ولادته وقراءة المولد والقيام عند ذكر ولادته  وإطعام الطعام وغير ذلك مما يعتاد الناس فعله من أنواع البر فإن ذلك كله من تعظيمه  … ومما أمر الله بتعظيمه الكعبة المعظمة والحجر الأسود ومقام إبراهيم عليه السلام فإنها أحجار وأمرنا الله بتعظيمها بالطواف بالبيت ومس الركن اليماني وتقبيل الحجر الأسود وبالصلاة خلف المقام وبالوقوف للدعاء عند المستجار وباب الكعبة والملتزم والميزاب كما جرى على ذلك السلف والخلف وكلهم في ذلك لا يعبدون إلا الله ولا يعتقدون تأثيراً لغيره ولا نفعاً ولا ضراً لأن ذلك لا يكون إلا لله وحده ولا يكون لأحد سواه.

والحاصل كما تقدم أن هنا أمرين وجوب تعظيم النبي  ورفع رتبته عن سائر المخلوقات والثاني إفراد الربوبية واعتقاد أن الرب تبارك وتعالى منفرد بذاته وصفاته وأفعاله عن جميع خلقه فمن اعتقد في مخلوق مشاركة الباري سبحانه وتعالى في شيء من ذلك فقد أشرك كالمشركين الذين كانوا يعتقدون الألوهية للأصنام واستحقاقاتها للعبادة ومن قصر بالرسول  في شيء عن مرتبته فقد عصى أو كفر أما من بالغ في تعظيمه بأنواع التعظيم ولم يصفه بشيء من صفات الربوبية فقد أصاب الحق وحافظ على جانب الربوبية والرسالة جميعاً وذلك هو القول الذي لا إفراط فيه ولا تفريط وإذا وجد في كلام المؤمنين إسناد شيء لغير الله تعالى يجب حمله على المجاز العقلي ولا سبيل إلى تكفير أحد من المؤمنين إذ المجاز العقلي مستعمل في الكتاب والسنة فمن ذلك قوله تعالى " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً " (الأنفال 2) فإسناد الزيادة إلى الآيات مجاز عقلي وهي سبب عادي للزيادة والذي يزيد في الإيمان حقيقة هو الله تعالى وحده لا شريك له وقوله تعالى " يوماً يجعل الولدان شيباً " ( المزمل 17) فإسناد الجعل إلى اليوم مجاز عقلي لأن اليوم محل لجعلهم شيباً فالجعل المذكور واقع في اليوم والجاعل حقيقة هو الله تعالى وحده وقوله تعالى " ولا يغوث ويعوق ونسراً وقد أضلوا كثيراً " (نوح 23،24) فإسناد الإضلال إلى الأصنام مجاز عقلي لأنها سبب في حصول الإضلال والهادي والمضل حقيقة هو الله تعالى وحده لا شريك له وقوله تعالى حكاية عن فرعون " يا هامان ابن لي صرحاً " (غافر 36) فإسناد البناء إلى هامان مجاز عقلي لأنه سبب آمر فهو يأمر بذلك ولا يبني بنفسه والذي يبني إنما هم الفعلة وأما الأحاديث النبوية ففيها من المجاز العقلي شيء كثير يعرف ذلك من وقف عليه من ذلك الحديث المتقدم بينما هم كذلك استغاثوا بآدم فإغاثة آدم عليه السلام مجازية والمغيث حقيقة هو الله تعالى وأما كلام العرب ففيه من المجاز العقلي ما لا يحصى كقولهم نبت الربيع البقل فجعلوا الربيع وهو المطر منبتاً والمنبت حقيقة هو الله تعالى فإسناد الإنبات إلى الربيع مجاز عقلي فإذا قال العامي من المسلمين نفعني النبي  أو أغاثني أو نحو ذلك فإنما يريد الإسناد المجازي والقرينة على ذلك أنه مسلم موحد لا يعتقد التأثير إلا لله فجعلهم ذلك وأمثاله من الشرك جهل محض وتلبيس على عوام الموحدين ) انتهى بتصرف

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:52 PM
سادساً: في نشرة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدبي ورد فيها ما يلي: (استشكل المعارض، هداه الله، بعض الألفاظ وادعى أنها شركيات، ومنها قول العارف بالله الإمام البوصيري: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
ولا ندري كيف حصل لديه هذا الإشكال، وكيف لم يتمعن في قول الإمام البوصيري ((عند حلول الحادث العمم)) وبدورنا نحن نسأل القارئ ما هو الحادث العمم؟! (العمم) أي الذي يعم الكون بأسره من إنس وجن بل وجميع الخلائق ، فلن يخطر ببال أي إنسان إلا أن يكون هذا الحادث هو يوم القيامة وبعد إيضاح هذا الإشكال لدى المعارض والقارئ يكون المراد من قول الإمام البوصيري: طلب الشفاعة منه  يوم القيامة وذلك لأنه ليس لنا أحد نلوذ به ونتوسل به ونستشفع به إلى الله سوى خير البرية  في ذلك المقام الذي يقول فيه الرسل والأنبياء: نفسي نفسي، ويقول هو : أنا لها أنا لها.


ومثال هذا القول المشكل عند العامة من الناس ما نقله الإمام الجليل الكمال بن الهمام الحنفي صاحب فتح القدير قي مناسك الفارسي، وشرح المختار من السادة الأحناف:
لما زار الإمام أبو حنيفة المدينة وقف أمام القبر الشريف وقال:
يا أكرم الثقلين يا كنز الورى جد لي بجودك وارضني برضاك
أنا طامع في الجود منك ولم يكن لأبي حنيفة في الأنام سواك ) انتهى بتصرف.


سابعاً: ذكر الإمام السيوطي في تفسيره الدر المنثور في التفسير بالمأثور: (وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال: قال رسول الله  "خير العرب مضر، وخير مضر بنو عبد مناف، وخير بني عبد مناف بنو هاشم، وخير بنو هاشم بنو عبد المطلب، والله ما افترق شعبتان منذ خلق الله آدم إلا كنت في خيرهما".

وأخرج البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن أنس قال: خطب النبي  فقال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرهما، فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهد الجاهلية، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم، حتى انتهيت إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا". وأخرج ابن سعد والبخاري والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة "أن رسول الله  قال: بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه".


وأخرج ابن سعد ومسلم والترمذي والبيهقي في الدلائل عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله  "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسمعيل، واصطفى من ولد إسمعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله  "إن الله حين خلق الخلق جعلني من خير خلقه، ثم حين فرقهم جعلني في خير الفريقين، ثم حين خلق القبائل جعلني من خيرهم قبيلة، وحين خلق الأنفس جعلني من خير أنفسهم، ثم حين خلق البيوت جعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم بيتا وخيرهم نفسا". وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول الله  "إن الله خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلى خيار".

وأخرج ابن سعد عن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب "أن رسول الله  قال: قسم الله الأرض نصفين فجعلني في خيرهما، ثم قسم النصف على ثلاثة فكنت في خير ثلث منها، ثم اختار العرب من الناس، ثم اختار قريشا من العرب، ثم اختار بني هاشم من قريش، ثم اختار بني عبد المطلب من بني هاشم، ثم اختارني من بني عبد المطلب".

وأخرج ابن سعد والبيهقي عن محمد بن علي قال: قال رسول الله  "إن الله اختار العرب فاختار منهم كنانة، ثم اختار منهم قريشا، ثم اختار منهم بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم" وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال رسول الله  "إن الله اختار العرب فاختار كنانة من العرب،واختار قريشا من كنانة، واختار بني هاشم من قريش، واختارني من بني هاشم". وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله  "ما ولدتني بغي قط مذ خرجت من صلب آدم، ولم تزل تتنازعني الأمم كابرا عن كابر حتى خرجت من أفضل حيين من العرب هاشم وزهرة". وأخرج ابن أبي عمر العدني عن ابن عباس "أن قريشا كانت نورا بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق الخلق بألفي عام، يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه، فلما خلق الله آدم عليه السلام ألقى ذلك النور في صلبه.

قال رسول الله : فأهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم عليه السلام، وجعلني في صلب نوح، وقذف بي في صلب إبراهيم، ثم لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة حتى أخرجني من بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط".

وأخرج البيهقي عن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب قال "بلغ النبي  أن قوما نالوا منه، فغضب رسول الله  ثم قال: أيها الناس إن الله خلق خلقه فجعلهم فرقتين، فجعلني في خير الفرقتين، ثم جلعهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلا، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، ثم قال رسول الله : أنا خيركم قبيلا وخيركم بيتا".

وأخرج الترمذي وحسنه وابن مردويه والبيهقي عن المطلب بن أبي وداعة قال: قال رسول الله  وبلغه بعض ما يقول الناس"فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: من أنا؟ قالوا: أنت رسول الله. قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة، وجعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيركم بيتا، وخيركم نفسا".

وأخرجه الترمذي وصححه والنسائي عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب. وأخرج ابن سعد عن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله  قال "إذا أراد الله أن يبعث نبيا نظر إلى خير أهل الأرض قبيلة فيبعث خيرها رجلا". وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن حعفر بن محمد عن أبيه قال: قال رسول الله  "أتاني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله عز وجل بعثني فطفت شرق الأرض وغربها وسهلها وجبلها فلم أجد حيا خيرا من العرب، ثم أمرني فطفت في العرب فلم أجد حيا خيرا من مضر، ثم أمرني فطفت في مضر فلم أجد حيا خيرا من كنانة، ثم أمرني فطفت في كنانة فلم أجد حيا خيرا من قريش، ثم أمرني فطفت في قريش فلم أجد حيا خيرا من بني هاشم، ثم أمرني أن أختار من أنفسهم فلم أجد فيهم نفسا خيرا من نفسك ) انتهى.


وفي معجم الطبراني الكبير: (حدثنا سعيد بن محمد بن المغيرة المصري ثنا سعيد بن سليمان الواسطي ح وحدثنا محمود بن محمد الواسطي ثنا محمد بن أبان قالا ثنا يزيد بن عطاء عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن المطلب بن ربيعة بن الحارث قال أتى ناس رسول الله  من الأنصار فقالوا يا رسول الله إنا نسمع من قوم جفاء يقول القائل منهم إنما مثل محمد كمثل نخلة نبتت في كباء فقام رسول الله  فقال يا أيها الناس من أنا قالوا أنت رسول الله قال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فما سمعناه ينتمي قبلها إن الله خلق خلقه فجعلني من خير خلقه ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خير الفرقتين ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلة ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خير بيت فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا ) انتهى.

فتأمل ما أنكره الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وقولهم إنا نسمع من قوم جفاء يقول القائل منهم إنما محمد كمثل نخلة نبتت في كباء (قال حسين الكباء الكناسة) كما في مسند الإمام أحمد وتأمل موقف النبي  من ذلك ثم تأمل في المقابل ما ينكره البعض من تبجيل النبي  وتعظيمه وتوقيره وقولهم أن المدائح النبوية غلو في شخصه  !! وقد ذكر الإمام السيوطي في الدر المنثور: (وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا " يعني كدعاء أحدكم إذا دعا أخاه باسمه، ولكن وقروه، وعظموه، وقولوا له: يا رسول الله. ويا نبي الله … وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: أمر الله أن يهاب نبيه، وأن يبجل، وأن يعظم، وأن يفخم، ويشرف ) انتهى بتصرف.


وخلاصة القول أن هذه الأمة منزهة عن الغلو في مدح نبيها  إذ لا يظن بأي مسلم أن يعتقد فيه  إلا أنه عبد الله ورسوله فأي غلو في مدحه بعد ذلك والله تعالى يقول " وإنك لعلى خلق عظيم " ويحسم لنا النقاش في هذه المسألة الإمام البوصيري في بردته الشهيرة إذ يقول:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم *** واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف *** وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضــل رســـول الله ليـس لــه *** حد فيعـرب عنــه ناطـــق بفـــم
وما أحلى ما قاله حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه:
وأجمل منك لم ترى قطُّ عيني *** وأكمل منك لم تلِدُ النساءُ
خُلقـتَ مبرأً مـن كـلِّ عيـبٍ *** كأنَّـك قد خُلقـت كما تشـاءُ


ثامناً: يقول الإمام السيوطي في كتابه حسن المقصد في عمل المولد ص54-62 كما أورده الشيخ هشام قباني: ( أصل الاجتماع لصلاة التراويح سنة وقربى … وكذلك نقول أصل الاجتماع لإظهار شعائر المولد مندوب وقربى … وهذا معنى نية المولد فهي نية مستحسنة بلا شك فتأمل ) انتهى.

ويقول الشيخ سعيد حوى: (وللسيوطي في كتابه "الحاوي للفتاوى " رسالة مطولة أسماها: "حسن المقصد في عمل المولد" وهذه بعض فقراتها: عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي  وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيها من تعظيم قدر النبي  وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف وهو أي المولد وما يكون فيه من طعام من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول، فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام. وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا..

وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهد المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة، وأما ما تبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحا، بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به، وما كان حراما أو مكروها فيمنعه وكذا ما كان خلافا للأولى. انتهى.

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:53 PM
قال السيوطي تعليقا على كلام ابن حجر: ـ (وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي  عق عن نفسه بعد النبوة، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع يوم لولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي  إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات ) انتهى بتصرف.


ولا عبرة بقول المعترض على استدلال السيوطي برواية العقيقة أنها رواية ضعيفة فالحديث وإن لم يثبت صحته ( حتى قال فيه النووي حديث باطل) إلا أنه يبقى وارد الصحة لأن الحافظ الهيثمي علق على الحديث في مجمع الزوائد بقوله: (رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال الطبراني رجال الصحيح خلا الهيثم بن جميل وهو ثقة، وشيخ الطبراني أحمد بن مسعود الخياط المقدسي ليس هو في الميزان) انتهى


وفي تحفة الأحوذي للمباركفوري: ( وقد ورد الحديث من رواية أبي بكر المستملي عن الهيثم بن جميل وداود بن محبر قالا حدثنا عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس وداود ضعيف، لكن الهيثم ثقة وعبد الله من رجال البخاري، فالحديث قوي الإسناد، ثم قال: فلولا ما في عبد الله بن المثنى من المقال لكان هذا الحديث صحيحاً، وذكر ما فيه من الجرح والتعديل ثم قال: فهذا من الشيوخ الذين إذا انفرد أحدهم بالحديث لم يكن حجة، ويحتمل أو يقال إن صح هذا الخبر كان من خصائصه  كما قالوا في تضحيته عمن لم يضح من أمته ) انتهى بتصرف .


فتبين أن الحديث معلول بعبد الله بن المثنى الذي قال فيه الإمام المناوي في فيض القدير: (عبد اللّه بن المثنى الأنصاري من رجال البخاري لكن أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعيف وهو صدوق ) انتهى. وقال عنه الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: (عبد الله بن المثنى (بن عبد الله بن أنس بن مالك) هو ممن اختلف فيه النقاد فقال فيه يحيى بن معين مرة: صالح وقال مرة: ليس بشيء، وقوَّاه أبو زرعة وأبو حاتم والعجلي وأما النسائي فقال: ليس بالقوي وقال العقيلي: لا يُتابع في أكثر حديثه ) انتهى.

فتبين من ذلك أنه أي عبد الله بن المثنى ليس متفقاً على تضعيفه كما أن الذهبي وصفه مع ضعفه بأنه صدوق ويقول الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الوزير اليماني المتوفي سنة 840 هـ في كتابه الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم: ( ولا يقال الجرح مقدم على التعديل لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتاً مفسراً بسبب وإلا فلا يقبل الجرح .. قلت فإن قيل أليس قد ثبت في علوم الحديث أن الجرح الذي لم يفسر سببه وإن لم يجرح به لكنه يوجب ريبة فيجب الوقف عن قبول من قيل ذلك فيه وعن رده فالجواب أن ذلك إنما يوجب الريبة في غير المشاهير بالعدالة والثقة وأما من وثقه أهل الخبرة التامة من أئمة هذا الشأن فأن الجرح المطلق لا يزيل ظن ثقته ومن زال عنه ظن ثقته بالراوي كان له ترك حديثه ولم يكن له الاعتراض على من قبله ممن لم يؤثر ذلك في ظنه لثقة الراوي وأمانته ألا ترى أنهم قد اختلفوا اختلافاً كثيراً في جرح حمزة بن حبيب أحد القراء السبعة فلم يضره ذلك مع شدة الاختلاف فيه بل انعقد الإجماع بعد ذلك على قبوله وتوثيقه .. ومن لطيف علم هذا الباب أن يعلم أن لفظة كذاب قد يطلقها كثير من المتعنتين في الجرح على من يهم ويخطئ في حديثه وإن لم يتبين أنه تعمد ذلك ولا تبين أن خطأه أكثر من صوابه ولا مثله ومن طالع كتب الجرح والتعديل عرف ما ذكرته وهذا يدل على أن هذا اللفظ من جملة الألفاظ المطلقة التي لم يفسر سببها ولهذا أطلقه كثير من الثقات على جماعة من الرفقاء من أهل الصدق والأمانة فاحذر أن تغتر بذلك في حق من قيل فيه من الثقات الرفقاء فالكذب في الحقيقة اللغوية ينطلق على الوهم والعمد معاً ويحتاج إلى التفسير إلا أن يدل على التعمد قرينة صحيحة). انتهى بتصرف.


وقد جمع إحسان بن محمد بن عايش العتيبي عشرين فتوى في العقيقة من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية ذكر منها في إجابة السؤال الثالث من الفتوى رقم 1528 ردا على السؤال التالي " وإذا مضى على المولود شهر أو شهران أو نصف سنَة أو سنَة أو كبر ولم يعق عنه هل يعق عنه أو لا؟ ": ( وتذبح العقيقة في اليوم السابع من الولادة، وإذا ولد الجنين حيّاً ومات قبل اليوم السابع سُنَّ أن يعق عنه في اليوم السابع، ويسمَّى، وإذا مضى اليوم السابع ولم يعق عنه: فرأى بعض الفقهاء أنه لا يسنُّ أن يعق عنه بعده؛ لأن النَّبيَّ  وقَّتها باليوم السابع، وذهب الحنابلة وجماعة من الفقهاء إلى أنه يسن أن يعق عنه ولو بعد شهر أو سنة، أو أكثر، من ولادته؛ لعموم الأحاديث الثابتة، ولما أخرجه البيهقي عن أنس رضي الله عنه، أن النَّبيَّ  عق عن نفسه بعد البعثة، وهو أحوط) انتهى.


فتأمل قولهم وهو أحوط، ثم أضاف العتيبي بعد سرده ما جمعه من فتاوى اللجنة الدائمة في العقيقة ما نصه: (حديث عق النبي  عن نفسه قال الحافظ ابن حجر: وخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين قال : لو أعلم أني لم يعق عني لعققت عن نفسي. واختاره القفال، ونقل عن نص الشافعي في " البويطي " أنه لا يعق عن كبير. وليس هذا نصّاً في منع أن يعق الشخص عن نفسه، بل يحتمل أن يريد أن لا يعق عن غيره إذا كبر، وكأنه أشار بذلك إلى أن الحديث الذي ورد أن النبي  عق عن نفسه بعد النبوة لا يثبت، وهو كذلك. فقد أخرجه البزار من رواية عبد الله بن محرر – وهو بمهملات – عن قتادة عن أنس .

قال البزار: تفرد به عبد الله وهو ضعيف اهـ وأخرجه أبو الشيخ من وجهين آخرين:

أحدهما: من رواية إسماعيل بن مسلم عن قتادة، وإسماعيل ضعيف أيضاً. وقد قال عبد الرزاق: إنهم تركوا حديث عبد الله بن محرر من أجل هذا الحديث، فلعل إسماعيل سرقه منه.

ثانيهما : من رواية أبي بكر المستملي عن الهيثم بن جميل ، وداود بن المحبر ،
قالا : حدثنا عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس. وداود ضعيف، لكن الهيثم ثقة، وعبد الله من رجال البخاري. فالحديث قوي الإسناد.
وقد أخرجه محمد بن عبد الملك بن أيمن عن إبراهيم بن إسحاق السراج عن عمرو الناقد. وأخرجه الطبراني في الأوسط عن أحمد بن مسعود كلاهما عن الهيثم بن جميل وحده به.
فلولا ما في عبد الله بن المثنى من المقال لكان هذا الحديث صحيحاً، لكن قد قال ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بقوي، وقال أبو داود: لا أخرج حديثه، وقال الساجي: فيه ضعف لم يكن من أهل الحديث، روى مناكير، وقال العقيلي: لا يتابع على أكثر حديثه، قال ابن حبان في " الثقات ": ربما أخطأ، ووثقه العجلي والترمذي وغيرهما، فهذا من الشيوخ الذين إذا انفرد أحدهم بالحديث لم يكن حجة.

وقد مشى الحافظ الضياء على ظاهر الإسناد فأخرج هذا الحديث في " الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين ". ويحتمل أن يقال : إن صح هذا الخبر كان من خصائصه  كما قالوا في تضحيته عمن لم يضح من أمَّته." فتح الباري " ( 9 / 595 ). قلت ( والكلام هنا للعتيبي): وفي كلام الحافظ اضطراب واضح في الحكم على الحديث كما هو واضح. وقد أشار إلى هذا شيخنا الألباني - رحمه الله - وصحح الحديثَ شيخنا الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2726 ).

ونقل عن ابن حزم قول الحسن البصري: إذا لم يُعق عنك: فعُقَّ عن نفسك وإن كنتَ رجلاً. وصححه. والله أعلم ) انتهى.

وليس في ما ذكره الحافظ ابن حجر أي اضطراب في الحكم على الحديث فقد جمع ما قيل في روايات الحديث من جرح وتعديل وهذه أمانة علمية وما يعنينا هنا هو تصحيح الألباني للحديث مع ما ورد فيه من تجريح متعززا بما نقله ابن حزم عن الحسن البصري، وقد سبق أن أوردنا قول الإمام الوزير اليماني (ومن زال عنه ظن ثقته بالراوي كان له ترك حديثه ولم يكن له الاعتراض على من قبله ممن لم يؤثر ذلك في ظنه) فتبين من ذلك عدم الالتفات إلى من اعترض على الإمام السيوطي استدلاله بما روي عن النبي  أنه عق عن نفسه بعد النبوة والله تعالى أعلم.


تاسعاً: في معجم الطبراني الكبير: (عن معاوية قال خرج رسول الله  على رفقة مجتمعين فقال ما جمعكم فقالوا نذكر الله وما أنعم به علينا وما استنفذنا به من الجاهلية وجهلها فقال آلله لذلك جمعكم قالوا نعم قال والذي نفسي بيده إن كنتم صادقين إن الله تعالى ليباهي بكم الملائكة) انتهى.



عاشراً: يقول الشيخ الدكتور محمد علوي المالكي: (كل ما ذكرناه سابقا من الوجوه في مشروعية المولد إنما هو في المولد الذي خلا من المنكرات المذمومة التي يجب الإنكار عليها، أما إذا اشتمل المولد على شئ مما يجب الإنكار عليه كاختلاط الرجال بالنساء وارتكاب المحرمات وكثرة الإسراف مما لا يرضى به صاحب المولد  فهذا لاشك في تحريمه ومنعه لما اشتمل عليه من المحرمات لكن تحريمه حينئذ يكون عارضيا لا ذاتيا كما لا يخفى على مَن تأمّل ذلك ) انتهى.


أحد عشر: وفي نشرة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدبي: (يقول المعارض: إنه يحصل في المولد اختلاط الرجال بالنساء، واستعمال الأغاني والمعازف وشرب المسكرات وقد كذب والله، حضرنا مئات الموالد فلم نر اختلاطا ولم نسمع معازف، أما شرب المسكرات فنعم رأينا سكرا ولكن ليس كسكر أهل الدنيا، وجدنا سكر المحبة لرسول الله صلى اله عليه وآله وسلم، ذلك السكر الذي يغلب حتى على سكرات الموت، كما حصل لسيدنا بلال رضي الله عنه عندما حضرته المنية حين امتزجت حلاوة المحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع سكرات الموت حتى غلبت عليها سكرات المحبة, فكان يقول وهو في تلك السكرات: غدا ألقى الأحبة محمدا وصحبه…

وفي الختام نختم قولنا هذا بحديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه أبو يعلى عن حذيفة قال: (( قال رسول الله : مما أخاف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رؤيت بهجته عليه وكان رداءه الإسلام انسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك. قال: قلت: يا نبي الله! أيهما أولى بالشرك المرمى أو الرامي؟؟ قال : بل الرامي)) قال الحافظ ابن كثير: إسناده جيد ) انتهى بتصرف.

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:54 PM
الرد الخامس عشر و الأخير :-


ومن الأدلة الأخرى على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف نورد ما يلي:

أولاً: يقول الشيخ الدكتور محمد علوي المالكي: (يؤخذ من قوله  في فضل يوم الجمعة وعدِّ مزاياه: ( وفيه خُلق آدم ) تشريف الزمان الذي ثبت أنه ميلاد لأي نبيٍّ كان من الأنبياء عليهم السلام، فكيف باليوم الذي وُلد فيه أفضل النبيين وأشرف المرسلين. ولا يختص هذا التعظيم بذلك اليوم بعينه بل يكون له خصوصاً، ولنوعه عموماً مهما تكرر كما هو الحال في يوم الجمعة شُكراً للنعمة وإظهاراً لمزية النبوة وإحياءً للحوادث التاريخية الخطيرة ذات الإصلاح المهم في تاريخ الإنسانية وجبهة الدهر وصحيفة الخلود، كما يؤخذ تعظيم المكان الذي وُلد فيه نبيٌّ من أمر جبريل عليه السلام النبيَّ  بصلاة ركعتين ببيت لحم، ثم قال لهhttp://www.hdrmut.net/vb/images/smilies/05055.gif أتدري أين صلّيت؟ قال: لا، قال: صلّيتَ ببيت لحم حيث وُلد عيسى ) كما جاء ذلك في حديث شداد بن أوس الذي رواه البزّار وأبو يعلى والطبراني. قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجاله رجال الصحيح، وقد نقل هذه الرواية الحافظ ابن حجر في الفتح وسكت عنها. كما أن الاحتفال بالمولد النبوي إحياء لذكرى المصطفى  وذلك مشروع عندنا في الإسلام، فأنت ترى أن أكثر أعمال الحج إنما هي إحياء لذكريات مشهودة ومواقف محمودة فالسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والذبح بمنى كلها حوادث ماضية سابقة، يحيي المسلمون ذكراها بتجديد صُوَرِها في الواقع والدليل على ذلك قوله تعالى: " وأذِّن في الناس بالحج " وقوله تعالى حكاية عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام " وأرنا مناسكنا " ) انتهى بتصرف



ثانياً: أجاز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وامتدحوا المحتفلين به ثلة من العلماء والفقهاء ذكر منهم الأستاذ البشير المحمودي: (
الإمام شيخ الإسلام تقي الدين السبكي رئيس علماء الشافعية بمصر ت664 هـ،
والحافظ أبي شامة شهاب الدين عبد الرحمن الشافعي ت665 هـ المعروف بالإمام النووي،

والعلامة محمد بن عبد الله ابن الحاج الفاسى القيرواني التلمساني المالكي ت714 هـ، وأبو عبد الله محمد ابن عباد ت730 هـ،
والحافظ ابن حجر العسقلاني ت852 هـ،
والحافظ شمس الدين السخاوي ت876 هـ،
والإمام القسطلاني ت922 هـ،
والعلامة الألوسي البغدادي،
والشيخ أحمد بن زيني دحلان مفتي الشافعية بمكة ت1066 هـ (وقيل 1304هـ وهو الأرجح)،
والشيخ رشيد رضا ت1255 هـ،
والدكتور أحمد الشرباصي مفتي الأزهر في عصره ) انتهى بتصرف.

وزاد عليهم الشيخ هشام قباني: ( الإمام الشوكاني والملا علي القاري والإمام أبو شامة شيخ الإمام النووي والحافظ ابن حجر الهيثمي وابن مرزوق وابن القيم والإمام السيوطي ) انتهى بتصرف.


كذلك صنف في مولد النبي  كتب كثيرة جداً منها المنظوم ومنها المنثور ومن أشهرها كما ذكره الشيخ الدكتور محمد علوي المالكي
واقتصر منها على ذكر كبار علماء الأمة من الحفّاظ الأئمة الذين صنّفوا في هذا الباب

وظهرت لهم موالد مشهورة معروفة: ( المورد الهني في المولد السني للحافظ عبدالرحيم بن الحسين بن عبدالرحمن المصري الشهير بالحافظ العراقي صاحب ألفية الحديث (808 هـ) ، ومورد الصادي في مولد الهادي وأيضاً جامع الآثار في مولد النبي المختار واللفظ الرائق في مولد خير الخلائق لمحمد بن أبي بكر بن عبدالله القيسي الدمشقي الشافعي المعروف بالحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي والذي تولى دار الحديث الأشرفية بدمشق (842هـ) ،
والمورد الروي في المولد النبوي للمجتهد الإمام ملا علي قاري بن سلطان بن محمد الهروي المتوفى سنة 1014هـ صاحب شرح المشكاة وغيرها ،
والحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير صاحب التفسير وقد صنّف الإمام ابن كثير مولداً نبوياً طُبع أخيراً بتحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد ،
والحافظ وجيه الدين عبدالرحمن بن علي بن محمد الشيباني اليمني الزبيدي الشافعي (المعروف بابن الديبع ، والديبع بمعنى الأبيض بلغة السودان هو لقب لجده الأعلى علي بن يوسف) ولد في المحرم سنة 866هـ وتوفي يوم الجمعة ثاني عشر من رجب الفرد سنة 944هـ وكان رحمه الله أحد أئمة الزمان ، إليه انتهت مشيخة الحديث ،
حدّث بالبخاري أكثر من مائة مرة وقرأه مرة في ستة أيام. وقد صنّف مولداً نبوياً مشهوراً في كثير من البلاد وقد حقّقناه وعلّقنا عليه وخرّجنا أحاديثه بفضل الله ) انتهى بتصرف.
ويضاف إلى أولئك المحدث جعفر البرزنجي مفتي الشافعية بالمدينة المنورة (1184 هـ) وله عقد الجوهر في مولد النبي الأزهر المعروف بمولد البرزنجي ، والإمام العالم ابن دحية وسمى كتابه: (التنوير في مولد البشير والنذير)  ، والإمام الحافظ شمس الدين ابن الجزري إمام القراء وصاحب التصانيف التي منها (النشر في القراءات العشر) وسمى كتابه ( عرف التعريف بالمولد الشريف) ، وكذلك من المحدثين الإمام المجدد محمد ماضي أبو العزائم أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الخرطوم الذي صنف في مولد الرسول  كتابه المسمى بشائر الأخيار في مولد المختار  الذي طبع أول مرة عام 1340 هـ.


ثالثاً: يقول الشيخ هشام قباني: ( يقول الإمام متولي الشعراوي في كتابه مائدة الفكر الإسلامي ص295: إذا كان بنو البشر فرحون بمجيئه لهذا العالم وكذلك المخلوقات الجامدة فرحة لمولده وكل النباتات فرحة لمولده وكل الحيوانات فرحة لمولده وكل الجن فرحة لمولده فلماذا تمنعونا من الفرح بمولده ) انتهى.


رابعاً: يقول الشيخ سعيد حوى: (معروفة شدة ابن تيمية وتشدده، ومع ذلك كان كلامه لينا في قضية المولد ومن كلامه في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم": (وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي وتعظيما له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع، وأكثر هؤلاء الناس الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع، مع ما لهم فيها من حسن المقصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه.

واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضا شر من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل شرا بالنسبة إلى الإعراض عن الدين بالكلية، كحال المنافقين والفاسقين.. فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم، لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله  أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد، ولهذا قيل للإمام أحمد عن أحد الأمراء أنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك، فقال: دعه فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب، أو كما قال ) انتهى.




خامساً: يقول الأستاذ البشير المحمودي:
( وخلاصة القول:
1. أن الاحتفال بالمولد مسألة خلافية، و الخلاف -كما سبق- فقه و علم فلا يجوز الإنكار على المسائل المختلف فيها كما قرر ذلك علماء السلف.
2. أن تجاهل الرأي المخالف ليس من فقه الدعوة و لا من أخلاق الداعية و إنما الواجب أن نتعاون في ما نتفق عليه و أن يعذر بعضنا بعضا في ما نختلف فيه و شعار العلماء "نختلف و لا نفترق " فالاختلاف في الآراء والفهوم لا ينبغي إذ يؤدي إلى الاختلاف في القلوب و بالأحرى إلى التبديع أو التكفير ولنسم باختلافاتنا في مثل هذه الجزئيات إلى خلاف التابعين و الأئمة المجتهدين الذين كانوا يختلفون وفي نفس الوقت كانوا يتحابون ويتراحمون.
3. أن الاحتفال بالمولد أجازه كثير من العلماء الأعلام وفقهاء الإسلام باعتباره عادة حسنة أو بدعة مستحسنة واستمر العمل به عند المسلمين منذ القرن الرابع الهجري إلى الآن.
4. أن الأمانة العلمية والاقتراب من النزاهة ما أمكن بالنسبة إلينا - نحن المعاصرين- يقتضيان منا ترجيح ما ذهب إليه كبار العلماء الذين كانوا أكثر علما و تقوى و أقرب إلى عصر السلف من مشايخ و علماء هذا العصر جزاهم الله جميعا بالخير و الثواب ) انتهى بتصرف.د


سادساً: ينبغي من المسلم دوماً أن يكون كيساً حاذقاً فطناً لا يقف عند ظاهر النصوص ويجمد عقله ويغفل عن روح الإسلام ومقاصد الشريعة الغراء ويقول في هذا المعنى الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: (ومما يدخل في "الفقه" المراد: الغوص في مقاصد الشريعة، ومعرفة أسرارها وعللها، وربط بعضها ببعض، ورد فروعها إلى أصولها، وجزئياتها إلى كلياتها، وعدم الاكتفاء بالوقوف عند ظواهرها، والجمود على حرفية نصوصها …

وآفة كثير ممن اشتغلوا بعلم الدين: أنهم طفوا على السطح، ولم ينزلوا إلى الأعماق، لأنهم لم يؤهلوا للسباحة فيها، والغوص في قرارها، والتقاط لآلئها، فشغلتهم الظواهر، عن الأسرار والمقاصد، وألهتهم الفروع عن الأصول، وعرضوا دين الله وأحكام شريعته على عباده، تفاريق متناثرة لا يجمعها جامع، ولا ترتبط بعلة، فظهرت الشريعة على ألسنتهم وأقلامهم كأنها قاصرة عن تحقيق مصالح الخلق، والقصور ليس في الشريعة، وإنما هو في أفهامهم، التي قطعت الروابط بين الأحكام بعضها وبعض، ولم يبالوا أن يفرقوا بين المتساوين، ويجمعوا بين المختلفين، وهو ما لم تأت به الشريعة قط، كما بين ذلك المحققون الراسخون.

وكثيرا ما أدت هذه الحرفية الظاهرية إلى تحجير ما وسع الله، وتعسير ما يسر الشرع، وتجميد ما من شأنه أن يتطور، وتقييد ما من شأنه أن يتجدد ويتحرر. ومن هذا الباب: أولوية الاجتهاد والتجديد على التكرار والتقليد.

وهذا مرتبط بفقه المقاصد الذي أشرنا إليه، وبقضية الفهم والحفظ أيضا.


فالعلم عند السلف من علماء الأمة ليس هو مجرد معرفة الأحكام، وإن كان عن طريق تقليد الغير … وفي موضع آخر يقول:… وعلى أساس ذلك عقد ابن القيم فصلاً رائعًا في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد، قال في مقدمته: "وهذا فصل عظيم النفع جدًا، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتى به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهى عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خليقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله  أتم دلالة وأصدقها، وهى نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون (إعلام الموقعين: 3/14) وهذا كلام يجب أن نحرص عليه ونشيعه في الناس، وهو الذي لا يجوز أن يقال غيره في عصرنا .

ولقد كان ابن القيم مسددًا حين جعل الذي يتغير بتغير الأزمنة والأحوال هو الفتوى، وليس الحكم الشرعي -أي أن تطبيق الحكم وتنزيله على الواقعة هو الذي يتغير... الشريعة إذن لا تتغير ولكن الفقه يتغير، فالشريعة وحي الله، والفقه والفتوى والقضاء عمل الناس. إن عمر -رضى الله عنه- حين أبى أن يعطى من الزكاة قومًا كانوا من : "المؤلفة قلوبهم" في عصر الرسول وقال: "إن الله أعز الإسلام وأغنى عنهم" لم يغير بذلك حكمًا شرعيًا ولم يعطل نصًا قرآنيًا،
[/size]

طارق شفيق حقي
06/04/2006, 11:54 PM
كما قد يفهم بعض الناس، ولكنه غير الفتوى بتغير الزمن والحال عن عهد الرسول، فلم يعد عيينة بن حصن، ولا الأقرع بن حابس وإضرابهما من الطامعين، ممن يحتاج الإسلام ودولته إلى تأليف قلوبهم، ولم يكتب الرسول  صكًا لهؤلاء يبقيهم مؤلفة إلى الأبد، والمؤلف هو الذي يرى الإمام تأليفه، فإذا لم يرَ تأليف شخص أو أناس بأعيانهم أو لم يرَ التأليف مطلقًا في عهده لعدم الحاجة إليه أو لأن هناك مصارف أهم منه، فهذا من حقه ولا يكون ذلك إسقاطًا لسهم المؤلفة إلى الأبد كما فهم بعض الحنفية وغيرهم، ولا تعطيلاً للنص كما ظن بعض المعاصرين،

فإن عمر والأمة كلها لا تملك تعطيل نص صريح من كتاب الله، ولكنه رأى مصلحة المسلمين في عصره، أن يسد الطريق على الطامعين في أموال الزكاة باسم التأليف، ولم يرد عنه ما يمنع من التأليف وإعطاء المؤلفة عند الحاجة واقتضاء المصلحة إن عمل عمر هذا مثال جيد لاعتبار المصلحة المرسلة، وسد الذريعة إلى المفسدة، وهو مثال جيد كذلك لتغير الفتوى بتغير الأزمان والأحوال. ومما غير عمر فيه الفتوى بتغير الحال "زكاة الخيل"، فقد جاءه أناس من الشام يريدون إعطاء الزكاة منها، فتردد في ذلك لأنه أمر لم يفعله الرسول ولا أبو بكر، ثم جاء أنه أوجب الزكاة في الخيل في قصة يعلى بن أمية وأخيه حين وجد الفرس يبلغ ثمنها مائة ناقة مستدلاً بما ذكرناه من القياس، وهو نوع من مراعاة المقاصد والمصالح والعدل الذي قامت عليه الشريعة. ومن الأمثلة التي تُذكر هنا من تغير الفتوى بتغير المكان والحال، أن معاذ بن جبل حين بعثه الرسول  إلى اليمن وأمره أن يأخذ الزكاة من أغنيائهم ويردها على فقرائهم، كان مما أوصاه به: "خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل" ولكن لم يفهم هذه الوصية إلا أنها تيسير على الناس، وأن هذا ما يطالبون به، فلما وجد الأيسر عليهم أن يدفعوا القيمة رحب بذلك، لما فيه من الرفق بهم، والنفع لمن وراءهم بالمدينة، عاصمة الإسلام، إذا فضل شئ عنهم وأرسله إلى هناك، ففي خطبة معاذ باليمن قال :"ائتوني بخميس أو لبيس (ملابس من صنعهم) آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة فاعتبار المصلحة ورعاية مقصد الشارع من الزكاة هو الذي جعل معاذًا -وهو أعلم الصحابة بالحلال والحرام كما في الحديث- يؤثر أخذ القيمة "ثيابًا يمنية" بدلاً من الحبوب، مع ما يظن من مخالفته ظاهر الحديث الآخر، وما كان لمعاذ أن يخالف حديث رسول الله - وهو الذي جعل اجتهاده في المرتبة الثالثة بعد الكتاب والسنة.


ولكنه أدرك مقصود الحديث فلم يتجاوز به موضعه، ولهذا اشترط الأصوليون في المجتهد: أن يكون عالمًا بمدارك الأحكام ومقاصد الشريعة، وأن يكون أيضًا عالمًا بمصالح الناس في عصره .

وهذا حق فإن من حصل كثيرًا من العلم ووسائل الاجتهاد ولكنه يعيش في برج عاجي، أو صومعة منعزلة، غافلاً عن مصالح المجتمع ومفاسده وما يدور في العقول من أفكار، وفى الأنفس من نوازع، وفى الحياة من وقائع وتيارات..

مثل هذا -على علمه- لا يعد من أهل الاجتهاد والفتيا والحكم في شريعة الإسلام. إن اعتبار المصالح والمقاصد العامة للشريعة هو الذي جعلنا نرجح ما أفتى به كثير من أصحاب الرسول  أن لا زكاة في حلى النساء، لأن مقصد الشريعة في الزكاة -كما فهموها من الأموال التي أخذ منها رسول الله الزكاة في عصره- أن تفرض في المال النامي أو الذي من شأنه أن ينمو، ليكون الأخذ في الغالب من الفضل والنماء، ويبقى الأصل لمالكه مصدر دخل له، والحلي الذي أباحه الله للمرأة ليس ناميًا ولا من شأنه أن ينمو بل هو من جنس ثياب الزينة وأثاث البيت وما إلى ذلك.

ورعاية العدل الذي بُنيت عليه الشريعة هو الذي جعلنا نرجح قول التابعي الجليل الإمام عطاء بن رباح في رفع نفقة الزرع من جملة المحصول ثم تزكية الباقي، وجعلنا نختار أن يزكى المستأجر الزرع الخارج بعد طرح النفقات، ومنها أجرة الأرض، وأن يزكى مالك الأرض الأجرة التي يقبضها بمجرد قبضها، ويخرج منها العشر أو نصفه، لأنها بدل عما يستحقه من الخارج لو زارع عليها .. إلى غير ذلك من الأمثلة ) انتهى بتصرف.


وإتماماً للفائدة ولكي ندرك خطر الجمود في فهم الإسلام ونصوصه وأحكامه نختم بهذه القصة التي ذكرها الإمام جلال الدين السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور لنأخذ منها العبرة: (

وأخرج الطبراني والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عباس قال: لما اعتزلت الحرورية فكانوا في واد على حدتهم قلت لعلي: يا أمير المؤمنين أبرد عن الصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم؟ فأتيتهم ولبست أحسن ما يكون من الحلل فقالوا: مرحبا بك يا ابن عباس، فما هذه الحلة؟ قال: ما تعيبون علي… لقد رأيت على رسول الله  أحسن الحلل ونزل " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق " (الأعراف الآية 32) قالوا فما جاء بك؟ قلت: أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله ، وختنه، وأول من آمن به،

وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه؟ قالوا: ننقم عليه ثلاثا: قلت ما هن؟ قالوا أولهن أنه حكم الرجال في دين الله وقد قال الله تعالى " إن الحكم إلا لله " (الأنعام الآية 57) قلت: وماذا؟ قالوا: وقاتل ولم يسب ولم يغنم، لئن كانوا كفارا لقد حلت له أموالهم، ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دمائهم.
قلت: وماذا؟ قالوا: ومحا اسمه من أمير المؤمنين فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.
قلت: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم، وحدثتكم من سنة نبيه  ما لا تشكون أترجعون؟ قالوا: نعم. قلت: أما قولكم أنه حكم للرجال في دين الله، فإن الله تعالى يقول " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " إلى قوله " يحكم به ذوا عدل منكم " (المائدة الآية 95) وقال في المرأة وزوجها " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " أنشدكم الله أفحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب فيها ربع درهم؟ قالوا اللهم في حقن دمائهم وصلاح ذات بينهم.

قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. وأما قولكم أنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، أتسبون أمكم أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام، إن الله تعالى يقول " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم " (الأحزاب الآية 6) وأنتم تترددون بين ضلالتين فاختاروا أيتهما شئتم، أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. وأما قولكم محا اسمه من أمير المؤمنين، فإن رسول الله  دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا فقال: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقالوا: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال: والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب يا علي محمد بن عبد الله ورسول الله كان أفضل من علي، أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. فرجع منهم عشرون ألفا وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا ) انتهى. والقصة ذكرها الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وعقب بقوله: (رواه الطبراني وأحمد ببعضه ورجالهما رجال الصحيح ) انتهى.

تم بحمد الله تعالى جمعه من مصادر شتى نسأل الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه تعالى سميع مجيب

طارق شفيق حقي
07/04/2006, 12:00 AM
هذا الكلام قد أفضنا فيه كي نقطع دابر الخلاف فيمن يقدم ما لديه من معارضة للاحتفال


وكلا الطرفين يحتج بعلماء وبهذا على كل طرف ان يحترم الاخر ويترك له حرية الاحتفال أم عدم الاحتفال

والكلام منقول من موقع الحوار العربي
نذكر أننا سنحتفل بعيد المولد النبوي ونحث عليه لما فيه من تحبب وتقرب للرسول صلى الله عليه وسلم وتذكيرللناس بحبه

كذلك نرفض كل ما ذكر من أراء المعارضين من المخالفات وهي مخالفات شرعية في العيد وفي غيره

طارق شفيق حقي
22/03/2007, 12:18 PM
نرفعه لقرب عيد المولد النبوي صلى الله عليه وسلم

bouhamza
15/03/2008, 06:39 PM
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد
فإنه لا يشك مسلم في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفارق الدنيا ويلتحق بالرفيق الأعلى إلا بعد أن أكمل الله هذا الدين الحنيف ، قال تعالى :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً }[المائدة:3]، وجعل رسوله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، قال تعالى :{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }[الأحزاب:40].
وأن هذا الدين المؤسس على كتاب الله الكريم ، وسنة نبيه عليه أتم الصلاة وأزكى التسليم ،صالح لكل زمان ومكان ، كفيل بكل ما يحتاجه البشر ، ولذلك أمرنا الله باتباعه فقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام:153].
وأمرنا أن نطيع رسوله صلى الله عليه وسلم فقال عز من قائل : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الحشر:7].وأمرنا برد كل ما يقع فيه النزاع إليه سبحانه وتعالى وإلى رسول صلى الله عليه وسلم ، فقال عز وجل : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء:59].

فما دام أن الدين كامل ، وليس في حاجة إلى زيادة ، فلا حاجة إذن لإحداث البدع في الدين ، والتقُّرب بذلك إلى رب العالمين ، ومن أحدث بدعة واستحسنها فقد أتى بشرع زائد ،واتهم الشريعة بالنقص ،وكأنه استدرك على الله- سبحانه وتعالى - وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكفى بذلك قبحاً، ومن ذلك ابتداع الإحتفال بالمولد النبوي في كل عام من أعوام السنة الهجرية من يوم 12 ربيع الأول.
ولكن أعداء الإسلام، ومن يغيظهم انتشاره،حسَّنُوا لبعض الناس هذه البدعة، وأظهروها لهم بمظاهر براقة خادعة ، وكسوها بمظهر الزهد،والتقرب إلى الله ،ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقصدهم كله إفساد دينهم ، ومزاحمة المشروع بالمبتدع ، حتى تكون السنن مستغربة ، والبدع تقوم مقامها !.
وقد روَّج لهذه البدعة المنكرة بعضُ علماء السوء ، وأرباب الطرق الذين جعلوا من ذلك سبيلاً إلى رئاسة الناس ،وكسب الأموال، حتى انتشرت في العالم الإسلامي انتشار النار في الهشيم ، وصار عامة الناس يعدون الإحتفال بالمولد النبوي أمراً مشروعاً يجب المحافظة عليه ، مع تركهم لكثير من السنن المشروعة !.

ولزوم السنة ومحاربة البدعة من الأمور التي تجب على عامة المسلمين ، وعلى العلماء وطلاب العلم خاصة.
و هذه البدعة القبيحة من المنكرات التي يجب تغييرها على حسب القدرة : إما باليد ، أو باللسان ، أو بالقلب .
ومن هذا المنطلق ، فقد اخترت أن أنقل لكم فتاوى العلماء الأكابر في حكم الإحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه و سلم و ذلك نصحا لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم و امتثالا لقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران :110] ، هذا و الله أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.
هــل يحل للمسلمين أن يحتفلوا بالمولد النبوي ؟
السؤال
هل يحل للمسلمين أن يحتفلوا في المسجد ليتذكروا السيرة النبوية الشريفة في ليلة 12 ربيع الأول بمناسبة المولد النبوي الشريف بدون أن يعطلوا نهاره كالعيد ؟ واختلفنا فيه ، قيل بدعة حسنة ، وقيل بدعة غير حسنة ؟
الجواب
ليس للمسلمين أن يقيموا احتفالا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة 12 ربيع الأول ولا في غيرها ، كما أنه ليس لهم أن يقيموا أي احتفال بمولد غيره عليه الصلاة والسلام .
لأن الاحتفال بالموالد من البدع المحدثة في الدين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته صلى الله عليه وسلم وهو المبلغ للدين والمشرع للشرائع عن ربه سبحانه ولا أمر بذلك ولم يفعله خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه جميعا ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة .
فعلم أنه بدعة وقد قال صلى الله عليه وسلم : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته ، وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري جازما بها من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد .

والاحتفال بالموالد ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بل هو مما أحدثه الناس في دينه في القرون المتأخرة فيكون مردودا
وكان عليه الصلاة والسلام يقول في خطبته يوم الجمعة أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة رواة مسلم في صحيحه وأخرجه النسائي بإسناد جيد
وزاد وكل ضلالة في النار ويغني عن الاحتفال بمولده تدريس الأخبار المتعلقة بالمولد ضمن الدروس التي تتعلق بسيرته عليه الصلاة والسلام وتاريخ حياته في الجاهلية والإسلام في المدارس والمساجد وغير ذلك ، من غير حاجة إلى إحداث احتفال لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يقم عليه دليل شرعي .

والله المستعان ونسأل الله لجميع المسلمين الهداية والتوفيق للاكتفاء بالسنة والحذر من البدعة .
كتاب الدعوة ج 1 ص 240 .
فهرس فتاوى ومقالات بن باز
فتوى رقم (10685)س 1: هل يجوز أكل اللحم الذي يذبح لمولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الموالد؟ ج 1: ما ذبح في مولد نبي أو ولي تعظيما له فهو مما ذبح لغير الله وذلك شرك، فلا يجوز الأكل منه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله من ذبح لغير الله وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاءعضو، نائب رئيس اللجنة، الرئيسعبد الله بن غديان، عبد الرزاق عفيفي، عبد العزيز بن عبد الله بن باز

طارق شفيق حقي
15/03/2008, 06:58 PM
ما ذكر أعلاه فيه من أراء العلماء الكثير

وأنت أوردت رأي عالمك



ونحن نأخذ بالرأي الأول


الذي يرد على كل أقوال الرأي الثاني


وصلى الله وبارك


لم أحب أن أورد رداً مطولاً

والرابط هذا يكفي


http://www.merbad.net/vb/showthread.php?p=47240#post47240

طارق شفيق حقي
15/03/2008, 07:06 PM
ما ذكر أعلاه فيه من أراء العلماء الكثير

وأنت أوردت رأي عالمك

ونحن نأخذ بالرأي الأول

الذي يرد على كل أقوال الرأي الثاني

وصلى الله وبارك

http://www.merbad.net/vb/showthread....7240#post47240

مروان قدري عثمان مكانسي
15/03/2008, 08:54 PM
سيدي الأستاذ طارق / حفظك الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
كان ما نقلته لنا من درر العلماء وجبة دسمة
تشكر عليها .
فالاحتفال بالمولد فائدة للمحتفلين لا للمحتفى به
فهو صلى الله عليه وسلم غني عما نقدمه على الرغم من أن أعمال
العباد تعرض عليه .
ما أحوجنا أن نحتفل بمولده لنقف على خصاله فنقتفي إثرها .
لا فض فوك يا عزيزي .