المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من هم الفاكينغ ؟



طارق شفيق حقي
03/01/2014, 09:47 PM
من هو شعب الفايكنج؟

تنقسم الشعوب التي تعيش حالياً في شبه الجزيرة الاسكندنافية والجزر المحيطة بها إلى دنماركيين وسويديين ونرويجيين، لكنهم كانوا يعرفون سابقاً باسم “الفايكنج” أو برجال الشمال.
كان الفايكنج شعباً شرشاً غير متحضر وبسبب المناخ البارد في بلادهم وجدب الأرض كانت الزراعة وتربية المواشي عملية صعبة وعسيرة، ولذا فقد اتجهوا إلى البحر طلباً للرزق وأسباب العيش. ولم يطل الوقت بالفايكنج حتى أصبحوا ملاحين ذوي براعة فائقة فهجروا أرضهم بكاملها وانتشروا في مختلف الانحاء حتى شواطئ اوروبا الشرقية.
في تلك الآونة من القرن الثامن الميلادي، أصبح الفايكنج مبعث الرعب على امتداد تلك الشواطئ إذ كانوا ينهبون ويسلبون المدن التي يهبطون فيها على البر ويشرعون في القتل وجمع الغنائم ثم يعاودون الكرة في بلد آخر.
كان الفايكنج طوال القامة ذوي شعور شقراء وكانوا يتميزون بشواربهم الطويلة.

رجال السفن المكشوفة


عرف الفايكنج بأنهم ذوو بأس شديد بصورة لا تصدق وكانوا يقضون أوقاتاً طويلة في البحر في سفن مكشوفة وسريعة. وفي نهاية القرن التاسع الميلادي، توغل الفايكنج فيما يسمى الآن روسيا لكن جماعات منهم انطلقت نحو وجهات أخرى ووصلت إلى جزيرة ايسلندا بواسطة السفن السريعة واكملت نحو جرينلاند.
وثمة جماعات منهم وصلت إلى انجلترا وفرنسا حيث كانوا يقومون بهجمات ضارية تحدث اضراراً فادحة لأنهم كانوا يدمرون الكنائس والاديرة ويعملون في الرهبان والقسيسين ذبحاً وتقتيلاً ويعيثون في الاقاليم نهباً وتخريباً
وفي القرن التاسع الميلادي نفذ الفايكنج اربع غارات مستهدفين مدينة باريس وعاثوا فيها نهباً وسلباً وتدميراً وفي كل مرة كانوا يصلون اليها بسفنهم ليلاً عبر نهر السين. وأمام هذا الغزو المتكرر اضطر الملوك الفرنسيون إلى دفع مبالغ طائلة مقابل انسحاب هؤلاء الغزاة من العاصمة وفي العام 885 هاجم نحو 30 ألف رجل من “رجال الشمال” الفايكنج باريس وحاصروها حصاراً شديداً مما اضطر ملك فرنسا إلى وضع 700 جنيه من الذهب لرجال الشمال كي يتركوا العاصمة. وبالفعل وافق هؤلاء لكنهم استقروا في النهاية في منطقة النورماندي المعروفة وأصبحوا يعرفون بالنورمانديين.
بعد هذه المرحلة، تحول النورمانديون بعد اتصالهم بالحضارة الفرنسية إلى المسيحية ونبذوا ديانتهم الخاصة واستبدلوا بلغته الاسكندنافية لغة الأقاليم الشمالية في فرنسا واحتذوا أنماط اللغة الفرنسية.

غزو انجلترا

يرى المؤرخون ان الفايكنج وصلوا إلى انجلترا لأول مرة في العام 787م وذلك حين قاموا بالإغارة على ساحل دورسيت ومن ثم اقليم نورثمبريا. وتذكر احدى الأساطير التي انتشرت في ذلك الوقت أنه كانت هناك زوابع وبروق كثيرة وشوهدت مخلوقات تشبه التنين تطلق النيران وتطير في الهواء. ولم يبدأ الفايكنج بالاستقرار في انجلترا إلا بعد حوالي 80 عاماً من ذلك التاريخ حيث تمكنوا من اخضاع اقليمي نورثمبريا ومرسيا وكذلك اقليم ويسكس الذي جوبهوا فيه بمقاومة عنيفة، حيث استطاع ابناء اقليم غرب سكسونيا الذين احتشدوا تحت لواء الملك الفريد، إحراز نصر مؤزر على الفايكنج في معركة ايتانديون عام (878) وعندئذ اضطر الفايكنج إلى الموافقة على حصر اقامتهم في الجزء المعروف في انجلترا باسم دينلو.
بعد هذه المرحلة عاشت انجلترا فترة سلام لأنها تخلصت من غارات الفايكنج، إلا أن هؤلاء عاودوا استئناف غاراتهم عندما وصل الملك “ايثلر يد ريد ليس” عام 979م إلى العرش. وفي بداية الأمر حاول هذا الملك الضعيف دفع مبالغ كثيرة للفايكنج كي يرحلوا عن بلاده، لكنه لم يجد في ذلك نفعاً مما اضطره إلى اتخاذ خطوة يائسة مستميتة حيث أمر بذبح كافة رجال الفايكنج العاملين في خدمته لكن هذا الأمر أدى إلى انتقام مروع من قبل ملك الدانمارك “سوين” الذي غزا البلاد وطرد منها الملك ايثلر يد. ولم يطل الزمن بالملك سوين طويلاً فقد وافته المنية ليخلفه ابنه كانوت الذي أصبح بدوره ملكاً على انجلترا كلها وظلت انجلترا على مدى 25 عاماً يحكمها ملوك دانماركيون إلى أن جاء ملك انجليزي لفترة قصيرة هو ادوارد المعروف باسم “الملك المعترف” ولكن بوفاته قام الفايكنج أو النورمانديون كما أصبحوا يعرفون، بغزو البلاد تحت قيادة الدوق وليام.

الفايكنج في ايطاليا

مع هذه الأحداث أصبح النورمانديون مبعث رعب وذهول في اوروبا في القرن الحادي عشر لأنهم من موطنهم الجديد في اقليم النورماندي بفرنسا، قهروا انجلترا ثم جنوب ايطاليا وصولاً إلى جزيرة صقلية بل يقال انهم وصلوا إلى مشارف القسطنطينية وقاموا برحلات حج إلى بيت المقدس!
وفي العام ،1016 قامت جماعة من النورمانديين وهم في طريق عودتهم من بيت المقدس بمساعدة اللومبارديين الذين قامت حرب بينهم وبين اليونانيين في جنوب ايطاليا. وسرعان ما توافد النورمانديون إلى هذه البلاد في جموع غفيرة لأن منطقة النورماندي لم تكن ذات مساحة كافية كي تستوعبهم وتكفي معاشهم.
في النورماندي كان هناك ملك يسمى “ثافكر يد دي هو تفيل” وكان له ابناء كثيرون، وبمضي الوقت أخذ هؤلاء بالنزوح إلى جنوب ايطاليا لأن الأرض هناك أي في النورماندي لم تكن بالكافية لاستيعابهم. وقد استطاع أحد الابناء وهو روبرت جيسكارد طرد اليونانيين من جنوب ايطاليا كلياً مما دفع البابا عام 1059م إلى تنصيبه دوقاً على مقاطعتي ابوليا وكالابريا. وقبل وفاته عام 1085 استطاع هذا الدوق أن يحارب اليونانيين في بلادهم.

من الهمجية إلى التعقل

في هذه الاثناء كان الشقيق الأصغر للدوق المعروف بروجر يهاجم المسلمين في جزيرة صقلية محاولاً قهرها. وفي العام 1091 أصبح روجر الحاكم المسيطر على الجزيرة كلها، كما أصبح ولده روجر الثاني الملقب بروجر العظيم حاكماً على كل الامبراطورية النورماندية في صقلية وجنوبي ايطاليا. وفي عيد الميلاد من العام ،1130 توج روجر الثاني ملكاً على صقلية ودوقيات ابوليا وكالابريا وذلك في كاتدرائية باليرمو عاصمة جزيرة صقلية آنذاك، وأصبحت مملكة النورمانديين في كل من انجلترا وصقلية من اقوى الممالك في اوروبا خلال القرن الثاني عشر.
والواقع أن الفاتحين الجدد، أرادوا فرض لغتهم وديانتهم وقوانينهم وأسلوب حياتهم على البلاد التي اخضعوها حيث سمح الفايكنج أو النورمانديون المتحضرون للمسلمين واليونانيين والايطاليين بأن يتكلموا لغاتهم القومية وأن يمارسوا شعائرهم الدينية وأن يحتفظوا بعاداتهم وتقاليدهم، وهكذا تحول هؤلاء من برابرة همجيين إلى أناس يتصف حكمهم بالتعقل الأمر الذي جعل تلك الفترة فترة ازدهار لاسيما في جنوبي ايطاليا وجزيرة صقلية، وأدى امتزاج الشعوب إلى قيام أنماط رائعة من الفن والهندسة المعمارية التي لاتزال نماذج منها شاهدة على ذلك في جزيرة صقلية.
ومن المعروف أن دين الفايكنج قبل المسيحية كان مشابهاً لدين القبائل الالمانية الأخرى حيث قدسوا عدداً من الآلهة مثل أودين “إله الحرب” وزعيم الآلهة النرويجية “ثور” وبالدير “إله النور”. واعتقد محاربو الفايكنج بأنهم إذا ماتوا بشكل بطولي فإنهم سيدعون للسكن مع “أودين” في قصرة في عالم الآلهة.