المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ألف طيف وطيف ... ( الطيف الأول )



أبو شامة المغربي
25/03/2006, 08:17 PM
ألف طيف وطيف...


( الطيف الأول )


بلغني أيها القارئ السعيد أن الذاكرة مالت ميلا خفيفا، فانكشف على إثر ميلها سجل حافل بلحظات تمشي في حزم وعناد .. تخطو ثوانيها متطلعة إلى أفق جميل .. تخطو مترقبة غدا يسير على توقيعات الفؤاد المتوثب ..


فبالأمس تلاحقت تلك اللحظات، وأمسك الحين بالحين، ولم يسدل السجل بعد ستاره، وكأنه ديوان شعر من لون آخر .. لا يعرف رويا في أبياته ولا قافية .. ديوان ينبض بالحياة .. فيه قد صارت خفقات القلب تفعيلات لا كسائر التفعيلات...



ولما أظل القلم بظله الرشيق الورقة البيضاء، واستأذن صاحبه الذاكرة لقراءة بعض ما انطوت عليه، أذنت له واستبشرت خيرا، فمضى يستعرض صفحات من حياته .. تنقل بحروف منتقاة بين صفحة وصفحة .. يرشف من هذه فرحة، ويتجرع من تلك ألما، ويقطف من هذه عبرة، ويجني من تلك دروسا إلى أن أتم جولته ..




جال الكاتب بذكرياته، وجال القلم بحبره في رحاب الورقة البيضاء، وجالت الورقة بما خط عليها، وبعد كل هاته الجولات لم يكن من الفراق بد على أمل اللقاء...






وأدرك الكاتب حد الورقة، فأمسك يراعه عن الحركة




د. أبو شامة المغربي


kalimates@maktoob.com

طارق شفيق حقي
25/03/2006, 10:24 PM
خروج المجردات لثوب يدركه عقل حسي لهو بحاجة ليراع فنان يصوغها ويقربها وينفخ فيها الروح فتقترب منا أكثر

لا حدود للورقة
بل الحدود فينا
أنتظر بقية طيوفك هنا

أبو شامة المغربي
25/03/2006, 11:50 PM
ألف طيف وطيف ...


(الطيف الثاني )


بلغني أيها القارئ السعيد أن بعد كل هاته الجولات لم يكن من الفراق بد على أمل اللقاء، فانتصب السؤال من جديد أمام صاحب اليراع .. أين هي الخلاصة من هذا كله..؟ أتوجد في بيت طرفة بن العبد، أم في بيتي بديع الزمان الهمذاني..؟ أم أن الخلاصة اشتملت عليها الأبيات الثلاثة..؟
أسئلة كثيرة لا يستطيع تحديدها لحدة تشابكها وتداخلها، يقارعها كثيرا عندما يتذوق مرارة ماضيه وحنظل حاضره، لكن شعلة الرجاء في الله تتداركه في لحظة تتغلب فيها ضرورة النسيان، فتهدأ قليلا وثبة الحزن، ويخفت قليلا أنين الجراح إلى أجل مسمى قريب ...

كم هي كثيرة تلك الضربات العنيفة التي تلقاها، وكم هي غير قليلة تلك الجمرات التي ألهبت دم وجهه وذهبت ببريق بصره، وكم مرة سأل نفسه عما يريد تذكره، وعما يريد أن يعجل النسيان بطيه ..
يذكر أنه عندما كان يحرر جملة من الإنشاءات الأدبية في أيام دراسته الأولى، يستهلها بالعبارة التالية.. كل فرد منا يعيش أفراحا وأحزانا، وفي أحيان معدودة كان يقدم كلمة الأفراح ويؤخر كلمة الأحزان، لكنه في الغالب كان يفضل تقديم كلمة الأحزان بقصد تجاوزها بسرعة كتابة، وإحساسا، وتفكيرا..
كان يتعمد تجاوزها ولو على ورقة تحرير الإنشاء إلى ذكر كلمة طالما تمنى البقاء تحت سمائها الصافية الأديم، وفي ظل دوحتها المترامية الأغصان، لكن هيهات هيهات، فظلال الفرحة حسيرة، شبيهة هي بالعمر القصير...

وأدرك الكاتب حد الورقة، فأمسك يراعه عن الحركة





د. أبو شامة المغربي



kalimates@maktoob.com

أبو شامة المغربي
26/03/2006, 09:17 AM
ألف طيف وطيف ...


( الطيف الثالث )






بلغني أيها القارئ السعيد أن ظلال الفرحة حسيرة، شبيهة هي بالعمر القصير، فالحياة أفراح وأحزان.. سهل ووعر، والدنيا عقبات، وامتحانات، وابتلاءات، والحمد لله أن جعل للناس من كتابه العزيز وهدي رسوله الكريم نورا وهداية، إلا أن الإنسان.. هذا المخلوق الضعيف يظل مضطرا إلى التعبير عما يحسه ويستشعره، ويلقاه ويكابده في حياته اليومية.. إنه يرى الكتابة له وسيلة وسببا مناسبا للتحاور مع ذاته، وجسرا يعبر فوقه إلى أقصى ما يتردد من أصداء في عمق أعماقه...



يعلم أن ذكرياته لا تعد على رؤوس الأصابع.. هي كثيرة ذات شجون.. كلما ألقى نظرة على من حوله من الوجوه أو على ما يحيط به من أشياء وموضوعات، إلا وتفجرت ينابيع الذاكرة، فتتمثل أمامه رحاب وفضاءات.. إنه يعيش اليوم حصارا مضروبا على حياته الهادئة، فأين ما ولى وجهه وجد ما يبعث فيه على الرثاء.. الزيغ والضلال شديد، والظلم والهدم يزيد.. تدمير في تدمير.. جهل وعبث بدل العلم والنظام مشيد.. يا حسرة على البلاد والعباد، فقد غيب العقل وأضيع الرأي السديد...



إنه يدرك جيدا بأن الوصول في ذا الزمان وذا المكان إلى رفقة مؤمنة صالحة مصلحة أمر عزيز، فقد أصبحت الجدية، والنزاهة، والاستقامة، والإرادة، والحيوية، والبذل والعطاء، والتضحية والإيثار، والجود والكرم، والصدق والنصيحة أمورا تملها النفوس الأمارة بالسوء وتضيق لمجرد سماع ذكرها..



ففي مكان محاسن الأخلاق حلت كثير من المساوئ والويلات، فغدت ضالة كل منحرف عن طريق الجادة، حيث وجدها التقطها، ولم يبخل بها على مريديه.. فما هي إلا دعوة منه منكرة يرفعها بصوت منكر، فإذا هم في حلقة دروسه حاضرون لا يتخلفون...



وأدرك الكاتب حد الورقة، فأمسك يراعه عن الحركة








د. أبو شامة المغربي


kalimates@maktoob.com (kalimates@maktoob.com)

أبو شامة المغربي
28/03/2006, 01:59 PM
ألف طيف وطيف ...
( الطيف الرابع )

بلغني أيها القارئ السعيد أن ما هي إلا دعوة منه منكرة يرفعها بصوت منكر، فإذا هم في حلقة دروسه حاضرون لا يتخلفون، ثم إن الكاتب تراءت له في سماء ذهنه العبارة التالية: إن لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون، ثم عقبها بيت شعري لزهير بن أبي سلمى، وقد انبعث من معلقته ..

ومن لم يصانع في أمور كثيرة // يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم


لم يكن في الحقيقة ليستطيع مهما حاول الإنسجام مع كثير مما يجري في حاضره، فهو كثير واهي الأساس.. كيف ينساق وراء التفاهات، والمتاهات، والمهازل والمهزلات..؟

إنه يدرك جيدا أن الإنسان الذي يطمح إلى تقويم نفسه ويجتهد في تسديدها، يعيش جهادا متواصلا على مر الأيام.. يجاهد نفسه من جهة، ويجاهد غيره من جهة ثانية، ثم إنه يظهر مقاومة شديدة حيال مزيج من الظواهر، والأفكار، والمفاهيم، لأنها في رأيه نابعة من عمق النفس الأمارة بالسوء.. يبحث في ذاته عن ذاته، ويحاول تحديد هويته وشخصيته، هذا فضلا عن رغبته الأكيدة في إدراك حقيقة وجوهر علاقته مع بني جنسه...

صحيح أن جهاد النفس يشب داخل وسط اجتماعي معين، فيه يحتك الإنسان ويصطدم بالعديد من الإفرازات الواقعية، كيف لا يكون ذلك، وهو المعني بالأمر، إذ لولا وجوده لما قامت لجهاد النفس قائمة على الإطلاق.. إنه محور الأفعال وردودها، ثم إنه يستقبل بجميع حواسه كل ما يحيط به، كما أنه يمر بتجارب قاسية له فيها حظ من السؤال، والشك، والحيرة، وله في ذات الآن فيها نصيب من القلق، والتردد، والخوف.. إنها التجارب التي لا تخلو من نشاط المرء إقداما وتراجعا...


وأدرك الكاتب حد الورقة، فأمسك يراعه عن الحركة


د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com (kalimates@maktoob.com)

أبو شامة المغربي
29/03/2006, 12:00 PM
ألف طيف وطيف ...

(الطيف الخامس)






بلغني أيها القارئ السعيد أنها التجارب التي لا تخلو من نشاط المرء إقداما وتراجعا، ثم إن المرء يظل يهدف إلى تحقيق طموحاته، ومع كثرتها أو قلتها قد تلتقي عند المفترق، وقد تنتهي إلى غاية واحدة..

ليس تحقيق المطامح بالأمر المستحيل، وفي ذات الوقت ليس بالمطلب الهين، ما دام أن الصراع في جوهره قائم ومحتدم بين الخير والشر، في حين أن لطموحات كل إنسان بناء خاص ومعنى متميز، فثمة من ينتقي لبناء طموحاته عنصر الخير، وهناك من يفضل أن يبحر بكل مطامحه من عنصر الشر ويرسو بها عليه.. جميع الأنام يعملون على تحقيق مطالبهم، وجميعهم يعمل على شاكلته، وينهج في عمله هديا معينا...


إن التوكل على الله سبحانه في أعمال الخير لا يقترن ولا ينسجم مع الخمول والكسل، بل لا من الأخذ بالأسباب، وتعزيز التمني والرجاء بالعمل الجاد المتواصل، إذ بالفعل الجميل والصنيع الحسن المشروع، الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، والمؤمنين، يستطيع العبد العامل أن يجني هو وغيره ثمارا طيبة مما زرعت وغرست يداه..

الدنيا ما هي إلا رحلة قصيرة ثمينة، يمنحها العليم الحكيم لعباده لينظر سعيهم فيها، وليختبر مدى صبرهم ومقاومتهم أسباب الشر والفساد في الأرض.. الدنيا عمل متواصل في حياة الإنسان حتى يأتيه اليقين، وخير العمل زاد التقوى، يقف به العبد بين يدي ربه يوم الحساب...


وأدرك الكاتب حد الورقة، فأمسك يراعه عن الحركة









د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com (kalimates@maktoob.com)