المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إلى أمي



د.أسد محمد
21/03/2006, 07:52 PM
إلى أمي

إلى أمِّي
في مرقدِها ،
إلى كلَّ أمٍّ في الكونِ
إلى كل من تستعد لتكون أماً ،
أقدم قرنفلة تبقى على غصنها ،
أقدم قلبي يبقى في نبضاته ،
أقدم سربا من ذكريات تأبى أنْ ترحلَ
***
فاجأني العيدُ من الخلفِ ،
وأغمضَ عينا نسياني بعصابة ،
ثم أيقظهُ ،
كنتُ مشغولا بالحياة
أو تشتغل بي الحياةُ ،
لا بأس ،
كلُّ شيء رائع:
الرجوع إلى الوراء ،
الذاكرة دون حروف ،
الانتظار عند مفترق القلوبِ ،
خربشتنا على جدار اللعبِ ..
***
ولأنَّ لي أمّاً ، فلي عيد ،
ولأنَّ لي عيداً ، تعلمتُ كيف أقطفُ الكلماتِ عن أغصان الفجرِ ، لأقدمَها إلى أمِّي ،
ولأنَّ للعيد أمهات ، يقطفني عن غصن عمري ،
ويقدمني هديةً للشكر .
***
بيني وبين ذكراك ،
حلم ، وقبلة ، ويد نبتَ عليها الدهرُ أياماً من وجع ،
ومن بقاياه ،
هل جاءَ العيدُ ؟
هل راحَ العيدُ ؟
عبثا يمر بي رصيفُ السؤالِ ، ويدوسني،
وأعلمه كيف لا يكون بي رحيماً،
وأعلمه معنى الاغترابِ في الفرح ،
رغم أني لا أزال في الصفوف الأولى أتلقى مناهج :
الأمل ،
الحب ،
المال ،
الأنثى،
والتمني .
***
أمي ، كلُّ عيدٍ ، وأنتِ تزهرين ذكرى ، وأتقاسم مع الماضي جهدا أغراني لأكونَ كما كنتِ تحلمين ، فإذْ بي أتسللُ من تحت جنح الأمل لأصلَ إلى استلاد الحنان من براعم الوداع الخير : ليلتُها ودعتِني بابتسامة ، وقبلَ الفجرِ كنتُ ذاهبا معك إلى فرح، وسبقني إلى روحك ملكُ الموتِ ، قمتُ يائسا بإجراء تنفسٍ اصطناعي ( فم – فم ) ، ثم صرختُ صرخةً مدويةً - فارقتْ الحياة - ونبتتْ صرختي تحت جفني دمعةً ، ولا تزال ، وبعد عشرِ سنواتٍ من حملي شمعة الوداع ، اكتشفتُ أنك أخذتني معك ، لم أميزْ بعد كثيرا بأن مهمة الحواس تتعطلُ في لحظة يُطلَب منها أن تنفعلَ ، فتلك الصدمة هي مدى ، حرية ، إنذار ، وربما ميلاد : الأمٌّ لا يمكن أن ترحلَ ، أو تموتَ..
أمَّي ، رغم أنك لم تدخلي مدرسةً، و لم تقرئي في كتاب، لكنني أشهدُ أنك عرفت الكثير من أسرار الوقت ، والنجوم ، والسماء ، وأشهدُ أنكِ روضتِ الأرضَ ، والشتاء ، والظلمة ، والخوفَ ، فمنك تعلمتُ أنَّ الروحَ مثل نحلة تزور الجسم ، وتأخذ منه فقط الرحيقَ ، وعندما تزعل ، أو لا تجدُ ما يكفيها فيه ، ترحلُ عنه لتكونَ نجمةً في السماء إنْ كانت خيّرةً ، أو عتمةً بين النجومِ إن كانت شريرة ..
أمي :
أنا وأنتِ تقاسمنا حمْلَ ( الصمد والنير والسكة وكيس الحنطة ) ، فلحنا ، وزرعنا وحصدنا ، يوم ثارت بقرتنا ( حميرة ) وفلتت من النير ، ضربتِها بحجرة فأصابتني ، تحملت الوجع ، وعدنا للفلاحة من جديد ..
أنتِ أول من رفع جسمي الصغير الناحل مثل عود الجوز ليصل ظهر سيارة ( الهوب هوب) ، ثم تناولتُ منك كيسا من حشائش جمعتها ، مع قليل من السمنة والجبن والشنكليش ، بعتها في السوق وعدت إلى المدرسة متأخرا فضربني مدربُ الفتوةِ – في الأول الإعدادي – الذي لم يقبلْ تبريري ..
سربٌ من ذكريات : حملتني يوم وقعتُ عن ظهرِ الحمار وكسرت ساعدي ، وقتها سقطت دمعاتك الحارة في فمي ، لا يزال طعمُها حيّا ..
لن أنسى يومَ نظرتِ إلى راحة كفيّك المشققتين ، وأظافرك الناشبةِ في اللّحمِ ، وقلتِ باكية " أكلتها الأرض" .. أم ليلة ، تهدمَ بيتنا الطيني ذات شتاء ماطر ، ونجونا بأعجوبة ، أم يوم زففتِ لي خبر قبولي في بعثة خارجية لدراسةِ الطب ، وعندما غبتُ طويلا ، طلبت عودتي ، ولم أعدْ إلا ومعي شهادتي ، فاحتفلتِ على طريقتك الخاصة ، أم يوم خبأتِ مجلة النافذة التي عملت فيها ، تحت الوسادة إلى حين عودة من سفر طويل ، وقلت " بلالك ها الشغلة فيها وجع رأس " ، ثم تباهيتِ بها أمام النسوة بعد حين .
أمِّي، آخر شيء تعلمته منك الاستعداد لخسارة ما كسبت بما فيه الحياة والحزن والفرح ، وقبله تعلمت الكثير ، حتى أول شيء – لفظة أمي ..
كنت بفضلك أسقي عمري من عمري ، واجتهد ليكون وردا ، عندما خسرتك ،تعلمت أن أذهب بقدمي إلى الحب وإلى نقيضه ، ولا أزال بينهما أتخيرُ مَن أكون، وكلما جاء العيدُ أصغر ، وأمنحُه من عمري وردةً وذكرى
أمّي ، لا أزال كما تركتني آخر مرة ، أبيع الزمن ، و الأمكنة ببراعة
فأنتِ لست عيدا وحسب ، بل جعلت من العيد أنثى ، تقطفُ الفرحَ لأبنائِها من أجلِ أن يفرحوا بأن لهم أماًّ ، تمدُّ يدَها لتمطرَ عليهم حبّاً

طارق شفيق حقي
22/03/2006, 07:29 PM
مشاعر نبيلة


كم هي خسارة عظيمة ان تبقى وحيداً بلا قلب يساندك كقلب أمك

المربد أمنا جميعاً

د.أسد محمد
22/03/2006, 11:15 PM
أستاذ طارق
بقلب مفعم بالحياة
نتقبل القدر
شكرا للمربد

مرجان الأطرش
23/03/2006, 08:54 AM
إلى أمي

إلى أمِّي
في مرقدِها ،
إلى كلَّ أمٍّ في الكونِ
إلى كل من تستعد لتكون أماً ،

رحمها الله وادخلها فسيح جنانه
مرجان

د.أسد محمد
23/03/2006, 10:48 AM
أستاذ مرجان
الف تحية
ووردة من كلام
يليق بحضورك