المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من هو ابن عبدان السقا ؟



طارق شفيق حقي
12/05/2012, 10:08 PM
من هو ابن عبدان السقا ؟

طارق شفيق حقي
12/05/2012, 10:12 PM
ابن عبدان السقا وهو الشاعر المعروف أبو الطيب المتنبي


وقد جاء في كتاب بهجة المجالس عنه :

وأما أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي، والشاعر المعروف بالمتنبي، فإنه ولد بالكوفة، سنة ثلاث وثلثمائة، ونشأ بالشام، وأقام بالبادية، وطلب الأدب وعلم العربية، ونظر في أيام الناس، وتعاطى قول الشعر في حداثته، حتى بلغ فيه الغاية، وأنهي فيه النهاية، وفاق فيه أهل عصره، وبلغ خبره الأمير سيف الدولة أبا الحسن علي بن حمدان، وأكثر القول في مديحه، ثم مضى إلى مصر، ومدح بها كافوراً الإخشيدي، ثم خرج من مصر وورد العراق، ودخل بغداد وجالس بها أهل الأدب، وقرئ عليه ديوانه، وسمعه منه القاضي أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن القاسم المحاملي ورواه عنه.

وقال أبو الحسن محمد بن علي العلوي: كان المتنبي وهو صبي ينزل في جواري الكوفة، وكان أبوه يعرف بعبدان السقا، يستقي لنا ولأهل المحلة. ونشأ هو محباً للعلم والأدب والقراءة، وأكثر من ملازمة الوراقين، فأخبرني وراق كان يجلس إليه، قال لي: ما رأيت أحفظ من هذا الفتى ابن عبدان السقا! قلت له: كيف؟ قال: اليوم كان عندي، وقد أحضر رجل كتاباً من كتب الأصمعي يكون نحوُا من ثلاثين ورقة ليبيعه، فأخذ ينظر فيه طويلاً، فقال له الرجل: أريد بيعه، وقد قطعتني عن ذلك، فإن كنت تريد حفظه، فهذا يكون إن شاء الله تعالى بعد شهر، قال: فقال له ابن عبدان: فإن كنت حفظته في هذه المدة، فما لي عليك؟ قال: أهب لك الكتاب، قال: فأخذت الدفتر من يده، فأقبل يتلوه علي إلى آخره، ثم استلبه، فجعله في كمه وقام، فتعلق به صاحبه، وطالب بماله، فقال له: مالك إلى ذلك سبيل، وقد وهبته لي. قال: فمنعناه منه، وقلنا: أنت شرطت على نفسك هذا للغلام، فتركه عليه.
وقال أبو الحسن: كان عبدان والد أبي الطيب يذكر أنه جعفي، وكانت جدة المتنبي همدانية صحيحة النسب، لا شك فيها، وكانت جارتنا، وكانت من صلحاء النساء الكوفيات.

وذكر القاضي أبو الحسن بن أم شيبان الهاشمي الكوفي، أن عبدان كان جعفياً صحيح النسب. قال: وكان المتنبي لما خرج إلى كلب، وأقام فيهم، ادعى أنه علوي، ثم ادعى النبوة، ثم عاد يدعي أنه علوي، إلى أن أشهد عليه في الشام بالتوبة وأطلق.

قال أبو علي بن حامد: سمعت خلقاً بحلب يحكون أن أبا الطيب المتنبي تنبأ في بادية السماوة ونواحيها إلى أن خرج إليه لؤلؤ - أمير حمص من قبل الإخشيدية - فقاتله وأسره، وشرد من كان قد اجتمع إليه من كلب وكلاب وغيرهما من قبائل العرب، وحبسه في السجن دهراً طويلاً حتى كاد يتلف، فسئل في أمره، فاستتابه وكتب عليه وثيقة، وأشهد عليه فيها ببطلان ما ادعاه ورجوعه إلى الإسلام، وأطلقه. قال: وكان قد تلا على البوادي كلاماً زعم أنه قرآن أنزل عليه، وكانوا يحكون له سوراً كثيرة، نسخت منها سورة، ثم ضاعت، وبقي أولها في حفظي وهو: "والنجم السيار، والفلك الدوار، والليل والنهار، إن الكافر لفي أخطار، امضِ على سننك، واقف أثر من قبلك من المرسلين، فإن الله قامع بك من ألحد عن دينه، وضل عن سبيله". وقال: وهي طويلة لم يبق في حفظي فيها غير هذا.

قال: وكان المتنبي إذا شوغب في مجلس سيف الدولة - ونحن إذ ذاك بحلب - نذكر له مما كان يحكى عنه فينكره ويجحده.

وقال له ابن خالويه النحوي يوماً في مجلس سيف الدولة: لولا أن أخي جاهل، لما رضي أن يدعى بالمتنبي، لأن معنى المتنبئ كاذب، ومن رضي أن يدعى بالكذب فهو جاهل، فقال له: لست أرضى أن أدعى بذلك، وإنما يدعوني به من يريد الغض مني، ولست أقدر على المنع.
قال التنوخي: قال لي أبي: فأما أنا؛ فسألته بالأهواز [في سنة أربع وخمسين وثلثمائة عند اجتيازه بها إلى فارس، في حديث طويل جرى بيننا] عن معنى المتنبئ، لأني أردت أن أسمع منه: هل تنبأ أم لا؟ فجاوبني بجواب مغالط؛ وقال: إن هذا شيء كان في الحداثة، فاستحييت أن أستقصي عليه، فأمسكت.

قال: قال لي أبو علي بن أبي حامد ونحن بحلب - وقد سمع قوماً يحكون عن أبي الطيب هذه السورة التي قدمنا ذكرها: لولا جهله! أين قوله: "امض على سننك..." إلى آخر الكلام، من قوله عز وجل: ]فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين[، إلى آخر الآيات! وهل تتقارب الفصاحة، أو يشتبه الكلامان!


ويحكى أن أبا الطيب اجتمع هو وأبو علي الفارسي، فقال له أبو علي: كم جاء من الجمع على وزن فعلى؟ فقال: حجلى، ظربى، جمع حجل وظربان. قال أبو علي: فسهرت تلك الليلة التمس لها ثالثاً فلم أجد، وقال في حقه: ما رأيت رجلاً في معناه مثله! وهذا من مثل أبي علي كثير في حق المتنبي.

ويحكى أنه لما أنشد سيف الدولة بن حمدان قوله [في مطلع بعض قصائده]:




وفاؤكما كالريع أشجاه طاسمه




كان هناك ابن خالويه، فقال له: يا أبا الطيب، إنما يقال: شجاه - توهمه فعلاً ماضياً - فقال أبو الطيب: اسكت فما وصل الأمر إليك.

قلت: إنما قصد أبو الطيب بقوله: "أشجاه"، أكثره شجاً، لا الفعل الماضي.

وقال علي بن أيوب: خرج المتنبي من بغداد، فمدح ابن العميد، وعضد الدولة، وأقام عنده مدة، ثم خرج يريد بغداد، حتى كان حيال الصافية من الجانب الغربي من سواد بغداد، إذا عرض له فاتك بن أبي الجهل الأسدي في عدة من أصحابه، فاغتاله هناك وابنه محسداً، وغلاماً له يقال له: مفلح، وأخذ جميع ما كان معه، وذلك لست بقين من شهر رمضان، سنة أربع وخمسين وثلثمائة. وقيل: لليلتين بقيتا من شهر رمضان في السنة المذكورة، وقصته مشهورة، وقد ذكرناها مستوفاة في كتاب "مغاني المعاني"، في شرح ديوانه.

وكانت وفاته في خلافة المطيع.