المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يسألون عن الكتــــــــــــابة



أبو شامة المغربي
14/03/2006, 09:17 PM
http://www.merbad.net/vb/attachment.php?attachmentid=81&stc=1

:neeww:

يسألون عن الكتــــــــــــابة







كثيرا ما شدتني الكلمة إليها بمبناها ومعناها، فكنت كلما صادفت فكرة أو عبارة مركزة في كتاب أو مجلة مثلا، إلا ووقفت مليا أسائلها وتسائلني، وبذلك تتراكم الأجوبة بيننا حتى نبلغ مبلغا بعيدا، ونثير موضوعا عريضا في فصوله، عميقا في أبعاده، وذلك بعد أن يتم استدعاء العديد من محصلات الذهن.




ثم إني كثيرا ما حاولت فهم العلاقات التي تجمع بين الكاتب والكتابة من جهة أولى، ثم علاقة هذين بالقارئ المتلقي من جهة ثانية، إذ أن صلة الوصل يمثلها ذلك الفرد الذي يكتب ويؤلف، مقيما داخل دائرة، كل ما يوجد فيها موصول دائما مع بعضه البعض، إلا أن الكاتب يشرف على تنسيق عناصر تلك الدائرة - التي قد نطلق عليها (دائرة الكتابة) - موفقا بين التدخلات، ومنظما سير، وشكل، ومضمون النقاش المرتقب، كما أنه يقيم نفسه حكما وصاحب القرار الأخير، لا هو بالموضوعي ولا هو بالذاتي في أحكامه وقراراته.




فبناء على ما تقدم، نرى أن الكاتب (المسؤول الأول) يعيش طيلة تواجده في دائرة الكتابة محاكمة متشعبة القضايا والمحاور، يجد نفسه فيها مضطرا إلى توظيف مجموعة من الأدوات اللازمة له في إنجاز أفعال ثلاثة أو عمليات ثلاث رئيسة:



أولا: فعل/ عملية التفكير.

ثانيا: فعل/ عملية نقاش الأفكار.

ثالثا: فعل/ عملية الكتابة.



ثم إن كل عملية تستدعي مجموعة أدوات حتى يستقيم سيرها، وتثمر وظيفتها، والمثير في هذا الشأن، هو المخاض الذي يسبق الكتابة، متمثلا في فعلي/ عمليتي: التفكير ونقاش الأفكار، فهذا المخاض ليس بالأمر الهين، بل عليه تتوقف سلامة وصحة الإنتاج، والأكثر إثارة كذلك في هذه المرحلة، هي أدوات المعالجة، التي لا فراق لها عن كل الأفعال الثلاثة أو العمليات الثلاث.




قد يطرح السؤال التالي: كيف يتم الحصول على تلك الأدوات ..؟


نجيب على هذا السؤال قائلين: لا بد من الإشارة إلى ذلك المهد المشترك والشامل لكل الأدوات، فهي أولا أدوات من طبيعة فكرية، لكن السبب في بزوغها وترعرعها، يعود إلى مهد مركب من التفكير والتجربة بمعنى الممارسة الميدانية، لذا فحياة كل أداة رهينة بحيوية ونشاط كل من التفكير والممارسة، أي رهينة بتلازم النظري والعملي، كما أن استمرارية كل أداة معالجة موقوفة على استمرارية عنصري التفكير والتجربة، ومن ثم فقوة الأداة من قوة التفكير والتجربة، وضعفها وهزالها من ضعف وهزال التفكير والتجربة.


ذات الصورة تعرض أمامنا لما نكون بصدد الحديث عن صلة الكتابة بعمليتي أو بفعلي التفكير ونقاش الأفكار، فسلامة الولادة، على سبيل المجاز، رهينة هي الأخرى بسلامة المخاض، فإن تم التناسق وتم الإنسجام بين التفكير ونقاش الأفكار، كانت الكتابة من نفس الطبيعة ( متناسقة منسجمة)، ولكن العكس قائم إذا أخل المسؤول الأول (الكاتب) بإحدى عمليتي المخاض: التفكير أو نقاش الأفكار.


هذا شطر أول من الجواب، أما الشطر الثاني، فيقتضي منا القول الآتي: إن تزكية السعي إلى الحصول على مجموعة أدوات قصد توظيفها في دائرة الكتابة، تستلزم، فضلا عن ثنائية التفكير والتجربة، حصيلة معرفية متجددة، والتي لا أرى إليها سببا أو سبيلا قريبا سوى العمل بثنائية مركزة، وهي القراءة والكتابة، فبهاتين العمليتين أو هذين الفعلين، نستطيع أن نشكل دائرة متكاملة الأطراف والعناصر، تجمع بين الكتابة، والتفكير، والتجربة/ الممارسة، والقراءة.


ثم لا بد من التنبيه إلى أن ثنائية القراءة والكتابة تشكل الرعاية والحفاظ على أدوات المعالجة، فإذا كانت الثنائية الأولى ( التفكير والتجربة) بمثابة الغذاء، الذي يقيم صلب كل أداة وظيفية، فإن الثنائية الثانية هي بمثابة الموجه، والمشرف على سلامة جميع الأدوات الموظفة.


إن الكتابة عصارة كل ما يختلج في الذهن من أفكار، وعلى الرغم من أننا نسمع كثيرا أن الكاتب لا يستطيع ذكر جميع ما يرغب في ذكره ويقصد إليه، سواء في مؤلف واحد أم في عدة مجلدات، فإن المكتوب من عصارة الفكر، والشعور، والإحساس، والعاطفة يبقى شاملا، لأن الشاهد منه ينوب عن الغائب .. كل كلمة ترد في تلك العصارة تترجم جملة من الأفكار، والمشاعر، والأحاسيس، والعواطف .. كل تركيبة تعبيرية مكتوبة تشهد بحضور ما قد يغيب عن ذهن القارئ أثناء القراءة، فقد يبدو أن المؤلف(بفتح اللام) واحد، لكنه في الواقع حامل للكثير من التآليف القابلة للإدراك وعدمه.


صحيح أن خير الكلام ما قل ودل، إذ التكامل وارد وقائم بين قلة الكلام ودلالته، كذلك الكتابة، ففي إيجازها الغنى كله، وفي جديتها بلاغة كبرى وبيان بليغ، وكلما أقام لها صاحبها حظا من التأمل إلا وجاءت تحمل أبعادا متميزة وعميقة، وهذا لا يقل أهمية عما للكلمة من مخاض ومعاناة، لكن درجة التفاوت حاصلة في ضروب تلك المعاناة المصاحبة للكاتب في رحلة في فضاء الكتابة.









د. أبو شامة المغربي



kalimates@maktoob.com (kalimates@maktoob.com)