المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تركيا نموذج الدولة الحائرة



طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:37 PM
المقدمة الحضارية لتركيا
تركيا هي النموذج الأكثر وضوحاً في العالم " للدولة الحائرة " استراتيجياً .. بين هوية شعبها الإسلامية .. وتاريخه العريق في قيادة الدولة الإسلامية . وبين توجهات " قيادتها الحاكمة " و " نخب " فيها نحو " الغرب " ، هي الدولة "الإسلامية الوحيدة " العضو في حلف شمال الأطلسي منذ عام 1949 وهي الساعية إلى أن تكون عضواً بالاتحاد الأوروبي كأول دولة مسلمة أيضاً ، وهي الدولة التي تتقاسم أرضها قارتي أوربا وأسيا . وتركيا هي الدولة التي شهدت أخر عهود الخلافة الإسلامية .. وجاء الانقلاب في هويتها ، من الإسلامية إلى العلمانية ، في مطلع العشرينات ( 3 مارس 1924 ) ليدخل المسلمون في حالة التفكك إلى دول ، وفق معطيات اتفاقية تقسيم العالم العربي " سايكس بيكو " .
وتركيا بلد يملك وزناً استراتيجياً هائلاً ، جعل منها مركزاً لاهتمام أوربا والولايات المتحدة والروس والكيان الصهيوني ، برز هذا الاهتمام الغربي في أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي ، فكان ضم تركيا المبكر للحلف الأطلنطي، ويبرز الاهتمام الأوروبي من الرغبة في ضم تركيا للاتحاد الأوروبي (بعد تحقيقها مطالبة كاملة ) ، ويبرز الاهتمام الصهيوني في السعي لتكوين تحالف استراتيجي معها . ولأهمية ووزن هذه الدولة " الإسلامية " الكبرى ، تغاضى الغرب عن كل ما ترتكب النخبة العسكرية فيها ، بل كان الغرب داعماً لكل انتهاكاتها ، لتحقيق استمرار تركيا داخل التحالف الغربي ، دون التحول باتجاه العرب والمسلمين .
غير أن تركيا ، ورغم كل الجهود الغريبة الأمريكية والأوروبية ، ورغم ضمها مبكراً لحلف الأطلنطي .. الخ ، ما تزال هوية شعبها، هوية إسلامية تعلنها وتسجلها أصوات الناخبين ، التي أوصلت الإسلاميين للحكم ( حزب الرفاه) فلم يكن هناك مفر أمام الغرب إلا أن يكشف عن نفاقه القيمي حيث دعم الانقلاب العسكري الصامت ضدهم ، وظل يسانده حتى تم حظر حزب الرفاه الذي شكل الحكومة بعد الانتخابات ، بل لعل أحد أخطر ما يُواجهه الاتحاد الأوروبي ، في حال انضمام تركيا للاتحاد أن الهوية الإسلامية في تركيا ، أثبتت الأيام والتاريخ ، أنها ذات جذور لا يمكن إضعافها ، وبالإضافة إلى أن تركيا في حال انضمامها للاتحاد الأوروبي ستكون من أكبر الدول سكاناً ، ومساحة .. الخ داخل الاتحاد ، فإن الأخطر من وجهة نظر الأوروبيين هو أن تركيا ستكون الدولة الوحيدة ذات الإمدادات السكانية داخل جميع أقطار أوروبا حيث ينتشر الأتراك المسلمون ، بأقليات نشطة ومؤثرة داخل معظم بلاد الاتحاد .
وتركيا هي البلد المفتاح في انتشار الإسلام في أوروبا ، وحتى الوقت الراهن كثيراً ما يطلق على المسلمين في ألبانيا وصربيا والبوسنة (الأتراك) ، كما أنها ذات وزن وتأثير في الجمهوريات الإسلامية حديثة التكوين ( كازاخستان – طاجيكسان – أوزبكستان – قيرغيزيا- تركمانستان - أذربيجان ) ، وهي بطبيعة الحال ذات علاقات تاريخية في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي .
وقد امتدت الدولـة الإسلامية تحت القيادة التركية في أسيا وأوربا وأفريقيا ، واستمرت نحو ستة قرون كاملة .
ومن يراجع التاريخ الحديث لهذه الدولة الإسلامية ، يرى أن القشرة العليا التي شكلها الاستعمار الغربي ، على سطح المجتمع التركي ، ممثلة في الجيش وبعض النخب المتغربة ، لم تصمد في مواجهة الهوية الإسلامية للشعب التركي، إلا باستخدام القوة العسكرية . بل يمكن القول إن كل التاريخ السياسي الحديث لتركيا منذ إسقاط الخلافة وحتى الآن ، في تقلباته وتغيراته ، ناتج عن الفشل في تغيير هوية الشعب التركي ، أو في مواجهة الحركة الإسلامية التركية .. وهذا ما جعل العلمانية في تركيا .. علمانية من نوع خاص .. نشطة وبالقوة .. والتطرف .. في مواجهة الدين والتدين إلى درجات تصل إلى حد إسقاط الجنسية التركية عن نائبة في البرلمان ( ارتدت الحجاب ) .
فإذا كان الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان ، قد أسس حزبه الأول ( حزب النظام الوطني ) في عام 1970 ، وعقد مؤتمره التأسيسي الأول في العام التالي، فإن النخب العلمانية ،وإذ رأت تعاطفاً وتأثيراً للحزب ، وإحياءً للهوية الإسلامية، لم تجد بديلاً عن استخدام آلة القمع ، الجيش ، فيما سمى بانقلاب المذكرة ، حيث وجهت القوى العلمانية المسيطرة على القوات المسلحة ، مذكرة إلى رئيس الوزراء وقتها ( سليمان ديمريل ) ، تهدده بتولى الجيش مقاليد الحكم ، فاستقالت الحكومة ، وصدرت قرارات بتجريم حزب النظام الوطني ، وأغلقت مقراته ، وغادر زعيمه نجم الدين أربكان البلاد .
وتكرر هذا المشهد ، بعد تأسيس حزب الرفـاة في عام 1983، وقد حصل هذا الحزب على خمس بلديات ، في انتخابات 1989، ثم فجر مفاجأته بأن أصبح الحزب الأول في البلاد في انتخابات البرلمان عام 1995،حيث حصد 158 مقعداً ، فكانت كل القلاقل في الوضع السياسي التركي ، من تشكيل حكومات أقلية وسقوط ، حتى وصل أربكان للسلطة في عام 1996 ، علـى رأس وزارة ائتلافية ، فكان أول إسلامي يصل إليها منذ أتاتورك ، بـل وأول إسلامي يصل للحكم بالانتخابات في " الشرق الأوسط " ، وهنـا عادت المؤسسة العسكرية للتدخـل ، وأعدت المذكرات ومارست الضغوط والتهديـدات ، وبدلاً من بحار الدم .. استقال أ ربكان .
غير أن أهمية تجربة أربكان ، لم تكن فقط ، في أنها كانت الإعلان بهزيمة حقيقية للعلمانية، ولتجربة أتاتورك التي حكمت البلاد منذ العشرينات ، وأنها أظهرت تمسك الشعب التركي بهويته الإسلامية ، حيث تضاءلت الخلافات مع إيران وجرى تبادل الزيارات بين البلدين وسط دعوات بتحالف استراتيجي، وكذا تضاءلت الخلافات مع سوريا والعراق ، وتوثقت العلاقات التركية العربية ، وحدث التطور الأبرز والمؤسس في علاقات الدول الإسلامية في تشكيل مجموعة الدول الإسلامية ( مجموعة الـ 15 ) ، التي اجتمعت فيها ولأول مرة تركيا ومصر وإيران وماليزيا .. الخ ، كان أربكان هو الداعي والمخطط والمتابع ، وقد اختيرت صيغة التعاون الاقتصادي . وبالإضافة إلى ذلك، توقفت العلاقات التركية الصهيونية في تلك الفترة .
وتركيا تعاني من مشكلات عرقية ، حيث تصل نسبة السكان الأكراد إلى 20% من السكان ، وتعتبر المشكلة الكردية في تركيا الأظهر في ملف المشكلة الكردية في العالم ، فهي من ناحية سبباً دائماً لمشكلات داخلية ، وهي كذلك آأخر المعوقات في التحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي ، وهي إحدى مشكلاتها مع دول الجوار (العراق خاصةً ) ، وهي أحد المهددات الدائمة في الوضع السياسي .
قضايا هامة :
لفهم الوضع الراهن لتركيا ، يجب إدراك الملامح التالية :
(1) تتنازع تركيا ، عدة اتجاهات ، الأول ، هو الساعي للالتحاق بالاتحاد الأوروبي، وتقديم كافة التنازلات المطلوبة . وهو اتجاه أصيل بين النخب التركية المدنية والعسكرية، وقد انضم إليه مؤخراً بعض الإسلاميين الذين يراهنون على أن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي سينقذ البلاد من سيطرة العسكر على الحكم ، وسيفتح الطريق أمام تأثير تركي في الاتحاد الأوروبي تجاه العالم الإسلامي .. الخ . والاتجاه الثاني ، هو الاتجاه الإسلامي ، وهو متعدد الأطياف حيث تصل الجماعات والتجمعات الإسلامية إلى أكثر من 30 جماعة وحزباً ، بعضها ينمي نحو العمل السياسي والوصول للحكم عن طريق الانتخابات ( الرفاه ومسمياته ) وبعضها ينحي نحو العمل الجهادي العسكري ( السليمانيون وغيرهم ) ، وبعضها ينحو نحو العمل الدعوي ، وهو اتجاه يسعى لإعادة تركيا إلى دورها الإسلامي . أما الاتجاه الثالث ، فهو اتجاه يتنافى حالياً ، ويحرز ابتعاداً تدريجياً عن الاتجاه المؤيد لأوربا، وهو اتجاه مؤيد للعلاقات مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ويسعى إلى ربط تركيا بالاستراتيجية الأمريكية والصهيونية في مواجهة الحركات الإسلامية، والدول العربية، ويعمل على إيجاد دور لتركيا في المخطط الاستراتيجي الأمريكي والصهيوني في العالم . والملاحظ الأبرز على هذه الاتجاهات الثلاثة هي أن الاتجاه الموالي لأوربا، وكذلك الساعي للدخول ضمن الاستراتيجية الأمريكية للصهيونية ، محصوران في أوساط النخب السياسية ، أما الاتجاه الإسلامي بأطيافه المتعددة ، فهو الأكثر شعبيه وارتباطاً بالمواطن التركي .
(2) تتصاعد قوة تأثير التيار الإسلامي ، بأطيافه المتعددة ، يوماً بعد يوم ، في حين يتضاءل التأييد الشعبي يوماً بعد يوم للتيارات العلمانية . وإذا كانت ثمة مرحلة فرضت فيها الظروف على الاتجاه العلماني – فترة الصراع مع الاتحاد السوفيتي – التنازل للتيار الإسلامي وإعطاءه بعض الحرية في الحركة ، فإن الظرف الراهن الذي يتصاعد فيه المد الإسلامي يأتي تحت القصف الخارجي والداخلي ، الأمر الذي يشير إلى تعقيدات في الوضع الداخلي، بل أيضاً إلى أن صعود التيار الإسلامي يسيراً إلى الأمام رغم الضغوط ، فإذا ما حدث انفراج لهذا السبب أو ذاك، أي إذا اضطرت القوى الحاكمة لسبب أو لآخر، لإرخاء يدها عن الحركة الإسلامية فإن ثمة احتمال حدوث انقلاب سياسي كبير في تركيا ، خاصة وأن الحركة الإسلامية باتت واسعة الطيف وتسيطر على مراكز اقتصادية وإعلامية وتعليمية .. مؤثرة للغاية .
(3) يبدو التشدد الأوروبي من ناحية ، وحداثة الاتجاه المطالب بالارتباط بصورة نهائية بالاستراتيجية الأمريكية والصهيونية مع تزايد قوة التيار الإسلامي، أفضل الأوضاع لاستمرار حالة " الدولة الحائرة " والتي كانت حيرتها في أثناء وجود الاتحاد السوفيتي وإيران تحت حكم الشاة ، حيرة "هوية " أكثر منها حيرة " استراتيجية " ، غير أنها اليوم حيرة "استراتيجية" أي حيرة في تحديد استراتيجية دائمة للدولة في سياستها الخارجية ، وهو ما يجعل الاضطراب شاملاً للهوية .. والسياسة والعلاقات على المحيط حتى يمكن القول بأن تركيا في مرحلة انتقالية غير محددة المدة .
(4) التطور الأخطر ، والذي يدعم اللوبي الموالي لأمريكا والكيان الصهيوني، كان الاضطراب الاقتصادي الكبير الذي حدث خلال العامين الماضيين – خسرت تركيا 60 مليار دولار بسبب وقف ضخ البترول العراقي عبر أراضيها – وهو ما عزز قوة التيار المطالب بالارتباط بالاقتصاد الأمريكي والسياسة الأمريكية – تحصل تركيا على 3.5 مليار دولار معونة سنوية أمريكية – للحصول على قروض من البنك الدولي وبوابته هي اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ، وقد حصلت تركيا بالفعل على قروض زادت مديونيتها الخارجية لتصل إلى 72 مليار دولار حالياً وعاد بمقتضى هذه الحالة والقروض الجديدة ، كمال درويش نائب رئيس البنك الدولي في تركيا ، ليشغل موقع وزير الاقتصاد . وهكذا أضيف البعد الاقتصادي بشدة إلى بعد الالتزام بالاتفاقيات العسكرية الموقع مع الولايات المتحدة منذ عام 1969، والتي أقامت بموجبها الولايات المتحدة نحو 26 قاعدة عسكرية على الأراضي التركية ، أخطرها قاعدة " انجرليك " ، المستخدمة حالياً في فرض حظر الطيران في العراق .
(5) يبدو مهماً ، الإشارة إلى فكرة ، الانهيار والإفلاس الذي تعرضت له النخبة التركية الموالية لأوربا والولايات المتحدة ، بسبب قضايا الفساد الداخلي، حيث شهدت المحاكم والحالة السياسة اتهامات إلى حزب الطريق القويم برئاسة تانسو تشيلر أكبر اتهامات بقضايا فساد ، كما يواجه حزب الوطن الأم – مسعود يلماظ – اتهامات بالتعاون مع المافيا . والشق الثاني من هذه الملاحظة ، أن البديل للمشروع الإسلامي على المستوى الجماهيري ، الذي دعمه الجيش والغرب والولايات المتحدة ، كان هو "اليسار" التركي والحركات " القومية " ، والتي كانت الحل في مواجهة سقوط النخب المشكلة للحزبين التقليديين (الطريق القويم – الوطن الأم) ، في مواجهة الحركة الإسلامية . وهكذا انقلب الحال في النظر لليسار التركي بين أيام المواجهة مع الاتحاد السوفيتي .. واليوم بعد سقوطه .
(6) تشهد تركيا أعمال عنف عسكري على موجات ، يشارك فيها أطياف متنوعة من الحركات السياسية والعرقية ، فبالإضافة إلى الأعمال العسكرية التي يقوم بها حزب العمال الكردي ، هناك حزب العمل التركي (وطني متطرف ) الذي شكل ميليشيات ( الذئاب الرمادية ) ، وأوقع آلاف الضحايا ، والجماعات المقاتلة وغيرها .
(7) تتحكم تركيا في المياه الواصلة إلى كل من العراق وسوريا ، وتحاول المؤسسة العسكرية التركية الموالية للاستراتيجية الأمريكية والصهيونية، إلى استخدام قضية المياه في الضغط على البلدين ، وكذلك في استخدام المياه التركية كشريان اقتصادي مشترك بين الاقتصادين الصهيوني والتركي .

طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:38 PM
1- المعلومات الكاملة عن الموقع الجغرافي

. الموقع الجغرافي
تُركيا أحد أقطار الشرق الأوسط، وتقع جنوب غرب قارة آسيا (يُضم، أحيانا،
الجزء الغربي لمضيق البسفور، إلى قارة أوروبا)، على البحر الأسود، بين بلغاريا وجورجيا. كما تقع على بحر إيجة، والبحر المتوسط، بين اليونان وسوريّة.
2. الإحداثيات الجغرافية: 39 درجة شمالاً، 35 درجة شرقاً.
3. خرائط المراجعة: خرائــط الشـرق الأوســط.
4. المســـاحة
أ. المساحة الكليّة:(580 780) كم2.
ب. مساحة اليابس:(760 770) كم2.
ج. مساحة المياه:(820 9) كم2.
5. الحدود البرية
الإجمالي:(627 2) كم.
ب.حدودها البريّة مع الدول المجاوِرة: أرمينيا (268) كم، وأذِربَيجان (9) كم، وبلغاريا (240) كم، وجورجيا (252) كم، واليونان (206) كم، و‎إيران (499) كم، والعراق (331) كم، وسورية (822) كم.

6. الشريط الســـاحلي

يبلغ طول الشريط السّاحلي لتركيا (200 7) كم.
7. حقوق المطالبة البحرية
أ.
المنطقة الاقتصادية الخاصة: في البحر الأسود فقط، حتى الحدود البحرية المُتّفَق عليها مع الاتحاد السوفيتي السابق.
ب.
المياه الإقليمية: تمتد المياه الإقليمية لتركيا مسافة ستة أميال بحرية في بحر إيجة، ومسافة (12) ميلاً بحرياً في كلٍّ من البحر الأسود، والبحر الأبيض المتوسط.
8. المنـــاخ
يسود تركيا مناخ معتدل بوجهٍ عام؛ حار جاف صيفاً، رطب مطير شتاءً. ويزداد المناخ قسوةً في المناطق الداخلية.
9. التضاريـــس
يغلُب على تضاريس تركيا، الطابع الجبلي، يتخللها سهلٌ ساحلي ضيِّق، إضافة إلى هضبة الأناضول، التي تمتد عبر أواسِط منطقة الأناضول. وهي هضبة مركزية عالية، تحيط بها سلسلة جبال البونْت من جهة الشمال، وسلسلة جبال طوروس من جهة الجنوب. ويوجد في تركيا العديد من البُحيرات المالِحة الضخمة، إضافة إلى العديد من الأنهار، وإن كان معظمها تجِفّ في الصيف، إلاّ أن أودية كثير منها تمتلئ في فصل الربيع بالمياه الغزيرة، التي تسيل من المرتفعات والجِبال، بعد ذوبان الجليد، فتفيض الأنهار وتغمُر مياهها المناطق المجاورة في الأرياف. وتنقسم تركيا إلى ثمانية أقسام طبيعية، هي:
إقليم السهول الشمالية.
إقليم الأودية الغربية.
إقليم السهول الجنوبية.
إقليم الهضبة الغربية.
إقليم الهضبة الشرقية.
إقليم المرتفعات الجبلية الشمالية.
إقليم المرتفعات الجبلية الجنوبية.
إقليم منخفضات ما بين النهرَين.
10. أدنى الارتفاعات وأعلاها
أ.
أدنى الارتفاعات: مستوى سطح البحر، عند البحر الأبيض المتوسط.
ب.
أعلاها: قمة جبل أرارات Mount Ararat ، وترتفِع إلى(166 5) متراً، فوق مستوى سطح البحر.
11. الثروة الطبيعيـــة
تتمتَّع تركيا بعدد من موارد الثروة الطبيعية، أهمها: الأنتِمونيا، والفحم، الكروم، والزئبق، والنحاس، والبورات (أحد أملاح حِمض البوريك)، والكبريت، والحديد.
12. استغـــلال الأرض، طبقاً لتقديرات 1993.
الأراضي الزراعية: 32%.
المحاصيل الدائمة: 4%.
المراعي الدائمة: 16%.
الغابات والأحراج: 26%.
أغراض أخرى: 22%.
13. الأراضي المروية
تبلغ مساحتها في تركيا (740 36) كم2، طبقاً لتقديرات 1993.
14. الأخطار الطبيعية
تتعرَّض تركيا لِزلازل قاسية للغاية، لا سيما في الجزء الشمالي منها، على طول قَوس، يمتد من بحر مرمرة Marmara، إلى بحيرة فان Lake Van.
15. مشاكِل البيئـــة الحالية
تعاني تركيا من تلوث المياه، الناجم عن إلقاء الكيماويات والمنظفات الصناعية، ومن تلوث الهواء، لا سيما في المناطق الحضرية، كما تعاني من إزالة الغابات، وتشعر بالقلق من بقع الزيت، التي قد تنشأ عن العدد المتزايد للسفن، التي تعبر مضيق البسفور.
16. الاتفاقيات البيئـــة الدولية
أ. الاتفاقيات التي تشارك فيها:
اتفاقية تلوث الهواء المتخطي للحدود، طويل المدى. معاهدة انتاركتيكا.
اتفاقية التنوع البيولوجي.
مؤتمر الأمم المتحدة المعني بمكافحة التصحر في الدول التي تعاني الجفاف الخطير و/أو التصحر.
اتفاقية التجارة الدولية في السلالات المعرضة للخطر من الحيوانات والنباتات البرية.
مؤتمر بازل المعني بالحد من حركات النفايات الخطرة العابرة للحدود والتخلص منها.
معاهدة حظر تجارب الأسلحة النووية في الجو، وفي الفضاء الخارجي، وتحت الماء.
بروتوكول مونتريال للمواد التي تهدد طبقة الأوزون.
بروتوكول 1978 المتعلق بالمعاهدة الدولية لمنع التلوث الناتج عن السفن لعام 1973.
اتفاقية حماية المستنقعات ذات الأهمية الدولية، خاصة مواطن طيور الماء.
ب. الاتفاقيات التي وقعتها ولكن لم يُصدق عليها:
بروتوكول معاهدة انتاركتيكا لحماية البيئة.
اتفاقية تحريم استخدام أساليب عسكرية أو أي أساليب أخرى معادية، تؤدي إلى التعديل في البيئة.
17. ملاحظة عن السِّمات الجغرافية
تتمتع تركيا بموقعٍ إستراتيجي يتحكم في المضايق التركية (البسفور، بحر مرمرة، الدردنيل)، التي تربط بين البحر الأسود وبحر إيجه.

طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:39 PM
بيانات التركيب السكاني

عدد الســـكّان: 65666677 نسمة، طبقاً لتقديرات يوليه 2000.
ويبين الجدول التالي، التّركيب العُمري للسُّكّان، وعدد الذكور والإناث، في كل مرحلة، طبقاً لتقديرات يوليه 2000:
2. معدَّل النموّ السُّكّاني: 1.27%، طبقاً لتقديرات 2000.
3. معدل المواليـــد: 18.65 مولود، لكل 1000 نسمة، طبقاً لتقديرات 2000.
4. معدل الوفيّـــات: 5.96 حالة بين كل 1000 نسمة من السُّكّان، طبقاً لتقديرات 2000.
الثروة الطبيعيـــة
تتمتَّع تركيا بعدد من موارد الثروة الطبيعية، أهمها: الأنتِمونيا، والفحم، الكروم، والزئبق، والنحاس، والبورات (أحد أملاح حِمض البوريك)، والكبريت، والحديد.
التقسيمات العِرقيّــة
يُشكِّل الأتراك نسبة 80%، من إجمالي عدد السكّان، والأكراد 20%. كما توجَد في تركيا أقليّات أُخرى صغيرة، منهم العرَب، ويعيشون في الجزء المتاخِم للحدود السورية، والقوقاز، وهم الذين قدم أسلافهم من إقليم جبال القوقاز، الذي يقع في الجهة الشمالية الشرقية المتاخِمة لتركيا، ويعيشون في الأقاليم التي تطل على البحر الأسود. بينما يعيش اليونانيّون والأرمَن في منطقة اسطنبول.

طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:39 PM
النظام الاقتصـادي
يجمع الاقتصاد التركي، بين تركيبة معقدة، من الصناعة الحديثة والتجارة، إضافة إلى الزراعات والحرف الريفية التقليدية. ويعتمد الاقتصاد التركي على قطاعٍ خاص قوي، سريع النمو، ولكن لا يزال دور الدولة قوياً في قطاع الصناعات الأساسية، والقطاع المصرفي، والنقل، والاتصالات. ومن أهم الصناعات التركية، التي تُعد أكبر مصدر للصادرات التركية، صناعة المنسوجات والملابس، التي يشرف عليها القطاع الخاص إشرافا شبه كامل.
تميز الوضع الاقتصادي، في تركيا، خلال السنوات الأخيرة، بمعدل نموٍ متذبذب، يصحبه إخلال خطير في التوازن. فبعد هبوطٍ حاد في عام 1994، ارتفع متوسط النمو السنوي، في إجمالي الناتج المحلي، إلى نحو 6.5%، خلال الفترة من 1995 إلى 1998، ثم انخفض ثانيةً إلى 5%، عام 1999، حين تأثرت تركيا، سلباً، بالأزمة الاقتصادية في روسيا، والزلزالين الشديدين، الذَيْن تعرضت لهما. ارتفعت نسبة العجز المالي، في القطاع العام التركي الضخم، في عام 1999، إلى نحو 14%، تقريبا، من إجمالي الناتج المحلي، وهذا يعود، في جانب كبير منه، إلى عبء مدفوعات الفوائد الثقيل، التي بلغت 42%، من إنفاق الحكومة المركزية.
وعلى الرغم من تنفيذ الاتحاد الجمركي، مع الاتحاد الأوروبي، في يناير 1996، إلا أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا تزال منخفضة، لا تتعدى البليون دولار سنويا، وهذا ربما يرجع إلى قلق المستثمرين المحتملين على مستقبل الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد.
ويبدو أن الفرص المستقبلية، في المجال الاقتصادي، أفضل، لا سيما بالنسبة إلى فرص الاستثمار الأجنبي، بسبب تبني حكومة بولنت أجيفيت برنامج إصلاح اقتصادي كبير، يتضمن مزيد من الصرامة في الموازنة، وإصلاحات في الأمن الاجتماعي، وإعادة تنظيم القطاع المصرفي، وزيادة سرعة الخصخصة.
الديانـــات
يُشكِّل المسلمون نسبة 99,8% من إجمالي عدد السكّان (معظمهم سُنّة)، ويمثل أصحاب الديانات الأخرى نسبة 0,2% (نصارى ويهود).
اللغـــات
يتحدَّث ما يربو على 90% من أفراد الشعب التركي اللغة التركية، وهي اللغة الرسمية للبلاد، ويتحدّث ما يقرب من 6% اللغة الكردية، أما النسبة الباقية من أفراد الشعب، فتتحدَّث العربية واليونانية، أو إحدى اللغات الأُخرى، التي تستخدِمها الأقليات الموجودة في البلاد.

طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:39 PM
التفاصيل الكاملة للنظام السياسي التركي

(1) نظام الحُكم في الدّولة
ديموقراطي برلماني جمهوري.
العاصِمـــة:
الدستـــور: أُجيز الدستور التركي في السابع من نوفمبر 1982.
النظام القانوني: مُستمَد من أنظمة أوروبية مختلفة. وتقبَل تركيا السلطة الإلزامية لمحكمة العدل الدولية، بتحفّظات.
10. حق الاقتراع: مكفول لمن يبلغ الثامنة عشرة من العمر، من الذكور والإناث.
الهيئة التنفيذيـــة
أ. رئيس الدولة: الرئيس أحمد نجدت سيزر Ahmed Necdet SEZER، منذ 16 مايو 2000.
ب. رئيس الحكومة: رئيس الوزراء بولنت أجيفيت Bulent Ecevit، منذ عام 1999.
ج. مجلس الوزراء: يُعين رئيس الجمهورية أعضاء مجلس الوزراء، بعد ترشيحهم من قِبل رئيس الوزراء.
ملاحظة: يوجد كذلك مجلس الأمن القومي، الذي يعمل كهيئةٍ استشاريةٍ للرئيس ومجلس الوزراء.
الهيئة التشريعيــة
تتكون الهيئة التشريعية (البرلمان) في جمهورية تركيا، من مجلسٍ واحد، هو الجمعية التشريعية الكبرى Turkiye Buyuk Millet Meclis، وتتكون من (550) مقعداً. يُنتخب أعضاؤها، لفترةٍ مدتها خمس سنوات، ولابد للأحزاب من تخطي حاجز 10%، من إجمالي الأصوات، حتى يُسمح لها بدخول البرلمان.
الأحزاب السياسية زعماؤها
حزب الطريق القويم DYP، وتتزعمه تانسو تشيلَر.
وحزب الوطن الأم ANAP، ويتزعمه مسعود يلمظ.
وحزب الرفاه RP، ويتزعمه نجم الدين إربَكان (حُظر الحزب رسمياً، في 22 فبراير 1998).
حزب اليسار الديموقراطي DSP، ويتزعمه بولِنت أجيفيت.
حزب الحركة الوطنية MHP، ويتزعمه توجرول نُرجيس.
والحزب الجديد YP، ويتزعمه يوسف بوزكورت أوزال.
حزب الشعب الجمهوري CHP، ويتزعمه دنيز بايكال.
حزب العمال IP، ويتزعمه دوجو بِرينسِك.
حزب الأمة MP، ويتزعمه أيجوت إديبالي.
الحزب الديموقراطي DP، ويتزعمه مورات أوزمان.
حزب الوحدة الكبير BBP ، ويتزعمه محسِن يازيسيوجلو.
حزب النهضة YDP، ويتزعمه حسن سِلال جوزيل.
حزب الديموقراطية الشعبية HADEP، ويتزعمه مورات بوزلاك.
حزب الطريق الرئيسي ANAYO، ويتزعمه جورجان باصِر.
حزب الهدف الديموقراطي DHP، ويتزعمه عبدالقادر يسار تُرك.
حزب الأحرار الديموقراطي LDP، ويتزعمه باسم تيبوك.
حركة الديموقراطية الجديدة YDH، ويتزعمه حسين إرجون.
حزب العمال EP ، ويتزعمه احسان كارلان.
حزب الديموقراطية والسلام DBP، ويتزعمه رفيق كاراكوك.
حزب الحرية والتضامن ODP، ويتزعمه أُفُق أوراس.
حزب السلام BP، ويتزعمه محمد إتي.
حزب الجماهير الديموقراطي DKP، ويتزعمه شرف الدين إلسي.
والحزب التركي الديموقراطي DTP، ويتزعمه حُسام الدين جندروك.
حزب الفضيلة FP، ويتزعمه إسماعيل البتيكين.
حزب التغيير التركي DEPAR، وتيزعمه جورخان كابولوجو.
ملاحظة: حظر حزب الرفاه RP ، ذو الاتجاه الإسلامي، بزعامة نجم الدين أربكان، رسمياً، في 22 فبراير 1998.
أهم الأحزاب الكردية، في تركيا
1 - الحزب الديموقراطي الكردستاني " كوك"
تأسس عام 1965 من مجموعة من الاقطاعيين والملاك الأكراد ، وكان ذا اتجاهات يمينية ، ولم يفكر في التعاون مع القوى اليسارية. ولكن بعد فترة، نما، داخل الحزب، تيار يساري ووقع صراع مع الجناح المحافظ، في عام 1971، بعده تغلب الجناح اليساري على قيادة الحزب، بعد عام 1977، وطرد كل العناصر، اليمينية والمحافظة.
وأخذ هذا الحزب يعمل تحت واجهة شبه علنية، باسم " كوك" أي محرري كردستان الوطنيين. وأصبح له دور بارز في قيادة الإضرابات العمالية ، وأنشأ له قواعد في المدن والأرياف. وعمل فترة تحت مظلة حزب العمال التركي، المرخص له.
وتعرض الحزب لعسف القوات العسكرية، بعد انقلاب 12 سبتمبر 1980 .
2 - حزب عمال كردستان التركية
خرج هذا الحزب اليساري من الحزب الديموقراطي الكردستاني، بعد الصراع الذي وقع داخل الحزب عام1971. وكان يعمل باسم أحد قادته، الدكتور (شوان)، وهو فنان ومغنٍّ شعبي كبير. وفيما بعد، أخذ يعمل تحت اسم (D.D.K.D) أي نوادي الثقافة، الثورية والديموقراطية، وقد افتتح عدداً من فروعه في المحافظات والأقاليم التركية. وكان لها نشاط سياسي وتثقيفي واسع، في أواسط السبعينيات. أقام صلات مع الأحزاب الكردية، في العراق وإيران.
ولكن هذا الحزب تعرض لانشقاقات عديدة طرد فيها بعض عناصره .
3 - الحزب الاشتراكي الكردستاني
عرف هذا الحزب بجماعة "طريق الحرية"، نسبة إلى المجلة التي كان يصدرها. وله نفوذ واسع بين المثقفين والطلبة. ويصدر إضافة إلى طريق الحرية، جريدة باسم "روزا ولات "، أي شمس الوطن. وقام هذا الحزب بدور كبير في نشر الأفكار اليسارية، باللغتين التركية والكردية في كردستان. مستثمراً النشر العلني أو شبه العلني الذي كان مسموحاً به في( فترة حكم حزب الشعب الجمهوري اليساري، بقيادة بولنت أجيفيت) في أواخر السبعينيات. ويقوده أمينه العام، كمال بورقاي .
4 - حزب العمال الكردستاني"PKK
انبثق حزب العمال الكردستاني (Parti-ye Karkaran-e Kurdistan) المعروف اختصاراً بـ (PKK)عام 1979، من منظمة تركية شيوعية، كانت تعمل في السبعينيات باسم منظمة الشباب الثوري(ديف كنجDev Genç). وقد أسس الحزب عبدالله أوج آلان، وهو طالب، ترك الدراسة في العلوم السياسية، ومعروف، شعبياً، باسم "آبوApo"وتعني " العم". والمنتسب إليه يسمى "آبوجيApocu".ويؤكد الحزب، في برنامجه الداخلي، الماركسية - اللينينية، أيديولوجية في العمل. ترتكز استراتيجية الحزب على استعمال العنف وتصعيده، في مواجهة عنف القوات التركية. وكانت الأحزاب الكردية الأخرى تتهمه باستخدام العنف ضدها، مما خلق هوة واسعة بينه وبينها. واستطاع الحزب أن يدرب أنصاره في معسكرات اليسار الفلسطيني، داخل لبنان. وتسبب احتكاره العمل، السياسي والعسكري، على الساحة التركية باختفاء معظم الأحزاب والمنظمات الكردية، تقريباً . وله نفوذ سياسي وعسكري قوي في المناطق الحدودية مع العراق وسورية، كما يحظى بنفوذ قوي لدى العلويين من الأكراد في منطقة تونجالي(درسيم).وأكسبته التصادمات المسلحة مع القوات الحكومية رهبة لدى الكثيرين من الكرد في المنطقة.
ينتسب الفنان الوطني الشعبي الشهير، (شوان) إلى هذا الحزب، وهو أكبر أرصدته، إذ أسهم بغنائه، الشعبي والثوري، في استثارة الجماهير الكردية ، وبعث بواسطة الغناء مقومات التراث الكردي بتخليد ما يستحق من معارك الأكراد وأحداثهم وشخصياتهم. أقام الحزب له معسكرات للتدريب في سهل البقاع اللبناني. وكان عبدالله أوج آلان نفسه يقيم في سهل البقاع اللبناني ثم انتقل للإقامة في دمشق .
5 - حزب رزكاري وآلاي رزكاري
حزب كردي يساري، كان له نفوذ في كردستان التركية، إلا أنه انقسم على نفسه، بعد عام 1987. وانشقت عليه جماعة أنشأت حزباً جديداً، باسم "آلا رزكاري" أي راية الخلاص. وقد استقطب غالبية منتسبي الحزب القديم .
6 - حزب التحرير الإسلامي
حزب كردي إسلامي، ينادي بإزالة الخلاف بين الأكراد والأتراك، وأن تحل الأخوّة الإسلامية محل الصراع والبغضاء. ومع ذلك، ليست للحزب فاعلية كبيرة في تقليل التمييز ضد الأكراد، على الرغم من تحالفه مع الحزب الجمهوري، بقيادة بولنت أسقرت. ولكي يكون للجماعات الإسلامية دور فعال في التقدم السياسي للمسألة الكردية، عمل حزب التحرير على إيجاد تعاون بينه وبين الأحزاب الأخرى .
7 - حزب كاوه وصوت كاوه
ظهر حزب كاوه على أنه جماعة شيوعية ماوية: (نسبة إلى زعيم الصين الشيوعي، ماو تسي تونج). لكن بعد الفشل الذي لحق بالتيار الماوي، انقسم الحزب على نفسه، وخرجت منه جماعة تسمي نفسها "صوت كاوه"، وهي تتبع وجهة نظر أنور خوجة في ألبانيا، بعدالانشقاق بين الصين وألبانيا. وكلتا المجموعتين تسير نحو الضعف والانعزال عن الأحزاب الكردية اليسارية الأخرى.
وجرت محاولات متعددة لتوحيد الصف بين المنظمات الكردية والتقريب بينها. وقد أقيمت صيغة للتعاون بين كوك "الحزب الديموقراطي الكردستاني "والحزب الاشتراكي الكردستاني "د.د.ق"، عام 1980، لكنها تعثرت .
مجموعات الضغط السياسي وزعماؤها :
اتحاد العمَل التركي، ويتزعمه بَيرَم ميرال.
اتحادات العُمّال الثوريين، ويتزعمه رِدفان بوداك.
اتحاد الحقوق المعنوية للعمال، ويتزعمه سالِم يوسلو.
نقابة رجال الصناعة ورجال الأعمال الأتراك، ويترأسها محرّم كايهان.
اتحاد الغُرف التجارية التركية وبورصات السِّلَع، ويترأسه فوات ميراز.
الاتحاد الكونفدرالي التركي لنقابات أصحاب الأعمال، ويتزعمه رفيق بايدور.
واتحاد رجال الصناعة ورجال الأعمال المستقلّين، ويتزعمه إيرول يَرار.

طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:40 PM
تركيا بين أزمتها البنيوية وبين سياساتها الدولية والاقليمية



كثيرون كتبوا عن ازمة بنيوية تعاني منها تركيا التي تبدو في سياستها الاقليمية والدولية نموذجا للدولة الحائرة في تحديد هويتها والمترددة في تقرير مصائرها, فهي في حالة تصارع اسلاميتها وعلمانيتها,
وبين ديمقراطيتها وطغمتها العسكرية الحاكمة, وبين كونها دولة شرقية آسيوية من ناحية انتمائها الجغرافي والحضاري, وبين طموحاتها في الانتماء حضاريا للغرب الاوروبي.
ثم هي مترددة في توجهاتها الاستراتيجية بين المجال الحيوي لها في الشرق الاوسط وبين المجال الحيوي الجديد لها في آسيا, فهذه الدولة القلقة في تاريخها وجغرافيتها وثقافتها ونظامها السياسي, مازالت تحن الى ارثها الامبراطوري في الوقت الذي رسمت فيه خارطة الامبراطوريات الصاعدة, ولذلك تبحث عن مداخل استراتيجية تمكنها من احياء دورها الاقليمي وتعزيزه.
ومنذ طرح مشروع اقامة نظام اقليمي ـ شرق اوسطي في المنطقة على خلفية المتغيرات الدولية والاقليمية وعلى خلفية انطلاق عملية التسوية, سارعت تركيا لتكييف دورها لخدمة هذا المشروع, سعيا منها لاحتلال موقع مركزي في خارطة الشرق الاوسط الجديد, فكيف عملت تركيا في خضم هذه المتغيرات وفي اطار طموحاتها الدولية والاقليمية والاستراتيجية .. ماهي العناصر المؤثرة على سياساتها الداخلية والخارجية, ماهي شروط الاتحاد الاوروبي التي لم تستطع انفاذها تركيا وماهي تعقيدات هذه الشروط؟
في اطار سعيها الذي وصفه اكثر المحللين بالاستجداء على ابواب الاتحاد الاوروبي, للتغريب, سارت تركيا في طريق القطيعة مع العرب والعالم الاسلامي رغم انها لم تقبض الثمن اوروبيا بعد ولا يعتقد المحللون انها ستقبض على الاقل في المدى القصير.
ورغم ان لسان حالها يقول انها بدأت تنتقل الى مرحلة الانضمام الى المجموعة الاوروبية ولا مكان للاسلام السياسي في ظل تركيا سائرة نحو العضوية الكاملة, الا ان الشواهد الكثيرة وآخرها رفض الاتحاد الاوروبي في آخر اجتماع له مطلع ديسمبر الماضي لانضمامها, تؤكد انها لن تستطيع الانضمام للاتحاد الاوروبي حتى لو وعدت بالف وعد.
ورغم حرص الحكومات العلمانية التركية على اثبات ولائها للنموذج الغربي بعد اكثر من ثلاثة عقود من الاستجداءات التركية المتكررة, الا ان الاتحاد الاوروبي مازال يشترط على تركيا شروطا يرى الاتراك انها تعجزهم وبها يصر الاوروبيون على رفض دخول تركيا للمنظومة الاوروبية.
ولا شك ان هناك اسبابا ومبررات اوروبية ذات اهمية استراتيجية ومع هذا الاصرار تتجاوز مسألة الولاء التركي للنموذج الاوروبي, ومع هذا التذبذب بين الدعوة للانضمام والرفض الاوروبيين تبرز مفارقة غريبة تتعلق بالدور الذي تتوقعه اوروبا من تركيا.
فالاوروبيون حريصون على انسلاخ تركيا من جذورها الشرقية الاسلامية, وهي في الوقت نفسه لا تريد تركيا الاوروبية, ومع ذلك تريد اوروبا ان تستمر تركيا في لعب دور الشرطي المحافظ على مصالحها في المنطقة. ويرى المراقبون انه مع تكرار الصفعات الاوروبية لم تع النخبة العلمانية التركية اي درس تجاه قبولها في منظومة غريبة عنها, رافضة لخلفيتها الحضارية, بل كان استمرارها على تقديم طلب الانضمام لتلك المجموعة مؤشرا على حالة فقدان الذات والهوية التي تمر بها, وهي الحالة التي دفعتها للبحث عن بديل غربي آخر بعد ان يئست من اتاحة مكان في الاطار الاوروبي, وكان البديل غربيا ايضا تمثل في الولايات المتحدة الامريكية التي تريد بالطبع ان يستمر الدور التركي في المنطقة نظرا لما تتمتع به تركيا من اهمية جيواستراتيجية.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ان النخب العلمانية التركية نجحت في تحقيق المعادلة الصعبة في التوفيق بين الهوية الاسلامية المتأصلة في البلاد وبين العلمانية الاوروبية؟
لفهم هذا السؤال ومحاولة الاجابة عليه ينبغي معرفة البنية التركية ومؤسساتها وتركيبتها السكانية والجغرافية والسياسية, وكيف عملت هذه العوامل في محاولة تحقيق مالم يتحقق بعد.
وتركيا بلد اسلامي يشكل المسلمون نحو 97% من مجموع السكان البالغ 65 مليون نسمة, والاسلام كهوية لا يزال السمة المميزة للمجتمع التركي لاسيما في جنوب البلاد وشرقها رغم الاجراءات الصارمة التي فرضتها الحكومة التركية باسم تطبيق المبادىء العلمانية للجمهورية التركية والحفاظ عليها.
في ضوء هذه الحقائق بدأ الدارسون يطرحون اسئلتهم حول امكانية حل اشكالية وجود مجتمعين مختلفين حضاريين في ظل اتحاد واحد له هويته الحضارية ومؤسساته العليا وميثاقه, فالاتحاد الاوروبي يمتلك سلطة تشريعية عليا هي برلمانه وينتخب على اساس مباشر ومن منطلق التحالفات الحزبية عبر هذه الدول ولا يمكن ان يقبل باي حال انضمام تركيا لعضويته ثم اشتراك حزب او حكومة ذات توجه اسلامي في الانتخابات البرلمانية الاوروبية خاصة وان الرئيس التركي سيزار حظي بتأييد حزبي الفضيلة الاسلامي والطريق القويم اثناء ترشيحه للرئاسة مما يشير الى توجهه. ويفسر هذا سبب معارضة الاحزاب الديمقراطية المسيحية في دول الاتحاد قرار الاتحاد الموافقة على قبول تركيا في قائمة الدول المرشحة للعضوية, وهنا يتساءل المحللون: اذا كان من الصعب وجود حزبين مختلفين حضاريين في برلمان واحد فما هي آلية حل هذا الاشكال؟
تصدت الحكومات التركية المتعاقبة للاجابة عن اسئلة من هذا النوع فاشارت الى الاجراءات التي اتخذها مجلس الامن القومي في 28 فبراير عام 1997 للحد من نشاط الحركات الاسلامية والتي مهدت لموافقة الاتحاد الاوروبي على ترشيح تركيا .. وفي هذه الاشارة ايضاح للنهج الذي انتهجته تركيا في مسلسل الضغط على الاسلاميين والذي تناوبته المؤسستان الحكومية المدنية والحاكمة العسكرية, وهو ماجعل التيارات التقليدية في المجتمع التركي من اسلامية وقومية تخشى من عملية سياسية امنية شبيهة بتلك التي قام بها مصطفى كمال اتاتورك في عشرينيات القرن الماضي بهدف التخلص من الرموز والمظاهر الاسلامية, شوقا للعضوية الاوروبية.
تلك الرغبة العارمة في التغريب او اتخاذ النموذج الغربي كبديل او لنقل تجربة التغريب المطلق لم تحقق في واقع الامر ومعطياته الاحلام والامال التي وردت في شعارات علمانية تركية منذ حدث ذلك التحول المثير في تاريخ تركيا. وشهدت تركيا ازمات عامة تفاقمت الى درجة البؤس والشقاء اللذين القيا بظلالهما القاتمة على الحياة التركية بعامة, عدا عن حالة الضياع الثقافي والتشتت الفكري في الانتماء الى الهوية والتي كانت احد اهم الاثار الخطيرة لفرض مظاهر التغريب قسرا على ان لها جذورا ثقافية وعقائدية مختلفة تماما وهي حالة شبهها الاتراك بقولهم: (ان تركيا سفينة شرقية يقودها ربان ظل يكرهها على الاتجاه غربا). فيكف تنظر تركيا لمشكلة هويتها وازمتها وكيف يريد الغرب تركيا؟
أزمة هوية ام ازمة ولاء! المعروف ان مشكلة تركيا المزمنة هي ازدواجية الانتماء او بمعنى اصح استحالة الانتماء المزدوج لآسيا واوروبا, والصراع الازلي بين القوى يدفعها في هذا الاتجاه او ذاك. ويزيد من حجم هذه الاستحالة ان ايا من الاتجاهين لا يعني فقط خيارا له اسبابه ونتائجه وانما يعني الغاء مباشرا للاتجاه الآخر بكل ما يعنيه ذلك من تناقضات لانهاية لها, لقد كان هذا الصراع بين (الدفع الآسيوي) و (الجذب الأوروبي) موجودا ومؤثرا في تاريخ تركيا قبل سنوات طويلة من ثورة اتاتورك, وتشير مصادر كثيرة الى انه بدأ في اللحظة التي عبرت فيها قوات السلطان محمد الفاتح مضيق الدردنيل وفتحت القسطنطينية حاضرة الامبراطورية الرومانية الشرقية. ويرى كتاب كثيرون ان من ابلغ الايات على مولد الاتجاه الاوروبي في ذلك الحين ان سلاطين آل عثمان نقلوا عاصمتهم الى القسطنطينية بعد ان غيروا اسمها الى الاستانة او اسطنبول واصبحت حاضرة دولة الخلافة الاسلامية في اوروبا. ويذكر التاريخ ان الزحف العثماني على الجسد الاوروبي اوصل جيوش بايزيد الى ابواب فيينا حيث لم يكن هناك تناقض ظاهر بين المد الآسيوي والتراجع الاوروبي, بل كان كل منهما هو الوجه الآخر لصورته وكانت النتيجة هي فرض الحضارة والتقاليد والقيم القادمة من وسط آسيا على الاصقاع المفتوحة من اوروبا, وكانت هذه هي عملية (اتركة) شرق اوروبا طوال خمسة قرون بدأتها قوية ثم ضعفت حتى فقدت قوتها الدافعة. ومع تنامي المقاومة الطبيعية ضد الاتراك الغزاة وتفشي الانحلال في بنية الامبراطورية العثمانية انهزمت الاخيرة وفككتها الحرب العالمية الاولى, وهنا برز دور كمال اتاتورك تحت شعار انقاذ ما يمكن انقاذه. ومعنى ذلك لدى اتاتورك هو انقاذ تركيا بحدودها المعروفة حاليا من تحت الانقاض, فترجم ذلك عمليا الى قطع كل مابين تركيا اتاتورك وتاريخها كله بما في ذلك الخلافة العثمانية وروابطها الدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية بآسيا او لنقل بالشرق والعالم العربي. ومع نهاية عهد اتاتورك ورث الاتراك وصيتة التي مازالت دستورا للدولة التركية الحديثة والذي يعتبر قادة الجيش التركي انفسهم حراسه والاوصياء عليه ومن هنا يأتي دورهم في تركيا الحديثة وتأثيرهم على سياستها وحركاتها الانقلابية. تطلب انتزاع تركيا من جذورها اجراءات شديدة التطرف كان اشدها تطرفا انتزاعها من جذورها الاسلامية والذي كان من شواهده نبذ الزي التركي وارتداء قبعة الغرب والغاء الحروف العربية واستبدالها بالحروف اللاتينية ــ ويرى المحللون ان هذه كانت علامات على السطح اما ماهو تحت السطح فكان المحاولة التي استمرت اكثر من 75 عاما لتحويل تركيا بالكامل الى دولة اوروبية مقطوعة الصلة بالماضي. وكانت محاولات تركيا اثناءها بالانتماء لاوروبا تفشل باستمرار رغم تفانيها في اثبات ولائها المتكرر للنموذج الغربي, لكن اوروبا كانت لديها مبرراتها المعلنة والخفية, فاما ماهو معلن منها فتمثل في: * سجل تركيا في مجال حقوق الانسان, والغاء عقوبة الاعدام في تركيا. * تسوية المسألة الكردية في تركيا. * حل النزاع الاقليمي بين تركيا واليونان بخصوص بحر إيجه والمياه الاقليمية. * والتجاوب مع المساعي الدولية لحل المشكلة القبرصية. وكانت هذه هي الشروط التي حددتها دول الاتحاد الاوروبي للانضمام لعضويته, يضاف اليها قطع الطريق امام التيارات القومية والاسلامية التي صعدت الى المواجهة السياسية التركية في السنوات الاخيرة ودخلت في لعبة استلام السلطة بعد ماظلت طوال العقود الماضية هامشية. والتيارات المعنية ترى ان لتركيا مكانة مركزية في العالمين الاسلامي والتركي بعيدا عن التبعية لاوروبا, لكن الواضح ان النخب العسكرية والسياسية والاقتصادية المسيطرة في تركيا حسمت خياراتها بالانتماء حضاريا وسياسيا للغرب عبر طمس الخصوصيات الدينية والقومية ولاثبات جدارتها في اطار تيارات العولة و (الحداثة), وعبر تعزيز دورها الاقليمي في المنطقة المحيطة بها, من مواقع التحالف مع الغرب وبخاصة مع سياسات ومصالح الولايات المتحدة الامريكية وبالتالي حليفتها اسرائيل. ومعروف ان تركيا منذ دخلت النادي الاطلسي عام 1951 قد قبلت ان تكون رأس جسور لحماية مصالح الغرب والمصالح الامريكية مع الوقت قبل المصالح الاوروبية, والمصالح الامريكية مع الوقت قبل مصالح اوروبا ويرى المحللون ان هذا يعتبر حقيقة انطلاقا من ان المنافسة بين امريكا والاتحاد الاوروبي قد توضحت منذ سنين وبما انها مرشحة مع الوقت للاحتدام اكثر فاكثر فان التساؤل الذي يطرح دائما هو: هل ستبقى تركيا مختارة الجلوس امام ابواب الاتحاد الاوروبي, ام انها ستندفع زحفا من خلال ابواب امريكية يخيل اليها انها مفتوحة مع انها في الحقيقة مغلقة ولا تنفتح الا بشروط, فما هي اهداف تركيا للانضمام لعضوية الاتحاد الاوروبي, ولماذا تقوم بهذا الدور المتميز للغرب وماهي مخاوف الغرب؟
ابواب السياسة الاوروبية حين ننظر لموقع تركيا الجغرافي نجد ان 97 من اراضيها تقع في آسيا, ويفرض عليها هذا الموقع انتماء شرقيا بامتياز, لكن اتاتورك قرر تحدي هذه الجغرافيا والتنكر لهذا التاريخ, واراد لتركيا التي تقع 3% فقط من اراضيها في اوروبا ان تصبح غربية وان تظل طيلة سبعين عاما تتسول ذلك الانتماء من الغرب. ولتركيا حدود استراتيجية مع اليونان وهي الدولة المسيحية العريقة التي لها تاريخ وروابط اوروبية قديمة, فالخلافات الحدودية بين تركيا واليونان حول قبرص اخذت وقتا عصيا على الحل وكانت احد شروط الاتحاد الاوروبي لانضمام تركيا لعضويته. ومن اهمية موقعها الاستراتيجي كونها تقع على بحر ايجه والبحرين الابيض المتوسط والاسود, ولا يجب اغفال عنصر الدين الاسلامي الذي يربطها بالدول العربية الاسلامية, ولذات الاسباب كانت تركيا هي الدولة الاسلامية الوحيدة التي انضمت لعضوية حلف شمال الاطلسي العسكري, الذي رأى في تركيا واحدا من الفواصل الاستراتيجية بين روسيا والغرب وحليفا مهما في فترة الحرب البادرة. ولذلك لم تعترض اي من الدول الاوروبية على انضمامها للحلف العسكري لان المسألة كانت حياة او موت بالنسبة للغرب, وان كانت مؤخرا تظهر اعتراضات على انضمامها لعضوية الاتحاد الاوروبي فذلك لان الحرب الباردة قد انتهت وفق دراسات كثيرة, ويرى محللون استراتيجيون ان مطالب اللجنة الاوروبية لتركيا في اطار تحسين اوضاع حقوق الاقليات هي مطالب شرعية وان كانت بعض الظروف ذريعة تستخدمها الاحزاب المسيحية الاوروبية المتعصبة ضد تركيا الاسلامية. مؤشرات كثيرة يمكن ملاحظتها رغم ذلك تبين ارتفاع اسهم تركيا السياسية لدى الغرب يواكبها احتمالات تنامي الدور الامريكي في الشرق الاوسط, رغم الرفض الامريكي المعلن والمتكرر والنقد الاوروبي الذي يصل لحد التدخل في سياساتها الداخلية. اما اهداف تركيا فهي استراتيجية, تريد تحقيقها بانضمامها للاتحاد الاوروبي منها ما يدخل في اطار الطموح الاقتصادي واخرى من اجل الامن الوقائي, يضاف اليها رغبة تركيا الحقيقية في استعادتها لنفوذ الحضارة العثمانية القديمة من جديد وتعطشها لدور ريادي في منطقة الشرق الاوسط وفقا لعملية تقسيم نوعي مقبولة تتماشى مع قواعد النظام العالمي الجديد. وتركيا تريد وضع نفسها طرفا في توازن قوى بين (اوروبا وامريكا) ككتلة لتتقاسم الدور الذي فرضه او منحه الغرب لاسرائيل وسط العالم العربي ومعظم دوله الاسلامية, ومن ناحية اخرى تريد تركيا ان تكون معبرا سياسيا وعسكريا بين العرب والغرب, وفي الوقت ذاته تريد ان تكون حليفا كاملا للغرب, حيث يشكل انضمامها لعضوية الاتحاد الاوروبي ضمانة لترجيح كفتها لدى الغرب على دولة قوية مثل ايران في الخليج ومصر ذات الموقع الجغرافي المهم, عدا عن رغبتها في اثبات قدرتها وفق المصادر, على لعب دور التوأم الذي يستطيع التعامل مع العرب والمسلمين افضل مما تقوم به اسرائيل او المصالح التي تتبناها نيابة عن الغرب في العالم العربي. اما مخاوف تركيا فمبعثها نتائج دراساتها الاجتماعية والديمغرافية والخطر الاسلامي وما يشكله من اثار على اوروبا المسيحية تنطلق الابحاث الديمغرافية الاوروبية من نتائج دراساتها التي تفيد بانه في حال تحقيق انضمام تركيا الاسلامية للاتحاد الاوروبي, ستصبح اكبر الدول الاعضاء من حيث تعداد السكان خلال 20 عاما, في الوقت الذي تسير فيه معدلات التطور والنمو الديمغرافي الاوروبي بخطوات اجتماعية متوازنة تتماشى مع عمليات العرض والطلب في سوق العمل. ووفقا لهذه الدراسات فان الخلل في تعداد السكان بين الشعب التركي والشعوب الاوروبية الاخرى سيؤدي لتغليب الجنس التركي في المنطقة الاوروبية تدريجيا, ويوقظ من جديد النعرة القومية العثمانية ذات الاهداف الاحتكارية التي تهدف للسيطرة, كما تؤكد تقارير البعثات الدبلوماسية لسفارات دول الاتحاد الاوروبي في تركيا انها تعاني من مشاكل داخلية اجتماعية, ثقافية, ودينية, واخطر هذه المشاكل هي الخلافات بين الاتجاهات السياسية التي تدور حول قضايا الدين الاسلامي ودورها في المجتمع العلماني المتحضر في تركيا وتباين وجهات النظر التي تتفاقم ولا تقترب, كما لا توجد مؤشرات اجتماعية وبتحسن هذا الوضع في المستقبل القريب. ورغم ذلك فان مايدعو تركيا الى التفاؤل هو قناعة الاتحاد بان تركيا سائرة في طريق القطيعة مع العرب والعالم الاسلامي, رغم انها لم تقبض الثمن اوروبيا بعد, فلسان حالها يقول ان تركيا بدأت تنتقل الى مرحلة الانضمام الى المجموعة الاوروبية ولا مكان للاسلام السياسي في ظل تركيا سائرة نحو العضوية الكاملة, لكن ذلك لا يمنع من القول ان الحركات الاسلامية تتصاعد وسلطة الجيش تتضاعف وتبقى هذه اخطر العوامل التي تقلق اوروبا في حمى صراعها على رقعة المصالح المتشابكة .

طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:42 PM
البيانات الكاملة عن القوات المسلحة التركية الإنفاق العسكـري
طبقاً لتقديرات عام 1996
7.5 بليون دولار.
طبقاً لتقديرات عام 1997
8.1 بليون دولار.
طبقاً لتقديرات عام 1998
8.4 بليون دولار.
طبقاً لتقديرات عام 1999
10.1 بليون دولار.
الموازنة العسكرية:
طبقاً لتقديرات عام 1998
7.8 بليون دولار.
طبقاً لتقديرات عام 1999
8.9 بليون دولار.
طبقاً لتقديرات عام 2000
7.7 بليون دولار.
المساعدة العسكريّة:
(الولايات المتحدة الأمريكيّة)
طبقاً لتقديرات 1996
321 مليون دولار.
طبقاً لتقديرات 1997
177 مليون دولار.
طبقاً لتقديرات 1998
22 مليون دولار.
طبقاُ لتقديرات 1999
1.5 بليون دولار.
طبقاً لتقديرات عام 2000
1.5 مليون دولار.
طبقاً لتقديرات عام 2001
1.6 مليون دولار.
إجمالي القوات المسلحة
القوات العاملـــــة: 609700 فردٍ، منهم نحو 528 مجندين تجنيداً إلزامياً.
مدة التجنيــد: 18 شهراً.
قوات الاحتياط: 378700 فردٍ، موزعين كالتالي:
الجيش: 258700.
البحرية: 55000.
القوات الجوية: 65000.
ويظل جميع الأفراد على قوة الاحتياط حتى 41 سنة.
القوات المسلحة تفصيلاً
الجيـــش: 495000 فردٍ، منهم نحو 462 ألفاً مجندين تجنيداً إلزامياً.
أربع قيادات جيش، تضم: تسع قيادات فيالق.
فرقة آلية لواء آلي، ولواء مدرع.
فرقة آليـة، وفرقة مشاة.
14 لواء مدرع كل لواء يضم: كتيبتين مدرعتين، وكتيبتين مشاة آلية، وكتيبتين مدفعية.
17 لواءً آلياً، بكلّ لواء كتيبتان مدرعتان، وكتيبتان مشاة آلية، وكتيبة مدفعية.
تسعة ألوية مشاة، بكلٍّ لواء أربع كتائب مشاة، وكتيبة مدفعية.
أربعة ألوية مغاوير، بكل لواء أربع كتائب.
فوج مشاة.
فوج حرس جمهوري.
خمسة أفواج دفاع حدودي.
26 كتيبة دفاع حدوديّة.
قوات الاحتياط
أربعة أفواج دفاع ساحلي.
23 كتيبة دفاع ساحلي.
المعــــدات
ملاحظة: الأرقام الواردة بين القوسين ()، حسب تقديرات الأول من يناير 2000.
دبابات القتال الرئيسية: 420 (2464) دبابة، كالتالي:
876 2 دبابة من نوعي M-48 A5T1 ، وM-48 A5T2 من المقرر تخزين 1300 دبابة منها.
932 دبابة من نوع M-60، منها 658 دبابة من نوع M-60 A1، و274 دبابة من نوع M-60 A3.
397 دبابة من نوع Leaperd ، منها 170 دبابة من نوع Leaperd- 1A1 ، و227 دبابة من نوع Leaperd-1A3.
الاستطــــلاع: بعض العربات من نوع Akrep.
إجمالي عربات القتال المشاة المدرعة/ناقلات الجند المدرعة: (2616):
عربات القتال المشاة المدرعة: 650.
ناقلات الجند المدرعة: 830 ناقلة جند برمائية مدرعة، و213 ناقلة من الأنواع: M-113، وM-113-A1، وM-113-A2.
إجمالي المدفعيـة (2883) قطعة، كالتالي:
المقطـــورة:
عيـــار 105مم: M-101A1.
عيـــار 155مم: 517 قطعة من نوعي M-114A1، وM-114A2.
عيـــار 203مم: 162 قطعة من نوع M-115.

ذاتية الحركـــة
عيـــار 105مم: 364 قطعة من نوع M-52A1، و26 قطعة من نوع M-108T.
عيـــار 155مم: 222 قطعة من نوع M-44T1.
عيـــار 175مم: 36 قطعة من نوع M-107.
عيـــار 203مم219 قطعة من نوع M-110A2.
راجمات الصواريـخ: 60 قطعة:
عيـــار 107مم: 48 قطعة.
عيـــار 227مم: 12 راجمة صواريخ متعددة، منها صواريخ تكتيكية للجيش.
هــــــاونات: 2021 قطعة، كالتالي:
عيـــار 107مم: 1264 قطعة من نوع M-30، بعضها ذاتي الحركة.
عيـــار 120مم: 757 قطعة، منها حوالي 170 قطعة ذاتية الحركة.
عيـار 81مم: 792 3 قطعة، منها قطع ذاتية الحركة.
صواريــخ موجهة مضادة للدبابات: 943 صاروخاً، كالتالي:
186 صاروخاً من نوع Cobra.
365 صاروخاً من نوع TOW، ذاتية الحركـة.
392 صاروخاً من نوع ‎Milan.
قواذف صاروخيـــة: من نوع M-72.
قواذِف عديمة الارتداد
عيـــار 57مم: 923 قاذافاً من نوع M-18.
عيـــار 75مم: 617 قاذافاً.
عيـــار 106مم: 329 2 قاذافاً من نوع M-40A1.
مدافع دفاع جـــوي: 664 1 قطعة:
عيـــار 20مم: 439 مدفعاً من نوع GAI-DO1.
عيـــار 35مم: 120 مدفعاً من نوعي GDF-001، وGDF-003.
عيـــار 40مم: 803 مدفعاً من نوعي L60، وL70، و40 مدفعاً من نوع T-1، و262 مدفعاً من نوع M-42A1.
صواريـخ أرض/جو
108 صواريخ من نوع Stinger.
789 صاروخاً من نوع Redeye، يجري سحبها من الخدمة.
مراقبـــــة: أجهزة من نوع AN/TPQ-36، للمدفعية والهاون.
طائــرات: 168 طائرة، كالتالي:
ثلاث طائرات من نوع Cessna 421.
34 طائرة من نوع Citabria.
أربع طائرات من نوع B-200.
أربع طائرات من نوع T-42A.
98 طائرة من نوع U-17B.
25 طائرة من نوع T-41D.
طائرات عمودية هجومية:37 (26) طائرة AH-1W/P.
طـائرات نقل للإسناد: 262 طائرة، كالتالي:
20 طائرة من نوع AB-205A.
19 طائرة من نوع AS-532UL.
12 طـائرة من نوع AB-204B.
64 طـائرة من نوع AB-212.
20 طائرة من نوع AB-206.
طائرتان من نوع S-70A.
28 طائرة من نوع H-300C.
وثلاث طائرات من نوع OH-58B.
94 طائرة من نوع UH-1H.
طائرات من دون طيّار: من أنواع CL-89 AN/USD-501، وGnat 750، وFalcon 600.
القوات البحريــة: 54600 فردٍ، منها 3100 مشاة أسطول، و1050 حرس سواحل، و500 34 تجنيدهم إلزامي.
القواعــــد:
في أنقرة مركز قيادة البحرية، وقيادة قوات حلف شمال الأطلسي، في شرقي البحر الأبيض المتوسط COMEDNOEAST، وفي جُلْكوك مركز قيادة الأسطول، وفي استانبول مركز قيادة المنطقة الشمالية، والبوسفور، وفي إزميـر مركز قيادة المنطقة الجنوبية، ومنطقة ايجة، وفي إرِجْـلي مركز قيادة البحر الأسود، وفي الإسكنَدرونة، وخليج أكساز، ومِرسن، مركز قيادة البحر الأبيض المتوسط.
الغواصـــات: 15 غواصة، كالتالي:
ست غواصـات Atilay ألمانية الصُّنع من نوعي Type-209، و Type-1200، مزودة بثماني أنابيب طوربيد ثقيل من نوع SST-4.
خمس غواصـات من نوع Kanakkale، النوع Guppy الأمريكية، مزودة بعشرة أنابيب طوربيد ثقيل، عيار 533مم، من نوع MK 37.
غواصتان من نوع Hizirreis، النوع Tang الأمريكية، مزودة بثمانية أنابيب طوربيد ثقيل من نوع MK 37.
أربع غواصات من نوع Preveze، النوعين Type-209، وType-1400 الألمانيين، مزودة بصواريخ سطح/سطح، من نوع Harpoon، وثمانية أنابيب طوربيد عيار 355مم.

الفرقاطــات: 22، كالتالي:

خمس فرقاطات من نوع Gazziantep، النوع Perry الأمريكية، مزودة بأربعة صواريخ سطح/سطح، من نوع Harpoon، و36 صاروخاً سطحمجو، للاستطلاع البحري، من نوع SM-1، ومدفع عيار 76مم، وستة أنابيب طوربيد.
أربع فرقاطات من نوع MEKO 200، النوع Yavuz الألمانية، مزودة بطائرة عمودية AB-212، وست أنابيب طوربيد مضادة للغواصات، إضافة إلى 2×4 صواريخ سطح/سطح Harpoon، 1 مدفع عيار 127مم.
فرقاطة واحدة من نوع Berk مزودة بست أنابيب طوربيد مضادة للغواصات، وأنبوبين من نوع MK 11 Hedgehog، وأربعة مدافع عيار 76مم.
ثماني فرقاطات من نوع Muavenet، النوع Knox-class الأمريكية، مزودة بثمانية قواذف صواريخ مضادة للغواصات، وأربعة أنابيب طوربيد مضادة للغواصات، إضافة إلى صواريخ من نوع Harpoon (من قاذف صواريخ مضادة للغواصات)، ومدفع عيار 127مم، وطائرة عمودية من نوع AB-212.
اربع فرقاطات من نوع Barbaros، النوع MEKO 2000 الألمانية المعدلة، مزودة بثمانية صواريخ سطح/سطح من نوع Harpoon، وثمانية صواريخ سطح/جو من نوع Sea Sparrow، ومدفع عيار 127مم، وستة أنابيب طوربيد عيار 533مم، وطائرة عمودية AB-212.

زوارق الدورية والزوارق الساحليـة: 49 قطعة، زورقاً، كالتالي:

زوارق صواريــخ:21، كالتالي:

ثلاثة زوارق من نوع Kilic مزود بثماينة صواريخ سطح/سطح من نوع Haproon، ومدفع عيار 76 مم.
ثمانية زوارق صواريخ سريعة من نوع Lurssen-57 ) Dogan الألمانية) تضم 2×4 صواريخ سطح/سطح Harpoon.ثمانية زوارق صواريخ سريعة، ومدفع عيار 76مم.
ثمانية زوارق صواريخ سريعة من نوع Jaguar) Kartal الألمانية)، بها أربعة صواريخ من نوع Penguin، وصاروخان سطح/سطح، وأنبوبا طوربيد عيار 533 مم.
زورقا صواريخ من نوع Yildiz، مزودان بثمانية صواريخ سطح/سطح من نوع Harpoon، ومدفع عيار 76مم.

زوارق دوريــة ساحلة: 28 زورقاً، كالآتي:

زورق دورية سريع من نوع Girne.
ستة زوارق دورية ساحلية من نوع Sultanhisar.
زورقا دورية ساحلية من نوع Trabzon (سفينة استخبارات).
زورق دورية ساحلية من نوع Asherville ) Bora الأمريكي).
عشرة زوارق دورية ساحلية من نوع AB-25.
أربعة زوارق من نوع AB-21.
أربعة زوارق من نوع PGM-71.

سفن حرب الألغـــام: 24 سفينة، كالتالي:
سفن بَثّ ألغــام: سفينة من نوع Nusret حمولة 400 لغم، إضافة الى زوارق إنزال دبابات، من الأنواع: Bayraktar، وSarucabey، وCakabey، وتستخدم الزوارق من النوع الأخير لإبرار الدبابات، إضافة إلي قدرتها علي بث الألغام .

الإجراءات المضادات للألغام:23 سفينة، كالتالي:

خمس صائدات ألغام من نوع Edineik، النوع Circe الفرنسية سابقاً.
ثماني كاسحات ألغام من نوع Adjutant، النوع Selcuk الأمريكية.
ست كاسحات ألغام Vegesack، النوع Karamursel الألمانية.
أربع كاسحات ألغام للمياه الداخلية Foca، النوع Cape الأمريكية.

إضافة إلى ثمانية زوارق مضادة الألغام.

سفن برمائيـــة ثماني سفُن، كالآتي:

سفينة إنزال عربات وأفراد، من نوع Osman Gazi، سعة 980 جندي، و17 دبابة، وأربع عربات.
سفينتان من نوع Ertugal، النوع Terrebonne Parish الأمريكية، سعة 400 جندي، و18 دبابة.
سفينتان من نوع Bayraktar، النوع LST-512 الأمريكية، سعة 200 جندي، و16 دبابة.
سفينتان من نوع Sarucabey، سعة 600 جندي، و11 دبابة.
سفينة من نوع Cakabey، سعة 400 جندي، وتسع دبابات.

إضافة إلى نحو 59 سفينة أخرى، كالتالي: : 35 إبرار دبابات، واثنتان إنزال متعددتا الأغراض، و22 إنزال آليات.

سفن إسناد وسفن متنوعة: 27 سفينة، كالتالي:

ناقلة واحدة من نوع Akar قادرة على التزويد بحراً، على التزود في البحر.
خمس ناقلات وقود للإسناد.
سفينتان من نوع Rhein الألمانية.
ثلاث سفن تخزين.
ثلاث سفن إنقاذ.
سفينتا مسح.
ثلاث سفن نقل.
خمس قاطِرات.
سفينتا إصلاح.
سفينة إسناد غطس.
طيران البحريـــة: 16 طائرة عمودية مسلّحة، كالتالي:
ثلاث طائرات من نوع AB-204AS للقتال ضد الغواصـات.
13 طائرة من نوع AB-212، طائرات تدريب لديها قدرات قتالية.
تدريــب: سبع طائرات من نوع TB-20.
مشاة الأسطـــول: 100 3 فردٍ، في: فوج، ومركز قيادة، وثلاث كتائب، وكتيبة مدفعية بها 18 مدفعاً، ووِحدات إسناد.
القوات الجويــــة: 60100 فردٍ، منهم 500 31 مجندين تجنيداً إلزامياً.
قوّتان جويتان تكتيكيتان، وقيادة نقل، وقيادة تدريب جوي، وقيادة لوجيستية جوية.
ساعات الطيران: 180 ساعة.
مقاتلات هجوم أرضي: 11 سرباً، كالتالي:
سرب يحول للعمليات، يضم طائرات من نوعي F-5A، وF-5AB.
أربعة أسراب طائرات من نوع F-4E، منها واحد يحول للعمليات.
ست أسراب طائرات من نوعي F-16C، وF-16CD، منها سرب يحول للعمليات.

مقاتـــلات: سبعة أسراب، كالتالي:
سربا طائرات من نوعي F-5A، وF-5B.
سربا طائرات من نوع F-4E.
ثلاثة أسراب طائرات من نوعي F-16C، وF-6D.

الاستطــلاع:سربا طائرات من نوع RF-4E.

طائرات النقــل: خمسة أسراب، كالتالي:

سرب طائرات من نوعي C-130B، وC-130E.
سرب طائرات من نوع C-160D.
سربا طائرات من نوع CN-235.
سرب طائرات لنقل الشخصيات المهمة، يضم طائرات من الأنواع: Gulfstream، وCitation، وCN-235.

ناقلات الوقــود: طائرتــان من نوع KC-135R.

طائرات الاتصـال: طائرات من نوع T-33، وطائرات عمودية من نوع UH-1H.

طائرات التدريــب: ثلاثة أسراب، كالتالي:

سرب طائرات من نوع T-41.
سرب طائرات من نوع SF-260D.
سرب طائرات من نوع T-38A.

وربما يوجد، أحياناً، طائرات من نوع CN-235، وطائرات عمودية من نوع UH-1H في في القواعد الجوية.

صواريـخ أرض/جو

أربعة أسراب تضم د 92 صاروخاً من نوع Nike Hercules.
سربان بهما 86 صاروخاً من نوع Rapier.

المعــــدات

550 طائرة مقاتلة، ولا توجد طائرات عمودية هجومية.

الطائـــرات

240 طائرة من نوعي F-16C، وF-16D، منها 210 طائرات من نوع F-16C، و30 طائرة من نوع F-16D، ومن المقرر أن تتسلم تركيا 32 طائرة أخرى، منها 20 للاستطلاع، قبل نهاية عام 2000.

87 طائرات من نوع F/NF-5A/B، مقاتلات هجوم أرضي، منها 48 طائرة قيد التطوير كمقدمة لطائرات التدريب.
178 طائرة من نوع F-4E، منها 92 طائرة مقاتلة هجوم أرضي، و47 طائرة مقاتلة، و39 طائرة استطلاع من نوع RF-4E. ويجري تحديث 54 طائرة من هذه الطائارت الى طائرات Phantom 2000.
13 طائرة نقـل، من نوع C-130.
سبع طائرات من نوع KC-135R.
19 طائرة نقـل، من نوع C-160D .
طائرتان لنقل الشخصيات المهمة، من نوع Citation VII.
50 طائرة، نقل، من نوع CN-235.
38 طائرة، تدريب، من نوع SF-260D.
34 طائرة، تدريب، من نوع T-33.
60 طائرة، تدريب، من نوع T-37.
70 طائرة ، تدريب، من نوع T-38.
28 طائرة ، تدريب، من نوع T-41.

طائرات عمودية

29 طائرة من نوع UH-1H، نقل، واتصال، وقاعدة جوية، ومدارس تدريب.
20 طائرة من نوع ، منها 14 لللبحث والإنقاذ، وست للبحث والإنقاذ الساحلي، قيد التسليم.

صواريـــخ

صواريخ جو/جو: من أنواع AIM-7E Sparrow، وAIM 9 S Sidewinder، وAIM-120 AMRAAM.
صواريخ جو/سطح: من أنواع AGM-65 Maverick، وAGM-88 HARM، وPopeye 1.

القوات التركية في الخارج

قبـــرص: نحو 36 ألف فرد، كالآتي:

فيلق واحد، و382 دبابة قتالة رئيسية من نوع M-48A5، و265 عربة من نوع M-113، و211 ناقلة جند برمائية مدرعة.

مدفعية مقطـورة

عيـــار 105مم: 72 قطعة.
عيـــار 155مم: 18 قطعة.
عيـــار 203مم: 12 قطعة.

مدفعية ذاتية الحركة: عيـــار 155مم: 60 قطعة.

هاونـــات

عيـــار 120مم: 127 قطعة.
عيـــار 107مم: 145 قطعة.
عيـــار 81 مم: 175 قطعة.

مدافع مضادة للطائرات: 48 قطعة، عيـــار 40 مم، وقطع عيار 20 مم، و16 قطعة عيار 35مم.

ثلاث طائـرات مقاتلة، وأربع طائرات عمودية.

زورق دورية للمياه الداخلية.

الأمم المتحدة وحفظ الســلام

البونسة: 1300 فرد، في مجموعة كتاب مشاة، ضمن قوات الأمم المتحدة لإقرار السلام في البوسنة SFOR.
تيمور الشرقية: مراقبان في بعثة الأمم المتحدة للإدارة الانتقالية في تيمور الشرقية UNTAET.
جورجيا: خمسة مراقبين في بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في جورجيا UNOMIG.
العراق/الكويت: سبعة مراقبين في بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في العراق والكويت UNIKOM.
إيطاليـا: ستة مراقبين في قوات Deliberate Forge، وأربع طائرات من نوع F-16C.
يوغسلافيا: 950 فرداً في قوات الأمم المتحدة في كوسوفوKFOR.

القوات شبه العسكريــة

الجندرمة:(تتبع وزارتي الداخلية والدفـاع، فـي الحرب): 218 ألف فرد.

الاحتيــاطي: 50 ألف فردٍ.

المعدات

استطـلاع: بعض العربات من نوع Akrep، و535 عربة من نوعي BTR-60، وBTR-80.

ناقلات جند مدرعة: 25 ناقلة جُند مدرعة من نوع Condor.

طائرات: طائرتان من نوعي Dormier 28D1E، وDormier 2801E.

طائرات عمودية

19 طائرة من نوع Mi-17.
ست طائرات من نوع AB-205A.
ثماني طائرات من نوع AB-240B.
ثماني طائرات من نوع AB-206A.
طائرة واحد من نوع AB-212.
14 طائرة من نوع S-70A.

حرس السواحِـــل: 200 2 فردٍ، منهم 1400 مجندين تجنيداً الزامياً، و48 زورق دورية للمياه الداخلية، و16 زورق دورية للمياه الداخلية، حمولة أقل من 100 طن، إضافة إلى عدة قوارب، وسفينتي نقل.

قوات المعارضة

حزب العمال الكُردِستاني PKK، ويضم نحو خمسة آلاف فردٍ، إضافة إلى خمسين ألفاً في ميليشيات إسناد.

القوات الأجنبيـــة في تركيا

قيادة حلف شمال الأطلسي للقوات البرية المتحالِفة لدول جنوب شرقي أوروبا LANDSOUTHEAST.

قيادة القوة الجوية التكتكية المتحالفة السادسة .

عملية المراقبة الشمالية

القوات الجوية البريطانية: 160 فرداً، وست طائرات من نوعي Tornado Gr-1/Tornado Gr-1A، وناقلة وقود من نوع VC-10.
الولايات المتحدة الأمريكية: 2040 فرداً، كالتالي:

لبحرية: 20 فرداً.
القوات الجوية: 1800 فرد، إضافة الى جناح جوّي، يضم طائرات في مفرزات فقط، تضم أعداد مُتنوِّعة من الطائرات تشمل: F-16، وF-15C، وKC-135، وE-3B/C، وC-12، وHC-130، وHH-60.
مشاة البحرية: 220 فرداً.
إسرائيــل: مفرزة طائرات من نوع F-16، تتغير بصفة دورية، في قاعدة أكينْسي.

الولايات المتحدة الأمريكية: تجهيزات لرصد الزلازل.

طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:42 PM
الإسلاميون في تركيــــــــا الحديثة (1) ملامح من المد الإسلامي الهادئ بتركيا
شكل الإسلام في تركيا عاملا هامًّا في بناء الشخصية وصياغة الواقع، فجذور هذا الدين العظيم عميقة في التاريخ والنفس التركية، وقد استطاع الأتراك من خلاله بناء إمبراطورية عظيمة امتدت ستة قرون في ذاكرة الإنسانية، وامتدت في قارات العالم القديم: آسيا وأوروبا وأفريقيا، ورغم إلغاء "مصطفى كمال أتاتورك" الخلافة في (27 رجب 1342هـ = 3 مارس 1924م) فإنه لم يستطع أن يُلغِ الإسلام من القلوب والواقع.
العمامة.. والإعدام
لم يدخر أتاتورك وسيلة لمحاربة الإسلام وسلخ تركيا بعيدًا عن دينها الحقيقي إلا لجأ إليها وفعلها، وكان يرى أن الإسلام سبب التخلف والرجعية، لذلك دعا إلى تأسيس نظام علماني في تركيا. والعلمانية التي انتهجها في الحكم كانت تعني محاربة الإسلام، وليس فصل الدين عن الدولة والسياسة، فكانت الهجمة على الإسلام شرسة. وهكذا يفعل العلمانيون دائمًا: ينادون بالحريات والديمقراطية، وهم أول من ينتهكها إذا كانت في مصلحة الإسلام.
وقد اتخذ الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة العلمانية في تركيا أشكالاً متعددة، اتخذ خلالها العلمانيون سلاح القانون وسلطة الدولة وقوة الجيش لمحاربة الإسلام، وقاوم الإسلاميون هذه الأمور بالانحناء للعاصفة تارة، ومواجهتها تارة أخرى، والتحايل عليها والالتفاف حولها أوقاتًا كثيرة، ولكن في إطار سلمي بعيدا عن العنف.
حاول أتاتورك أن يفرض القبعة على الشعب بالقانون وببطش الدولة، فاتخذ العلماء من هذا الأمر وسيلة لمواجهة الهجمة العلمانية، فظهرت فتاوى عن حكم صلاة الرجل بالقبعة، وغالى البعض فحكم بكفر من يرتديها، فقاوموها حتى الموت، باعتبارها رمزًا لنموذج مرفوض. وكان الصراع في تلك الفترة بين النظام السياسي والشعب المسلم فقبض هذا الشعب على الإسلام في قلبه المؤمن، وتجاهل القوانين العلمانية، واتجه العلماء إلى بناء الإسلام سرًّا في النفوس؛ فظهر العالم الجليل الشيخ "سلمان حلمي" الذي اهتم بتحفيظ القرآن الكريم، فكان يستأجر المزارع البعيدة عن المدن، ويأخذ طلبته معه يعملون في الحقل بالنهار، ويدرسون القرآن الكريم بالليل، في إصرار عجيب على المحافظة على الإسلام والقرآن. وكانت "الطريقة النقشبندية" بزعامة الشهيد "عاطف الإسكليبي" الذي أُعدم بسبب كتاباته ضد القبعة. وكان الشيخ "سعيد النورسي" صاحب "رسائل النور" الذي رفض تغريب تركيا، وحارب الإلحاد.
وبدأت الحرب على الأبجدية العربية التي كانت تُكتب بها اللغة التركية، فصدر قانون بالكتابة بالأبجدية اللاتينية، ونُقِّيت التركية من الكلمات الفارسية والعربية، فأصبح الأذان للصلاة بالتركية. وكم من العلماء شُنقوا وعُلقت أجسادهم أمام المساجد لأنهم رفعوا الأذان باللغة العربية. ثم جاءت الهجمة الشرسة على أسماء الشعب وهي ما عُرفت بـ"معركة الألقاب"، وبدا واضحًا أن أتاتورك ورجاله يسعون لتغيير دين الشعب وهيئته وأسماءه بعيدًا عن الإسلام؛ ففي الذكرى العاشرة لتأسيس الجمهورية التركية جُمعت المصاحف والكتب الدينية ووضعت على ظهور الإبل ليقودها رجل يرتدي الزي العربي ليتجه بها نحو الجزيرة العربية، وعُلقت على رقاب الإبل لافتة تقول: "جاءت من الصحراء، ولتعد إلى الصحراء، وجاءت من العرب، فلتذهب إلى العرب".
مهمة شاقة
كانت مهمة إعادة الوجه الإسلامي لتركيا مهمة شاقة وعسيرة، ناهيك أن تكون المهمة هي إعادة الإسلام للحياة السياسية ليصبح أحد الفاعلين على المسرح السياسي، بل ومنافسًا بارزًا للوصول إلى السلطة السياسية. وقد استطاعت الحركات الإسلامية في تركيا أن تقدم نموذجًا فريدًا في الاستجابة لضغوط الواقع السياسي والاجتماعي المفروض عليها، والتكيف معه، والاستفادة منه، دون أن تتخلى عن عقيدتها أو أفكارها، ودون أن تلجأ إلى العمل المسلح والثوري العنيف، فكانت تستغل كل انفراجة سياسية لترسيخ أقدامها والتعبير عن نفسها، فهي تعرف كيف تستفيد من عناصر الواقع الذي تعيشه، فتأخذ منه النافع بأكبر قدر ممكن، وتقلل السيئ قدر المستطاع، ولعل أحد الأصول المهمة المستفادة من تناول حركة الإسلام السياسي في تركيا هو أن الحركة تأخذ ما يتاح لها حتى تتهيأ لها الظروف للتغيير.
ولقد قامت ثلاثة انقلابات عسكرية في تركيا كانت كلها بعد قرب وصول الإسلاميين إلى قمة النظام السياسي حكمًا أو مشاركة، وهذا يدل على عمق الإسلام في نفس الشعب التركي، وقدرة الحركة الإسلامية ومعرفتها بمواطن التأثير في الشعب وكيفية مخاطبته، وطبيعة القضايا التي تطرحها عليه، فالحركة الإسلامية في تركيا لم تكن تكتفي وتقتصر على الحلال والحرام فقط رغم أهميته، وإنما كانت تقدم حلولاً واقعية لمشكلات يكابدها الأتراك ولا يجدون في الساسة العلمانيين يدًا تُنفذ أو أملاً يتحقق، حيث كان صراعهم على السلطة وليس على مصلحة الشعب.
البداية
كانت بداية الانفراج عن النظام السياسي التركي سنة (1365هـ = 1945م) عندما سمح النظام بتعدد الأحزاب، فظهر على الساحة الحزب الديمقراطي، لينافس حزب الشعب الذي أسسه أتاتورك واحتكر السلطة (27) سنة، واستطاع الحزب الديمقراطي أن يحصل على غالبية مقاعد البرلمان، وكان تصويت الأتراك له نكاية في حزب الشعب، وأصبح النشاط الإسلامي ممكنًا بعد أن كان مُصادَرًا، غير أن هذه التوجهات السياسية الجديدة دفعت الجيش للقيام بانقلاب عسكري في (2 ذي الحجة 1379هـ = 27 مايو 1960) باعتباره الحامي لمبادئ أتاتورك العلمانية، وتم إعدام "عدنان مندريس" رئيس الوزراء في هذا الانقلاب، وتولى قائد الانقلاب "جمال جورسيل" رئاسةَ الدولة والوزراء ووزارةَ الدفاع.
الصعود
لقد شهدت فترة الستينيات تحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة في تركيا؛ حيث ارتفعت الدخول وتغيرت بعض أنماط الحياة. أما في المجال السياسي فانتشرت الأحزاب اليسارية في صفوف الطلاب والمثقفين، وظهر في تلك الفترة توجهات سياسية إسلامية على الساحة في تركيا، فظهر المهندس الإسلامي "نجم الدين أربكان" الذي عيَّنه حزب العدالة رئيسًا لاتحاد مجالس الصناعة والتجارة التركية، ثم كان الظهور القوي لأربكان عام (1389هـ = 1969م) حيث استطاع أن يحصل على الفوز كمرشح مستقل عن دائرة قونية معقل الصوت الإسلامي، فكان فوزًا كبيرًا وانتصارًا ساحقًا، لكن الشرطة أبعدته عن منصبه.
وفي عام (1390هـ = 1970م) أسس أربكان حزب النظام الوطني، الذي تميز برنامجُه بالرغبة في توطيد العلاقات مع الدول القريبة من تركيا تاريخيًّا وثقافيًّا، وبدأ في نقد حزب العدالة والشعب الجمهوري. ومن يقرأ البيان التأسيسي للحزب يرى كيف كانت الحركة تستجيب للنظام القانوني، ولا تحاول أن تخرج عليه حتى لا تقع تحت طائلته. وفي العام التالي أقام الحزب مؤتمره السنوي الأول، مبتدئًا الحفل بالنشيد الوطني، وأخير اُختير "أربكان" أمينًا للحزب.
انقلاب المذكرة
وقد عانى النظام السياسي في تركيا من أزمات حادة لم تفلح الحكومات المتعاقبة في معالجتها لذلك وجهت قيادة الجيش في (15 محرم 1391هـ = 12 مارس 1971م) مذكرة إنذار إلى رئيس الوزراء "سليمان ديميريل" تدعوه فيه إلى إجراء إصلاحات سريعة من أجل القضاء على أسباب التذمر والفوضى، وإلا فإن الجيش سيمارس حقه الدستوري ويتولى مقاليد الحكم، وعُرف هذا الانقلاب بانقلاب المذكرة، فاستقالت الحكومة، وجُرِّم حزب النظام الوطني وأغلقت مقرَّاتُه، وذلك بعد أن ترك أثرًا لا يُمحى في نفوس الأتراك، واُضطر أربكان لمغادرة البلاد، حتى يترك العاصفة الهوجاء تمر.
السلام الوطني
في عام (1392هـ = 1972م) أسس "فريد ملان" حزب السلامة الوطني، وهو حزب يحمل توجهات إسلامية، وبقي أربكان في الظل حتى لا يُصادر نشاط الحزب كغيره، وبعد فترة قليلة خاض الحزب الانتخابات البرلمانية واستطاع أن يحقق المركز الثالث في نتائجها بعد أن حصل على (49) مقعدًا، ودخل في حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري، وتضمن بروتوكول الاتفاق بينهما مبادئ هامة منها إطلاق الحريات، وحرية الصحافة، والعفو عن السجناء السياسيين. وتولى أربكان منصب نائب رئيس الوزراء، وجنى الإسلام من وراء هذا التحالف مكاسب كبيرة، منها: فتح عدد كبير من مدارس الأئمة والخطباء، وتدريس مادة الأخلاق كمادة إجبارية، وكانت أعظم إنجازات هذه الوزارة نجاح أربكان في إقناع قيادة الجيش التركي بإنزال قواتها في جزيرة قبرص واحتلال أكثر من ثلثها، وكان الدافع وراء ذلك هو وقف المذابح التي يرتكبها اليونانيون القبارصة في حق المسلمين القبارصة. واتخذ أربكان هذا القرار في ظل غياب رئيس الوزراء التركي أجاويد عن البلاد، وحصلت الوزارة بعد هذا القرار على تأييد شعبي كبير، ولمع نجم "أربكان" في سماء السياسة التركية، ولمع معه الاتجاه الإسلامي المتمثل في حزب السلامة الوطني.
وكان للنجاح الذي حققه حزب السلامة الوطني أثر بالغ في تصاعد المخاوف منه ومن تنامي المد الإسلامي في البلاد، فافتُعلت أزمة سياسية، واستقال أربكان ومؤيدوه من الوزارة.
كان أربكان في موقفه الحازم من قضية الإنزال التركي في قبرص يخاطب الشعب التركي والقضايا التي تشغله، وذلك لأن الشعب التركي يعتبر جزيرة قبرص جزءًا منه، قامت بريطانيا بتمكين اليونانيين منها حتى يصبحوا أكثرية، والمعروف أن الجزيرة لا تبعد إلا ستة كيلومترات عن الموانئ التركية، في حين تبعد عن اليونان أكثر من ستمائة كيلومتر.
وقد ائتلف حزب السلامة الوطني مع حزب العدالة في حكومتي (1395هـ = 1975م) و(1399 = 1978) وكان أربكان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء، وتبنى الحزب في هذه الفترة قضايا ذات طابع اقتصادي تنموي، فأصر الحزب على القيام بحملة للصناعات الكبرى خاصة في مجال الأسلحة الثقيلة، فافتتح في عام (1396هـ = 1976م) أكثر من مائة مؤسسة صناعية كبرى، وعمل على إصدار قانون يُلغي الفوائد الربوية على القروض الزراعية، وتم إحلال زراعة الحبوب محل زراعة الدخان، ووزع آلافًا من الجرارات الزراعية على الفلاحين.
انقلاب جديد
وفي عام (1400 هـ = 1980م) عقد الحزب مؤتمرًا شعبيًّا تحت شعار: "أنقذوا القدس"، ورُفعت فيه الأعلام الخضراء وظهرت دعوات لإقامة دولة إسلامية في تركيا، فقام الجيش بانقلاب عسكري، وسيطر العسكريون على السلطة السياسية، وتم حل الأحزاب ومن بينها حزب السلامة، وتركزت السلطة في يد مجلس الأمن القومي، ونفذ في تلك الفترة (3600) حكم بالإعدام، وقيدت الحريات المختلفة، ولم يُسمح بدخول انتخابات عام (1403هـ = 1983م) إلا لثلاثة أحزاب هي: حزب الديمقراطية ويتكون من جنرالات الجيش المتقاعدين، وحزب الشعب الجناح الأتاتوركي، وحزب الوطن الأم بقيادة "تورجوت أوزال" وهو الذي فاز في تلك الانتخابات، وظلت الحياة السياسية في تركيا غير مستقرة.
أوزال.. والحركة الإسلامية

تورجوت أوزال

لقد واجه قادة الانقلاب الأخير أزمة حقيقية؛ فهم يريدون استخدام الإسلام لمقاومة المد الشيوعي، وفي نفس الوقت يخشون من تنامي المد الإسلامي في الشارع والحياة السياسية التركية، وعلى حد تعبير البعض فهم يريدون إسلامًا تابعًا للنظام وليس منافسًا له.
وعندما بدأت الحياة السياسية تعود للبلاد تدريجيًّا أسس "تورجوت أوزال" حزب الوطن الأم، والمعروف أن أوزال مهندس كهربائي ولد عام (13446هـ = 1927م) وتمتع بخبرة عالية في الشئون الاقتصادية والسياسية وأنه كان مرشحًا لحزب السلامة الوطني عن ولاية "أزمير"، وكان يقال عنه إنه سفير الغرب في بلاده، ورغم ذلك فإن الحركة الإسلامية في عهده –سواءً كان في رئاسة الوزراء أو في رئاسة الجمهورية- كانت تتمتع بحرية أكبر، واحتلت مساحة أكبر في السياسة والشارع التركي، فأوزال كان يرى الأسلمة المعتدلة كإطار أيديولوجي للحد من تطرف الأتاتوركية، وخوفًا من تطرف بعض الإسلاميين ونمو الأفكار المتطرفة بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران لذلك تَبَنَّى سياسات إسلامية معتدلة مقارنة بسابقيه، فدعم المدارس التي تُخرِّج الأئمة والخطباء لتصل نسبة خريجيها إلى 20% من خريجي المدارس المتوسطة، كما سمح بالدعوة الإسلامية في الإذاعة والتلفزيون، وسمح للفتيات بارتداء الحجاب بعد أن كان مجرَّمًا قبل ذلك، وسمح بقيام مؤسسات الأوقاف، كما سمحت السياسات الاقتصادية التي تبناها بوجود شركات ومشروعات إسلامية، كما سمح بنشاط رابطة العالم الإسلامي في تركيا.
الحجاب.. هو البداية
وقد تولى أوزال رئاسة الجمهورية في (ربيع الثاني 1410هـ = نوفمبر 1989م) وقبل توليه الرئاسة بيوم واحد نظمت طالبات جامعة "أنقرة" مظاهرة كبيرة اشترك فيها خمسة آلاف طالبة؛ احتجاجًا على منع الحجاب في الجامعات التركية بقرار من المحكمة الدستورية العليا، وأحدثت هذه المظاهرة أثرها في الشارع التركي، حيث رأى البعض أن الظهور المكثف للمحجبات هو من قبيل التخطيط السياسي، حيث يقدمون النساء والفتيات في الواجهة مما يجعل تأثيرهن أقوى ومواجهتهن أقل، ورأى آخرون أن النساء رفعن رايات الانتماء للإسلام بارتداء الحجاب لتثبت الحركة الإسلامية في تركيا أنها موجودة في الوجدان الشعبي والجماهيري، وبذلك استطاعت الحركة الإسلامية أن تنقل معركتها مع العلمانيين من الحرم الجامعي إلى الشارع العام لإثارة المشاعر الإسلامية لدى المواطن التركي، ولا شك أن هذا الأداء الإسلامي المحسوب بدقة كان يهدف إلى عدم حدوث انتكاسة للإسلاميين كالتي حدثت في بداية الثمانينيات والتي أدت إلى اقتصار المد الإسلامي على العباءات فقط بعد الانقلاب الأخير.
الرفاه.. من المسجد إلى المجتمع

نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا الأسبق

تأسس "حزب الرفاه" عام (1403هـ = 1983م) وكان "النظام العادل" هو عنوان البرنامج الذي يطرحه الحزب، وهو في مضمونه يعني النظام الإسلامي. وكان النظام العادل للحزب يهدف إلى إلغاء العلمانية في تركيا والتي تختلف عن العلمانية الغربية التي تقتصر فقط على فصل الدين عن السياسة وليس محاربة الدين. وكان أربكان يرى أن الديمقراطية وسيلة وليست غاية؛ فهي تهدف إلى إقامة نظام السعادة وإذا فشلت في ذلك فلا قيمة لها، وكان هذا هو الخطاب السياسي الذي خاض به أربكان الانتخابات بعد ذلك، فاستطاع في الانتخابات المحلية عام (1410هـ = 1989م) أن يحصل على خمس بلديات، أما فوزه الكاسح فكان في عام (1413هـ = 1992م)، وكان مفاجأة كبيرة في الوسط السياسي التركي، ودعت هذه النتائج أربكان إلى مطالبة رئيس الوزراء "سليمان ديميريل" بالاستقالة وإحلال النظام العادل محل النظام المُفْلِس.
لقد بدأ حزب الرفاه والإسلاميون يقتربون من السلطة في هدوء وبطء، فعمل على خلق قاعدة اجتماعية قوية له، وساعده على ذلك انشغال المؤسسة العسكرية التركية والائتلاف الحكومي بمواجهة حزب العمال الكردستاني وزعيمه "عبد الله أوجلان"، فاستثمر حزب الرفاه ذلك الأمر في إعلانه أنه يرفض العنف، وأنه لن يخرج على خط الدولة وسياساتها، وساعده– أيضًا وجود الرئيس "تورجوت أوزال" في الحكم بأفكاره غير المتطرفة تجاه الإسلاميين. إلا أن أوزال توفي بأزمة قلبية مفاجئة في (24 شوال 1413هـ = 17 أبريل 1993م) قبل أن يكمل فترة رئاسته، وتولى الحكم بعده "سليمان ديميريل".
ومع ازدياد الشعور الإسلامي في تركيا وسيطرة حزب الرفاه على عاصمتي تركيا: أنقرة وإستانبول، توحدت أحزاب اليمين واليسار ضده لتستطيع مواجهته، إلا أن أربكان السياسي العجوز رأى في هذه الوحدة إضعافًا لهما وتقويةً له، فحقق الحزب فوزًا في انتخابات (1414هـ = 1994م) وهو ما أقلق الأحزاب المختلفة فبدأ بعضها يخاطب ودَّ الجماهير عن طريق فتح معاهد لتدريس القرآن الكريم، وأثبت فوز الرفاه في هذه الانتخابات البلدية أنه حزب مستقيم استطاع أن يقدم خدمات يومية في البلديات التي فاز فيها دون تفرقة بين أحد؛ لذلك كان كثير من غير المسلمين يصوتون لصالحه، وبذلك انتقل الحزب من المسجد إلى المجتمع بهدوء وقوة فحقق شعبية كبيرة رغم تشكيك الكثيرين في هذا الأمر، وتجلت هذه الجماهيرية للحزب في الانتخابات البرلمانية في (1416هـ = 1995م) حيث حصل الحزب على أعلى المقاعد وهي: (158) مقعدًا من أصل (550) مقعدا، وحصل في الانتخابات البلدية الجزئية التي جرت في ذلك العام على 33% من الأصوات، وأعقب هذا الفوز الكاسح للرفاه فشلُ وانهيارُ الحكومة الائتلافية بين حزبي "الطريق القويم" و"الوطن الأم".
ولقد تحالف الجميع ضد وصول الرفاه للحكم، فعهد الرئيس ديميريل إلى "تانسو تشيلر" زعيمة الطريق القويم بتشكيل الوزارة ففشلت، وقدَّم الرفاه ملفات تُدينها بالفساد، وحصل على موافقة من البرلمان على إجراء تحقيق حول ممتلكاتها الشخصية. أما "مسعود يلماظ" زعيم حزب الوطن الأم فألجأ الرفاه إلى المحكمة الدستورية العليا واستطاع الحصول منها على حكم بعدم دستورية اقتراع الثقة على حكومته، فأدى ذلك إلى فوضى سياسية مع إصرار المؤسسة العسكرية والعلمانيين على عدم صعود أربكان لرئاسة الوزارة.
وأمام هذه الإدارة المنظمة للحملة السياسية التي قام بها الرفاه لمواجهة خصومة الأقوياء، رفعت تشيلر الراية البيضاء حتى يتوقف الحزب عن فتح ملفات فسادها، وأعلنت قبولها الائتلاف السياسي مع الرفاه ،على أن يتولى أربكان رئاسة الوزارة، وتكون الوزارات السياسية السيادية من نصيب حزب الطريق القويم.
وفي (صفر 1417هـ= يونيو 1996م) تشكلت وزارة ائتلافية على رأسها نجم الدين أربكان ليصبح بذلك أول إسلامي يصعد إلى قمة السلطة السياسية في العصر الحديث في الشرق الأوسط عن طريق الانتخاب. واستطاع أربكان في الفترة التي تولى فيها الوزارة وهي عام واحد أن يخفض ديون تركيا من (38) مليار دولار إلى (15) مليار دولار، وقاد سياسة ناجحة داخليًّا وخارجيًّا بعيدًا عن التشدد والتطرف، وهذه السياسة تعتمد الواقع ولا تبتعد عنه، إلا أن المؤسسة العسكرية رأت في نجاحاته الكبيرة خطرًا كبيرًا، خاصة أنه اقترب من بعض القضايا الشائكة في تركيا –وعلى رأسها القضية الكردية- لحلها، وبدأت قيادة الجيش في حملة تطهير للإسلاميين من صفوف الجيش، وتوجيه انتقادات لاذعة لأربكان فتأزمت الأوضاع السياسية واحتقنت، وأمام ذلك لجأ أربكان إلى إجراء انتخابات مبكرة، ثم قدم استقالته من رئاسة الحكومة بعد أقل من عام.
ولا يخفى أن النخبة السياسية في تركيا وافقت على صعود الرفاه للسلطة لإثبات فشله والالتفاف عليه وحتى يفقد شعبيته إلا أن أربكان كان يدرك قواعد اللعبة السياسية ويتحرك من خلالها، مدركًا التوازنات السياسية التي تحيط به فنجح في أقل من عام في تحقيق إنجازات زادت من رصيده الشعبي والسياسي، لذلك رأى منافسوه ضرورةَ إقصائه عن موقعه رغم هتاف مائة ألف شاب تركي أمامه في مدينة قونية: "نريد الإسلام".

(2) الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا

بعد مرور أشهر معدودة على استلام الرئيس التركي الجديد احمد نجدت سيزر مهامه أظهرت الدولة تصميمها على متابعة حملتها ضد الإسلام السياسي من خلال تأييد محكمة التمييز التركية في الخامس من يوليو الماضي،
قراراً يقضي بسجن رئيس الوزراء الأسبق وزعيم حزب الرفاه نجم الدين أربكان سنة مع النفاذ ومنعه من مزاولة أي نشاط سياسي... وقد استند القاضي في حكمه على المادة 312 من قانون العقوبات في الدستور التركي تلك المادة التي تنص على أن حرية التعبير والرأي خارج الأسس الأتاتوركية للدولة يعد جرماً بحق القانون. وفي هذا السياق اتهم أربكان بالتحريض على الفتنة الطائفية والعرقية خلال خطبة انتخابية ألقاها في محافظة بنغول (جنوب تركيا) في عام ,1994 وقد أثار الحكم استياء السياسيين الأتراك على مختلف اتجاهاتهم حيث عبر رئيس الوزراء التركي بولنت ايجيفيت عن احترام القضاء غير أنه ليس سعيداً وراضياً عن الحكم كما طالب رئيس حزب الفضيلة رجائي قوطان بضرورة إلغاء البرلمان المادة 312 المقيدة لحرية الرأي والتعبير, وعلى جانب آخر فقد وصفت الصحف التركية الحكم بأنه (نوع من التخلف والإصرار على الإخلال بحق الإنسان التركي واعتراف بغياب حرية الرأي الحقيقية في البلاد) , وجدير بالذكر أن هذا الاستياء العام نابع من الورطة التي وُضعت فيها تركيا أمام الاتحاد الأوروبي وهي المرشحة للانضمام إليه.. حيث اعتبر رئيس اللجنة البرلمانية للمجلس الأوروبي أن الحكم (يعرقل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي) كما أنه (يخالف كافة المعايير القانونية للتعددية الديمقراطية التي تؤمن بها أوروبا) . وتجدر الإشارة إلى أن تيار الإسلام السياسي في تركيا ليس حديث العهد وإنما يضرب بجذوره إلى فترة قيام الدولة التركية العلمانية حيث جاء مؤسسها كمال أتاتورك وأطلق حظراً عام 1925 على كل الأنشطة الدينية وهو ما أدى إلى سرية المسألة الدينية ونشاطها على أيدي مجموعة من زعماء وأفراد الطرق الدينية, ومع إقرار نظام التعددية الحزبية في عام 1945 ولاعتبار التنافس الانتخابي مع افتراض وجود مشاعر إسلامية لدى زعماء بعض الأحزاب العلمانية تم تخفيف الحظر الذي كانت تواجهه التيارات الإسلامية, ودخلت الحركة الإسلامية مرحلة جديدة من التنظيم السياسي العلني الذي كان يحظى بالشرعية القانونية مع تأسيس حزب النظام الوطني عام 0791 ثم بديله حزب السلامة الوطني عام 1972 ثم بديله أيضاً حزب الرفاه الإسلامي عام 1973 والذي حل محله أخيراً حزب الفضيلة عام ,1998 وعلى جانب آخر فإن للحركة الإسلامية جمعيات علمية تمدها برجال العلم وكوادره ولهذه الجمعيات نشاطات خيرية وهي تنسق جهودها مع مراكز البحوث الأهلية في بعض الدول الإسلامية.. كما تحفل دور النشر الأهلية برؤى إسلامية للترجمة تقوم بدور فعال ومؤثر في تعريف الأتراك بالإسلام وبالأخص بعد صدور قانون توحيد التدريس وإلغاء التدريس الشرعي والذي استمر في تقوية العلوم الإسلامية على نحو ما كان يدرس في برامج المدارس العثمانية. وشكلت هذه البنية التحتية مدداً لتقوية أسلمة المجتمع مقابل التطرف العلماني لتتكون النخبة الإسلامية من التقنيين والمثقفين.
ذروة الصعود كانت ذروة صعود التيار الإسلامي في تركيا في النصف الثاني من التسعينيات فرغم أن رموز هذا التيار وأحزابه كانوا قد شاركوا في السلطة غير أن المشاركة الأكبر جاءت بعد فوز الرفاه الإسلامي في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في ديسمبر عام 1995 بأكبر نسبة من الأصوات حيث حصل على 22.21% من جملة الأصوات واحتل بواسطتها 158 مقعداً من مقاعد البرلمان التركي البالغ عددها 550 مقعداً مكوناً بذلك أكبر كتلة برلمانية وصاحب الأغلبية. وعلى هذا الأساس شكل نجم الدين أربكان زعيم الحزب الحكومة مؤتلفاً مع تانسو تشيلر زعيمة حزب الطريق القويم في 29 يونيو عام 1996 وذلك بعد عدة محاولات من جانب القوى والأحزاب العلمانية والعسكريين للحيلولة دون تشكيل الإسلاميين للحكومة. غير أن أربكان لم يستمر كثيراً حيث قدم استقالة حكومته في 18 يونيو عام 1997 نتيجة تضييق الخناق عليه من قبل المؤسسة العسكرية التي أبدت استياءها من توجهات أربكان التي اعتبرتها مخالفة لتوجهات تركيا العلمانية, ولم يقتصر الأمر على ذلك بل وتم حظر حزب الرفاه ومنع أربكان من العمل السياسي لمدة خمس سنو ات وهو ما دفع الإسلاميين إلى تكوين حزب الفضيلة الذي شارك في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في 18 إبريل عام 1999 وحصل على 208.15% من جملة الأصوات محتلاً بذلك 110 مقاعد من مقاعد البرلمان محققاً بذلك المرتبة الثالثة في البرلمان من حيث عدد المقاعد. وبالرغم من هذا النجاح الذي حققه حزب الرفاه ومن بعده الفضيلة في الحياة السياسية التركية إلا أنه يصبح من قبيل الاختزال الشديد للصورة إذا نظر لذلك الحزب على أنه هو فقط تيار الإسلام السياسي في تركيا. فهذا التيار يشمل العديد من الجماعات والحركات بل والأحزاب الأخرى إلى جانب حزب الفضيلة, ويمكن تقسيمها إلى جماعات سلمية وأخرى مسلحة على النحو التالي: أ ـ الجماعات السلمية: 1ـ جماعة النوريون: وتنسب إلى سعيد نوري وأساسها النظري هو تقوية الإيمان ومعارضة الإلحاد والشيوعية والرأسمالية والنظام العلماني, وقد انقسم النوريون إلى جماعات مختلفة بعد وفاة مؤسسي الجماعة وأبرزها جماعة فتح الله غولين, وجماعة بازجي نسبة إلى محسن بازجي أوغلو زعيم حزب الاتحاد الكبير وهي حزب إسلامي صغير, وجماعة صحيفة بن آسيا وهي ذات توجه إسلامي متشدد. 2ـ السليمانيون: أسسها سليمان حلمي تونهان المتوفى عام 1959 وأنصار هذه الجماعة يتصفون بالتشدد والراديكالية ومعارضتهم لأتاتورك والنظام العلماني ونمط الحياة على الطراز الغربي ويعلنون أن تركيا هي (دار حرب) يجب الجهاد لتحويلها إلى (دار سلام) وتركز الجماعة نشاطها على المدارس الدينية وفصول تحفيظ القرآن. 3ـ الإيشيكتشيون: وأسسها في أوائل الثمانينيات حسين حلمي ايشيك الضابط السابق وهذه الجماعة تولي أهمية قصوى للتجارة والاقتصاد عموماً كمدخل رئيسي للسلطة والقوة حيث يتزعمها الآن رجل الأعمال المشهور (أنور أوراق) صاحب مجموعة شركات إخلاص التي تصدر عنها صحيفة (تركيا) رابع الصحف التركية من حيث التوزيع وتمتلك كذلك محطة تليفزيونtgrt الفضائية ومجلات أسبوعية وشهرية خاصة بكل القطاعات والفئات وهم ليسوا على انسجام مع (الفضيلة) ومن قبله (الرفاه) ويميلون غالباً إلى الحزب اليميني المتواجد على رأس السلطة. 4ـ القادريون: وهؤلاء يؤيدون الاتجاهات القومية التركية ويعارضون دخول تركيا الاتحاد الأوروبي ويرون في الولايات المتحدة العقبة الكبرى أمام إحياء القومية التركية. 5ـ جماعة فتح الله غولين: ويركز رئيس هذه الجماعة التي انشقت عن النوريين على التعليم حيث يمتلك أكثر من عشرين مدرسة في تركيا وما يزيد على 20 مركزاً تعليمياً, كما أنشأت جامعة الفاتح. وتولي جميع هذه المدارس الطابع الديني والأخلاقي عناية خاصة, وعلى الجانب الاقتصادي يمتلك غولين عدداً كبيراً من الشركات والمصارف المالية وكان قد أسس حديثاُ المؤسسة المالية (آسيا فينافس), والملاحظ أن جماعة غولين لا تلتقي مع الجماعات الأصولية التركية بل تسعى لحركة تطور تفسيراً إنسانياً يتوافق مع حقوق الإنسان والديمقراطية ويمكن أن تساهم في ترسيخ الديمقراطية وبصفة عامة تقترب الجماعة من أحزاب اليمين أكثر من قربها من أية أحزاب أو تيارات أخرى. 6ـ النقشبنديون: وهي أكبر الجماعات الدينية في تركيا وتهدف إلى إقامة نظام إسلامي غير أنها شهدت في السنوات الأخيرة عدة انقسامات بين صفوفها مما أثر على نفوذها. ب ـالجماعات المسلحة: 1ـ حزب الله التركي: وهو أهم حركة إسلامية مسلحة تهدف إلى إقامة نظام إسلامي بالقوة غير أن الحزب يعاني من الانقسامات الداخلية حيث أن هناك قسماً موال لإيران وهو جماعة منزيل, وهذه تعمل على إقامة نظام إسلامي على النمط الإيراني, وقسم آخر مناهض لإيران وهو مجموعة (أيليم) , وجدير بالذكر أن الدولة كانت تتساهل مع هذا الحزب في البداية حيث كان يساعدها في التخلص من عناصر حز ب العمال الكردستاني المطالب بالانفصال غير أن الحكومة التركية أخيراً بدأت في مطاردة عناصر الحزب وتصفيتها. 2ـ مجاهدي الشرق الإسلامي الكبير: وهي حركة مسلحة أيضاً دخلت في معارك دامية مع الشرطة وتبث أفكارها من خلال صحيفة (سلام) ضعيفة الانتشار حيث تدعو الجماعة إلى الثورة الشعبية الإسلامية. 3ـ منظمة الحركة الإسلامية: وتورطت هذه الجماعة في اغتيال عدد كبير من الصحفيين والمبدعين والمفكرين المعروفين. 4ـ اتحاد الجمعيات والجماعات الإسلامية: وهو يعد النموذج العلني والأشهر للحركات الإسلامية الراديكالية في تركيا وكان يتزعمه الشيخ جمال الدين قبلان المتوفى في مايو 1995 والذي أسس الاتحاد عام 1978 بدعم مباشر من إيران, ودعا قبلان إلى هدم النظام العلماني واعتبر زعماء تركيا (كفاراً), وتتخذ الجماعة بعض المجلات مثل اقتباس ـ مكتوب ـ وحدت ـ غيريشيم ـ استقلال ـ شهادات ـ توحيد ـ دعوت ـ العالم الإسلامي, منابر لنشر أفكارها ورؤيتها المعادية للعلمانية كفكر وللنظام العلماني كتطبيق وممارسة. ومع هذا الكم الهائل من الجمعيات والحركات التي تمثل تيار الإسلام السياسي في تركيا يثور تساؤل هام عن العوامل التي أدت إلى صعود هذه الجمعيات بهذه الصورة حتى أصبح لها ثقل سياسي في المجتمع تمثل على الأقل في حزب الرفاه ومن بعده الفضيلة. ويرتبط بهذا التساؤل تساؤل آخر عما إذا كانت هناك مؤشرات في المجتمع التركي ذاته على نجاح هذا التيار في تأهيل مبادئه وتجذيرها في نفوس الأتراك. وفي معرض الإجابة على السؤال الأول أشار المحللون إلى وجود بعض العوامل التي ساعدت على تصاعد حركات تيارات الإسلام السياسي, وقسمت تلك العوامل إلى نوعين هما: أـ عوامل خارجية... تتمثل هذه العوامل في مجموعة الأحداث الإقليمية والعالمية المحيطة والتي ارتبطت بدرجة أو بأخرى بأوضاع المسلمين والإسلام في العالم وأهم هذه العوامل: 1ـ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام1979: حيث كان للثورة مردود مباشر على الإسلاميين في تركيا الذين أيدوهم وأعلنوا دعمهم لها صراحة باعتبارها ضربة للاتجاه العلماني والغربي في العالم الإسلامي, وفي هذا السياق زار الشيخ جمال الدين قبلان إيران عام 1983 والتقى آية الله الخميني وبعدها في عام 1984 أسس جماعته الراديكالية المتطرفة اتحاد الجمعيات والجماعات الإسلامية. 2ـ حرب الخليج الثانية: حيث اعتبرها البعض مؤامرة تهدف إلى إضعاف المسلمين ونهب ثرواتهم. 3ـ اشتعال حرب البوسنة والهرسك: وما صاحبها من عمليات تطهير استهدفت المسلمين من البوسنيين ونظر بعض الأتراك إلى المجازر الصربية على أنها تستهدف الدور التركي بصفته الإسلامية في البلقان. 4ـ انهيار الاتحاد السوفييتي في أواخر 1989 وانتهاء الشيوعية من أوروبا عام1991: حيث استطاعت الحركات والأحزاب الإسلامية وعلى رأسها الرفاه أن تملأ بشعارات العدالة والإنقاذ والمساواة الفراغ الذي أحدثه اليسار التركي وأيضاً استطاعت أن تستقطب دعم الفقراء في ضواحي المدن وغيرها من الفئات التي كانت تقترع دائماً لأحزاب التغيير. ب ـ عوامل داخلية... تتمثل هذه العوامل في بعض الأحداث والظواهر الداخلية التي كان لها انعكاس مباشر في تقوية تيار الإسلام السياسي في تركيا, وأهم هذه العوامل ما يلي: 1ـ إن زيادة حركة الانفصالية الكردية في بعض الفترات أدى إلى تعزيز الاتجاهات الإسلامية في تركيا.. فغياب تمثيل الأكراد في البرلمان وحظر قيام أحزاب كردية ـ من قبل ـ أديا إلى إعطاء الأكراد أصواتهم للأحزاب المعارضة للحكومة وعلى رأسها الرفاه وحزب الحركة الإسلامية الأول ومن بعده الفضيلة. 2ـ اشتعال النزاع المذهبي السني العلوي منذ أواخر السبعينيات وحتى يوليو عام 1993 ثم مارس 1995 وأخذه طابع الصدام الدموي داخل تركيا مما دفع إلى مزيد من الشروخ وتعميق الشعور المذهبي والتأكيد على الذات عند كلا الطرفين. 3ـ قضاء دستور 12سبتمبر 1982 على الحركات اليسارية التركية مما أكسب الأحزاب الإسلامية وعلى رأسها الرفاه أصواتاً انتخابية كثيرة.. ومن جهة أخرى فقد حمل هذا الدستور تغييرات جذرية في نظرة العلمانية إلى الدين فعلى الرغم من تأكيده على العلمانية في المادة 42 تشير المادة 24 إلى أن تأخذ الثقافة الدينية والأخلاق مكاناً بين الدروس الإجبارية التي تدرس في مؤسسات التعليم الابتدائي المتوسط. - أما الإجابة عن السؤال الثاني الخاص بوجود مؤشرات على تصاعد التيار الإسلامي في المجتمع التركي... فقد أشار البعض إلى أنه ليس وصول حزب الرفاه إلى سدة الحكم ثم اتخاذ حزب الفضيلة بعده موقعاً لا بأس به في البرلمان هو الدلالة الوحيدة لتنامي صعود تيار الإسلام السياسي في تركيا.. بل أن هناك عدة مؤشرات ودلائل أخرى أهمها ما يلي: 1ـ زيادة عدد دورات القرآن الكريم بمعدل مرتين بين عامي 1979و1990 إذ بلغ عام 1979 حوالي 2610دورة فما بلغ عام 1990حوالي 5179 دورة. 2ـ تضاعف عدد الطلاب في دورات القرآن الكريم أربع مرات إذ كان يبلغ عام1976 حوالي 68486 طالباً وارتفع في عام1990 إلى حوالي 290ألف طالب. 3ـ بلغت نسبة الفتيات اللواتي يتابعن دورات القرآن الكريم بين عمر 7أعوام نحو 63% من عدد الطلاب الإجمالي. 4ـ الازدياد المستمر في عدد المعاهد (إمام ـ خطيب) إذ بلغ عام 1996 نحو 48% من إجمالي عدد المدارس في مستوى المرحلة المتوسطة و18% من إجمالي عدد المدارس في المرحلة الثانوية, وقارب عدد طلاب هذه المعاهد حوالي 400 ألف طالب عام1996 مقابل 2.2663 طالباً أي نحو نصف عدد الذكور (49%). 5ـ ازدياد عدد الجوامع بصورة هائلة بين عامي 1980و 1995إذ ارتفع من 57ألفاً عام 1980 إلى 70الفاً عام 1995 بمعدل إنشاء من 1500إلى 2000جامع كل سنة. 6ـ ازدياد عدد الصحف والمجلات التي تنتمي إلى تيارات إسلامية في مطلع عام 1996 بنحو 500صحيفة ومجلة, فضلاً عن 350محطة إذاعية وأربع محطات تلفزيونية علاوة على تسعة آلاف عنوان لكتب دينية مختلفة.
موقف الجيش وإزاء هذا التنامي الواضح في قوة تيار الإسلام السياسي يثور تساؤل أكثر أهمية عن سابقيه ومفاده.. هل وقف الجيش العلماني في تركيا متفرجاً ومكتوف الأيدي؟ والواقع أن الجيش لم يكن أبداً كذلك بل أنه دخل في صراع مرير مع هذا التيار منذ اللحظة الأولى حيث اتخذ أسلوباً للحرب على الإسلام السياسي من خلال التضييق على الإسلاميين ومحاصرتهم بالقوانين التي أدرجت تحت عنوان المحافظة على المبادئ العلمانية للجمهورية, وفي هذا السياق برزت المادة 312 من قانون العقوبات في الدستور التركي ـ سبق الإشارة إليها ـ والتي سجن بمقتضاها العديد من الشخصيات التركية الإسلامية والكردية اليسارية والمعنية بحقوق الإنسان, بالإضافة إلى ذلك درج الجيش على حظر الأحزاب السياسية التي تتخذ الإسلام هوية لها كما تم سجن قادة الحركة الإسلامية وحرمانهم من ممارسة النشاط السياسي.. وتجدر الإشارة في هذا السياق أن الجيش كان قد تدخل بصورة مباشرة ثلاث مرات منذ عام 1960 ضد تيار الإسلام السياسي وكان ذلك على النحو التالي: 1ـ القيام بأول انقلاب عسكري في تاريخ تركيا الحديث في 27مايو 1960 تحت ذريعة (حماية العلمانية) وأُعدم على إثره رئيس الوزراء التركي الأسبق (عدنان مندريس) الذي ساهم كثيراً في الإحياء الإسلامي في الخمسينيات عبر العديد من الإجراءات التي سمحت بتنامي التيار الإسلامي. 2ـ القيام بالانقلاب العسكري الثاني في 12مارس 1971 رداً على الممارسات و (الأخطار) التي تحيق بالعلمانية من جراء تصاعد الحضور الإسلامي في الحياة السياسية. 3ـ القيام بالانقلاب الثالث في 12ديسمبر عام 1980. وقد تمثلت الشرارة المباشرة لهذا الانقلاب في المهرجان الذي أقامه حزب الأمة الوطني في مدينة (قونية) في 9 سبتمبر عام1980 وحمل شعار (تحرير القدس) وشارك في المهرجان مئة ألف شخص جاءوا (بالجبب والطرابيش والبيارق الخضراء) مطلقين هتافات معادية للنظام العلماني.. داعين إلى هدمه وإقامة دولة إسلامية بدلاً منه.. لذا كانت الخطوة الأولى لزعيم الانقلاب (كنعان إيفريني) هي حظر كل الأحزاب السياسية ومحاكمة زعمائها وسجنهم وكان بينهم حزب السلامة الوطني وزعيمه نجم الدين أربكان. - وخلال التسعينيات تغير أسلوب الجيش في مواجهة الإسلاميين حيث تخلى عن أسلوب الانقلابات ـ إرضاء للاتحاد الأوروبي الذي تسعى تركيا للانضمام إليه ـ واتبع أسلوباً آخر تمثل في تضييق الخناق على الجماعات والأحزاب الإسلامية وحظرها وحبس زعماءها, بالإضافة إلى محاولة تجفيف منابع هذه التيارات والأحزاب, وقد بدأ اتباع هذا الأسلوب منذ نجاح حزب الرفاه الإسلامي في تشكيل الحكومة الائتلافية مع حزب الطريق القويم في 8 يونيو عام ,1996 ورغم أن أربكان قد حقق بعض النجاحات سواء السياسية او الاقتصادية وكذلك الداخلية أثناء توليه رئاسة الحكومة إلا أن المؤسسة العسكرية لم تقبل فكرة التعايش السلمي بين التيارات السياسية وعملت على إعاقة كثير من المشاريع الإصلاحية لحكومة أربكان سواء كان الأمر يتعلق بالمسألة الكردية أو بتوطيد أركانه من خلال المؤسسات السياسية. استمراراً لسياسة الجيش في مواجهة حكومة الرفاه الإسلامية قام مجلس الأمن القومي في 28فبراير عام1997 بتوجيه لائحة إلى حكومة أربكان تضم عشرين مطلباً تمثل أبرزها إحياء المادة 163 من قانون العقوبات والتي تنص على تجريم أي نشاط سياسي بدافع ديني وكانت هذه المادة قد ألغيت في عهد حكومة حزب الوطن الأم في عام ,1991 ومن بين أهم المطالب الأخرى ما يلي: 1ـ منع تشجيع ارتداء أزياء تتعارض مع تلك المنصوص عليها بالقانون في شكل من الأشكال وذلك في إشارة إلى ارتداء الحجاب. 2ـ العمل مجدداً على جعل السياسات التعليمية مشمولة بقانون (توحيد التعليم) ويجب زيادة مدة التعليم الإلزامي إلى ثماني سنوات وتحديد عدد المدارس التي تعد رجال دين وتحويل العدد الفائض منها إلى مدارس مهنية. 3ـ إغلاق مدارس تعليم القرآن الكريم التي يديرها أصوليون وربط بقية المدارس بوزارة التعليم. 4ـ على الحكومة وقف عملية تعيين أصوليين في المؤسسات الحكومية. 5ـ المراقبة الدقيقة للمؤسسات المالية التابعة للجماعات الدينية ومنع تحويلها إلى قوة اقتصادية. 6ـ مراقبة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء الذي ينتهج خطاً مناهضاً للعلمانية وإلزامه مبادئ الدستور. 7ـ منع تسليم مجالس بلدية تمويلاً من منظمات دينية في أوروبا. وبالإضافة إلى ذلك أجبرت المؤسسة العسكرية أربكان على طرد ضباط من الجيش ينتمون إلى الأصولية كما نشرت دباباتها في إحدى ضواحي أنقرة عمدتها من الإسلاميين كانت قد قررت تنظيم يوم للقدس تحت شعار الأصولية, ومن اللافت للنظر أن هذه المطالب تهدف في جوهرها إلى محاربة التيار الإسلامي وتجفيف منابعه والقضاء على أية مظاهر له في المجتمع التركي. وفي هذا السياق أيضاً نجحت المؤسسة العسكرية في دفع قانون إصلاح التعليم إلى البرلمان التركي الذي وافق عليه في 16/8/1997. ويقضي هذا القانون بتعديل مدة التعليم الإلزامي في المدارس من خمس سنوات إلى ثماني سنوات أي حد التعليم الإجباري حتى سن 14سنة.. الأمر الذي يؤدي إلى إغلاق المدارس الدينية التي تعد الركيزة الأساسية للإسلاميين الذين يهدفون إلى تدمير النظام العلماني الذي تنتهجه البلاد على حد قول مسعود يلماظ رئيس الوزراء وقتذاك. وفي تطور آخر قامت المؤسسة العسكرية في تركيا بمجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى مواجهة الإسلام السياسي وكان ذلك في عام ,1998 وكانت أبرز هذه الخطوات: 1ـ وضع المؤسسات التعليمية الدينية الخاصة تحت إشراف وسيطرة هيئة الشئون الدينية. 2ـ حل كافة الجماعات والطوائف الدينية وحظر أنشطتها وتخفيض أعداد المدارس الدينية الأهلية التي بلغت مئات الألوف والتي يعمل خريجوها ضد النظام العلماني. 3ـ عدم بناء مساجد جديدة بدون الحصول على موافقة السلطات الدينية المختلفة وجاءت هذه الخطوة في سياق التقارير الأمنية التي أشارت إلى وجود 9216 مسجداً يتبع الطرق الدينية المتطرفة بالإضافة إلى 3آلاف مسجد آخر يتبع الجمعيات الخيرية وتستغل كمورد لتمويل الجماعات الأصولية إلى أكثر من كونها أماكن للعبادة. 4ـ تشكيل لجنة خاصة تضم ممثلين من وزارة الدفاع ـ الداخلية ـ الخارجية ـ التعليم والأمانة العامة لمجلس الأمن القومي ووكالة الاستخبارات والمجلس الأعلى للتعليم وذلك بغرض تنظيم الدراسة في الخارج ومتابعة الدارسين والحد من التحاقهم ببعض الجماعات الإسلامية في الدول الإسلامية بالإضافة إلى وضع خريجي تلك الجماعات تحت الرقابة الشديدة. 5ـ إبعاد كافة الأفراد الذين تحوم حولهم الشبهات في انتماءاتهم الدينية من المؤسسات والهيئات الحكومية وقد شمل ذلك الموظفين العموميين والأفراد المنتخبين من العمد والمحافظين, وفي هذا السياق تم إبعاد عمدة استانبول رجب الطيب أردوغان الذي كان مرشحاً لرئاسة حزب الفضيلة. 6ـ حظر أنشطة المنظمات الدينية التي يثبت مخالفتها للغرض الذي أنشئت من أجله.
المعسكر والرفاه ولم تكتف المؤسسة العسكرية بتلك الإجراءات بل أنها عمدت إلى حظر الأحزاب الإسلامية وسجن قادتها ومواجهة أعضائها الذين يتحدون النظام العلماني وفي هذا السياق قام المدعى العام التركي برفع دعوى أمام المحكمة الدستورية في شهر مايو 1997 ضد حزب الرفاه يتهمه فيها بجر البلاد إلى (حرب أهلية) , وقد أصدرت المحكمة حكمها في 16يناير 1998 بحل الحزب وإسقاط عضوية زعيم الحزب نجم الدين أربكان كان أربكان قد استقال من الحزب في يونيو1997 بسبب ضغط الجيش ـ في البرلمان ومنعه من ممارسة العمل السياسي لمدة خمس سنوات. وفي هذا السياق أيضاً جاءت محاولات المدعى العام لحظر حزب الفضيلة الإسلامي الذي يعتبر وريث الرفاه من الناحية الفعلية ـ ينكر الحزب أي علاقة له بالحزب المحظور ـ وكانت أولى هذه المحاولات في عام1995 حيث طلب المدعى العام حظر نشاط حزب الفضيلة رسمياً ومنع نوابه من العمل في السياسة لمدة خمس سنوات بحجة أن (الحزب قد خالف الدستور الذي ينص على أن تركيا دولة ديمقراطية علمانية) , ورغم فشل تلك المحاولة لرفض المحكمة طلب المدعى العام إلا أن الأخير استمر في محاولاته حتى اتهم حزب الفضيلة بأنه امتداد لحزب الرفاه المحظور مدللاً على ذلك بما حدث خلال المؤتمر العام للحزب الذي عقد في مايو الماضي مؤكداً أن ترديد عبارة (المجاهد الأكبر أربكان) هي دليل يمكن إضافته على عريضة الدعوى التي سبق ورفعها ضد الحزب لحظره. وكما كانت القوى العلمانية والمؤسسة العسكرية تتعامل مع الأحزاب والجمعيات والمنظمات الإسلامية فإنها تعاملت أيضاً مع الأفراد المنتمين إلى هذا التيار على حده.. ففي رسالة واضحة وشديدة اللهجة تم إسقاط الجنسية التركية من نائبة حزب الفضيلة مروة كاوكاجي التي أصرت على حضور الجلسة الافتتاحية للبرلمان في مايو 1999 وهي مرتدية الحجاب وهو ما أثار حفيظة العلمانيين والعسكريين وقد اتهمت كاوكاجي بأنها (خطر أصولي جديد يهدد علمانية الدولة) وبأنها تعمل على (التحريض على الحقد العرقي والديني) وكان ذلك استناداً إلى المادة 312.
تساؤل أخير وعلى خلفية هذه المواجهة المستمرة بين القوى العلمانية والعسكرية وبين تيار الإسلام السياسي يبرز التساؤل الأخير عن مستقبل هذا التيار؟.. وقبل الإجابة على هذا السؤال ينبغي التأكيد على أن هناك قطيعة سياسية بين الدولة والإسلام فهناك مجموعة من المواد الدستورية والإجراءات القانونية التي تمنع إدخال الإسلام السياسي في بنية الدولة رغم أن تركيا دولة إسلامية يشكل المسلمون فيها 98% من مجموع سكانها البالغ عددهم 64مليون نسمة.. وقد أدى ذلك الوضع إلى فشل محاولة التيار الإسلامي المعتدل في تحقيق مصالحة بين العلمانية والإسلام وذلك على رغم التزام هذا التيار بالدستور العلماني للدولة وممارسة النشاط السياسي وفق القواعد التي سنتها الحكومات التركية المتتالية ويرى البعض أن اتباع أسلوب المواجهة مع التيار الإسلامي المعتدل سوف يدفع الثقافة الديمقراطية والمجتمع المدني إلى الانزواء مقابل تصاعد تيار إسلامي متطرف يمثله حزب الله التركي الذي يمارس نشاطه خارج إطار النظام السياسي وبالقوة المسلحة ويرفض الاندماج في اللعبة الديمقراطية وإيجاد قناة شرعية له في العمل السياسي. - وبالنسبة للحديث عن مستقبل تيار الإسلام السياسي فيرى البعض وإن كانوا قلة أن الإسلام السياسي في تركيا سوف يشهد تقدماً وقوة في المستقبل ويدللون على ذلك بقولهم أنه على الرغم من التدابير والإجراءات العقابية ضد التيار في محاولة لتجفيف الينابيع فإنه لا يزال قوياً ويزداد نفوذاً وتأثيراً في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بتزايد قوته التي يستمدها من القاعدة العريضة للمجتمع التركي. وفي هذا السياق أيضاً يؤكد البعض أن التيار الإسلامي في تركيا ليس مجرد فصيل سياسي يتمثل في الفضيلة وأن محاولات استئصاله بالقوة المسلحة لم تكن مجدية.. فبعد كل محاولة كان هذا التيار كقوة اجتماعية وسياسية يظهر إلى الحياة مكتسباً شعبية أكبر ونفوذاً أقوى إذ أن إلغاء حزب الرفاه وإقصاء رئيسه أربكان عن رئاسة الوزارة أوجدت حزب الفضيلة.. وبالتالي فإن السياسيات التي تتبعها المؤسسة العسكرية في حملتها ضد الإسلاميين إنما تعمل على ازدياد شعبيتهم دون أن تدري. وعلى الطرف الآخر يرى البعض أن حصيلة التجربة السياسية للإسلام السياسي في تركيا تشير إلى التراجع الكبير بعد الصعود الكبير في منتصف التسعينيات ورغم اعتقاد بعض الأوساط التركية بأن الحركة الإسلامية قادرة على مراجعة سياستها من جديد إلا أن لسان حال تركيا يقول أن تركيا بدأت تنتقل إلى مرحلة الانضمام إلى المجموعة الأوروبية ولا مكان للإسلام السياسي في ظل تركيا سائرة نحو العضوية الكاملة. وفي هذا السياق يرى أنصار هذا الرأي أن جميع المؤشرات المتوفرة تتجمع في أفق السياسة التركية على شكل شواهد سياسية لحظر حزب الفضيلة من قبل المحكمة الدستورية العليا بتهمة العمل على تغيير النظام الجمهوري العلماني في البلاد وادعاء المدعى العام الحزب هو امتداد لحزب الرفاه المحظور وسيحمل هذا الحظر خطورة على المستقبل السياسي للحركة الإسلامية في تركيا سيتضمن القرار ـ حسب مصادر تركية ـ وللمرة الأولى مواد جديدة تنص على منع تأسيس أحزاب جديدة تكون امتداداً للفضيلة وبالتالي فإن حل الأخيرة لا يعني مجرد إلغاء حزب سياسي معارض بل التخلص من الإرث السياسي لتجربة أربكان سواء بإلغاء ولاية جميع نواب الحزب في البرلمان والبالغ عددهم 110 نواب أو دفع القضية إلى الحل من خلال تقسيمه إلى كتل حزبية ضعيفة عاجزة عن الحصول على نسبة الـ 10% التي ينص عليها قانون الانتخابات في تركيا وبالتالي حرمانه من دخول البرلمان. - ومن العوامل الرئيسية التي تعمل على إضعاف تيار الإسلام السياسي في تركيا المؤسسة العسكرية ذات الذراع الأقوى في الحياة السياسية التركية.. وبالتالي لا يمكن إغفال دور الجيش التركي الذي يعد أحد أهم المؤثرات على تطور الحركة الإسلامية ومستقبلها ورغم استبعاد أمر القيام بالانقلابات العسكرية إلا أن رغبة هذه المؤسسة في القيام بمثل هذه الانقلابات لا تعدم مشروعيتها استناداً إلى المادة 35 من قانون المهمات الداخلية للقوات المسلحة والتي تنص على حق الجيش في التدخل في حال إذا رأى أن الجمهورية والديمقراطية معرضتان إلى الخطر.. وفي ذلك يقول كنعان إيفرين (إذا جاءت الشريعة فالانقلاب سيكون مشروعاً) ورغم هذه الصلاحية للمؤسسة العسكرية إلا أننا نعتقد بعدم إقدام الجيش القيام بأي انقلاب عسكري نظراَ لأن تركيا ترغب في تحقيق الشروط المطلوبة منها للدخول إلى الاتحاد الأوربي ومن ضمن هذه الشروط هو تحسين مناخ الديمقراطية في تركيا ولا شك أن الانقلابات العسكرية تعد مخالفة تماماً لروح مبادئ الديمقراطية غير أن الجيش لن يعدم الطرق لمواجهة أي حركة إسلامية يمكن أن تؤثر على علمانية الدولة وهو ما ظهر من خلال تعامله مع حزب الرفاه الإسلامي. وبصفة عامة فإن هناك مجموعة من المؤشرات الدالة على تراجع تيار الإسلام السياسي في المستقبل وأهمها ما يلي: 1ـ عدم قدرة هذا التيار على تقديم النموذج الأمثل القابل للتطبيق خاصة وأن تجربته في الحكم ـ حزب الرفاه ـ قد تمخضت عن كثير من الآراء والمواقف المتناقضة التي تعبر عن اهتزاز الرؤية أمام قادة هذا الحزب مما أفقده المصداقية حتى بين مؤيديه. 2ـ أن الجيش وباقي القوى السياسية والاقتصادية والعلمانية لن تسمح بأي حال من الأحوال بتهديد النظام العلماني في تركيا خاصة وأن هذه القوى لديها الوسائل المدروسة لكيفية التصدي لمثل هذه التهديدات. 3ـ إن النظام العلماني بصدد إغلاق كافة المنابع الفكرية والتربوية للتيار الإسلامي مما سيضمن عدم زيادة أعداد المنتمين إليه ومن ثم تقليص قوته على كافة الصعد. 4ـ أن نتائج الصراع بين العلمانيين والتيار الإسلامي في تركيا تعتبر وحتى الآن في صالح العلمانية التي تكتسب أرضاً جديدة كل يوم وتزداد القناعة بها كنموذج سياسي واقتصادي يضمن لتركيا الاستقرار والسلام الاجتماعي على الأقل في المستقبل المنظور.

طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:43 PM
العدالة والتنمية حل وسط لأزمة هوية تركيا يعتقد الكثير من خبراء الشئون السياسية أن تركيا تتميز بموقع جغرافي مهم يعتبر في نظر أوساط متعددة دائرة التقاء أساسية للحضارتين الغربية والشرق أوسطية ـ إذا جاز التعبير ـ مما أتاح لها، وفرض عليها في الوقت نفسه، الكثير من المزايا والالتزامات. وقد جمعت تركيا تاريخياً بين الحضارتين الهيلينية والإسلامية، أما الجمهورية الحالية فهي الوريث الشرعي لما سمي بـ "حركة الاتحاد والترقي" التي تأسست عام 1889 وعملت على إنهاء دولة الخلافة العثمانية.. وفي عام 1906 انتسب إليها مصطفى كمال أتاتورك الذي بدأ حرب التحرير الشعبية منذ عام 1919 بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وبعد عام واحد ظهر للوجود أول حزب سياسي أطلق عليه حزب الشعب الجمهوري الذي حمل المبادئ الكمالية، الجمهورية، الشعبية، القومية، العلمانية.
وحكم هذا الحزب تركيا منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 حتى الحرب العالمية الثانية، التي لعبت فيها المؤسسات العسكرية دورًا بارزًا في تكوين الشكل الجديد لتلك الجمهورية، فضلاً عن استمرار التحالف والتنسيق بين الجيش والإدارة المدنية أثناء سنوات سلطة الحزب الواحد. وكان تطور الفكر السياسي في الفترة (1923 ـ 1950) قد تبلور من جانب الجيش ونتج عنه تداخل في الفكر السياسي بين الإدارة المدنية والمؤسسات العسكرية. حتى إن أكثر ما يميز تاريخ تركيا السياسي هو تلك الانقلابات التي وقعت في الأعوام 1960 و1971 و1980 والتي رسخت تأثير الجيش في النظام السياسي حتى اللحظة الراهنة، بحيث كلما حاولت أي هجمة إضعافه كان يتحرك من أجل تقوية وحماية وضعه.
ومن منطلق المواد الدستورية والقانونية، يعتبر الجيش أن الانقلابات التي قام بها تستمد شرعيتها من كونها وظيفة قانونية ودستورية تهدف إلى حماية المبادئ الكمالية، وبناء على ذلك فإن الأولويات كانت ولاتزال ـ طبقًا لتقديرات كثير من المحللين ـ توضع طبقا لمعايير العسكر في مراقبة النظام وعدم السماح للأمور بالانفلات.. ومن هنا فإن جميع المؤشرات تؤكد أن المؤسسة العسكرية لا يقتصر دورها على الدفاع عن الوطن بل المحافظة على النظام السياسي، وأن أي متغيرات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية يشترك الجيش في تحديدها وليس الحكومات المنتخبة وحدها.
وقد عانت تركيا منذ نهاية العهد العثماني أزمة هوية بعد انهيار الخلافة الإسلامية، ومحاولتها تبني الثقافة الغربية، التي ثبت أنها لا تحظى بقبول واسع لدى الأتراك، بما أفضى إلى تشتت الدولة بين العودة إلى الذات العثمانية الإسلامية وبين الفشل في تطبيق الثقافة الغربية، مع استمرار أوضاع اقتصادية آخذة في التدهور.
إن مشاكل "الهوية" في تركيا لا يمكن النظر إليها على أنها مجرد "مناقشات جدلية" تستهلك الوقت، بقدر ما أصبحت خيارات محورية على أساسها سوف تتحدد ملامح الفترة المقبلة في تركيا.وعلى هذا الأساس فإنه لا ينبغي بحال تناول الانتخابات المقبلة في تركيا بالتحليل، دون التعرض لكل من الظاهرة الإسلامية الآخذة في التنامي، والتوجهات الأوروبية لأنقرة، ثم الهاجس الاقتصادي الذي بدأ يرتفع ضجيجه مطالبا بتنحية الأيديولوجيات جانبا والتشبث بآليات محددة تنقذ الاقتصاد التركي من عثرته الراهنة.
الإسلاميون والانتخابات المقبلة ظاهرة الإسلام السياسي في الحياة السياسية التركية ليست وليدة اللحظة. فقد كان الإسلام والإسلاميون السلاح الأقوى في يد مصطفى كمال أتاتورك في حربه ضد القوى الاستعمارية التي احتلت الأناضول بعد الحرب العالمية الأولى إثر هزيمة الإمبراطورية العثمانية. ثم تحول الإسلاميون إلى الهدف الأول في حرب أتاتورك ضد مناهضيه وأعدائه في الداخل بعد إعلان الجمهورية التركية عام 1923، حيث أعدام المئات من قيادتهم عام 1925 بتهمة التمرد على النظام الجمهوري العلماني الجديد. ثم شهدت الفترة بين عامي 1950-1960 نهوضاً جديدا للتيار الإسلامي عندما كانت أنقرة في حالة تحالف عضوي مع الولايات المتحدة التي لم تجد خيراً من الإسلاميين لمواجهة الخطر الشيوعي الذي كان ممثلاً في الاتحاد السوفييتي وحلفائه الشرقيين. وساهم هذا التساهل مع الإسلاميين في وصول عدد المنظمات والجمعيات الإسلامية إلى الآلاف، الأمر الذي أزعج العسكر وحدا بهم إلى التدخل في مايو1960 لوضع حد نهائي لهذا المسار الذي قالوا أنه سيشكل خطراً على النظام العلماني.
ثم جاء عقد الثمانينيات، وتدخلت واشنطن مرة أخرى وطلبت من أنقرة استخدام الإسلام مرة أخرى كسلاح في "الحرب الجديدة" ضد الشيوعية في أفغانستان والعالم الإسلامي عموماً في إطار الحزام الأخضر الذي اقترحه بريجنسكي على دول المنطقة لمحاصرة الشيوعية ومنعها من النزول إلى المياه الدافئة. وتطوع الإسلاميون الأتراك للمشاركة في هذه الحرب، كما حظي المجاهدون الأفغان باهتمام ودعم الدولة التركية، ولاسيما بعد وصول تورجوت أوزال ذي الميول الإسلامية إلى السلطة عام 1983، ومهدت هذه الظروف للزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان للفوز في انتخابات نهاية 1995 ليصبح أول رئيس وزراء إسلامي يتسلم السلطة ديمقراطياً في بلد مهم كتركيا. الأمر الذي مهد بدوره لانقلاب العسكر مرة ثالثة على الإسلاميين والإطاحة من وراء الستار بأربكان عام 1997 وحزبه "الرفاه" عام 1998، وليدخل الإسلاميون بصفة عامة نفقاً مظلماً نظراً لتغير الظروف الدولية وزوال الخطر الشيوعي، بل وظهور العديد من الأصوات التي تشير إلى الإسلاميين باعتبارهم الخطر الأكبر على الغرب بصفة عامة. وسط هذا الإطار يمكن فهم الظروف التي أدت إلى بروز رجب طيب أردوغان بحزبه الجديد "العدالة والتنمية" المنشق على حزب "السعادة" الإسلامي الذي يتزعمه رجائي قوطان ويديره فعليًا من خلف الكواليس نجم الدين أربكان. حيث قدرت القوى التقليدية أن انشقاق أردوغان بما يتميز به من خصائص كاريزمية سوف يؤدي إلى تصدع جبهة الإسلاميين ويكفي مشقة المواجهة الصريحة معهم. ولم يكن غريبا من ثم أن يحظى "العدالة والتنمية" بدعم وتأييد وسائل الإعلام البارزة المعروفة بأنها لسان حال القوى العلمانية، ولاسيما أن أردوغان تنصل مراراً من هويته الإسلامية وأعلن ولاءه الكامل لمبادئ الدولة العلمانية وللنظام القائم بكل مؤسساته السياسية.
ومع ازدياد شعبية "العدالة والتنمية" الذي تأسس في الرابع عشر من أغسطس عام 2001 بعد دراسة ميدانية دقيقة قامت بها قياداته للوقوف على مطالب الشعب التركي تحديداً وشكل الحزب الذي تتمناه الجماهير وتفجر الصراع والخلاف مرة أخرى ولكن بين القوى العلمانية ذاتها، ولاسيما أن استطلاعات الرأي الأخيرة منحت أردوغان وحزبه النصيب الأوفر من فرص الفوز في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل، حيث أظهرت تلك الاستطلاعات أن "العدالة والتنمية" فسوف يحصد 20 ـ30% من أصوات الناخبين متقدما بفارق كبير عن أقرب منافسيه، الأمر الذي يعني على أرض الواقع أن رجب طيب أردوغان بات قاب قوسين أو أدنى من تولي رئاسة الحكومة التركية المقبلة.
ومن ثم انقسمت القوى العلمانية إزاء كيفية التعامل مع هذا الوافد الجديد إلى اتجاهين، أصر أحدهما على ضرورة مواجهة هذا الحزب باعتباره امتدادًا للحركة الإسلامية التقليدية وهو الذي خرج أصلاً من عباءة نجم الدين أربكان وحزبيه "الرفاة" ثم "الفضيلة"، بينما اعتبر الاتجاه الآخر أنه قد حان الوقت لفتح صفحة جديدة في التعامل مع المعطيات الجديدة خاصة مع اقتراب تركيا من أبواب الاتحاد الأوروبي الذي يطالب أنقرة بالمزيد من الديمقراطية والحد من دور العسكر في الحياة السياسية.
وكان أنصار هذا الاتجاه يرون في "العدالة والتنمية" نوعاً جديداً من الإسلام الذي لفت انتباه واشنطن بل وحتى إسرائيل. خاصة أن الولايات المتحدة تريد لتجربة تركيا الإسلامية الديمقراطية المعتدلة (وبملامح قومية) أن تكون نموذجاً مقبولاً لدى كل الدول الإسلامية (خاصة في الجمهوريات الإسلامية في القوقاز وآسيا الوسطى)، ولاسيما بعد أحداث سبتمبر التي أثبتت خطورة الإسلام الراديكالي ـ على حد وصف المحللين ـ وكان هذا الطرح كافيا بالنسبة لواشنطن وحلفائها في تركيا للدخول في حوار مباشر وغير مباشر مع قيادات "العدالة والتنمية" التي لم تعد ترى في الولايات المتحدة "الشيطان الأكبر"، ولا في إسرائيل "العدو الصهيوني" الذي يشكل خطراً على الإسلام وتركيا.
إن أياً من الاتجاهين السابقين لم يبد أنه كانت له الغلبة، ففي الوقت الذي أصدرت الهيئة العليا للانتخابات قرارا منذ أيام يقضي برفض ترشيح كل من رجب طيب أردوغان ونجم الدين أربكان واثنين آخرين من القيادات الكردية، قوبل هذا القرار برفض عدد من الرموز العلمانية التركية مثل وزير الخارجية السابق "اسماعيل جيم" الذي يتزعم حزب "تركيا الجديدة"، والذي يمثل إحدى القوى الواعدة على الساحة السياسية التركية، حيث يرى جيم أن القرار يهدد سعي تركيا للعضوية في الاتحاد الأوروبي ويجعل الإصلاحات الديمقراطية التي أقرها البرلمان مؤخراً غير ذات قيمة.
وواقع الأمر أن منع أردوغان من الترشيح للبرلمان، قد يكون قرارا متأخرا بعض الشيء بالنسبة لمسعى القوى العلمانية في محاصرة الإسلاميين، بمعنى أن هذا القرار قد لا يؤثر كثيراً على فرص حزب "العدالة والتنمية" في الفوز.. ففي الوقت الذي تعتقد تلك القوى المذكورة أن منع أردوغان من المشاركة في الانتخابات سيدفع الكثير من الناخبين إلى عدم التصويت للحزب باعتبار أن ذلك إشارة من الجيش بعد تسليم السلطة للحزب ذي التوجهات الإسلامية (المبطنة) حتى لو خرج منتصراً من الانتخابات المقبلة، وهو ما سيؤدي إلى توتر جديد في البلاد. وهذا ما لا يقبله المواطن التركي، خصوصا مع استمرار الأزمة المالية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد... ويؤكد محللون أتراك أن القرار المذكور قد يزيد من فرص حزب أردوغان بشكل أكبر، حيث إن الجماهير التركية سترى أن إجراء المنع ينطوي على ظلم للإسلاميين وتدخل في إدارة الناخبين السياسية، فضلاً على أنه لا يزال أمام أردوغان نفسه المعني بالقرار، عدداً من البدائل التي تتيح الكثير من الأدوار مستقبلاً.
فمن ناحية أعلن حزب "العدالة والتنمية" أنه سيخوض الانتخابات مع بقاء أردوغان زعيماً له، على أمل تعديل الدستور مجددا في حال حصول الحزب على الغالبية في البرلمان المقبل كما تتوقع استطلاعات الرأي، وبعدها يمكن لأردوغان أن يخوض انتخابات فرعية يجري افتعالها بتقديم عدد من النواب استقالاتهم . وكما ذكرت مصادر رفيعة في الحزب فإن أردوغان سيتولى منصب وزير في أي حكومة يشكلها الحزب، حيث يسمح القانون بضم وزير إلى الحكومة من خارج البرلمان، كما حدث مع كمال درويش وزير الاقتصاد السابق، على أن يتولى "عبد الله غول" نائب أردوغان وذراعه اليمنى رئاسة الوزارة خلال تلك المرحلة في حال تولى الحزب تشكيل الحكومة المقبلة، وهو أمر ترجحه استطلاعات الرأي.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك بديلاً آخر يفضله أردوغان نفسه وهو التحالف مع حزب آخر بعد الانتخابات، حيث يقول إن حزبه لن يستبعد الائتلاف مع حزب الشعب الجمهوري الذي ترشحه الاستطلاعات للحصول على المركز الثاني بنسبة 17% من أصوات الناخبين، والذي يفاخر بعضوية كمال درويش مهندس برنامج النقد الدولي لمساعدة الاقتصاد التركي.
إن هذا الانقسام الذي يشوب المواقف تجاه حزب العدالة والتنمية وتجاه الإسلاميين بصفة عامة، يرجع إلى عاملين مهمين، أحدهما بعيد المدى يرى في تيارات الإسلام السياسي خطرا على النظام الأتاتوركي كما أشرنا - والآخر يرى ضرورة المهادنة مع تلك التيارات، ولو مرحليا، نظرا لاقتراب قمة الاتحاد الأوروبي المقرر عقدها في كوبنهاغن بالدنمارك في ديسمبر المقبل وينظر خلالها قادة الاتحاد قضية توسيع الاتحاد ومن غير المتصور أن يقدم الجيش أو أي من التيارات العلمانية المناوئة للإسلاميين على أي مغامرة واسعة تؤثر على قرار الاتحاد الأوروبي.
وعلى هذا الأساس دعا رئيس الأركان التركي السابق الفريق أول حسين كيفريك أوغلو إلى إجراء الانتخابات المبكرة في موعدها المقرر في الثالث من نوفمبر المقبل مشيراً إلى أن تأجيل المسار الانتخابي قد يؤدي إلى أزمة وكارثة سياسية خطيرتين. وفي الوقت نفسه كشفت مصادر مقربة من الجيش التركي عن عدم اعتراض القيادات العسكرية على حزب العدالة والتنمية ذي الميول الإسلامية، مع التأكيد على أن الجيش سيتخذ موقف المتفرج وسيراقب سياسات الحزب عن كثب.
إلا أن سياسات كثيرة اتخذتها السلطات التركية مؤخراً، كشفت عن أن التيار المهادن لم تكتب له الغلبة بعد، فمن جانب وضعت رئاسة الشئون الدينية، وهي بمنزلة وزارة الأوقاف شروطا صعبة على بناء المساجد في مختلف أنحاء تركيا، وأوصت البلديات بعدم منح تراخيص للمساجد التي لا تتفق مع المعايير التي أعلنت عنها الرئاسة من حيث الخطط الهندسية والشكل الخارجي ومدى حاجة المكان لمسجد. وجاءت تلك القرارات في إطار توصيات مجلس الأمن القومي عام 1997 للحد من نشاط الإسلاميين في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن جانب آخر يشير المراقبون إلى أن أنقرة لم تكن جادة في تطبيق الإصلاحات السياسية والدستورية التي أقرها البرلمان التركي في نهاية شهر يوليو الماضي استجابة لمطالب العواصم الأوروبية كشرط أساسي لبدء مباحثات العضوية في الاتحاد. فقد كان قرار منع أردوغان وأربكان من خوض الانتخابات مخالفا للإصلاحات الجديدة إلى جانب استمرار منع المظاهرات وكثير من تقارير لجان حقوق الإنسان التركية والأوروبية تؤكد وجود حالات للتعذيب والمعاملة السيئة، فضلا عن أن الإصلاحات المتعلقة بالأقلية الكردية مثل السماح للأكراد بتعلم لغتهم، لم تجد طريقها إلى أرض الواقع بسبب "الشروط الغريبة" ـ بحسب وصف بعض المراسلين ـ التي وضعتها وزارة التعليم مثل ضرورة أن يكون الراغب في تعلم اللغة الكردية قد أنهى مرحلة التعليم الأساسي (الابتدائية والإعدادية) في المدارس الحكومية وألا يحضر إلى المعهد بالزي الكردي الشعبي وأن يكون سجله خالياً من أي تهمة أو حكم قضائي يتعلق بالأنشطة الانفصالية.
انقسام
وبعيداً عن العسكر والسلطات التركية، لا يبدو أن كل القوى السياسية على استعداد لتقبل فوز حزب العدالة والتنمية ببساطة، حيث تشير آخر التقارير الواردة من أنقرة إلى أن الأوساط السياسية تشهد انقساماً بين مؤيدين لإسقاط الحكومة الحالية، وبين محذرين من عاقبة ذلك. وكلاهما يستند إلى العملية العسكرية الأميركية المحتملة على العراق. ففيما عارض الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر ـ مدعوماً من قبل رئيس الأركان الجديد حلمي أوزكوك ـ تأجيل الانتخابات لما في ذلك من إضرار بالغ بمصالح تركيا في مرحلة حاسمة ومهمة، وأيده في ذلك حزبا الحركة القومية، والعدالة والتنمية.. صرح إسماعيل جيم زعيم حزب تركيا الجديدة، الذي يسعى لتشكيل حكومة جديدة مع مسعود يلماظ زعيم حزب الوطن الأم الشريك في الائتلاف الحالي، أن كل الدلائل الدولية تشير إلى قرب وقوع الضربة العسكرية الأميركية ضد العراق، وأن على تركيا أن تكون مستعدة لذلك من خلال تشكيل حكومة جديدة قوية. كما أن تانسو تشيللر زعيمة حزب الطريق القويم المعارض أعلنت سابقا عن رغبتها في تولي منصب رئاسة الوزراء في حال وقوع الضربة .وبوجه عام فإن هناك تيارًا يلقى تأييداً ملحوظاً داخل الأوساط السياسية التركية، يعتقد أنصاره أن حكومة يشكلها يلماظ مع تشيللر جيم ستكون الأمثل في التعامل مع واشنطن والاتحاد الأوروبي وبشأن قضايا العراق وقبرص التي يفترض حسمها قبل نهاية العام الحالي.
إن عدداً كبيراً من المراقبين يرون أن السيناريو الأقرب للقبول لدى الرأي العام التركي، هو تأجيل الانتخابات إذا ما وجهت الولايات المتحدة ضربة عسكرية للعراق، ولاسيما أن جميع التوقعات تشير إلى تزايد احتمالات هذه الضربة في نوفمبر المقبل بعد أن أعلن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لائحة اتهامات لندن وواشنطن للعراق أمام البرلمان البريطاني وبعد الاستعدادات المكثفة التي تجريها الإدارة الأميركية سياسياً لاستصدار تفويض من الكونجرس بالتحرك المنفرد ضد العراق إذا ما دعت الحاجة لذلك، وعسكريًا بتجهيز القواعد العسكرية الأميركية في عدد من دول العالم .
وبموجب هذا السيناريو فإنه في حالة شروع الولايات المتحدة، قبل 3 نوفمبر (موعد الانتخابات التركية) أو في أثنائه أو بعده بقليل، في شن العملية العسكرية ضد العراق، فإن الانتخابات ستتأجل لمدة عام كامل على الأمل بسبب حالة الحرب. كما أن هناك من يرى تحقق هذا السيناريو حتى في حالة عدم البدء الفعلي للعملية العسكرية الأميركية، لأن "حالة الحرب" هذه ستتضح تماما قبل بدء العملية، مما يؤدي إلى اتخاذ القرار بتأجيل الانتخابات، وهو ما تنذر به المؤشرات والمعطيات الجارية. أما أسلوب التنفيذ فيأتي من خلال انسحاب مسعود يلماظ وحزبه من الائتلاف الحاكم الذي سرعان ما سيسقط من تلقاء نفسه نظرا لأن الانشقاقات التي واجهها مؤخراً رئيس الوزراء بولند أجاويد داخل حزبه "اليسار الديمقراطي" بسبب اعتلال صحته، تركت الحزب الرئيسي وقد فقد أكثر من نصف عدد نوابه في البرلمان. ثم يسعى يلماظ ورفاقه تشيللر وجيم على إصدار قرار من البرلمان لإلغاء الانتخابات المبكرة، وهم يملكون بالفعل الأغلبية العددية في البرلمان لذلك، فضلاً عن الدعم الذي ستقدمه الأحزاب الأخرى، ومن بينها حزب السعادة الإسلامي لهذا نظراً لتراجع شعبيتها من ناحية، وانتظاراً لانتهاء فترة الحظر السياسي على نجم الدين أربكان في حالة حزب السعادة من الجهة الأخرى. كما أن الأحزاب التركية بوجه عام تراهن على أن موقفها الموحد الداعم للولايات المتحدة أثناء عملية ضرب العراق سيؤدي إلى حصول تركيا على مزيد من الدعم المالي والاقتصادي بما يمكنها من تجاوز أزمتها الاقتصادية الحالية ودخول الانتخابات البرلمانية لاحقا في وضع أفضل بعد أن تكون قد قطعت الطريق أمام حزب العدالة والتنمية لفترة من الزمن تسمح باستعادتها لعافيتها وتنظيم صفوفها بما يؤهلها لتجاوز نسبة العشرة بالمئة المحددة لدخول البرلمان. إن كل تلك المؤشرات تنذر بأن الفترة المقبلة قد تكون مفصلية وحاسمة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، حيث إن المعادلة السياسية في تركيا لا تعتمد دائما على مجرد التأييد الشعبي بمفرده، فضلاً عن أن ذلك التأييد نفسه كثير التقلب تبعا لمتغيرات أخرى أهمها العامل الاقتصادي. وفي ظل الوضع الراهن الذي يواجهه حزب أردوغان يمكن القول إنه سوف يعاني من ثلاثة مصادر للضغوط في حال إذا ما أجريت العملية الانتخابية في موعدها: الأول: من داخل الحركة الإسلامية التي ينتمي إليها، حيث يشكل خوض حزب السعادة الانتخابات أحد هذه الضغوط في ظل المنافسة على نفس شرائح الناخبين، وفي ظل سعي "العدالة والتنمية" إلى الاحتفاظ بمسافة كبيرة بينه وبين "السعادة" والحركة الإسلامية بوجه عام. وهذا ما أكده أردوغان بقوله إن حزبه يحاول أن يكون نموذجا من حزب "الوطن الأم" الذي أسسه تورجوت أوزال عام 1983 وحكم به تركيا مرتين منفردًا دون ائتلاف، وكان يضم كثيرًا من الانتماءات. ولعل ذلك يفسر قبول أردوغان لأعضاء جدد في حزبه لديهم انتماءات أخرى غير إسلامية ودينية، بل وقيامه بإجراء اتصالات ببعض الجنرالات السابقين وإرسال ابنه الأكبر للدراسة بالولايات المتحدة. وهذه الإجراءات وإن كانت تضيف رصيداً جديداً لأردوغان على الصعيد السياسي فإنها ليست كذلك على الصعيد الشعبي أو الجماهيري، حيث لم يخف كثير من الناخبين رغبتهم في منح أصواتهم لحزب إسلامي آخر يكون أكثر راديكالية من حزب أردوغان.
المصدر الثاني من الضغوط التي يواجهها حزب "العدالة والتنمية" فهي الأحزاب العلمانية المتنافسة معه، وخاصة حزب "تركيا الجديدة" الذي يعبر تماماً مثل حزب العدالة والتنمية عن صراع الأجيال الجديدة داخل الحياة السياسية التركية، وبالتالي فإن جزءاً من الحملة الانتخابية لهذه الأحزاب سوف ينصب على إبعاد قطاعات الناخبين الشباب عن رجب أردوغان وحزبه، مما يعني أن هذا الأخير سوف يصبح عرضة لسهام تلك الأحزاب التي لا تجد مشكلة تذكر في إعلان هويتها العلمانية سواء داخلياً أو أوروبياً أو حتى دولياً.
أما المصدر الثالث من مصادر الضغط فهو المؤسسة العسكرية التي لا يمكن لأردوغان أو أي من رموز الإسلاميين الوثوق بوعودها وتطميناتها المتكررة في ضوء ما تعرضنا له من التقاطع التام بين الاتجاهات التي تؤمن بها وبين طروحات الإسلاميين بوجه عام، ولاسيما أن الخبرة التاريخية في هذا الصدد ليست في صالح أردوغان ورفاقه. ورغم كل تلك الضغوط فإن أيا من المراقبين لا يستطيع التكهن بتوجهات الناخبين التي تأتي في كثير من الأحيان في صورة تصويت عقابي يرفض كل القوى التقليدية الموجودة على الساحة باعتبارها مسئولة بشكل مباشر وغير مباشر عما آلت إليه أحوال وظروف البلاد، على النسق الذي جرى في الانتخابات الرئاسية الفرنسية منذ أشهر قليلة، وعلى النسق الذي تخشى منه أغلب الأحزاب العتيدة على الساحة التركية.
أوروبا
منذ طلبت تركيا عام 1963 الانضمام إلى منظومة الاتحاد الأوروبي وحتى وقت قريب، لم تتمكن أنقرة تماما من إقناع دول الاتحاد بأنها أهل للعضوية، على الرغم من إبرام الطرفين اتفاقا جمركيا عام 1995، وقد كان القرار التركي بقطع المحادثات والاتصالات السياسية مع الاتحاد الأوروبي في أواخر عام 1998 تعبيرا واضحا عن الشعور بالإحباط من القرار الأوروبي بعدم النظر في الطلب التركي، إلا إذا توافرت شروط كثيرة من نوعية تحسين سجل أنقرة فيما يتعلق بحقوق الإنسان ووقف أسلوب الحسم العسكري المتواصل الذي تتبناه إزاء الأكراد. كما أن المواقف العدائية بين اليونان وتركيا حالت دون قبول أنقرة في ظل عضوية أثينا في الاتحاد الأوروبي، حتى تتم تسوية دوافع العداء بين الطرفين، التي تتقاطع أيضا على محور قبرص. وفي هذا المجال كانت أنقرة تعتقد أنه إذا تم السماح للقطاع اليوناني من الجزيرة بالدخول في عضوية الاتحاد الأوروبي، فإنها قد تنظر في فرض الحكم المباشر على القطاع الشمالي منها، الوضع الذي يلقي بظلال قاتمة على الجهود المتواصلة التي تبذل بحثاً عن تسوية نهائية بين شطري الجزيرة، وكان يضاعف في جوهره من عمق التحديات أمام أنقرة، بعد ترشيح قبرص للانضمام إلى الاتحاد.
وبالنسبة لأوروبا، فإن تركيا تعتبر دولة مركزية فيما يتعلق بالاستراتيجية الأمنية الأوروبية، ظهرت أهميتها خلال الحرب الباردة. وبعد انتهاء الحرب الباردة وانتهاء عصر التكتلات، أشارت بعض الدراسات إلى تراجع أهمية أنقرة في الأجندة الغربية، إلا أن عملية التفسخ التي أصابت الاتحاد السوفييتي وتداعياتها الأمنية أوجدت أهمية جديدة لتركيا. كما أن مكانتها لدى الاتحاد الأوروبي والغرب بصفة عامة تعززت أكثر وأكثر في أعقاب بعض القضايا الأمنية في آسيا الوسطى والبلقان، لذلك تشكل المصالح الأمنية العنصر الحاكم لخيار تركيا الأوروبي، حيث التحقت بنهاية الحرب العالمية الثانية بالهياكل الأمنية الغربية وأصبحت عنصراً فاعلاً في غالبية خططها الاستراتيجية، وبالإضافة إلى ذلك تمثل تركيا البوابة الشرقية لأوروبا التي تتحكم في تدفق المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين من أقطار عديدة تقع إلى جهة الشرق من القارة العجوز، وبالتالي فإن إبقاء العلاقات الحسنة بين أنقرة وأوروبا يعتبر أمرا لا مفر منه بالنسبة للأخيرة.
ومنذ ثلاثة أعوام اتخذت قمة هلسنكي التي ضمت زعماء الاتحاد الأوروبي قرارا يعد تاريخيا بكل المقاييس لتركيا عندما قام الاتحاد بترشيح أنقرة للانضمام إليه وإن لم يعلن القبول نهائيا، ولكنه يفتح الطريق عمليا أمام إدراجها إذا توافرت الشروط التي يطالب بها الاتحاد، ويضع في الوقت نفسه ضوءا في نهاية النفق الأوروبي الذي دخلته تركيا باختيارها قبل عدة عقود. ومنذ ذلك الحين والقوى السياسية التركية المؤيدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، تدفع في اتجاه إقرار الإصلاحات المطلوبة سياسياً واقتصادياً، حتى تحقق جانبا من تلك الإصلاحات في نهاية العام الماضي استهدفت إطلاق وضمان كل الحريات الديمقراطية والسياسية التي كانت دائما سبباً في بقاء تركيا خارج البيت الأوروبي، ثم أتمت أنقرة الجانب المتبقي من خلال الإصلاحات الأخيرة المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام في زمن السلم ومنح الأكراد مزيداً من الحقوق ويتواكب مع ذلك برنامج اقتصادي طموح ونشط يهدف إلى تقليص الفجوة الكبيرة بين تركيا وبين أفقر دول الاتحاد الأوروبي وهي البرتغال.
غير أن هذه الإصلاحات كثيرًا ما عبر الاتحاد الأوروبي عن أنها تبقى بالنسبة له مجرد "حبر على ورق" ما لم تقترن بالتنفيذ العملي لها. ومن هذا المنظور يعتبر كثير من المحللين أن الانتخابات التركية المقبلة، مناسبة ديمقراطية تاريخية لتطوير التوجه "الكمالي" للدولة، قد تصل إلى حد التزام الطريق الأوروبي من بدايته حتى النهاية، أو إعادة النظر في تجربة أدت بعد سبعة عقود من فرضها، إلى حالة من الفصام القومي والاجتماعي، استوجبت تدخل المؤسسة العسكرية أكثر من مرة في تاريخ تركيا الحديث لترجيح التيار العلماني على التيار الإسلامي.
إن حالة الانقسام التي أشرنا إلى أنها تشوب مواقف القوى العلمانية على الساحة التركية إزاء الإسلاميين، يستطيع المراقب أن يجد لها "نظيراً"، أو بعبارة أدق "مثيلاً" إزاء التوجه الأوروبي. فعلى الرغم من أن الأحزاب الإسلامية، وأولها حزب "العدالة والتنمية" "شديد الاعتدال"، تخلت عن رفضها التقليدي للانضمام إلى الجماعة الأوروبية، ولم تعد ترى في ذلك خطرًا ذا بال يهدد الهوية الإسلامية لتركيا، بل على العكس من ذلك يقول أردوغان "نحن نريد الانضمام للاتحاد (الأوروبي) ومصرون عليه، وهذا ما يؤكده حزبنا في برنامجه وتوجهاته" مبرراً ذلك بأن القيم الأوروبية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير سوف تصب أول ما تصب في مصلحة الإسلاميين دون سواهم. على الرغم من ذلك فإن الأحزاب القومية المتشددة مثل حزب "العمل القومي" اليميني المتطرف الذي يتزعمه دولت بهجلي ويعتبر الآن الشريك الأكبر في الائتلاف الحاكم، وصاحب أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، لا تخفي معارضتها الشديدة للانضمام إلى المنظومة الأوروبية.
كما أن القوى التقليدية لا تستطيع احتمال الحقائق المرتبطة بهذا الانضمام، إذ سيتحتم على بلادهم أن تحد من سيادتها التي تحرص على حمايتها، من خلال سماحها لمحاكم أوروبية لحقوق الإنسان أن تأمر بإعادة المحاكمات في المحاكم التركية ومنذ فترة قليلة لا تزيد عن بضعة أسابيع كان عشرات من الطلاب يجري اعتقالهم في جميع أنحاء تركيا لمطالبتهم بتدريس مناهج اللغة الكردية، لكن شيئا من ذلك لم يتسن للسلطات في أنقرة أن تتخذه لاحقا إذا قدر لها الانضمام إلى الترتيبات الأوروبية.
وبناء على ما تقدم فإن رحلة البحث عن الهوية التركية التي سوف تتقرر في الانتخابات المقبلة لا تدع مجالاً للفصل بين تلك الانتخابات والإسلاميين من جهة، ولا بين الانتخابات والتوجه الأوروبي من جهة أخرى، ولا حتى بين الظاهرتين الإسلامية والأوروبية من جهة ثالثة. غير أن التحليل يبقى ناقصا إذا أغفل المتغير الاقتصادي المهم الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بكل ما سبق.
وبوجه عام فإن الجدل داخل الاتحاد الأوروبي لم يحسم بعد حول خطر انضمام تركيا إلى الاتحاد، دولة لم تُحسم هويتها القومية بعد، وهي ليست علمانية وليست إسلامية بالطبع، وفي المسافة بين الاثنين هناك خلافات داخلية حزبية، ربما تؤثر في المستقبل على توسع الاتحاد، والأهم من ذلك التساؤل الذي يتردد في بروكسل مقر الاتحاد الأوروبي وهو: هل يمكن ضم تركيا وهي الدولة التي لها حدود مشتركة مع سوريا والعراق وإيران، بحيث يصبح للاتحاد الأوروبي حدود مشتركة مع الدول الثلاث بكل أزماتها ومخاطرها على الأمن الأوروبي في هذه المرحلة وفي المستقبل المنظور؟.
اقتصاد استناداً إلى استطلاعات الرأي والأوساط السياسية، يمكن القول إن الناخب التركي لم يعد يولي الأيديولوجيا أي أهمية في خياراته، بمعنى آخر لم تعد قضية الهوية تعنيه كثيراً، ولم يعد يبذل كثيرا من الجهد في الاختيار بين هذا الحزب أو ذاك. حيث تبين الدراسات الميدانية أن 84% من الناخبين الأتراك لن يصوتوا للأحزاب التي صوتوا لها في انتخابات 1999، وأن 53% أيضا لم يقروا بعد لأي حزب سيصوتون. وهو الأمر الذي دفع الأحزاب السياسية للبحث عن وسائل غير أيديولوجية تساعدها لكسب هذه الأصوات العائمة. ومن هنا فإن كل المعطيات ترشح الساحة السياسية التركية لسلسلة من التطورات المثيرة التي مازال الوقت مبكرا للتنبؤ بها أو التعليق عليها، طالما لم تعد الأحزاب تتحدث في الأيديولوجيا، ولم يعد الناخب كذلك يبالي بها بقدر ما هو يبالي بسعر صرف الدولار مقابل عملته المحلية.
ويبدو أن الحالة الصعبة التي يمر بها الاقتصاد التركي والتي تتمثل في أسوأ حالات الركود التي شهدتها تركيا منذ الحرب العالمية الثانية وأدت في عام 2001 إلى فقدان الليرة التركية لأكثر من نصف قيمتها وتدخل الصندوق الدولي بضمان وزير الاقتصاد التركي "كمال درويش" الذي كان يشغل منصب نائب رئيس صندوق النقد الدولي، تدخل الصندوق لتمويل برنامج إصلاح بضمانات قروض تصل إلى 30 مليار دولار، فضلاً عن ارتفاع نسبة التضخم إلى 35% في مقابل 2% فقط في دول الاتحاد الأوروبي والفارق بين الرقمين هائل يحتاج إلى سنوات من العمل المنضبط لتقليصه.
وزاد الأمور تعقيداً الانشقاقات الحزبية والخلافات الداخلية التي شهدتها الساحة التركية، ولاسيما بعد استقالة كمال درويش من الحكومة التركية مرتين آخرهما منذ أسابيع قليلة، ثم عزمه خوض الانتخابات تحت راية حزب الشعب الجمهوري ليتعرض بذلك لغضب باقي الأحزاب والرموز السياسية التي أعربت عن رفضها لنهج درويش مؤكدة أنه قليل الخبرة في المجال السياسي بما يجعل خبراته الاقتصادية والمالية غير ذات جدوى. ولما كان درويش هو المهندس الحقيقي لعملية قروض صندوق النقد الدولي بما يتمتع به من مصداقية واحترام لدى المؤسسات النقدية الدولية، فإن وجود درويش في أي حكومة تركية مقبلة أمر ضروري لاستكمال الإصلاح الاقتصادي ومن ثم الشروط الأوروبية في المجال الاقتصادي. وهذا الأمر تحوم حوله الكثير من الشكوك في ضوء استطلاعات الرأي الأخيرة.

طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:45 PM
التحالف التركي الاسرائيلي لابد من التوغل في العمق التاريخي للعلاقة اليهودية ـ الاسرائيلية بتركيا قبل تحديد اثارها الحالية ونتائجها على المستقبل , ففي تركيا العثمانية انشأ اليهود مجتمعا تكون من ثلاث مجموعات:
* الاولى: اليهود الذين عاشوا في الدولة البيزنطية ثم خضعوا للدولة العثمانية بعد سقوطها. * الثانية: المهاجرون من النمسا والمجر وروسيا والمانيا وبولندا. * الثالثة:: شملت اليهود المهاجرين من اسبانيا, والبرتغال, وايطاليا. وتوضح دراسة اكاديمية للباحثة هدى محمود درويش لنيل شهادة الدكتوراة من جامعة الزقازيق المصرية وبعنوان (علاقة تركيا باليهود واسرائيل واثرها على البلاد العربية بين عامي 1948 ـ 1999) ان اليهود عاشوا في امن واستقرار في ظل الدولة العثمانية وطوروا علاقاتهم التجارية الخاصة, وكان من كبار التجار الذين نافسوا اليهود في اسطنبول الصدر الاعظم والوزراء في فخامة مكانتهم حتى ظهرت بعض الحركات اليهودية التي اطلق عليها اسم (حركات تحرير) تدعو اليهود الى الهجرة للارض (الموعودة) فلسطين في القرن السابع عشر الامر الذي تسبب في توتر العلاقات اليهودية العثمانية. عبرت مرحلة العد العكسي للنفوذ اليهودي وعبر السلطان مراد الثالث (1574 ـ 1595) عن وضع اليهود في تلك المرحلة بقوله: (ما الذي يحصل لو قطعت رؤوس هؤلاء) لكن ما لبث هذا الشعور بالقوة أن زال في عهد السلطان مراد الرابع (1623 1640) حيث بدأت الدولة العثمانية تسير نحو الانهيار مع دخولها في حروب مع البنادقة وروسيا وعجزها عن دخول فيينا.
الساباتائيون
وتشير الباحثة الى أن اليهود منذ عام 1648 سيطرت عليهم فكرة الخلاص والتجمع تحت قيادة واحدة والتحرر من سلطة الغير خاصة مع تصاعد موجات العداء ضدهم في روسيا وبولندا وأوكرانيا وآمن حاخامات اليهود بفكرة المسيح المنتظر الذي يخلصهم من معاناتهم والتفوا حول يهودي يدعي (ساباتايزفي) (1626:1675) الذي أعلن نبوته في بيان ليهود العالم في عام 1648. وعرفت حركته باسم الساباتائية. وأعلن السباتائيون اسلامهم في الظاهر مع اعتقادهم لليهودية في الباطن حتى ينعموا بحرية الحركة وأقاموا علاقات قوية مع زعماء الطرق الصوفية في تركيا وفي بلاد الدولة العثمانية خاصة البكتاشية والملامتية والمولوية واتخذوا من بعض المؤسسات مركزا لهم مثل جمعية الاتحاد والترقي والمحافل الماسونية وكان لليهود تأثير سياسي كبير على هذه المؤسسات, وظل الكتاب العثمانيون يهتمون بالساباتائية حتى بعد ثلاثة قرون من تأسيسها. وتوضح الدراسة أن ساباتاي زار مصر وهو في طريقه الى فلسطين في عام 1663 واستضافه اليهودي يوسف جلبي الذي كان رئيسا لصيارفة القاهرة وقدم له المساعدات والدعم ثم زار القدس والتقى برجل يدعى ابراهام ناثان الذي أعلن أنه تلقى رؤية مضمونها أن ساباتاي هو مسيح اسرائيل وأنه المسيح المنتظر وله اثنى عشر حواريا يمثلون أسباط اسرائيل, وفي يونيو 1665 طاف ساباتاي على حصانه حول مدينة القدس سبع مرات. ومنذ ذلك الوقت امتنع اليهود عن الدعاء للسلطان العثماني وتوجهوا بالدعاء الى ملكهم الجديد ساباتاي وجاءت وفود اليهود من أزمير ورودس وأدرنه وثوفيا واليونان وألمانيا تبايع زفي وتقلده تاج مصر الملوك الذي سيحكم العالم من فلسطين, فألقى القبض عليه بتهمة التمرد على الدولة العثمانية ومحاولة اقامة دولة يهودية على حساب الدولة العثمانية. لكنه أعلن اسلامه لينجو بنفسه من العقوبة التي كانت تنتظره وأدرك أتباعه ذلك فأعلنوا اسلامهم وغيروا اسماءهم الى أسماء اسلامية ولبسوا الجبب والعمائم, وأطلق عليهم الدونمة وهو مصطلح يعني المسلم ظاهرا, اليهودي باطنا, وكان اعتناق يهود الدونمة للاسلام وسيلة لتحقيق أهدافهم التوراتية وتسهيلا لمهمة التغلغل في السلطة والتوسع في العلاقات التجارية مع التجار الأوروبيين والشركات الأجنبية التي يملكها الرأسماليون اليهود في النمسا والمانيا. وتؤكد الباحثة أن السلطات العثمانية ما لبثت أن ألقت القبض على ساباتاي وبعض أتباعه داخل المعبد اليهودي وهو يرتدي زيا يهوديا وكانوا محاطين بالنساء يشربون الخمر وينشدون الأناشيد الدينية ويقرأون المزامير, واتهم ساباتاي أنه يدعو المسلمين الى ترك دينهم وخيانة الاسلام فحكم عليه بالاعدام إلا أن شيخ الاسلام اعترض على اعدامه حتى لايزعم مريدوه عروجه الى السماء كعيسى عليه السلام فتم نفيه الى البانيا وتوفي في عام 1675. بعد وفاة ساباتاي خلفه أخو زوجته اليونانية يوهيفيد الذي انتقل مع أنصاره من الدونمة الى سالونيك وحث أتباعه على اظهار الاسلام ومراعاة تقاليد الأتراك وأعاد تنظيم عقيدة ساباتاي ,بعدها انقسمت الساباتائية الى جماعات عديدة منهم القراقاشيون والقابانجيون أو البابو واليعقوبيون. يهود الدونمة كان ليهود الدونمة دورهم البارز في الاقتصاد التركي من خلال النقود الأسبانية والنمساوية التي جلبها اليهود بتجارتهم الى تركيا. وكان الأتراك يفضلون هذه العملات على غيرها وتستخدم في شراء سلع باهظة الثمن, وكانت الشركات اليهودية الأوروبية والأمريكية ترسل لليهود معونات مالية أحدثت انتعاشا في الحركة الاقتصادية في تركيا وعلى المستوى السياسي لم يكن الدونمة يشعرون بالانتماء للوطن والأمة لكن حياتهم السرية انتهت منذ القرن السادس عشر ومع اعلان الجمهورية التركية بدأوا يتزاوجون مع غيرهم لكن ظلت عائلات الدونمة موجودة حتى عام 1960 وهاجر بعضهم الى فلسطين في عام 1948 بعد اعلان قيام اسرائيل, وقد لعب الدونمة دورا بارزا في القضاء على الدولة العثمانية. وتحالفوا مع الصهيونية والاستعمار وكانوا الاداة المنفذة لأكبر حركتين شهدتهما تركيا: الحركة الصهيونية التي كانت تهدف لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين, وحركة الاتحاد والترقي التي أسقطت الخلافة الاسلامية وأعلنت الجمهورية التركية بزعامة مصطفى كمال أتاتورك. وحول دور يهود الدونمة في التخطيط لانهاء الخلافة يشار الى أن جهودهم تركزت في ثلاثة عوامل: الأول: إثارة الأقليات غير المسلمة مثل إثارة الأرمن ضد السلطان عبدالحميد لاقامة دولة أرمينية داخل الأناضول بالاضافة الى استغلال الطوائف المسيحية للتمرد على الدولة. الثاني: تمجيد الحضارة الغربية وتشجيع تغريب تركيا وابعادها عن المظاهر الاسلامية. الثالث: سياسة التتريك وبعث القوميات التي أماتها الاسلام وإحياء النعرات الطائفية لتمزيق أوصال الدولة العثمانية. وتشير الدراسة الى بعض الشخصيات المهمة التي لعبت دور ا بارزا في الدولة العثمانية من يهود الدونمة مثل قره صو عضو اللجنة التي خلعت السلطان عبدالحميد وهو الذي باع ليبيا لإيطاليا نظير رشوة. ومحمد جاويد الذي شغل منصب وزير المالية في عهد الاتحاد والترقى أكثر من ثلاث مرات حتى عام 1918 ونزهت فائق الذي شغل منصب وزير المالية ومصطفى عارف أحد وزراء داخلية الاتحاد والترقي ومدحت باشا الذي كان واليا على بغداد ونجح في الاطاحة بالسلطان عبدالعزيز بالاتفاق مع انجلترا وفرنسا والمانيا وتولى منصب الصدر الأعظم في عهد السلطان عبدالحميد. الفكر الاسلامي اثر يهود الدونمة على الفكر التركي المسلم من خلال تلقين الشباب المبادئ الفكرية الغربية وإبعادهم عن الاسلام وتمجيد الحضارة الغربية والدعوة الى سفور المرأة ونظمت مسابقات ملكات الجمال بدعم من الصحف التي يمتلكها اليهود. وانشاء المدارس لبث أفكارهم في الشباب والدعوة الى الاختلاط بين الطلبة والطالبات في الجامعة. وتشير الباحثة الى أن بعض المصادر تؤكد أن كمال أتاتورك نفسه من يهود الدونمة وان كانت مصادر أخرى ترى أن ذلك مجرد ادعاء زعمته الموسوعة اليهودية وعلى أية حال كان اليهود والماسونيون هم الذين يوجهون أتاتورك وهو الذي فتح أبواب تركيا لهم واستعان بهم في المجالات المختلفة. وتوضح الباحثة أن الدونمة نجحوا في السيطرة على الاعلام التركي وامتلكوا المؤسسات الصحفية الكبيرة, ولهم تأثير على هيئة الاذاعة والتلفزيون ومن أشهر عائلات الدونمة التي سيطرت على الاعلام التركي عائلة قبانجي عائلة كبار وعائلة ايبكجي ومن أهم الصحف التي أمتلكها الدونمة جريدة (حريت) و(صباح الخير) و(ترجمان) و(ميليت) و(جمهوريت) وهي صحيفة يومية كبيرة. ونجحت أجهزة اعلام الدونمة في ايجاد رأي عام تركي مؤيد لاسرائيل وغير متعاطف مع العرب والعمل على خدمة اليهودية العالمية من خلال عرض أفلام تندد بمعاداة اليهود بل ان يهود الدونمة كان لهم الدور الأكبر في تقوية العلاقات التركية الاسرائيلية. وتتطرق الباحثة الى معاملة السلاطين العثمانيين لليهود المهاجرين الى الدولة العثمانية فتؤكد أن السلاطين العثمانيين عاملوا اليهود معاملة كريمة ومنحوهم كل الحقوق مثل غيرهم من مواطني الدولة ووصلوا الى مراكز مرموقة وتمتعوا بالاستقلال الذاتي والاداري والطائفي وكان الحاخام الأكبر هو ممثل اليهود أمام الحكومة وتمتعت مدارسهم بالاستقلال وكانت قضاياهم تنظر أمام المحاكم حسب الشريعة اليهودية. وفي ظل خضوع فلسطين للحكم العثماني سمح العثمانيون لليهود في أوائل القرن السادس عشر بالهجرة الى فلسطين واستوطنوا القدس وطبريا وصفد والخليل وفي القرن الثامن عشر هاجر اليهود اليها مرة أخرى واستقروا في صفد وطبريا تحت حكم ضاهر العمر الذي وفر لهم الحماية والأمن, وخلال الحكم العثماني لم تتخذ أية اجراءات ضد اليهود وضد حقوقهم الدينية وحكمهم الذاتي, وقد شهد المؤرخون الغربيون واليهود أنفسهم على التسامح الذي لاقاه اليهود في العالم الاسلامي خاصة في ظل الدولة العثمانية. وقد سمح أورخان بن عثمان ثاني حكام العثمانيين لليهود باقامة حارة ومعبد خاص بهم في مدينة بورصة واعطاهم امتيازات خاصة وأذن لهم ببناء صومعة ظلت تمارس نشاطها حتى القرن العشرين. وفي عهد مراد الأول أصبحت أنقرة هي العاصمة بدلا من بورصة وكانت تعيش فيها طائفة يهودية كبيرة, وفي عهد مراد الثاني أصبح من حق اليهود تملك الأراضي ولقب اليهود مراد الثاني بالرجل الانساني الكبير. وحينما فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية رحب به اليهود وزادت الامتيازات الممنوحة لليهود في عهده وسمح لهم بالهجرة من اسكوب وسالونيك وخاص كوي وأسكنهم حيا خاصا في اسطنبول وسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة. وهكذا لقى اليهود معاملة طيبة من جميع السلاطين العثمانيين ورغم هذه المعاملة تؤكد المصادر أن اليهود كانوا وراء مقتل السلطان الفاتح بالسم. وتخلص الباحثة الى أنه رغم تسامح العثمانيين فإن اليهود لم يندمجوا في المجتمعات التي عاشوا فيها وإنما تكتلوا في أحياء خاصة بهم وذلك نتيجة لرواسب قديمة عايشوها في ظل الاضطهاد الذي عانوا منه في أوروبا فكانوا يعيشون حياة انعزالية مغلقة في أحياء عرفت بالجيتو لأنهم يكرهون الشعوب التي يعيشون معها. وانطبق ذلك على العثمانيين رغم تسامحهم مع اليهود مشيرا الى أن من الأخطاء التي وقع فيها سلاطين الدولة العثمانية أنهم لم يتعرفوا على الشخصية اليهودية التي كانت تسعى الى القضاء على الدولة رغم الامتيازات الكثيرة التي حصل عليها اليهود.
جماعات اليهود وتقسم الباحثة الوجود اليهودي في الدولة العثمانية الى قسمين: الأول: يتمثل في الجماعات اليهودية التي كانت تنتمي الى الامبراطورية البيزنطية وكانت تعيش في الأراضي العثمانية قبل قيام الامبراطورية العثمانية في مناطق صاروخان والقرم وغايبولي وسالونيك والقسطنطينية. القسم الثاني: اليهود الذين هاجروا من العالم العربي من بولندا والنمسا والمانيا وايطاليا وأسبانيا هربا من الاضطهاد. وتشير الاحصاءات الى أن الدولة العثمانية فتحت أبوابها لآلاف الأسر المتعددة الأديان والثقافات والقوميات ففي عام 1478 كان يعيش في اسطنبول 9517 أسرة مسلمة مقابل 5162 أسرة مسيحية و1647 أسرة يهودية وكان اليهود يمثلون 08.10% من عدد السكان الأصلي. وحول التواجد اليهودي في فلسطين تشير الدراسة الى أن أول عهد اليهود بفلسطين كان على يد يوشع بن نون الذي خلف هارون وموسى عليهما السلام في قيادة بني اسرائيل حيث استولى على أريحا وظل اليهود في فلسطين منذ عام 1025 قبل الميلاد وحتى عام 586 قبل الميلاد. وفي عام 63 قبل الميلاد استولت الدولة الرومانية على القدس, وأقام هيردوس هيكلا لليهود على نسق هيكل سليمان في عام 20 قبل الميلاد وظل قائما حتى دمر على يد (تيطس) الروماني عام 70م الذي دمر مدينة أورشليم تماما وأزال (ادريانوس) معالم الهيكل تماما عام 135م وتخلص من اليهود وصدر قرار بمنع اليهود من السكن في القدس وفي عام 638 جلب جوليان جالية يهودية الى القدس وأعاد بناء الهيكل لكنه لم يتمه بسبب وفاته ثم فتح المسلمون فلسطين وتسلم عمر بن الخطاب القدس وكتب أمانا لأهلها في عام 638م. وسمح لليهود بالعودة الى بيت المقدس لممارسة شعائرهم الدينية ومنحهم قطعة أرض على جبل الزيتون لاقامة صلواتهم فيها. وفي عام 1099م وقعت فلسطين تحت حكم الصليبيين وكانوا يضطهدون اليهود كما كانوا يضطهدون المسلمين وأحرقوا الكنيسة التي كان يتجمع فيها اليهود. وذبح الصليبيون 120 ألفا ولم يبق من اليهود سوى ثمانية أشخاص. وبعد دخول صلاح الدين الأيوبي فلسطين سمح لليهود بالعودة اليها. وتوضح الدراسة أن اليهود الذين كانوا متواجدين في فلسطين من اليهود القدامى يطلق عليهم المستعربين أما يهود أسبانيا فيطلق عليهم السفارديم أما يهود المانيا وشرق أوروبا فيطلق عليهم الاشكنازيم ومنذ فتح السلطان سليم الأول لفلسطين في عام 1516 وحتى عام 1918م حظي اليهود بمعاملة طيبة. وفي عام 1535 سمح السلطان سليمان القانوني لحوالي خمسة آلاف يهودي بالاقامة بالقرب من بحيرة طبريا. وفي عام 1567 و1568 قامت مظاهرات ضد اليهود مما أدى الى هروبهم الى بيروت ودمشق ومصر خوفا من هجمات الفلسطينيين مشيرا الى أن علاقات اليهود بالدولة العثمانية شهدت توترا مع ظهور حركات يهودية تدعو الى الهجرة الى فلسطين. بونابرت واليهود والمحافل الماسونية وحول موقف الدول الأوروبية من الحركات اليهودية التي تدعو لاقامة وطن لليهود في فلسطين تشير الدراسة الى أن نابليون أثناء حملته على مصر دعا اليهود الى احتلال فلسطين بالقوة ووصفهم بأنهم ورثة فلسطين الشرعيين وظلت الدعاية اليهودية تشير الى دعوة نابليون على أنها اعتراف أوروبي بحقوق اليهود في فلسطين ومنذ ذلك الوقت بدأ التعاون بين الحكومات الأوروبية واليهود على حساب العرب. ثم دعا ايرنست لاهرران السكرتير الخاص لنابليون الثالث الى اعادة بناء الدولة اليهودية وشجع اليهود على الهجرة الى فلسطين وفي عام 1862 طالبت فرنسا باقامة مستوطنات يهودية تمتد من السويس الى القدس ومن الأردن الى البحر المتوسط مع احتلال شبه جزيرة سيناء أما بريطانيا فقد سعت الى توطين اليهود في فلسطين من أجل التخلص منهم وفي عام 1800 طالب البريطانيون الباب العالي بالتخلي عن فلسطين لليهود وعقد اجتماع يهودي في بريطانيا تم فيه جمع 130 ألف جنيه استرليني لتنفيذ مشروع عودة اليهود الى فلسطين إلا أن المشروع قوبل بالرفض وفي عام 1838 أعلنت بريطانيا حمايتها لليهود في فلسطين وافتتحت قنصلية لها في القدس لهذا الهدف وطالبت بطرد السكان المسلمين واحلال اليهود مكانهم وظهرت عائلات كبيرة مثل عائلة كاموندو لتمويل هجرة اليهود الى فلسطين, وفي عام 1849 نجح موشيه مونتفيوري اليهودي البريطاني في الحصول على فرمان من السلطان عبدالحميد بشراء بعض الأراضي في فلسطين وفي عام 1855 تمكن مونتفيوري من شراء أول قطعة أرض في القدس كان من المفترض أن يبني عليها مستشفى لكنه أقام عليها حيا سكنيا لليهود عرف باسم حي مونتفيوري. وفي عام 1865 أنشأ صندوق استكشاف فلسطين برعاية الملكة فيكتوريا وقد لعب هذا الصندوق دورا في الاستيطان اليهودي في فلسطين. وقد سعت بريطانيا منذ عام 1907 للقضاء على عروبة فلسطين ونسقت مع الصهوينة للقضاء على الخلافة الاسلامية واقامة دولة اسرائيل, وبعد توقيع اتفاقية سايكس بيكو بين انجلترا وفرنسا نشطت حركة الهجرة اليهودية الى فلسطين وفي عام 1917 صدر وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا لليهود باقامة وطن قومي لهم في فلسطين وجعل العبرية اللغة الرسمية في البلاد وفتح الجامعة العبرية وتنازل السلطان النهائي عن الأراضي العربية للحركة الصهيونية وبريطانيا وفرنسا. وفي عام 1920 تم وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني وتعيين هربرت صمويل حاكما عاما على فلسطين وكان ملتزما بتحقيق أهداف الصهيونية. وقامت بريطانيا بتسليح اليهود وتدريبهم عسكريا لمواجهة المقاومة العربية والاسلامية في فلسطين وتأسس الصندوق القومي للاسكان والاستعمار لتنفيذ استعمار اليهود لفلسطين وارتفع عدد اليهود في فلسطين من 40 ألفا قبل الحرب العالمية الأولى الى 55 ألفا عام 1948. وتؤكد الدراسة أن يهود الدونمة تغلغلوا في الحياة العثمانية عن طريق المحافل الماسونية التي كانت تضم الوزراء والنواب وقادة الجيش وكبار الموظفين والمسئولين في الدولة, وقد تأسس أول محفل ماسوني في ولاية سالونيك عام 1683م والذي يمثل اليهود الأغلبية فيهاموضحة أنه كان هناك ارتباط وثيق بين الصهيونية والماسونية واليهودية والدونمة وهؤلاء هم الذين قاموا بدور فعال في الحوادث التي أدت الى القضاء على السلطنة العثمانية, وقد تأسس أكثر من 65 محفلا ماسونيا في الدولة العثمانية وكان يطلق عليها (شورى عالي عثماني) وقد دبر اليهود من خلال هذه المحافل أكثر من حادثة لاغتيال السلطان عبدالحميد الذي قرر في عام 1894 اغلاق جميع المحافل الماسونية ما عدا محافل سالونيك لارتباطاتها الدولية مع محافل أوروبا. وتشير الدراسة الى أن الماسونيين تولوا مناصب رفيعة في الدولة العثمانية فجاويد بك وهو يهودي ماسوني تولى وزارة المالية وطلعت بك تولى وزارة الداخلية وتولى كل من سعيد جلبي ومصطفى رشيد ومحمد أمين عالي منصب الصدر الأعظم. وتؤكد الباحثة أن بعض العرب المقيمين في باريس وفي المناطق العثمانية تم استغلالهم من جانب الصهيونية والماسونية واليهود دون أن يدركوا أنهم يهدفون الى السيطرة على فلسطين, ومن ناحية أخرى لعب الماسون دورا كبيرا في اشعال فتنة الأرمن ضد الدولة العثمانية. وترى أن ثورة الاتحاديين كانت ثورة ماسونية يهودية أكثر منها تركية فكانت في الشكل ثورة تركية تجاهد من أجل الحصول على الحرية والعدل والمساواة في ظل الدستور وفي جوهرها ثورة يهودية تناضل من أجل تغيير نظام الدولة واثارة القلاقل من أجل تحقيق أغراضها الصهيونية واقامة دولتها المزعومة في فلسطين مشيرة الى أنه في عام 1908 نجح اليهود والماسون عبر جمعية الاتحاد والترقي في استغلال العرب والقوميات في الدولة العثمانية ضد الحكم السائد ورفع شعارات الماسونية المتمثلة في الحرية والاخاء والمساواة والعدالة. وتشير الباحثة الى أن الماسونية كانت وراء اعدام عدنان مندريس واسقاط حكومته في عام 1960 لأنه اعاد الأذان باللغة العربية والبرامج الدينية في التلفزيون وسمح بانشاء المساجد والمدارس والمعاهد الاسلامية ولاتزال الماسونية تلعب دورا مؤثرا في تركيا حتى الآن من خلال جمعياتها في البلاد وفي مقدمتها المحفل الماسوني الكبير والجمعية الماسونية والأحرار هذا بالاضافة الى سيطرة الماسون على الاقتصاد التركي والهيمنة على الشركات الكبيرة والصناعات الهامة وتشير الدراسة الى ان سليمان ديميريل الرئيس التركي السابق كانت له علاقة بهذه الدوائر. وتؤكد أن اليهود كانوا وراء ظهور فكرة القومية الطورانية في تجمع أتراك العالم في دولة واحدة. وهذه الفكرة كانت من أسباب نفور العرب من الأتراك مشيرة الى وجود ثلاث دوائر عملت في اتساق للقضاء على الدولة العثمانية وهي: القوى الصليبية وكانت على شكل مبشرين ومستشرقين في المدارس والمؤسسات والمؤتمرات والأبحاث, والقوى الاستعمارية في صورة الأساطيل والحروب والمعاهدات والامتيازات والعملاء في السفارات, والقوى اليهودية بأشكالها المختلفة من يهود متخفين وراء الاسلام ـ كيهود الدونمة ـ والماسون ومحافل وصحف واعلام وعلماء دين وبيوت أموال وتنظيمات وجمعيات, وتغلغل كل هؤلاء في البنية الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية والتربوية في الدولة فعرقلوا تقدمها وقسموا ممتلكاتها فيما بينهم.
السلطان عبدالحميد وحول سياسة السلطان عبدالحميد نحو هجرة اليهود للدولة العثمانية توضح الدراسة أن السلطان هذا رفض فكرة توطين المهاجرين اليهود في فلسطين ورفض الحاح الاتحاديين عليه بانشاء وطن قومي لليهود ولم يقبل الحصول على 150 مليون ليرة انجليزية ذهبا مقابل تقديم تنازلات لليهود في فلسطين وقال: (لست مستعدا لأن أتحمل في التاريخ وصمة بيع بيت المقدس لليهود وخيانة الأمانة التي كلفني المسلمون بحمايتها, وكان جزاء السلطان أن تآمر اليهود والاتحاديين عليه حتى تم خلعه في عام 1909م. وكانت السنوات التي تلت خلع السلطان عبدالحميد تمثل العصر الذهبي لليهود فقد نجحوا في تحقيق كل ما كانوا يحلمون به أثناء وجود السلطان في الحكم. وتشير الدراسة الى أن اليهود تدخلوا في شئون تركيا عقب قيام الجمهورية وسيطروا على البنوك وبدأت الأموال اليهودية تتدفق على الاستثمار في الزراعة والصناعة وشراء الأراضي في لبنان وفلسطين. كذلك تغلغل اليهود في الحياة السياسية وفي البرلمان التركي وكان لليهود الدور الأكبر في دفع الحكومة التركية للاعتراف باسرائيل. وفي عام 1950 جاء في خطاب للرئيس التركي جلال بايار: إن علاقاتنا الاعتيادية مع دولة اسرائيل في طريق التطور.. لقد تم تبادل السفراء مع هذه الدولة كما تم عقد اتفاق تجاري. وتوضح الدراسة أن اليهود في تركيا في عام 1944 كانوا يمتلكون 340 مكتبا للاستيراد والتصدير من مجموع 3800 مكتب. وفي الفترة بين عامي 1950 و1980 كان اليهود يكونون 80% من قطاع النسيج في تركيا. واليهود هم الذين يدعمون شركة (قونش) لصناعة السيارات وشركة (صابانجي) للنسيج وكذلك كان لليهود اليد الطولى في صناعات القماش والكاوتشوك والجوارب والحرير والدباغة وغيرها. وفي عام 1960 تم توقيع اتفاقية بين تركيا واسرائيل تنص على أن تكون قيمة التبادل التجاري بينهما 30 مليون دولار, وفي عام 1967 وقعت اتفاقية تجارية آخرى برأسمال عشرة ملايين دولار وفي نفس العام اشتركت اسرائيل في معرض أزمير الدولي وكان اقبال الأتراك على الجناح الاسرائيلي كبيرا وفي نفس العام نشطت حركة السياحة بين البلدين وفي عام 1969 تم توقيع اتفاقية تجارية ثالثة بين تركيا واسرائيل. لكن في عام 1973 بدأت تركيا تسعى الى تحسين علاقاتها بالدول العربية مع تحقيق هذه الدول لعوائد مالية ضخمة بسبب أزمة البترول وفي عام 1974 وقفت الى جانب الشعب الفلسطيني وأيدت قرار الأمم المتحدة باعتبار الصهيونية حركة عنصرية ثم تضاعف التبادل التجاري بين تركيا والدول العربية. لكن مع تفاقم الأزمة بين سوريا وتركيا في الثمانينيات قامت تركيا باعادة تقاربها مع اسرائيل وفي التسعينيات لم تعد تركيا بحاجة الى القوة الاقتصادية العربية نتيجة تزايد مشاكلها مع سوريا والعراق حول المياه, وهذا جعلها تكثف علاقاتها الاقتصادية باسرائيل. وفي سبيل تدعيم الاستثمارات وتقوية العلاقات التجارية تم تأسيس مجلس العمل التركي الاسرائيلي, وتبادل رجال الأعمال الاسرائيليين والأتراك الزيارات الى البلدين. وتتركز مجالات التعاون بين تركيا واسرائيل في مجالات التجارة والمقاولات والزراعة والسياحة, وفي نفس الوقت تزايدت معدلات الصادرات والواردات بين تركيا والدول العربية حتى قيام حرب الخليج الثانية عام 1991.
السياسة المائية وتؤكد الباحثة أن المشاريع الاقتصادية والمائية التي تقوم بها تركيا في (مانواجات) ومشروع (الجاب) نفذت لاستفادة اسرائيل في المقام الأول خاصة مشروع نهر مانواجات الذي نفذ بعد دراسة قامت بها شركة (تاحال) الاسرائيلية بالاضافة الى أن خبراء المياه الاسرائيليين والأمريكيين يتعاونون مع خبراء المياه الأتراك في تنفيذ السياسة المائية في تركيا مشيرة الى وجود 80 ألف اسرائيلي من أصل تركي يمثلون جسرا لتوطيد التعاون الاقتصادي بين تركيا واسرائيل. وهناك شركات تركية تعمل في اسرائيل و11 شركة اسرائيلية تعمل في تركيا. وشهد البلدان تعاونا صناعيا خاصة في المجال العسكري حيث تعاقد الجيش التركي مع شركات اسرائيلية من أجل تزويد الجيش التركي بأجهزة انذار واتصالات متطورة, وفي مجال السياحة يقدر عدد السياح الاسرائيليين الذين يزورون تركيا سنويا بما يتراوح بين 160 و200 ألف في حين يتراوح عدد السياح الأتراك الذين يزورون اسرائيل سنويا بين 5 و6 آلاف. وفي عام 1992 بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 40 مليون دولار وقدر حجم التجارة بين البلدين بحوالي 500 مليون دولار عام 1996 ومن المفترض أن يصل هذا العام الى 2 مليار دولار حسب الاتفاقية الموقعة بين البلدين. وتسعى اسرائيل الى اختراق سلعها للأسواق العربية عبر تركيا بعد تغيير أو طمس علاماتها التجارية. وفي عام 1996 تم التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين, ثم التوقيع على اتفاقيتين للتجارة في عام 1997 وتتضمن احداهما مشروعا لبيع المياه التركية لاسرائيل. وترى الباحثة أن العلاقات التركية الاسرائيلية منذ عام 1947 تعرضت لمد وجزر ولم تعرف مسارا ثابتا. ففي عام 1947 عارضت تركيا قرار الأمم المتحدة بشأن تقسيم فلسطين ودافعت عن استقلال فلسطين. لكن هذا الموقف تغير مع دخول تركيا حلف الناتو وتم انتخاب تركيا عضوا في لجنة التوفيق الفلسطينية الى جانب امريكا وفرنسا وقد اعترض العرب على هذه اللجنة لأنها تفرض على تركيا اتخاذ موقف الحياد بين العرب واسرائيل, وفي عام 1949 اعترفت تركيا رسميا باسرائيل وفي عام 1950 تم التبادل الدبلوماسي بينهما وسمحت تركيا لليهود الأتراك بالهجرة الى فلسطين. وفي عام 1956 سحبت تركيا سفيرها من تل أبيب اعتراضا على غزو شبه جزيرة سيناء. وفي عام 1958 أقامت تركيا تحالفا عسكريا سريا مع اسرائيل والحبشة وكان عدنان مندريس يرى أن تقوية العلاقات مع اسرائيل تحقق الأمن في الشرق الأوسط والأمن العالمي, وفي عام 1967 وقفت تركيا الى جانب العرب في الحرب وأيدت القرار 242 الذي طالب بانسحاب القوات الاسرائيلية من الأراضي المحتلة وصوتت في الأمم المتحدة ضد الحاق القدس الشرقية اداريا باسرائيل, وفي عام 1973 ساندت تركيا العرب في الحرب ضد اسرائيل ولم تسمح للولايات المتحدة باستخدام قواعدها في حلف الأطلسي ضد العرب وفي نفس الوقت سمحت بمرور الطائرات السوفييتية التي كانت تحمل امدادات للعرب في أجوائها, وفي عام 1979 سمحت تركيا لمنظمة التحرير بفتح مكتب لها في أنقرة ورفضت ضم اسرائيل للقدس وسحبت سفيرها من تل أبيب. وتضيف لكن في الثمانينيات والتسعينيات بدأت العلاقات التركية الاسرائيلية تتحسن وتقوى, وقام الرئيس الاسرائيلي وايزمان بزيارة الى تركيا في عام 1994 وقام الرئيس سليمان ديميريل بزيارة اسرائيل في عام 1995 وزارت تانسو تشيللر اسرائيل في عام 1994 وأعلنت انها على استعداد للتحالف مع الشيطان لإنهاء عمليات حزب العمال الكردستاني بالاضافة الى التعاون في مجال المياه. وخلال هذه الزيارة تم ابرام اتفاق تعاون أمني بين تركيا واسرائيل والاتفاق على التعاون في بعض المشاريع الاقتصادية.
(كارت) المياه وحول تأثير العلاقات التركية الاسرائيلية على سوريا تشير الباحثة الى اهتمام اسرائيل بالمياه التركية خاصة مشروع الجاب الذي دعمته بحوالي 300 ألف دولار بجانب المعونات الفنية التي قدمتها شركات الري الاسرائيلية وطالب عيزرا وايزمان رئيس اسرائيل السابق أثناء زيارته الى تركيا بمشاركة اسرائيل في هذا المشروع موضحة أن استراتيجية اسرائيل تقوم على أنه في حالة نشوب نزاع بين اسرائيل وسوريا ستقوم اسرائيل بالتأثير على تركيا لتقليل كميات المياه الذاهبة الى سوريا والعراق. أما إذا تم الاتفاق بين اسرائيل وسوريا فستقوم اسرائيل باجبار تركيا على منح سوريا المزيد من المياه لاثبات دورها في المنطقة هذا بالاضافة الى أن امداد تركيا لاسرائيل بالمياه سيؤثر على الزراعة في سوريا والعراق. وتوضح أن اسرائيل لعبت دورا في المشكلة الكردية بين سوريا وتركيا فقد أعلنت تركيا في عام 1996 أنها حصلت على ضمانات من اسرائيل بعدم توقيع اتفاق مع سوريا بسبب دعم سوريا للارهاب الكردي. وكان لاسرائيل دورها البارز في تصعيد الموقف بين تركيا وسوريا. وفي عام 1997 اقترح ديفيد ليفي وزير الخارجية الاسرائيلية السابق أثناء زيارته لتركيا أن تتعاون تركيا واسرائيل ضد سوريا لضمان الاستقرار في المنطقة, وكانت الضربة التركية المتوقعة لسوريا حققت العديد من الأهداف التركية الاسرائيلية الأمريكية منها التأثير على القدرة العسكرية السورية وتأمين خطط اسرائيل لضم الجولان وارباك القيادة السورية وتحجيم دورها في المفاوضات وفي الترتيبات المستقبلية للمنطقة. بالاضافة الى المشكلة الكردية لعبت اسرائيل دورا في تأجيج التوتر بين تركيا وسوريا عبر لواء الاسكندرونة المتنازع عليه فقد قام السفير الاسرائيلي لدى تركيا بزيارة الى الاسكندرونة مما زاد من التوتر بين أنقرة ودمشق. ومن ناحية أخرى تتخوف تركيا من عقد اتفاق سلام بين سوريا واسرائيل وترى أن سوريا سوف تسحب قواتها من الحدود السورية الاسرائيلية وتحشدها على حدودها مع تركيا. وتبدي تركيا قلقها في حالة توقيع الاتفاق من اخراج سوريا من قائمة الدول المساندة للارهاب وتلقيها مساعدات من المحتمل أن تتعارض مع المساعدات العسكرية التي تقدمها اسرائيل لتركيا.
مشروع ثلاثي وعلى صعيد تأثير العلاقات التركية الاسرائيلية على العراق تشير الباحثة الى أن العراق اتهم تركيا بعد اعلانها عن مشروع الجاب الذي يتضمن انشاء 17 سدا على نهر الفرات وأربعة سدود على نهر دجلة و17 محطة كهربائية بأنها ستنفذ صفقة بيع المياه لاسرائيل باقتطاع حصص من المياه العراقية والسورية ومع اجتياح تركيا لشمال العراق لمطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني حذرت العراق تركيا من الانسياق وراء المخططات الأمريكية التي تهدف تحويل تركيا الى قوة بوليسية اقليمية ضد الدول العربية تتقاسم مع الكيان الصهيوني في دور القامع لتطلعات الشعوب نحو التحرر والاستقلال. واشار المحللون الى أن ما حدث على أرض العراق كان مشروعا مشتركا بين تركيا وأمريكا واسرائيل من أجل السيطرة على المنطقة وإضعاف الموقف العربي في مفاوضات السلام.
ايران وتركيا ايران تعارض بشدة علاقة تركيا باسرائيل وتؤيد الموقف السوري ضد كل من تركيا واسرائيل لأن ايران ترى أن تركيا عامل مساعد لاسرائيل في النفاذ الى اقتصاديات وسياسات الجمهورية الاسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز. وأعلنت ايران قلقها من التعاون بين تركيا واسرائيل ومن المناورات البحرية التي تمت بين البلدين واتهم الرئيس رفسنجاني اسرائيل والولايات المتحدة بأنها السبب في توتر العلاقات التركية الايرانية. كما أن علاقة تركيا بأمريكا واسرائيل كانت السبب في تأجيل اتفاقية شراء تركيا للغاز الايراني التي تم توقيعها أثناء زيارة أمريكان لايران في عام 1996 لأن الولايات المتحدة رأت أن هذه الاتفاقية سوف تؤثر على العلاقات الأمريكية التركية وستؤدي الى تحالف تركيا مع دمشق وطهران وقد يتسع ذلك الغاء الاتفاق العسكري التركي الاسرائيلي, ولابد أن ايران تسعى لامتلاك السلاح النووي بالتعاون مع روسيا والجمهوريات الاسلامية حسب الزعم الاسرائيلي, وقد أعلن وزير الدفاع الاسرائيلي خلال زيارته الى تركيا أن تركيا ستلعب الدور الرئيسي في خطة ضرب ايران بمساعدة الولايات المتحدة. وبعد توقيع اتفاق التعاون العسكري بين تركيا واسرائيل أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي شيمون بيريز أن هذا الاتفاق وفر لاسرائيل فرصة للاقتراب من الحدود الايرانية مثلما تتواجد ايران على مقربة من حدود اسرائيل بواسطة (حزب الله) , ولذلك نددت ايران بالاتفاق الجوي بين تركيا وتل أبيب واعتبرته انتهاكا لأمن المنطقة.

(ب) جدوى الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وإسرائيل

خرجت تركيا في عهد الرئيس السابق تورجوت اوزال عن كثير من ثوابت سياستها الخارجية منذ عهد أتاتورك, تمثل ذلك في تحركها نحو جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية والبلقان, ورعايتها للأقليات التركية, بجانب التحرك في اتجاه الخليج للتصدي للمد الإيراني. ووضع أوزال شعارا يسعى لوحدة الأمة التركية من الصين إلى المانيا, كما أيقظ المشاعر والتقاليد الإسلامية على نحو واسع..
تمثل ذلك في السماح بإقامة المدارس الإسلامية والتوسع في الحج وتطبيق الشعائر الإسلامية.
أما فيما يتعلق بالمسألة الكردية فقد الغى اوزال في عام 1993 العديد من القوانين, التي كانت تمنع الأكراد من التعبير عن ثقافتهم المميزة وابراز هويتهم العرقية المتميزة مما ساهم في تخفيف حدة التوتر. وكان اوزال في ذلك يعبر عن تفاعل في أوساط المجتمع والنخبة, ولم يكن ذلك غريبا على الرئيس اوزال, فقد كان أول رئيس أناضولي يحكم تركيا. والأناضول أقليم داخلى في تركيا يزخر بالتقاليد الإسلامية والمثل العثمانية الراسخة, فضلا عن التعصب القومي.
هل تساهم الشراكة مع إسرائيل في حل مشاكل تركيا المزمنة؟!
إلا أن تركيا بعد رحيل أوزال تغيرت توجهاتها السياسية بالنظر للظروف الإقليمية والدولية التي سادت التسعينات, وابرزها سقوط الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفييتي السابق, وبذلك توارى الدور التركي في الناتو نسبيا, كما ظهرت عدة تحولات مهمة في البيئة الاقليمية المحيطة بتركيا خاصة في آسيا الوسطى التي بدأت جمهورياتها الإسلامية تبحث عن حلفاء لها بعيدا عن النفوذ الروسي, فكان التنافس التركي والإيراني على مواقع النفوذ في هذه الجمهوريات وفي البلقان حيث ترتب على تفكك يوغوسلافيا الاتحادية نشوب الحرب البوسنية, ومن بعدها حرب كوسوفو, وقد فشلت تركيا في أن يكون لها دور تحمي من خلاله المسلمين هناك وقد كان ذلك دورها عبر التاريخ, ولكن انحصر الجهد التركي في الحيلولة دون امتداد تأثيراتها إلى داخل تركيا. هذا إلى جانب نشوب حرب الخليج الثانية التي أعقبت العدوان العراقي على الكويت, وما أفرزته من تأثيرات على الساحة الإقليمية بالنظر للأهمية الاقتصادية التي يمثلها العراق بالنسبة لتركيا.. سواء فيما يتعلق بأنبوب النفط الذي يمر عبر أراضيها ويوفر لها 300 مليون دولار سنويا, بجانب حصولها على 60 % من احتياجاتها النفطية من العراق, وقد حرمت منهما تركيا بسبب العقوبات الدولية التي فرضت على العراق. هذا بالإضافة إلى نكسات أخرى منيت بها السياسة الخارجية التركية تمثلت في نجاح اليونان في عزل تركيا عن أوروبا من خلال سياسة أثينا البلقانية, كما لم تنجح تركيا في تمرير مشروعها الهادف إلى اقامة منطقة تعاون اقتصادي مع بلدان منطقة البحر الأسود, وتصاعد الهزائم التي واجهتها إذربيجان حليف تركيا في صراعها المسلح مع أرمينيا حول اقليم ناجورنو كاراباخ, وفشل تركيا في الحصول على امتيازات لها في نقل نفط بحر قزوين, إلى جانب فشلها في حل المشكلة القبرصية حيث لم يعترف بحكومة قبرص التركية التي يرأسها فاروق دنكتاش سوى دولتين هما تركيا وبنجلاديش. ناهيك عن تصاعد عمليات العنف التي مارسها حزب العمال الكردستاني المطالب بالانفصال عن تركيا, مما ترتب عليه توريط ثلث الجيش التركي في عملية ضد ميليشيا هذا الحزب في جنوب تركيا وشمال العراق بجانب 6 فرق تركية متواجدة في شمال قبرص بصفة دائمة وما واكب ذلك من استنزاف اقتصادي, الأمر الذي دفع تركيا إلى اتخاذ اجراءات غاية في العنف ضد كوادر هذا الحزب مما أثار في أوروبا قضية حقوق الإنسان في تركيا, خاصة وأنها واكبت أعمال عنف أخرى أرتدت لباسا أصوليا, رافقت تنامي الحركة الإسلامية داخل تركيا, وتغلغل أفكار وقوى هدامة وسط العلويين الاتراك, مما فجر صراعا بين القوى الإسلامية والقوى العلمانية في تركيا, حيث أصبح العلمانيون ينظرون إلى أية زيادة في الشعور والممارسات الدينية حتى وأن كانت حضور صلاة الجمعة أو ارتداء حجاب كدليل على المد الأصولي الذي يهدد النظام العلماني القائم, وما صاحب ذلك من اتهامات لايران بأنها وراء هذا المد الأصولي مما أساء للعلاقات بين البلدين. وأن كان الكثير من العلمانيين وتركيا يرون غير ذلك, وأن الخطر الحقيقي الذي يهدد تركيا يأتي من التحولات السلبية التي أصابت الحياة التركية. وأبرزها التخلف الاقتصادي والاجتماعي, وانتشار البطالة, والانجراف وراء تيار التحلل الأخلاقي القادم من أوروبا, واضمحلال الإيديولوجيا, وسقوط الاحزاب التقليدية, وبذلك أصبح الإسلام الأصولي هو البديل الوحيد أمام الشعب للتعبير عن معارضة للوضع الحالي الذي يعاني منه, , وهو الأمر الذي استغلته المنظمات والأحزاب المتطرفة, كما يحدث في الجزائر اليوم. ويرى البعض أن الاغراق في القومية التركية يمكن أن يدفع بعض الكماليين والتحديثيين إلى التعاطف مع الأصوليين, خاصة وأن القومية ليست غائبة عن المشروع الأصولي ومن العلمانيين في تركيا من يرى أن إيران وراء المد الأصولي في تركيا وتمرد الحركة العلوية لزيادة تورط تركيا في مشاكلها الداخلية حتى تنفرد إيران بالخليج وآسيا الوسطى, وهو تحليل لا يقوم على قاعدة راسخة لأن الحركة الأصولية في تركيا فسيفسائية. فقد تولى حزب الرفاة الإسلامي الحكم عام 1995 في ظروف التمرد العلوي والكردي, واتهام حزب تانسوشيلر (الطريق القويم) بالفساد, وحزب مسعود يلماظ (الوطن الأم) بالتعاون مع المافيا, وما صاحب ذلك من إنهيار الائتلافات الحكومية الهشة, وتدهور اقتصادي تسبب في شيوع روح الاحباط العام بين الجماهير التركية وقد ترتب على ذلك سقوط أحزاب اليمين الوسط, وبالتالي فوز الحركة القومية بالمركز الثاني في الانتخابات (130 مقعداً) بعد الحزب اليساري (133 مقعداً).
والحركة القومية تمثل أقصى اليمين المتطرف, وخلفيتها التاريخية الحقيقية فاشية, فهي اسم آخر لحزب العمل التركي الذي أشاع موجة عنيفة من أعمال العنف في تركيا في السبعينات في شرق الأناضول وقع بسببها مئات الضحايا من العلويين والأكراد على أيدي ميليشيات (الذئاب الرمادية). لذلك كان غريبا أن يتحالف أقصى اليمين مع أقصى اليسار في تشكيل الحكومة الحالية في تركيا. وخطورة الأمر في هذا التحالف الذي يستقطب قطاعا ليس بصغير من التيار الإسلامي, والفئات الفقيرة التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية أنه يعبر عن موجة شاملة يطلق عليها (البحث عن الهوية) والسعي إلى (أمة تركية متميزة).. وكلها شعارات تتعلق بأمجاد تركية تكاد تكون ذات مرجع واحد, تحظى بمظلة المؤسسة العسكرية التركية, وأن كانت الحركة القومية التركية في دفاعها عن الهوية التركية تختلف مع الجنرالات الذين يفضلون التوجه نحو الغرب, بينما يطالب القوميون بالتوجه نحو التكامل مع آسيا الوسطى والقوقاز, لاسيما وأن أوروبا ترفض حتى اليوم قبول تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي رغم استجابتها للكثير من شروط هذا الاتحاد, لاسيما في التوجه العلماني السياسي والاجتماعي و الاقتصادي, كما تنتقد أوروبا موقف تركيا من محاكمة أوجلان وقضية حقوق الإنسان وكلا التياران اليساري واليميني القومي يدعو إلى مزيد من الشراكة والتحالف مع إسرائيل.
وخطورة الأمر في هذا التحالف اليساري واليميني القومي التركي, بمباركة المؤسسة العسكرية التركية , ودعم إسرائيل, سيدفع تركيا المنبوذة أوروبيا, والباحثة عن أمجادها القديمة, قد تجر المنطقة إلى أزمات إذا ما أظهرت تشددا مع إيران وسوريا واليونان, وهو ما تدفع إسرائيل إليه تركيا بزعم أن ذلك سيعزر موقعها في الناتو ويقنع الاتحاد الأوروبي بقبولها عضوا فيه . فإذا ما وضعنا في الاعتبار أنه بعد البلقان تعتبر مناطق بحر قزوين والشرق الأوسط والخليج هي المناطق المرشحة للأزمات في العصر المقبل. فإن قيام تركيا بتعزيز منطقة الحزام الأمني الذي تحاول إنشاءه من خلال عملياتها العسكرية في شمال العراق, كذلك تبني الحركة التركمانية في شمال العراق وإيران (منهم نصف مليون تركماني في العراق) والذي وصل إلى حد تدريب مجموعات منهم في مخيمات حزب العمل القومي التركي برعاية المخابرات التركية, وتطالب تركيا بحقوقهم السياسية والاقتصادية, كل ذلك أثار إيران ضد تركيا, خاصة وأن مسألة التعامل مع أكراد وتركمان إيران أصعب بكثير من التعامل مع قرنائهم في العراق, كما أن معسكرات حزب العمال الكردستاني في إيران تتمتع بالحماية الإيرانية على عكس الوضع في شمال العراق حيث تفتقد السلطة المركزية في بغداد السيطرة على هذه المناطق, فإذا أضفنا إلى ذلك أن حزب العمل القومي التركي والذي تمثله حاليا الحركة القومية التركية التي تتمتع بـ 130 مقعداً في البرلمان تطالب بضم كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وأذربيجان وجنوب قبرص إلى تركيا الأم وهو ما أعلنه الكولونيل (الباأرسلان نوركيسي) مؤسس فصائل (الذئاب الرمادية) والذي يسعى لإثارة خيال الشعب التركي برسم عدائيات وهمية خارجية زاعما أنها تتربص بتركيا, إلى جانب اعادة التذكير بالصراع التاريخي مع الغرب وخريطة (سيفر) لتقسيم الأناضول.
ومازالت هذه هي شعارات حز ب الحركة القومية والمتضامن مع حزب اليسار.. لأدركنا حجم المخاطر التي ستتعرض لها تركيا في المستقبل وبالتالي المنطقة من وراء اتخاذ المنطلق القومي المتطرف سبيلا لحل مشاكل تركيا مع جيرانها, ذلك لأن أندفاع القيادة التركية إلى مغامرات سياسية وعسكرية لتحقيق هذه الأهداف, سيتسبب في حدوث مجازر دموية رهيبة أشد بكثير مما تعرضت له البوسنة وكوسوفو في التسعينات, ناهيك عما يمكن أن يسببه ذلك من تعميق عزلة تركيا اقليميا ودوليا, ويبعدها كثيرا عن أملها في الإنضمام للإتحاد الأوروبي.
ومما لاشك فيه أن إسرائيل لن تستطيع أن تساهم في حل كل هذه المشكلات الداخلية والخارجية التي تتعرض لها تركيا, بل على العكس من ذلك ستسعى إلى استغلال التوجه القومي اليميني المتطرف في تركيا في سكب مزيد من الوقود على النار التي سيشعلها القوميون الأتراك. لأن ذلك سيورط تركيا في المزيد من النزاعات والصراعات التي في محصلتها تركيا مهما حدث فهي منذ البداية وحتى النهاية دولة إسلامية كبرى, ينبغي في الرؤية الإسرائيلية بعيدة المدى أن يتم تعزيمها حتى لا تشكل أدنى مقاومة في المستقبل (للكومنولث العبري) التي تسعى إسرائيل لاقامته في منطقة الشرق الأوسط, تكون هي المهيمنة فيه سياسيا واقتصاديا وعسكريا على باقي دول المنطقة.
مشكلة انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي
أما فيما تعلقه تركيا من آمال على إسرائيل لتساعدها في الانضمام للإتحاد الأوروبي, فذلك على عكس ما تخطط وتسعى إليه إسرائيل والولايات المتحدة معا. ذلك لأن كلاهما يستهدف أبعاد تركيا عن أوروبا, واقحامها في مشاكل الشرق الأوسط المستقبلية, بالنظر لما يعلقونه على تركيا من آمال عريضة في حل مشاكل المياه التي ستتعرض لها المنطقة في العقد المقبل, والتي ستكون محور النزاع العربي الإسرائيلي مستقبلا. وبالتالي سيظل مستقبل تركيا اقليميا رهنا بمصير انضمامها للإتحاد الأوروبي, وطالما بقي هذا الطلب معلقا, فسيستمر التشتت بين الهوية الغربية والشرقية يسود المجتمع التركي. وهو تشتت ليس ناجما عن صراع داخلي كما حدث في عام 1997 وأدى بالعلمانيين والمؤسسة العسكرية إلى إزاحة اربكان زعيم حزب الرفاة الإسلامي عن الحكم وحل الحزب ولكنه تشتت يمثل انعكاسا لما تعانيه تركيا منذ أربعين سنة بحثا عن هويتها, بالنظر لصعوبة إزالة جذور الإسلام العميقة والكامنة في نفوس أغلبية الشعب التركي على مدار القرون ولن تستطيع إسرائيل أن تسهل من الشروط التي يضعها الإتحاد الأوروبي لإنضمام تركيا له, وهي شروط عديدة وصعبة تتعلق بالديمقراطية والتعددية الحزبية وحقوق ومشاركة الأقليات في الحكم وتقرير مصيرهم وأساليب التعامل معهم, إلى جانب ابعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم, وأن الدولة التركية ينبغي أن تقوم على سيادة القانون, قادرة على حل مشكلاتها على أساس المعرفة التكنولوجية, واقتصاد السوق, واحترام حقوق الإنسان, والتوافق مع القوانين والقواعد الدولية, وحماية البيئة الخ.
وهي شروط كثيرة وطريق طويل ليس قاصرا فقط على تحقيق معدلات نمو اقتصادي عال أو فتح بورصة أو إيقاف اعدام اوجلان, بل إن الأمر يتطلب تغييرات جذرية ينبغي على تركيا إدخالها في قوانينها السياسية والمدنية والاقتصادية وحتى الصحية. خاصة ما يتعلق منها بالأقليات لاسيما الكردية, ووضع المرأة في أقصى الأناضول, والموقف من الأحزاب الإسلامية وهي مخالفة للثوابت الأوروبية إلى جانب قضية توحيد قبرص واعتراف تركيا بها, والمشكلة التاريخية الخاصة بالمذابح التي تتهم أوروبا تركيا بإرتكابها ضد نصف مليون أرميني في عام ,1915 وضرورة تعويضهم. وهو القانون الذي تبنته الجمعية الوطنية الفرنسية أخيرا والذي سجلت فيه فرنسا تأييدها لحقوق الأرمن وضرورة تعويضهم.لذلك أصبح انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مسألة تؤرق النخبة الحاكمة هناك وحالة عاطفية تتعلق بشرف الأمة التركية وتأكيد هويتها. في حين أن الكثير من الأتراك يختلفون مع هذا المفهوم, ويرون أن تركيا لو بذلك نصف الجهد الذي تبذله في محاولة الإنضمام للإتحاد الأوروبي قد بذلته في العمل على توجهها نحو جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية الغنية بمواردها, والتي تبحث عن قيادة لها لكان أجدى لتركيا, خاصة وأن بإمكانها إقامة تجمع اقتصادي مؤثر يؤهلها لتبؤ مركز قيادي في منطقة القوقاز, ويكون له انعكاسا على مركز تركيا على الساحتين الإقليمية والدولية, ناهيك عما تشكله هذه الدول من سوق واسعة للصادرات التركية التي يمكن أن يتضاعف حجمها بعد إنجاز مشروع جنوب شرق الأناضول الزراعي والصناعي الضخم. في حين ترى القوى المعارضة في تركيا والتي تضم الأكراد والمنضمون للتيار الإسلامي والعلويين أن انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي سيكون خيرا لهم, لما يضمنه لهم الاتحاد من الحصول على حقوقهم الإنسانية, خاصة وأن حجم الأكراد في بلدان أوروبا والبالغ عددهم 4 مليون كردي يمكن لهم أن يشكلوا من خلال حكوماتهم ضغوطا على تركيا من داخل الاتحاد الأوروبي.
دور إسرائيل في إفساد علاقة تركيا بسوريا والعرب
عندما تأزم الموقف بين تركيا وسوريا في أواخر سبتمبر وأوائل أكتوبر 1998 بسبب حشد تركيا قواتها على حدود سوريا, وتهديدها بتوجيه ضربة عسكرية ضدها بزعم دعمها لحزب العمال الكردستاني الانفصالي الذي يثير الارهاب في ربوع تركيا سعى الرئيس المصري حسني مبارك إلى نزع فتيل الأزمة من خلال المهمة المكوكية التي قام بها آنذاك خلال أربعة أيام زار فيها كل من دمشق وأنقره عدة مرات حتى توصل إلى اتفاق مع الطرفين يقضي بخروج أوجلان زعيم الحزب الكردستاني من سوريا, واغلاق قواعد هذا الحزب في سوريا والبقاع اللبناني. وهو ما أكده فارس بويز وزير خارجية لبنان في 5/10/1998 خاصة ما يتعلق بمعسكر الأكراد في قرية حلوة المتواجدة على مسافة 2 كم من الحدود السورية.وقد اعترف بذلك أيضا وزير دفاع تركيا عصمت سيزوجين في 13 /10/ 1998 عندما صرح بأن بلاده تأكدت من أن سوريا قد أغلقت كل المعسكرات الإرهابية.
وتم بعد ذلك عقد اجتماع امني في قرية (أضنة) على الجانب التركي من الحدود مع سوريا في 19/10/1998 تم فيه توقيع الاتفاق الذي عرف بـ (اتفاق أضنة) والذي نص على ابعاد عناصر حزب العمال الكرستادني من الأراضي السورية والتي تسيطر عليها في لبنان, ومنعهم من عبور الحدود من سوريا إلى تركيا, وتبادل ممثلين أمنيين, واقامة خط ساخن بين البلدين. وقد ذكر وزير خارجية سوريا فاروق الشرع في هذا الصدد (إننا لا نريد أن تتحول تركيا إلى عدو للعرب). وبعد توقيع هذا الاتفاق حدث تعاون أمني اقتصادي ملموس بين البلدين تمثل في اجتماع لجنة أمنية مشتركة لأول مرة منذ 12 عاما, وزيادة حجم التبادل التجاري من 540 مليون دولار إلى مليار دولار, وتوقيع اتفاقيات لمنع الإزدواج الضريبي وتسهيل النقل والمواصلات وفتح الطريق للمستثمرين وحماية الاستثمارات المشتركة, وهو ما اعتبره المراقبون شهر عسل جديد بين البلدين أعقب طي ملف حزب العمال الكردستاني وتشكيل لجنة عمل مشتركة برئاسة وزير خارجية البلدين لوضع اعلان مبادئ ينظم العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والمائية والحدودية بين البلدين, ووضع حد نهائي للخلافات بينهما. وقد تأكد التحسن في العلاقات بمشاركة الرئيس التركي (أحمد نجدت) في تشييع جنازة الرئيس الراحل حافظ الأسد.
وقد أزعج هذا التحول الإيجابي في العلاقات التركية السورية إسرائيل, لذلك سعت لافساد هذه العلاقات بدس معلومات بين البلدين تخدم أهدافها. فبينما كان نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام يستعد لزيارة أنقرة في نوفمبر عام ,2000 أوعزت الموساد إلى رئيس وزراء إسرائيل (يهود باراك) أن طائرة مدنية إيرانية قادمة من طهران في طريقها إلى دمشق تحمل أسلحة إلى حزب الله. فإتصل باراك بأجاويد رئيس وزراء تركيا وطلب منه اعتراض هذه الطائرة قبل هبوطها في دمشق.وبالفعل قامت طائرتان تركيتان من طراز (ف-16) باعتراض الطائرة الإيرانية المدنية في أول نوفمبر ,2000 وأجبرتها على الهبوط في القاعدة الجوية التركية في (ديار بكر), وتم تفتيش الطائرة ولم يجدوا شيئا من الأسلحة المزعومة, وكانت فضيحة مدوية داخل تركيا. وقد تبين بعد ذلك أن مجلس الأمن القومي التركي كان قد عقد جلسة في 27 /10/2000 لبحث استغلال زيارة خدام لحسم مستقبل العلاقات السورية التركية إزاء القضايا المعلقة بين البلدين, ففاجأت تركيا سوريا بتصعيد شروطها لتطبيع العلاقات, وذلك بوضع كافة القضايا الحساسة على رأس قائمة جدول أعمال زيارة خدام لأنقرة, مثل قضية لواء الاسكندرونة وضرورة اعتراف سوريا بأنه جزء من تركيا, وليس له حق المطالبة به مستقبلا, كما طالب مجلس الأمن القومي التركي الذي يسيطر عليه الجنرالات بإتفاق أمني جديد بديل عن اتفاق أضنة.
ولأن تركيا وجدت صعوبة في وقف عمليات حزب العمال الكردستاني, عادت مرة أخرى لإتهام دمشق وطهران بإيواء عناصر هذا الحزب وعرضت معلومات مدسوسة حصلت عليها من الموساد عن إعادة فتح معسكرات للحزب في لبنان, مع الإصرار على تبرير استخدام تركيا للسدود المقامة على نهري دجلة والفرات. وفي ذلك يقول أحد خبراء حلف الناتو: (لقد أعاد الجنرالات الأتراك في اجتماعهم الأخر رسم استراتيجيتهم الإقليمية على أساس قرار اتخذوه بأن يكون لتركيا دور ومشاركة في سيناريوهات الحرب المتوقعة بالتعاون الوثيق مع إسرائيل. وتزداد التهديدات التركية لسوريا مع تزايد التعاون بين دمشق وبغداد, خاصة وأن العراق أصبح محط تنافس بين دول المنطقة للحصول على عائدات النفط العراقي, إضافة إلى مؤشرات الإنفتاح الإيراني على العراق, حيث تنظر الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل إلى محور (دمشق بغداد طهران) باعتباره خط أحمر وكأنه اعلان حرب.. خاصة في ضوء اتفاق إسرائيل وتركيا على ضرورة المواجهة المشتركة لمشكلة الصواريخ الإيرانية (شهاب 4,3), والصواريخ السورية (سكود سي) التي طورت سوريا مداها إلى 500كم, وذلك بتدمير جميع المنشآت المتعلقة بهذه المشروعات, ومشروعات أخرى تزعم تركيا وإسرائيل أنها تتعلق بإنتاج أسلحة كيميائية وأخر ذات دمار شامل, ثم يضيف خبير الناتو قائلا: أن تصعيد الجنرالات الأتراك لمطالبتهم من سوريا في رفع سقفها إلى هذا المستوى, هو أمر غير معقول ويعكس حجم المؤامرة والمخاطر التي تحيق بسوريا, ووضع الرئيس السوري الجديد بشار الأسد موضع الاختيار.
وحقيقة الأمر أن هناك فئة ذات نفوذ قوي في تركيا تسعى لافساد علاقة تركيا بالدول العربية والإسلامية, وفي المقابل تحسين العلاقات التركية الإسرائيلية وهذه الفئة تعرف باسم (يهود الدونمة) الذين يتظاهرون بالإسلام في حين أنهم في حقيقتهم يدينون باليهودية, ولكل واحد منهم اسمان أحدهما مسلم والآخر يهودي. ويرجع أصول هذه الفئة إلى القرن الثامن عشر وما بعده عندما كان اليهود الأتراك يخشون بطش الدولة العثمانية بهم فأخفوا حقيقة يهوديتهم بإظهار إسلامهم, وقد تمكنت هذه الفئة شأنها في ذلك شأن باقي تجمعات اليهود في مختلف بلدان العالم من احكام سيطرتها على قطاعات عريضة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاعلامية في تركيا. وهي وراء حملات الكراهية التي تشنها تركيا ضد العالمين العربي والإسلامي, وهي المسئولة أيضا عن التناقض الظاهر في السياسة التركية بين الحفاظ على شبكة تحالفاتها التقليدية مع الناتو وإسرائيل والولايات المتحدة, وبين رغبتها في الإنفتاح على العالم العربي والإسلامي.

(ج) جدوى الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وإسرائيل

تناولنا في الحلقة السابقة طبيعة التحالف أو الشراكة الإسرائيلية التركية وأهداف كل من الطرفين منها, وطموح تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي بمساعدة إسرائيل والشروط الصعبة التي وضعتها أوروبا لكي تنال تركيا ما تلهث وراءه منذ سنوات طوال.
وفي هذه الحلقة نتناول طبيعة الشروط الأوروبية ودور الكيان الصهيوني في افساد العلاقات العربية التركية خاصة في ظل سيطرة جنرالات الجيش التركي المعروفين بانحيازهم للصهيونية ومعاداة العرب.
شروط أوروبية
إن الشروط الأوروبية لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي كثيرة ومتعددة وليست فقط قاصرة على تحقيق معدلات نمو اقتصادي عال أو فتح بورصة أو إيقاف اعدام اوجلان, بل إن الأمر يتطلب تغييرات جذرية ينبغي على تركيا إدخالها في قوانينها السياسية والمدنية والاقتصادية وحتى الصحية. خاصة ما يتعلق منها بالأقليات لاسيما الكردية, ووضع المرأة في أقصى الأناضول, والموقف من الأحزاب الإسلامية وهي مخالفة للثوابت الأوروبية إلى جانب قضية توحيد قبرص واعتراف تركيا بها, والمشكلة التاريخية الخاصة بالمذابح التي تتهم أوروبا تركيا بارتكابها ضد نصف مليون أرميني في عام ,1915 وضرورة تعويضهم. وهو القانون الذي تبنته الجمعية الوطنية الفرنسية أخيرا والذي سجلت فيه فرنسا تأييدها لحقوق الأرمن وضرورة تعويضهم.لذلك أصبح انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مسألة تؤرق النخبة الحاكمة هناك وحالة عاطفية تتعلق بشرف الأمة التركية وتأكيد هويتها. في حين أن الكثير من الأتراك يختلفون مع هذا المفهوم, ويرون أن تركيا لو بذلت نصف الجهد الذي تبذله في محاولة الإنضمام للإتحاد الأوروبي قد بذلته في العمل على توجهها نحو جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية الغنية بمواردها, والتي تبحث عن قيادة لها لكان أجدى لتركيا, خاصة وأن بإمكانها إقامة تجمع اقتصادي مؤثر يؤهلها لتبوؤ مركز قيادي في منطقة القوقاز, ويكون له انعكاس على مركز تركيا على الساحتين الإقليمية والدولية, ناهيك عما تشكله هذه الدول من سوق واسعة للصادرات التركية التي يمكن أن يتضاعف حجمها بعد إنجاز مشروع جنوب شرق الأناضول الزراعي والصناعي الضخم. في حين ترى القوى المعارضة في تركيا والتي تضم الأكراد والمنضمين للتيار الإسلامي والعلويين أن انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي سيكون خيرا لهم, لما يضمنه لهم الاتحاد من الحصول على حقوقهم الإنسانية, خاصة وأن حجم الأكراد في بلدان أوروبا والبالغ عددهم 4 ملايين كردي يمكن لهم أن يشكلوا من خلال حكوماتهم ضغوطا على تركيا من داخل الاتحاد الأوروبي.
الدور الإسرائيلي
عندما تأزم الموقف بين تركيا وسوريا في أواخر سبتمبر وأوائل أكتوبر 1998 بسبب حشد تركيا قواتها على حدود سوريا, وتهديدها بتوجيه ضربة عسكرية ضدها بزعم دعمها لحزب العمال الكردستاني الانفصالي الذي يثير الارهاب في ربوع تركيا سعى الرئيس المصري حسني مبارك إلى نزع فتيل الأزمة من خلال المهمة المكوكية التي قام بها آنذاك خلال أربعة أيام زار فيها كلاً من دمشق وأنقرة عدة مرات حتى توصل إلى اتفاق مع الطرفين يقضي بخروج أوجلان زعيم الحزب الكردستاني من سوريا, واغلاق قواعد هذا الحزب في سوريا والبقاع اللبناني. وهو ما أكده فارس بويز وزير خارجية لبنان في 5/10/1998 خاصة ما يتعلق بمعسكر الأكراد في قرية حلوة المتواجدة على مسافة 2 كلم من الحدود السورية.وقد اعترف بذلك أيضا وزير دفاع تركيا عصمت سيزجين في 13 /10/ 1998 عندما صرح بأن بلاده تأكدت من أن سوريا قد أغلقت كل المعسكرات الإرهابية.
وتم بعد ذلك عقد اجتماع امني في قرية (أضنة) على الجانب التركي من الحدود مع سوريا في 19/10/1998 تم فيه توقيع الاتفاق الذي عرف بـ (اتفاق أضنة) والذي نص على ابعاد عناصر حزب العمال الكردستاني من الأراضي السورية والتي تسيطر عليها في لبنان, ومنعهم من عبور الحدود من سوريا إلى تركيا, وتبادل ممثلين أمنيين, واقامة خط ساخن بين البلدين. وقد ذكر وزير خارجية سوريا فاروق الشرع في هذا الصدد (إننا لا نريد أن تتحول تركيا إلى عدو للعرب). وبعد توقيع هذا الاتفاق حدث تعاون أمني اقتصادي ملموس بين البلدين تمثل في اجتماع لجنة أمنية مشتركة لأول مرة منذ 12 عاما, وزيادة حجم التبادل التجاري من 540 مليون دولار إلى مليار دولار, وتوقيع اتفاقيات لمنع الإزدواج الضريبي وتسهيل النقل والمواصلات وفتح الطريق للمستثمرين وحماية الاستثمارات المشتركة, وهو ما اعتبره المراقبون شهر عسل جديداً بين البلدين أعقب طي ملف حزب العمال الكردستاني وتشكيل لجنة عمل مشتركة برئاسة وزير خارجية البلدين لوضع اعلان مبادئ ينظم العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والمائية والحدودية بين البلدين, ووضع حد نهائي للخلافات بينهما. وقد تأكد التحسن في العلاقات بمشاركة الرئيس التركي أحمد نجدت سيزار في تشييع جنازة الرئيس الراحل حافظ الأسد.
أكذوبة الموساد
وقد أزعج هذا التحول الإيجابي في العلاقات التركية السورية إسرائيل, لذلك سعت لافساد هذه العلاقات بدس معلومات بين البلدين تخدم أهدافها. فبينما كان نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام يستعد لزيارة أنقرة في نوفمبر عام 2000, أوعزت الموساد إلى رئيس وزراء إسرائيل (ايهود باراك) أن طائرة مدنية إيرانية قادمة من طهران في طريقها إلى دمشق تحمل أسلحة إلى حزب الله. فاتصل باراك بأجاويد رئيس وزراء تركيا وطلب منه اعتراض هذه الطائرة قبل هبوطها في دمشق.وبالفعل قامت طائرتان تركيتان من طراز (اف 16) باعتراض الطائرة الإيرانية المدنية في أول نوفمبر 2000, وأجبرتها على الهبوط في القاعدة الجوية التركية في (ديار بكر), وتم تفتيش الطائرة ولم يجدوا شيئا من الأسلحة المزعومة, وكانت فضيحة مدوية داخل تركيا. وقد تبين بعد ذلك أن مجلس الأمن القومي التركي كان قد عقد جلسة في 27/10/2000 لبحث استغلال زيارة خدام لحسم مستقبل العلاقات السورية التركية إزاء القضايا المعلقة بين البلدين, ففاجأت تركيا سوريا بتصعيد شروطها لتطبيع العلاقات, وذلك بوضع كافة القضايا الحساسة على رأس قائمة جدول أعمال زيارة خدام لأنقرة, مثل قضية لواء الاسكندرونة وضرورة اعتراف سوريا بأنه جزء من تركيا, وليس له حق المطالبة به مستقبلا, كما طالب مجلس الأمن القومي التركي الذي يسيطر عليه الجنرالات بإتفاق أمني جديد بديل عن اتفاق أضنة. ولأن تركيا وجدت صعوبة في وقف عمليات حزب العمال الكردستاني, عادت مرة أخرى لإتهام دمشق وطهران بإيواء عناصر هذا الحزب وعرضت معلومات مدسوسة حصلت عليها من الموساد عن إعادة فتح معسكرات للحزب في لبنان, مع الإصرار على تبرير استخدام تركيا للسدود المقامة على نهري دجلة والفرات. وفي ذلك يقول أحد خبراء حلف الناتو: لقد أعاد الجنرالات الأتراك في اجتماعهم رسم استراتيجيتهم الإقليمية على أساس قرار اتخذوه بأن يكون لتركيا دور ومشاركة في سيناريوهات الحرب المتوقعة بالتعاون الوثيق مع إسرائيل. وتزداد التهديدات التركية لسوريا مع تزايد التعاون بين دمشق وبغداد, خاصة وأن العراق أصبح محط تنافس بين دول المنطقة للحصول على عائدات النفط العراقي, إضافة إلى مؤشرات الإنفتاح الإيراني على العراق.
دمشق بغداد طهران وتنظر الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل إلى محور (دمشق بغداد طهران) باعتباره خطاً أحمر وكأنه اعلان حرب.. خاصة في ضوء اتفاق إسرائيل وتركيا على ضرورة المواجهة المشتركة لمشكلة الصواريخ الإيرانية (شهاب 4,3), والصواريخ السورية (سكود سي) التي طورت سوريا مداها إلى 500 كلم, وذلك بتدمير جميع المنشآت المتعلقة بهذه المشروعات, ومشروعات أخرى تزعم تركيا وإسرائيل أنها تتعلق بإنتاج أسلحة كيميائية وأخرى ذات دمار شامل, ثم يضيف خبير الناتو قائلا: ان تصعيد الجنرالات الأتراك لمطالبتهم من سوريا في رفع سقفها إلى هذا المستوى, هو أمر غير معقول ويعكس حجم المؤامرة والمخاطر التي تحيق بسوريا, ووضع الرئيس السوري بشار الأسد موضع الاختبار. وحقيقة الأمر أن هناك فئة ذات نفوذ قوي في تركيا تسعى لافساد علاقة تركيا بالدول العربية والإسلامية, وفي المقابل تحسين العلاقات التركية الإسرائيلية وهذه الفئة تعرف باسم (يهود الدونمة) الذين يتظاهرون بالإسلام في حين أنهم في حقيقتهم يدينون باليهودية, ولكل واحد منهم اسمان أحدهما مسلم والآخر يهودي. ويرجع أصول هذه الفئة إلى القرن الثامن عشر وما بعده عندما كان اليهود الأتراك يخشون بطش الدولة العثمانية بهم فأخفوا حقيقة يهوديتهم بإظهار إسلامهم, وقد تمكنت هذه الفئة شأنها في ذلك شأن باقي تجمعات اليهود في مختلف بلدان العالم من احكام سيطرتها على قطاعات عريضة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاعلامية في تركيا. وهي وراء حملات الكراهية التي تشنها تركيا ضد العالمين العربي والإسلامي, وهي المسئولة أيضا عن التناقض الظاهر في السياسة التركية بين الحفاظ على شبكة تحالفاتها التقليدية مع الناتو وإسرائيل والولايات المتحدة, وبين رغبتها في الانفتاح على العالم العربي والإسلامي.

(د) مصالح تركيا الحقيقية مع العرب أم مع إسرائيل؟

تتمحور مشاكل تركيا مع سوريا في ثلاثة اتجاهات: المياه، الحدود، حزب العمال الكردستاني. وقد أغلقت سوريا ملف حزب العمال الكردستاني بابعاد أوجلان عن سوريا واغلاق معسكرات الحزب في البقاع. أما مشكلة الحدود والمتعلقة باقليم الاسكندرونة الذي كان في الماضي جزءاً من سوريا ثم انتزعته منها تركيا، فإن سوريا لم تعد تطالب به،
وإن كانت تربط التسليم بذلك رسميا والاعتراف بالحدود التركية الحالية كما تريد أنقرة بابرام اتفاق نهائي تقر فيه تركيا بحقوق سوريا في مياه الفرات. حيث تطالب سوريا بضخ 750 متراً مكعباً في الثانية من مياه الفرات اليها بالنظر لاحتياجاته سوريا المتزايدة من المياه مع تزايد عدد سكانها، إلا أن تركيا تصر على ضخ 500 متر مكعب في الثانية فقط، كما ترفض توقيع اتفاق نهائي لتوزيع مياه الفرات، وتطرح في المقابل فكرة توزيع المياه على أساس (الاستخدام الأمثل) أي الحاجات الفعلية لكل شعب، وقدرته على الاستفادة من المياه، ولكن المشكلة في هذا من وجهة نظر سوريا هي: في الجهة المنوط بها تحديد الاستخدام الأمثل للمياه ناهيك عن قيام تركيا بتقليل ضخ المياه عدة مرات الى سوريا، ووصول المياه اليها ملوثة. وتحاول تركيا طمأنة سوريا على أساس أن هناك استحالة مادية في حجز المياه تحت أي ظرف من الناحية التقنية، ذلك لأن المنشآت التركية مضطرة لتصريف ما لا يقل عن 350 متراً مكعباً/ثانية أي ثلث موارد الفرات. ولكن سوريا تجادل بأن ذلك مؤقتا، ولكن عند اكتمال السدود التركية سيتغير هذا الموقف، ومع انجاز قنوات التصريف والتي ستربط بين منطقة السدود وعمق الأناضول لري مئات الآلاف من الأفدنة بواسطة الخزانات المحيطة بالسدود، ستقل بالضرورة المياه التي ستسمح تركيا بمرورها لكل من العراق وسوريا. وقد سبق أن حجزت تركيا مياه الفرات شهرا كاملا عن العراق وسوريا، بدعوى ملء سد أتاتورك، ورفضت الطلب السوري بتقليص الفترة الى أسبوعين مما سبب أضرارا بالغة للزراعة في كل من العراق وسوريا، خاصة مع تكرار تخفيض حصة سوريا من المياه عدة مرات.
فإذا وضعنا في الاعتبار التهديدات التي أطلقها الرئيس التركي سليمان ديميريل في عام 1992 عند تدشين سد أتاتورك، والتي قال فيها: (إن سوريا والعراق لا يستطيعان المطالبة بحصة من النهرين التركيين بقدر يزيد على حصة تركيا من بترولهما).
وهو ما كرره مسعود يلماظ بعد ذلك معتبرا أن المياه هي (بترول بلاده)، لادركنا حجم التهديد التركي للبلدين العربيين والناتج عن استخدام تركيا للمياه كسلاح ضغط عليهما، خاصة وأن سد (ايلزوغ) على نهر دجلة والذي يقع على مسافة 65كم من الأراضي السورية ويهدد باغراق 52 قرية كردية و12 بلدة وتشريد 20 ألف نسمة، يمكنه أن يحرم سوريا نهائيا من هذه المياه لعدة أشهر.
وقد أثارت تركيا في المقابل مشكلة مياه نهر العاصي الذي ينبع من لبنان ويصب في تركيا عبر سوريا، ولا يزيد تصريفه على 459 مليون م مكعب تشكل 1.8% من إجمالي تدفق مياه نهر الفرات. ولن يضير سوريا الاتفاق على توزيع مياهه اذا ما تم ذلك في اطار اتفاق أشمل يتم فيه أيضا توزيع مياه الفرات ودجلة، بل ويشمل تسوية قضايا الحدود كذلك.
وتزداد حاجة تركيا الى تطبيع علاقاتها مع سوريا مستقبلا، بالنظر لما تشير اليه التقديرات حول وجود مخزون ضخم من الغاز الطبيعي في سوريا، في ذات الوقت الذي تزداد فيه حاجة تركيا من الغاز بأكثر من الصفقة التي عقدتها مع إيران في أواخر عام 1996، حيث يزداد الطلب التركي الى نحو 25 مليار متر مكعب في عام 2010 في مقابل 10 مليارات متر مكعب في عام 1998، في حين أن الصفقة مع إيران توفر في المتوسط 4 مليارات متر مكعب فقط سنويا.
مستقبل العلاقات التركية الإيرانية
تتغير العلاقات التركية الإيرانية صعودا وهبوطا ارتباطا بعدة قضايا، أبرزها ما توجهه تركيا من اتهامات لإيران بتصدير عوامل التطرف الديني اليها، ودعم التيارات الدينية السلفية في تركيا ذات التوجه السياسي (حزبي الرفاه والفضيلة) بالاضافة الى تشكيل فرع لحزب الله يعمل داخل تركيا. كذلك دعم حزب العمال الكردستاني والطائفة العلوية المتواجدة في تركيا. في مواجهة ذلك تدعم تركيا المعارضة الإيرانية والمتمثلة في منظمة (مجاهدي خلق) والتي تشن من وقت لآخر هجمات ضد السلطات الإيرانية في داخل إيران. كما توجه إيران اتهامات لتركيا بأنها تسمح للطائرات الإسرائيلية ومحطات التنصت الإسرائيلي المتواجدة بالأراضي التركية بالتجسس على إيران، بل وتشير طهران لوجود اتفاق بين إسرائيل وتركيا يسمح للأولى باستخدام الأجواء التركية من أجل توجيه ضربة جوية ضد المنشآت الصاروخية والنووية والعسكرية والاستراتيجية الأخرى في إيران.
وقد تصاعدت حدة التوتر بين البلدين في يوليو 1999 عندما قصفت المقاتلات التركية قرية (بيراتشين) الإيرانية القريبة من الحدود مع تركيا. ثم جرت بعد ذلك مفاوضات أمنية في 28 يوليو 1999 انتهت بتوقيع اتفاق أمني في 13 أغسطس من نفس العام نص على التنسيق في مكافحة أعمال الارهاب. ولم تستطع تركيا اقناع إيران بملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي الإيرانية كما تفعل مع العراق، أو حتى اجراء عمليات تفتيش مشتركة. ولكن تأزمت العلاقات مرة أخرى بين البلدين في نوفمبر 2000 عندما أجبرت طائرتان تركيتان (اف16) طائرة مدنية إيرانية على الهبوط في قاعدة جوية تركية في ديار بكر، وقامت بتفتيشها بحثا عن أسلحة متوجهة الى حزب الله في لبنان ولم تجد شيئا.
إلا أن هذا التوتر في العلاقات بين البلدين لم يمنعهما من توقيع ما أطلق عليه (صفقة العصر) بواسطة نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا في طهران عام 1995، والتي تسمح لإيران بتصدير 90 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الى تركيا خلال 20 عاما مقابل 23 مليار دولار. تبدأ بتصدير 3 مليارات متر مكعب سنويا اعتبارا من عام 1998، تزيد الى 10 مليارات متر مكعب في عام 2005 وحتى نهاية مدة الاتفاق. والغريب أن هذا الاتفاق تم توقيعه رغم مشاركة تركيا للولايات المتحدة في تنفيذ استراتيجية (الاحتواء المزدوج) التي تحاصر كلاً من العراق وإيران، ورغم (قانون داماتو) الذي أصدره الكونجرس كعقاب على إيران.
وما كان لأربكان أن يوقع هذه الصفقة لو كانت العلاقات عدائية بين البلدين، والدليل على ذلك أن اتهامات جنرالات تركيا لإيران بدعم التطرف الديني انخفضت بعد ازاحة أربكان، مما يعزز القول بأن هذه الحملة كانت جزءا من الحملة على أربكان نفسه.
خلاصة القول
ينبغي على تركيا أن تدرك حقيقة مهمة وهي أنه رغم مظاهر القوة التي تتمتع بها إسرائيل حاليا، فإن هذه الدولة الى زوال. وهو ما يتنبأ به حاخامات إسرائيل وقادتها، وآخرهم المفكر اليهودي (يعقوب شاريت) ابن موسى شاريت أول وزير خارجية لإسرائيل، وثاني رئيس وزراء لها في كتابه (دولة إسرائيل زائلة). حيث خلص الى حقيقة مهمة مفادها حتمية زوال إسرائيل، وأنها دولة مرحلية، أيامها معدودة. ويعزو شاريت زوال إسرائيل الى أسباب وعوامل كثيرة منها عدم امكان محو فلسطين من عقول وقلوب سكانها الأصليين الذي يتحينون الفرص لاستعادتها من جديد، الى جانب تراجع عملية التسوية مع العرب بسبب عجرفة القيادات الإسرائيلية، ويتنبأ بأن الحرب مع العرب قادمة لا محالة وستكون في صالحهم، كما يصف البرنامج النووي الإسرائيل بـ(العبثية) لأن الرد العربي سواء كان بأسلحة كيميائية أو بيولوجية فيه نهاية إسرائيل. هذا بالاضافة لسيطرة ما أسماهم (هواة الخراب والتدمير وسفك الدماء) على النخبة الحاكمة في إسرائيل، ناهيك عن الزيادة المتعاظمة في معدل النمو السكاني لدى العرب، خاصة الفلسطينيين، والتي ستجعل إسرائيل في النهاية بمثابة جزيرة صغيرة منعزلة وسط بحر متلاطم من العرب.
ويستدعي الكثيرون من الإسرائيليين شبه العاقلين من ذاكرة التاريخ دولة الصليبيين التي قامت في فلسطين في القرن الثاني عشر ودامت 192 سنة، ثم انتهت وعادت الأرض لأصحابها العرب، ورجعت فلول المنهزمين الصليبيين تجرجر أذيال الخيبة والفشل الى بلدانها في أوروبا. فاذا كان هؤلاء الصليبيون قد وجدوا مأوى لهم في بلدانهم بعد عودتهم لها، فمن سيأوي الإسرائيليين عندما تطيح بهم الغضبة العربية العارمة والقادمة لا محالة؟ أغلب الظن أنه سينفذ فيهم سيناريو (الماسادا) عندما انتحر اليهود في قلعتهم بعد حصارها بالرومان في عام 450م.
إذن على ماذا تراهن تركيا في شراكتها الاستراتيجية مع إسرائيل؟ لاشك أنها تراهن على حصان خاسر، حتى ولو كان هذا الحصان يلقى دعما ومساندة من أمريكا، خاصة وأن أصواتا في الولايات المتحدة ارتفعت تشكك في جدوى التحالف الأمريكي الإسرائيلي، وأن إسرائيل أصبحت عبئا على الولايات المتحدة وليست رصيدا استراتيجيا لها، لاسيما بعد أن أظهرت ميولا عدوانية كثيرة تجاه أمريكا، تمثلت في عمليات التجسس الإسرائيلي المتلاحقة على أسرار الأمن القومي الأمريكي، وبيع تكنولوجيا الأسلحة الإسرائيلية ذات الأصل الأمريكي لدول معادية للولايات المتحدة مثل الصين.
وبالتالي على تركيا أن تدرك أن مصالحها الحقيقية مع العرب وأن أول خطوة ستخطوها تركيا في ابتعادها عن إسرائيل ستقابل بخطوات كثيرة من جانب العرب ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، ولكن أيضا في قضايا أخرى تهم تركيا مثل مشاكلها مع اليونان وقبرص وأرمينيا وروسيا ودول بحر قزوين ستجد مساندة العرب لها في كل هذه القضايا

طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:46 PM
تركيا وحلم الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء الحرب الباردة ونظام القطبية الثنائية، شهد العالم مرحلة سيولة سياسية شديدة تتميز بوجود تفاعلات سياسية قوية بين القوى الدولية والإقليمية بحثاً عن أكبر قدر من المكاسب والنفوذ خلال هذه المرحلة التي تنتهي بنظام عالمي جديد لا يمكن تغييره بسهولة،
والاتحاد الأوروبي أحد الأقطاب الرئيسية المشاركة في هذه المرحلة وفي المرحلة المقبلة، ونظراً لارتباط استقرار ورفاهية دول الاتحاد بما يحدث سلباً وإيجاباً في المناطق المجاورة لها وتحديداً في شرق أوروبا وجنوب البحر المتوسط، فقد أعد خبراء الاتحاد الأوروبي خطة لزيادة الوجود الأوروبي في هاتين المنطقتين عن طريق ضم دول شرق أوروبا للاتحاد وزيادة التعاون مع دول جنوب المتوسط وهو ما يعرف بعملية برشلونة.
وكانت مقدمة تنفيذ تلك الخطة فتح قنوات اتصال مع دول أوروبا الشرقية نتج عنها توقيع عدد من اتفاقيات التجارة والتعاون مع بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا قبل انقسامهما سلمياً إلى جمهورية التشيك ودولة سلوفاكيا، واستونيا ولاتفيا وليتوانيا والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفينيا. هذه الدول تحديداً هي المرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي.
في حين نجد أن تركيا والتي تسعى منذ فترة طويلة للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي رشحها الاتحاد للحصول على العضوية بعد سحب اليونان اعتراضها على هذا الترشيح في ظل التحسن الملموس في العلاقات اليونانية التركية والتي توجت بزيارة وزير الخارجية التركي إسماعيل جيم لليونان لأول مرة منذ أربعين عاماً.
ورغم هذا الترشيح في الاجتماع الذي عقده الاتحاد في قمة هلسنكي في سبتمبر عام 1999 إلا أن تركيا مازالت حتى الآن خارج الاتحاد ولم تحصل على العضوية الكاملة وحدثت في الآونة الأخيرة أزمة ثقة في التفسيرات الأوروبية والتركية لشروط التي وضعها الاتحاد للحصول على عضوية كاملة لتركيا واصطدمت المفاهيم التركية والأوروبية مما أحدث فجوة عميقة في العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات والتفسيرات حول هذه الأزمة الحالية في الثقة ومنها: ما هي هذه الأزمة الحالية؟ ثم ما هي الشروط التي كان الاتحاد الأوروبي قد وضعها أمام تركيا للحصول على عضوية الاتحاد؟ وما هو الدور الذي لعبته الأمم المتحدة من أجل ترشيح تركيا؟ وما هي الإيجابيات والسلبيات التي تعود على تركيا والاتحاد الأوروبي من هذا الانضمام، ويعرض التحليل التالي الإجابة على هذه التساؤلات التي تشكل في مجملها جوهر القضية كاملة.
ازمة الثقة أولاً: أزمة الثقة الحالية والتفسيرات التركية الأوروبية المتعارضة للشروط: تمر العلاقات التركية ـ الأوروبية حالياً بأزمة سياسية حول صيغة شروط الاتحاد وهي من أهم الأزمات التي واجهتها حتى الآن، وتعيد إلى الأذهان أزمة عام 1997عندما قررت أنقرة تجميد علاقاتها السياسية مع الاتحاد الأوروبي عندما استثنى الاتحاد تركيا من بين 12دولة قبل ترشيحها لعضويته، كما من المتوقع أن تكون هذه نهاية الأزمات أو الأزمة الأخيرة بين الطرفين حتى لو تم تجاوزها، وتتمثل أبعاد هذه الأزمة في: ـ على الرغم من أن الأزمة الحالية تركزت حول رفض أنقرة اعتبار حل القضية القبرصية وخلافاتها الحدودية مع اليونان ضمن المعايير الأساسية لانضمامها للاتحاد، إلا أن هناك أسباباً أخرى تتمثل في اختلاف طريقة تناول كل من تركيا والاتحاد الأوروبي العلاقات الثنائية بينهما بما يعرف بأزمة الثقة والتفسيرات المتنافرة. ويذكر في هذا الصدد أن وثيقة قبول ترشيح تركيا للاتحاد الأوروبي التي وقع عليها رئيس الوزراء بولندا أجاويد العام الماضي (1999) تعطي مهلة لتركيا حتى عام 2004 لإنهاء خلافاتها الحدودية مع اليونان والمسألة القبرصية، وهنا يصبح التساؤل: كيف يعتبر أجاويد أن الأزمة الحالية هي مساومة سياسة مرفوضة من جانب تركيا؟ يمكن القول ان حالة الشك والريبة التي تسيطر على نظرة المسئولين والقيادات السياسية والعسكرية التركية في نيات الاتحاد الأوروبي تجاه تركيا هي جوهر المشكلة، فالمسئولون الأتراك يظنون أن الاتحاد الأوروبي يراوغ في الانقسام لينتزع من تركيا حلاً للقضية القبرصية ومسألة الحدود في بحر إيجه مع اليونان تحت غطاء شروط العضوية، حتى إذا ما حصل الاتحاد على ما أراد تفنن في وضع العراقيل أمام تركيا لإبقائها خارجه ويضعها أمام أحد خيارين: إما المفاوضات إلى ما لا نهاية وإما القبول بعضوية منقوصة لتركيا، ولذلك تتعامل تركيا مع كل التصرفات السياسية للاتحاد من مبدأ المساومة السياسية.
ـ تعكس تصريحات المسئولين الأتراك وجود محادثات أوروبية لإضعاف تركيا وتفريق وحدتها وهذه أزمة أخرى: ـ فالأتراك يرون أن ما يطالبهم به الاتحاد الأوروبي من ضمان حقوق الأكراد اللغوية والثقافية والسياسية لا تلتزم به اليونان البلد العضو في الاتحاد رغم أنها تضم أقليات عرقية وهذه ازدواجية في التعامل.
ـ في المقابل يصر الاتحاد الأوروبي على أن ما يقدمه من شروط إنما هو ضروري لقبول تركيا في مشروع اجتماعي سياسي وأن تركيا تتحمل وحدها مسئولية ابتعادها عن عضوية الاتحاد. ـ اصطدام المفاهيم أو التفسيرات التركية الأوروبية حول: من يسعى إلى الآخر بمعنى هل تركيا هي التي تسعى وراء الحصول على العضوية في الاتحاد؟ أم أن الاتحاد هو الذي يسعى لضم تركيا في عضويته نظراً لأهميتها الجيوستراتيجية؟ ـ الرؤية التركية تؤكد أهمية تركيا الجيوستراتيجية بالنسبة للاتحاد الأوروبي من ناحية البترول والغاز التركي وأن تركيا هي بوابة القوقاز ووسط آسيا، وكذلك حاجة أوروبا إلى القوة العسكرية والجنود الأتراك لحماية القارة والبلقان وخصوصاً بعد تأكيد بعض المسئولين الأتراك أن تعداد السكان الأوروبيين سيتناقص كثيراً بعد عشرين عاماً إلى درجة تعجز أمامها أوروبا عن حماية القارة.
ـ أما الرؤية الأوروبية فتؤكد أن تركيا هي التي تسعى منذ فترة وسعت سعياً حثيثاً من أجل الحصول على العضوية بدليل تحسن علاقاتها مع اليونان. ولاشك أن هذه الأبعاد المختلفة لهذه الأزمة الحالية تقتضي تناول الأسباب التي دفعت إلى الترشيح والشروط التي وضعها الاتحاد الأوروبي وتردده لفترة طويلة في هذا الأمر.
عقدة أوروبا ثانياً: دوافع الترشيح والشروط مثلت تركيا طوال الوقت عقدة للاتحاد الأوروبي، فبرغم الإلحاح التركي من أجل قبولها عضواً في الاتحاد الأوروبي، إلا أن أوروبا قد أبدت تردداً شديداً إزاء هذا الطلب. الأمر الذي يجعل من تغيير الموقف الأوروبي حدثاً كبيراً يستحق الاهتمام، ويمكن تفسير التردد الأوروبي في ضوء عدد من الأبعاد الأساسية: ـ من الناحية الاقتصادية تمثل عملية تطوير الاقتصاد التركي لكي يكون قادراً على الاندماج في الاقتصاد الأوروبي المتقدم عبئاً مالياً ثقيلاً، خاصة وأن حجم تركيا السكاني والجغرافي يرفع تكلفة هذه العملية بشدة، فالاقتصاد التركي يقوم أساساً على الزراعة، ناهيك عن عدد السكان الذي يبلغ أكثر من 70 مليون نسمة ومن المتوقع أن يصل عام 2025 إلى 92 مليون نسمة، ويصل معدل النمو السكاني إلى أكثر من 0.90% بما يفوق عشر مرات معدلات النمو السكاني في أوروبا. ـ ومن الناحية السياسية توضح خريطة القوى السياسية في تركيا مدى الانقسام الثقافي والفكري، ومن ثم الصراع بين اتجاهين رئيسيين إحداهما إسلامي يضم جماعات الطرق الصوفية وجماعة النورسي وحزب الفضيلة (الرفاه سابقاً) وثانيهما علماني يضم عدداً من التيارات والفاعليات الفكرية والمؤسسية، ويتمحور الصراع بين هذه القوى حول ثلاث مستويات هي: الفكري ـ الأيديولوجي، والسياسي، والصراع على الهوية. فالاتجاه الإسلامي يركز على الهوية الإسلامية للمجتمع التركي، أما الاتجاه العلماني فيؤكد على الهوية الغربية ويسعى جاهداً لربط تركيا بأوروبا وإدماجها في الجماعة الأوروبية اقتصادياً وسياسياً وثقافياً. ومن هنا يرى الاتحاد الأوروبي قبول تركيا كعضو كامل العضوية في الاتحاد يمكن أن يخلق تناقضات ثقافية واجتماعية تعرقل مسيرة الاتحاد. ـ كما ان دور الجيش والعسكر في الحكم يعوق التطور الديمقراطي ويؤدي إلى إفرازات اجتماعية ودينية تثير مخاوف أوروبا حال انضمام تركيا، وكذلك تؤدي هذه السياسات العسكرية إلى ظهور مشاكل اللاجئين الأتراك إلى أوروبا بحثاً عن مأوى لهم وهرباً من تعسف الجيش. ـ إضافة إلى ذلك، فإن الفيتو اليوناني كان حاضراً بقوة ومتأهباً دائماً إذ بدا أن تركيا تتخطى العوائق لتلتحق بمسيرة الاتحاد الأوروبي، فكانت اليونان تصر على تحقيق شرطين أساسين لترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي هما: إقناع تركيا للقبارصة الأتراك بالتخلي عن إعلان الدولة، وموافقة أنقرة على السماح لأثينا بتمديد حدودها الإقليمية في بحر إيجه 12ميلاً بحرياً. ـ علاوة على ما سبق، هناك تحديات نابعة من بنية الاتحاد الأوروبي، فالنظام المعمول به حالياً للتصويت في المجلس الوزاري للاتحاد يعطي كل دولة فيه وزناً تصويتياً يتناسب مع عدد سكانها، بحيث تحصل الدول الكبيرة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا ـ على عشرة أصوات، ويقل العدد المخصص للدول الأخرى وفقاً لحجمها السكاني حيث يصل إلى صوتين فقط. وفي بعض القرارات الخاصة مثل انضمام عضو جديد يكون اتخاذ القرار بالإجماع. والمشكلة التي تواجه الدول الكبرى حالياً هي أن انضمام دولة جديدة ذات قدرات تصويتية كبيرة سيجعل الثقل النسبي للأعضاء الحاليين أقل بكثير مما هو عليه الآن، مما يحتم البحث عن صيغة تصويتية جديدة تحقق التوازن بين الأعضاء وإعادة تحديد القضايا التي تحتاج لإجماع حتى لا تتعرض المسيرة الاتحادية للتعثر لمجرد معارضة دولة واحدة، الأمر الذي أصبح مطروحاً بقوة مع انضمام تركيا وغيرها من دول شرق آسيا. وتتمثل المشكلة الأخرى في عدد المفوضين العاملين في المفوضية الأوروبية الذين يمثلون السلطة التنفيذية، فالنظام الحالي يعطي لكل دولة صغيرة الحق في أن يكون لها مفوض واحد، بينما يتضاعف العدد للدول الكبرى، وطبقاً للنظام الحالي، فإنه يوجد عشرون مفوضاً يتولون الإشراف على القطاعات الأساسية في المفوضية حالياً. وهو العدد الذي يجب أن يزداد في حال انضمام تركيا، بما يؤدي إلى تضخم الجهاز البيروقراطي للاتحاد الأوروبي بشكل لا يخدم أداءه.
ورغم هذا التردد الأوروبي فقد تمت مناقشة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في الاجتماع الذي عُقد في هلسنكي في سبتمبر عام 1999، وكان هناك ميلاً عاماً لدى دول الاتحاد للموافقة على ترشيح تركيا للانضمام للاتحاد، ولذلك تقرر في ختام أعمال هذه الاجتماعات وبصفة نهائية ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي وقبلت تركيا من جانبها جميع الشروط التي وضعها زعماء الدول الأعضاء في الاتحاد، وتتمثل الشروط في الآتي: ـ تسوية الخلافات التركية اليونانية وقد أبدى الطرفان رغبة في حل هذه الخلافات وذلك بعد زيارة كلينتون والأعضاء الأوروبيين في الاتحاد لأنقرة في نوفمبر 1999، والواقع أن هذه الشرط كان له وقع الصاعقة على تركيا، لأنها انطوت على ما كانت تخشاه الدبلوماسية التركية من عدم المراعاة لشعورها القومي ووزنها الاستراتيجي، فقد اشترط الاتحاد الأوروبي شروطاً صعبة وخاصة ضرورة حل الأزمة القبرصية حلاً سلمياً وألا تعترض تركيا على دخول قبرص بشقيها اليوناني إلى الاتحاد إذا ما بقيت الجزيرة منقسمة كما هي عليه الآن، إضافة إلى حل الخلافات التركية-اليونانية حول جزر بحر إيجه أو اللجوء في حالة تعذر ذلك- إلى محكمة العدل الدولية لحلها، وهذا الشرط هو أكثر الشروط تعنتاً من وجهة النظر التركية والتي أثارت أزمة الثقة الأخيرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي. ومن المعروف أن تركيا تمسكت دائماً بموقفها من النزاع القبرصي وبمعارضتها الشديدة لفكرة انضمام الشطر القبرصي اليوناني إلى الاتحاد الأوروبي، بل أنها لم تتردد في التهديد بخوض حرب إذا ما أصرت روسيا على بيع صواريخ أرض ـ جو متطورة لقبرص اليونانية، كذلك رأت القيادة التركية أن دعوة الاتحاد الأوروبي إلى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لحل نزاعها مع اليونان محاولة أخرى للنيل من تركيا. وخاصة وأنها أعلنت أكثر من مرة رفضها هذا الخيار.
ـ قضية حقوق الإنسان والديمقراطية وخاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الأكراد وكيفية مواجهة القيادة السياسية للإسلام السياسي والهوية الإسلامية في تركيا. ـ أهمية تحسن الوضع الاقتصادي في تركيا بحيث يصبح قادراً على الوصول إلى المستوى المتوسط للدخل الأوروبي والقادر على التعامل باليورو، العملة الأوروبية الموحدة ـ التي بدأ التعامل بها فعلياً، وقد بدأ الاقتصاد التركي بناء على توجه أمريكي ـ يلقي الدعم والتقوية التي تساعد على تحسنه ومن أهمها ما قدمته الولايات المتحدة من صفقة كبيرة لتركيا وهي إنشاء خط الأنابيب الجديد الذي يبدأ من بحر قزوين عند باكو لينتهي في تركيا عند ميناء جيهان على البحر المتوسط.
التنافس الأمريكي الأوروبي وتبين الخبرة التاريخية أن كل دولة رشحت لعضوية الاتحاد الأوروبي قد حصلت عليها بالفعل بعد فترة طالت أم قصرت، الأمر الذي يعني أن تركيا سوف تنضم يوماً ما إلى الاتحاد.
ويرجع قبول الاتحاد الأوروبي لترشيح تركيا للحصول على العضوية تراكم جملة المتغيرات المحلية والإقليمية في علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي وهي: ـ في البداية لا يمكن أن نغفل البعد الأمني والدور الأمريكي الذي أسهم في ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، سواء بسبب الدعم الأمريكي للطلب التركي، أو لحقيقة تنامي العلاقات الأمريكية ـ التركية التي وصلت ذروتها في زيارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لتركيا في مارس عام 2000، وتوقيع اتفاقية مد خط الأنابيب من القوقاز إلى تركيا. مما جعل الاتحاد الأوروبي يدرك خطورة ابتعاد تركيا عن الدائرة الأوروبية واتجاهها نحو توثيق علاقاتها مع أمريكا على حسابه، فهناك توتر معلن وغير معلن داخل ملف الأطلسي بين الولايات المتحدة وأوروبا التي تشعر بأنها ضعيفة عسكرياً، الأمر الذي يجعل أوروبا تشعر بالحاجة إلى تركيا من الناحية الأمنية، وبالتالي فإن ترشيح تركيا للعضوية هو محاولة للاستفادة بإسهامها في الجهد الأمني الأوروبي. ـ ازدادت أهمية هذا البعد الأمني في اتجاه أوروبا لتطوير سياسة خارجية وأمن ية موحدة وتعيين خافيير سولانا منذ أكتوبر لعام 1999مفوضاً أوروبياً لشئون السياسة الخارجية والأمن وقيامها بدمج اتحاد غرب أوروبا في مؤسسات الاتحاد باعتباره جناحاً عسكرياً وأمنياً له. كل هذه التطورات أسهمت في زيادة أهمية عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، بالرغم من العبء الاقتصادي والسياسي الذي تمثله تركيا بالنسبة لأوروبا. ـ أما على صعيد الوضع السياسي داخل تركيا فإن الاتحاد الأوروبي يرغب في تحقيق هدفين مزدوجين، أولهما: إتاحة مزيد من الوقت للتيار العلماني التركي ليدعم من قوته ونفوذه في مواجهة التيار الإسلامي.
وثانيهما: تحسين أوضاع حقوق الإنسان وبخاصة على صعيد التعامل مع الأكراد وإلغاء حكم الإعدام الصادر في حق زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، وبالفعل أرجأت تركيا حكم الإعدام حتى تصدر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكمها في القضية وهو ما قد يستغرق وقتاً طويلاً من المداولات.
إجمالي القول أن الأوروبيين وهم يضعون شروط انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي يدركون أن هذا الانضمام لن يكون سهلاً بل ستكتنفه صعاب وعقبات كثيرة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، فالاقتصاد التركي لابد يفي بمتطلبات إعادة الهيكلة وشروط الحصول على قروض أوروبية الأمر الذي يثير مشاكل داخل تركيا تتعلق بضرورة خصخصة القطاع العام وتحجيم الإنفاق العام. ومن الناحية السياسية فإن انضمام تركيا سوف يجبرها على التراجع عن سياستها تجاه الأكراد والمتبعة منذ سنوات طويلة. لذلك سوف تضطر تركيا إلى اتباع سياسة جديدة متناقضة لما سبق أن مارسته من سياسات في السنوات الأخيرة، الأكثر من ذلك أن انضمام تركيا قد لا يفيدها في نزاعها مع اليونان أو قبرص كما كانت تأمل، ورغم صدور القرار الأوروبي بفتح باب الترشيح أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك لم يمنع استمرار التوجهات الأوروبية المتعارضة والمتناقضة مع التوجهات والتفسيرات التركية لتلك الشروط وهو ما يثير أزمة في الوقت الراهن ولذلك من المنتظر أن تستمر هذه الخلافات فترة ليست قصيرة في المستقبل المنظور.

طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:46 PM
القواعد العسكرية الأمريكية في تركيا عقدت الولايات المتحدة الامريكية مع تركيا اتفاقية في عام ,1969 وسمح بموجبها للولايات المتحدة باقامة (26) ست وعشرين قاعدة عسكرية بالاضافة الى مراكز الرصد والانذار المبكر ومراكز الاتصالات اللاسلكية وقواعد التجسس وجمع المعلومات, وكذلك التسهيلات البحرية في اهم الموانىء التركية. ولقد عززت الولايات المتحدة القوات المسلحة التركية بحيث اصبحت تمتلك اكبر قوة برية تقليدية (غير نووية) بعد المانيا الغربية السابقة في حلف الناتو . كما ان موقع تركيا القريب من منابع النفط يعطيها ميزة كقاعدة جيدة للسيطرة على منابع النفط في الخليج العربي, ويسمح للولايات المتحدة السيطرة على معظم الطرق الجوية والبرية المباشرة بين الاقطار العربية والدول المجاورة, وافريقيا كما يمنحها العديد من القواعد الجوية والبحرية اللازمة لتسهيل مهمات حلف شمال الاطلسي ويجعلها قادرة على تركيز وسائط الرصد والانذار المبكر ومحطات التجسس لمراقبة التحركات العسكرية لدول الجوار... ومن اهم القواعد العسكرية في تركيا هي:ـ
قاعدة انجرليك: وهي من اضخم القواعد الجوية للحلف الاطلسي المقامة على الاراضي التركية وتقع على ابواب مدينة (ادنة) اذ ان تجهيزاتها من الطائرات والصواريخ واجهزة الاتصال الرادارية المتطورة والبعيدة المدى اضافة الى تواجد الآلاف من الجنود الامريكان والاوروبيين, وتسمح لهذه القاعدة بالسيطرة على اجواء الجزء الشرقي من البحر المتوسط اضافة الى مهماتها المخصصة للهجوم والدفاع فانها تضم عشرات الطائرات من احدث ما توصلت اليه تكنولوجيا الغرب من طراز فانتوم وغيرها. كما تتمركز فيها وحدات من القوة الجوية الامريكية التكتيكية/ ,16 وتتولى هذه القاعدة بدورها مهمة تدريب الطيارين الاتراك ومن دول حلف الاطلسي المتواجدين في المنطقة من جنسيات مختلفة, وهو تدريب شاق وذو مهمات صعبة ومعقدة وذات طبيعة غير اعتيادية اضافة الى ذلك كله فان هذه القاعدة تقوم بواجب (الدفاع) عن الخاصرة الجنوبية لحلف شمال الاطلسي (في حالة نشوب نزاع ما بين الشرق والغرب) وقد استخدمت هذه القاعدة بشكل واسع في ضرب اهداف داخل العراق.
قاعدة: سينوب: وتقع هذه القاعدة على الشاطىء الجنوبي للبحر الاسود وتوجد فيها رادارات بعيدة المدى واجهزة اتصال متطورة, ويديرها موظفون من وكالات الامن القومي, ومهمتها جمع المعلومات عن نشاطات الدول القريبة من منطقة البحر الاسود ورصد تجارب الصواريخ النووية وجمع المعلومات والنشاطات البرية, وهذه القاعدة مزودة بأجهزة الكترونية متطورة حيث تلتقط رسائل الراديو الخاصة باتصالات الطائرات.
قاعدة بيرنكيك: وهي مخصصة للانذارات المبكرة, في حالة حصول اي هجوم صاروخي معاد. وهذه القاعدة استخدمت اثناء خلع الشاه محمد رضا بلهوي شاه ايران عن العرش, والاحداث الايرانية التي تلت ذلك داخليا وخارجيا بالتنسيق مع الاقمار الصناعية التي تلعب هي الاخرى دورا في مجال الاتصال والمراقبة وتقع على بعد (30) كيلومترا شمال ديار بكر.
قاعدة كارنمابردن: وتقع على الجانب الشمالي من بحر (مرمرة) وهي قاعدة لخفر السواحل وفيها محطة لتوجيه الملاحة البحرية عن بعد, مهمتها مساعدة سفن الاسطول السادس على تحديد مواقعها بدقة.
قاعدة ازمير الجوية: وتستخدم هذه القاعدة للدعم الجوي وتعتبر مقر القيادة البرية للجزء الجنوبي من حلف شمال الاطلسي وفيها قيادة القوة الجوية التكتيكية للاسطول السادس.
قاعدة بلياري: وتقع هذه القاعدة جنوب العاصمة انقرة وتعتبر مركزا رئيسيا للتنصت على التجارب النووية التي يجريها الاتحاد السوفييتي السابق سواء في البحر او في باطن الارض.
قاعدة انقرة الجوية: وهذه القاعدة هدفها تأمين الجسور والاشراف على اجواء البحر الاسود, وفيها مركز عمليات تركي ـ امريكي مشترك...
قاعدة سيلفلي: وتقع الى الشمال من ازمير وهي قاعدة جوية تكتيكية تستخدم عند الحاجة للقوات الامريكية وحلف الاطلسي.
قاعدة الاسكندرونة, و(يومورتاليك): وتقعان بالقرب من الحدود السورية وتعتبران من اهم مستودعات التموين والمحروقات وفيها 20% من مخزون الاسطول السادس من الوقود ومركز لتأمين الاتصالات الامريكية ومحطة رادارية ارضية تابعة لنظام الرصد والانذار المبكر لحلف شمال الاطلسي (الناتو).. من ذلك كله يمكن القول ان موقع تركيا الاستراتيجي له اهمية كبيرة لدول حلف شمال الاطلسي (الناتو), وخاصة الولايات المتحدة الامريكية التي تقوم بدور مهم واساسي في دعم القواعد العسكرية للحلف الموجودة في الاراضي التركية من خلال تجهيزها بأحدث الطائرات من طراز (اف/16 واف/18 واف/111) اضافة الى انواع اخرى ما زالت سرية, وتدعم هذه الطائرات مجموعة ضخمة من الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى يصل مدى بعضها الى (6000 ـ 8000) كيلومتر, وهي شديدة التدمير, معتبرة انها سوف تلعب دورا رئيسيا (في اية مواجهة محتملة بين الشرق والغرب), اضافة الى معدات حديثة جدا في مجال الانذار المبكر والمراقبة وغيرها. ويبدو ان حلف شمال الاطلسي يتمسك بهذه القواعد ويعتبرها جزءا حيويا منه, ومن المستبعد بل يمكن القول من المستحيل التخلي عنها اذا دخلت في لعبة السياسة الدولية.. وفي مقابل ذلك تحاول تركيا زيادة مخصصاتها الدفاعية عاما بعد اخر حتى لو كان ذلك على حساب التنمية الاقتصادية والتعليم والصحة والصناعة المدنية ولتحسين مستوى الدخل القومي ودخل الفرد.
تركيا والدور الاقليمي
استكمالا لما طرحناه نجد ان تركيا كانت ولا تزال تمارس دورا تؤذي فيه الدول العربية بشكل عام, ودول الجوار العراق وسوريا بشكل خاص. انطلاقا من كونها دولة حليفة من حلف شمال الاطلسي (الناتو), فتحت اراضيها على مصراعيها لخدمة اغراض الحلف العدوانية المعلنة وقت تشكيله, وهي درء اي تهديد لحلف وارسو, كتلة الدول الاشتراكية انذاك, فان تمسك الولايات المتحدة بقيادة الحلف وتوجيه خدمته لاغراضها الاستراتيجية وفي مقدمتها حماية امن الكيان الصهيوني وتفوقه عسكريا وتكنولوجيا على الدول العربية وابقاء كفة الموازنة بالقوة لصالح هذا الكيان. والمحافظة على مصالحها في منطقة الشرق الاوسط وبالذات منطقة الخليج العربي بالسيطرة على منابع النفط, واستمرار تدفقه وبأسعار رخيصة لخدمة ماكنتها الحربية والعلمية.. كل ذلك جعل من تركيا الدولة الحليفة تابعا ومنفذا لخطط واستراتيجية الولايات المتحدة. لقد سعت الدول العربية والعراق بشكل خاص كونه دولة جوار وتربطه مع تركيا حدود طويلة مشتركة اضافة الى المصالح المتبادلة لخدمة وتقدم شعوبهما الى فتح صفحات جديدة, والحرص وبشدة على ازالة العقبات للحد من كل ما يعيق التقارب مع تركيا, لكن هذه المواقف لم تقابل بالمثل, فكانت تركيا ولا تزال معبرا يتسلل من خلاله الاخرون لالحاق الاذى بالعراق والامة العربية, وبمجرد اطلالة بسيطة على التاريخ القريب تبرز امامنا مواقف تركية لا ابالية ما دام هناك من يأمرها فتطيع ويطلب منها فتنفذ, ومن هذه المواقف على سبيل المثال لا الحصر اعتراف تركيا بالكيان الصهيوني في السنوات الاولى لنشوء هذا الكيان المسخ, وانضمامها الى حلف بغداد عام 1955 وتأييدها العدوان الثلاثي على مصر عام ,1956 والتدخل الامريكي في لبنان ونشر قوتها على الحدود العراقية للتدخل في اسقاط ثورة 14 يوليو 1958 اضافة الى تلويحها المستمر بقطع المياه عنه او تخفيض حصة سوريا والعراق من المياه وانشاء السدود والخزانات لالحاق الضرر بالزراعة في العراق وسوريا. وانتهاكها المستمر لحرمة الاراضي العراقية منذ عام 1991 ولحد الآن بحجة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني التركي (p.k.k) مستغلة الاوضاع الشاذة في شمالي العراق, واخيرا تعاونها المشترك وبدفع من امريكا والكيان الصهيوني في مجال التصنيع العسكري للصواريخ وشبكات الليزر التكتيكية المضادة للصواريخ والتي تحمل اسم (نويتلوس) وهي شبكة تم نشرها في اواخر عام ,1997 واتفاق الكيان الصهيوني مع تركيا على انتاج صاروخ (بوياي) (جو ارض) تنتجه تركيا لصالح الكيان الصهيوني. من واجبات الاقطار العربية والبلدان الاسلامية ذات التأثير على تركيا ان تعمل كل ما بوسعها لتبصير تركيا بمصالحها الطبيعية والاقتصادية, المرتبطة معها دون قلق او خوف على المستقبل, ونصح تركيا بأن تكف عن مسلكها الخاطىء وعدوانيتها المتنامية, فلم تكن امريكا تحتاج الى تفكير طويل لاقناع تركيا بالمشاركة في الحرب ضد العراق, لان تركيا كانت منذ عقود امتدادا لنفوذ الغرب, وتعبيرا عن مصالحه كما انها بعد انتهاء الحرب الباردة كانت تبحث عن دور و (فرصة ذهبية) لاعادة ترتيب اوضاع المنطقة على نحو تظهر معه (تركيا الجديدة) على المسرح بكامل بزتها العسكرية وتردي واقعها الاجتماعي, خصوصا انها على الصعيد الداخلي وطبقا لقانون (الانقلابات) كانت تحتاج عام 1990 الى انقلاب جديد. فعلى الصعيد الايديولوجي كان هناك استقطاب بين اطروحة (العثمانية الجديدة) التي طرحها (اوزال) ومستشاروه والتي استهدفت مد الوجود التركي من بحر الادرياتيك الى الصين, وبين اطروحة (الجمهورية الثانية) التي ركزت على منح الحريات الديمقراطية وخفض تأثير النزعة العسكرية. اما على الصعيدين العرفي والحضاري فقد تفاقمت الاتجاهات القومية والتيارات الاسلامية, بينما كانت الازمة التركية ـ اليونانية تزداد تعقيدا, وتتعاظم المخاطر حول (تراقيا) وهي الجزء الاوروبي من تركيا, ولم يكن حزب الوطن الام بقيادة (اوزال) قويا على نحو كاف للتعامل مع تلك المتغيرات والمشاكل, ولذلك لم يتردد ذلك الحزب في نقل تعقيدات الداخل الى الخارج من خلال تأييد سياسة امريكا منذ لحظة فرض الحصار الاقتصادي على العراق لكي يضمن لتركيا (حصتها). كانت علاقات العراق مع تركيا متميزة, وبذل العراق جهده لتطويرها. اذ بالاضافة الى المزايا النفطية, و(الامنية) استوردت تركيا من العراق ما قيمته (7.93) بلايين دولار, وصدرت اليه بضائع بقيمة (4.88) بلايين دولار خلال الحرب مع ايران. غير ان تركيا, كما يقول (ديليوماردس) كانت تشعر بالقلق بشأن التحسن النوعي لاسلحة العراق والدول الاخرى في المنطقة في ظل تخفيض القوى التقليدية في اوروبا ويذكر الخبير في الشئون التركية (محمد نور الدين) ان مشروع (غاب) كان تعبيرا عن رغبة تركيا في امتلاك زمام الدور الاقليمي, وفي كل ذلك لم تكسب تركيا من كل علاقاتها (الاطلسية) غير الخسائر الاقتصادية, فقد بلغت خسائرها الاقتصادية جراء الحصار على العراق اكثر من 60 مليار دولار, وكذلك لا تزال مشكلاتها مع اليونان بشأن قبرص متفاقمة, كما ان الباب الاوروبي (الاتحاد الاوروبي) مازال مغلقا امامها, اما في الداخل فهي مقبلة على المزيد من الازمات السياسية والامنية, مما تقدم يمكن القول ان مضي مدة تقارب ثلاثة ارباع القرن على اقامة تركيا العلمانية, وانتمائها إلى حلف شمال الاطلسي (الناتو) في وقت تدعي الانتماء إلى العالم الاسلامي, ومنظمة المؤتمر الاسلامي و99% من سكانها يعتنقون الاسلام دينا, فمن المفترض ان تكون تركيا اكثر قربا وتلاقيا مع العرب والعالم الاسلامي من اية دولة اخرى, ولكن وبكل اسف تجدها تقيم اوثق الروابط والتعاون, والعلاقات مع (الكيان الصهيوني) وبدفع وتوجيه من امريكا لتطويق الامة العربية, واضعاف قوتها

طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:47 PM
الأكراد في تركيا قبلت الحكومة العثمانية في استانبول، مرغمة، معاهدة سيفر (Sèvres)، التي عقدت في 10 أغسطس عام 1920. ولكن الحكومة الوطنية، التي شكلها مصطفى كمال أتاتورك، في الأناضول، عام 1919، رفضت الاعتراف بها، وبادرت إلى حركة وطنية، من شرقي تركيا، لتحرير الوطن التركي.
حرص مصطفى كمال أتاتورك على ضمان انضمام الأكراد إليه، في حركته الوطنية. فأخذ، بعد مؤتمر أرضروم، عام 1919، يؤثر في زعماء الأكراد، ويطلب منهم إرجاء القضية الكردية ريثما يكتمل تحرير البلاد التركية كلها من المحتلين، وينعقد الصلح. وذلك لا يكون إلا باتحاد العنصرَين، التركي والكردي، أصحاب البلاد، كما نص الميثاق الوطني، الصادر عام 1920. وكان أتاتورك قطع لهم الوعود الصريحة، بأن تعترف تركيا للكرد، ولكردستان، بالاستقلال بمساحة أكبر وأوسع مما ورد في معاهدة سيفر. وكان عدد النواب الأكراد، الذين يمثلون كردستان في المجلس الوطني الكبير، في أنقرة، 72 نائباً.
وفي بدايات الحركة الكمالية، في الأناضول، لم يظهر الكماليون أي بادرة سوء نحو الأكراد، بل قدموا العون للأكراد في تركستان الجنوبية (العراق)، للضغط على الإنجليز، وإجبارهم على التخلي عن الموصل.
إزاء ذلك، لم يتخلَّ الأكراد عن الترك، إخوتهم في الإسلام، في وقت الشدة، ومواجهة العدو الأجنبي. خاصة أن قسماً كبيراً من جنوبي كردستان، كان تحت احتلال الإنجليز، كما أن الفرنسيين، كانوا يحتلون السواحل. وأما شمالي كردستان فكان تحت احتلال الروس .
ورفض قادة جمعية تقدم الكرد، اللجوء إلى أي عمل ضد الأتراك، عندما طالب الشباب الكردي، من أعضاء الجمعية، عام 1919م، باتخاذ قرار حول إعلان استقلال كردستان، وطرد جميع القوات الأجنبية منها، بما فيها التركية. ووقف سيد عبد القادر ضد هذا الاقتراح، إذ رأى أنه لا يليق بالحركة الكردية الوقوف ضد الأتراك، في مثل هذا الظرف العصيب .
وكان رؤساء الحلفاء، في باريس، يؤكدون للجنرال شريف باشا، رئيس الوفد الكردي إلى مؤتمر الصلح، في العاصمة الفرنسية (عام 1919- 1920)، أن إخلاد الكرد إلى السكينة والهدوء، هو ضروري، لتحقيق آمالهم القومية.
ومن ناحية أخرى، منع رئيس الاستخبارات الإنجليزية في حلب، العقيد بل، إصدار منشور، أراد نشره الأمير الكردي، ثريا بدرخان، سكرتير جمعية الاستقلال الكردي، في حلب لكشف نيات مصطفى كمال إزاء الكرد، قائلاً: "إن أكبر خدمة، وأعظم فائدة، تقدم إلى الشعب الكردي، الآن، هي دعوته إلى الإخلاد إلى الهدوء والسكينة" .
وكذلك حضر هذا القائد الإنجليزي إلى ملاطية، في الأناضول، حينما شعر أن الأمير الكردي جلادت بدرخان، والأمير كامران بدرخان، وأكرم جميل باشا زاده، مندوبي جمعية تقدم كردستان، يحشدون في جبال كاخته قوات كردية، لرد هجمة مصطفى كمال باشا، التي يريد أن يشنها بغتة، ومن دون سبب معلوم، على الوطنيين الأكراد. فأرسل الرائد إدوارد و.س. نويلNoelإلى المندوبين الأكراد المذكورين، يبلغهم، باسم حكومته، وجوب تفريق القوى الكردية، حالاً، وأن أقلّ مقاومة مسلحة تعرض القضية الكردية للأخطار الشديدة، بعد أن حازت قبول الدول الأوروبية.
وأخلد الأكراد للسكون، خاصة بعد تعهّد الدول الحليفة، بأن الأتراك، إذا لم ينفذوا معاهدة سيفر (Sèvres)، سوف يحرمون من الآستانة، كذلك.
وهكذا أضاع الحلفاء، وخاصة الإنجليز، على الأكراد فرصة تحقيق آمالهم الاستقلالية .
وفي عام 1922، طلب مصطفى كمال من النواب الأكراد، في المجلس الوطني التركي، في أنقرة، الرد على الاستفسار، الذي وصله من رئيس الوفد التركي، عصمت باشا، إلى مؤتمر لوزان، حول رغبة الأكراد في البقاء ضمن الدولة التركية الجديدة. فردّ النائب الكردي عن أرضروم في المجلس، حسين عوني بك، عام 1922، قائلاً :" إن هذه البلاد هي للأكراد والأتراك. وإن حق التحدث من فوق هذه المنصة، هو للأُمتَين، الكردية والتركية". وأيده في ذلك النواب الأكراد في المجلس الوطني الكبير. وقوبل ذلك بالترحيب والاستحسان من أتاتورك. وبناء على هذا الجواب من النواب الأكراد، أعلن عصمت باشا، الكردي الأصل، مندوب تركيا في مؤتمر لوزان، أن " تركيا هي للشعبَين، التركي والكردي، المتساويَين أمام الدولة، ويتمتعان بحقوق قومية متساوية". وحينما وجد المشاركون في مؤتمر لوزان، أن النواب الأكراد، لا يريدون انفصال كردستان عن تركيا، وأن حكومة تركيا وعدت بتلبية مطالب الأكراد القومية، وافقوا على غض النظر عن أي فكرة لاستقلال كردستان ،وحذفوا ذكر الأكراد من الوثائق الرسمية للمؤتمر .

وهكذا وقعت معاهدة لوزان، في23 يوليه 1923، بين الحلفاء وحكومة أنقرة الوطنية. وبهذه المعاهدة ألغيت معاهدة سيفر. وقدم الإنجليز والأتراك تنازلات بعضهما إلى بعض، في خصوص المسألة الكردية. ولم يذكر فيها شيء عن استقلال الأكراد، سوى ما جاء في المواد (38) و (39) و (44) من الفصل الثالث:
إذ نصت المادة (38) على أن تتعهد الحكومة التركية بمنح جميع السكان الحماية التامة والكاملة، لحياتهم وحريتهم، من دون تمييز في العِرق والقومية واللغة والدين.
ونصت المادة (39) من معاهدة لوزان على أنه " لن تصدر أي مضايقات في شأن الممارسة الحرة لكل مواطن تركي لأية لغة كانت، إن كان ذلك في العلاقات الخاصة أم في العلاقات التجارية، أم في حقل الدين والصحافة، أم في المؤلفات والمطبوعات، من مختلف الأنواع أم في الاجتماعات العامة .
وتنص المادة (44) على أن تعهدات تركيا هذه، هي تعهدات دولية، لا يجوز نقْضها، في حال من الأحوال ، وإلا فيكون لكل دولة من الدول الموقعة معاهدة لوزان، والدول المؤلفة منها عصبة الأمم، الحق في الإشراف على تنفيذ تركيا هذه التعهدات، بدقة، والتدخل ضدها، لحملها على تنفيذ ما تعهدت به أمام العالم.
وهكذا، أضاعت معاهدة لوزان كل الحقوق القومية للأكراد في تركيا.وكانت معاهدة لوزان خطوة إلى الوراء، مقارنة بمعاهدة سيفر (Sèvres) .
وعلى الرغم من معاهدة لوزان، وقبَيل حل مشكلة الموصل، في عام 1925، نجد تسامحاً، في بعض التصريحات الكردية. فقد صرح فتحي بك، رئيس الوفد التركي إلى مؤتمر استانبول، الذي انعقد لحل مشكلة الموصل، عام 1924، قائلاً: "إن هذا الوطن، يخص الأُمتَين الكردية والتركية، فقط " . وكان ذلك مما يخدم الحكومة التركية، في مسألة الموصل، آنذاك.
ثورة الشيخ سعيد بيران، عام 1925
حينما وقعت معاهدة لوزان، لم يبقَ في تركيا من الشعوب سوى الأكراد والأتراك. ورأى الكماليون بعد قيام الجمهورية، أنه لا مكان لشعب غير الشعب التركي ، ويجب تتريك كل القوميات الأخرى، التي تضمها هذه الجمهورية، وصهرها في المجتمع التركي. ورفضوا الاعتراف بوجود شعب آخر غير الأتراك، وأطلقوا على الأكراد اسم " أتراك الجبال" ، وألغوا اللغة الكردية في المدارس والمعاهد، وحرّموا التحدث بها في الشوارع والمجالس، فضلاً عن تحريمها في المصالح الحكومية وأمام المحاكم، على الرغم من تعهداتهم السابقة، في معاهدة لوزان.
سعى الأكراد، من جانبهم، إلى إظهار رفضهم لعدم الاعتراف بحقوقهم من جانب الحكومة التركية. فبادر الفريق خالد بك الجبرانلي، الذي كان قائداً في الألوية الحميدية، إلى تنظيم لجنة استقلال كردستان (آزادي) السرية ، وأرسل مندوبين عنها إلى جميع أنحاء كردستان، لإنشاء فروع وتشكيلات عامة لها، ولتوزيع أسلحة وذخائر حربية. ودخل في هذا التنظيم الشيخ سعيد الكردي، من قرية بيران، وهو من المشايخ ذوي النفوذ الديني لدى مريديه وأتباعه.
وتقرر أن تبدأ الثورة، صباح 21 مارس 1925، وهو يوم الاحتفال بعيد النيروز، أو رأس السنة عند الأكراد. ولكن وصلت قوة تركية إلى قرية بيران، حيث يقيم الشيخ سعيد الكردي، في 7 مارس 1925، فنشب القتال بينها وبين أتباع الشيخ سعيد، لسبب بسيط تافه، فانفجرت الثورة في كل أنحاء كردستان. وكان من أبرز شعاراتها " إقامة كردستان مستقلة، في ظل الحماية التركية، وإعادة حكم السلطان" .
وبادر الفريق خالد الجِبرانلي، ومن معه من الضباط الأكراد، الذين كانوا خارج المكان، الذي انفجرت فيه الأحداث، إلى التوجه إلى المكان المذكور، للإشراف على الثورة، وإدارة دفة القتال. ولكن قبض عليهم، قبْل وصولهم إلى مكان الثورة، وأعدموا من دون محاكمة. وبذلك، حرمت الثورة من اشتراك المخططين لها، والعارفين بالفنون الحربية. فقادها من لا خبرة لهم بها ولا بأسرارها.
وتوسعت الثورة، وانتشرت في مناطق شاسعة من البلاد. ولكن الأكراد صرفوا همهم نحو السيطرة على المدن الكبيرة، في الوقت الذي كانت القوات التركية تصل إلى المنطقة ، وتصل إليها الإمدادات من كل ولايات تركيا.
وبعد سلسة من المعارك، أخمدت الثورة. وقدِّم الشيخ سعيد ورفاقه إلى المحاكمة، وسيقوا إلى محاكم عسكرية، عرفت باسم "محاكم الاستقلال"، ثم شنقوا، وتركوا معلقين على أعواد المشانق، عِبرة لمن يعتبر. وفر قسم من المقاتلين إلى رؤوس الجبال، أو إلى الدول المجاورة، سورية والعراق وإيران.
وأعلن رئيس المحكمة، الذي حكم بالإعدام على ثلاثة وخمسين زعيماً من زعماء الثورة، أثناء المحاكمة، في 28 يونيه 1925، قائلاً: " لقد اتخذ بعضكم إساءة استعمال السلطة الحكومية، والدفاع عن الخلافة، ذريعة للثورة. ولكنكم كنتم متفقين جميعاً على إقامة كردستان المستقلة".
وقد استخدمت الحكومة التركية 35 ألف جندي و12 طائرة حربية، لإخماد الثورة، التي شكلت خطراً على الجمهورية التركية الناشئة. وجرى حشد ثمانين ألف جندي تركي في كردستان. ودمرت القوات التركية، بعدها، 206 قرى كردية، وأُحرق 8758 منزلاً، وقُتل 15200 شخص. وقالت، يومها، جريدة "وقت" التركية: "ليس هناك مسألة كردية، حين تظهر الحِراب التركية" .
وتكبّد كلٌّ من الأكراد والأتراك، خسائر فادحة، من جراء هذه الثورة.
وكان من نتائجها صدور قانون الحفاظ على الأمن أو (تقرير سكون قانوني)، الذي جرى، بموجبه، تشتيت آلاف الأُسر الكردية وتهجيرها ، ودمِّر كثير من القرى الكردية ، ونُفي زعماؤها ورؤساؤها إلى مختلف الولايات التركية.
واختلفت الآراء حول ثورة الشيخ سعيد. فقد قيل إن الشيخ، ورفاقه، كانوا يسعون إلى إعادة الخلافة، التي ألغاها مصطفى كمال آتاتورك، عام 1923، لا إلى الاستقلال الكردي. وقالت الجرائد التركية، آنذاك، إن الجمعيات الكردية، دبرت الثورة تحت ستار الدين، لتصل إلى غايتها الوحيدة، وهي إنشاء كردستان مستقلة، في الولايات الشرقية من تركيا .
تأسيس جمعية خويبون (الاستقلال)

على أثر ما نزل بالأكراد، وما حل ببلادهم عقب ثورة 1925، من الخراب والتشريد ، عقدوا مؤتمراً، عام 1927، شهدته جميع الفئات الكردية ومندبو الجمعيات ورؤساء العشائر ووجوه البلاد والمراكز ، وذلك لاتخاذ القرارات السريعة، لجمع الفصائل الكردية المشتتة، واستجماع القوى، لمواصلة نضالهم ضد تركيا. وعقد المؤتمر داخل الحدود التركية، ودامت جلساته مدة شهر ونصف الشهر. واتخذ قرارات منها:
أ.حل الجمعيات الكردية القائمة، وتأسيس قيادة موحدة للفصائل الكردية، تجمعها باسم جمعية "خويبون" (أي الاستقلال).
ب.تدريب المقاتلين الأكراد على وسائل الحرب الحديثة، وتنظيم قوات وفق أساليب عسكرية متطورة، وإنشاء مركز عام ومقر للقيادة العليا للثورة، في جبال كردستان، في تركيا.
ج.مة علاقات قوية بالحكومات، الإيرانية والعراقية والسورية.

وافتتحت جمعية "خويبون" عدة فروع لها، في كردستان وخارجها. وتولى الفريق إحسان نوري باشا تأسيس منظمة عسكرية كردية، في منطقة جبل أرارات (آغري)، في كردستان التركية، تمكنت من إرسال مجموعات قتالية، حالت دون نفي الحكومة التركية السكان الأكراد من مواطنهم.

وقد نجحت جمعية "خويبون"، عام 1930، في تنظيم انتفاضة مسلحة في إقليم أرارات (جبال آغري)، بقيادة الفريق إحسان نوري باشا. وكان السبب المباشر لاشتعالها، اتخاذ الحكومة التركية الاجراءات اللازمة لتتريك الأكراد، والأقليات الأخرى . وقد سمحت الحكومة الإيرانية للقوات التركية باستخدام الأراضي الإيرانية لمهاجمة مؤخرة المقاتلين الأكراد. وبعد حرب طويلة، قضي على الانتفاضة، بوساطة القوات والمدفعية والطائرات. واستناداً إلى إحصاءات غير رسمية، فإن 165 قرية و6816 بيتاً، قد دمرت.
وبدا للحكومة التركية أنها قضت على الحركة الكردية . فأكد عصمت إينونو، رئيس الوزراء التركي، في خطبة، ألقاها في 30 أغسطس 1930، عدم أحقية الأكراد في الاعتراف بهم: "ليس في هذه البلاد جماعة لها الحق بادعاء كيان قومي ووطني، غير الجماعة التركية".
وقال وزير العدل التركي، محمود أسعد أورامش، في خطبة له في سبتمبر 1930: "هذه هي عقيدتي ونظريتي: ليعلم الصديق والعدو، حتى الجبال أن سيد هذه البلاد هو التركي. فمن لم يكن من الدم التركي، ليس له في الوطن التركي سوى حق واحد، هو أن يكون خادماً وعبداً . نحن في بلاد أكثر حرية من جميع بلاد العالم. هذه هي تركيا. ولهذا، أنا لا أخفي عواطفي وأحاسيسي عن أحد" .
وبعد القضاء على انتفاضة 1930، فقدت جمعية "خويبون" نفوذها، تدريجاً. وفي أثناء ذلك، سوِّيت النزاعات ما بين الحكومة التركية والإنجليز والفرنسيين، في المسائل العالقة، والتي تمس المسألة الكردية .
بعد انتفاضة 1930، أمعنت الحكومة التركية في سياستها، الرامية إلى صهر السكان الأكراد، واندماجهم في المجتمع التركي. وأصدرت قانوناً يجيز لها فرض الأحكام العرفية، واستدعاء القوات إلى المناطق الكردية، في الأقاليم الشرقية من تركيا. وصدر قانون، في مايو 1937، رحِّل، بموجبه، مئات الألوف من الأكراد من مناطقهم إلى مناطق أخرى، لا يكونون فيها سوى 5% من السكان. وينص ذلك القانون على: " أن أولئك الذين ليست لغتهم التركية، يحرَمون من إعادة بناء قراهم، أو تشكيل منظمات، حِرفية أو كتابية أو طبقية، ويمنح وزير الداخلية حل هذه المنظمات. وهذا القانون ينافي ما جاء في معاهدة لوزان، من احترام حقوق الأقليات. وشرعت الحكومة التركية، بعد ذلك تنفذ حملة فكرية، لصهر الأكراد وتتريكهم .
انتفاضة درسيم (1936-1937)
بعد تردي الأوضاع، الاقتصادية والمعيشية، للسكان الأكراد، شهد عام 1937، انتفاضة في إقليم درسيم، الذي حوِّل إلى ولاية باسم تونجالي، في شكل عصيان كبير، تزعمه سيد رضا، وهو شيخ من شيوخ الطريقة النقشبندية. فقد شكلت الحكومة دائرة التفتيش العامة الرابعة في الولاية. وأصدر المفتش العام، الجنرال ألب دوغان، أمراً بفرض حالة الحصار على ولايات تونجالي وأليازيغ وبين جول، وطلب من الأكراد تسليم 20 ألف بندقية، وإلاّ فسينالهم عقاب شديد. وأرسل زعيم الأكراد، سيد رضا، رسالة إلى ألب دوغان، يطلب إلغاء قراره والاعتراف بحقوق السكان الأكراد. ورداً على ذلك، أرسل الجنرال ألب دوغان فرقة من المشاة، وفوجاً من الدرك، على سكان درسيم، وكانت هذه القوات مدعومة بعشر طائرات من سلاح الجو التركي. وتوقفت العمليات في شتاء 1936، بسبب الثلوج والأمطار والبرد القارس. واستؤنفت الحملة، بعد تحسّن الجو، في الربيع. واستدرج الجنرال ألب دوغان نجل الشيخ سيد رضا، لإجراء مفاوضات، ثم قتله، بوحشية. عندئذ، هبت العشائر الكردية في وجه القوات التركية، التي أحرقت الغابات المحيطة بدرسيم، لإرغام الثوار الأكراد على الخروج من الملاجئ الجبلية، ووجهت مدفعيتها صوب مواقع الشيخ سيد رضا، وفصيله. وتمكن الجنرال ألب دوغان، بحيلة إجراء مفاوضات مع سيد رضا، أن يقبض عليه، في 5 سبتمبر 1937، وقدِّم هو ورفاقه، للمحاكمة، في 10 نوفمبر 1937، وحكمت المحكمة بإعدام أحد عشر من قادة الانتفاضة. ونفِّذ الحكم في 18 نوفمبر 1937.
وشرعت الحكومة تنكل بالسكان الأكراد. وقال وزير الداخلية التركي، وقتها، جلال بك، إن القضية الكردية لا وجود لها، بعد اليوم. وإن العصاة جرى تلقيحهم بلقاح الحضارة، من طريق القوة " في إشارة إلى الرأي التركي القائل بأن الأكراد، ما هم إلإ أتراك الجبال، الذين تخلّفوا حضارياً .
كانت العمليات العسكرية ضد الأكراد، في درسيم، قوية وعنيفة، إلى درجة أن الحركة القومية الكردية، ظلت، بعدها، ساكنة على مدى نصف قرن تقريباً .
ولقد عزا بعض المؤرخين هذه الثورة إلى إجراءات القمع، التي مارستها الحكومة ضد زعماء القبائل، في تلك المنطقة.
كما أرجعها بعضهم إلى نشر قانون، هدفه تحقيق تتريك الأقليات غير التركية، واندماجها في الشعب التركي .
وقيل إن هذا العصيان، كان مدعوماً من الاتحاد السوفيتي، وإنه زود الثوار، في درسيم ، بالسلاح والمال.
وفي يونيه عام 1937، عقد "ميثاق سعد آباد" بين تركيا وإيران والعراق وأفغانستان، تحت إشراف بريطانيا. وكان هذا الميثاق موجَّهاً، بصورة رئيسية، ضد الحركات الكردية. فتقول إحدى موادّه :إن كلاً من الأطراف الموقعة، تتعهد باتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون قيام أي نشاط لعصابات مسلحة، أو جمعيات، أو منظمات، تهدف إلى إطاحة المؤسسات الحالية، التي تتحمل مسؤولية المحافظة على النظام والأمن، في أي جزء من حدود الأطراف الأخرى"، ولقد انتهى أثر ذلك الميثاق بنشوب الحرب العالمية الثانية .

المسألة الكردية في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية

استكانت الحركة الكردية المسلحة، خلال فترة الحرب العالمية الثانية، حتى أن جريدة "صون بوستا" (Son Posta) التركية ، قالت، في 11 أبريل نيسان 1946 :
"لا وجود في تركيا قَط لأقلية كردية، ولا مستوطنة ولا مرتحلة طلباً للرعي، ولا هي ذات وعي قومي، ولا هي من دونه" .
ج- المسألة الكردية، في تركيا، في فترة تعدد الأحزاب، حتى عام 1980
-
ظلت المناطق الكردية، في شرقي تركيا، في العهد الجمهوري، تعاني التخلف، في مجالات، الزراعة والصناعة والتعليم، ويطلق عليها "المناطق المحرومة". ولم تَجِد الحكومة التركية وسيلة لإخماد الثورات والانتفاضات الكردية، غير القمع العسكري، والتهجير والنفي والتعذيب، والتمادي في حرمان الأكراد حقهم في التحدث بلغتهم، أو إصدار جريدة أو مجلة باللغة الكردية. وكان العسف والقسوة والوحشية، تزداد في فترات الانقلابات العسكرية، التي شهدتها تركيا الحديثة، في أعوام 1960 و1971 و1980 على التوالي. ولم يطرح أي حلول سلمية لهذه المعضلة، التي لا تعترف بها الحكومة، أصلاً .
-
لم تسمح الدساتير التركية، في أعوام 1924 و1961 و1981، للأقليات القومية في تركيا، بتأسيس أحزاب سياسية. مما ولّد في نفوس الأكراد شهوة الانتقام ، والتطلع إلى التحرر ، ورد العنف بالعنف.
وظلت المناطق الكردية مغلقة، حتى أوائل الستينيات، حين بدأ التململ بين الأكراد، فأسسوا الجمعيات والأحزاب السرية، التي كانت تأخذ، في مسيرتها، بالمناهج الشيوعية الماركسية، اللينية أو الماوية، والاشتراكية، وأخذت تعمل بطريقة سرية، وأحياناً، متضامنة مع حزب العمال التركي اليساري، الذي حظرته السلطات، فيما بعد.
-
وفي أعقاب الانقلاب العسكري، عام 1960، بقيادة جمال جورسيل، أصدرت لجنة الاتحاد الوطني القانون الرقم 105، في 17 أكتوبر 1961 الذي جرى، بمقتضاه، تهجير العائلات الكردية غير المرغوب فيها، وبصورة قسرية، إلى مناطق أخرى في تركيا .
-
استمرت الحكومات التركية في سياسة صهر الأكراد، بعد أن منعتهم من فتح مدارس لهم، أو إصدار المطبوعات الكردية، واستخدمت محطات الإذاعة، التي أنشئت في أرضروم وديار بكر ووان، لبثّ اللغة والثقافة التركيتين بين الأكراد. وأغفلت اللغة الكردية وثقافتها.
-
من جانب آخر، أَولى قادة الحركة القومية الكردية في تركيا، ثقافة الشعب الكردي، اهتماماً كبيراً. فنشطوا نشر نتاجهم الأدبي باللغة التركية. فترجمت ملاحم الشعب الكردي مثل ملحمة "ميم و زين" للشاعر الكردي أحمد الخاني ( 1591-1652) باللغة التركية، عام 1968. ولكنها صودرت، ولم تصل إلى القراء.
-
نشأت منظمات سرية كردية، في كردستان تناضل من أجل الاعتراف بحقوق الأكراد القومية. فأُسِّس الحزب الديموقراطي الكردستاني، في تركيا في أواسط الستينيات، وحزب تحرير الأكراد، في تركيا، ورابطة الحرية، ومنظمة مقاتلي كردستان.
-
إلى جانب المنظمات الكردية السرية، أخذت تتشكل، في السيتينيات، منظمات شبابية، علنية، مستترة بالمؤسسات والمنظمات، الاجتماعية والثقافية، اليسارية التركية. ففي أغسطس 1969، أنشأت مجموعة من الشباب الأكراد مراكز ثقافية، في شرقي تركيا، ضمن تنظيمات حزب العمال التركي، وبارتباط وثيق معه. وبلغ عدد المنتسبين إلى هذه المراكز عشرين ألف عضو. وعملت على تطوير اللغة الكردية، والفلكلور الكردي، وتاريخ الأكراد وأدبهم، ونشطت في نشره .
-
أرسلت الحكومة التركية وحدات من قوات الكوماندوز والدرك، في أوائل السبعينيات، لشن هجمات على الأكراد، في مناطق: حكاري وماردين وسلوان وباطمان وبيسميلي وديار بكر وملازكرت وتوتاك وتيكمان وكار يازي وكيفي. ورافق هذه الهجمات اعتقالات بين صفوف الأكراد، والتنكيل بالسكان. وفي أوائل أبريل 1970 حاصرت قوة مسلحة من الكوماندوز مدينة سلوان، بحجة مصادرة السلاح، فلجأ الأهالي إلى العصيان ضد السلطات المحلية. وقد اعتقل أكثر من ثلاثة آلاف كردي في تلك الأحداث، إضافة إلى تفتيش البيوت وتعذيب الرجال.
-
وبعد إنقلاب عام 1971 أُعلنت الأحكام العرفية، وحالة الطواريء، في 26 أبريل 1971. وفي أثناء الحملات، التي شملت مناطق البلاد الرئيسية، اعتقل عدد كبير من قيادات الأكراد البارزين، من أمثال: كمال بورقاي وموسى عنتر وطارق زياد إيكنجي ومهدي زانا ومحمد أمين بوز أرسلان ويسف إيكنجي وناجي قوتلاي وجانب إيلدير وغيرهم .
-
وفي أغسطس 1972 حكمت المحكمة العسكرية في ديار بكر، على عالم الاجتماع البارز، إسماعيل بيشيكجي، بالسجن لمدة 13 عاماً، بتهمة نشاطه في الدعاية الشيوعية والكردية، في محاضراته، في جامعة أرضروم.
-
نتيجة مساعي حزب الشعب الجمهوري، الذي يسيطر عليه اليساريون، أقرّ البرلمان التركي، في ربيع 1974، قانون العفو، الذي أُطلق، بمقتضاه، المعتقلون من السجون، بمن فيهم عدد كبير من الشخصيات الكردية البارزة، من ذوي الاتجاهات اليسارية. وفي ظل تغاضي حزب الشعب الجمهوري، بقيادة بولنت أجيفيت، عن أنشطة الحركات السياسية الكردية داخل أروقة الأحزاب اليسارية ، تأسس الحزب الاشتراكي الكردستاني ، ومنظمة "طريق الحرية" (Ozgürlük Yolu)، ومنظمة "شمس الوطن" (روزا ولات).
غير أن أكثر الأحزاب نفوذاً، في تلك المرحلة، كان الحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي وحّد التنظيمات الكردية السرية . وفي عام 1974، طرح برنامجه، الذي تمثلت فيه التوجهات الماركسية للحركات الكردية . وكان من أهم بنوده ما يلي:
1 -
أن ينال الشعب الكردي حق تقرير مصيره بنفسه. ويرى الحزب أنه يمكن تحقيق هذا الهدف من طريق الثورة الوطنية والديموقراطية والنضال الشعبي. ولهذا، قرر الحزب إنشاء قوات المقاومة المسلحة (المادة الثانية).
2 -
يترتب على الحزب الديموقراطي الكردستاني، في تركيا، بعد تشكيل الجيش الشعبي، تطهير المناطق الكردية من القوات المسلحة التركية، وإقامة سلطة شعبية ديموقراطية في كردستان التركية. ولكي يقرر الحزب مصيره، بصورة مستقلة فإنه ينشئ جبهة معادية للإمبريالية والفاشية والإقطاعية. وتضم هذه الجبهة جميع فئات الشعب الكردي، وكل القوى الديمقوراطية الوطنية.
3 -
يرى الحزب أن القوى الأساسية للشعب الكردي، هي جماهير الفلاحين، ويعتمد عليهم في أنشطته، ولكنه يسترشد بأيديولوجية الطبقة العاملة (المادة الرابعة).
4 -
يرى الحزب، أن العدو الرئيسي لجميع الشعوب المناضلة في سبيل التحرر، القومي والوطني، هو الإمبريالية، التي أبرمت معاهدات، سياسية وعسكرية، مختلفة مع الحكومة التركية.
5 -
يجب رسم حدود كردستان التركية حسب العوامل، العرقية والجغرافية والاقتصادية والتاريخية (المادة السابعة).
6 -
ستكون اللغة الكردية لغة رسمية في كردستان التركية (المادة الثانية).
7 -
المجموعات العِرقية، غير الكردية، في كردستان التركية، ستوفَّر لها الظروف لتطوير ثقافتها ولغتها (المادة الثانية والعشرون).
إذ كان الحزب الديموقراطي الكردستاني، يعمل في السر، فإنه لم يتمتع بنفوذ كبير بين الجماهير، ولم يكن لديه قوة، مادية وعسكرية، كافية لتحقيق أهداف الكراد في حق تقرير المصير.
-
في عام 1975، شكلت الشبيبة الكردية، في كلٍّ من استانبول وأنقرة، جمعيات ثقافية علنية، باسم "نوادي الثقافة الثورية الديموقراطية" (Devrimci Demokratik Kültür Dernekleri)، انضم إليها عدد كبير من الأعضاء السابقين في المراكز الثقافية في شرقي تركيا. وأظهرت نشاطاً ملحوظاً في المناطق الكردية، مثل: ديار بكر وقزلتبه وديرابك ومازي داغ والجزيرة وحكاري وغيرها .
-
كما عملت في كردستان التركية، وبصورة علنية، جمعية النساء الثورية الديموقراطية، ومجموعة المعلم الديموقراطي، ومنظمات أخرى، تزيد على عشر جمعيات ومنظمات كردية، صغيرة ومتنوعة ، ذات صبغات سياسية مختلفة.
-
أواخر ديسمبر 1978، وقعت حوادث دموية في مدينة قهرامان مرعش، في جنوبي شرقي تركيا، راح ضحيتها أكثر من مائة شخص، وجرح المئات، نتيجة للصراع بين السُّنة الذين مثلتهم ميليشيات الحزب التركي القومي، اليميني المتطرف، أتباع ألب أرسلان توركش، وبين العلويين، الذين كان أغلبهم من الأكراد. ومن الفور، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ، لمدة شهرين في ثلاث عشرة ولاية من ولايات تركيا، التي تسكنها أغلبية كردية .
-
في مارس 1979، أصدرت القيادة العسكرية، في ظروف حالة الطوارئ قرارات تمنع صدور وبيع أكثر من عشرين جريدة يسارية، ومنها المطبوعات الكردية، الصادرة باللغتين، التركية والكردية، مثل: "روزكاري"، و"روزا ولات"، و"الشباب الديموقراطي الثوري" (Devrimci Dimokrat Gençlik)، وغيرها.
-
في النصف الأول من أبريل 1979، زار العراق قائد الأركان العامة للجيش التركي، الجنرال كنعان أفران، وأجرى مباحثات للتنسيق بين البَلدين في مقاومة الحركات الكردية.
عناصر دولة:

طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:47 PM
أوجلان رمز مرحلة فارقة في نضال شعبه يؤكد الواقع السياسي انه ليست ثمة قوة عالمية او اقليمية تتعاطف مع الاكراد صدقاً وتقبل باقامة دولة لهم وتلك كانت قناعة تاريخية قديمة غالباً ما كانت تتجاوزها الظروف لحين من الزمن, وسرعان ما تعود هذه القناعة لتسيطر على الاذهان.فقد كان تشتيت الاكراد مطلب عالمي واقليمي, وحاول الغربيون دائماً تعضيد ذلك بالعمل على تشرذم الاكراد داخلياً , فتم استقطابهم الى محاور متنافرة وتلك سياسة لا تزال تحقق أهدافها بنجاح حتى الآن.
ويرى المراقبون ان فترة كفاح عبدالله اوجلان وحزبه شكلت فاصلاً حاسماً في تاريخ هذه القضية فقد حولها الى قضية حقوق وقضية انسان وأيديولوجيا اكثر من كونها صراع مصالح, لقد فصل القبض عليه تاريخا عن تاريخ. قاد اوجلان وفريقه السياسي الممثل بحزب العمال الكردستاني حرباً ضد السلطة التركية منذ عام 1982 فكان ضحية الحرب شبه الأهلية هذه اكراد واتراك صفاهم اوجلان ليبقى هو وحزبه المرجع الاول والاخير. ويشير الدارسون الى انه لم يترك طريقه للانفراد بالسلطة الا واتبعها حتى التصفية الجسدية لمعارضيه, كما الحقت الحرب دماراً كاملاً بالاقتصاد في المناطق الكردية من تركيا.. ومن هنا جاء القبض عليه كانتصار شعبي وسياسي للحكومة التركية. ورث حزب العمال الكردستاني منظمة الشباب الثوري الماركسية التي كانت تعرف باسم (ديف كينج) وهي منظمة يسارية تركية لم تكن تود الشعب الكردستاني, فنبذ اوجلان عضويتها واستقطب عدداً كبيراً من كوادرها ذات الاصول وكون بهم النواة الاولى لحزب العمال على أسس ماركسية لينينية ستالينية في غاية التشدد والولاء للفكر الشيوعي الاصولي بكل حرفياته, واعلن انه كرس حزبه الجديد لهدف واحد هو محاربة (الامبريالية) التركية لتحرير الوطن الكردي. كان اوجلان مندفعاً ايديولوجياً بشكل مختلف عن المنطق الجديد الذي يتعامل به اصحاب العقيدة الاساسيين في موسكو, تجاه تركيا, رغم ان اهمية الملف الكردستاني لم تتضح لروسيا الا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي, بينما كان اندفاع تركيا مدعوماً امريكياً للهيمنة على الدول الاسلامية المنسلخة عن الاتحاد السوفييتي. ومع ظهور النفط القزويني وسعي تركيا لتسيير خطوط النفط الاذري والكازاخستاني عبر اراضيها, اتجهت روسيا لاستخدام ورقة الضغط الكردية لانذار تركيا.. وظل استخدامها ذاك مقصوراً على السماح لاوجلان وحزبه بتنظيم اعمال حزبه واقامة المؤتمرات والمهرجانات الخطابية وذلك افزع تركيا, فسكتت عن القصف الروسي للشيشان, وشجع ذلك الروس عن نبذ الورقة الكردية. وبدأت تركيا تحصي الدقائق لمغادرة عبدالله اوجلان روسيا, وصار اوجلان وحزبه محظورين في روسيا, وذلك ما اطرب قادة الترك, رقصت مؤسساتهم العسكرية طرباً وهيأت نفسها لحصار (متمردي الحزب) في مناطق جبلية بشرق تركيا وفي شمال العراق وفي كل مكان كان يمكن ان تجدهم فيه فقد تغيرت المعادلة الجيوسياسية وعلى تركيا الان ان تنهي هذا الامر للأبد. كان اوجلان قلقاً ازاء فكرة الفناء السياسي او الروحي لكنه ضيق على نفسه كثيراً باتخاذ ذلك الموقف الايديولوجي الذي ضيع عليه بقية فرص المناورة ويرى المراقبون انه طابق بين كل من موقف امريكا وتركيا وذلك في تبسيط شديد للامور ينزع اليه عادة غلاة الايديولوجيين. لكن اوجلان كان متجهاً للتحول السياسي وهذا امر تمر به كل الثورات, انه يحارب وينهك ويستنزف عدده ويكسب الرأي العام ويفاوض, ما يهم ان يشغل الطرف الآخر دائماً.
الاكراد في حسابات تركيا والمنطقة اشكالية الحركة الكردية في تركيا كبيرة, فالأخيرة لا تعترف اساساً بوجود اية أقليات على أراضيها ويرى كثيرون انه من الخطأ البالغ اطلاق لفظ أقلية على أكراد تركيا لأنهم يشكلون ما يقرب من ثلث سكان تركيا ويقدرون بحوالي 20 مليون نسمة اليوم, بينما الثلثين الآخرين ليسوا عرقاً واحداً فيهم الارمن والعرب والشركس وبعض الاعراق الاخرى وتواجد الاكراد على الاراضي التركية اقدم من تواجد الاتراك, الا ان الامر نسبي ويعود الى اختلاف في وجهات النظر التاريخية والمرجعيات. لكن تركيا متشددة تجاه الجنسية التركية (لقد نقل عن شيللر قولها ذات مرة: ان كل من يعيش على تراب تركيا هو تركي.. هكذا قال اتاتورك, ان في بلدي اربعين اقلية لكنهم لن يكونوا خارج هذا القانون) . ولذلك فالأتراك يرون انه لا يجوز بأي حال تقسيم الشعب التركي الى قوميات خاصة, خاصة وان جميع مواطني تركيا (اكراد وغيرهم), يتمتعون بحقوق المواطن العادي وعندما تحسست الادارة التركية النزوع للانفصال من المنظمات السياسية الكردية اعتبرت ان هذه المنظمات تدخل في دائرة الارهاب. حتى عندما تراجع اوجلان عن فكرة الدولة الكردية المستقلة ونادى بحكم ذاتي لكردستان التركية, ادركت تركيا ان ذلك ضد مبادىء اتاتورك في وحدة الوطن ومقدمة لا شك فيها للانفصال, وهكذا جاء القبض على اوجلان ضرورة محتمة وعدته انتصاراً لقوميتها.
أزمة وعلاقات متشابكة تركيا في أزمة بحثها عن الهوية كانت ممزقة بين الانتماء الى اوروبا وآسيا ومنطقة الشرق الاوسط, وعانت سياساتها من تذبذبات بسبب الاوضاع الداخلية مما يسمى بالصراع بين الاتجاهين العلماني والتيار الاسلامي. والحكومة التي ترسم سياساتها الخارجية, تعطي للجيش الحق في تحديد ما هو مرتبط بالامن والدفاع, وهكذا كان الشأن مع القضية الكردية, حكومة تركيا تزعم بعدم وجود مشكلة مع أكراد تركيا بينما مؤسستها العسكرية تسلك منهجاً آخر في القضاء عليهم, حتى لو تطلب ذلك اختراق حدود الجيران والضغط عليهم بقضية المياه. ان الطابع العام لعلاقات تركيا وجوارها هو علاقات صراع وتناقض والبداية من الشرق حيث ايران والتي تتهمها تركيا بمساعدة (الانفصاليين الاكراد) والناشطين شرق الاناضول, وهي تضيف الى ذلك مخاوفها من تأثيرات الثورة الاسلامية في ايران على الاتجاهات الاسلامية في تركيا فقد غدت الاخيرة قوة يحسب حسابها منذ سنوات طويلة وتعدها الحكومة التركية أكبر تهديد للنظام العلماني. وعلاقات تركيا بالعراق لا تقل تردياً عن علاقاتها مع ايران خاصة وان الدولة التركية غدت اكثر الدول تدخلاً في شئون العراق خاصة في الشمال منه وهو تدخل له ابعاد ومستويات مختلفة ومنها الاحتياجات العسكرية المتلاحقة والتي ازدادت بشكل مستمر بعد حرب الخليج الثانية 1991 بحجة ملاحقة الانفصاليين الاكراد. جعلت تركيا من نفسها قوة مؤثرة في صراعات الاكراد وفي حسابات القوى الكردية في الشمال العراقي وجندت بعضا من تركمان شمال العراق وربطتهم بجهازها الامني العسكري في اطار استراتيجيتها الرامية للاستيلاء على الموصل وضمها لها. اما علاقات تركيا مع سوريا, فترى المصادر انها وصلت الى الهاوية في العام الماضي واوشكت تركيا القيام بعمل عسكري واسع ضد سوريا بعد أزمة افتعلتها انقرة متهمة دمشق بمساعدة عبدالله أوجلان وحزبه.. تصاعدت حدة هذه الملفات مع تطور العلاقات الاسرائيلية ـ التركية ـ الامنية مشكلة ضغطاً على سوريا والعراق معاً. ويرى خبراء مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية بالاهرام ان تركيا في طريقها الآن لان تحقق انتصاراً عسكرياً وان تسحق التمرد العسكري الكردي وليس فقط مجرد التخلص من اوجلان فهي تستخدم سياسة الاذرع الطويلة في ملاحقة افراد حزب العمال الكردستاني خارج الحدود التركية وبخاصة داخل حدود العراق. ويضيف الخبراء ان سياستها هذه تقوم على الهجوم المستمر وبالاسلحة الثقيلة على قواعد حزب العمال الكردستاني, لاضعافه, لكنها بالمقابل ساعدت على تقوية المشاعر القومية بين الاكراد سواء في داخل تركيا او خارجها بهذه السياسة.

طارق شفيق حقي
25/11/2011, 11:48 PM
حزب العمال الكردستاني في بداية الثمانينات أطلق شاب كردي يدعى مظلوم دوغان أمام المحكمة العسكرية التركية في ديار بكر (آمد) صرخته الخالدة ( به رخودان جيانه- المقاومة حياة) وهو متكىء على كتفي جنديين حملاه إلى قاعة المحكمة بصعوبة بالغة من غرفة تعذيبه المظلمة لينقل النضال التحرري الكردي في شمال كردستان إلى مستوى لم يبلغه قط من قبل وليهز بدفاعه البطولي أركان الطغمة العسكرية التي استولت على الحكم بانقلاب عسكري في عام 1980.. مما أجبر جلاديه على حرقه حيا في يوم نوروز الذي يعتبره الكرد عيدهم القومي والادعاء بعدها بأنه انتحر، وإن كان هذا الزعم صحيحا فلأنه لم يعد يتحمل التعذيب الوحشي.. مظلوم دوغان هذا كان عضوا قياديا في حزب العمال الكردستاني رغم صغر سنه وأصبح رمزا وطنيا للمقاومة والفداء والثبات أمام الفاشية التركية. فماذا حدث لحزب مظلوم دوغان؟

معلوم أن حزب العمال الكردستاني قد ظهر في أواخر بعد انهيار الثورة الكردية الكبرى (1961-1975) التي قادها البارزاني الخالد في جنوب كردستان من أجل الحكم الذاتي لكردستان العراق والديموقراطية للعراق، وكان ظهور مثل هذا الحزب نتيجة طبيعية ورد فعل قوي على ماقامت به الولايات المتحدة الأمريكية وعميلها الكبير الشاه محمد رضا بهلوي في ايران بالتنسيق مع حكومات أخرى في المنطقة من طعن للحركة الوطنية الكردية التي كانت طموحاتها معتدلة واقليمية لا تطرف إسلامي ولا آيديولوجية شيوعية فيها. وتم الغدر بالأكراد من خلال تحقيق اتفاق بين حكومتي العراق وايران في الجزائر عام 1975 دون أي مراعاة لطموحات الشعب الكردي العادلة، وعلى الرغم من أن قيادة الحركة الكردية وضعت ثقتها في أن الولايات المتحدة الأمريكية ستدعمها لتحقيق توازن سياسي واستراتيجي في العراق بعد أن مالت حكومة البعث للسوفيات ميلا شديدا وعقدت معهم معاهدة تعاون قوية تتناول مختلف المجالات، فإن الولايات المتحدة تخلت عنها وتنكر وزير خارجيتها آنذاك هنري كيسنجر لوعوده التي قطعها للزعيم الكردي مصطفى البارزاني بوقاحة لامثيل لها.

ولما كان هذا بمثابة ضربة للشعب الكردي بأسره فإن رد الفعل الكردي كان قويا بحيث مالت معظم الحركات السياسية الكردية صوب اليسار . وفي شمال كردستان ، ساهم في تأجيج هذا الاتجاه التعنت اليميني المحافظ ضد أي حق من الحقوق القومية للشعب الكردي والتنامي العشوائي المتطرف لليسار التركي وازدياد أعمال العنف ضد الوطنيين الأكراد من قبل الفاشيين الأتراك وبخاصة تنظيمات "الذئاب الغبراء" لآلب اصلان توركيش والتوسع الكبير للآيديولوجية الشيوعية على المستوى العالمي وبخاصة في البلدان المتخلفة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ونجاح بعض الثورات المسلحة في الصين وكوبا وغيرهما. وكانت الثورة الفلسطينية بنشاطاتها الواسعة في منطقة الشرق الأوسط واتجاهاتها العديدة وبخاصة أجنحتها اليسارية مثار انتباه واهتمام الشباب الأكراد وذات جاذبية عجيبة في صفوفهم ، فكان ظهور حزب العمال الكردستاني متطرفا في الآيديولوجية، حادا في أسلوب العمل، شديدا في التنظيم وشاملا في المطالب القومية السياسية للشعب الكردي، فنادى باستقلال كوردستان وبالعمل من أجل تحقيق فيدرالية شيوعية في منطقة الشرق الأوسط وبالنضال الثوري المسلح ضد الفاشية التركية على الرغم من قلة الامكانات وضعف التنظيم وعدم وجود خبرة في المجالين السياسي والعسكري . ويعترف زعيم الحزب عبد الله أوجلان المحكوم عليه بالاعدام في سجن ايمرالي التركي بأن حزبه بدأ متطرفا ومثاليا وغير مجرب ، ويأتي اعترافه هذا بعد ربع قرن من تأسيس حزبه في كتابه المترجم إلى العربية " دفاعي منعطف على مسار الحل الديموقراطي " الذي لايرد فيه لفظ كردستان إلا مرتين أوثلاثة وفي سياق نقل كلام على لسان مصطفى كمال (أتاتورك) ، في حين يطنب فيه الحديث عن الديموقراطية والجمهورية التركية ويمدح الكمالية الطورانية...

ومن أجل فهم التحولات الأخيرة التي حدثت في حزب " مظلوم دوغان" وسائر المناضلين الذين قدموا أرواحهم في ساحات القتال أو ماتوا تحت التعذيب أو تم اغتيالهم من قبل الكونترا غريلا والمنظمات شبه العسكرية التركية والذين قضوا جوعا في اضرابات عن الطعام حتى الموت أو تم تصفيتهم من قبل قيادة الحزب نفسه أو أحرقوا أنفسهم احتجاجا وتضامنا مع زعيمهم الذي رفعوه إلى مستوى الأنبياء كابراهيم وموسى وعيس ومحمد واعتبروه زرداشت العصر الحديث ، يجب تقسيم تاريخ حزب العمال إلى ثلاث مراحل:

- مرحلة النضال من أجل استقلال كردستان والمجتمع الشيوعي ( من التأسيس عام 1979 إلى 1993)

- مرحلة التراجع عن هدفي الاستقلال والشيوعية ( من 1993 إلى اعتقال أوجلان في شباط / فبرايرعام 1999)

- مرحلة التحول عن الأهداف القومية إلى رفع شعار " الجمهورية الديموقراطية" (منذ اعتقال واختطاف أوجلان)

كان ظهور حزب العمال الكردستاني بعنفوانه الوطني وتضحيات كوادره الثوريين ومقاومتهم للتعذيب والإرهاب العسكري التركي وتصديهم لمختلف التيارات اليسارية الانتهازية في تركيا بعد رقاد طويل للحركة الوطنية الكردية وتشتت وانشقاقات متتالية فيها ، ونتيجة لما حدث للشعب الكردي في جنوب كردستان بعد انهيار الثورة أملا كبيرا في أن يتحرر الشعب الكردي من قيوده ويتقدم بخطى سريعة صوب الحرية والحياة . وبدأت مناقشات حادة وواسعة داخل صفوف الحركة الوطنية الكردية في كل مكان وساهم في تعزيز هذا الاتجاه المغني الثوري (شفان) الذي حول أشعار (جيكرخوين) الثورية والطبقية إلى سلاح قوي بيد الحزب واستطاع بصوته الجهوري الرائع أن يلفت انتباه كل الشعب الكردي إلى شمال كردستان وإلى الثورة المرتقبة تحت لواء الحزب الجديد المولود من رحم الطبقات الشعبية المسحوقة من عمال وفلاحين فقراء.. وازداد هذا الدعم الشعبي بشكل ملحوظ بعد هروب قادة الحزب الناجين من القتل والاعتقال ومنهم عبد الله أوجلان إلى سورية ولبنان وتمكنهم بعد جهد جهيد من اقامة علاقات رفاقية ثورية مع بعض أجنحة وقادة الثورة الفلسطينية وبناء نقطة ارتكاز لهم في البقاع اللبناني بعد أن أبدوا مقاومة رائعة في قلعة شقيف في وجه الجيش الاسرائيلي أثناء زحفه على جنوب لبنان ..

وباحتضان حزب العمال الكردستاني من قبل الحكومة السورية في الثمانينات ودعمها من قبل الثورة الايرانية المعادية لأمريكا وتركيا وكذلك من قبل النظام العراقي الذي طمح في استخدام الحزب ضد المقاومة الكردية التي اندلعت من جديد في كردستان العراق ، ونتيجة لممارسة كوادر حزب العمال وقيادته نضالهم السياسي بشكل جدي والتزام واحتراف لا مثيل لهما من قبل في تاريخ الحركة الكردية واستعداد الحزب للقيام بالنشاط المسلح في شمال كردستان لمع نجم عبد الله أوجلان الذي انتهز الوضع واتساع رقعة نشاط الحزب عالميا لتثبيت مركزه كزعيم أوحد للحزب مستخدما سلاح التصفيات السياسية والجسدية ضد كل من تخول له نفسه الاعتراض على نهجه القاسي والمتسم بالعداء لكل ما هو خارج الحزب من دول وحكومات وأحزاب ومنظمات دولية وأشخاص ذوي آراء وانتقادات .. وتم له ذلك وبخاصة بعد اعلان الحزب الثورة من أجل استقلال كردستان وتحقيق الشيوعية في عام 1984 وهرع الأكراد من كل مكان يؤيدون هذا الحزب بدمائهم وأموالهم وكوادرهم وبكل ما يطلبه الحزب منهم ، وبخاصة الشباب الكردي السوري الذي كان يرى أمامه حركة قومية كردية مشتتة وضعيفة وعاجزة عن تحقيق أي هدف من أهدافهم القومية أو الطبقية في الجزء الملحق بسورية من كردستان فالتحق الآلاف منهم ، فتيانا وفتيات بصفوف الثورة المسلحة تاركين دراساتهم وأعمالهم وبلادهم التي بحاجة ماسة إلى سواعدهم.

وفي الحقيقة ليس هناك طرف كردي إلا وساعد حزب أوجلان أو حاول التقرب منه والتحالف معه ، حتى الحزب الديموقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني الذي أمد الحزب بالعتاد والسلاح وتوصل معه إلى اتفاق ثنائي كردستاني في الوقت الذي كانت عناصر قيادية من حزب العمال الكردستاني تحاول بشتى السبل اقامة علاقات سرية مع أجهزة الاستخبارات العراقية (حسب الوثائق المنشورة فيما بعد والتي في أيدينا نسخ منها) وتبدي استعدادها للانخراط في القتال ضد "الجيب العميل في الشمال العراقي" مقابل ايوائهم ودعمهم من قبل الحكومة العراقية. وكانوا يقصدون بالجيب العميل "الحزب الديموقراطي الكردستاني" ولا أحد غيره.
بعد اعلان الثورة تنامى عدد مقاتلي حزب العمال بصورة متزايدة وساهم في تقوية ذلك نشاط المنظمات الكردية العمالية والطلابية في أوروبا التي أمدت الحزب من خلال جمع التبرعات وتنظيم الاحتفالات واستخدام الضغط والاكراه أيضا في تحقيق تمويل منظم بملايين الدولارات شهريا لقيادة الحزب التي تمكنت بتلك الأموال من توسيع رقعة تنظيمها وبلورته والاستفادة من سائر الخبرات العلمية والتكنولوجية لبناء خلفية جماهيرية عظيمة ومتماسكة داخل البلاد وخارجها، وفي كل أجزاء كردستان وفي جمهوريات الاتحاد السوفييتي حيث تتواجد جاليات كردية كثيرة، وأصبح الحزب عمليا أقوى تنظيم كردي على الاطلاق من سائر النواحي المالية والتنظيمية والاعلامية والتكنولوجية واشتهر دوليا من خلال تطرفه واثارته المشاكل اليومية للحكومات الأوربية وممارسة القتل والاغتيال وحرق المحلات التجارية التركية وتنظيم المظاهرات المتواصلة وتوسيع المنشورات على نطاق واسع وتنظيم الاضرابات عن الطعامحتى الموت سواء في سجون تركيا أو في المدن الأوربية.. فازدادت قيادة الحزب غرورا واعتقدت بأنها لن تقهر بعد اليوم وستحقق أهداف الشعب الكردي في الاستقلال والحرية ، ولذلك فإنها حاولت تصفية مختلف التنظيمات الكردية الأخرى من ديموقراطية ويسارية وشيوعية واسلامية لتنفرد بالساحة وتحقق هدفها الشيوعي الذي لا يقبل شيئا آخر إلى جانبه، أو ارغامها على الانخراط في برلمان شكلي أحدثه في أوروبا ومؤتمر وطني كردستاني له اليد العليا فيه، إلا أن نقطة الضعف البارزة في مسيرة الحزب كانت مسألة الشخصية التي تحدث عنها عبد الله أوجلان بنفسه في كتاب ضخم جعله كانجيل للثوار في حين لم يطبقه على نفسه مطلقا.


لقد ترك الحزب – برضى منه أو رغما عنه – المجال لأن يتفرد أوجلان بالزعامة ويصبح التمثال الذي يركع حوله كل الأعضاء والأنصار ويصفقوا له ويقروا له بكل شيء ولايعارضوه في شيء، والذين انتبهوا إلى هذه النقطة الضعيفة تم تصفيتهم سياسيا أو جسديا دون رحمة ومنهم حسين يلدرم وعصمت دوغان وسليم جوروكايا وممد شنر وكثيرون آخرون…


ولكن التغيرات التي طرأت على المستوى العالمي وانهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية وعدم تطور الكفاح المسلح إلى حرب المدن رغم التضحيات الجسيمة (حوالي 30000 ) قتيل، مقابل ازدياد عنف القوات المسلحة التركية وممارسة سياسة التطهير والابادة وإفراغ القرى وتدمير البلدات الصغيرة (حوالي 4500 قرية) وتسخير حزب الله التركي للقيام بالتصفيات الجسدية (أكثر من 15000 جريمة قتل غامضة) وهروب الملايين من الكرد إلى غرب تركيا وظهور منشقين أقوياء في صفوف القيادات الداخلية وضغط الحكومات المعنية بالقضية الكردية على قيادة أوجلان وكذلك وقوف الحكومات الأوربية مجتمعة في وجه التحول صوب العنف على الساحة الأوربية، إضافة إلى وضع اسم حزب أوجلان في قائمة المنظمات الإرهابية، والأخطاء السياسية الفادحة وبخاصة نقل الصراع المسلح إلى ساحة جنوب كردستان ضد القوى الوطنية الكردية وفي مقدمتها الحزب الديموقراطي الكردستاني.... كل ذلك أوقع أوجلان بين فكي كماشة قوية وأجبره على التراجع والتنازل والانكفاء ، وبخاصة منذ عام 1993 ..


وفشل أوجلان في الاستمرار في وقف العمليات الحربية من طرف واحد تلبية لإلحاح من رئيس الجمهورية التركية توركوت أوزال الكردي الأصل عن طريق السياسي الكردي جلال الطالباني المتحالف معه آنذاك ، فما كان منه إلا أن ألقى التبعة على مسؤول عسكري كبير في حزبه هو سليم صاقيق زاعما بأنه لم يلتزم بأوامره الشخصية في حين ادعى الأخير بأنه كان ينفذ أوامر القيادة بحذافيرها ، وكانت التهم المتبادلة من جملة الأسباب في أن يهرب صاقيق إلى جنوب كردستان مثل آخرين من رفاقه ، حيث خطف بعد ذلك من قبل القوات التركية وحكم عليه بالاعدام ولايزال حيا في السجن ..

ولقد اضطر أوجلان في محاولة يائسة لتفادي تحميله مسؤولية الإرهاب والاغتيال والتصفيات داخل حزبه وخارجه من قبل المجتمع الدولي فأعلن مرارا بأنه لم يعد في موقع يؤهله لفرض سيطرته التامة على حزبه الكبير وبأن هناك من يقوم بأعمال تخريبية بقصد الأساءة إليه وبأنه كلما يزور معسكره في البقاع يسمع بأن أحد مسؤوليه هناك (هوكر) الذي هرب إلى كردستان العراق كان يقوم بتصفية الرفاق الحزبيين داخل المعسكر دون علمه أو أوامره. وكان لابد أن يتخلص أوجلان من مسؤولين آخرين مثل (ممد شنر) الذي كان يقود المقاومة داخل السجون الرهيبة من قبل فأرسل من يغتاله في الجزيرة السورية بذريعة أنه من عملاء السلطة التركية ، كما اضطر للقيام بمثل هذه الأعمال ضد قياديين آخرين رفضوا أن يتخلوا عن نهج مظلوم دوغان الثوري.


إزاء هذه الاضطرابات والضغوط والانتكاسات العسكرية وبسبب انهيار الخلفية الايديولوجية على الصعيد العالمي كان لابد لأوجلان ومؤيديه أن يعرضوا السلام على الجنرالات الأتراك ويلتقوا بهم سرا ، إلا أن الحكومة التركية التي لاتقبل بوجود الشعب الكردي وكانت تحلم بانتصار ساحق على حزب العمال الكردستاني أصرت على موقفها المتعنت تجاه حل سلمي للقضية الكردية ولكنها حاولت دفع حزب العمال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى نقل المعركة كليا إلى داخل كردستان العراق لضرب الكرد بعضهم ببعض وتشتيت قواهم وتصفية الانجازات التي حققها أكراد العراق بعد انتفاضة 1991 وتحت غطاء الحماية الدولية وفي مقدمتها بناء ادارة كردية وتحقيق نموذج ديموقراطي وتحولهم عن فكرة الحكم الذاتي إلى المطالبة بالفيدرالية ومن ثم اقرارها من قبل البرلمان الكردي في الاقليم وتطوير القوى المادية والاقتصادية والحربية والتنظيمية بحيث باتوا يشكلون قوة لايستهان بهم تحسب لها تركيا ألف حساب وتخشى من أن يحققوا أهدافهم القومية في العراق فيؤثروا في خريطة المنطقة وبالتالي في الخريطة السياسية والجغرافية لتركيا أيضا. ولبى حزب العمال الكردستاني النداء ، بصورة غريبة ، وتوالت المعارك ضد قوى الشعب الكردي في الجنوب وتعرض حزب العمال لفشل سياسي ذريع وانتكاسة عسكرية شبه مدمرة..

وهكذا بدأت قيادة أوجلان تطرح مشاريع سياسية جديدة اختفى منها مصطلح "الاستقلال الوطني" واكتفت بالدعوة إلى حل سلمي ضمن حدود الدولة التركية يتلاءم مع ظروف تعايش الشعبين التركي والكردي وواقع تحول سريع في العلاقات الدولية وفي النظام الاقتصادي العالمي بشكل خاص.

ومنذ عام 1989 بدأت تركيا بحملة دولية محمومة وبممارسة ضغوط رهيبة على سوريا لاجبارها على التخلي عن أوجلان وهددت باعلان الحرب عليها لانتزاعه منها في أقرب وقت. فكان ما كان وخرج أوجلان من سوريا ولبنان لا باتجاه كردستان حيث آلاف الفتيان والفتيات يحملون السلاح بأمره ومستعدون للذود عنه بأرواحهم وانما باتجاه روسيا وأوروبا حيث توقع أن العالم قد صدق ادعاءاته الأخيرة بأنه رجل مسالم ولايريد الحرب ويرفض الارهاب ونسي النضال الطبقي ، كما ظن أن أوروبا ستحميه وأنها لن تتخلى عن مثلها في موضوع حقوق الإنسان، ولما رأى بأم عينيه مئات الألوف من العمال والطلاب الأكراد والنساء والأطفال يهرعون من كل أنحاء أوروبا لزيارته في روما ويقضون الأيام والليالي في الشوارع مطالبين بحمايته ومنحه حق اللجوء السياسي والاعتراف به زعيما للشعب الكردي ، وكيف أن كل أقنية التلفزيون والاذاعات قد جعلت من موضوع فراره مادة مثيرة للغاية شرع بإطلاق عبارات قاسية اتهم فيها مجموعات كبيرة من المثقفين الكرد الواعين وأطرافا عديدة من الحركة الوطنية الكردية بالضعف والخيانة والارتباط بالأجنبي وأظهر نفسه رجل خلاص للشعب الكردي وقوة يهابها العالم وحقيقة تاريخية لامناص من قبولها كما هي .. وفشلت زوجة الرئيس الفرنسي الراحل ميتران وسكرتير رئيس وزراء ايطاليا ماسيمو ديلما في اقناع أوجلان بعدم ترك ايطاليا حتى ولو أدخلوه السجن ، فحبذ الذهاب إلى كينيا بعد أن رفض استقباله الروس واليونانيون وبرفقته بعض المرافقات من حزبه اللواتي لن يتمكن من الدفاع عنه في حال تعرضه لهجوم غادر.. وانتهى الأمر بأوجلان ليعلن فوراعتقاله وهو لايزال في الطائرة التي تقله إلى تركيا بأنه مستعد لخدمة الدولة التركية وكيف لا وأمه التي أنجبته تركية ..

وهنا تبدأ المرحلة الثالثة من حياة حزب العمال الكردستاني الذي فقد باختطاف أوجلان رأسه المفكر وقائده الأوحد..وعلى الرغم من تهديدات شقيقه الاعلامية بأنه سيحول تركيا إلى مجزرة كبيرة شعر الأكراد بأن بداية النهاية لحزب مظلوم دوغان تلوح في الأفق.. وصرح يومئذ سليم جوروكايا المختفي في ألمانيا منذ هروبه من معسكر البقاع اللبناني ومعارضته لسياسة أوجلان للصحافة الألمانية بأن حقيقة رئيس حزبه أوجلان ستظهرجلية للعالم الآن.

ويمكن رؤية ملامح هذه المرحلة بوضوح لكل من قرأ دفاع أوجلان أمام المحكمة وما تلى ذلك من تصريحات صادرة عنه أو عن شقيقه عثمان أوجلان الذي تولى مركزه بالنيابة أو تصريحات اللجنة المركزية للحزب ، تتجاوز حدود تغيير اسم الحزب والتخفيف من تطرفه، وتتلخص في :

الكف عن النضال الآيديولوجي ، الكف عن النضال القومي ، الكف عن النضال الثوري وهذا يعني أن حزب العمال الكردستاني قد تحول عن مبادئه النظرية بمائة وثمانين درجة ..



وبإلقاء نظرة على كتاب أوجلان الذي ذكرناه من قبل نخرج ببعض النقاط الهامة والمثيرة حقا والتي منها ادعاؤه المستمربأن الديموقراطية دواء كل العلل الاجتماعية والسياسية في الدنيا وأن حزبه لم يقيم بصورة جدية وعلمية سياسة مصطفى كما (أتاتورك) الحكيمة والصائبة وبخاصة قمعه للتمردات الكردية التي وصفها بالانفصالية البدائية والقومية الضيقة والرجعية المتخلفة والمذهبية المدمرة والارتباط بالأجنبي ومحاولة يائسة لاعادة الخلافة والسلطنة متناسيا بأن سياسة مصطفى كمال كانت سياسة أبادة إجرامية من الطراز الأول سواء ضد الأرمن أو الأكراد أو العرب أو اليونان والبلغار وأنه كان المدعوم من قبل الانجليز والفرنسيين وأنه كان عنصريا حاقدا.


كما أن أوجلان – وحزبه يؤيده في كل شيء – يضرب على هذا الوتر باستمرار "وحدة الوطن والمصالح والدين" وهو شعار أتاتوركي في المرحلة الأولى من حركته لخداع الكرد وتسخيرهم في الحرب ضد اليونان والبلغار والانجليز.. ويسعى بشتى السبل لارضاء المؤسسة العسكرية التركية والشريحة الحاكمة في البلاد في محاولة يائسة لاقناعهما بأنه وحزبه معه سيعملان باخلاص على لجم الحركة القومية الكردية وتفكيك أوصالها وتقريبها من مسار النظام .. وأخطر شيء في مداخلته الطويلة هذه هو دفاعه المستميت عن الميثاق المللي التركي الذي يتنكر لكل حقوق الأقليات القومية في البلاد ويرى في تركيا شعبا واحدا ولغة واحدة ووطنا واحدا وما عدا ذلك يجب بتره وازالته بالعنف.. ولابد من القول بأن حديث أوجلان عن بعض الحقوق القومية الكردية هي محاولة يائسة للتستر على الانحراف التام الذي اتخذ مساره لديه والذي سيؤدي بحزبه إلى الارتماء في أحضان السياسة الرسمية للدولة التركية الطورانية العنصرية المعادية لطموحات كل القوميات الأخرى غير التركية في البلاد وبخاصة الأكراد والعرب.. وما حملة إعلام حزب العمال الكردستاني الحامية لانقاذ " اللغة الكردية" سوى تضليل وقناع زائف يخفي وراءه حقيقة الخروج عن الخط الوطني للحركة التحررية الكردية التي لاتلتقي في شيء مع الميثاق المللي التركي..

إن القضية الكردية في شمال كردستان معرضة لانتكاسة رهيبة بدخول حزب العمال في هذه المرحلة التي يدعي زعيمها بأنها قفزة نضالية ثورية لامثيل لها بتخليه عن أهداف الشعب الكردي وعن الكفاح الثوري وعن مطالب الجماهير الكادحة التي عانت الأمرين منذ اندلاع الحرب عام 1984.. والشعب الكردي يريد الحرية وليس انقاذ لغته القومية فحسب. وإن قرار تغيير اسم الحزب الذي دافع عنه قادة الحزب في تصريحاتهم الاعلامية الأخيرة للتملص من كردستانية الحزب هو بمثابة ورقة طلاق بين الأوجلانية والحركة الوطنية الكردية.

وقد قرر الحزب تغيير السياسة التي يتبعها من اجل تحقيق هدفه وأعلن تغيير اسمه الى مؤتمر الحرية والديمقراطية الكردي (كاديك)، وقال بأنه سيخوض من الآن فصاعدا حملة سلمية من اجل حقوق الشعب الكردي .
وكان زعيم حزب العمال عبدالله اوجالان قد دعا عقب القاء السلطات التركية القبض عليه عام 1999 حزبه الى وقف اطلاق النار، ولكن الحكومة التركية رفضت طلبه .

حزب العمال الكردستاني

في بداية الثمانينات أطلق شاب كردي يدعى مظلوم دوغان أمام المحكمة العسكرية التركية في ديار بكر (آمد) صرخته الخالدة ( به رخودان جيانه- المقاومة حياة) وهو متكىء على كتفي جنديين حملاه إلى قاعة المحكمة بصعوبة بالغة من غرفة تعذيبه المظلمة لينقل النضال التحرري الكردي في شمال كردستان إلى مستوى لم يبلغه قط من قبل وليهز بدفاعه البطولي أركان الطغمة العسكرية التي استولت على الحكم بانقلاب عسكري في عام 1980.. مما أجبر جلاديه على حرقه حيا في يوم نوروز الذي يعتبره الكرد عيدهم القومي والادعاء بعدها بأنه انتحر، وإن كان هذا الزعم صحيحا فلأنه لم يعد يتحمل التعذيب الوحشي.. مظلوم دوغان هذا كان عضوا قياديا في حزب العمال الكردستاني رغم صغر سنه وأصبح رمزا وطنيا للمقاومة والفداء والثبات أمام الفاشية التركية. فماذا حدث لحزب مظلوم دوغان؟

معلوم أن حزب العمال الكردستاني قد ظهر في أواخر بعد انهيار الثورة الكردية الكبرى (1961-1975) التي قادها البارزاني الخالد في جنوب كردستان من أجل الحكم الذاتي لكردستان العراق والديموقراطية للعراق، وكان ظهور مثل هذا الحزب نتيجة طبيعية ورد فعل قوي على ماقامت به الولايات المتحدة الأمريكية وعميلها الكبير الشاه محمد رضا بهلوي في ايران بالتنسيق مع حكومات أخرى في المنطقة من طعن للحركة الوطنية الكردية التي كانت طموحاتها معتدلة واقليمية لا تطرف إسلامي ولا آيديولوجية شيوعية فيها. وتم الغدر بالأكراد من خلال تحقيق اتفاق بين حكومتي العراق وايران في الجزائر عام 1975 دون أي مراعاة لطموحات الشعب الكردي العادلة، وعلى الرغم من أن قيادة الحركة الكردية وضعت ثقتها في أن الولايات المتحدة الأمريكية ستدعمها لتحقيق توازن سياسي واستراتيجي في العراق بعد أن مالت حكومة البعث للسوفيات ميلا شديدا وعقدت معهم معاهدة تعاون قوية تتناول مختلف المجالات، فإن الولايات المتحدة تخلت عنها وتنكر وزير خارجيتها آنذاك هنري كيسنجر لوعوده التي قطعها للزعيم الكردي مصطفى البارزاني بوقاحة لامثيل لها.

ولما كان هذا بمثابة ضربة للشعب الكردي بأسره فإن رد الفعل الكردي كان قويا بحيث مالت معظم الحركات السياسية الكردية صوب اليسار . وفي شمال كردستان ، ساهم في تأجيج هذا الاتجاه التعنت اليميني المحافظ ضد أي حق من الحقوق القومية للشعب الكردي والتنامي العشوائي المتطرف لليسار التركي وازدياد أعمال العنف ضد الوطنيين الأكراد من قبل الفاشيين الأتراك وبخاصة تنظيمات "الذئاب الغبراء" لآلب اصلان توركيش والتوسع الكبير للآيديولوجية الشيوعية على المستوى العالمي وبخاصة في البلدان المتخلفة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ونجاح بعض الثورات المسلحة في الصين وكوبا وغيرهما. وكانت الثورة الفلسطينية بنشاطاتها الواسعة في منطقة الشرق الأوسط واتجاهاتها العديدة وبخاصة أجنحتها اليسارية مثار انتباه واهتمام الشباب الأكراد وذات جاذبية عجيبة في صفوفهم ، فكان ظهور حزب العمال الكردستاني متطرفا في الآيديولوجية، حادا في أسلوب العمل، شديدا في التنظيم وشاملا في المطالب القومية السياسية للشعب الكردي، فنادى باستقلال كوردستان وبالعمل من أجل تحقيق فيدرالية شيوعية في منطقة الشرق الأوسط وبالنضال الثوري المسلح ضد الفاشية التركية على الرغم من قلة الامكانات وضعف التنظيم وعدم وجود خبرة في المجالين السياسي والعسكري . ويعترف زعيم الحزب عبد الله أوجلان المحكوم عليه بالاعدام في سجن ايمرالي التركي بأن حزبه بدأ متطرفا ومثاليا وغير مجرب ، ويأتي اعترافه هذا بعد ربع قرن من تأسيس حزبه في كتابه المترجم إلى العربية " دفاعي منعطف على مسار الحل الديموقراطي " الذي لايرد فيه لفظ كردستان إلا مرتين أوثلاثة وفي سياق نقل كلام على لسان مصطفى كمال (أتاتورك) ، في حين يطنب فيه الحديث عن الديموقراطية والجمهورية التركية ويمدح الكمالية الطورانية...

ومن أجل فهم التحولات الأخيرة التي حدثت في حزب " مظلوم دوغان" وسائر المناضلين الذين قدموا أرواحهم في ساحات القتال أو ماتوا تحت التعذيب أو تم اغتيالهم من قبل الكونترا غريلا والمنظمات شبه العسكرية التركية والذين قضوا جوعا في اضرابات عن الطعام حتى الموت أو تم تصفيتهم من قبل قيادة الحزب نفسه أو أحرقوا أنفسهم احتجاجا وتضامنا مع زعيمهم الذي رفعوه إلى مستوى الأنبياء كابراهيم وموسى وعيس ومحمد واعتبروه زرداشت العصر الحديث ، يجب تقسيم تاريخ حزب العمال إلى ثلاث مراحل:

- مرحلة النضال من أجل استقلال كردستان والمجتمع الشيوعي ( من التأسيس عام 1979 إلى 1993)

- مرحلة التراجع عن هدفي الاستقلال والشيوعية ( من 1993 إلى اعتقال أوجلان في شباط / فبرايرعام 1999)

- مرحلة التحول عن الأهداف القومية إلى رفع شعار " الجمهورية الديموقراطية" (منذ اعتقال واختطاف أوجلان)

كان ظهور حزب العمال الكردستاني بعنفوانه الوطني وتضحيات كوادره الثوريين ومقاومتهم للتعذيب والإرهاب العسكري التركي وتصديهم لمختلف التيارات اليسارية الانتهازية في تركيا بعد رقاد طويل للحركة الوطنية الكردية وتشتت وانشقاقات متتالية فيها ، ونتيجة لما حدث للشعب الكردي في جنوب كردستان بعد انهيار الثورة أملا كبيرا في أن يتحرر الشعب الكردي من قيوده ويتقدم بخطى سريعة صوب الحرية والحياة . وبدأت مناقشات حادة وواسعة داخل صفوف الحركة الوطنية الكردية في كل مكان وساهم في تعزيز هذا الاتجاه المغني الثوري (شفان) الذي حول أشعار (جيكرخوين) الثورية والطبقية إلى سلاح قوي بيد الحزب واستطاع بصوته الجهوري الرائع أن يلفت انتباه كل الشعب الكردي إلى شمال كردستان وإلى الثورة المرتقبة تحت لواء الحزب الجديد المولود من رحم الطبقات الشعبية المسحوقة من عمال وفلاحين فقراء.. وازداد هذا الدعم الشعبي بشكل ملحوظ بعد هروب قادة الحزب الناجين من القتل والاعتقال ومنهم عبد الله أوجلان إلى سورية ولبنان وتمكنهم بعد جهد جهيد من اقامة علاقات رفاقية ثورية مع بعض أجنحة وقادة الثورة الفلسطينية وبناء نقطة ارتكاز لهم في البقاع اللبناني بعد أن أبدوا مقاومة رائعة في قلعة شقيف في وجه الجيش الاسرائيلي أثناء زحفه على جنوب لبنان ..

وباحتضان حزب العمال الكردستاني من قبل الحكومة السورية في الثمانينات ودعمها من قبل الثورة الايرانية المعادية لأمريكا وتركيا وكذلك من قبل النظام العراقي الذي طمح في استخدام الحزب ضد المقاومة الكردية التي اندلعت من جديد في كردستان العراق ، ونتيجة لممارسة كوادر حزب العمال وقيادته نضالهم السياسي بشكل جدي والتزام واحتراف لا مثيل لهما من قبل في تاريخ الحركة الكردية واستعداد الحزب للقيام بالنشاط المسلح في شمال كردستان لمع نجم عبد الله أوجلان الذي انتهز الوضع واتساع رقعة نشاط الحزب عالميا لتثبيت مركزه كزعيم أوحد للحزب مستخدما سلاح التصفيات السياسية والجسدية ضد كل من تخول له نفسه الاعتراض على نهجه القاسي والمتسم بالعداء لكل ما هو خارج الحزب من دول وحكومات وأحزاب ومنظمات دولية وأشخاص ذوي آراء وانتقادات .. وتم له ذلك وبخاصة بعد اعلان الحزب الثورة من أجل استقلال كردستان وتحقيق الشيوعية في عام 1984 وهرع الأكراد من كل مكان يؤيدون هذا الحزب بدمائهم وأموالهم وكوادرهم وبكل ما يطلبه الحزب منهم ، وبخاصة الشباب الكردي السوري الذي كان يرى أمامه حركة قومية كردية مشتتة وضعيفة وعاجزة عن تحقيق أي هدف من أهدافهم القومية أو الطبقية في الجزء الملحق بسورية من كردستان فالتحق الآلاف منهم ، فتيانا وفتيات بصفوف الثورة المسلحة تاركين دراساتهم وأعمالهم وبلادهم التي بحاجة ماسة إلى سواعدهم.

وفي الحقيقة ليس هناك طرف كردي إلا وساعد حزب أوجلان أو حاول التقرب منه والتحالف معه ، حتى الحزب الديموقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني الذي أمد الحزب بالعتاد والسلاح وتوصل معه إلى اتفاق ثنائي كردستاني في الوقت الذي كانت عناصر قيادية من حزب العمال الكردستاني تحاول بشتى السبل اقامة علاقات سرية مع أجهزة الاستخبارات العراقية (حسب الوثائق المنشورة فيما بعد والتي في أيدينا نسخ منها) وتبدي استعدادها للانخراط في القتال ضد "الجيب العميل في الشمال العراقي" مقابل ايوائهم ودعمهم من قبل الحكومة العراقية. وكانوا يقصدون بالجيب العميل "الحزب الديموقراطي الكردستاني" ولا أحد غيره.
بعد اعلان الثورة تنامى عدد مقاتلي حزب العمال بصورة متزايدة وساهم في تقوية ذلك نشاط المنظمات الكردية العمالية والطلابية في أوروبا التي أمدت الحزب من خلال جمع التبرعات وتنظيم الاحتفالات واستخدام الضغط والاكراه أيضا في تحقيق تمويل منظم بملايين الدولارات شهريا لقيادة الحزب التي تمكنت بتلك الأموال من توسيع رقعة تنظيمها وبلورته والاستفادة من سائر الخبرات العلمية والتكنولوجية لبناء خلفية جماهيرية عظيمة ومتماسكة داخل البلاد وخارجها، وفي كل أجزاء كردستان وفي جمهوريات الاتحاد السوفييتي حيث تتواجد جاليات كردية كثيرة، وأصبح الحزب عمليا أقوى تنظيم كردي على الاطلاق من سائر النواحي المالية والتنظيمية والاعلامية والتكنولوجية واشتهر دوليا من خلال تطرفه واثارته المشاكل اليومية للحكومات الأوربية وممارسة القتل والاغتيال وحرق المحلات التجارية التركية وتنظيم المظاهرات المتواصلة وتوسيع المنشورات على نطاق واسع وتنظيم الاضرابات عن الطعامحتى الموت سواء في سجون تركيا أو في المدن الأوربية.. فازدادت قيادة الحزب غرورا واعتقدت بأنها لن تقهر بعد اليوم وستحقق أهداف الشعب الكردي في الاستقلال والحرية ، ولذلك فإنها حاولت تصفية مختلف التنظيمات الكردية الأخرى من ديموقراطية ويسارية وشيوعية واسلامية لتنفرد بالساحة وتحقق هدفها الشيوعي الذي لا يقبل شيئا آخر إلى جانبه، أو ارغامها على الانخراط في برلمان شكلي أحدثه في أوروبا ومؤتمر وطني كردستاني له اليد العليا فيه، إلا أن نقطة الضعف البارزة في مسيرة الحزب كانت مسألة الشخصية التي تحدث عنها عبد الله أوجلان بنفسه في كتاب ضخم جعله كانجيل للثوار في حين لم يطبقه على نفسه مطلقا.


لقد ترك الحزب – برضى منه أو رغما عنه – المجال لأن يتفرد أوجلان بالزعامة ويصبح التمثال الذي يركع حوله كل الأعضاء والأنصار ويصفقوا له ويقروا له بكل شيء ولايعارضوه في شيء، والذين انتبهوا إلى هذه النقطة الضعيفة تم تصفيتهم سياسيا أو جسديا دون رحمة ومنهم حسين يلدرم وعصمت دوغان وسليم جوروكايا وممد شنر وكثيرون آخرون…


ولكن التغيرات التي طرأت على المستوى العالمي وانهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية وعدم تطور الكفاح المسلح إلى حرب المدن رغم التضحيات الجسيمة (حوالي 30000 ) قتيل، مقابل ازدياد عنف القوات المسلحة التركية وممارسة سياسة التطهير والابادة وإفراغ القرى وتدمير البلدات الصغيرة (حوالي 4500 قرية) وتسخير حزب الله التركي للقيام بالتصفيات الجسدية (أكثر من 15000 جريمة قتل غامضة) وهروب الملايين من الكرد إلى غرب تركيا وظهور منشقين أقوياء في صفوف القيادات الداخلية وضغط الحكومات المعنية بالقضية الكردية على قيادة أوجلان وكذلك وقوف الحكومات الأوربية مجتمعة في وجه التحول صوب العنف على الساحة الأوربية، إضافة إلى وضع اسم حزب أوجلان في قائمة المنظمات الإرهابية، والأخطاء السياسية الفادحة وبخاصة نقل الصراع المسلح إلى ساحة جنوب كردستان ضد القوى الوطنية الكردية وفي مقدمتها الحزب الديموقراطي الكردستاني.... كل ذلك أوقع أوجلان بين فكي كماشة قوية وأجبره على التراجع والتنازل والانكفاء ، وبخاصة منذ عام 1993 ..


وفشل أوجلان في الاستمرار في وقف العمليات الحربية من طرف واحد تلبية لإلحاح من رئيس الجمهورية التركية توركوت أوزال الكردي الأصل عن طريق السياسي الكردي جلال الطالباني المتحالف معه آنذاك ، فما كان منه إلا أن ألقى التبعة على مسؤول عسكري كبير في حزبه هو سليم صاقيق زاعما بأنه لم يلتزم بأوامره الشخصية في حين ادعى الأخير بأنه كان ينفذ أوامر القيادة بحذافيرها ، وكانت التهم المتبادلة من جملة الأسباب في أن يهرب صاقيق إلى جنوب كردستان مثل آخرين من رفاقه ، حيث خطف بعد ذلك من قبل القوات التركية وحكم عليه بالاعدام ولايزال حيا في السجن ..

ولقد اضطر أوجلان في محاولة يائسة لتفادي تحميله مسؤولية الإرهاب والاغتيال والتصفيات داخل حزبه وخارجه من قبل المجتمع الدولي فأعلن مرارا بأنه لم يعد في موقع يؤهله لفرض سيطرته التامة على حزبه الكبير وبأن هناك من يقوم بأعمال تخريبية بقصد الأساءة إليه وبأنه كلما يزور معسكره في البقاع يسمع بأن أحد مسؤوليه هناك (هوكر) الذي هرب إلى كردستان العراق كان يقوم بتصفية الرفاق الحزبيين داخل المعسكر دون علمه أو أوامره. وكان لابد أن يتخلص أوجلان من مسؤولين آخرين مثل (ممد شنر) الذي كان يقود المقاومة داخل السجون الرهيبة من قبل فأرسل من يغتاله في الجزيرة السورية بذريعة أنه من عملاء السلطة التركية ، كما اضطر للقيام بمثل هذه الأعمال ضد قياديين آخرين رفضوا أن يتخلوا عن نهج مظلوم دوغان الثوري.


إزاء هذه الاضطرابات والضغوط والانتكاسات العسكرية وبسبب انهيار الخلفية الايديولوجية على الصعيد العالمي كان لابد لأوجلان ومؤيديه أن يعرضوا السلام على الجنرالات الأتراك ويلتقوا بهم سرا ، إلا أن الحكومة التركية التي لاتقبل بوجود الشعب الكردي وكانت تحلم بانتصار ساحق على حزب العمال الكردستاني أصرت على موقفها المتعنت تجاه حل سلمي للقضية الكردية ولكنها حاولت دفع حزب العمال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى نقل المعركة كليا إلى داخل كردستان العراق لضرب الكرد بعضهم ببعض وتشتيت قواهم وتصفية الانجازات التي حققها أكراد العراق بعد انتفاضة 1991 وتحت غطاء الحماية الدولية وفي مقدمتها بناء ادارة كردية وتحقيق نموذج ديموقراطي وتحولهم عن فكرة الحكم الذاتي إلى المطالبة بالفيدرالية ومن ثم اقرارها من قبل البرلمان الكردي في الاقليم وتطوير القوى المادية والاقتصادية والحربية والتنظيمية بحيث باتوا يشكلون قوة لايستهان بهم تحسب لها تركيا ألف حساب وتخشى من أن يحققوا أهدافهم القومية في العراق فيؤثروا في خريطة المنطقة وبالتالي في الخريطة السياسية والجغرافية لتركيا أيضا. ولبى حزب العمال الكردستاني النداء ، بصورة غريبة ، وتوالت المعارك ضد قوى الشعب الكردي في الجنوب وتعرض حزب العمال لفشل سياسي ذريع وانتكاسة عسكرية شبه مدمرة..

وهكذا بدأت قيادة أوجلان تطرح مشاريع سياسية جديدة اختفى منها مصطلح "الاستقلال الوطني" واكتفت بالدعوة إلى حل سلمي ضمن حدود الدولة التركية يتلاءم مع ظروف تعايش الشعبين التركي والكردي وواقع تحول سريع في العلاقات الدولية وفي النظام الاقتصادي العالمي بشكل خاص.

ومنذ عام 1989 بدأت تركيا بحملة دولية محمومة وبممارسة ضغوط رهيبة على سوريا لاجبارها على التخلي عن أوجلان وهددت باعلان الحرب عليها لانتزاعه منها في أقرب وقت. فكان ما كان وخرج أوجلان من سوريا ولبنان لا باتجاه كردستان حيث آلاف الفتيان والفتيات يحملون السلاح بأمره ومستعدون للذود عنه بأرواحهم وانما باتجاه روسيا وأوروبا حيث توقع أن العالم قد صدق ادعاءاته الأخيرة بأنه رجل مسالم ولايريد الحرب ويرفض الارهاب ونسي النضال الطبقي ، كما ظن أن أوروبا ستحميه وأنها لن تتخلى عن مثلها في موضوع حقوق الإنسان، ولما رأى بأم عينيه مئات الألوف من العمال والطلاب الأكراد والنساء والأطفال يهرعون من كل أنحاء أوروبا لزيارته في روما ويقضون الأيام والليالي في الشوارع مطالبين بحمايته ومنحه حق اللجوء السياسي والاعتراف به زعيما للشعب الكردي ، وكيف أن كل أقنية التلفزيون والاذاعات قد جعلت من موضوع فراره مادة مثيرة للغاية شرع بإطلاق عبارات قاسية اتهم فيها مجموعات كبيرة من المثقفين الكرد الواعين وأطرافا عديدة من الحركة الوطنية الكردية بالضعف والخيانة والارتباط بالأجنبي وأظهر نفسه رجل خلاص للشعب الكردي وقوة يهابها العالم وحقيقة تاريخية لامناص من قبولها كما هي .. وفشلت زوجة الرئيس الفرنسي الراحل ميتران وسكرتير رئيس وزراء ايطاليا ماسيمو ديلما في اقناع أوجلان بعدم ترك ايطاليا حتى ولو أدخلوه السجن ، فحبذ الذهاب إلى كينيا بعد أن رفض استقباله الروس واليونانيون وبرفقته بعض المرافقات من حزبه اللواتي لن يتمكن من الدفاع عنه في حال تعرضه لهجوم غادر.. وانتهى الأمر بأوجلان ليعلن فوراعتقاله وهو لايزال في الطائرة التي تقله إلى تركيا بأنه مستعد لخدمة الدولة التركية وكيف لا وأمه التي أنجبته تركية ..

وهنا تبدأ المرحلة الثالثة من حياة حزب العمال الكردستاني الذي فقد باختطاف أوجلان رأسه المفكر وقائده الأوحد..وعلى الرغم من تهديدات شقيقه الاعلامية بأنه سيحول تركيا إلى مجزرة كبيرة شعر الأكراد بأن بداية النهاية لحزب مظلوم دوغان تلوح في الأفق.. وصرح يومئذ سليم جوروكايا المختفي في ألمانيا منذ هروبه من معسكر البقاع اللبناني ومعارضته لسياسة أوجلان للصحافة الألمانية بأن حقيقة رئيس حزبه أوجلان ستظهرجلية للعالم الآن.

ويمكن رؤية ملامح هذه المرحلة بوضوح لكل من قرأ دفاع أوجلان أمام المحكمة وما تلى ذلك من تصريحات صادرة عنه أو عن شقيقه عثمان أوجلان الذي تولى مركزه بالنيابة أو تصريحات اللجنة المركزية للحزب ، تتجاوز حدود تغيير اسم الحزب والتخفيف من تطرفه، وتتلخص في :

الكف عن النضال الآيديولوجي ، الكف عن النضال القومي ، الكف عن النضال الثوري وهذا يعني أن حزب العمال الكردستاني قد تحول عن مبادئه النظرية بمائة وثمانين درجة ..



وبإلقاء نظرة على كتاب أوجلان الذي ذكرناه من قبل نخرج ببعض النقاط الهامة والمثيرة حقا والتي منها ادعاؤه المستمربأن الديموقراطية دواء كل العلل الاجتماعية والسياسية في الدنيا وأن حزبه لم يقيم بصورة جدية وعلمية سياسة مصطفى كما (أتاتورك) الحكيمة والصائبة وبخاصة قمعه للتمردات الكردية التي وصفها بالانفصالية البدائية والقومية الضيقة والرجعية المتخلفة والمذهبية المدمرة والارتباط بالأجنبي ومحاولة يائسة لاعادة الخلافة والسلطنة متناسيا بأن سياسة مصطفى كمال كانت سياسة أبادة إجرامية من الطراز الأول سواء ضد الأرمن أو الأكراد أو العرب أو اليونان والبلغار وأنه كان المدعوم من قبل الانجليز والفرنسيين وأنه كان عنصريا حاقدا.


كما أن أوجلان – وحزبه يؤيده في كل شيء – يضرب على هذا الوتر باستمرار "وحدة الوطن والمصالح والدين" وهو شعار أتاتوركي في المرحلة الأولى من حركته لخداع الكرد وتسخيرهم في الحرب ضد اليونان والبلغار والانجليز.. ويسعى بشتى السبل لارضاء المؤسسة العسكرية التركية والشريحة الحاكمة في البلاد في محاولة يائسة لاقناعهما بأنه وحزبه معه سيعملان باخلاص على لجم الحركة القومية الكردية وتفكيك أوصالها وتقريبها من مسار النظام .. وأخطر شيء في مداخلته الطويلة هذه هو دفاعه المستميت عن الميثاق المللي التركي الذي يتنكر لكل حقوق الأقليات القومية في البلاد ويرى في تركيا شعبا واحدا ولغة واحدة ووطنا واحدا وما عدا ذلك يجب بتره وازالته بالعنف.. ولابد من القول بأن حديث أوجلان عن بعض الحقوق القومية الكردية هي محاولة يائسة للتستر على الانحراف التام الذي اتخذ مساره لديه والذي سيؤدي بحزبه إلى الارتماء في أحضان السياسة الرسمية للدولة التركية الطورانية العنصرية المعادية لطموحات كل القوميات الأخرى غير التركية في البلاد وبخاصة الأكراد والعرب.. وما حملة إعلام حزب العمال الكردستاني الحامية لانقاذ " اللغة الكردية" سوى تضليل وقناع زائف يخفي وراءه حقيقة الخروج عن الخط الوطني للحركة التحررية الكردية التي لاتلتقي في شيء مع الميثاق المللي التركي..

إن القضية الكردية في شمال كردستان معرضة لانتكاسة رهيبة بدخول حزب العمال في هذه المرحلة التي يدعي زعيمها بأنها قفزة نضالية ثورية لامثيل لها بتخليه عن أهداف الشعب الكردي وعن الكفاح الثوري وعن مطالب الجماهير الكادحة التي عانت الأمرين منذ اندلاع الحرب عام 1984.. والشعب الكردي يريد الحرية وليس انقاذ لغته القومية فحسب. وإن قرار تغيير اسم الحزب الذي دافع عنه قادة الحزب في تصريحاتهم الاعلامية الأخيرة للتملص من كردستانية الحزب هو بمثابة ورقة طلاق بين الأوجلانية والحركة الوطنية الكردية.

وقد قرر الحزب تغيير السياسة التي يتبعها من اجل تحقيق هدفه وأعلن تغيير اسمه الى مؤتمر الحرية والديمقراطية الكردي (كاديك)، وقال بأنه سيخوض من الآن فصاعدا حملة سلمية من اجل حقوق الشعب الكردي .
وكان زعيم حزب العمال عبدالله اوجالان قد دعا عقب القاء السلطات التركية القبض عليه عام 1999 حزبه الى وقف اطلاق النار، ولكن الحكومة التركية رفضت طلبه .