طارق شفيق حقي
12/03/2006, 06:54 PM
خفايا وأسرار في وثائق الخارجية البريطانية لعام 1975 - الحلقة (1) .
خفايا وأسرار في وثائق الخارجية البريطانية لعام 1975 ـ الحلقة الأولى
مصر تتعهد بتنفيذ بند سري يستثني شركات أميركية من المقاطعة العربية
كشفت الخارجية البريطانية، أخيراً، النقاب عن جانب مهم من وثائقها التي تضم أسراراً وخبايا طال حجبها ثلاثين عاماً، تتعلق بالكثير من القضايا المحورية في الشرق الأوسط بعد انقضاء ثلاثة عقود على إدراجها في ملفاتها. وعلى الرغم من حجب بعض الوثائق التي تتسم بالتعقيد وبالطابع الخلافي، إلا ان ما كشف عنه من وثائق يكفي لإلقاء الضوء على حقائق مخفية من تلك الفترة حول العلاقة الإسرائيلية ـ البريطانية والموقف البريطاني من توريد السلاح للدول العربية وإسرائيل .
غير أن اللافت في الوثائق هو ما تضمنته من شرح مستفيض حول حزب البعث العراقي وخلافه مع نظيره السوري مع التركيز على صدام حسين ووصفه بالرجل القوي داخل العراق والحاكم الفعلي مع أنه كان ما يزال نائباً للرئيس أحمد حسن البكر. بالإضافة إلى وجود بعض الوثائق التي تحدثت عن الوضع في لبنان ومسألة فتح قنوات اتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية.
«البيان» تعرض هذه القراءة الموضوعية في الوثائق من دون تبني الآراء الواردة فيها، باعتبار أن هذه الوثائق تعبر عن توجهات السياسة البريطانية ومصالحها وثقتنا بحنكة القارئ العربي كبيرة.
لا شك أن العلاقات البريطانية ـ الإسرائيلية كانت، ولا تزال، علاقات قوية ومتميزة. كيف لا، وهي التي ساهمت مساهمة جوهرية في قيام دولة إسرائيل من خلال الوعد الذي منحه اللورد بلفور لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وما تبعه من مساندة ودعم في استيعاب موجات الهجرة الصهيونية وعون عسكري مباشر وغير مباشر لإسرائيل في حروبها المختلفة مع العرب.
ويبدو أن قوة هذه العلاقة قد سمحت للمسؤولين الإسرائيليين سواء من خلال إقناع الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية الأوروبية بتوقيع البروتوكول المالي الملحق بالاتفاقية التجارية التي أبرمتها المجموعة مع إسرائيل، والذي يسمح للأخيرة بأخذ قروض مالية من بنك الاستثمار الأوروبي أو محاولة تخفيف آثار المقاطعة العربية لإسرائيل والشركات الغربية التي تتعامل معها من خلال الضغط على دول المغرب العربي للقبول باتفاقات مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية تتضمن بنوداً تنص على عدم التمييز ضد الشركات التي تتعامل مع إسرائيل.
وهذه الضغوط أو المطالب الإسرائيلية تبدو واضحة في محضر اجتماع عقد بمقر الخارجية البريطانية بين وزير الدولة لشؤون الخارجية والكومنولث (غير العضو في المجلس الوزاري) عضو البرلمان المكرم هون روي هاترسلي والسفير الإسرائيلي، يوم الاثنين 6 أكتوبر 1975.
ونلاحظ من قراءتنا للمحضر أن هناك تأييداً واضحاً من بريطانيا للموقف الإسرائيلي بشأن المطالبة بسرعة المصادقة على البروتوكول المالي الملحق بالاتفاقية التجارية الموقعة بين إسرائيل والمجموعة الاقتصادية الأوروبية. ونشير هنا إلى بعض النقاط التي استرعت انتباهنا في هذه الوثيقة :
ـ إن إسرائيل تطالب المجموعة الاقتصادية الأوروبية بالمصادقة السريعة على البروتوكول وعدم ربطه بتقدم المفاوضات الجارية مع دول المغرب العربي.
ـ إن الجانب البريطاني قد دعم فكرة تطبيق البروتوكول المالي على الاتفاقية التجارية التي وقعتها إسرائيل مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية والذي سيمنحها مدخلاً إلى بنك الاستثمار الأوروبي.
ـ إن مصر ولبنان قد وافقتا على البنود التي تنص على عدم التمييز ضد الشركات التي تتعامل مع إسرائيل في الاتفاقيات التجارية مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية.
ـ إن دول المغرب العربي وعلى رأسها الجزائر رفضت القبول بتوقيع أية اتفاقيات تجارية تتضمن بنوداً تنص على عدم التمييز ضد الشركات التي تتعامل مع إسرائيل.
ـ إن نصوص الاتفاقية الثانية لفض الاشتباك التي وقعت بين إسرائيل ومصر تتضمن بنداً سرياً يوافق فيه المصريون على تجاهل قائمة المقاطعة فيما يتعلق بشركات أميركية محددة.
ـ إن إسرائيل قلقة من احتمال صدور إعلان سياسي أوروبي بخصوص الشرق الأوسط، وهي تعارض مثل هذا الإعلان، لأنها تمر بمرحلة في مفاوضاتها مع الدول العربية؛ وإن صدور مثل هذا الإعلان في هذا التوقيت لن يكون مفيداً لها.
ـ أحال الوزير البريطاني السفير الإسرائيلي إلى التصريحات التي تصدر في الغالب عن وزراء الخارجية البريطانيين حول أهمية عدم القيام بأي شيء من شأنه أن ينسف جهود الدكتور كيسنجر التي يبذلها في الشرق الأوسط.
هذه هي الخطوط العريضة التي تضمنتها الوثيقة، التي قد تصلح لأن تكون مفتاحاً لقراءة أعمق للوثائق المنتمية إلى المرحلة ذاتها، وفيما يلي نص هذه الوثيقة:
* «سري
محضر اجتماع عقد بين وزير الدولة لشؤون الخارجية والكومنولث عضو البرلمان المكرم هون روي هاترسلي والسفير الإسرائيلي في مقر وزارة الخارجية في الساعة 30,9 صباح يوم الاثنين الموافق 6 أكتوبر.
الحضور:
آر هاترسلي
سي في آنسون
جي ويليامز
جدعون رفائيل
زد كينار
أشار رفائيل إلى إبرام إسرائيل للاتفاقية التجارية مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية، وقال إنه ورد في خطب ألقاها رئيس المجلس في حينه، فيتزجيرالد، أن وجود بروتوكول إلى للاتفاقية سيكون عنصراً مهماً في الاتفاقية الشاملة بين إسرائيل والمجموعة الاقتصادية الأوروبية.
وقد أثيرت مسألة البروتوكول المالي مجدداً في يوليو عندما أوصى المجلس بمواصلة المفاوضات لتوقيع البروتكول المالي. غير أنه يبدو أن ابرام البروتوكول قد جرى ربطه بتقدم المفاوضات مع دول الغرب الغربي، ولكن حل الإشكاليات في المفاوضات مع دول المغرب كان بطيئاً للغاية والحكومة الإسرائيلية متلهفة لإبرام البروتوكول المالي من دون المزيد من التأخير.
قال هاترسلي إنه عندما اجتمع المجلس في المرة الأخيرة دعمنا فكرة تطبيق بروتوكول مالي على الاتفاقية مع إسرائيل الأمر الذي سيمنح إسرائيل مدخلاً إلى بنك الاستثمار الأوروبي. والتأخير الذي حصل لم يكن بسبب تباطؤ المفاوضات مع دول المغرب العربي وإنما كان بسبب الرغبة القوية لدى المجلس بالتحديد الواضح للكيفية التي ستستخدم فيها موارد بنك الاستثمار الأوروبي ولوضع بعض النظام للأولويات والمشكلة الأخرى التي تتسبب بالتأخير وهي مشكلة مؤسساتية، فمن الصعب دائماً الوصول إلى اتفاق تام حول أي مسألة على حدة.
وقال هترسلي إنه سيذكر وزير الخارجية بشأن البروتوكول المالي لإسرائيل ويرى ما يمكن عمله. غير ان مسألة الدخول إلى بنك الاستثمار الأوروبي لأخذ قروض بأسعار خاصة، تعتبر مسألة أخرى.
قال رفائيل، في إشارة منه إلى بنود عدم التمييز، إن الاتفاقيات الأخرى التي وقعتها المجموعة الاقتصادية الأوروبية تضمنتها مصر ولبنان قبلتا هذه البنود مع انها أبطلت جزئياً في رسائل متبادلة مع المجموعة. وفهم أن دول المغرب العربي، وعلى رأسها الجزائر، رفضت بحزم القبول بأي بنود تتعلق بعدم التمييز.
والإسرائيليون يعيرون أهمية كبيرة جداً لهذه النقطة، وذلك مرده بشكل خاص إلى أنه في اتفاقيتهم الأخيرة مع مصر وافق المصريون في رسائل متبادلة على تجاهل قائمة المقاطعة في ما يتعلق بشركات أميركية محددة، وأن الولايات المتحدة قد تعهدت بمحاولة توسيع هذه الاتفاقية لتشمل الشركات الأوروبية كذلك. (هذه معلومات في غاية السرية). ولو قيّض للمجموعة الآن أن تدخل في اتفاقية لا تتضمن بنوداً تنص على عدم التمييز، لكان لذلك تأثير سيئ للغاية على هذه المحاولة لتخفيف آثار المقاطعة. وينبغي أن تبلّغ دول المغرب العربي أن عليها أن تلتزم بقوانين المجموعة.
قال هاترسلي إنه يتعاطف مع النقطة التي أثارها السفير. أما رفائيل فقال إنه قلق من احتمال أن تتقدم المجموعة بإعلان سياسي ما حول الشرق الأوسط. وإسرائيل تعارض بشدة هذه الخطوة. وقد ذكر هذه الحقيقة لكالاجان في بلاكبول.
والسبب في ذلك هو أن إسرائيل تمر بمرحلة مهمة في مفاوضاتها مع الدول العربية. وهم يتمنون كثيراً أن يروا الاتفاق مع مصر قد تحقق وتعزز في الوقت المحدد. وهم ملتزمون بصورة لا تقبل التردد بمواصلة الطريق حتى التوصل إلى تسوية مع العرب ويريدون أن يحافظوا على زخم هذا التحرك، ولكن إسرائيل تعتبر أن أي إعلان يكون مقبولاً بالنسبة للدول التسع كلها وسيتم التخفيف كثيراً من تأثيره ولن يكون مفيداً في الظرف الراهن.
أحال هاترسلي زميله رفائيل إلى التصريحات التي غالباً ما تصدر عن وزراء الخارجية البريطانيين حول أهمية عدم القيام بأي شيء قد يشوّش على جهود الدكتور كيسنجر في الشرق الأوسط، وقال إنه يفهم تماماً وجهة نظر السفير.
سأل رفائيل عن شراء العرب المحتمل للقمح من المجموعة لمصلحة مصر وما إذا كان قد تم إبرام اتفاق حتى الآن.
هاترسلي قال إن الاقتراح لا يزال قيد الدراسة ولكنه يعتقد أنه سيمضي قدماً، مع تضمين بعض الشروط المتعلقة بشكل أساسي بالتكاليف. المشكلة في مثل هذه المشاريع هي أنها تشجع على إنتاج فائض من قبل منتجين هامشيين، بينما هدفنا ضمان استخدام السقف الأعلى للإنتاج في إنتاج السلع بأنجع طريقة ممكنة.
وأشار رفائيل إشارة مقتضبة إلى الزيارة التي سيقوم بها وزير الدولة لشؤون التجارة إلى إسرائيل ورغبة إسرائيل بتخفيض عجزها التجاري مع بريطانيا».
هكذا انتهت هذه الوثيقة ـ المحضر ـ لتفسح المجال أمام قراءة وثائق أخرى تنتمي للفترة نفسها وتلقي الضوء على أسرار تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط ظلت محجوبة عن الجمهور طوال ثلاثة عقود.
الوثيقة التالية التي تستدعي اهتمامنا، عبارة عن نص مكالمة هاتفية جرت بين رئيس الوزراء البريطاني ووزير الخارجية الإسرائيلي يستنجد فيها الأخير بلندن لحل مشكلة عويصة بالنسبة لإسرائيل تتمثل في عزم الدول العربية طرح مشروع قرار على الجمعية على الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين الصهيونية ويدعو إلى إزالتها من الوجود في عقد السبعينات.
ويطلب وزير الخارجية الإسرائيلي إيغال ألون من رئيس الوزراء البريطاني أن تعارض المجموعة الأوروبية مشروع هذا القرار.. والوثيقة موجهة من مكتب رئيس الوزراء إلى وزارة الخارجية والكومنولث. وفيما يلي نص هذه الوثيقة:
* سري 10 داو ننغ ستريت وايتهول 13 أكتوبر 1975
عزيزي إيوين:
مكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإسرائيلي .
كما أخبرت ريتشارد ديلز على الهاتف لتوي، فقد اتصل وزير الخارجية الإسرائيلي إيغال ألون بالهاتف مع رئيس الوزراء من مطار هيثرو اليوم في الساعة 12:15 خلال توقف في «ترانزيت» في طريق عودته إلى إسرائيل قادماً من الأمم المتحدة.
بالإضافة إلى تبادل عبارات المجاملة، فإن الهدف الرئيسي من المكالمة الهاتفية لألون لفت انتباه رئيس الوزراء إلى ما وصفه بـ «المشكلة الكبيرة» التي يعتقد أن وزير الخارجية والكومنولث يمكن أن يساعد فيها كثيراً. وكما أوضح ألون المسألة، فإن بعض العرب يعملون على إدانة الصهيونية وإزالتها من الوجود في هذا العقد.
وعلق ألون أن هدفهم بوضوح تقويض الأساس الأخلاقي لإسرائيل برمته. فقال رئيس الوزراء إنه هو نفسه ليس على علم بهذا الاقتراح ولكنه سينقل ملاحظات ألون إلى وزير الخارجية والكومنولث. وعلق اننا أحسنا صنعاً بشكل عام بالوقوف إلى جانب إسرائيل خلال الجلسة الخاصة. أقر ألون بهذا الأمر، وقال إن عدداً من الدول الأوروبية، بما في ذلك بريطانيا، كان عوناً للإسرائيليين، بل إن هذه الدول نجحت في جر دول أوروبية أخرى، مثل الفرنسيين والإيطاليين، معها وإن كان ذلك قد تم بتردد.
وقال ألون إن المشكلة المحددة التي أثارها من المرجح أن تطرح في اللجنة الثالثة غداً وان هناك تحركاً لتقسيم مشروع القرار إلى جزئين لتمكين الأوروبيين من التصويت ضد نظام الأبرتهايد من دون الاضطرار لمعارضة العرب حول مسألة الصهيونية. المشكلة في هذه المناورة هي أنها ستترك الدول الافريقية ودول أميركا اللاتينية من دون دعم أوروبي، وهو متخوف من أن الافارقة بوجه خاص، لن يجدوا الشجاعة للصمود لوحدهم. وبالتالي، فانه يأمل أن يكون الأوروبيون مستعدين لإبلاغ جميع أولئك المؤيدين للقرار أنه ما لم يتم استبعاد الصهيونية كلية من بنوده، فإنهم سيضطرون لمعارضة القرار ككل.
وإلى جانب ذلك، أبلغ رئيس الوزراء ألون أن وزير الخارجية والكومنولث أصيب بخيبة أمل لعدم رؤيته ألون في نيويورك، وقال إنه فهم أن ألون لم يستطع الالتزام بأي من المواعيد المقترحة. وكان هناك بعض الحديث عن قيام ألون بزيارة لندن في 7 أو 8 أكتوبر كالاجان أصيب بخيبة أمل من عدم رؤيته هنا أيضاً. وقال رئيس الوزراء أيضاً إنه سمع أن بيترشور كان مسروراً من محادثاته الشاملة مع رابين في 8 أكتوبر، مع أن رئيس الوزراء لم ير بنفسه حتى الآن تسجيلاً لهذه المحادثات.
لقد طلب مني رئيس الوزراء أن أمرر نص مكالمته مع الون إليك من أجل إطلاع وزير الخارجية والكومنولث. إيوين فيرغسون، المحترم مكتب وزارة الخارجية والكومنولث.
الوثيقة التالية التي تستدعي التوقف عندها هي رسالة مرسلة من مكتب وزارة الخارجية والكومنولث إلى مقر رئيس الوزراء في 10 داوننغ ستريت.
وهذه الرسالة تظهر مدى عمق العلاقة البريطانية الإسرائيلية وتعمد المسؤولين البريطانيين الكذب في التعامل مع العرب، فهي تتناول رأي وزارة الخارجية في موضوع زيارة مقترحة لرئيس الوزراء الإسرائيلي رابين إلى لندن وتأجيل زيارة كانت مقررة لرئيس الوزراء البريطاني إلى كل من مصر والسعودية لتكون بعد انتهاء زيارة رابين. وفيما يلي نص الوثيقة:
* سري مكتب وزارة الخارجية والكومنولث باتريك رايت المحترم لندن 10 داوننغ ستريت 8 ديسمبر 1975
ذكر رئيس الوزراء مؤخراً، لكالاجان احتمال توجيه دعوة إلى رابين لزيارة لندن كضيف على حكومة جلالة الملكة إما قبل أو بعد زيارته إلى واشنطن مباشرة في نهاية يناير. نحن بحاجة أيضاً إلى دراسة الموضوع المنفصل، ولكن المرتبط به، والمتعلق بتأجيل زيارتي رئيس الوزراء إلى كل من مصر والسعودية حتى النصف الثاني من فبراير.
نحن نتفق من حيث المبدأ أن هناك منطقاً في دعوة رابين لزيارة رسمية لموازنة تلك الزيارة التي قام بها مؤخراً الرئيس السادات إلى لندن.
إن هذه الزيارة قد تكون لها أهميتها في وقت سيتعرض الإسرائيليون فيه للضغوط من أجل السماح للفلسطينيين بدور في مفاوضات الشرق الأوسط، من حيث مساعدة الإسرائيليين في تخطي ترددهم بشأن الشروع في مسار يدركون أنه سيتطلب منهم تقديم تنازلات صعبة.
ولكن هناك صعوبات جمة في طريق هذا الاقتراح، وأنا واثق من أنك ستوافق على أن أول شيء ينبغي عمله هو إبلاغ المصريين والسعوديين على الفور بالتغيير المقترح في مخطط رئيس الوزراء. وأنا أفهم أنك تريد منا أن نخبرهم، أنه في ضوء التمديد المحتمل للجلسة البرلمانية في يناير ووطأة أعمال الحكومة، فإن رئيس الوزراء سيضطر إلى إعادة ترتيب برنامجه كله بالنسبة لشهر يناير وأنه يرغب الآن بزيارة مصر من 15 إلى 18 فبراير والسعودية من 18 إلى 20 فبراير.
ونحن لا نعلم بوجود أي سبب معين قد يجعل المصريين والسعوديين يرفضون المواعيد الجديدة، مع أن هناك احتمالاً على الدوام ألا يجدوها مريحة. وكان كالاجان قد ذكر بالتحديد خلال زيارته الأخيرة إلى السعودية المواعيد المقترحة لزيارة رئيس الوزراء البريطاني، وبالتالي، فإن السعوديين قد يتفاجأون من التغيير، ولكنهم سيتقبلون أسبابه بلا شك.
غير أننا إذا اكتفينا فقط بالتعذر أن برنامج رئيس الوزراء مزدحم للغاية في يناير كسبب لإرجاء زيارته للشرق الأوسط حتى فبراير. وسمع المصريون والسعوديون بعد ذلك مباشرة على وجه التقريب بأن رابين سيقوم بزيارة رسمية إلى لندن في يناير، فإنهم قد يستنتجون ـ وإن كان ذلك بصورة غير منطقية ـ بأن زيارة رئيس الوزراء إلى بلديهما قد تم تأجيلها من أجل عيون الإسرائيليين.
لقد استفسر السفير المصري من وزارة الخارجية والكومنولث اليوم حول تقرير نشر في «الغارديان»، في سياق محادثات ألون في لندن هذا الأسبوع، ورد فيه أن الزيارة إلى مصر قد جرى تأجيلها.
إن القيام بزيارة رسمية مقحمة إلى بريطانيا من قبل رابين من شأنها، علاوة على ذلك، أن ترحل زيارتي رئيس الوزراء إلى البلدين العربيين إلى بداية غير معروفة؛ ومن المستبعد أن يرى المصريون الزيارة على أنها لا تعدو كونها مجرد زيارة موازنة لزيارة الرئيس السادات، وذلك في ضوء الزيارات العديدة التي قام بها رؤساء وزراء إسرائيليون إلى بريطانيا في الماضي. وقد تكون هناك فائدة في إزاحة قراراتنا الصعبة حول توريد الأسلحة إلى مصر من الطريق قبل أن يأتي رابين إلى هنا في زيارة رسمية.
وبالتالي، فإن التوازن في الفائدة يبدو أنه يكمن في دعوة رابين الآن، لكي يأتي بعد زيارتي رئيس الوزراء إلى كل من مصر والسعودية، أي في مارس 1976. وهذا بالطبع ينبغي ألا يحول دون توقف رابين هنا لقضاء ليلة واحدة إما في طريقه إلى الولايات المتحدة أو في طريق عودته منها.
(آر. أن. ديلز)
تنتهي هذه الوثيقة التي تظهر مدى متانة العلاقة الإسرائيلية ـ البريطانية، والحساب الذي تحسبه لندن لتل أبيب، بحيث أنها تحرص على توجيه دعوة رسمية لرئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارة لندن، لمجرد أنها سبقت ودعت السادات للقيام بذلك، على الرغم من الزيارات العديدة والمتكررة التي يقوم بها المسؤولون الإسرائيليون.
الوثيقة التالية تظهر مدى تغلغل التأثير الصهيوني في الأوساط البريطانية المتنفذة، فهي عبارة عن رسالة من السفارة البريطانية في تل أبيب إلى إيه. بي أورويك بوزارة الخارجية والكومنولث. وتتحدث هذه الرسالة عن أميرة بريطانية تدعى إليزابيث غاليتزاين، تطوعت للدفاع عن إسرائيل وحشد الطاقات لصالحها، وعن رغبتها بزيارة الدول العربية لرؤية الصورة من الطرف الآخر. وتوضح الرسالة كذلك أن هذه الأميرة لها علاقات قوية ونافذة في إسرائيل ومع المتعاطين مع إسرائيل في بريطانيا.
والغريب في هذه الوثيقة أنها لا تحمل عبارة «سري» المعهودة في الوثائق الأخرى، ولا «سري للغاية»، فلماذا احتجبت عن الجمهور طيلة ثلاثين عاماً؟
على كل حال إليكم نص الوثيقة، وأترك الحكم للقارئ على مدى أهمية هذه الوثيقة وهل كانت تستحق الحجب طوال كل هذه المدة:
«السفارة البريطانية تل أبيب 12 ديسمبر 1975 إيه بي اورويك المحترم دائرة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، وزارة الخارجية والكومنولث عزيزي ألان، الأميرة اليزابيث غاليتزاين
تقوم الأميرة اليزابيث غاليتزاين بدور العلاقات العامة نيابة عن إسرائيل ومن دون أجر، انطلاقاً من قناعة شخصية، مع أنها ليست يهودية، وهي تكسب عيشها من خلال القيام بأعمال العلاقات العامة لصالح مجلس الفحم، وهي ايرلندية المولد متزوجة من روسي وتحمل جواز سفر بريطاني.
لقد تعرفت عليها في 9 ديسمبر بمكتب الناطق باسم وزارة الخارجية وتحدثنا لاحقاً حول زيارة إلى إسرائيل في الربيع تحاول ترتيبها لمجموعة صغيرة من أبرز المراسلات الصحافيات البريطانيات.
في خضم حديثنا، قالت إنها لم تقم أبداً بزيارة أية عاصمة عربية وأنها مهتمة بالقيام بذلك، وتتساءل كيف تنطلق في هذه المهمة، نظراً لعدم وجود معارف لها هناك. فقلت لها لا أعرف، ولكن قد تكون جامعة الدول العربية قادرة على تقديم المساعدة إذا أعلنت عن رغبتها وعبرت عن أمنيتها برؤية الجانب الآخر من الصورة، واعترف انه عندما سألتني كيف ستتصل بالجامعة العربية، أعطيتها اسمك، ولذا فقد تتصل بك قريباً.
وبالحكم عليها من خلال حديثها، فان لديها علاقات جيدة جداً هنا في إسرائيل ومع المتعاطفين مع إسرائيل في بريطانيا، وأنت قد تجد ان من الممتع التحدث إليها في حال بادرت بالاتصال بك.
المخلص جيم بوستون
البيان الإماراتية - 31 / 12 / 2005
إعداد وترجمة: ضرار عمير
خفايا وأسرار في وثائق الخارجية البريطانية لعام 1975 ـ الحلقة الأولى
مصر تتعهد بتنفيذ بند سري يستثني شركات أميركية من المقاطعة العربية
كشفت الخارجية البريطانية، أخيراً، النقاب عن جانب مهم من وثائقها التي تضم أسراراً وخبايا طال حجبها ثلاثين عاماً، تتعلق بالكثير من القضايا المحورية في الشرق الأوسط بعد انقضاء ثلاثة عقود على إدراجها في ملفاتها. وعلى الرغم من حجب بعض الوثائق التي تتسم بالتعقيد وبالطابع الخلافي، إلا ان ما كشف عنه من وثائق يكفي لإلقاء الضوء على حقائق مخفية من تلك الفترة حول العلاقة الإسرائيلية ـ البريطانية والموقف البريطاني من توريد السلاح للدول العربية وإسرائيل .
غير أن اللافت في الوثائق هو ما تضمنته من شرح مستفيض حول حزب البعث العراقي وخلافه مع نظيره السوري مع التركيز على صدام حسين ووصفه بالرجل القوي داخل العراق والحاكم الفعلي مع أنه كان ما يزال نائباً للرئيس أحمد حسن البكر. بالإضافة إلى وجود بعض الوثائق التي تحدثت عن الوضع في لبنان ومسألة فتح قنوات اتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية.
«البيان» تعرض هذه القراءة الموضوعية في الوثائق من دون تبني الآراء الواردة فيها، باعتبار أن هذه الوثائق تعبر عن توجهات السياسة البريطانية ومصالحها وثقتنا بحنكة القارئ العربي كبيرة.
لا شك أن العلاقات البريطانية ـ الإسرائيلية كانت، ولا تزال، علاقات قوية ومتميزة. كيف لا، وهي التي ساهمت مساهمة جوهرية في قيام دولة إسرائيل من خلال الوعد الذي منحه اللورد بلفور لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وما تبعه من مساندة ودعم في استيعاب موجات الهجرة الصهيونية وعون عسكري مباشر وغير مباشر لإسرائيل في حروبها المختلفة مع العرب.
ويبدو أن قوة هذه العلاقة قد سمحت للمسؤولين الإسرائيليين سواء من خلال إقناع الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية الأوروبية بتوقيع البروتوكول المالي الملحق بالاتفاقية التجارية التي أبرمتها المجموعة مع إسرائيل، والذي يسمح للأخيرة بأخذ قروض مالية من بنك الاستثمار الأوروبي أو محاولة تخفيف آثار المقاطعة العربية لإسرائيل والشركات الغربية التي تتعامل معها من خلال الضغط على دول المغرب العربي للقبول باتفاقات مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية تتضمن بنوداً تنص على عدم التمييز ضد الشركات التي تتعامل مع إسرائيل.
وهذه الضغوط أو المطالب الإسرائيلية تبدو واضحة في محضر اجتماع عقد بمقر الخارجية البريطانية بين وزير الدولة لشؤون الخارجية والكومنولث (غير العضو في المجلس الوزاري) عضو البرلمان المكرم هون روي هاترسلي والسفير الإسرائيلي، يوم الاثنين 6 أكتوبر 1975.
ونلاحظ من قراءتنا للمحضر أن هناك تأييداً واضحاً من بريطانيا للموقف الإسرائيلي بشأن المطالبة بسرعة المصادقة على البروتوكول المالي الملحق بالاتفاقية التجارية الموقعة بين إسرائيل والمجموعة الاقتصادية الأوروبية. ونشير هنا إلى بعض النقاط التي استرعت انتباهنا في هذه الوثيقة :
ـ إن إسرائيل تطالب المجموعة الاقتصادية الأوروبية بالمصادقة السريعة على البروتوكول وعدم ربطه بتقدم المفاوضات الجارية مع دول المغرب العربي.
ـ إن الجانب البريطاني قد دعم فكرة تطبيق البروتوكول المالي على الاتفاقية التجارية التي وقعتها إسرائيل مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية والذي سيمنحها مدخلاً إلى بنك الاستثمار الأوروبي.
ـ إن مصر ولبنان قد وافقتا على البنود التي تنص على عدم التمييز ضد الشركات التي تتعامل مع إسرائيل في الاتفاقيات التجارية مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية.
ـ إن دول المغرب العربي وعلى رأسها الجزائر رفضت القبول بتوقيع أية اتفاقيات تجارية تتضمن بنوداً تنص على عدم التمييز ضد الشركات التي تتعامل مع إسرائيل.
ـ إن نصوص الاتفاقية الثانية لفض الاشتباك التي وقعت بين إسرائيل ومصر تتضمن بنداً سرياً يوافق فيه المصريون على تجاهل قائمة المقاطعة فيما يتعلق بشركات أميركية محددة.
ـ إن إسرائيل قلقة من احتمال صدور إعلان سياسي أوروبي بخصوص الشرق الأوسط، وهي تعارض مثل هذا الإعلان، لأنها تمر بمرحلة في مفاوضاتها مع الدول العربية؛ وإن صدور مثل هذا الإعلان في هذا التوقيت لن يكون مفيداً لها.
ـ أحال الوزير البريطاني السفير الإسرائيلي إلى التصريحات التي تصدر في الغالب عن وزراء الخارجية البريطانيين حول أهمية عدم القيام بأي شيء من شأنه أن ينسف جهود الدكتور كيسنجر التي يبذلها في الشرق الأوسط.
هذه هي الخطوط العريضة التي تضمنتها الوثيقة، التي قد تصلح لأن تكون مفتاحاً لقراءة أعمق للوثائق المنتمية إلى المرحلة ذاتها، وفيما يلي نص هذه الوثيقة:
* «سري
محضر اجتماع عقد بين وزير الدولة لشؤون الخارجية والكومنولث عضو البرلمان المكرم هون روي هاترسلي والسفير الإسرائيلي في مقر وزارة الخارجية في الساعة 30,9 صباح يوم الاثنين الموافق 6 أكتوبر.
الحضور:
آر هاترسلي
سي في آنسون
جي ويليامز
جدعون رفائيل
زد كينار
أشار رفائيل إلى إبرام إسرائيل للاتفاقية التجارية مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية، وقال إنه ورد في خطب ألقاها رئيس المجلس في حينه، فيتزجيرالد، أن وجود بروتوكول إلى للاتفاقية سيكون عنصراً مهماً في الاتفاقية الشاملة بين إسرائيل والمجموعة الاقتصادية الأوروبية.
وقد أثيرت مسألة البروتوكول المالي مجدداً في يوليو عندما أوصى المجلس بمواصلة المفاوضات لتوقيع البروتكول المالي. غير أنه يبدو أن ابرام البروتوكول قد جرى ربطه بتقدم المفاوضات مع دول الغرب الغربي، ولكن حل الإشكاليات في المفاوضات مع دول المغرب كان بطيئاً للغاية والحكومة الإسرائيلية متلهفة لإبرام البروتوكول المالي من دون المزيد من التأخير.
قال هاترسلي إنه عندما اجتمع المجلس في المرة الأخيرة دعمنا فكرة تطبيق بروتوكول مالي على الاتفاقية مع إسرائيل الأمر الذي سيمنح إسرائيل مدخلاً إلى بنك الاستثمار الأوروبي. والتأخير الذي حصل لم يكن بسبب تباطؤ المفاوضات مع دول المغرب العربي وإنما كان بسبب الرغبة القوية لدى المجلس بالتحديد الواضح للكيفية التي ستستخدم فيها موارد بنك الاستثمار الأوروبي ولوضع بعض النظام للأولويات والمشكلة الأخرى التي تتسبب بالتأخير وهي مشكلة مؤسساتية، فمن الصعب دائماً الوصول إلى اتفاق تام حول أي مسألة على حدة.
وقال هترسلي إنه سيذكر وزير الخارجية بشأن البروتوكول المالي لإسرائيل ويرى ما يمكن عمله. غير ان مسألة الدخول إلى بنك الاستثمار الأوروبي لأخذ قروض بأسعار خاصة، تعتبر مسألة أخرى.
قال رفائيل، في إشارة منه إلى بنود عدم التمييز، إن الاتفاقيات الأخرى التي وقعتها المجموعة الاقتصادية الأوروبية تضمنتها مصر ولبنان قبلتا هذه البنود مع انها أبطلت جزئياً في رسائل متبادلة مع المجموعة. وفهم أن دول المغرب العربي، وعلى رأسها الجزائر، رفضت بحزم القبول بأي بنود تتعلق بعدم التمييز.
والإسرائيليون يعيرون أهمية كبيرة جداً لهذه النقطة، وذلك مرده بشكل خاص إلى أنه في اتفاقيتهم الأخيرة مع مصر وافق المصريون في رسائل متبادلة على تجاهل قائمة المقاطعة في ما يتعلق بشركات أميركية محددة، وأن الولايات المتحدة قد تعهدت بمحاولة توسيع هذه الاتفاقية لتشمل الشركات الأوروبية كذلك. (هذه معلومات في غاية السرية). ولو قيّض للمجموعة الآن أن تدخل في اتفاقية لا تتضمن بنوداً تنص على عدم التمييز، لكان لذلك تأثير سيئ للغاية على هذه المحاولة لتخفيف آثار المقاطعة. وينبغي أن تبلّغ دول المغرب العربي أن عليها أن تلتزم بقوانين المجموعة.
قال هاترسلي إنه يتعاطف مع النقطة التي أثارها السفير. أما رفائيل فقال إنه قلق من احتمال أن تتقدم المجموعة بإعلان سياسي ما حول الشرق الأوسط. وإسرائيل تعارض بشدة هذه الخطوة. وقد ذكر هذه الحقيقة لكالاجان في بلاكبول.
والسبب في ذلك هو أن إسرائيل تمر بمرحلة مهمة في مفاوضاتها مع الدول العربية. وهم يتمنون كثيراً أن يروا الاتفاق مع مصر قد تحقق وتعزز في الوقت المحدد. وهم ملتزمون بصورة لا تقبل التردد بمواصلة الطريق حتى التوصل إلى تسوية مع العرب ويريدون أن يحافظوا على زخم هذا التحرك، ولكن إسرائيل تعتبر أن أي إعلان يكون مقبولاً بالنسبة للدول التسع كلها وسيتم التخفيف كثيراً من تأثيره ولن يكون مفيداً في الظرف الراهن.
أحال هاترسلي زميله رفائيل إلى التصريحات التي غالباً ما تصدر عن وزراء الخارجية البريطانيين حول أهمية عدم القيام بأي شيء قد يشوّش على جهود الدكتور كيسنجر في الشرق الأوسط، وقال إنه يفهم تماماً وجهة نظر السفير.
سأل رفائيل عن شراء العرب المحتمل للقمح من المجموعة لمصلحة مصر وما إذا كان قد تم إبرام اتفاق حتى الآن.
هاترسلي قال إن الاقتراح لا يزال قيد الدراسة ولكنه يعتقد أنه سيمضي قدماً، مع تضمين بعض الشروط المتعلقة بشكل أساسي بالتكاليف. المشكلة في مثل هذه المشاريع هي أنها تشجع على إنتاج فائض من قبل منتجين هامشيين، بينما هدفنا ضمان استخدام السقف الأعلى للإنتاج في إنتاج السلع بأنجع طريقة ممكنة.
وأشار رفائيل إشارة مقتضبة إلى الزيارة التي سيقوم بها وزير الدولة لشؤون التجارة إلى إسرائيل ورغبة إسرائيل بتخفيض عجزها التجاري مع بريطانيا».
هكذا انتهت هذه الوثيقة ـ المحضر ـ لتفسح المجال أمام قراءة وثائق أخرى تنتمي للفترة نفسها وتلقي الضوء على أسرار تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط ظلت محجوبة عن الجمهور طوال ثلاثة عقود.
الوثيقة التالية التي تستدعي اهتمامنا، عبارة عن نص مكالمة هاتفية جرت بين رئيس الوزراء البريطاني ووزير الخارجية الإسرائيلي يستنجد فيها الأخير بلندن لحل مشكلة عويصة بالنسبة لإسرائيل تتمثل في عزم الدول العربية طرح مشروع قرار على الجمعية على الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين الصهيونية ويدعو إلى إزالتها من الوجود في عقد السبعينات.
ويطلب وزير الخارجية الإسرائيلي إيغال ألون من رئيس الوزراء البريطاني أن تعارض المجموعة الأوروبية مشروع هذا القرار.. والوثيقة موجهة من مكتب رئيس الوزراء إلى وزارة الخارجية والكومنولث. وفيما يلي نص هذه الوثيقة:
* سري 10 داو ننغ ستريت وايتهول 13 أكتوبر 1975
عزيزي إيوين:
مكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإسرائيلي .
كما أخبرت ريتشارد ديلز على الهاتف لتوي، فقد اتصل وزير الخارجية الإسرائيلي إيغال ألون بالهاتف مع رئيس الوزراء من مطار هيثرو اليوم في الساعة 12:15 خلال توقف في «ترانزيت» في طريق عودته إلى إسرائيل قادماً من الأمم المتحدة.
بالإضافة إلى تبادل عبارات المجاملة، فإن الهدف الرئيسي من المكالمة الهاتفية لألون لفت انتباه رئيس الوزراء إلى ما وصفه بـ «المشكلة الكبيرة» التي يعتقد أن وزير الخارجية والكومنولث يمكن أن يساعد فيها كثيراً. وكما أوضح ألون المسألة، فإن بعض العرب يعملون على إدانة الصهيونية وإزالتها من الوجود في هذا العقد.
وعلق ألون أن هدفهم بوضوح تقويض الأساس الأخلاقي لإسرائيل برمته. فقال رئيس الوزراء إنه هو نفسه ليس على علم بهذا الاقتراح ولكنه سينقل ملاحظات ألون إلى وزير الخارجية والكومنولث. وعلق اننا أحسنا صنعاً بشكل عام بالوقوف إلى جانب إسرائيل خلال الجلسة الخاصة. أقر ألون بهذا الأمر، وقال إن عدداً من الدول الأوروبية، بما في ذلك بريطانيا، كان عوناً للإسرائيليين، بل إن هذه الدول نجحت في جر دول أوروبية أخرى، مثل الفرنسيين والإيطاليين، معها وإن كان ذلك قد تم بتردد.
وقال ألون إن المشكلة المحددة التي أثارها من المرجح أن تطرح في اللجنة الثالثة غداً وان هناك تحركاً لتقسيم مشروع القرار إلى جزئين لتمكين الأوروبيين من التصويت ضد نظام الأبرتهايد من دون الاضطرار لمعارضة العرب حول مسألة الصهيونية. المشكلة في هذه المناورة هي أنها ستترك الدول الافريقية ودول أميركا اللاتينية من دون دعم أوروبي، وهو متخوف من أن الافارقة بوجه خاص، لن يجدوا الشجاعة للصمود لوحدهم. وبالتالي، فانه يأمل أن يكون الأوروبيون مستعدين لإبلاغ جميع أولئك المؤيدين للقرار أنه ما لم يتم استبعاد الصهيونية كلية من بنوده، فإنهم سيضطرون لمعارضة القرار ككل.
وإلى جانب ذلك، أبلغ رئيس الوزراء ألون أن وزير الخارجية والكومنولث أصيب بخيبة أمل لعدم رؤيته ألون في نيويورك، وقال إنه فهم أن ألون لم يستطع الالتزام بأي من المواعيد المقترحة. وكان هناك بعض الحديث عن قيام ألون بزيارة لندن في 7 أو 8 أكتوبر كالاجان أصيب بخيبة أمل من عدم رؤيته هنا أيضاً. وقال رئيس الوزراء أيضاً إنه سمع أن بيترشور كان مسروراً من محادثاته الشاملة مع رابين في 8 أكتوبر، مع أن رئيس الوزراء لم ير بنفسه حتى الآن تسجيلاً لهذه المحادثات.
لقد طلب مني رئيس الوزراء أن أمرر نص مكالمته مع الون إليك من أجل إطلاع وزير الخارجية والكومنولث. إيوين فيرغسون، المحترم مكتب وزارة الخارجية والكومنولث.
الوثيقة التالية التي تستدعي التوقف عندها هي رسالة مرسلة من مكتب وزارة الخارجية والكومنولث إلى مقر رئيس الوزراء في 10 داوننغ ستريت.
وهذه الرسالة تظهر مدى عمق العلاقة البريطانية الإسرائيلية وتعمد المسؤولين البريطانيين الكذب في التعامل مع العرب، فهي تتناول رأي وزارة الخارجية في موضوع زيارة مقترحة لرئيس الوزراء الإسرائيلي رابين إلى لندن وتأجيل زيارة كانت مقررة لرئيس الوزراء البريطاني إلى كل من مصر والسعودية لتكون بعد انتهاء زيارة رابين. وفيما يلي نص الوثيقة:
* سري مكتب وزارة الخارجية والكومنولث باتريك رايت المحترم لندن 10 داوننغ ستريت 8 ديسمبر 1975
ذكر رئيس الوزراء مؤخراً، لكالاجان احتمال توجيه دعوة إلى رابين لزيارة لندن كضيف على حكومة جلالة الملكة إما قبل أو بعد زيارته إلى واشنطن مباشرة في نهاية يناير. نحن بحاجة أيضاً إلى دراسة الموضوع المنفصل، ولكن المرتبط به، والمتعلق بتأجيل زيارتي رئيس الوزراء إلى كل من مصر والسعودية حتى النصف الثاني من فبراير.
نحن نتفق من حيث المبدأ أن هناك منطقاً في دعوة رابين لزيارة رسمية لموازنة تلك الزيارة التي قام بها مؤخراً الرئيس السادات إلى لندن.
إن هذه الزيارة قد تكون لها أهميتها في وقت سيتعرض الإسرائيليون فيه للضغوط من أجل السماح للفلسطينيين بدور في مفاوضات الشرق الأوسط، من حيث مساعدة الإسرائيليين في تخطي ترددهم بشأن الشروع في مسار يدركون أنه سيتطلب منهم تقديم تنازلات صعبة.
ولكن هناك صعوبات جمة في طريق هذا الاقتراح، وأنا واثق من أنك ستوافق على أن أول شيء ينبغي عمله هو إبلاغ المصريين والسعوديين على الفور بالتغيير المقترح في مخطط رئيس الوزراء. وأنا أفهم أنك تريد منا أن نخبرهم، أنه في ضوء التمديد المحتمل للجلسة البرلمانية في يناير ووطأة أعمال الحكومة، فإن رئيس الوزراء سيضطر إلى إعادة ترتيب برنامجه كله بالنسبة لشهر يناير وأنه يرغب الآن بزيارة مصر من 15 إلى 18 فبراير والسعودية من 18 إلى 20 فبراير.
ونحن لا نعلم بوجود أي سبب معين قد يجعل المصريين والسعوديين يرفضون المواعيد الجديدة، مع أن هناك احتمالاً على الدوام ألا يجدوها مريحة. وكان كالاجان قد ذكر بالتحديد خلال زيارته الأخيرة إلى السعودية المواعيد المقترحة لزيارة رئيس الوزراء البريطاني، وبالتالي، فإن السعوديين قد يتفاجأون من التغيير، ولكنهم سيتقبلون أسبابه بلا شك.
غير أننا إذا اكتفينا فقط بالتعذر أن برنامج رئيس الوزراء مزدحم للغاية في يناير كسبب لإرجاء زيارته للشرق الأوسط حتى فبراير. وسمع المصريون والسعوديون بعد ذلك مباشرة على وجه التقريب بأن رابين سيقوم بزيارة رسمية إلى لندن في يناير، فإنهم قد يستنتجون ـ وإن كان ذلك بصورة غير منطقية ـ بأن زيارة رئيس الوزراء إلى بلديهما قد تم تأجيلها من أجل عيون الإسرائيليين.
لقد استفسر السفير المصري من وزارة الخارجية والكومنولث اليوم حول تقرير نشر في «الغارديان»، في سياق محادثات ألون في لندن هذا الأسبوع، ورد فيه أن الزيارة إلى مصر قد جرى تأجيلها.
إن القيام بزيارة رسمية مقحمة إلى بريطانيا من قبل رابين من شأنها، علاوة على ذلك، أن ترحل زيارتي رئيس الوزراء إلى البلدين العربيين إلى بداية غير معروفة؛ ومن المستبعد أن يرى المصريون الزيارة على أنها لا تعدو كونها مجرد زيارة موازنة لزيارة الرئيس السادات، وذلك في ضوء الزيارات العديدة التي قام بها رؤساء وزراء إسرائيليون إلى بريطانيا في الماضي. وقد تكون هناك فائدة في إزاحة قراراتنا الصعبة حول توريد الأسلحة إلى مصر من الطريق قبل أن يأتي رابين إلى هنا في زيارة رسمية.
وبالتالي، فإن التوازن في الفائدة يبدو أنه يكمن في دعوة رابين الآن، لكي يأتي بعد زيارتي رئيس الوزراء إلى كل من مصر والسعودية، أي في مارس 1976. وهذا بالطبع ينبغي ألا يحول دون توقف رابين هنا لقضاء ليلة واحدة إما في طريقه إلى الولايات المتحدة أو في طريق عودته منها.
(آر. أن. ديلز)
تنتهي هذه الوثيقة التي تظهر مدى متانة العلاقة الإسرائيلية ـ البريطانية، والحساب الذي تحسبه لندن لتل أبيب، بحيث أنها تحرص على توجيه دعوة رسمية لرئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارة لندن، لمجرد أنها سبقت ودعت السادات للقيام بذلك، على الرغم من الزيارات العديدة والمتكررة التي يقوم بها المسؤولون الإسرائيليون.
الوثيقة التالية تظهر مدى تغلغل التأثير الصهيوني في الأوساط البريطانية المتنفذة، فهي عبارة عن رسالة من السفارة البريطانية في تل أبيب إلى إيه. بي أورويك بوزارة الخارجية والكومنولث. وتتحدث هذه الرسالة عن أميرة بريطانية تدعى إليزابيث غاليتزاين، تطوعت للدفاع عن إسرائيل وحشد الطاقات لصالحها، وعن رغبتها بزيارة الدول العربية لرؤية الصورة من الطرف الآخر. وتوضح الرسالة كذلك أن هذه الأميرة لها علاقات قوية ونافذة في إسرائيل ومع المتعاطين مع إسرائيل في بريطانيا.
والغريب في هذه الوثيقة أنها لا تحمل عبارة «سري» المعهودة في الوثائق الأخرى، ولا «سري للغاية»، فلماذا احتجبت عن الجمهور طيلة ثلاثين عاماً؟
على كل حال إليكم نص الوثيقة، وأترك الحكم للقارئ على مدى أهمية هذه الوثيقة وهل كانت تستحق الحجب طوال كل هذه المدة:
«السفارة البريطانية تل أبيب 12 ديسمبر 1975 إيه بي اورويك المحترم دائرة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، وزارة الخارجية والكومنولث عزيزي ألان، الأميرة اليزابيث غاليتزاين
تقوم الأميرة اليزابيث غاليتزاين بدور العلاقات العامة نيابة عن إسرائيل ومن دون أجر، انطلاقاً من قناعة شخصية، مع أنها ليست يهودية، وهي تكسب عيشها من خلال القيام بأعمال العلاقات العامة لصالح مجلس الفحم، وهي ايرلندية المولد متزوجة من روسي وتحمل جواز سفر بريطاني.
لقد تعرفت عليها في 9 ديسمبر بمكتب الناطق باسم وزارة الخارجية وتحدثنا لاحقاً حول زيارة إلى إسرائيل في الربيع تحاول ترتيبها لمجموعة صغيرة من أبرز المراسلات الصحافيات البريطانيات.
في خضم حديثنا، قالت إنها لم تقم أبداً بزيارة أية عاصمة عربية وأنها مهتمة بالقيام بذلك، وتتساءل كيف تنطلق في هذه المهمة، نظراً لعدم وجود معارف لها هناك. فقلت لها لا أعرف، ولكن قد تكون جامعة الدول العربية قادرة على تقديم المساعدة إذا أعلنت عن رغبتها وعبرت عن أمنيتها برؤية الجانب الآخر من الصورة، واعترف انه عندما سألتني كيف ستتصل بالجامعة العربية، أعطيتها اسمك، ولذا فقد تتصل بك قريباً.
وبالحكم عليها من خلال حديثها، فان لديها علاقات جيدة جداً هنا في إسرائيل ومع المتعاطفين مع إسرائيل في بريطانيا، وأنت قد تجد ان من الممتع التحدث إليها في حال بادرت بالاتصال بك.
المخلص جيم بوستون
البيان الإماراتية - 31 / 12 / 2005
إعداد وترجمة: ضرار عمير