المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزائر الدولة التعيسة



رزاق الجزائري
12/12/2010, 03:22 PM
رغم أن وثائق ويكيلكس لم تكشف لحد اليوم جديدا عن السياسة الخارجية الجزائرية التي طالما اتسمت بوضوح المسار والرؤية ولم تثبت ان الدبلوماسية الجزائرية تورطت في دسائس وبيع ذمم على عكس بعض نظم الأشقاء التي وصل بعضهم إلى حد الدسيسة بوجود مشروع نووي عسكري سري جزائري. إلا أن ما أوردت وثائق ويكليكس في تسريب لتقارير سفراء أمريكيين في الجزائر عن الوضع الاقتصادي والسياسي ووضع الجبهة الاجتماعية الجزائرية في الغالب تقارير موضوعية يجب الوقوف عليها.

فقد أجمعت جميع هذه التسريبات على توصيف يقارب الحقيقة عن الجزائر من تلك الناحية اذ وصفت احدى الوثائق الجزائر، ليست بالدولة الدكتاتورية او البوليسية ولا بالدولة التي في حالة حرب، ولا بالدولة الفقيرة، بل وصفتها بالدولة التعيسة.

قد يجد القارئ غرابة في هذا التوصيف اذ كيف تكون دولة تعيسة لكني أجد هذا التوصيف الأكثر مقاربة لحال الجزائر كدولة، فحسب الوثيقة **الجزائر دولة تعاني بسبب سياساتها ، أين الناس فيها هم جزء من وطن لا يحسون الانتماء فيه ويعيشون في وضع مزري وأفق منغلق.**

وما أريد تقديمه هنا هو قراءة تحليلية لتلك الوثيقة على أساس المقاربة الواقعية على الأرض سياسيا اقتصاديا واجتماعيا فقد يرى البعض هذا التوصيف مبالغا فيه نتيجة للأرقام التي سجلتها الجزائر في السنوات العشر الأخيرة من حيث التطور في الناتج القومي الذي تضاعف مرة ونصف ومؤشرات التنمية البشرية التي صنفت الجزائر الأولى إفريقيا وعربيا،.بل حتى من حيث استقطاب الرساميل الأجنبية إذ سجلت حسب تقرير اصدره البنك الدولي منذ يومين المركز الأول عربيا وإفريقيا من حيث تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة سنة 2009، لكن كما قلت آن ما أراه من وجهة نظري هو ان هذا التوصيف توصيف معقول لبلد فرق كبير فيه بين ما ينتجه باطن الأرض من خيرات وبين ما يعيشه من هم فوق الأرض من بؤس اجتماعي وانغلاق سياسي، وكذا عدم وضوح في الاتجاه الاقتصادي.

فبرغم الثروة الهائلة واحتياطي صرف يقارب 200مليار دولار، فلا الوقائع تدل على انطلاقة حقيقية للاقتصاد الجزائري ولا في النتائج المرجوة من هذه الثروة في الانعكاس على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فبرغم مؤشرات التنمية الأخيرة التي صنفت الجزائر كأوائل الدول في مؤشرات التنمية الاجتماعية، إلا أن هذا ابعد ما يكون عن ما يتوفر من إمكانيات مالية وطاقة بشرية مهدورة.وهذا يستدعي وقفة لرسكلة الحالة الجزائرية سياسيا واقتصاديا وانعكاس ذلك اجتماعيا.

فمن الناحية السياسية يقول التقرير *فبرغم المصاريف الهائلة المنفقة على الجمعيات المدنية والأحزاب والانتخابات مثلا نيابية كانت او رئاسية او تشريعية إلا أن الناس يشاركون في انتخابات في بلد ليس لهم أي رؤية او رأي فيه*.

وهذا حقيقي فالواجهة الديمقراطية للجزائر ليست إلا ديكورا تجميليا لوضع سياسي منغلق وسياسات نخبوية او فئوية اقتصادية او اجتماعية غالبا من يعاني منها هو الشعب نفسه.حيث تحكم السلطة على القرار وتوجه الثروة وتتحكم في الإعلام، فيتم تلقائيا إلغاء المجتمع المدني ودوره وتميه الأحزاب السياسية المعارضة وإلغائها من المشهد السياسي .و تفرد نخبة بالحكم والقرار تجعلهم غير معنيين بالإبداع والتطوير ما دامت الثروة والسلطة بأيديهم، هي احادية دائمة مستأثرة بالقرار ومغترة بالسلطان ومستهزئة بقدرات شركاء الوطن، وفي هذا لا تختلف الجزائر عن الدول العربية الأخرى حيث النظم السياسية العربية هي صورة طبق الأصل لبعضها البعض.

و في الوضع الاقتصادي يقول التقرير*برغم المشاريع التنموية الهائلة و خصوصا في البنى التحتية والتي صرفت عليها مئات ملايير الدولارات، إلا ان انعكاساتها على الوضع المعيشي لعامة أفراد الشعب يبقى محدودا *.

وهذا واضح في الجزائر فسياسة ألاعتماد المطلق على الثروة البترولية التي تتبناها الجزائر والتي هي العصب الرئيسي للاقتصاد الوطني وعدم تمكن الجزائر من تنويع مصادر أخرى للدخل يجعل الاقتصاد و الناتج القومي رهين التقلب في أسعار هذه الأخيرة التي لا يمكن اعتبارها مصدرا للثروة أكثر من ما يمكن اعتبارها ثروة آنية أشبه بدراهم جيب لان الاعتماد عليها في أي اقتصاد كمثل الاعتماد في الزراعة على سخاء السماء و التأثير واضح فشاهدنا كيف بعد ان احتلت الجزائر المركز الثاني اقتصاديا في الوطن العربي بعد السعودية سنة 2008 تراجعت للمركز الرابع السنة الماضية بعد السعودية والإمارات و مصر.

فالسياسة الاقتصادية المعتمدة على الإنفاق العام المعتمد على الثروة الآنية، ورأسمال كبير ومتوحش يسير بطريقة بيروقراطية بمناهج اشتراكية أين السياسة الاقتصادية لا تبنى على مفهوم اقتصاد مؤسساتي بل على حجم الميزانية المخصصة للإنفاق التي هي رهينة سعر الخامات في السوق الدولية فتكون المشاريع عبارة عن إهدار للمال أكثر منها ذات مردودية اقتصادية تنعكس بالتالي على الوضع الاجتماعي. فالثروة ليست مصدرها خطط اقتصادية وتنموية ناجحة بل هي عبارة عن تدفق للمال العام من مصدر واحد وحيد وليس دائم هو النفط.

وهذا النظام الاقتصادي والسياسي أوجد تخبطا في الاتجاه وحيرة في التوجه والمسار وهذا واضح لكل محلل اقتصادي عن الجزائر، فالجزائر لا تعرف ماذا تريد، فكما يقول التقرير*فمن اشتراكية خالصة إلى رأسمالية بقيود اشتراكية، إلى اقتصاد سوق مقيد إلى اشتراكية جديدة تحت مفهوم السيادة الوطنية،* وهذا يعكس غياب الرؤية لدى القيادة السياسية الجزائرية التي ترغب في مكان مميز للجزائر في الخريطة الاقتصادية العالمية لكنها تسير الجزائر ببيروقراطية السبعينات. ما يجعل المستقبل الاقتصادي للجزائر ضبابيا.

فما ينقص الجزائر هو الرؤية الاقتصادية و التدبير الراشد للحكم و مقدرات وثروات البلد، فنظام البلد لم يتغير من الاستقلال إلى اليوم فجوهر الحكم وعقلية التدبير هي نفسها، ما أوجد حالة من عدم الثقة تسود المناخ السياسي و الاقتصادي والاجتماعي الجزائري، ما يجعل الجبهة الاجتماعية قابلة للانفجار في أي لحظة فمعدلات التضخم في مستويات مرتفعة بسبب عدم ضبط معدلات الإنفاق ما ينعكس سلبيا على القدرة الشرائية للمواطن، كما يكاد يكون هناك اعتماد مطلق للاقتصاد على الدولة وغياب شبه معدوم للمبادرة والقطاع الخاص وان وجد فتتركز الثروة على طبقة مستفيدة معينة أثرت من المرحلة محيطة بالسلطة أشبه بالحالة المصرية، تعتمد كلها على اقتصاد ريعي مبني على الاستيراد لتلبية سوق استهلاكية كبيرة وتحقيق الثراء السريع الذي يخنق بالتالي المبادرة و يقضي على النسيج الصناعي الداخلي الذي لا يستطيع المنافسة في ظل هذا الوضع، كما آن كمية المال الكبيرة وغياب الرقابة الفعالة لإنفاقها والشفافية فاقمت من حالة الفساد التي استفحلت وأصبحت حالة أشبه بدودة شريطة تمتص كل هذه الملايير ولا يدري احد أين تذهب حيث ينفق على المشاريع أضعاف قيمتها ويبقى تجسيدها الفعلي مفتوح إلى اجل مسمى والدليل مشروع مترو الجزائر والطريق السيار شرق غرب. الذي انفق فيهما لحد اليوم عشرات مليارات الدولارات، أضعاف قيمتهما الفعلية ولم يتم استكمالهما الى اليوم. ناهيك عن مشاريع أخرى وبالتالي لا يكون للمشاريع أثر فعلي في بلد تضخ فيه مئات ملايير الدولارات في مشاريع للتحقيق النمو الاقتصادي و الرفاهية الاجتماعية بدون ان ينعكس ذلك على الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تزداد بؤسا، ما يهدد انفجارها في أي وقت، ما استحق بحق لقب الدولة التعيسة؟؟؟؟!.

رزاق الجزائري