المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النوي (الجزائري) والمنصور (المغربي)..حوار "أهل التوحيد"‬



رزاق الجزائري
09/12/2010, 03:55 PM
نعم*** ‬لـ***"‬العصري***"‬***.. ‬لا*** ‬لجلالة*** ‬الملك***!‬
بعد نشر مقال "ويل لمصر والجزائر والسعودية من السودان" في الشروق اليومي، راسلني أحد القراء من المغرب ويدعى "فيصل العصري" قائلا: "بقدر ما يسرّنا حرص الجزائر على وحدة السودان وعدم تقسيمه إلى جنوب وشمال، وباقي البلدان العربية، بقدر ما يؤلمنا رغبة الجزائر في تقسيم*** ‬المغرب،*** ‬وفصل*** ‬جنوبه*** ‬الصحراوي*** ‬عن*** ‬شماله***"‬***.‬

العصري هنا أصدر حكما، واعتبره من المسلّمات، وهو رأي يشاركه في كثير من الإخوة في المغرب، بل وكثير من العرب، ناهيك عن المؤسسات الرّسمية في المغرب، وبالطبع أختلف معه في هذا الحكم، ولست هنا لأقر هذا الاختلاف، وإنّما لأبحث ـ معه ومع كل الخيرين في الجزائر والمغرب، بل وفي الدول العربية جميعها ـ عن فضاء أخوي مشترك يجمعنا من أجل الخروج من فوضى العلاقة غير السوّية، والتي ولدت من سوء النوايا ومن وقائع طغت فيها السياسة والمصالح على منظومة الإيمان، لهذا افضل البحث معه عن إجابة لسؤال طرحه هو من الأهمية بمكان.
تساءل العصري في رسالته بناء على حكمه المسبق على الجزائر:"هل مخطط تقسيم السودان مخطط تآمري، ودعم مصر له خيانة؟، والويل لها وفق ما جاء في مقالكم، في حين أن مخطّط تقسيم المغرب وانفصال الجنوب هو دعم لتقرير الشعب الصحراوي لمصيره، كما أن دعم الجزائر لذلك هو مناصرة الشعوب لتقرير مصيرها وليس خيانة، مع العلم أن مصر لم تسلّح جنوب السودان، ولم تقم لسكانه دولة على أراضيها، في حين أن الجزائر منحت البوليزاريو السلاح، وأقامت "الجمهورية الصحراوية" فوق جزء من أرضها "تندوف"، واعترفت بهذه الجمهورية، وفتحت لها سفارة في الجزائر قبل استفتاء المصير، وهو ما لم تفعله مصرالخائنة، حسب المقال، ما هذا التناقض؟ الصحراء لها الحق في الانفصال، وتقسيم السودان مؤامرة، ودعم الجزائر لانفصال الصحراء دعم للشعوب في تقرير مصيرها، واستعداد مصر للاعتراف بجمهورية جنوب السودان بعد الاستفتاء و ليس قبله.*** ‬كما*** ‬فعلت*** ‬الجزائر،*** ‬هو*** ‬عمالة*** ‬وخيانة؟***.‬
لقد سبق أن وعدت الأستاذ "الفاضل" فيصل العصري بمقال يخص هذا الموضوع، ويتعلق تحديدا بقضية الصحراء الغربية، وسأحاول هنا جاهدا الإجابة عن سؤاله المشروع، والذي يفترض أن يؤرقنا جميعا، إما على الصعيد المغاربي أو على الصعيد العربي، ذلك لأنه يأتي في مرحلة التكتل والوحدة*** ‬في*** ‬العالم*** ‬بأشكاله*** ‬المختلفة،*** ‬***(‬إقليمية*** ‬وقارية*** ‬وأممية***)‬،*** ‬ونتراجع*** ‬نحن*** ‬ونتجزّأ*** ‬حتى*** ‬داخل*** ‬الدولة*** ‬القطرية*** ‬الواحدة***.. ‬إننا*** ‬نعيش*** ‬خارج*** ‬عصرنا،*** ‬وتلك*** ‬مصيبتنا*** ‬الكبرى***.‬
غير أنه قبل الإجابة عن سؤاله المشروع والدخول معه ومع القرّاء في نقاش حول مسألة الصحراء الغربية، من أجل تعميم الفائدة، عليه أن يعرف عدم صواب ما ذهب إليه لجهة القول: إن ما تقوم به مصر في الوقت الحالي بشأن الاستفتاء حول مصير جنوب السودان خيانة، فأنا لم أصدر حكما حول موقفها، ولكنني ومن موقع حرصي على انتمائي لأمة واحدة ذات رسالة خالدة، نبّهت إلى المخاطر التي سيجرها تقسيم السودان على مصر والجزائر والسعودية.. وهذا أضعف الإيمان في هذه المرحلة السوداوية من تاريخ أمتنا.. إنها بداية العودة إلى الحقب الإستعمارية.
لنعد إلى مناقشة العصري.. فهو مؤرق بوطنيته، وهذا مطلوب بل وواجب، ذلك لأنه كلما كان الفرد العربي محبا لوطنه، كان بالضرورة، بل وبالنتيجة أيضا محبا لقومه ولأمته، وليس هناك تناقض بين الوطنية والقومية إلا عند الذين يتصوّرون أن أوطانهم تسبح في كوكب خاص بها، أو تابعة*** ‬لكوكب*** ‬آخر*** ‬خارج*** ‬محيطها،*** ‬أو*** ‬الذين*** ‬يعيشون*** ‬في*** ‬وثنية*** ‬الأوطان*** ‬ويتخذونها*** ‬بديلا*** ‬عن*** ‬الإيمان***.‬
ولأن "فيصل العصري" مؤرق بوطنيّته ـ المملكة المغربية - و هذا يحسب له عند الله و عند الناس - فإن سؤاله يستدعي البحث عن إجابة لا تتناقض مع حبّي للجزائر وللأمة ومن ضمنها المغرب، وهذا يعني أننا نلتقي معا في فضاء واحد، يتسع لنا جميعا، يمكننا التعايش فيه بحب.
للإنصاف فإن سؤال العصري لا يمكن تجاهله أو حتى التحايل في تقديم إجابة له - تقبل أو ترفض منه - ذلك لأنني عدت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية إلى مختلف المواقع المغربية، فوجدتها جميعها تجمع على مغربية الصحراء الغربية وتحمل الجزائر مسؤولية ثورتها في الماضي، وصلابتها في الحاضر، وانفصالها في المستقبل، وهذا يعني أن هناك رأيا عاما مغربيا مؤيدا لموقف أصحاب القرار في المملكة، وقد يكون هذا التأييد على باطل، مثلما قد يكون على حق، ولست هنا بصدد مناقشة هذا الموضوع، وإنما الذي يعنيني - ومن منطلق جزائريّتي - وهو موقف يخصني وحدي ولايعني أي جهة أخرى رسميّة أو غير رسمية في الدولة الجزائرية ـ الأسلوب المتناقض مع شأنين ـ مسألة جنوب السودان، ومسألة الصحراء الغربية ـ إذ كل منهما في نظر "العصري" سيؤدي إلى تقسيم دولة قائمة.
لنتأمل الواقع هنا في الصحراء الغربية، وهناك في جنوب السودان، فالحالة الأولى قائمة على اعتراف المغرب نفسه بتقرير المصير في الصحراء الغربية، الدليل عن ذلك، المفاوضات التي يجريها بين الحين والآخر مع الصحرويين وتحت إشراف أممي، ودعوته وسعيه على أن ينحصر الاستفتاء في مسألة واحدة هي "حكم ذاتي تحت السيادة المغربية"، وخلال كل السنوات الماضية التي شهدت السلم والحرب، الكر والفر، التفاوض والحرب الإعلامية، شراء الذّمم والاختيار الحر، التدخل الدولي والتنمية المغربية، ظلّت الأمورعالقة بين الطّرفين، وكلما تقدّمت الأمور نحو*** ‬شعاع*** ‬أمل*** ‬للحل،*** ‬قيل*** ‬إن*** ‬هذا*** ‬جاء*** ‬نتيجة*** ‬جهد*** ‬مغربي،*** ‬وحين*** ‬تصل*** ‬المفاوضات*** ‬بين*** ‬الطرفين*** ‬إلى*** ‬طريق*** ‬مسدود*** ‬تحمّل*** ‬الجزائر*** ‬مسؤولية*** ‬دفاع*** ‬الصحراويين*** ‬عن*** ‬حقوقهم***.‬
أمّا الحالة الثانية ـ جنوب السودان ـ فإن هناك حكما ذاتيا أقيم بعد أن وضعت الحرب أوزارها، سيؤدي إلى الانفصال طبقا للمخططات الاستعمارية الجديدة في المنطقة، ولوطبّقنا ـ نظريا على الأقل ـ ما سيحدث للسودان في يناير المقبل على الصحراء الغربية، فإننا سننتهي إلى القول***: ‬إن*** ‬جبهة*** ‬البولزاريو*** ‬ستقيم*** ‬دولتها*** ‬المستقلة*** ‬قريبا*** ‬باعتراف*** ‬المغرب،*** ‬وسيكون*** ‬الاستفتاء*** ‬بنعم*** ‬أو*** ‬لا*** ‬لاستقلال*** ‬الصحراء،*** ‬وما*** ‬تجربة*** ‬الجزائر*** ‬عند*** ‬استقلالها*** ‬عن*** ‬فرنسا*** ‬الاستعمارية*** ‬منّا*** ‬ببعيد***.‬
نحن لا نود الوصول إلى هذا على المستوى المغاربي، وأتصور أن المغرب بوجه خاص لا يريد هذا، ذلك لأن الحالات الثلاث التي أقرّتها الأمم المتحدة، جميعها لصالح المغرب، بما فيها الخيار الثالث الذي يخشاه المغرب، وهو الاسنقلال، بالرغم من أن المغرب عمل، دون قصد منه، على*** ‬أن*** ‬ينتهي*** ‬النزاع*** ‬في*** ‬المنطقة*** ‬إلى*** ‬قيام*** ‬دولة*** ‬صحرواية***. ‬*** ‬
والواقع أن الحالة السودانية في التعامل مع الجنوب تختلف عن الحالة المغربية في التعامل مع الأقاليم الصحراوية، فالمغرب عمل خلال السنوات الماضية على تنمية تلك الأقاليم وتطويرها، ولكن تم ذلك على حساب أقاليم مغربية أخرى، ومع هذا لم يتمكّن من تأييد سكان الصحراء لفكرة الانضمام، وعلى الصعيد الداخلي كشف الاهتمام بالأقاليم الصحراوية عن حقد دفين سببه تراكم ظلم أقاليم أخرى لأسباب كثيرة يدركها الشعب المغربي، لكنه بحكمته المعهودة، التي ورثها من فلاسفة الأندلس، وبتجاربه المرة لقبائل صنعت تاريخه ومجده وانتصاراته يتفادى الجهر*** ‬بما*** ‬في*** ‬الصدور،*** ‬إلا*** ‬لمن*** ‬أحس*** ‬فيه*** ‬صدق*** ‬النية*** ‬ونبل*** ‬الهدف***. ‬
على المستوى الرسمي بين الدولتين المغرب والجزائر، هناك اختلاف في الرؤية للمسألة، فالادعاء المغربي بأن الجزائر تؤيد جبهة البوليزاريو من أجل مصالح خاصة من مثل: إيجاد منفذ لها عبر الصحراء الغربية، أو حتى تعطيل حركة المغرب في النمو، أو لتوسيع أراضيها أو لتكون القائدة في المنطقة.. جميعها تهم تشبع رغبة النظام الملكي في المغرب، والحقيقة - في نظري - أن الخلاف بينهما، من منطلق سياستين تحدث عنهما بكل وضوح الرئيس هواري بومدين في آخر رسالة بعث بها قبل وفاته إلى الملك الحسن الثاني، أولهما: سياسة جزائرية تريد أن تكون وفية*** ‬لقيم*** ‬الثورة*** ‬ومؤيدة*** ‬للشعوب*** ‬في*** ‬تقرير*** ‬مصيرها،*** ‬والثانية*** ‬سياسة*** ‬مغربية*** ‬تقوم*** ‬على*** ‬وراثة*** ‬الاستعمار***.‬
وإذا كنت أقول: نعم - بكل ما أوتيت من قوة - لما جاء في رسالة الأستاذ فيصل العصري من المغرب، فإنني بالمقابل، أقول: لا لما جاء في خطاب جلالة "الملك محمد السادس" بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين للمسيرة الخضراء في السادس من نوفمبر الجاري، وذلك حين دعا المجموعة الدولية إلى وضع حد لمواقف الجزائر تجاه الصحراء الغربية بقوله".. إننا ندعوها لتحمل مسؤوليتها بوضع حد لتمادي الجزائر في خرق المواثيق الدولية الإنسانية، ضمن حالة شاذة لا مثيل لها، ولا سيما رفضها السماح للمفوضية العليا للاجئين بإحصاء سكان المخيمات و حمايتهم..***"‬*** ‬
إن مثل هذا النوع من الخطاب وهو ذو طابع هجومي، عفا عنه الزمن، أولا: لأن القضية الصحراوية معترف بها على مستوى الأمم المتحدة، وثانيا: دخول المغرب في مفاوضات مع جبهة البوليزاريو، آخرها اللقاء الفاشل في ضواحي نيويورك، والذي جاء في سياق الجولة التي قام بها موفد الأمم*** ‬المتحدة*** ‬***"‬كريستوفر*** ‬روس***"‬*** ‬إلى*** ‬المنطقة*** ‬نهاية*** ‬أكتوبر*** ‬الماضي،*** ‬وثالثا***: ‬لأن*** ‬حل*** ‬المشكلة*** ‬مع*** ‬الصحراويين*** ‬لايأتي*** ‬من*** ‬خلال*** ‬إلقاء*** ‬التهم*** ‬على*** ‬الجزائر***.‬
أعرف أن الحكومة المغربية أدرى بمصالح شعبها، لكن هذا لا يمنع من القول إن تهجم جلالة الملك على الجزائر، ليس فقط هروبا إلى الأمام، ولكن يوضّح أن المملكة لم تستفد من تجارب العقود الثلاثة، مثلما لم توظّف التاريخ المشترك بينها وبين الجزائر ولا العمل الطيب الذي قامت به لدعم الثورة الجزائرية - بالرغم من جحود ونكران بعض القادة السياسيين أحيانا - لصالح عمل مشترك، بل عملت على العكس من ذلك، إذ راهنت خلال السنوات الماضية - خاصة سنوات الإرهاب - على ضعف الجزائر.
بعد هذا كلّه ليعلم الشعبين في الدّولتين بعيدا عن المواقف السياسية الظاهرة: أن العلاقة بين الحكام في المغرب والجزائر ليست على مستوى الكراهية التي تزرع بيننا، وأن المطلوب منا الحديث بكل صراحة وشفافية، خاصة النخب المثقفة، حول مصير منطقتنا، من منطلق حقوق الإنسان*** ‬والحريات،*** ‬ومن*** ‬ضمنها*** ‬مسألة*** ‬الصحراءالغربية،*** ‬لا*** ‬أن*** ‬نظل*** ‬خاضعين*** ‬لحكام*** ‬أحلّونا*** ‬دار*** ‬البوار
إلى متى تفرش الزرابي الحمراء المبثوثة حين يحل حكامنا ويرحلون من وإلى الدولتين، الجزائر والمغرب، و نحن لا نملك حتى حق السؤال عن المصير الوحدوي لدولنا.. لقد حان الوقت لنسألهم في النهاية: هل أنتم جادّون في حل المشاكلات العالقة..؟ انتبهوا أيها القادة، نحن على المستوى العربي والإسلامي نغرق في مرحلة جديدة، ستنتهي بنا إلى استعمار أشبع من القديم.. يبدو أن بعضا من الحكام منوط به القيام بهذا الدور، أو يسعى لذلك، أو على الأقل يتمنّى أن يختار لهذا الدور.. فما أذلّه، ومأ أبشعه، وما أهونه من دور!؟

النوي (الجزائري) والمنصور (المغربي)..حوار "أهل التوحيد
خالد عمر بن ققة

بعد نشر مقال (من أجل الجزائر والصحراء والمغرب.. نعم للعصري، لا لجلالة الملك) تلقّيت عددا من الردود والرسائل على بريدي الإلكتروني من جزائريين ومغاربة وعرب، كما أتبع المقال خلال الأسبوعين الماضيين على موقع الجريدة بعشرات التعليقات، تصبّ جميعها في خانة الوعي بالمصير المشترك وبمشاعر الود والمحبة.

وقد كشفت عن إحاطة البعض بالموضوع من كل الجوانب، كما تشي بتجنّب الحرب الإعلامية التي بدأت تقلنا بأوزارها في البلدين، وقد كان الدرّس المستفاد من تجربة الفتنة بين الجزائريين والمصريين هو الطابع العام للمداخلات، والأكثر من‬هذا ‬أن ‬الشعوب ‬في ‬أغلبها ‬أكثر ‬وعيا ‬من ‬القادة، ‬ومن ‬كثير ‬من ‬عناصر ‬النخبة.‬
لقد سبق لي أن اعتبرت مقالي سابق الذكر بداية لفتح نقاش مثمر، وعلى هذا الأساس تم اختيار موضوعين، يحملان وجهتي نظر مختلفتين، مشبعتين بالمحبة والوطنية والأخوة، الأول لمشارك من الجزائر هو الأستاذ "النّوي قحدون"، والثاني لقرئ من المغرب هو الأستاذ "محمد المنصور". ‬أنشرهما ‬دون ‬تعليق ‬منيّ ‬أو ‬إضافة، ‬مع ‬اختلاف ‬مع ‬بعض ‬مما ‬جاء ‬فيهما، ‬خاصة ‬اتهام ‬المنصور ‬للجزائريين ‬بقتل ‬مغاربة، ‬وهو ‬قول ‬من ‬نتاج ‬حكومي ‬ولا ‬تقوم ‬عليه ‬أدلة ‬ثبوتية ‬يمكن ‬الأخذ ‬بها.‬
أتمنى أن تكون للقراء سعة الصدر لتقبّل كل الآراء، فلا يمكن لأمتنا أن تنهض من جديد ما لم تعتمد ثقافة الحوار والقبول بالآخر المختلف، محليا وعربيا وعالميا، أما بالنسبة لي فقد سعدت برأييهما أيّم سعادة، وفتّحا ذهني على أفكار ما خطرت قبل ببالي، وأترككم مع لقاء جزائري ‬ـ ‬مغربي ‬يتجاوز ‬ألاعيب ‬السياسيين ‬ليطالبنا ‬جميعا ‬بوعي ‬أكبر ‬ضمن ‬فضاء ‬الأمة ‬الواحدة.‬
*** ‬
الرسالة ‬الأولى ‬جزائرية.‬
"قرأت ردّك على رسالة الأخ المغربي وتساؤله الملح بل واتهاماته للجزائر، ومن قبل تابعت موضوعك حول جنوب السودان ومسؤولية الجيران وذوي القربى، وقبله أيضا اطّلعت على حملات المغاربة على "النّت" وفي وسائل الإعلام المختلفة، وتركيزهم المفاجئ على قضية الصحراء الغربية، ومدى مسؤولية الجزائر في تعطيل الحل المغربي، وتوسيع نطاق الصراع إلى طرح قضايا بدت لكل متابع، الجزائري خصوصا، نبشا لأرشيف قديم بداياته التّاريخ ونهايته التاريخ أيضا.. وفي كل ذلك تعامل الجزائريون، أغلبهم، بتجاهل كثير من المسائل المطروحة.
لقد كان ردّك مناسبة لفتح نقاش هادئ بعيدا عن روح التعصب الوطني، لكنني آليت على نفسي المشاركة والتوضيح، نتيجة إحساسي بنقص فادح من طرفك ليس في أسلوب الرد الذي اعتبره من طبيعتك القومية البعيدة عن التعصب، ولكن في محتوى الموضوع المطروح، وقد بدا لي أن الصواب قد جَانبك في إعطائك حق السؤال للأخ المغربي، وأنت بذلك توافقه في الطرح أو على الأقل تؤيده في جانب منه، ولأنني أنتمي إلى جيل لم يعاصر بداية الصراع المغربي- الجزائري الحديث، إلا أنني متشبع بقراءات للتاريخ، تسمح لي بأن أكون أكثر صراحة، وأن أجيب من وجهة نظر جزائرية ‬خالصة ‬دون ‬الالتفاف ‬على ‬التاريخ ‬أو ‬الإساءة ‬لجيران ‬نعتبرهم ‬إخوة ‬لنا.‬
كنت أفضّل قبل ذلك ـ لعل كل الجزائريين يوافقوني الرأي ـ أن يقتصر هذا الأمر على سلطات البلدين والمنتفعين من الصّراع، ولكن التعبئة الأخيرة لجانب كبير من الشعب المغربي جعلت القوم يتجرؤون على تجاوز خطوط، كنا نحسبها فارقة في علاقاتنا كشعوب، ولو أنهم ـ أي المغاربة ‬ـ ‬انتظروا ‬أوّل ‬مناسبة ‬أو ‬عيد ‬في ‬الجزائر، ‬لرأوا ‬أخأنا ‬الملك، ‬وليس ‬صديقنا، ‬يرسل ‬برقيات ‬التهنئة ‬لمن ‬بدأوا ‬يعتبرونه ‬عدوا ‬لهم ‬بل، ‬ويشكره ‬على ‬قيادته ‬الرشيدة ‬وعلى ‬حكمته ‬ونزاهته*.‬
لقد كنّا في الجزائر أكثر وعيا إذ تجنّبنا الرّد على كلّ الإهانات، لكن برودة الأعصاب هذه لم تثن المغاربة على التوقف، وهو ما يستوجب وضع بعض النقاط على الحروف نصحا لا مغالبة ولا مكابرة، فإذا أراد إخواننا تبنّي طرحهم، والمزايدة فيه، فذاك شأنهم، ولكن حرصنا كبير على تبنّي سياسة حسن الجوار، وتوطيد علاقات الأخوة الضاربة في أعماق التاريخ، وهو نفس التاريخ الذي يحدثنا عن الأندلس والنافرين منها والموزعين بين أقطار مغربنا الكبير، وهو نفسه الذي يحدثنا عن المرابطين وفروعهم في دويلات المغرب العربي، وهو نفس التاريخ الذي يحدثنا عن ابن رشد وابن خلدون، وهو تراث عملاق لنا جميعا، وهو نفس التاريخ الذي يكلّمنا عن الحملات الاستعمارية والتدميرية لهويتنا الشامخة في عمق الوطن الكبير, فإذا رحل عنّا ترك لنا إرثا نتحمل عبئه جميعا، أوّله خطوط وهمية، ودول تعاني مع المتخلّفين، وقيادات تبسط نفوذها ‬الأسري، وقيادات تبسط نفوذها ‬الأسري، ‬وشعوب ‬دخلت ‬غرف ‬الإنعاش ‬بفعل ‬أمراض ‬مزمنة ‬وأخرى ‬ظرفية ‬لكنها ‬قاتلة، ‬ومنها ‬سؤال ‬الأخ"‬العصري"‬، ‬الذي ‬اكتشف ‬داء ‬العلاقات ‬الجزائرية ‬ـ ‬المغربية، ‬وراح يضرب لنا مثلا ونسي نفسه.
أصبح من الضروري إذن أن نجيب عن سؤال "العصري"، عبر وضع بعض النقاط على الحروف، وذلك من خلال أسئلة منها: من المسؤول عن حرب الرمال؟، وهل يعلم عنها شيئا؟، ومن المسؤول عن الحنق المغربي من ذاك البطن الممتد إلى الغرب؟، وهل تركت إسبانيا المستعمر السابق للصحراء الغربية وصيّا على تلك الأقاليم؟، وقبل ذلك هل خرجت رصاصة واحدة على امتداد تلك الرمال؟ وبعد ذلك هل تمت استضافة الجزائر لحفل توزيع كعكة الصحراء بين المغرب وموريتانيا؟، وما معنى أن تتخلى موريتانيا عن سهمها بعد حين للبوليزاريو؟
أخيرا إذا كانت الوحدة الترابية أمرا مقدّسا عند المغاربة، فهل امتدت أبصارهم إلى سبتة ومليلية في أقصى الشمال؟ أم أن الأمر يقتصر على إشارات الملك، فيمدّ المغاربة وجوههم شطر نظرته، فإذا أصبح الأمر على هذا النحو.. فهل تنتظرون من الجزائريين الانقلاب على وجهة نظر ‬حكامهم؟!‬.‬
أعتقد أنّه من السخريّة بمكان أن ننظر إلى الأمور على هذه الشاكلة المنقوصة في كل جوانبها، لأنّه لا سؤال "العصري" يستحق الثناء، ولا تسجيلي لتلك التعقيبات هو من صميم الوطنية، فنحن أبعد ما نكون عن السؤال الكبير عن وجودنا كأمة تقود العالم، فهل بقي بعد هذا التّدجين ‬للشعوب ‬إلا ‬أن ‬نقول: ‬تبا ‬لمواطن ‬يختصر ‬وطنيته ‬ووعيه ‬المزيف ‬في ‬معاداة ‬الجار ‬والأخ، ‬ويعد ‬العدة ‬للانتصار ‬الكبير... ‬في ‬كرة ‬القدم؟".‬
النّوي ‬قحدون ‬ـ ‬الجزائر‬

‬الرسالة ‬الثانية ‬ـ ‬مغربية ‬
"بداية أعرفك بنفسي.. أنا شاب مغربي، وقد سبق لي أن قرأت مقالك المنشور في موقع جريدة الشروق الجزائرية، وجدت في كثير من فقراته نوعا من الصدق في التعبير، يوحي بحنين دفين لوحدة مغاربية مأمولة، لكن في الوقت ذاته لا أوافقك في بعض المعطيات التي سردتها والمتعلقة برد ‬فعلك ‬من ‬خطاب ‬صاحب ‬الجلالة ‬الملك محمد ‬السادس"‬ ‬الأخير، ‬المخلد* ‬للمسيرة ‬الخضراء ‬المظفّرة، ‬حيث ‬قلت ‬إنه ‬لا ‬يساعد ‬في ‬تقوية ‬العلاقات ‬بين ‬البلدين.‬
أنت تعرف أكثر من أي شخص آخر أن المغرب وعلى رأسه جلالة الملك أظهر حسن نية في غير ما مرة، لكنه كان يجابه بالجحود الذي نحن كمغاربة لا نفهمه ولا نجد له مصوّغا، فجلالة الملك كان في جميع خطبه السابقة -وكنت أود أن تشير إليها- يدعو الأشقاء الجزائريين إلى طي صفحة الماضي وإعادة المياه إلى مجاريها، بل أن جلالة الملك زار الجزائر في القمة العربية التي عقدت هناك كبادرة حسن نية وفتح الحدود البرية، لكن كل ذلك لم أجد له موقعا في مقالك، كما استعمل كل عبارات الود على أمل أن تقوم الجزائر ولو بخطوة واحدة تظهر للمغاربة حقا أن البلد ‬الجار، ‬وهو ‬في ‬الأصل ‬ليس ‬جارا ‬بل ‬أكثر ‬من ‬جار ‬لأن ‬علاقات ‬الدين ‬تجعلنا ‬إخوة، ‬من ‬خلال ‬حكومتكم ‬يسعى ‬للتقدم ‬نحونا ‬ولو ‬خطوة.‬
نحن كمغاربة لا نفهم سر هذا الحقد الدفين الذي تكنه حكومتكم للمغرب؟، وهل حرب الزعامة يمكن لها أن تكون مبررا لذلك؟.. لا، وألف لا، فها هو الاتحاد الأوروبي ماثل أمامنا، قل لي بربك: هل سمعت عن دولة لها هذا الهاجس القرشي في الزعامة الفردية؟.. لا، فهم يكدّون ليل ـ ‬نهار ‬من ‬أجل ‬تقوية ‬وحدتهم، ‬ونحن ‬نتصارع ‬من ‬أجل ‬ماذا؟
أنا لن أكون غوغائيا وأتطاول على حكومتكم، لأن هذا اختياركم، وأنتم أدرى بمصالحكم، لكن عندما ترى أن قضية مقدسة للمغاربة وليس للسياسيين فقط وهي الصحراء المغربية تحاول حكومتكم جاهدة من أجل خلق توتر مفضوح فيها، بخلق كيان ودعمه وتسليحه وتدريبه، فقط لحقد غريب، بل وصل الأمر لوجود قتلى في صفوف مواطنين مغاربة، وهذا ينذر بخطر ليس بين الحكومتين بل بين الشعبين، وهذا الأخطر لأن الأمور عندما تصل للدماء، فهنا نبدأ في أحقاد أسر مكلومة على من كان السبب في ذلك وهذا سيجرّنا للأسوأ.
إذا لم يكن المثقف هو من يصلح البين، فمن يا ترى يقوم بذلك؟.. أليس من المصيبة أن ينخرط المثقف في مزيد من التصعيد فقط لكي يقول أنا وطني، لكن ما لا ننتبه له أن الوطنية العمياء صنيعة الاستعمار، لأن الأصل هي الأمة الإسلامية بكل ثقافاتها، ونحن في المغرب العربي نستحق هذا الفضاء الكبير ليكون كثلة سياسية واقتصادية والأهم إنسانية بحمولتها الدينية والأخوية، لأنه إذا لم نساعد نحن في لمّ الشمل فلن يساعدنا أحد، وأنت ترى كيف أنه ليس هناك ولا دولة عربية قامت ولو بمجهود قليل للمّ الشمل لأنهم لا يرغبون في ذلك.
أخيرا أتمنى لك العافية والصحة أنت ولكل الأشقاء في الجزائر.. بلد المليون شهيد، الذين أبلوا البلاء الحسن في رفع راية الجزائر، فتكريما لهم يجب أن نلتقي في أرض بلا حدود، وفي قلب بلا ضغينة، وفي سياسة بلا مكائد، لأننا نلتقي شئنا أو أبينا على رب واحد عز وجل، الذي ‬دعانا ‬لذلك"‬.‬
محمد ‬المنصور ‬ـ ‬المغرب