المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوم مولدي



عبد الله نفاخ
22/11/2010, 05:19 PM
يوم مولدي :




في هذا اليوم تنتصب أمامي معاني

حياتي الغابرة ، كأنها مرآة ضئيلة

أنظر فيها طويلاً فلا أرى سوى

وجوه السنين الشاحبة كأوجه

الأموات، و ملامح الآمال و

الأحلام المتجعدة كملامح الشيوخ .


جبران خليل جبران





في يوم كهذا قبل أربعة و عشرين عاماً تماماً صرخت صرختي الأولى مستقبلاً الحياة .


في يوم كهذا قبل خمسة و عشرين عاماً استقبلتني وجوه فرحة ضاحكة ، و كنت وحدي الباكي بينهم ، كأنني أعرفهم بحقيقتي و حقيقة ما أنا قادم لألقاه .


و في يوم كهذا قبل خمسة و عشرين عاماً تلقتني وجوه كثيرة لم يبقمنها إلا القليل ، لكنَّ أكثر تلك الوجوه بشراً و انبساطاً يومها كانت هي الأولى غياباَ و مغادرة لعالمنا .


خمسة و عشرون عاماً و أنا في هذا العالم ‘ خمسة و عشرون عاماً و أنا أعد من البشر ،و خمسة و عشرون عاماً و غيري يراني بعينه و أنا أرى الدنيا بعينيَّ فيقال فيًَّ ما أعلم و ما لا أعلم .


و إذ أذكر ما انصرم من أيامي ، أجدني عاجزاً عن وصف حياتي العاجَّة بالمآسي و الأحزان و أنا فرد من أفراد هذه الإنسانية المعذبة ، هذه المآسي و الأحزان التي أثقلت كاهلي لكنها صقلت روحي ، و أحس اليوم و قد جاوزت الخامسة و العشرين و دخلت في السنة التي تليها أني لم أزدد عن الدنيا و فهم قانونها إلا بعداً ،ذلك إن كان لها قانون تسير وفقه ‘ و أشعر فوق هذا و ذاك أنني كلما ازددت بالحياة علماً لم أكن في الحقيقة إلا ازددت بها جهلاً .


مرت السنون على قلبي فتكدست فيه الآلام و حشرت حشراً ، و مرت السنون على عقلي فأخذ يتغير و يتفتق عن فلسفات جديدة غير تلك التي اعتدت عليها بادي الرأي ، و مرت السنون على عينيَّ فضعفتا عن تمييز من حولهما و معرفة الصديق من العدو ، و بت أسأل كالخنساء التي غشي قلبها الحزن : قذى بعينيك أم بالعين عوار .


فقدت في أربعة و عشرين عاماً أغلى أعز من طرقوا قلبي ، و طوفت في بلدان العالم و أنا على سريري لم أبرحه ، و عرفت عظماء العالم فصادقت بعضاً منهم و عاديت آخرين و أنا لم ألقهم ، و تتلمذت لأدباء و فلاسفة كبار بيني وبينهم عقود أو قرون ، و عاديت آخرين و وجدتني أرد عليهمو هم تحت أرماسهم غائبون ، عرفت كل هذا و شهدته ، لكنَّ قلبي الذي بين جوانحي بقي الشيء الوحيد الذي لم أفهمه و لم أدرِ كيف أفهمه ، و ظل غريباً عني و هو الذي يسيرني كعبد بين يدي سيده ، لكنني أدرك أن مثل هذا من الصعوبة بمكان ، لأن القلب يبقى أبدا ًسر الأسرار ، و لن ندركه إلا إن أدركنا سر الوجود الأعظم الأكبر من الوجود كله ، الذي يخبئ كثيراً منه في هذه الصنوبرة الحمراء المحشورة بين ضلوعنا .


فرط من عقد العمر خمس وعشرون درة ،فهل بقي في العقد درر أخر ، ذلك وحده ما لا نعرفه و لا نملك أن نعرفه ، و لكنَّ في الإمكان أن نقول إن العمر و إن فرط أكثره فإن يوماً واحداً منه قد يعدله كله بعجره و بجره ، ألا فأقبلي أيتها السنة السادسة و العشرون ، عسى أن يكون المخبأ فيك غير ما خبئ في غيرك ، و سلام عليك أيتها السنوات الخمس و العشرون ، فإن خيرك على ما كان فيك قد غلب شرك بأخرة .


و يا أيتها الحياة الخالدة على عرشها المؤتلق فوق الدهور و الأكوان ، صبرنا عليك كثيراًو سنبقى صابرين ، لأن ثمرة الحلاوة مخبوءة تحت أغشية المرارة التي تجللينها بها، و لسنا بواصلين إليها إلا بعد تخطي مغاور الآلام و جسور الندم ، فعلنا ننال ثمرة الخلاص قبل انتهاء العمر و لو بقليل قليل ، و أرجو ألا يكون ذلك مما تعدينه من المستحيل ، فنحن لم نأت إلى الدنيا عبثاً و قدرنا أن نكشف المخبوء تحت أجداث الألم و رمال العذاب ، فإذا كشفناه هان ما سبقه ، و كانت الراحة الكبرى التي ليست تنال إلا على جسر من التعب ، و نحن قد نلنا فيما مضى ما قد كفانا من التعب و أمثاله من النصب ، و ما بقي إلا الراحة الكبرى ، و ما بقي إلا أن نعطاها .

بنت الشهباء
23/11/2010, 02:05 PM
ما أروعها من رسالة حكيمة أيها الأخ الطيب عبد الله

وأنت تقص لنا ببراعة سنين مضت من عمرك .....

بالرغم من أن الحزن واللوعة أراها تحيط من كل جانب بها ؛ لكن قرأت الأمل بالغد عنوانا لها ....

وما أحوجنا يا أخي أن نعود بذاكرتنا إلى ما مضى من عمرنا ونسأل أنفسنا :

ماذا فعلنا لأنفسنا ، وعلى أي مفرق نقف ؟؟؟.....

أسئلة لو أننا كل واحد منا أحسن الإجابة عنها لرأى بأن الحياة التي نحياها لم تكن إلا عابر سبيل إما أن يترك أثرا طيبا ، وإما أن يذوب مع صقيع الأيام ولا يأسف عليه أحدا .....

وندعو الله العلي القدير أن يكون العمل الصالح خير زاد لآخرتنا ، وأن يرشدنا لما فيه الخير والصلاح لنلقى وجه ربنا وهو راض عنا

إنه سميع مجيب

عبد الله نفاخ
27/11/2010, 06:56 PM
ما أروعها من رسالة حكيمة أيها الأخ الطيب عبد الله
وأنت تقص لنا ببراعة سنين مضت من عمرك .....
بالرغم من أن الحزن واللوعة أراها تحيط من كل جانب بها ؛ لكن قرأت الأمل بالغد عنوانا لها ....
وما أحوجنا يا أخي أن نعود بذاكرتنا إلى ما مضى من عمرنا ونسأل أنفسنا :
ماذا فعلنا لأنفسنا ، وعلى أي مفرق نقف ؟؟؟.....
أسئلة لو أننا كل واحد منا أحسن الإجابة عنها لرأى بأن الحياة التي نحياها لم تكن إلا عابر سبيل إما أن يترك أثرا طيبا ، وإما أن يذوب مع صقيع الأيام ولا يأسف عليه أحدا .....
وندعو الله العلي القدير أن يكون العمل الصالح خير زاد لآخرتنا ، وأن يرشدنا لما فيه الخير والصلاح لنلقى وجه ربنا وهو راض عنا
إنه سميع مجيب


أختي الكريمة أمينة ...
لا تعلمين مقدار الفرحة و الغبطة اللتين أشعر بهما حين أراك تعلقين على بعض من نصوصي ....
فذلك يعني أنها راقت لنبع القيم في منتدانا .... بنت الشهباء ....
و ذلك صدقيني ، شرف و فخر كبيران جداً لي ...
لك كل تقدير و إجلال و مودة

زاهية
11/12/2010, 02:16 AM
ماأبدع كتاباتك أيها الأخ المكرم عبد الله
يكفي أنك تمدنا بزاد يحرمنا منه الكثيرون
بارك الله فيك ورعاك
أختك
زاهية بنت البحر