المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصهيونية في مسار الاندثار ( تقرير )



طارق شفيق حقي
21/11/2010, 06:39 PM
أحمد أمين الشجاع - عودة ودعوة
تمهيد:

http://www.awda-dawa.com/image3/from-21-3-sahyoon.jpg
إن الصهيونية كحركة هي بالفعل نتاج سياسي حدث في القرن 19. بيد أن الصهيونية كفكرة موجودة في التراث الثقافي اليهودي، كحنين إلى العودة إلى فلسطين ظهر منذ السبي البابلي، وهو ما تعكسه علامات ورموز ومحددات ثقافية كثيرة داخل التراث الديني اليهودي، ومن بينها المزمور 137, غير أن هذا الحنين كان مجرد فكرة انتظارية مشروطة بنزول "المسيا" (مسيح اليهود)، حيث نجد في الفكر الديني اليهودي تحريما شديداً لهذه العودة، بل تعتبر عودة اليهود هرطقة وتعجيلاً بالنهاية (بالعبرية "دحيكات هاكتس").
لذا لم يكن ممكنا للفكرة أن تتحول إلى "حركة" وإستراتيجية عملية إلا بعد حدوث تحولات فكرية داخل هذا التراث الثقافي الديني اليهودي، وهي التحولات التي تمثلها إسهامات مفكرين وحاخامات الصهيونية أمثال القلعي وكاليشر.. الذين قاموا بتحريف فكري تجاوزوا به التحريم الديني الذي كان يحرم العودة الجماعية لليهود إلى فلسطين، حيث يشرطها بنزول المسيح (المسيا)، الذي نظر إليه في التراث الديني اليهودي بوصفه الإذن الإلهي بانتقال اليهود جماعياً إلى فلسطين.
فقام هؤلاء الحاخامات بنقد هذه العقلية الانتظارية والدعوة إلى ما يمكن أن نسميه استنزال المسيح، بمعنى أن عودة اليهود الجماعية إلى فلسطين ستضطر المسيح إلى النزول، حسب قول الكاتب الطيب بوعزة.
وإن القول إن الحركة الصهيونية هي "استثمار للتراث اليهودي" هو تأكيد لحقيقة تمكن من تفسير ما يعجز عنه كثير من التعاريف الأخرى التي تجعل هذه الحركة سواء كفكرة أو كحركة من إنشاء الغرب وحده.
حيث إن هذه التعاريف تعجز عن الإجابة على أسئلة عديدة من قبيل: لماذا بالضبط تم اختيار اليهود؟، ولماذا فلسطين؟، وهما سؤالان لا يجدان إجابتيهما إلا باستحضار التراث الثقافي والديني اليهودي.

http://www.awda-dawa.com/image3/from-21-3-sahyoon%20%287%29.jpg
ويقول بوعزة: وعندما نقول في التعريف إن الدولة الصهيونية المقامة في فلسطين "دولة عنصرية" وإنها "ارتكزت في قيامها على جدلية الإجلاء والتوطين"، فإن هذا القول هو استجماع وإيضاح لحقائق عديدة تسعى الحركة الصهيونية إلى إخفائها:
أولها: الطابع العنصري والإرهابي للدولة اليهودية.
وثانيها: أنها لم تأت إلى "أرض بلا شعب"، بل جاءت إلى أرض لها أصحابها، ولذا كانت منهجيتها في الاستيطان تقوم على جدلية الإجلاء والتوطين: إجلاء الفلسطينيين ووضع اليهود موضعهم، وهو الإجلاء الذي استخدمت فيه أساليب إرهابية متوحشة بدءا بالحرب وانتهاء بالمذابح ضد المدنيين.
وهكذا يمكن أن نقول إن هذا التعريف المقترح يوفر إمكانية لفهم الظاهرة الصهيونية على حقيقتها، ويستحضر مختلف أبعادها، سواء الأبعاد الثقافية أو التاريخية أو السياسية، الأمر الذي يجعل منه تعريفاً دقيقاً يفوق غيره من التعاريف المتداولة.
تعريفالصهيونية:
هي حركة سياسية وطنية تدعي أنها يهودية إلا أنها لا تلتزم بأي شرع أو تعاليم إذ إنها علمانية أساساً. كان هدفها الرئيسي إقامة دولة يهودية في فلسطين، وذلك بتشجيع هجرة اليهود في أنحاء العالم كافة إلى فلسطين (إيريتس يسرائيل) حسب التسمية اليهودية التقليدية، وإقامة تجمعات يهودية جديدة في هذه البلاد. وفي مايو 1948م حققت الصهيونية هذا الهدف، بتأسيس دولة إسرائيل واعتراف معظم دول العالم بها.
أما بعد تأسيس دولة إسرائيل فتستهدف الحركة الصهيونية إلى تعزيز العلاقات بين المجتمعات اليهودية في أنحاء العالم ودولة إسرائيل وتشجيع يهود من بلدان مختلفة لزيارة إسرائيل والهجرة إليها.

http://www.awda-dawa.com/image3/from-21-3-sahyoon%20%284%29.jpg
وكلمة (صهيوني) مشتقة من الكلمة (صهيون) وهي أحد ألقاب جبل صهيون (الذي يسمى بـ(جبل داود) عند المسلمين المقدسيين) والذي يعتبر الأقرب إلى مكان بناء هيكل سليمان في القدس كما هو مذكور في الصحائف "المقدسة" لدى المسيحية واليهودية وتعبّر كلمة (صهيون) عن أرض الميعاد عند اليهود وعودة اليهود إلى تلك الأرض.
واصطلاحاً فكر وحركة سياسية هدفها توحيد اليهود في الشتات وإسكانهم في فلسطين وتوجت جهودها بإقامة دولة إسرائيل عام 1948م أول من استخدم مصطلح الصهيونية هو ناثان برنباوم الفيلسوف اليهودي النمساوي عام 1890م؛ لتكون المقدمة الطبيعية لتبلور مصطلح "يهودية الدولة الإسرائيلية" الموعودة فيما بعد، حسب قول الكاتب إبراهيم غالي.

http://www.awda-dawa.com/image3/from-21-3-sahyoon%20%283%29.jpg
وتم عقد أول مؤتمر صهيوني في مدينة بال في سويسرا ليتم تطبيق الصهيونية بشكل عملي على فلسطين فعملت على تسهيل الهجرة اليهودية ودعم المشاريع الاقتصادية اليهودية.
خلفيةتاريخية:
يقول صاحب كتاب (المناهضة اليهودية للصهيونية) إن أصول الصهيونية ترجع إلى نهاية القرن التاسع عشر تقريباً وظهرت بين اليهود المستوعَبين في أوروبا الوسطى الذين يشعرون على رغم كل شيء ببعض الاستعباد.
ويقول المفكرون الصهاينة إن الحاجة لإقامة وطن قومي يهودي قديمه ظهرت خاصة بعد الأسر البابلي على يد نبوخذ نصر وكذلك اعتقاد المتدينين اليهود أن أرض الميعاد "قد وهبها الله لبني إسرائيل فهذه الهبة أبدية ولا رجعة فيها" إلا إنهم لم يتحمسوا كثيراً للصهيونية باعتبار أن أرض الميعاد ودولة إسرائيل لا يجب أن تُقام من قبل بني البشر كما هو الحال بل يجب أن تقوم على يد المسيح المنتظر.
وقام عدد من اليهود حديثاً في مطلع القرن العشرين بشكل فردي بالسكن في فلسطين وذلك لتشكيل بذرة وجودهم على أرض فلسطين ولكنهم كانوا يشكلون أقلية، ولكن الصهيونية الحديثة لم تستطع الظهور إلا عندما تم علمنة الحياة اليهودية عن طريق حركة التنوير اليهودية "الهسكلاه" والتي ترأسها موسى مندلسون في القرن الثامن عشر الميلادي، حيث ساهمت بالابتعاد عن الديانة اليهودية الأورثوذكسية وخلق روح قومية تتوحد عن طريق الدين، في البداية حاولت حركة التنوير صهر اليهود في المجتمع الأوروبي. حركة الإصلاح اليهودية التحررية في ألمانيا سعت من أجل جعل اختزال اليهودية في طائفة وأن يتقبلوا الثقافة الألمانية.
ولكن الأوضاع السياسية والاضطهاد العنصري لليهود أثبت أنهم لا يستطيعون الاندماج في الثقافات الأخرى حتى في ظل العلمنة حيث ظهرت سلسلة أعمال عنصرية ضد اليهود خاصة في روسيا بعد مقتل القيصر الكسندر الثاني، حيث دفعت اليهود للهجرة للولايات المتحدة واعتقدو أن دورهم التاريخي هو كبش فداء للشعوب.
وظهرت قضية القائد الفرنسي اليهودي دريفوس الذي اتهم بالخيانة عام 1894م والذي أظهر اللاسامية في الجيش واستقطب عدداً من الساسة وقادة المجتمع التقدميين ضد الكنيسة الرومانية الاورثوذكسية والجيش.
في منتصف القرن التاسع عشر ظهر حاخامان دعوا اليهود إلى تمهيد الطريق للمسيح المنتظر بإقامة وطن قومي وظهر الفيلسوف الألماني اليهودي موسى هس في كتابه رومة والقدس وقال إن المشكلة اليهودية تكمن في عدم وجود وطن قومي لليهود.
تعاقبت الأحداث سراعاً ما بين الأعوام 1890م - 1945م وكانت بداية الأحداث هو التوجه المعادي للسامية في روسيا ومروراً بمخيمات الأعمال الشاقة التي أقامها النازيون في أوروبا وانتهاءً بعمليات الحرق الجماعي لليهود وغيرهم على يد النازيين الألمان إبّان الحرب العالمية الثانية، تنامى الشعور لدى اليهود النّاجين من جميع ما ذُكر إلى إنشاء كيان يحتضن اليهود واقتنع السواد الأعظم من اليهود بإنشاء كيان لهم في فلسطين وساند أغلب اليهود الجهود لإقامة دولة لهم بين الأعوام 1945م - 1948م ولكن اختلف بعض اليهود في الممارسات القمعية التي ارتكبتها الجماعات الصهيونية في فلسطين بحق الشعب العربي الفلسطيني المسلم من قتل وتشريد الأطفال كما حدث قي حرب غزة في عام 2008م وبناء السور العازل.
وهكذا قدمت الحركة الصهيونية نفسها "كحركة تحرر وطني للشعب اليهودي" ورسمت على الدوام أكذوبة تظهر اليهود كأقلية ضعيفة مهددة بالإبادة من عالم عربي متوحش، ودأبت لاحقا على تقديم نفسها كواحة للديمقراطية في وسط بحر من الدكتاتورية.
تأسيس الحركة الصهيونية:

http://www.awda-dawa.com/image3/from-21-3-sahyoon%20%285%29.jpg
في عام 1896 قام الصحفي اليهودي الهنغاري ثيودور هرتزل بنشر كتاب اسمه دولة اليهود وفيه طرح أسباب اللاسامية وكيفية علاجها وهو إقامة وطن قومي لليهود وقام بالاتصال مع إمبرطور ألمانيا وليام الثاني فنجح في الحصول على دعمه. ومع والسلطان عبد الحميد الثاني ولكنها باءت بالفشل وحتى طلب المال من قبل الأغنياء اليهود باء بالفشل.
في عام 1897م نظم هرتزل أول مؤتمر صهيوني في بازل في سويسرا وحضره 200 مفوض وصاغوا برنامج بازل والتي بقيت البرنامج السياسي للحركة الصهيونية، والبرنامج عرف هدف الصهيونية بأنه إقامة وطن للشعب اليهودي بالقانون العام، وأقام المؤتمر الصهيوني العالمي اللجنة الدائمة وفوضها بأن تنشأ فروع لها في مختلف أنحاء العالم.
وعندما فشل هرتزل في ديبلوماسيته مع السلطان العثماني وجه جهوده الديبلوماسية نحو بريطانيا ولكن بريطانيا قدمت دعمها المالي لإقامة مستعمرة في شرق أفريقيا أي أوغندا حيث انشقت الحركة الصهيونية بين معارض ومؤيد، فالصهاينة الروس اتهموا هرتزل بالخيانة ولكنه استطاع أن يسوي الأمر معهم إلا أنه مات، وعندما عقد المؤتمر السابع عام 1905م رفضت أوغنده وشكل ارائل لانغول المنظمة الإقليمية اليهودية والتي لها صلاحية أن تختار مكان مناسب للشعب اليهودي.
وقد استطاعت الحركة الصهيونية أن تحقق أهم انجازين لها وهما وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين عام 1917م والثاني هو إقامة دولة إسرائيل عام 1948م وذلك في فلسطين وذلك عن طريق القتل والتهجير والمذابح لأبعاد الفلسطينيين عن أرضهم بالقوة.
تشكلت الصهيونية كأيديولوجيا وكحركة سياسية أتت متساوية مع نمو الأيديولوجيات القومية في أوروبا، ولكن الأهم مع نمو اهتمام المركز الإمبريالي بإيجاد كيانات مصطنعة في مراكز مستعمراته لضمان هيمنتها، وسيكون من الأمور الخلافية تتريخ أولوية عرض بعض المثقفين اليهود لدور مختلف لليهود بعد تراجع دورهم الوظيفي كوسطاء ماليين أثناء العصر الإقطاعي بتحويل أوروبا للرأسمالية وتشكيل برجوازية مالية أوربية متحررة من القيود الدينية المسيحية التي كانت تحرم الربا وتلخص هذا الدور بأن يكونوا حماة المصالح الإمبريالية أنى ارتأت هذه الإمبريالية، فطرحت الأرجنتين وغيرها قبل أن يستقر الرأي على فلسطين، وفي المقابل هناك من يؤرخ لأولوية الطرح البريطاني على المثقفين اليهود باختيار أرض فلسطين، وتجاوب هؤلاء معهم ولكن في كلتا الحالتين يمكن تفسير - لعدم إمكانية الجزم- يمكن القول أن الطرفين تقابلت مصلحتهم. وكانت الخطوة التالية محاولة إقناع المواطنين الأوربيين اليهود بالتخلي عن أوطانهم للهجرة إلى أرض لا يربطهم بها إلا أساطير دينية، ليس لها علاقة بالواقع.
أنواع الصهيونية:
للصهيونية أشكال مختلفة منها :-
الصهيونية الثقافية والتي تؤكد أن فلسطين يجب أن تكن مركز روحي وثقافي للعالم.
الصهيونية العملية تؤكد أنه يجب ربط الصهيوني مع الأرض عن طريق العمل.
الصهيونية الاشتراكية التي تحث على إيجاد منطقة يقام فيها مجتمع مصنف طبقياً يتم فيه صراع طبقي ومن ثم حصول ثورة.
الصهيونية الدينية التي تريد تطبيق الشريعة اليهودية وخاصة التلمود في سياستها.
وكذلك اعتقاد المتدينين اليهود أن أرض الميعاد قد وهبها الله لبني إسرائيل فهذه الهبة أبدية ولا رجعة فيها إلا إنهم لم يتحمسوا كثيراً للصهيونية باعتبار أن أرض الميعاد ودولة إسرائيل "لا يجب أن تُقام من قبل بني البشر كما هو الحال بل يجب أن تقوم على يد المهدي المنتظر".
النشاط الصهيونية:
النشاط الأول للحركة كان دعوة الدولة العثمانية بالسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين والإقامة بها.

http://www.awda-dawa.com/image3/from-21-3-sahyoon%20%286%29.jpg
وبعد رفض السلطان عرضوا عليه بيع بعض الأراضي الفلسطينية فرفض رفضاً تاماً فأيقنوا أن المسلمين لن يتسامحوا في شبر واحد من أراضيها فنظموا عدة تعاملات قذرة مع بريطانيا وبعد تولى مكتب الإمبراطور الألماني مهمة السماح لليهود بالهجرة لدى الدولة العثمانية لكن بدون تحقيق نتائج تذكر.
فيما بعد، انتهجت المنظمة سبيل الهجرة بأعداد صغيرة وتأسيس (الصندوق القومي اليهودي) في العام 1901م وكذلك تأسيس البنك ("الأنجلو- فلسطيني) في العام 1903م.
قبيل العام 1917م أخذ الصهاينة أفكاراً عديدة محمل الجد وكانت تلك الأفكار ترمي لإقامة الوطن المنشود في أماكن أخرى غير فلسطين، فعلى سبيل المثال، كانت الأرجنتين أحد بقاع العالم المختارة لإقامة دولة إسرائيل، وفي العام 1903م عرض هيرتزل عرضاً مثيراً للجدل بإقامة دولة إسرائيل في كينيا مما حدا بالمندوب الروسي الانسحاب من المؤتمر واتفق المؤتمر على تشكيل لجنة لتدارس جميع الأُطروحات بشأن مكان دولة إسرائيل أفضت إلى اختيار أرض فلسطين.
الصهيونية والعرب:
أيقن الصهاينة منذ البداية أن سكّان فلسطين سيرفضون التخلي الطوعي عن الأرض، وهم لذلك ومنذ بداية وجودهم على الأرض الفلسطينية عملوا بكل طاقتهم للقضاء على مقاومة أهل الأرض وسيكون من المهم التأكيد على التناغم مع الاستعمار البريطاني صاحب المشروع ومركزه وهما قاما لهذا بقمع أي محاولة تعبير عن النفس والمطالبة بالحقوق مما ولد مقاومة شعبية عرفت أشكال متعددة من النضال للتخلص من المشروع الاستيطاني الإحلالي فكانت منها ثورة 36 الشعبية التي قوبلت بوحشية أصبحت لاحقاً نموذج التعامل العنصري المستمر ضد الشعب العربي الفلسطيني وهو ما مكن الحركة الصهيونية لاحقاً بدعم منقطع النظير من المركز الإمبريالي البريطاني (ولاحقاً الأمريكي) من إرهاب أهل الأرض وأدى لتراجع مقاومتهم محدودة الدعم ومهد للاغتصاب الكبير في 48 كما قامت دولة إسرائيل بمشاركة كل من بريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي على مصر في 1956م كم قامت في 1967م باحتلال باقي الأراضي الفلسطينية وهضبة الجولان في سوريا وسيناء في مصر وقامت بارتكاب جرائم حرب في كل من فلسطين محتلة ومصر كمجزرة دير ياسين وحتى الآن لم ينته الصراع حيث إنه حتى الآن أغارت على جنوب لبنان في 2007 وأغارت على غزة في 2008م
إنشاء وطن قومي لليهود:

http://www.awda-dawa.com/image3/from-21-3-sahyoon%20%281%29.jpg
بهزيمة وتفكك الإمبراطورية العثمانية في العام 1918م وبفرض الانتداب الإنجليزي على فلسطين من قبل عصبة الأمم في العام 1922م، سارت الحركة الصهيونية مساراً جديداُ نتيجة تغير أطراف المعادلة وكثفت الجهود في إنشاء كيان للشعب اليهودي في فلسطين وتأسيس البنى التحتية للدولة المزمع قيامها وقامت المنظمة الصهيونية بجمع الأموال اللازمة لهذه المهمة والضغط على الإنجليز كي لا يسعوا في منح الفلسطينيين استقلالهم.
وشهدت حقبة العشرينيات من القرن الماضي زيادة ملحوظة في أعداد اليهود الموجودين في فلسطين وبداية تكوين بنى تحتية يهودية ولاقت في نفس الجانب مقاومة من الجانب العربي في مسألة المهاجرين اليهود.
تزايدت المعارضة اليهودية للمشروع الصهيوني من قبل اليهود البارزين في شتّى أنحاء العالم بحجة أن باستطاعة اليهود التعايش في المجتمعات الغربية بشكل مساوي للمواطنين الأصليين لتلك البلدان.
وبعد صعود ادولف هتلر للحكم في ألمانيا، سرعان ما رجع اليهود في تأييدهم للمشروع الصهيوني وزادت هجرتهم إلى فلسطين لاسيما أن الولايات الأمريكية المتحدة أوصدت أبواب الهجرة في وجوه المهاجرين اليهود.
وبكثرة المهاجرين اليهود إلى فلسطين زاد مقدار الغضب والامتعاض الإسلامي من ظاهرة الهجرة المنظمة، وفي العام 1936م، بلغ الامتعاض العربي أوجه وثار عرب فلسطين، فقامت السلطات الإنجليزية في فلسطين إلى الدعوة إلى إيقاف الهجرة اليهودية.
واجه اليهود الثورة العربية بتأسيس ميليشيات يهودية مسلحة بهدف القضاء على مقاومة السكان العرب الأصيلين في الأرض (ويجب الإشارة إلى تكون العرب في فلسطين من تنوع يعود للكنعانيين وسواهم من سكان البلاد التاريخيين والذين يعود وجودهم لما قبل المرور العابر"غير المثبت تاريخياً" للعبرانيين) ومن أهم هذه المنظمات الهاجاناه والأرجون. مع أحداث الحرب العالمية الثانية، قرر الطرفان المتنازعان تكثيف الجهود في وجه هتلر النازي عوضاً عن ضرب الإنجليز.
بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، زعم البعض أن 6 ملايين يهودي تمت إبادتهم على يد القوات النازية مما خلّف مئات الألوف من اليهود مشردين في أنحاء العالم ولا ينوون العودة إلى بلادهم الأصلية التي اتهمتها الدعاية الصهيونية بأنها سلمتهم لقمة سائغة لهتلر في الوقت الذي برهن فيما بعد عن تواطؤ الصهيونية في المجازر بقصد دفع المواطنيين الأوروبيين اليهود للرحيل باتجاه الأرض المنوي اغتصابها من أهلها الأصليين ومن جانب آخر سعت المراكز الاستعمارية للاستمرار بنيتها بناء معسكر لها في قلب الوطن العربي وتحديداً بعد التحول الحاصل لديها واستنتاجها ضرورة الانسحاب من الكثير من مستعمراتها في العالم وتحديداً تحت ضغط تنامي الشعور القومي بالمستعمرات وظهور الإتحاد السوفييتي القوي القادر على دعم نضالاتها الاستقلالية وهو ما غطته بدعوى إعلامية من وزن الشعور بالذنب نتيجة تقاعسها عن دحر القوات النازية حين نشأتها وترك هذه الدول هتلر يعيث في أوروبا الفساد.
وهو المشروع الذي ورثته الإمبراطورية الأمريكية الصاعدة عن المركز البريطاني المتهالك بعد الحرب وكان من أبرز الداعين لهذا الدور الرئيس الأمريكي هاري ترومان الذي بدوره ضغط على هيئة الأمم المتحدة لتعترف بدولة إسرائيل على تراب فلسطين خصوصاً أن بريطانيا كانت في أمس الحاجة للخروج من فلسطين.
دولة الصهيونية:
أعلنت القوات البريطانية نيتها الانسحاب من فلسطين في العام 1947م وفي 29 نوفمبر من نفس العام، أعلن مجلس الأمن عن تقسيمه لفلسطين لتصبح فلسطين دولتين، الأولى عربية والثانية يهودية.
اندلع القتال بين العرب واليهود وفي 14 مايو 1948م أعلن قادة الدولة اليهودية قيام دولة إسرائيل.
شكّل الإعلان نقطة تحول في تاريخ المنظمة الصهيونية حيث إن أحد أهم أهداف المنظمة قد تحقق بقيام دولة إسرائيل وأخذت مجموعات الميليشيا اليهودية المسلحة منحى آخر وأعادت ترتيب أوراقها وشكلت من الميليشيات "قوة دفاع إسرائيل".
السواد الأعظم من العرب الفلسطينيين إمّا هرب إلى البلدان العربية المجاورة وإمّا طُرد من قبل قوات الاحتلال اليهودية، في كلتا الحالتين، أصبح السكان اليهود أغلبية مقارنة بالعرب الأصليين وأصبحت الحدود الرسمية لإسرائيل تلك التي تم إعلان وقف إطلاق النار عندها حتى العام 1967م.
في العام 1950، أعلن الكنيست الإسرائيلي الحق لكل يهودي غير موجود في إسرائيل أن يستوطن الوطن الجديد، بهذا الإعلان، وتدفق اللاجئين اليهود من أوروبا وباقي اليهود من البلدان العربية، أصبح اليهود في فلسطين أغلبية بالمقارنة بالعرب بشكل مطلق ودائم.
إفلاس الأيديولوجية الصهيونية:

http://www.awda-dawa.com/image3/from-21-3-sahyoon%20%282%29.jpg
وضع الكاتب عامر راشد تحليلاً للوضع الصهيوني القائم، حيث يقول: إن المسار الظاهري الذي يتخذه تطور القضية الفلسطينية، ربطاً بالمشهد السياسي العام والراهن بما هو إفراز لموازين القوى، تدهوراً وتراجعاً كبيراً في مكانة القضية الفلسطينية، ويهدد بضياع عدد من الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وينحى باتجاه فرض حلول لقضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ضمن أكبر مقاربة مع الرؤية الإسرائيلية المدعومة أمريكيا للحل تكرس هيمنة إسرائيل التوسعية.
وقال موضحاً: لكن بقليل من التمحيص سنكتشف أن مجموعة الحقائق السابقة منقوصة وأحادية الجانب؛ لأنها تنظر إلى موازين القوى ومفاعيلها بشكل جامد، غير آخذة بعين الاعتبار مجموعة عوامل تؤثر وتتأثر بها في آن، من تناقضات الحالة الداخلية الإسرائيلية، على وجه الخصوص، وإمكانية تحول العديد من صراعاتها إلى صراعات رئيسية، بعد أن نظر إليها لسنوات طويلة ماضية كصراعات ثانوية، في مواجهة الصراع الرئيسي مع الفلسطينيين والعرب.
فعلى سبيل المثال، يثبت اليوم أن مسألة معضلة الاندماج في "المجتمع الإسرائيلي" ليست تعبيراً عن تعددية ثقافية، يمكن تجاوزها مع مرور الزمن كما قدمتها السردية التاريخية الصهيونية، بل هي أحد تعبيرات محاولة جسر الهوة بين مكونات تاريخ ممزق وملفق بشكل إرادي قسري، ومحاولة متوهمة للقفز عن الانقسام الذي يولده التعدد القومي والعرقي.
ليس فقط في التقسيم الإسرائيلي الرسمي الذي يقسم "المجتمع الإسرائيلي" إلى قوميتين عربية ويهودية، بل داخل مجتمع اليهود المهجرين، وما بدأ يفرزه من تحولات عميقة أدت في السياق إلى تغيرات جوهرية في بنية النخب السياسية والمجتمعية الإسرائيلية، تم من خلالها تحلل وبدء إزاحة النخب الإشكنازية، التي قادت على مدار عقود طويلة الحركة الصهيونية و"مؤسسات الدولة والمجتمع الإسرائيلي" لصالح نخب جديدة، السفرديم على حساب الإشكناز.
وهذا التحول الجاري في مجرى الصراع إذا ما أخذ مداه سيساهم في انهيار المنظومة الاستعمارية التي بني على أساسها "مجتمع ودولة إسرائيل"، والتي حولت "إسرائيل" على حد وصف الدكتورة إيله شوحاط إلى "أمة داخل أمة"، في إشارة إلى أوضاع يهود البلاد العربية الذين هجروا إلى "إسرائيل"، وإذا ما سحب ذلك على باقي القوميات فإننا سنصبح أمام خليط من مجموعة أمم وقوميات.
وهذا سيعيدنا إلى إحدى المقولات الأساسية بأن نجاح الحركة الصهيونية في احتلال فلسطين لم يحل الهدف الرئيسي الذي سعت إليه الحركة الصهيونية بخلق "أمة يهودية"؛ لأن "المجتمع الإسرائيلي" ما زال يفتقد إلى مقومات الأمة من حيث التقاليد التاريخية المشتركة والوحدة المستقرة والثقافة الأصيلة المشتركة والتكوين السيكولوجي المشترك.
ما سبق جعل المؤرخ الإسرائيلي بني مورس يقول: "إن المشروع الصهيوني كله مشروع أخروي، إنه يقوم في محيط معاد، وبمعنى ما فإن وجوده لم يكن منطقياً أن ينجح في العام 1948، وليس من المنطقي أن ينجح الآن، ومع ذلك وصل إلى ما وصل إليه، وبمعنى آخر فإن في الأمر معجزة.. قد يكون الخراب نهاية هذه العملية وهذا ما يخيفني".
ولقد أدرك المنظرون الصهاينة باكراً مأزق مشروعهم الاستعماري وعدم واقعية نجاح هذا المشروع على المدى الطويل، وكان قادة الحركة الاستيطانية الصهيونية على استعداد للقبول بحلول أدنى بكثير مما حصلوا عليها في العام 1948م، إلا أن القوى الاستعمارية دفعت قادة الحركة الصهيونية لمزيد من التصلب والتطرف لتحقيق الأطماع الاستعمارية الأوروبية الغربية في البلدان العربية.
وبشكل عام هناك شبه إجماع لدى جميع تيارات الحركة الصهيونية على أن "إسرائيل" باتت تعيش أزمة عميقة، استمرارها يعني المضي نحو الهلاك الأكيد، وللخروج من هذا المأزق هناك ثلاثة اتجاهات رئيسية في التفكير الإستراتيجي الصهيوني:
الاتجاه الأول: يدعو إلى الاستمرار في سياسة "الانفصال عن الفلسطينيين من جانب واحد" في ظل تعذر تسوية سياسية مع الفلسطينيين مقبولة إسرائيلياً بشروطها المعروفة، وفي مقدمتها ضم أكبر مساحات ممكنة من الأرض الفلسطينية المحتلة في عدوان الخامس من يونيو 1967م.
وهنا تظهر بعض الخلافات داخل هذا التيار حول مساحة الأراضي التي يجب الانسحاب منها، لكن مبدأ عدم الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة محل إجماع بينهم.
الاتجاه الثاني: يدعو إلى أن يكون الانسحاب على قاعدة اتفاق حل وسط مع الفلسطينيين، وبهذا فهم يرفضون الانفصال الأحادي، رغم اتفاقهم مع التيار الأول بأن أي حل وسط مقبول إسرائيلياً لن يتضمن الانسحاب من كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكنهم في ذات الوقت يرون في الجمود السياسي خطرا كبيرا، لذلك يدعون إلى إعادة الروح للعملية التفاوضية.
الاتجاه الثالث: يقول بعدم إمكانية الانفصال عن الفلسطينيين مرة أخرى، ويقف جناحا هذا الاتجاه على طرفي نقيض، فغلاة اليمين يرون في إخلاء المستوطنات خيانة عظمى وتقويضاً للمشروع الصهيوني، وبالتالي يجب الذهاب إلى النهاية في استخدام القوة وطرد العرب وترحيلهم قسرا من ديارهم.
أما الجناح الثاني من دعاة عدم إمكانية الانفصال فيرون أن واقع الاحتلال أوجد وضعاً يصعب العودة عنه، مما جعل شر ثنائية القومية قدراً لا مفر منه. مع ملاحظة أن التيارات كلها تجمع على ضرورة شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
ويرى البعض في النقاش الدائر حول الخطر الديمغرافي الفلسطيني مستقبلاً أنه لا يعدو كونه فزاعة تتم من خلالها إعادة توحيد الكيان الصهيوني ضد عدو مفترض، وعودة للعزف على نغمة الأقلية المضطهدة في تبرير لتصرفات "إسرائيل" وأفعالها الدموية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.
ويضخم البعض هذه القضية إلى درجة أن يسرائيل هرئيل يعتبرها "أخطر من القنبلة النووية الإيرانية"، في حين يرى البعض الآخر أن النقاش يمتلك مشروعيته من رؤية إستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار أن المستقبل لن يكون لصالح "إسرائيل" إذا ما استمرت على طبيعتها العدوانية.
ومن دعاة هذا التيار الرئيس الأسبق للكنيست الإسرائيلي أبراهام بورغ الذي يعبر عن ذلك بالقول: "لا يمكن استمرار دولة تفتقر للعدالة، لقد بدأ الكثير من الإسرائيليين في استيعاب ذلك وهم يسألون أبناءهم أين تتوقعون الحياة بعد خمسة وعشرين عاما؟".
الخلاصة:
لا شك أن الصهيونية مثلت واحدة من أخطر المعتقدات ليس على المسلمين فقط بل على العالم أجمع، بل وحتى على اليهود؛ ولهذا كان خصومها من اليهود كثير.
ومشكلة المسلمين أنهم يعلمون بخطرها ولكن كمن يعرف السم ولا يتجنبه.. يتجرعون خططها ويقعون في مصائدها فرائس مستساغة.
ومنذ قيام إسرائيل على أرض فلسطين والحال من أسوأ لأسوأ وسببه الرئيس تضعضع المسلمين عن القيام بواجبهم نحو أمتهم.
أما عوامل اندثار الصهيونية فموجودة في داخلها حيث الباطل والظلم والخداع والبطش، ثم عامل المقاومة الحقيقية التي يقوم المجاهدون في فلسطين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- المناهضة اليهودية للصهيونية – الدكتور ياكوف رابكن- الطبعة العربية الأولى مارس 2006م- مركز الوحدة العربية للدراسات والبحوث.
- مصطلح "الصهيونية".. نحو صياغة تعريف بديل- الطيب بوعزة- الجزيرة نت.
- إفلاس الأيديولوجية الصهيونية ومشروعها الاستيطاني- عامر راشد - الجزيرة نت.