PDA

View Full Version : في مزاد المربد العلني ..قـلـبـي للـبيـع



سليـمـكم
22/09/2004, 05:42 PM
قلبي للبيع

عندما كان قلبي قلعة فاخرة
تحفها الحدائق والمروج من كل جانب
تسرح في باحتي خيول هيفاء ساطعة بيضاء
تمنيت لو أن الربيع في أيام عمري لا ينتهي
كي أنعم كل صبح برؤياك تطلين على أحداقي من شرفة تلك الحديقة قرب غرفتي في البطين الأيمن ..
لكن ؟؟؟
شاءت الأقدار أن ترحل تلك الأميرة الساحرة ..
والتي غادرته للنزهة على أن تعود لكنها ..لن تعود .. لن تعود أبدا ..
لن تعود .. ليستحيل ميلاد الزهور من جديد على شفاه هذه البراعم اليتيمة فوق غصون شجوني ...
اصفرت خضرة سنيني , وذبلت كل البراري في حناياي وجفت الجنان .. واستحالت أكاليل الغار في حدائقي أشواكا يأكلها الفرح المنتحر إلى أن مات ..
هزلت تلك الخيول بعدما انتظرت طويلا رجوع الملاك الذي كان يداعبها كل مساء .. وانطلقت تجري في دمائي التي تغلي من الحنين القاتل الآسي .. جرت وجرت .. ثم احترقت خيول وجداني الناصعة البياض من فرط بكاءنا الساخن القاسي ..
خوت رياض سعادتي من ابتسامها فبهتت في أراضي المهجورة كل الألوان ..
كان لي في كل ليلة حلم جميل .. وفي كل صباح رحلة بين الورود منعشة .. امتطي رفقتها حصاننا الطائر بين الغيوم .. نحلق بعيدا في أجواء قلبي الشاسعة الشاسعة .. وكنا كلما نهبط من السماء الى قصرنا المغمور بالأمان تستقبلنا بالابتسام باقات من النجوم متلألئة ..

كان ذلك قلبي المبهور بسعادته قبل ان تهجره سيدة أحلامي الغادرة ..ليصبح في لمح البصر خرذة تعرض للبيع في مزاد المارد العلني ..
هل تعلمون ماالذي سأعرضه اليوم عليكم للبيع :
غرف مظلمة .. تسكنها شباك العنكبوت .. وآمال غزاها الروماتيزم في غياهب معابري المتداخلة بين الشوق والأنين لتسقط صريعة على فراش المرض يغتالها الارهاق والأرق ..
مجاري المشاعر في وجداني سراديب موحشة تحتلها الرهبة والهزال.. تسودها الشقوق ويعتليها الصدأ .
أما هناك في ذلك الركن المحزن الخاوي ..ينطوي فؤادي على أريكة مهترئة مخضبة أشلاءه بالجراح المتفتقة .. تستلقي على وجنتيه روافد من الدموع القاتمة .. جفت شفاهه التي لم تذق قطرة ماء منذ مدة .. بينما ظلت أحداقه مسمرة فوق تلك الرسالة التي تتقاطر حروفها بالدماء . وكان اول سطر منسوخ بالأحمر القاني قد كتبت عليه كلمة التهاني القاتلة :" ألا تباركلي .. لقد تزوجت .."...

"من ألوم يا ترى : ثقتي العمياء في أحلامي أم القدر ؟
من أعاتب يا جراحي : قلبي المغدور أم حبيبي الذي غدر ؟"
هكذا كان يردد قلبي كلما استفاق من غيبوبته .. إنه لا يزال لا يصدق .. كتبَ جراحا وجراحا ...كان كلما تكلم خاطب نفسه صارخا " أكتب جراحا" .. ذاك عنوان قصيدة مؤلمة علكم قرأتموه في تلك الغرفة الخالية عند المدخل الرئيسي للبطين الأيمن .. من فؤادي ..عفوا ..ذلك الذي كان فؤادي ..

لأنني منذ اليوم قررت التخلي عنه ..قلبي للبيع .. وهذه هي حالته كي لا اخون أحدا سوف يشتريه . هذا طبعا لو قدر له ان يولد من جديد فيه قلب جديد ..
يا ترى هل قلبي صالح للبيع ..وان كان كذلك فمن يتفضل بصيانته قبل يسكنه بعد أن يشتريه .. علي أفكر يوما أن أعود للسكن فيه مهما كان ثمن الإيجار .. لأنني يومها سأكون متيقنا أن الذي أعاد اليه الحياة الجميلة يستحيل أن يفرط فيه بعدما دفع فيه ثمنا محترما ولو زهيدا .. وأنا أصرح بشرفي أنني مستعد للقبول بأي قرار يتخذه من سيشتريه حتى ولو فكر في تحويله إلى شقق للايجار .
المزاد مفتوح .. وسعر البداية يحدده كل منكم على اعتبار أنه كان قصرا يحلم بارتياده كل عشاق الجمال وتتنافس على سكناه كثير من الأميرات حتى لا أقول كل الأميرات ..
أنا أبيع ... فمن يشتري من من من ؟
--------------------- سليم مكي سليم حينما يمارس شغف الانتظار