المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غرفة



عبد الله نفاخ
25/09/2010, 04:24 PM
غرفة :





صعقتني كهرباء المنظر ، و تكسرت بعثرات شعوري في قارة الصمت ، أترى .... كان لا بد لهم أن يصنعوا هذا الصنع الشنيع ، و يبددوا بجرافاتهم كل هذا العبق الأثيل ؟؟؟



كنت قد رأيتهاغير مرة حين نذهب لزيارتهم في بيتهم القديم الخشن ، عجيبة عليها وقار الزمن ، مركونة إلى جانب البيت وحدها ، قوامها اللِّبن و الخشب ، تتوسط حديقة صغيرة في خاصرة الفناء الريفي ، تميل عليها شجرة صفصاف كبيرة كطفلة تطلب من أمها حنواً ، و من حولها الحشائش و الأعشاب تتسلق جدرانها كأنما تنشد غوثاً من شر ما .



قالوا : عاشت بها العجوز أيامها الأخيرة متفرغة لأذكارها و صلواتها ، فأسبغ عليها هذا القول خشوع الروح ، و هيبة الموت ، و سكينة العبادة ، حتى خُيِّل إلي أن العجوز تطل علينا من بابها روحاً شفافة يكسوها بياض النقاء ، تنظر إلينا من وراء الطبيعة مبتسمة باطمئنان ، و هي ترفع يدها التي خلقت بها السنون رعشة الكبر لتلوح لنا مودعة .



كانت وحيدة في شاعرية الظلام ، مختلية بنفسها بعيداً عن أخواتها غرف البيت ، كالمتصوف السارح بحثاً عن الإلهامات و الواردات العلية ، و الشاعر الذي يدفعه تأمله الشفيف بالكون و أسراره إلى اعتزال الناس و مفارقتهم في مكان يشعر أنه يرى العالم منه بوضوح أكبر ، ويطلع على كنهه المخبأ تحت أردية الواقع المنظور .



و في ساعات الغروب حين تلف الدنيا عاصفة الشاعرية الملونة كانت تبدو كعاشق عذري رمته أمواج الحب عند صخرة بحرية ، فأخذ يحدق في المدى البعيد مستلهماً من توهج لحظات النهار الأخيرة ألف قصيدة حب فريدة المواجع .



كنت أراها وحدها تاريخاً يسرَد، كأن العجوز ما تزال فيها تردد بصوتها الشجي الذي تعلوه خنة الشيخوخة آيات القرآن من مصحف عتيق مهترئ الغلاف ،قاعدة على طرف سريرها الحديدي القديم ، و أشعة شمس الضحى تداعب غرفتها من النافذة الخشبية التي أكلت معالمها تصاريف الزمان ، كأنما تدخل خاشعة لسماع ترتيل الذكر الحكيم .



مضيت أقلب كفيَّ حين رأيت البناء الإسمنتي الذي حل محلها كأخطبوط مفترس أو غول من غيلان الأساطير ، و راحت الأسئلة تزدحم و تشتجر في دماغي حتى أنهكته : أيعقل أن أبناء العجوز لم يكن فيهم من يتحسر على غرفتها التي غادرت الدنيا بها ، ألم يسمعوا صرخاتها و شهقاتها تحت وطأة الجرافات و هي تهرسها ، ألم ير أحدهم طيف والدته يستغيث و يشهر يديه في وجوههم طالباً ترك مأوى روحها الأخير في هذه الدنيا لتبقى تطيف به كلما حنت إليه ، أيعقل أن تتبلد مشاعر الإنسان فلا يحس وقع جريمة فظيعة كتدمير هذا الكنز من الشاعرية و الذكريات .



لحظتها التفت ليطل علي سهل القرية الكبير الواسع و قد آلت أراضيه الخضراء المزدانة بأشجار الثمار على اختلافها أبنية إسمنتية مشوهة و شاهقات تشعر بالقرف والغثيان ، تراكبت فوق بعضها كجحفل من العناكب أو الجرذان ، كم غرفة كغرفة الذكريات ابتلعت ، و كم كتاب من كتب الزمن أحرقت و مزقت، و كم روح من الأرواح الطيبة صاحبة العبق أتعست و أشقت .



وجدتني أبتسم بسخرية مشبعة بالألم قائلاً لنفسي : أليس من فعل كل هذا الإجرام و التشويه بشراً كذلك ، أليسوا ذوي عقول وقلوب مثلنا ؟؟



فرد علي صوت غريب لست أحسبه من نفسي و إن سمعته آتياً من قبلها : بلى .... لهم قلوب و عقول ، لكنها ليست كقلوبنا و عقولنا .



ً

حسن العويس
25/09/2010, 04:59 PM
أحسنت هذه الغرفة رأيتها ورأيت تلك العجوز القابعة بها ، ورأيتُ حسرتها بعد أن أصبحت صناديق مغلقة يعلو بعضها البعض . التفاتة جميلة .

نرجس
25/09/2010, 08:21 PM
راآآئعة جداا
سلمت ,,
ما أكثر الدين شوهوا
حااضرنا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا
بارك الله بك

عبد الله نفاخ
28/09/2010, 05:31 PM
أحسنت هذه الغرفة رأيتها ورأيت تلك العجوز القابعة بها ، ورأيتُ حسرتها بعد أن أصبحت صناديق مغلقة يعلو بعضها البعض . التفاتة جميلة .

شكراً لمرورك أيها الكريم
مرور جميل
و تعليق أجمل
لك كل التحايا

فتحية عبد الحميد المغربى
11/10/2010, 02:23 PM
لاشك سيدى ان العزلة اصبحت تضرب حصارها من حولنا فالحياة فى الشقق الصغيرة او البيوت المغلقة وكذلك بعد المسافة بيننا وبين اهلنا واحبابنا وكثرة المشاغل والهموم التى ترهقنا واخيرا احلال الهاتف النقال والانترت محل التواصل الشخصى كل هذا يجعلنا نفتقد الامان والتراحم فى حياتنا.