المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : للحيطان آذان وأبواق -محمد عبد السلام الحياني



أيوب الحمد
21/09/2010, 08:10 PM
للحيطان آذان و أبواق
1 جلس قرب زوجته يتسامران وقد أسندا ظهريهما إلى حائط يفصل بيتهما عن جيران لهما يسمعان الصوت ولا يريان أحدا فقال لها: أتعرفين يا زوجتي العزيزة ماذا أشتهي وماذا أتمنى ؛ أشتهي أن يكن لدينا معلاق خروف نقطعه ونشويه على جمر الفحم ونأكله معا لا يعكر صفو وحدتنا أحد فاذا بالباب يطرق وإذا بابن الجيران يقول: لقد شممنا من عندكم رائحة شواء معلاق فأطعمونا، فما كان من الرجل إلا أن قال لزوجته :احزمي أغراضك ولملميها وهيا بنا نرحل من جوار قوم يشمون رائحة الأماني ولأني أخاف الأخرين وأخشاهم لهذا لا تراني أتكلم في أي موضوع ولهاذا تراني ألازم الصمت ولا أعطي أي رأي في أية قضية خوفا من سوء الفهم أو سوء التفسير وسوء المنقلب وكنت لا أكاد أثق إلاّ بنفسي وإن كانت لا تسلم من ريب أو اتهام و مع هذا قليلا ما أساررها أو أبوح لها وكنت أتوجس منها خيفة وأرهب جانبها بعد أن رأيت منها ما آثار شكوكي وبعث الريبة في قلبي لقد صارت تحلم وترى منامات التي فيها تشاؤم كثير وفيها قليل من التفاؤل والطموح وأن هذه الأمة سيتغير إلى الافضل وأن الديمقراطية ستنتشر في الحكومات والناس وستختفي الرشوة ويزول الفساد من الدوائر ومن سلوك الناس وسيعيشون بحب
2 ووئام يلتزمون بالقانون ويطبقونه على أنفسهم وسيعم العدل وتعمر القلوب بالحب والحنان ولألفة وسيعتصمون بحبل الله . وهذه الأحلام تخيفني وهذه المنامات تثير القلق في نفسي وصرت أتساءل مامعني أني أحلم وانه صار لي رغبات وأماني وبعض الطموحات والمطالب وأنني صرت أتمنى كذا وأريد كذا وفي هذا خطر جسيم وتغيير كبير قد – وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهمزاته – يهدد أمن الوطن العربي الكبير الممتد من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر أليس الهدر والثورة مما يهددان الأوطان ويعودان بنا إلى عهود من الفوضى وعدم الاستقرار أيام زمان ثم ازداد رعبي وخوفي وتساءلت بقلق ماذا أفعل لو تماديت بالأحلام وطمعت بالمستحيل من الأماني وأنا أحلم أو أقع تحت هذه الكوابيس عندها من يصدق أنه مجرد حلم ومن يثبت براءتي وأنني أحلم رغما عني ولمأستدع الحلم ولم أفكر فيه أبدا حتى أنه لم يخطر على عقلي الباطني بالرغم من حرصي بجعله في حماية شديدة وفي منأى عن هذه الأحلام والمنامات ماذا سأقول لمن تزعجهم أحلامي أو تقلقهم مناماتي وماذا سأقول لهم إذا هم واجهوني بأن الأحلام إحدى الحيل النفسية وهي طريق الرغبات المكبوتة منذ الطفولة كما يقول العالم فرويد وأنها تعبر عن أمنيات لم تتحقق ولم تجد لها متنفسا
3ولم تجد سبيلا للتعبير عن نفسها في واقع الحياة فتسربت عن طريق الأحلام والمنامات في غفلة من مراقبة الوعي والأنا الأعلى بعد أن قبعت طويلا في منطقة اللا شعور وذلك مسلم به في علم النفس وهذا الأمر مخيف لي ويجعلني لا أنام حتى لا أحلم فتراني أقضي الليل يقظا لا تغمض لي عين ولا يطبق لي جفن أساهر نجوم الليل وأراقب طلوعها وأراقب تفورها وأنا بين الترقب والتوجس من مجيء زوار الفجر الذين يشمون عن بعد ويستشعرون عن بعد لهم قرون استشعار في جانبيهم ولوامس حساسة في أطراف أهدابهم واقبية مجهولة وعصي مبلولة فأتبهدل في أخر أيام حياتي وخريف عمري وانا الذي غشت طويلا بلا أحلام بلا طموح بلا رغبات أو مطالب لقد عودت نفسي على الرضا والتسليم بكل شيء ولكل شيء حتى إنني في حياتي اليومية أعتمد على نفسي فلا أطلب من أهلي أو من زوجتي شربة ماء فأنا أعد طعامي وأسقي نفسي وأغسل ثيابي وأحلق ذقني وأنظف حذائي حتى لا أتعلم الطلب أو أستعذب الأوامر لهذا فأنا في حيرة من أمري وأتساءل بدهشة من أين جاءتني هذه العادة المخيفة فصرت أحلم وأرى المنامات وكأن ذلك كان ينقصني وأنا العبد الفقير الذي يخاف من خياله ويخاف الصغير كما يخاف الكبير وأتحاشى أن أقترب من شرطي السير ولا تكابس عيني النظر إلى مسدسه الحربي المعلق على خاصرته وكثيرا ما تساءلت بيني وبين نفسي ما حاجة شرطي السير إلى مسدس حربي أتراه يريد أن يطبق نظام السير بالمسدس أم بالقانون ولكني أعود لأكتم هذا التساؤل وأنه مالي ومال هذا السؤال فالذي أعطاه إياه هو أدرى بحاجته إليه وإلا ما أعطاه إياه
وتساءلت بحيرة أشد إذا كان هذا الرجل صاحب أمنية المعلاق قد ارتحل عن قوم يشمون رائحة الأماني فإلى أين سأرحل أنا عن قوم يرون ما يداعب خيال الذين يغطون في سباتهم من منامات وأحلام وكوابيس.
الرقة
محمد عبد السلام الحياني
2010