المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أوراق حول سرير الذات.



خليد خريبش
16/09/2010, 02:43 PM
كُتِبَ هذا النص في صيف ٢٠٠٧


كنت أزوره من حين لآخر،أقترب من الباب وأضغط على جرس منزله فأقول في نفسي:لا شك أنه نائم وسط ركام الأوراق وبعض الأدوية وقنينات وملابس غير منظمة كفكره،كان يقول دائما:إني متقلب المزاج ، ففي بعض الأحيان تجده يدافع عن فكرة أو اتجاه فكري ويعود في الغد ليدافع عن العكس ،مرة في أقصى اليمين ومرة في أقصى اليسار ،يرن الجرس مرات فأعرف أنه لا يستطيع القيام، فأذهب لحال سبيلي،لأنه يتأخر في النوم للقراءة،أو أمام شاشة حاسوبه، له وضعية جلوس خاصة به،يحتسي قنيناته.
وصلتني رسالة منه إلى هاتفي يقول فيها: صديقي أودعك،إني سأضع حدا لحياتي،إني أريد أن أموت. أترك لك مفاتيح المنزل عند البقال المجاور،كما أني أكلفك بمهة ستجد رسالة مع المفاتيح.
هزني نوع من الخوف في هذا الجو الشتائي البارد،لا بد أن اليأس بلغ منه مبلغا كبيرا،أو أن طارئا حل به،فزاد من اكتئابه فأراد أن يستريح من الهموم،هموم حقيقية وهموم مطنعة،أو أنها تبدو له حقيقية،فيجب أن أتدارك الموقف قبل أن أجده معلقا في حبل،قد يزيد من جرعة الأدوية لينهي حياته.والذي زاد من خوفي عليه أنه أصبح يتكلم عن الموت كثيرا:حيث قال لي آخر مرة التقيته:
إني أريد أن أموت قبل الأوان لِئُؤَبِّنَ نفسي أو أرقد بضع شهور أوسنوات رقاد أهل الكهف.ظننت أني مِتُّ في نيسان ١٩٩٩،لكنه كان موتي الأول،أو موتا نصفيا،وهأنذا أريد أن أموت ثانية في حزيران ٢٠٠٧...
قلت: هي محاولة لرأب الصدع،أم هي مواساة للذات؟،أم هي محاولة لبلسمة جراح الماضي من أجل الإقلاع من جديد؟،المهم أن الفِيدْ بَاكْ ضروري سواء كان مواساة أو عزاءا أو تعبيرا عن الخيبة أو اليأس ...
قال: إني لا أستطيع أن أعيش تجربة وأحكم عليها،ولا أملك المقومات لفعل ذلك،سأترك الحبل على الغارب وأطلق العنان لبحثي عن ذاتي،عن ماهيتي حتى أخرج من نفق الحياة وأترك الحكم للآخرين،هل ينصفونني؟،وما جدوى إنصافهم؟،ولماذا أتساءل عن إنصافهم؟.
صارع الأمواج بحثا عن الأمان النفسي والفكري، كان يتدرع بالبحث عن الأمان كي يهدأ باله ويشعر بالطمأنينة.تمزق حتى اقترب من العاقل الباطن المليء بالوحوش والعيون الحمراوية.لكنه لم يتوصل إلى سبب مأساته.هل صفعة المعلم التي تلقاها وهو ينتظر الدخول إلى القسم أول مرة كما قال الطبيب النفساني ذو اللحية التي تتخللها بعض الشعرات البيضاء؟.طبيب قاس ،نهره حتى اغرورقت عيناه بالدموع :( سد الهاتف الجوال)،تجرع الألم ليهدئ من أعصابه بسيجارة عند خروجه،من العيادة إلى الحانة،الجعة خير من حصص هذا الطبيب القاسي، القسوة في الشارع ،على الحيوانات ، في المدرسة،في الإعدادية،في الثانوية،في الكلية،في الإدارة،في المخفر،في السجون،حتى المساجد لا تخلو من فقهاء ينهرون الصغار...
يتذكر العقرب التي فاجأته حينما كان يلعب وحيدا في طفولته بالأحجار والأسلاك هائما في دنيا الأحلام،التفت ليجدها وراءه،لا بد أن هذه الحشرة المخيفة لها دلالات في المستقبل، نذير شؤم...
كتب في يوليوز٢٠٠٧:
عندما كنت صغيرا،كنت أسمع الناس في القرية يقولون إن العقرب لها سبع عقد تمتلئ سُمًّا وعندما تلسع تموت كذلك،وعندما كَبُرتُ أردتُ أن أفسر الأمر،فخمنتُ أن العقرب رمز أعطاه الناس لامرأة كانت ضحية رجل لصدقها و سذاجتها فانتحرت لتنبعث في صورة عقرب،اختارت أن تنتقم في شخصية هذه الحشرة رغم أني أتساءل لماذا اختارت أن تكون عقربا؟.انبعثت لتؤدي مهمتها وهي قتل الخائن الذي مازال على قيد الحياة، تنتقم منه وتموت ليهنأ بالها.لكنها للأ سف عندما انبعثت لتقوم بمهمتها وجدت أن الخائن تحول إلى نسر،فصارت تلسع كل من أزعجها سواء أكان امرأة أو رجلا أو حيوانا.
قال: الطفولة أحسن فترات العمر،ما يعكرها هو المدرسة،لماذا ندخل إلى المدرسة ونحن أطفال؟،لماذا لا يتركونا نعيش طفولتنا حتى نكبر؟.تمنى لو استفاق ليجد المدرسة قد تحطمت بزلزال،كما تمنى لو أصبح المعلم ميتا،فيهنأ بعطلة دائمة.
كان الخوف من المدرسة يلازمه،أما الخوف من الموت فقليلا ما كان يباغثه في الطفولة ، فحضن الأم ينسيه هذا الأمر.حينما كان طفلا كان يستبق الأحداث ،يتعجل الأمر كي يصبح كبيرا،لكنه عندما كَبُرَ تمنى لو عاد إلى الطفولة ليعيش في طفولة دائمة يلعب مع الأطفال،فكل شي جائز في هذه الفترة،لا نفكر في الموت إلا نادرا.وما الموت؟هل هو انقطاع الأحبال بين الذات والناس والأشياء والعالم؟هل الموت هو الخوف من فقدان كل شيء؟ ،هل نخاف من الموت لأنها مصحوبة بالألم؟. لو كنا نموت بدون ألم ونحن في قمة السعادة لاهتدى عدد كبير إلى هذا الحل لإراحة أنفسهم من الألم.
ما سبب بحثه عن تمزق ذاته،وما الذات؟ هل هي اتحاد مكونات الإ نسان في رحلة الحياة؟أم هي انسجام الإنسان في الحياة مع نفسه،مع محيطه،مع الآخر،مع الأشياء،مع الماضي،مع المستقبل؟...
وما الحياة؟،لقد مات قبل أن يقترب من سراب البحث عنها...
بحث عن الأمان في الدين،بحث فيه عن الطمأنينة،لكنه بالغ في ذلك،الدين محاولة السمو والاقتراب من الكمال...لكنه كان كل ما ذاق الشيء القليل من الطمأنينة تعطش للباقي. تاه باحثا فافتقد حقيقته ليعود للبحث عنها.أم الدين والمعتقد بصفة عامة قالب ملزمون بتقمص شكله؟،ألا يعتبر عائقا في وجه البحث عن الذات وصنع الماهية؟، سؤال اجتره سارتر ليؤسس الوجودية،وحسم فيه نيتشه لينفي الثيولوجية بالمرة. أَمْ أن الإنسان يدعي أنه يتمسك بالثابت ويبحث عن مهرب للتخلص منه كما يفعل جل المسلمين الآن،ليؤسسوا ازدواجية، هو ينبذ الإزدواجية نبذا.الازدواجية ضعف في النفس ،تولد الانهزامية في تناول المعرفة.حاول التخلص منها لكن هيهات،هيهات... الطبع يغلب التطبع، ركن وركن في بعض الأحايين من حياته للثابت وسلم أمره لله،لكن التسليم النهائي بَدَا لَهُ شيئا لا يطاق.
لم يستطع الدمج بين الثابث والمتغير وهو يبحث عن ذاته.لا بد من التضحية بأحدهما ،حاول التخلص من الثابت لكن أفاعي جهنم كانت تخيفه.فيؤول في العشية خائفا إلى حضن أمه:أنا لست كافرا،أنا أخاف جهنم،أتذكرها عندما أدخل الحمام.
النار والشر وما الشر؟أقسى عقوبة هي الإحراق.من الأهون أفاعي جهنم؟النار؟اللامعقول؟العقل الباطن ؟الجنون أهون لأن المجانين لا يحاسبون خلال فترة الجنون.
كان يجد ذاته في الْغَيْرِيَّةِ. الغيرية محاولة لمشاركة الآخر هم تمزق الذات،أم الغيرية سبيل لتحقيق الأنانية؟أم أناه مدمرة.الغيرية اندماج الذات في الغير.الغيري يعطي للآخر قيمة، أم الغيرية انهزامية؟،من ينتقم من نفسه غَيْرِيٌّ مُضَحٍّ،بعيد كل البعد عن الفلسفة.ألا يعتبر جاليلي مضحيا منتقما من نفسه؟بلى.إنه عالم جريئ متشبت برأيه،جاليلي لم يخف وعيد القساوسة.لو تاب وعكف في دير لعطل الإنسانية بضع دقائق أو بضع ساعات أو بضع سنين ، قل بضع قرون ...عدل ابن سينا عن البرهان إلى العرفان آخر حياته ليدشن انحطاط المسلمين ا،هذا ما قاله محمد عابد الجابري.كان أولى به اكتمال المشوار في اتجاه واحد ليواصل من بعده.
يشك بعض الأحيان أن السبب هو أمه،التي كانت تتركه مغطى،نائما في الفراش، لم تعريه للبرد و صفعات الأقران حتى يتعلم ،يكتسب،قل يبني شخصيته،لكنه كان ميالا للخمول،فما بال إخوته لم يعيشوا مأساته؟.ألم يعيشوا في نفس البيئة؟.
هل تمزق الذات قل الازدواجية اختصارا حكرا عليه أم هي صفة مشتركة بين جميع الناس ،قد يكون حالة مرضية قل نشازا،لكن ألم يقل عبد الله العروي إن سبب مأساة إدريس هو إيمانه في نهاية روايته؟.ألم تؤرق الهوية محمد عابد الجابري؟،ألم يقل (إن الحداثة إِنْ لَمْ تَأْخُذْ بِهَا أَخَذَتْك)؟. ٢ها هي ذات تؤرقها الازدواجية لتموت وهي مقسمة إلى نصفين غير متجانسين.
الشرق والغرب،الأ صالة والمعاصرة،الهوية والانسلاخ.إن الفصل بينهما بسيف في الوقت الراهن غير ممكن،فلنعش نحن أجيال ما بعد الاستعمار أو نتعايش مع مرض الازدواجية.ما بعد الاغتصاب،اغتصاب الذات العربية الإ سلامية النائمة،اغتصاب مفاجئ.تستفيق لتتأمل حالتها النفسية والفكرية .انتقال مفاجئ من وضع إلى وضع يصعب على ذات مثل ذاتنا استيساغه.
يروح مساءا ليتوسد رواية العروي أوراق،تصاحبه حيثما حل،يتأمل صورته في هذه الرواية، صورة لمفكر،لقارئ يبحث عن توازنه،الهوية،الضمير،الوجدان ،الوطن،الإ سلام،الهيجلية،النيتشوية وإرادة القوة...
"المثقف يريد أن تكون حبيبته على صورته فيجتث الحب من منبته"(٣)هذا ما قاله عبد الله العروي.
"هذا هو المثقف في حالة غروره وجبروته.أما في حالة استكانته وخنوعه فإنه يفعل ما فعل راسين وروسو وديدرو..
يعادي الجمهورُ الفكرَ فينساق المفكر ويعادي نفسه.يقبل حكم الغير فيه،ينتقم لغيره من نفسه،يؤدي ثمن جرأته على المعرفة،يتواضع لأنثى أمية تقوم بشؤونه ولا تشاطره همومه.هل من حل غير اليأس٤؟"هذا ماقاله عبد الله العروي.
لماذا ينتقم المثقف من نفسه بهذا الشكل؟لأنه مهما تفلسف فهو وليد محيطه،لا يستطيع التخلص من سلطة الآخر.لا يستطيع أن يقاوم أكثر من طاقته،فهو لا يملك كبسولة للسفر في الزمن،لأنه مغرم بالواقع،منه يستلهم أفكاره،هو منه وإليه.إن أقصى ما يلتجئ إليه هو العزلة كتمنع ضد سلطة الآخر،يقبل حكم الغير لأنه إنسان ،ليس فكرا فقط.
مات ابن رشد منعزلا،أدى ثمن جرأته على المعرفة.من ينصف الجريئ ؟إنه الزمن...
***
ينتحر الإنسان حينما يخرج عريان أو يبدو كذلك في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد،مجتمع يحكمه الثابت.هل يواصل المسيرةأم يتراجع أم ينتحر؟
إذا أكملها عريان فهو بريئ شجاع.
إذا انتحر يكون بطلا تراجيديا،قد يخرج بعض المتحمسين وراءه للفكرة.أسس صدام حسين الصدَّامية وخلدها حينما أزال الغطاء عن وجهه في وجه التاريخ.لو فعل فلاسفتنا ومفكرونا ومثقفونا نفس الشيء عبر تاريخ الفكر الإسلامي لما عرفت الحضارة الإسلامية الكبوة.لم يكمل مفكرونا حياتهم مرفوعي الرؤوس ،أكملوها في خلوة .
قبلوا حكم الآخر فيهم ليدشنوا الانحطاط:اللامعقول،العرفان،لينشروا الهرمسية ويشيعوا الإيمان بالخوارق بين الناس ،هذا كلام يقوله إنسان يقيم في بيئة دينية متشددة أما هو فيعيش في بيئة متفتحة؟لكنه معني بالأمر.
قرأ لعبد الله العروي:هنا لا أحد ينفلت من قبضة الجماعة.
أما هو فقال:هنا لا أحد ينفلت من قبضة الآخر.
كتب يوما ما،عندما كان يمر من أزمة كادت تودي بحياته:
الآخر يتحكم في الأذهان، في التصرفات،نتحرك وفق رغبة الآخر،لا مفر من الآخر، لا مفر من الجحيم...
قرأ لمليكة مستظرف:...لم يكمل حديثه...
إن سبب مأساته صفعة،صدمة،في الطفولة،في المراهقة...طفل،رجل،امرأة...مازال يبحث عن تاريخ الصفعة.
قد يقول البعض:هذا كلام من لم يعبر الكيلومترات المعدودة إلى الضفة الأخرى،هذا كلام من يعيش منزويا في غرفة،لكنه قرأ حيوات الآخرين، تجاربهم،قارن،حلل..بطبيعة الحال فهو لن يهتدي إلى الحل،لكنه اهتدى إلى
أسئلة قد تكون مفاتيح لأبواب كثيرة ،لا يعرف أي منها يدخل لاكتشاف أشياء قد تريحه قليلا.
لو عبر الضفة الأخرى لازداد اعتزازه بإ سلامه وأمازيغيته و عروبته.
الاعتزاز بالنفس خارج الوطن ما هو إلا حنين وشوق لمعانقة البلد المحبوب،فجل من عادوا إلى الوطن من الغربة أحسوا باغتراب في بلدهم،بل هناك من رجع إلى أوروبا فارا بجلده من جحيم الواقع ،المحظوظون منهم يعيشون البيئة الأوروبية في مراكز حضرية كبيرة في المغرب.
هذا إنسان مغترب لكنه إنسان يبحث عن الحل لمعضلات البلاد،علله،أمراضه،يبحث عن العلاج في أي مكان.
يبحث عن الخلاص من الفقر الذي يعيشه أبناء الوطن البؤساء ،إنسان عاش في الأسفل،هو منه وإليه،مغرم به،لا يسعد إلا حينما يسعد الجميع.
تستفزه العبثية،اللامبالاة،فرار أبناء وطنه في زوارق إلى الضفة الأخرى،تحمسهم لأخذ جنسية أجنبية مقابل بيئة يحققون فيها طموحاتهم وأحلامهم لكنهم تمنوا ويتمنون لو حُقِّقَتْ في بلادهم،يفرون من بلاد آمنة ولكن الأمن لا يكفي،يتألم حينما يرى ابن بلده يَمُدُّ يده لسائح أجنبي يحمل آلة تصوير،تمنى لو شَابَ الْوَاقِعَ تحوير.
تمنى لو عنون تأبينه بأبكي في بلدي المحبوب كما فعل آلان باتان ٥*قل أتألم في بلدي المحبوب،قل أقتل نفسي في بلدي المحبوب،قل أنتحر...
ليس لأنه بئيس ،أو يتصنع المأساة،كان بإمكانه أن يعبر الضفة الأخرى ويعيش بأوراق إقامة في دولة أوروبية،ينسى،يتزوج،ينجب أولاد،يفعل ما كان يسميه أتفه الاشياء ،وقد يعود إلى الوطن أو لا يعود ،لكنه اعتبر ذلك فرارا ...أجبن الحلول،أغبى الإختيارات.
لقد آمن بالتغيير وسيبقى مؤمنا به،وما قتله لنفسه في هذا الوقت إلا محاولة لتغيير الخطة.
رأى أن خلاص وطنه في العودة إلى أول الدين،فالدين عامل وحدة،الدين في كل مكان من الوطن،في المدارس ،في المساجد،في الجنائز،في المحافل..بإمكاننا محاربة الأمية باستغلال هذا المعطى.
من الأكثر المدارس أم المساجد؟
قال غير ما مرة في نقاشاته إنه يمكن استغلال المساجد لمحاربة الأمية.
وهو يركز النظر،
قسمات شكري،زفزاف،
نظرة العروي التي تبدو فيها العقلانية،
عقلانية يفتقدها العربي، قال فيه أحد المفكرين الفرنسيس :فلتة في تاريخ المغرب…
الزمن يتجعد،
الشباب يتآكل بفعل الأكسدة
وضباب التخلف
واليأس .
ويتذكر درس التاريخ الملفق: سكان المغرب الأقدمون هم البربر قدموا من اليمن،
إنها إيديولوجية الحركة الوطنية.
ولماذا لا نقول هبطوا من إسبانيا، قل شبه الجزيرة الإيبيرية؟ درس فَبْرَكَتْهُ٦ السلفية التي تربت في الشرق لتختزل تاريخ المغرب في أربعة عشر قرنا،تتلمذت السلفية المغربية على الوهابية المشرقية،إيديولجيتها لم تكن قصدية،رأت مستقبل المغرب في توجهاتها،أبو شعيب الدكالي،علال الفاسي،حزب الاستقلال،الهوية،الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،التضحية،المكتسبات الحقوقية،الحصيلة:الأمية،ريح الإرهاب،الازدواجية الفكرية،الفقر،الفرار نحو الضفة الأخرى...ربما أن نظرته تشاؤمية،لكن هذا ما قاله الأسفل.
لا يشن هجوما على الحركة الوطنية،لكن حركية المجتمع والأحداث تفرض مساءلة التاريخ،الشرق يتخبط في عنف دموي،دولة العراق قضت على الأمية وبين عشية وضحاها نرى ممارسات الجاهلية،قطع الرؤوس،انتشال الجثث ورفسها...دول ما يسمى بالعالم الثاني انتقلت من الاشتراكية إلى اقتصاد السوق بشكل سلمي ،تجاوزت العنف والثورات،أم أننا نعيش ماضي الحضارة الغربية؟.
***
تساءل غير ما مرة،قال لمرافقه،تخيل معي لو لم يدخل موسى بن نصيرإلى المغرب،لا يقول فَتَحَ ولا يقول غزا،قاوم الأمازيغ الرومان والوندال والبيزنطيين وقاوموا المسلمين بضراوة،فهم لم يدرسونا تاريخ مغرب ما قبل الإسلام،يخافون التفرقة،أم يخافون التعددية،أم أن المغرب لم يصل بعد إلى مستوى التعددية وممارستها في سلام،هاجس العنف وارد،فمقابلات كرة القدم تكمل بالعنف،بل مقابلات برامج قناة الجزيرة القطرية تكاد تصل إلى ما لاتحمد عقباه،هذا ما حكم به على الأنتلجنسيا.
لو لم يدخل موسى بن نصير لدخل الترك،ألم يحاصروا فيينا؟، عدد من سكان النمسا الآن ملحدون،لو لم يدخل لفعلها الترك ، لو لم يدخل لتنصر المغاربة بالحملات التبشيرية،هذه تساؤلات،قل تخيلات،قل،استيهامات،لو،لو...
دخل موسى بن نصير وعبر طارق بن زياد نحو الأندلس وأحرق السفن،لِيُؤَسسوا الثابت في أذهان المغاربة،في عقول المغاربة،في قلوب المغاربة،لنلتفت قرونا نحو الشرق،بيان الشرق،عرفان الشرق،علوم اشرق،بابل،آشور،فلسطين...
الأندلس عرفت نهضة فكرية،ألا يعتبر ابن رشد أكبر العقلانيين المسلمين؟ربما أن أندلس الشرق هي إنجليز الغرب.قامت البروتستانتية في أنجلترا لأن هذه الجزيرة بعيدة عن البابا، صارت إنجلترا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ،قام مارتن لوثر ليطالب بالإصلاح لأنه بعيد جغرافيا عن البابا. صارت ألمانيا محور الفلسفة العالمية.نشطت الأندلس لأنها بعيد عن مكة.هلا استغللنا هذا المعطيات لنصنع شيئا ما.
تَدَخَّلَ في محاضرة ألقاها أحد الناشطين الأمازيغيين:لدي ملاحظة هي أن الأستاذ الكريم باختصار يحاسب التاريخ لتأصيل فكر سياسي للحركة الأمازيغية متغاضيا الظروف التاريخية، متغاضيا الأمانة العلمية والموضوعية،إن التأصيل الفكري للحركة الأمازيغية المعاصرة لا يعني محاسبة التاريخ؟
هذا الأستاذ يرى الماضي بعين الحاضر،له الحق في فعل ذلك.لم يدر الأ ستاذ أن حركية التاريخ والأحداث محليا وجهويا وعالميا هي التي شكلت الوعي لديه بهذه المطالب،أو أن الوقت حان لانبثاق أنا يخلق هذا الوعي.
الثقافة الأمازيغية مهمشة في المغرب دون شك،ينبهر المغاربة بقنوات تفسير الأحلام،تذيع الخزعبلات التي تكبل العقل، لو أذاعوا كتاب تفسير الأحلام لفرويد و أفهموه للعامة لكان أحسن،ويؤ سسون لتفاسيرهم من الدين،
أين الفضائيات الأمازيغية باللهجات الثلاث؟أين الموسيقى الأمازيغية؟الشعر الأمازيغي؟القبائل الأمازيغية؟هناك من يعرف أخبار القبائل البائدة في شبه الجزيرة العربية؟ربما أنها من صنع خيال المؤرخين.ولا يعرف قبائل لا تبعد عنه بكيلومترات معدودة.أم أن لها علاقة بالثابت؟.
حاوره أحد أصدقائه وهو مخمور:
ماذا تمثل لك العبارات التالية؟
طلوع الشمس :
طفل في البادية يريد أن يذهب إلى المدرسة ويخاف أن يضربه المعلم.
المطر:
هو الوحل،هو الفلاح ،هو الشعر المبلل.
صوت الرعد:
يخيفني
الليل:
عالم يجمع بين المتعة والألم والخوف والأشباح .
البحر:
أتذكر صديقتي عندما أتأمل البحر.
الوحدة:
أحبها وأخافها.
المرأة:لا أدري ما المرأة؟لا أدري ماذا أقول؟بعيدة المنال،قريبة المنال في نفس الوقت.
المدرسة:
وحش
الابتسامة:
أحب الابتسامة الحزينة...وقهقه
الصداقة :
أجمل الأشياء وأتمنى أن تكون طفولية.
الشيخوخة:
أخافها وأكرهها،كما أكره الموت.
السعادة:
أحب الشيء القليل كي أنعم بالشقاوة.
الفقر:
الفقر،الفقر... صديقي لكني أخشى إن أصبحت غنيا التناقض مع أفكاري ومبادئي.
الوطن:
جريح
الغربة:
عش غريبا أحسن من أن تعيش في بلدك حتى يبقى الوطن عزيزا.
الموت:
إني أخافها يا أمي،إني أخاف جهنم،إني أخاف أن أموت.
الدموع:
أحسن الأشياء وأحلى الأشياء وأجملها...وأحسن أن تكون دموع المرأة،أحب دموع النساء.
قصيدة شاعر:
قلب جريح.
البادية:
التراب،الضريح،العجائز،الجلباب،المحراث(يرفع أصبعه)التجاعيد،الحيوانات تحتضر،الدجاج يموت،العظام،الأوكليبتوس،الأجسام الهزيلة،المقبرة...
السجن:
نحن مسجونون رغم أننا طلقاء .
الإرهاب:
أنا مريض بالرهاب وبالتالي فأنا أخاف الإرهاب.
التطرف:
التمنع،امرأة تتمنع من مغتصبها.
الطفولة:
عندما كنت طفلا كنت أفكر في بعض الأحيان في الموت وأبكي، لكني لا أريد أن أموت،لذلك فأنا أتمنى أن أبقى طفلا حتى الموت.
المرض:
المرض،المرض...هو عدو يكبلني.
النجاح:
عنندما أنجح أبكي.
الفشل:
جرح هو زادي.
التخلف:
سبب تعاستي.. قهقه ثانية لتتردد في أرجاء المكان مكسرة سكون الليل.
هذه الورقة من مذكراته :
) تقف سيارة،يدخل مدير المؤسسة،تدخل شابة،الظاهر أنها المدرِّسة التي ينتظرها التلاميذ.مبهوتة تكتشف عالم جديد،كلب هزيل أمام بابٍ سقط أحد مصراعيه،ربما أنه يبحث عن شيء يسد به رمقه،ربَّما قد يجود عليه أحد العاملين،قد يَرِقُّونَ لحاله،كلب فقد شعره بسبب بعض الأمراض.المدير كأنه يريد أن يغير الواقع في رمشة عين يدخل،يخرج،يبدي اهتماما بشيء ما.
الجميع في قاعة لا تبشر بالخير،تناقشوا تباحثوا لإيجاد حل توافقي يخص التوقيت وأشياء أخرى.
جلست أرقب المشهد بعدم اكتراث،تأملت مَلِيًّا كيف يفاتح المدير بأولى عباراته التلاميذ،دخلت الأستاذة القسم المهترئ،دخلت أنا كذلك،فالمستويات مشتركة،النوافذ مكسرة،التلاميذ بؤساء ،لكني أرفض هذه الكلمة جملة وتفصيلا،فالبؤس كذبة،والفقر جريمة،اختلقها الأغنياء ،البؤساء سعداء ،والفقراء أغنياء ،والنعوت نسبية،في زمن نهب الحقيقة.
الاجتماع الإنساني يستعبد ضحاياه،عبيد الأمس هم سادة اليوم،إِذًا فالنعوت نسبية.
قلت في نفسي:تخيل معي،نفس التلاميذ في نفس السن،في حي راق،أبناء المحظوظين أو الذين أغلبهم يتقنون الخداع من أجل تحقيق المكاسب الشخصية يعاملون معاملة خاصة،من يرى هؤلاء في ملابسهم الجميلة،والبيئة الأنيقة،يحبهم دُونَ شَكٍّ،يتمتعون بعطف الآخرين،حب الآخرين،حب المدرس نفسه،من أين أتى هذا العطف؟
العطف نسبي،الحب نسبي،يستفيد منه الذين لا يستحقونه،ويفقده من يحتاج إليه.
لماذا لا يستفيد أبناء الأسفل كذلك من نفس العطف؟ما ذنب هؤلاء ؟
ذنبهم أنهم ازدادوا في هذه البيئة اللعينة،أن آباءهم لم يأكلوا من غنائم الدولة،دنبهم أن آباءهم يكدون من أجل لقمة العيش.دنبهم هو انطباق لفظة البؤس عليهم.
قلت للأستاذة :في اعتقادي الضعيف أن نظام التعليم العمومي في المغرب بشكله الحالي هدر ومضيعة للوقت،النتيجة أن المغرب لم يقض أو لم يخفف من نسبة الأمية منذ حوالي نصف قرن بعد الاستقلال رغم ما يبذل من جهد.
وبهذه المدارس المشتتة في القرى النائية لن تنقذ الفتاة القروية ،والمرأة القروية معيار التنمية.بتمدرس الفتاة القروية تتكسر البنيات التقليدية للمجتمع المغربي، البنيات التي تقف حجر عثرة ضد كل مشروع تنموي،ديموقراطي..
إننا أحوج ما نكون لمراكزتربوية عوض هذه المدارس المشتة لتستقطب كل أطفال البادية ،توفر لهم وسائل التربية والتعليم والتغذية والترفيه، يقضون جل يومهم فيها،تقلهم وسائل نقل إلى منازلهم،مراكز يشرف عليها مدراء يديرونها بشفافية.
سكتت قليلا وقلت إن الأمر يحتاج إلى حكومة قوية،وهذا الأمر يحتاج إلى وزارة أولى حقيقية،ووزير أول بما في الكلمة من معنى(.
ارتبط تعبيره بالخيبة،خيبة الوجدان في منعرجات كادت تودي بحياته،أو أنها أودت بحياته،مات مرتين،قل ثلاثا .كفن جسده،دفنه،أَبَّنَ نفسه تأبينا يليق بمقام الذات عنده.استفاض في كشف ملابسات السقوط.
وجد أن القلب والعقل يطغى واحد على الآخر،يحن القلب فتسقط الذات فريسة تتخاطفها النسور،يتنمط العقل فيقسو القلب ويتحجر.
ارتمى نِيتْشِه على فرس ليحميه من سوط صاحبه الذي يضربه بقوة فكانت بداية جنونه،ليعلن حُبَّهُ المضمر لزوجة صديقه الموسيقي،تحجر قلب فيلسوف،إرادته،عُلُوُّهُ،تعاليه.لا توازنَ مطلقٌ للذات.التوازن مفقودٌ لكن السعي إليه مطلوب.
لم يمت صديقي إنما كان موته مجازيا فقط،تُرَى هل كنت أليقَ بتأبينه؟أم أني أجحفت في تفسير صحائفه،حاولت ما أمكن أن أجعله في مقام يليق به،ذكرت محاسنه ومساوئه،حللت،ناقشت...أتمنى أن لا أكون قد قتلته .
***
١-نحن والتراث،محمد عابد الجابري،١٩٨١
٢-محمد عابد الجابري*حوار المشرق والمغرب*ص٦٨ـ٦٩ـ٧٠
٣-أوراق،رواية لعبد الله العروي.
٤-نفس المصدر.
٥-رواية للجنوب الأفريقي آلان باتان.
٦-أصل الكلمة fabriquerالفرنسية.

محمد يوب
26/09/2010, 03:01 PM
قصة جميلة تغرف من الواقع لتعكسه في قالب جميل يجمع بين المقالة الهادفة و الخاطرة البليغة.
مودتي

خليد خريبش
30/09/2010, 06:22 PM
مشكور أخي الكريم محمد يوب،دمت في خدمة الإبداع العربي وإقامة طيبة في مهرجان كيسر،مرحبا بك في أولاد سيدي بنداود.تحياتي الأخوية.

عبدالرحيم الحمصي
01/10/2010, 07:18 PM
القاص الجميل خليد ،،


سافرت مع حرفك المؤرخ لمغربنا القديم و الحديث
بكل جمالياته و جراحاته التي لا يراد لها الاندمال
و قد وفقت على حقائق فعلا كانت غائبة عني ،،،


شكرا لك أخي على هذا التذكير القوي
و أتمنى لمغربنا لحمة دائمة
في ظل الاعتراف بالآخر
لأنه مكون تاريخي حقيقي
لا زيف فيه ،،


محبتي



الحمصــــــــي

خليد خريبش
02/10/2010, 05:22 PM
أخي الكريم عبد الرحيم،نورت المكان،دمت إشعاعا في الأدب العربي.تحياتي.

محسن العافي
11/11/2010, 12:47 AM
ما أقدرك أستاذي على تقديم الحقائق والأشياء الخفية على ورق فوق طبق مرصع وكأن ما كتبت خط بماء من ذهب.
دام عطاؤك وصدق قلمك

خليد خريبش
11/11/2010, 03:41 PM
تحياتي الأخوية لك أخي محسن العافي،دمت في خدمة الإبداع العربي،دامت لك الصحة والعافية.