المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من وحي عمرة رمضان



عبد الله نفاخ
02/09/2010, 01:35 AM
من وحي عمرة رمضان





حين يقف أولئك الملايين من البشر في تلك البقعة من الأرض ، التي تضم أول بيت وضع للناس مباركاً ، و يتجهون جميعاً إلى ذلك البناء الحجري المجلل بالسواد ، فيما تتوجه قلوبهم و عقولهم إلى خالقهم و خالقه ، الواحد الأحد الذي لا يحده مكان و لا زمان ، و لا يدركه بصر و لا يحويه حجر ، فتنقل المصورات و الروائي لنا هذا المشهد المهيب ، أقول في نفسي : أي إرادة علوية تلك التي سخرت لمكة كل هذا التعظيم و التبريك ، و جعلت الناس من مشارق الأرض و مغاربها يتسابقون ليفوزوا بموطئ قدم فيها في هذه الأيام المباركات .


لو لم تكن اليد الإلهية هي صانعة هذا الاجتماع لما حازت هذه البقعة الصغيرة الضائعة بين رمال الصحراء تلك الأهمية البالغة ، و التأثير العجيب في قلوب كل أولئك البشر على اختلاف منازلهم و أصولهم و مشاربهم ، فأتوا يخبون إليها خطاهم ، و الشوق يحدوهم ، و الإعجاز الإلهي يخبر بحالهم { و اجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } ‘ فلعل أعظم دعوة استجابها الله لنبي في التاريخ هي دعوة إبراهيم تلك ، فعلى مر القرون لم يشهد مكان مقدس في العالم من التعظيم و شد الرحال ما شهد المسجد الحرام ، على بعده و نأيه ، و افتقاره لوسائل الراحة قديماً ، و ما كان يتوقع الوافد إليه من أهوال قطاع الطرق و وحوش الصحراء و مفاجآتها المرعبة في طريقه ، لكنَّ شعوراً غريباً كان يحمل القادمين على مركب الشوق السارح في دنيا المحبة و العشق للذات الإلهية ، فينسيهم كل ما يلقون أو يتوقعون أن يلقوا ، و يشد عزمهم للسير في درب الإيمان و العبادة و الطاعة الموصل إلى مكة ، خير بلاد الله ، و أحبها إلى قلوب المؤمنين به .

و الكعبة التي يتوجه إليها المسلمون ليست رباً يعبد من دون الله ، كما يظن بعض الجهلة أو السفلة ، بل هي شعار لتوحيد الكلمة الواجب بين أصحاب الشهادة الواحدة و القبلة الواحدة ، فكما يجمعهم معبود واحد و قبلة واحدة ، ينبغي لهم ان تكون كلمتهم واحدة ، و أن تكون مستمدة من شعارهم الذي ارتضاه الله لهم قبل بدء الأزمان و الدهور { و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى } ، و أن يكون الحج أو العمرة بعداً عميقاً في نفوسهم و حياتهم فيتحدوا به ، و يكونوا كأنما خرجوا اللحظة من بطون أمهاتهم ، ليبتدؤوا عهداً جديداً مع خالقهم الذي سعوا إلى بيته حاجين ‘ فوجب عليهم أن يبقوا على العهد محافظين ، و في طاعتهم إياه صادقين .

و العمرة الرمضانية التي يتهافت عليها الناس تهافتاً ، هي حالة من الجمع العجيب بين قداسة المكان و قداسة الزمان ، وصولاً بالروح إلى تجليها الأقدس الذي لا يكون إلا بإتمام الاهتداء بهدي الله عز و جل ، و السير وفق التشريعات الربانية ، فبهذه العوامل مجتمعة تصل الروح إلى غايتها التي خلقت لأجلها ، و أمر ربنا بالوصول إليها و السعي نحوها .

و في خشوع المؤمنين خلف إمامهم و هو يرتل عليهم آيات البيان الإلهي متهجداً في ليل مكة واسع المدى الذي شهد قبل مئات السنين نزول الوحي على قلب الرسول الأمين في أيام كهذه الأيام ، و ليال كهذه الليالي ، تجرد كامل نحو العبادة الخالصة للإله الواحد القيوم الصمد ‘ المتجلي على عباده في وقفتهم مخبتين له ، لائذين برحمته ، متواضعين لسلطانه ، خاضعين لربوبيته ، مقرين بعظمته ، مؤمنين بقيوميته ، راضين بحكمته و قضائه و قدره .

و هؤلاء الطائفون حول البيت العتيق ، المشابهون في دورتهم لدورة الأفلاك السيارة ، و الجواري الكنَّس ، ليثبتون أن في هذه الاستدارة رمزاً لحركة الكون كله ، الذي تطوف فيه الكواكب حول نفسها ، و حول الشموس و النجوم ، ممعنة في الخشوع و التضرع لرب الأرباب ، المالك الملك ، الحاكم الذي لا راد لحكمه ، و الذي كل الخلق إليه راجعون ، و به معتصمون ، و دونه لا يكونون و لا يعيشون .

رباه .... أسألك في هذه الليالي خيراً لهذه الأمة كلها ، عفواً عن مسيئها ، و زيادة في صلاح صالحها ، و نصراً مؤزراً على أعدائها ، و أن تنيلها من كل خير ، و تصرف عنها كل شر .... إنك أنت الحليم القدير العظيم المجيد .

خليد خريبش
02/09/2010, 02:13 PM
بحث عجيب في مسائل إيمانية كهاته،أشجعك تأتي بالجديد،تحياتي الأخوية والجذير بالذكر أن الكتابة الأدبية في هذه المواضيع سواء شعرا أم نثرا شَيْءٌصعب وكان ابن القيم إذا بحث في مسائل مثل هاته أتى بالعجب العجاب لما حباه الله من موهبة وعلم وملكة لغوية.،تحياتي.

بنت الشهباء
02/09/2010, 11:50 PM
نفحات إيمانية صادقة تلوتها هنا على مسامع قلبي

أخي الكريم عبد الله نفاخ



ويالها من نفحات سامية ، ووقفات صادقة نرجو من الله وندعوه أن نكون دائما بالقرب منها ...

ولا أكتم عليك يا أخي أن رسالتك هذه أعادتني إلى هناك ...

حينما كنت أنطلق بسرعة البرق لزيارة أطهر وأعظم مكان عرفه تاريخ البشرية

واسمح لي أن أدعوك لزيارة هذا الرابط



http://merbad.net/vb/showthread.php?t=15594&highlight (http://merbad.net/vb/showthread.php?t=15594&highlight)=

محسن العافي
11/09/2010, 10:28 AM
كل الصدق في نصك هذا بل في كل ما قرات لك من نصوص عظيمة ،فالسمو صفة من صفاتك أيها الصديق ولم يخطئ توقيعك،أقول إنك تملك لغة جميلة بليغة ومتماسكة ،تجعلك تخوض في المسائل الايمانية والغيبية وتعطيها قدسيتها
سلم اليراع أخي الأستاذ عبد الله وكل عام وأنتم بخير