المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة ذاكرة خيط



طارق شفيق حقي
16/08/2010, 12:49 AM
ذاكرة خيط



لم أكن أدرك أني سأكون ضعيفاً أمامك أيها الخيط الصغير ، أحياناً أظنك قوياً وأظن أن لبس السترة الجديدة يعني خيطاً متيناً ، فتتملكني الثقة وأشد كتفي كيفما أشاء فأسمع صوت تمزقك تسخر مني وتحرجني.

أحياناً أظنك ضعيفاً والزر المهزوز أوشك على السقوط ، لكنه يبقى سنوات طويلة مهزوزاً لا يسقط ولا تنقطع، أنت تعاندني ، تتحدى ظنوني وتهز ثقتي بالأشياء.

كم تجمعنا أيها الخيط وكم تفرقنا وكم تسترنا وكم تعرينا
إن الخيوط حيلنا نشدها دون أن نعرف ، أسرارنا نعقدها ونخفيها .

في جيبي خيط صغير ، خيط لا فائدة منه ولا فائدة فيه
ماذا أفعل بك أيها الخيط وأنا أشتم رائحة الاسفنج المتعفن في المدينة الجامعية أيام تسليم الطلاب لأمتعة غرفهم، هل أهديك حبيبتي ، هل ستفهم كل الأسرار التي بحتها لي ، أم أن النساء لا تفهم لغة الخيوط اللاذهبية.


أحسست أن جيبي يحكني ، ولا أعرف جيباً غير جيبي يحك على الأقل لم أسمع أحداً تكلم عن ذلك.

كنت كلما حكني جيبي ، وضعت يدي فيه أبحث عن النقود التي فيه ثم أصرفها ظناً مني أن النقود إذا بقيت في الجيب تحك صاحبها ، عاد الحك قوياً ، مشيت شوارعاً كثيرة وقد أغمدت كلتا يديّ في جيبي، وما إن أخرجتهما حتى عاد جيبي يحكني ، مددت يدي وقلبت جيبي حتى أخرجته لم يكن فيه أي شيء ، غير خيط هارب من مخيطه
سحبته فانسحب ، رفعته أمام عيني ثم فتلته ، ما أكثر ما تحك الخيوط هذه الأيام.
أعدته لجيبي وعدت لغرفتي
في الغرفة سحبت إبرة وهممت بخياطة جيبي بذلك الخيط الهارب
بللته بلعابي مرة ثم أخرى ، ثم رفعت الإبرة مدققاً فيها ملياً ثم مررت الخيط بدقة ، سمعت صوتاً يقول : أأخ
نظرت في أصبعي ظناً أن الإبرة طالته
ثم أعدت الكرة فعاد الصوت : أأخ.

نظرت في الإبرة هذه المرة ، أول مرة أعرف أن الإبرة تتألم من وخز الخيوط.

صاح الخيط : آخ من هذا الزمان
فرفعته أمام عيني وتأملته وقد أحنى رأسه ، لا أعرف أكان لعابي أحناه أم هو الزمان.
ما بك أيها الخيط تشكي زمانك.

فأجابني وقد تمايل طرباً : وما نفع أن تخيط جيبك ولست تملك نقوداً تضعها فيه.

حاولت كثيراً أن أمنحك دفء النقود لكني لم أسبب لك إلا الحكة ، وهل يدفئ خيط ضعيف مثلي يداً كبيرة مثل يدك.

تمددت على ظهري ورفعته أعلى عيني: لا عليك أيها الخيط فأنت قد أصبحت ونيسي.
فأجهش بالبكاء ، قال :كم تمنيت لو استطعت ربط علاقتك بها ، لقد غادرتك ولا أظنها تعود
أطرقت صامتاً وقد حرك الخيط مواجعي
كيف لي أن أصارحها وأنا لا أملك شيئاً، كيف لي أن أعدها وأنا لا أملك غير هذا الخيط
وبقيت أتأمل الخيط الدقيق طيلة ليلتي.

في اليوم الثاني بحثت عنها ، حين رأيتها ، طلبت محادثتها، كانت تنظر بعيداً لا تتأمل مني شيئاً، ماذا أقول لها وأنا لا أملك حرفاً واحداً أكلمها به ، ماذا ينفع الحب في هذه اللحظات ، شعرت أنني سأنسحب مرة أخرى، حكني جيبي
فقلت : آآه ، نظرت فيّ مستغربة.

قلت : انتظري
مددت يدي في جيبي ثم بحثت عنه : هذا هو.
أخرجته ونشرته في الهواء وقلت لها هذا هو.
نظرت باستغراب ودهشة.


جذبته لفمي ثم قضمته حتى قطعته نصفين ، فصاح : آآآخ ، فديتك.
فأمسكت يدها ثم ربطت أصبعها بطرف الخيط كخاتم دقيق جميل.
وأعطيتها الجزء الثاني ، نظرت فيّ مستغربة ، أومأت لها برأسي
نظرت فيه ثم فيّ ثم أمسكته وربطته على أصبعي بخجل وقد ازدان خدها بحمرة جميلة، آآ ه ما أجمل النساء حين تزين الخيوط أصابعهن.
فقلت في جيبي : الحياة أحياناً لا تحتاج لأكثر من خيط.


طارق شفيق حقي

فطيمة عزوني
16/08/2010, 03:55 AM
السلام والرحمة.....
أعجبتني ايحاءات القصة كثيرا........فالحياة الإنسانية كلها عبارة عن خيوط.......خيط أمل ، خيط مودة.....إلا أن بعضها موثوق جدا والبعض الآخر يكاد ينفلت.....
ما أعيبه هنا جملة واحدة فقط وهي :"أم أن النساء لا تفهم لغة الخيوط اللاذهبية"!!!!!!!!!!!!!!! :006:
من قال لك ذلك يا أستاذ طارق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
تقدير يرقى ليليق

خليد خريبش
16/08/2010, 01:40 PM
القصة جميلة،وهي ليست قصة قصيرة جدا ،بل قصة قصيرة فيها تقديم وعقدة وفك عقدة أو تنوير،وسأحاول إن شاء الله توضيح هذه الأمور لأني لاحظت أن لبسا يعتري كلمة عقدة بالنسبة لعدد من المهتمين بهذا الفن الأدبي.
التقديم

لم أكن أدرك أني سأكون ضعيفاً أمامك أيها الخيط الصغير
أول ما يتبادر للذهن أن الكاتب يتعجب من حاله مع مخاطبه الخيط وبذلك يشركنا في هذا التعجب حتى ندخل في سياق الحكي ،يشوقنا لذلك حتى نستأنس بالفضاء الزمكاني والمتخيل الذي يشتغل عليه.
ومع توالي الأحداث وانسيابها تدرك أن الخيط ما هو إلا وسيلة إيحائية تجعل الكاتب يسترسل في حكيه لما مضى من أحداث تَحَرَّكَ لها وجدانه بحلول اللحظة الإبداعية والتي تمخض عنها إنتاج هذا النص السردي .
العقدة
هي المأزق الذي أدخلنا فيه الكاتب إلى ماذا ستفضي مناجاته لهذا الخيط؟ماذا سيترتب عن ذلك؟وما بال الإنسان والخيط؟وهلم جرا...
إذن فالعقدة هي التي تجعل القارئ يتابع وكلما أدخلت القارئ في السياق كلما كان اتحاد المبدع والمتلقي كبيرا والتفاعل ناجحا والتأثير والتأثر مثمرا.
فك العقدة أو التنوير.
denoeument
إراحة الذهن بكون الخيط ما هو إلا الخيط الرابط بينه وبين محبوبته أو المشترك بينه،وهي علاقة فيها ما فيها من التشابك بل هي جزء لا يتجزأ من هموم الإنسان وانشغالاته وهي حاضرة شئنا أم أبينا في الإبداع الأدبي.
ملاحظاتي الأخيرة تخص بعض الجمل ،لم أستسغها أي أن الكاتب أراد قول شيء لكنه لم يتوفق في التعبير عنه بلسان بليغ.

فأسمع صوت تمزقك تسخر مني وتحرجني.
أعتقد أنك أردت القول -أسمع صوت تمزقك يسخر مني ويحرجني.


والزر المهزوز أوشك على السقوط

والزر المهزوز موشك على السقوط أو يوشك على السقوط

هل ستفهم كل الأسرار التي بحتها لي
لا أعتقد أن باح يستعمل متعديا ،بحت بها لي إو إلي.
تحياتـــــي الأخـــــوية الــــــــصادقة.

عبده رشيد
16/08/2010, 11:56 PM
قصة رائعة قرأتها أكثر مرة وعند كل مرة أقف كثيرا عند هذا الخيط الرفيع الذي نسجت به هذه القصة وجبكتها.جميلة هي تلك الاستعرات وأجمل منها أنسنة "الخيط" والحوار الذي جرى بينه وبين صاحبه.
ما أحوجنا إلى مثل الخيوط الرفيعة والتي رغم هونها تمنحنا القوة والاستمرارية .
أهنئك أخي طارق على هذا النص الماتع وعلى هذا الحوار الشيق .
استمتعت بحق بطعم القص العالي الجودة والترميز.

طارق شفيق حقي
17/08/2010, 10:50 PM
السلام والرحمة.....
أعجبتني ايحاءات القصة كثيرا........فالحياة الإنسانية كلها عبارة عن خيوط.......خيط أمل ، خيط مودة.....إلا أن بعضها موثوق جدا والبعض الآخر يكاد ينفلت.....
ما أعيبه هنا جملة واحدة فقط وهي :"أم أن النساء لا تفهم لغة الخيوط اللاذهبية"!!!!!!!!!!!!!!! :006:
من قال لك ذلك يا أستاذ طارق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
تقدير يرقى ليليق



الأخت الكريمة فطيمة عزوني شكراً لردك الكريم
أما عن الجملة الواحدة التي وقفت عندها فهل هناك أجمل من الخيوط الذهبية حين تشرق الشمس

هل هناك أجمل من هذه اللغة

أما لغة الخيوط اللاذهبية فهي لغة لا أتفق مع البطل فيها رغم أني أعكس أفكاره

طارق شفيق حقي
17/08/2010, 11:03 PM
القصة جميلة،وهي ليست قصة قصيرة جدا ،بل قصة قصيرة فيها تقديم وعقدة وفك عقدة أو تنوير،وسأحاول إن شاء الله توضيح هذه الأمور لأني لاحظت أن لبسا يعتري كلمة عقدة بالنسبة لعدد من المهتمين بهذا الفن الأدبي.
التقديم

أول ما يتبادر للذهن أن الكاتب يتعجب من حاله مع مخاطبه الخيط وبذلك يشركنا في هذا التعجب حتى ندخل في سياق الحكي ،يشوقنا لذلك حتى نستأنس بالفضاء الزمكاني والمتخيل الذي يشتغل عليه.
ومع توالي الأحداث وانسيابها تدرك أن الخيط ما هو إلا وسيلة إيحائية تجعل الكاتب يسترسل في حكيه لما مضى من أحداث تَحَرَّكَ لها وجدانه بحلول اللحظة الإبداعية والتي تمخض عنها إنتاج هذا النص السردي .
العقدة
هي المأزق الذي أدخلنا فيه الكاتب إلى ماذا ستفضي مناجاته لهذا الخيط؟ماذا سيترتب عن ذلك؟وما بال الإنسان والخيط؟وهلم جرا...
إذن فالعقدة هي التي تجعل القارئ يتابع وكلما أدخلت القارئ في السياق كلما كان اتحاد المبدع والمتلقي كبيرا والتفاعل ناجحا والتأثير والتأثر مثمرا.
فك العقدة أو التنوير.
denoeument
إراحة الذهن بكون الخيط ما هو إلا الخيط الرابط بينه وبين محبوبته أو المشترك بينه،وهي علاقة فيها ما فيها من التشابك بل هي جزء لا يتجزأ من هموم الإنسان وانشغالاته وهي حاضرة شئنا أم أبينا في الإبداع الأدبي.
ملاحظاتي الأخيرة تخص بعض الجمل ،لم أستسغها أي أن الكاتب أراد قول شيء لكنه لم يتوفق في التعبير عنه بلسان بليغ.

أعتقد أنك أردت القول -أسمع صوت تمزقك يسخر مني ويحرجني.



والزر المهزوز موشك على السقوط أو يوشك على السقوط

لا أعتقد أن باح يستعمل متعديا ،بحت بها لي إو إلي.
تحياتـــــي الأخـــــوية الــــــــصادقة.


صوت تمزقك يسخر مني ( تقصد الصوت الذي يسخر)
صوت تمزقك تسخر مني ( تقصد الخيط)
كلاهما جائز


و الزر المهزوز أوشك - يوشك - موشك على السقوط

كلها جائزة

أما عن الفعل باح فقد بحث عن مادة له :


قال الخليل: «البوح: ظهور الشي‏ء» وقال ابن فارس:«الباء والواو والحاء اصل واحد، وهو سعة الشي‏ء وبروزه‏ وظهوره‏»
ويتعدى الفعل (باح) بالحرف فيقال: باح بسره اي اظهره،وبالهمزة فيقال: اباحه اباحة
وقد ذكروا للاباحة عدة معان، منها: الاحلال والاطلاق‏والسعة والاظهار، كما فسرت من خلال ذكر ما يضادهاكالحظر.
قال الفيروزآبادي: «ابحتك الشي‏ء: احللته لك‏»
وشرحه‏الزبيدي بقوله: «اي اجزت لك تناوله او فعله او تملكه‏»((361)).واباح الشي‏ء: اطلقه وابحت الشي‏ء اباحة: خلاف حظرته). واباح الرجل ماله: اذن في الاخذ والترك وجعله‏مطلق الطرفين. وقال الخليل: «الاباحة شبه‏النهبى‏»


وقال البستاني: «اباح الشي‏ء اباحة: وسعه واطلقه. ومنه ‏ابحتك الشي‏ء، اي احللته لك‏»

تقبل تحياتي

طارق شفيق حقي
17/08/2010, 11:06 PM
قصة رائعة قرأتها أكثر مرة وعند كل مرة أقف كثيرا عند هذا الخيط الرفيع الذي نسجت به هذه القصة وجبكتها.جميلة هي تلك الاستعرات وأجمل منها أنسنة "الخيط" والحوار الذي جرى بينه وبين صاحبه.
ما أحوجنا إلى مثل الخيوط الرفيعة والتي رغم هونها تمنحنا القوة والاستمرارية .
أهنئك أخي طارق على هذا النص الماتع وعلى هذا الحوار الشيق .
استمتعت بحق بطعم القص العالي الجودة والترميز.


أخي الكريم عبده رشيد
أشكر لك هذا الخيط الذي مددت في هذا الرد
وشعور أن حرفك لاقى استمتاع الآخر فهذه جائزة الكاتب

تقبل تحياتي