المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوم عند وريث أبي تمام



عبد الله نفاخ
01/08/2010, 07:20 PM
يوم عند وريث أبي تمام





سمعت اسمه أول مرة في الجامعة من أحد أساتذة الأدب الحديث ، كان يتكلم على وجود أدباء كبار مظلومين ، جعلهم الإعلام مغمورين على أنهم لا يقلون عن آخرين باتت أسماؤهم على كل لسان .



قال : هل منكم من يعرف الشاعر محمد الحريري ‘ فأجبناه كلنا بالصمت .



أكمل قائلاًً : شاعر لا يقل عن الجواهري .



تخيلته عندها شاعراً أصيلاً يكتب على الطراز القديم ، كغيره من الشعراء الذين انتهجوا هذا النهج فعوقبوا بالتهميش من الإعلام و مؤسسات الثقافة .



و غاب اسمه عني ردحاً حتى دخلت رابطة الواحة الثقافية ، فوجدت قصائد ذكر كاتبها باسم محمد إبراهيم الحريري ، دخلت مسرعاً لأراها فوجدت نفسي أمام شيء آخر غير ما توقعت أو ظننت .



لم أجد عراقة الجواهري و أصالته و ألفاظه الرصينة الوعرة أحياناً ، بل رأيت نفسي أمام نهر من الإبداع يجري في أدغال مسحورة ، أمام شاعر يقدر على مجاز المحدثين و عمقهم في ثوب الأقدمين و لغتهم .



وجدت نفسي أمام عملاق شعري أذهلني و آلمني أني لم أكن أعرفه ، و أن كل شعره الرائع ذاك لم يشهره بين الناس ، و لم يجعله بينهم واحداً من أمراء شعرنا المعاصر .



أدركت حينها كم هي ظالمة مؤسساتنا الثقافية و الإعلامية التي هي إما ما تزال تطبل و تزمر لشعراء أحدثهم أخنى الزمان على قبره ، و إما منشغلة بشعارير آخرين يسبقون طلاب المرحلة الابتدائية في ركاكتهم و جهلهم بأبسط مبادئ اللغة و الذوق السليم ، ثم هم عندها شعراء العصر و فحوله المفلقون !!!!!!!!!!!!!!!!!!



لم تسعفني جرأتي في مراسلته ‘ لكنني وجدته يعلق على بعض من نصوصي تعليقاً يكشف تواضعه و طيب نفسه أكثر مما يظهر جودة ما أكتب ، فسارعت للرد عليه و عصافير قلبي تغرد فرحة بشهادة الرجل الكبير .



لكنني من بعد فوجئت برسالة خاصة تأتيني من قبله ، يخاطبني فيها باعتذار و ود بالغين ، بل يرسل إلي برقم هاتفه ، فهرولت مسرعاً إلى هاتفي أنظمه عليه ، وأواعده على زيارته في بلدته ، موطن أجدادي الأُول : بصر الحرير .



في الطريق ....كنت أرسم صورته في ذهني .... رجلاً جاد السمت ، حليق اللحية ، قليل الكلام ، ثقيل الخطى ، نادر التبسم ، أكثر كلامه بالفصحى المتقعرة ، لا يخلع بزته الإفرنجية و إن في بيته .



و أخذت أهيّء نفسي لأكون على غاية من التحفظ و الاتزان في حضرته لئلا يصدر عني ما لا يليق أمامه ، و هو – لا بد – صاحب نظرة ثاقبة ، و قدر كبير ، و علم غزير .



حين نزلت من الحافلة رحت أبحث في مكان ميعادنا عن صاحب الصفات التي صنعها عقلي فلم أجده ، إلى أن أخرجني مما أنا فيه صوت ينادي عليَّ باسمي .



التفت لألقاه رجلاً غير من رسمت في ذهني ، طويلاً مبتسماً ، بجلباب أبيض ، و لحية لم تمسها الموسى منذ وقت غير قصير ، يمد كلتا يديه ليحضنني و يقبلني بشوق و محبة بالغين .



وجدته على صورة أخرى ، بسيطاً متواضعاً ودوداً لطيفاً ، لا يعرف رائيه أنه ذلك الشاعر الكبير ما لم يكن يعلم ذلك ، مغموراً بشعره بين أهله الذين لعلهم سبب ظلمه الأول و قد نشأ بينهم و عاش ، دائم الابتسام ، صاحب نكتة و فكاهة ، لطيف المعشر ، لا يبالي بأي نوع من المظاهر و التكلف ، حالته المادية متوسطة بل أقل من ذلك قليلاً ، على أنه أمضى زمناً من عمره يربو على العشرين عاماً في الخليج مدرساً .



و يا لله من ذلك اليوم الذي قضيته بجانب الشاعر الكبير ، فصار لدي عظيماً لا كبيراً فحسب ، فقد تلقيت عليه دروساً في التواضع و المحبة و معايشة الواقع و إن لم يعط المرء حقه ، و عرفت منه أشياء ما أحسبني كنت سأعرفها لولا تلك الزيارة .



فإلى متى .... إلى متى نبقى نغمط أصحاب القامات الرفيعة و الهمم العالية و النفوس الكبيرة حقوقهم ، إلى متى يدفعنا إلى رفع الناس أو إنزالهم دوافع لا علاقة لها بمكاناتهم أو قدراتهم ، إلى متى نبقى نجعل الصغير كبيراً و الكبير صغيراً .... و نعطي البعض ما لا يستحقون و نرفعهم و نرفعهم إلى أن يخروا من علوهم الذي وضعناهم عليه عند أول امتحان ....



إلى متى .... إلى متى .... إلى متى

طارق شفيق حقي
01/08/2010, 10:05 PM
الحريري كان مرشحاً في إحدى الجوائز العربية على ما أذكر

هل لك شيئاً من شعره

محسن العافي
03/08/2010, 03:09 AM
يوم عند وريث أبي تمام





سمعت اسمه أول مرة في الجامعة من أحد أساتذة الأدب الحديث ، كان يتكلم على وجود أدباء كبار مظلومين ، جعلهم الإعلام مغمورين على أنهم لا يقلون عن آخرين باتت أسماؤهم على كل لسان .



قال : هل منكم من يعرف الشاعر محمد الحريري ‘ فأجبناه كلنا بالصمت .



أكمل قائلاًً : شاعر لا يقل عن الجواهري .



تخيلته عندها شاعراً أصيلاً يكتب على الطراز القديم ، كغيره من الشعراء الذين انتهجوا هذا النهج فعوقبوا بالتهميش من الإعلام و مؤسسات الثقافة .



و غاب اسمه عني ردحاً حتى دخلت رابطة الواحة الثقافية ، فوجدت قصائد ذكر كاتبها باسم محمد إبراهيم الحريري ، دخلت مسرعاً لأراها فوجدت نفسي أمام شيء آخر غير ما توقعت أو ظننت .



لم أجد عراقة الجواهري و أصالته و ألفاظه الرصينة الوعرة أحياناً ، بل رأيت نفسي أمام نهر من الإبداع يجري في أدغال مسحورة ، أمام شاعر يقدر على مجاز المحدثين و عمقهم في ثوب الأقدمين و لغتهم .



وجدت نفسي أمام عملاق شعري أذهلني و آلمني أني لم أكن أعرفه ، و أن كل شعره الرائع ذاك لم يشهره بين الناس ، و لم يجعله بينهم واحداً من أمراء شعرنا المعاصر .



أدركت حينها كم هي ظالمة مؤسساتنا الثقافية و الإعلامية التي هي إما ما تزال تطبل و تزمر لشعراء أحدثهم أخنى الزمان على قبره ، و إما منشغلة بشعارير آخرين يسبقون طلاب المرحلة الابتدائية في ركاكتهم و جهلهم بأبسط مبادئ اللغة و الذوق السليم ، ثم هم عندها شعراء العصر و فحوله المفلقون !!!!!!!!!!!!!!!!!!



لم تسعفني جرأتي في مراسلته ‘ لكنني وجدته يعلق على بعض من نصوصي تعليقاً يكشف تواضعه و طيب نفسه أكثر مما يظهر جودة ما أكتب ، فسارعت للرد عليه و عصافير قلبي تغرد فرحة بشهادة الرجل الكبير .



لكنني من بعد فوجئت برسالة خاصة تأتيني من قبله ، يخاطبني فيها باعتذار و ود بالغين ، و يرسل إلي برقم هاتفه ، فهرولت مسرعاً إلى هاتفي أنظمه عليه ، وأواعده على زيارته في بلدته ، موطن أجدادي الأُول : بصر الحرير .



في الطريق ....كنت أرسم صورته في ذهني .... رجلاً جاد السمت ، حليق اللحية ، قليل الكلام ، ثقيل الخطى ، نادر التبسم ، أكثر كلامه بالفصحى المتقعرة ، لا يخلع بزته الإفرنجية و إن في بيته .



و أخذت أهيّء نفسي لأكون على غاية من التحفظ و الاتزان في حضرته لئلا يصدر عني ما لا يليق أمامه ، و هو – لا بد – صاحب نظرة ثاقبة ، و قدر كبير ، و علم غزير .



حين نزلت من الحافلة رحت أبحث في مكان ميعادنا عن صاحب الصفات التي صنعها عقلي فلم أجده ، إلى أن أخرجني مما أنا فيه صوت ينادي عليَّ باسمي .



التفت لألقاه رجلاً غير من رسمت في ذهني ، طويلاً مبتسماً ، بجلباب أبيض ، و لحية لم تمسها الموسى منذ وقت غير قصير ، يمد كلتا يديه ليحضنني و يقبلني بشوق و محبة بالغين .



وجدته على صورة أخرى ، بسيطاً متواضعاً ودوداً لطيفاً ، لا يعرف رائيه أنه ذلك الشاعر الكبير ما لم يكن يعلم ذلك ، مغموراً بشعره بين أهله الذين لعلهم سبب ظلمه الأول و قد نشأ بينهم و عاش ، دائم الابتسام ، صاحب نكتة و فكاهة ، لطيف المعشر ، لا يبالي بأي نوع من المظاهر و التكلف ، حالته المادية متوسطة بل أقل من ذلك قليلاً ، على أنه أمضى زمناً من عمره يربو على العشرين عاماً في الخليج مدرساً .



و يا لله من ذلك اليوم الذي قضيته بجانب الشاعر الكبير ، فصار لدي عظيماً لا كبيراً فحسب ، فقد تلقيت عليه دروساً في التواضع و المحبة و معايشة الواقع و إن لم يعط المرء حقه ، و عرفت منه أشياء ما أحسبني كنت سأعرفها لولا تلك الزيارة .



فإلى متى .... إلى متى نبقى نغمط أصحاب القامات الرفيعة و الهمم العالية و النفوس الكبيرة حقوقهم ، إلى متى يدفعنا إلى رفع الناس أو إنزالهم دوافع لا علاقة لها بمكاناتهم أو قدراتهم ، إلى متى نبقى نجعل الصغير كبيراً و الكبير صغيراً .... و نعطي البعض ما لا يستحقون و نرفعهم و نرفعهم إلى أن يخروا من علوهم الذي وضعناهم عليه عند أول امتحان ....



إلى متى .... إلى متى .... إلى متى






أخطاء لا يمكن تحملها ولا تغتفر وهي عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ،حقيقة اختلط علينا الامر ولم نقم الوزن بالقسط
صدقت في رسالتك الراقية هاته كما كنت صادقا في رسائلك السابقة ،حيث سقت لنا حقيقة متوارية ،ولكن مثل هذه الشخصيات سرعان ما ستفرض نفسها بقوة لصدقها وتميزها وقدرتها الابداعية ولا تحتاج لمن يدلها على الطريق ،فالشمس الساطعة لا تحجبها أسراب الطيور .
أخي عبدالله ، كنت قد قرأت له قصيدة أحبك يا ،لقد كانت قصيدة رائعة حقا وهو فعلا يستحق كل التقدير كما تستحقه أنت أيضا على حبك لكل نبع صاف لا زيف فيه ورغبتك الدفينة في إسناد الأمور لأهلها لا لغير اهلها ،أخيرا لك منا الف تحية وألف شكر .

محمد يوب
03/08/2010, 12:16 PM
شكرا لك على تعريفنا بهذا الهرم الكبير الذي مع الأسف بقي مغمورا كغيره من الأدباء الذين نسيهم الاعلام .
مودتي لك

عبد الله نفاخ
03/08/2010, 02:57 PM
الحريري كان مرشحاً في إحدى الجوائز العربية على ما أذكر

هل لك شيئاً من شعره


كان مرشحاً لعدة جوائز ......
شعره موجود أكثره في رابطة الواحة الثقافية و لا أدري إن كان بإمكاني نسخه و نقله إلى هنا ، لكنه أخبرني بأنه سبق أن سجل في المربد و نشر
و سأحاول أ ن أحادثه بشأن معاودة النشر في مربدنا الغالي
سلمك الله أستاذ طارق

عبد الله نفاخ
04/08/2010, 08:07 AM
أخطاء لا يمكن تحملها ولا تغتفر وهي عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ،حقيقة اختلط علينا الامر ولم نقم الوزن بالقسط
صدقت في رسالتك الراقية هاته كما كنت صادقا في رسائلك السابقة ،حيث سقت لنا حقيقة متوارية ،ولكن مثل هذه الشخصيات سرعان ما ستفرض نفسها بقوة لصدقها وتميزها وقدرتها الابداعية ولا تحتاج لمن يدلها على الطريق ،فالشمس الساطعة لا تحجبها أسراب الطيور .
أخي عبدالله ، كنت قد قرأت له قصيدة أحبك يا ،لقد كانت قصيدة رائعة حقا وهو فعلا يستحق كل التقدير كما تستحقه أنت أيضا على حبك لكل نبع صاف لا زيف فيه ورغبتك الدفينة في إسناد الأمور لأهلها لا لغير اهلها ،أخيرا لك منا الف تحية وألف شكر .

بارك الله بك أيها العزيز ........
حقاً لم يعد بالإمكان تحمل هذه الأشياء ...
سلمك الله ... لقد رأيت في ما ذكرت الصدق كله ... و الحق كله ...
ألف شكر لك ..
دمت مبدعاً

بنت الشهباء
04/08/2010, 11:11 PM
الحق معك والله يا أخي عبد الله

إلى متى ...إلى متى .... إلى متى ؟؟؟....

مثل هذه الشخصيات الأدبية المتأدّبة التي لم تعرف الكبر ولا الغرور ، بل التواضع والعفّة والأدب عنوانها ....

والشاعر محمد إبراهيم الحريري – حفظه الله – قد ذكرت لنا جزءا يسيرا من شخصيته التي نفخر ونعتز بها ...

فجزاك الله خيرا أخي الكريم عبد الله لما قدّمته لنا من سيرة نموذجية مزدانة بالأدب والحكمة والخلق الرفيع لطالما – كما ذكرت –واقعنا يطبّل للحداثة وزمرتها التي طال لسانها لمستنقعات الإباحية والفجور ......

تحية وتقدير للشاعر الخلوق الأديب المتأدّب محمد إبراهيم الحريري ، وللأخ والتلميذ البارّ عبد الله نفاخ الذي أراد برسالته هذه أن ينقلنا إلى العراقة والأصالة التي علينا أن نكون بالقرب منها ، ولا نلتفت للدعوات المسمومة التي تريد لأقلامنا أن تنزع عنها ثوب الحياء والأدب والقيم ....

ومن هنا أدعو الشاعر المتأدب أستاذنا الفاضل محمد إبراهيم الحريري أن يسعدنا ويشرّفنا بتواجده على أرض أسواق مربد الأدبية

وله منا جزيل الشكر والتقدير والاحترام

عبد الله نفاخ
06/08/2010, 06:32 PM
شكرا لك على تعريفنا بهذا الهرم الكبير الذي مع الأسف بقي مغمورا كغيره من الأدباء الذين نسيهم الاعلام .
مودتي لك

بل الشكر لكم أستاذي الكريم لمروركم بهذه الكلمات ....

و دمتم بألف خير