المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيزيف.com/قراءة نقدية



محمد يوب
06/07/2010, 07:47 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
في بداية الأمر أشكر الأخ الكريم سعيد أبو نعسة على هذا الموضوع الذي يفتح أمامنا عدة جوانب يجب تناولها بدقة من أجل بلوغ المرام...



سيزيف . Com


رأيته واقفا على قمة الجبل و العرق يتصبب منجبينه


سألته من تكون؟ رد علي قائلا : أناسيزيف


قلت له: وأين الصخرة ؟


قال لي: لقد وقعت مني ، وتدحرجت إلى سفحالجبل


سألته ثانية: هل ستعاود حملها من جديد؟


رد علي مستهزئا سأجلس أمام شاشةالكمبيوتر.


***************

لعل النص الذي بين أيدنا يطرح قضية جد مهمة فيما يخص ملامح القصة القصيرة جدا في إطار العمل الإبداعي على مستوى الدلالة والصياغة والمقصدية و...
وحتى نلج هذا النص من بابه العريض ننطلق من العنوان.

* العنوان:
نجد العنوان يتكون من نص عنوان "النيت"، والعنوان الحقيقي الذي ينتهي بــ: [.com] يجب أن يبدأ بــ: [www.]؛ ورغم ذلك، فعناوين "النيت" كلها باللغة الأعجمية، من ثم يجب أن يكون العنوان على الشكل التالي:
[www. Sisife. Com]
وقد نحتمل العنوان من باب الرمزية لنقول أنه مركب من كلمتين أعجميتين، الأولى مكتوبة باللغة العربية والثانية باللغة الأعجمية..
ولعل الكلمة الأولى تحيلنا إلى الميثولوجية الإغريقية؛ وهي رمز للعذاب الأبدي... أما الثانية فهي تحيلنا إلى عنوان من عناوين "النيت".. وبالتالي تكون المقابلة بين الكلمتين محطة استغراب الذي يولد الدهشة في نفسية القارئ...

* التناص:
إن التناص في هذا النص على المستوى الداخلي مبنيا على الحوار الغير المباشر لأنه يشكل أهدافا ومنطلقات...
أما على المستوى الخارجي فنجده حوار بين نصوص عديدة وكثيرة المصادر والمختلفة الوظائف...
- فهل الكاتب قد تمرد على النصوص الأخرى، أم أنه التجأ إلى التبعية؟
ويكون الجواب أنه فعلا تمرد على النصوص الأخرى؛ وحاول في بنية النص أن تكون تبعيته للهيكل لا للمحتوى والتوظيف...

وقد انطلقت فكرة العنوان والنص من الفيلم الوثائقي للمخرج العراقي "طارق هاشم" تحت عنوان: [www.Gilgamesh.21]، الذي يسلط الأضواء على المفارقة بين ملحمة جلجامش، وملحمة العراق المعاصرة بتكثيف جد مركز جعله يعكس شعاع الفيلم وتيمته...
ودار الفيلم في مفارقة بين جلجامش الذي يعيش في "كوبنهاغن بالدنمارك" مدينة محاصرة بالثلوج.. و"أنكيدو" الذي يعيش في "بغداد بالعراق" المحاصرة بالعدو.. في أسئلة بينهما.. فالأول ينهشه الجليد، والثاني تنهشه الموت.. فيتوحد صقيع الحياة بينهما في درامية مشدودة بعنصر التشويق بسبب انقطاع الكهرباء الذي يقطع الحوار بينهما عبر "النيت"...
من هذه الزاوية جاء هذا النص، الذي نحن في دراسته، كتحويل وامتصاص لهذا الفيلم، ونصوص أخرى...

* التكثيف:
التكثيف في هذا النص هو تكثيف تجريدي لأنه استحضر شخصية "سيزيف" و "الصخرة" و"تدحرجها"؛ وينتهي بالتكثيف الدلالي لأنه مفتوح على تأويلات كثيرة...

* التراكب:
نجد في هذا النص تراكب الجمل وتتابعها في حوار حاول فيه الكاتب أن يِأزم العقدة، ويخلق الدراما عبره.. لكن هل نجح في هذا المسعى أم لا؟
والجواب لا يكون حتى نعود إلى اللغة ومقاصدها:
- [رأيته]، رأى: تعني نظر بالعين أو بالعقل. وحسب سياق هذا النص الرؤية بالعقل وليست بالعين لأن بالعين يسقط القارئ في خطأ ويتهم الكاتب بالتناقض.. ولكن هنا الكاتب أحسن اختيار الفعل ولم يقل "شاهد"...
- [واقفا]، الوقوف يعبر عن انتظار، عن بداية مشوار، عن البلوغ إلى هدف منشود...
- [على قمة الجبل]، لعل هذه الجملة تربك القارئ لأن معانيها اللغوية لا تخدم سياق النص.. لماذا؟ لأن "على" حرف جر وقد قصد بها الكاتب هنا الاستعلاء على الجبل.. وهذا لا يصح لغة.. والصواب كان من الأفضل أن يقول: [فوق الجبل]، لأن فوق نقيض تحت، وهو يدل على المعنى الواقع فيه... أما إذا أراد أن يستعمل حرف الجر "على" فكان عليه أن يسبقه بحرف الجر "من" وتصبح "على" اسما بمعنى "فوق".. والسلس من الكلام وأجمله البسيط السهل البين "فوق"...
- [والعرق يتصبب من جبينه]، هذا وصف لحالة إنسان يصعد الجبل وهو يقوم بعمل شاق وأصعب منه صخرة سيزيف... هنا نجد على مستوى الإبداع سواء في الرواية أو القصة أو في هذا النمط خطأ تقنيا وقع فيه الكاتب على وجهين: الوجه الأول: أن الذي يدفع صخرة وهو يصعد الجبل لا يعرق جبينه، بل يتصبب جسده كاملا عرقا.. الوجه الثاني الذي يخص هذا النوع من القص كان على الكاتب أن يتفادى كلمة "جبينه" ويقول:[ وجسده يتصبب عرقا. أو: وهو يتصبب عرقا...].
- [سألته من تكون؟ رد علي قائلا : أنا سيزيف]، وكان هنا الجواب يفصل ويشرح.. (رد علي قائلا)، ولعل هذا النمط القصصي لا يقبل سوى المختزل من الكلام وما قل ودل مثل: [رد:]، أو [قال]، والأجمل من هذا هو:
- سألته من تكون؟
- سيزيف
- [قلت له: وأين الصخرة ؟]، وهنا أيضا يقع القارئ في ارتباك عندما يرى بطل القصة سأل سيزيف من يكون؟ ثم سأله عن الصخرة؟ هنا نعود إلى رؤية البطل العقلية ونفهم أن الحوار غير مباشر؛ مما جعل الكاتب ينحو هذا المنحى..
- [قال لي: لقد وقعت مني ، وتدحرجت إلى سفح الجبل سألته ثانية: هل ستعاود حملها من جديد؟ رد علي مستهزئا سأجلس أمام شاشة الكمبيوتر]، وهنا أيضا نجد الكاتب قد انساق في الوصف القصصي الذي لا يقبله هذا النمط؛ من ثم كان الحوار مترهلا؛ وكان عليه أن يختار هذا النمط على سبيل المثال:
- سألته من تكون؟
- سيزيف
- أين الصخرة!؟
- وقعت مني!
- هل ستعاود الكرة؟
رد باستهزاء:
- سأجلس أمام الحاسوب!

ونجد هنا النهاية رغم أن الكاتب حاول أن يُخضع النص إلى مميزات هذا الفن وأركانه سقط في فخ يجعل من القفلة غير منطقية وفق السؤال المطروح؛ فهل السؤال يقول هل تعاود الكرة، ويكون الجواب هو الجلوس؟ بطبيعة لا، ولكن ما الذي حصل؟ لعل الكاتب مال إلى التناقضات والمضادات وانطلق بالوقوف ليجعل النهاية مضادة له وهو الجلوس.. لكن هذا الجلوس لم يخدم القفلة، وليس من الضروري أن يلتجأ الكاتب إلى هذه الطريقة باستعمال أفعال مضادة أو متناقضة إن كانت لا تخدم النص... كما أن الحوار الذي يطغى على النص يفقد النص ذوق السرد والحكي...

من هذا الباب أرى أن هذا النص في حاجة ماسة لتعديل لأن فكرته رائعة جدا.. وقد أضاع النص الأسلوب، وطغيان الحوار على السرد والحكي الشبه مفقودين والقفلة التي لم تكن جوابا عن السؤال وابتعدت عن المفاجأة والدهشة...
وقد حاولت تعديل النص كمثال حتى يتبين الفارق بين النصين:


www.sisife.com

رآه واقفا فوق الجبل يتصبب عرقا
سأله:
- من تكون؟
- سيزيف..
- أين الصخرة!؟
- وقعت مني..
- هل ستعاود الكرة؟
رد مستهزئا:
- سأرى في الحاسوب!

وقد اخترت للقفلة "سأرى" لتكتمل الرؤية، لأن الرؤية الأولى رؤية قلبية، أما الثانية فهي رؤية عين... وأتت جوابا على السؤال... ومهما يكن لازالت تحتاج إلى تعديل حتى يطغى السرد والحكي على الحوار..

قصة جاءت تحكي المفارقة بين إنسان يطلب المعالي فيسهر الليالي ويكد ويعرق ويتعب ويتألم.. وإنسان قابع أمام الحاسوب يطلب المعالي.. وهي مفارقة بين الزمن الماضي أين كان طالب العلم يشد الرحال سنوات عديدة فيواجه ويعاني الصعاب.. والزمن الحاضر الذي أصبح طالب العلم يقبع أمام الحاسوب ويكسب ما يريد في دقائق معدودات...

مودتي وتقديري
محمد المعمري

عبد الله نفاخ
06/07/2010, 10:31 AM
قراءة نقدية غاية في الدقة ...... غاصت في أعماق النص و قرأته قراءة بنيوية رائعة
بارك الله بكم و بكاتبها