المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قل للمليحة في الخمار الأسود



طارق شفيق حقي
02/07/2010, 10:40 PM
يحكى أن تاجرا من أهل الكوفة قدم المدينة بأخمرة نسائية فباعها كلها , وبقيت السود منها لم تنفق , وكان صديقاً للدارمي المغني الشاعر المعروف , المشهور بين أهل مكة بالظرف فشكا إليه ذلك الكساد الذي أصاب مسافعه السود , لعله يجد سبيلاً لإنفاذها وكان الدارمي قد تنسك وترك الغناء وقول الشعر , ولكنه إزاء إلحاح صديقه هداه تفكيره إلى القيام بعمل إعلان شعري غنائي للخمر ’ حتى يتم بيعها وإقبال النساء عليها , ثم يعود إلى تنسكه الذي كان عليه فقال :

"قل للمليحة في الخمار الأسود = ماذا فعلت بناسك متعبد

قد كان شمر للصلاة ثيابه = حتى وقفت له بباب المسجد

ردي عليه صلاته وصيامه = لا تقتليه بحق دين محمد


وغنى في الأبيات صوتاً رائعاً شاع في الناس أمره , فلم تبق في المدينة ظريفة إلا ابتاعت خماراً أسود . حتى نفذ كل ماعند العراقي منها .. ورجع الدارمي إلى نسكه .

طارق شفيق حقي
02/07/2010, 10:49 PM
وهذه دارسة كتبها كاتب :" الجوري " ولا أدري من هو الجوي هل هو الكاتب أم الناقل


قصة هذه المقطوعة المكونة من بيتين أو ثلاثة كما أوردها صاحب الأغاني ( 3 / 45 ) أن تاجرا من أهل الكوفة قدم المدينة بأخمرة نسائية فباعها كلها , وبقيت السود منها لم تنفق , وكان صديقا للدارمي المغني الشاعر , المشهور بين أهل مكة بالظرف فشكا عليه ذلك الكساد الذي أصاب مسافعه السود , لعله يجد سبيلا لإنفاذها وكان الدارمي قد تنسك وترك الغناء وقول الشعر , ولكنه إزاء إلحاح صديقه هداه تفكيره إلى القيام بعمل إعلان شعري غنائي للخمر ’ حتى يتم بيعها وإقبال النساء عليها , ثم يعود إلى تنسكه الذي كان عليه فقال :




قل للمليحه في الخمار الأسودماذا صنعت بزاهد متعبـد ؟
قد كان شمر للصـلاة ثيابـهحتى وقفت له بباب المسجد .
ردي عليه صلاته وصيامـهلا تقتليه بحق ديـن محمـد




وغنى في الأبيات صوتا رائعا شاع في الناس أمره , فلم تبق في المدينة ظريفة إلا ابتاعت خمارا أسود . حتى نفذ كل ماعند العراقي منها .. ورجع الدارمي إلى نسكه .
وإذا كانت الأبيات قد اجتذبت قلوب النساء للشراء , فقد لقيت رواجا عند أصحاب الإعلانات .. وأكد عمليا كيفية التآخي بين النشاط الأدبي والنشاط الاقتصادي , , كما أثار هذان البيتان إعجاب الشعراء في الأجيال اللا حقة فقاموا بمعارضتها بغية المماثلة أو التفوق عليهما مغيرين في الألوان بما يتناسب مع أذواقهم , أو بما تقترحه إحدى الملاح , أو مبقين على اللون الأسود





ولقد قرأت أن هذه الأبيات تعتبرأول إعلان في التاريخ كان في شكل بيت من الشعر نظمه الشاعر ربيعة بن عامر الملقب بالدرامي فقد حضر إليه أحد التجار يشكو نفاذ كل الخمارات التي يبيعها عدا السوداء فلم يشتريها أحد منه .. فنظم الشاعر قصيدة و أرسلها لأحد الشعراء ليتغنى بها .. و كتب في مطلعها :ـ قل للمليحة في الخمار الأسود .. ماذا فعلت بناسك متعبد . ,,, ولما انتشرت هذه القصيدة لم تبقى واحدة لم تشتر خمار أسود فنفذت كل الخمارات لدى التاجر بل أنه باعها بسعر مرتفع ..



نستعرض الآن مجموعة من المقطوعلت الشعرية اللطيفة التي اجتمعت على معارضة مليحة الملاح . وهي قول الدارمي ( قل للمليحة .... )





الخمار الأكحل :



كان كشاجم الشاعر ( وهو أبو الفتح محمود بن الحسين ) شاعر عباسي كان يجمع بين الكتابة والشعر . وله عدة مصنفات . توفي سنة 360 هـ . وقالوا : وكشاجم لقبه . وهو منحوت من علوم كان يتقنها . الكاف ترمز للكتابة . والشين للشعر , والألف للإنشاء , والجيم للجدل . والميم للمنطق ) ممن أبقوا على اللون الأسود . غير أنه دعاه أكحل فقال :





قل للمليحة فـي الخمـار الأكحـل كالشمس من خلل الغمام المنجلي .
بحياة حسنك أحسني , وبحق مـنجعل الجمال عليك وقفا : أجملي !!
لاتقبلـي قـول الوشـاة فإنـنـيلم أصغ فيك إلى مقـال العـذَّ ل .
إنـي أعيـذك أن يكـدر آخــرٌبعقالـة الواشيـن صفـو الأول .


و من كتاب مرآة الجنان لليافعي حول هذا الموضوع
يقول القاضي المحسن بن علي بن محمد التنوخي ... المولود سنة 327، بالبصرة، والمتوفي ببغداد، سنة 384




قل للمليحة في الخمـار المذهـب‏أفسدت نسك أخي التقى المترهب
نور الخمار ونور خـدك تحتـهعجبا لوجهك‏!‏ كيف لـم يتلهـب‏؟‏
وجمعت بين المذهبين فلـم يكـنللحسن عن ذهبيهما مـن مذهـب
وإذا أتت عينـي لتسـرق نظـرةقال الشعاع لها‏:‏ اذهبي , لا تذهبي


قال ابن خلكان‏:‏ وما ألطف قوله‏:‏ اذهبي لا تذهبي‏!‏



و أيضاَ في هذا في نساق هذا الموضوع أورده شاعر آخر مع تغيييير بسيط .
وفيه يصور لنا الشاعر أن للون الأصفر مكان الصدارة بين الخمر الشعرية ..
في الوافي الوفيات " للصفدي " في ترجمة الباقلاني المؤدب " هو محمد بن عبد الملك بن محمد " قوله :





قل للمليحة في الخمـار المُذْهَـب ذهب الزمان وحبكم لم يذهـب .
وجمعت بين المذْهَبينِ فلـم يكـنللحسن في ذهبيهما من مذْهـب .
نور الخمار ونور وجهك نزهـةعجبا لخدك كيف لـم يتلهـب !!
وإذا بدت عيـن لتسـرق نظـرةقال الجمال لها : اذهبي لاتذهبي .



في الأبيات قدرة بديعية مكنته من المجانسة بين الألفاظ , واستغل الدلالات المختلفة لكلمة ( ذهب ) أحسن استغلال : مما يشهد له بالشاعرية ( لاتذهبي , لاتهلكي )


وفي اليتيمة ( 2 / 346 ) للقاضي التنوخي ــ وأنت أوردته " كتاب مرآة الجنان لليافعي " ولا أعلم أين الصواب ــ أورده مع تغيير بسيط في البيتين يجعلهما أقرب من النص الأصلي وذلك على النحو التالي :




قل للمليحة في الخمار المذهـب‏أفسدت نسك أخي التقى المترهب
نور الخمار ونور خـدك تحتـهعجبا لوجهك‏!‏ كيف لم يتلهب ؟



القناع بدلا عن الخمار

شاعر قام بمعارضة الأبيات وبدلا أن يستخدم لفظة الخمار يأتي بالقناع , ونجد ها حين ترجم المحبي في ( نفحة الريحانة ) للسيد محمد بن حيدر بن علي .ذكر أنه قام بمعارضة ( قل للمليحة ) فقال :




قُل للمليحة في القناع العُصفـري ياشمسها شفق الشروق فأسفري
ولكِ الأمان من اللِّحاظ إذا ارتمتإن الشُعاع يصُدُّ طـرف المبصـرِ
أوما اكتفيت بورد خـدك روضـةعن روض وردي اللباس المُزهـر
هذا القناع سما بفرقـك مفخـراعن مغفر قد ضمّ هامـة قيصـر
وخطـرت فـي موشيـة ذهبيـة قد جانستك بلونها في المنظـر .
وبديع حسنك قد تناسـب عندمـاراعى نظيرا في المحيـا الأنضـرِ
أرأيت حين خطرت في رمل الحمىمابين بان لوى الكثيـب الأعفـرِ
فتـأودت أغصانـه وتسـتّـرتبالأيك مـن خجـل ولات تستُّـرِ
كم أصيـد ملكـت بعينـك رقـةفأتـى إليـك بذلَّـة المستأسـرِ!
مافي الحمـى إلا موالـي طاعـةٍفتملكـي أو دبّـري أو حـرَّري .



عبر الشاعر بالقناع : وهو غطاء الرأس تستعمله المرأة كالخمار .
والعصفر : نبات يستخرج منه صبغ أحمر , يصبغ به الحرير ونحوه .. فلون خمار صاحبته إذن أحمر ..
ونلاحظ أيضا أنه خرج بمعارضته إلى نطاق القصيدة ( عشرة أبيات ) كما أخلصها للغزل بعيدا عن الأجواء الروحية التي تنجز الصراع , وتضفي على النص إجلالا من الرهبة والخشية .

إذن الشاعر الأساسي الدارمي وضع فكرة وجاء الشعراء من بعده بوضع أفكار تسير مع أهوائهم .مع الاحتفاظ بالأصل .. وكل منهم يصور المرأة والخمار بوصف يختلف عن الآخر ..
حقا إننا أمام صور بديعة موحية تشعرنا بجلال وعظمة الشعر .


اللون الأطلس .

يختار ابن معصوم " اللون الأطلس " , وهو لون مابين الأبيض والأسود ( أغبر أسود ) يشبه لون الذئب . وهو علي بن أحمد بن محمد معصوم شيرازي الأصل , مكي المولد .
من مؤلفاته ( سلافة العصر في محاسن أعيان العصر ) له ديوان شعر , ولد عام 521 هـ.
يقول الشاعر :





قل للمليحة في القبـاء الأطلـس أفسدتِ عقل أخي التقي المتقدّس
أوما كفاكِ لباس حسنـك والبهـاحتى برزت لنا بأبهـى ملبـس .
أخجلت ولدان الجنـان وحورَهـاوخطرتِ من أثوابها في سندس .
إن كـان لايرضيـك إلا فتنتـيفرضاكِ فرض ياحياة الأنفـس .
هـذا محبـك ناصبـا أحشـاءهغرضا لأسهم مقلتيك فقرطِسي .


( القباء : ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص . ويتمنطق به فهو غير الخمار . والجامع بينهما أن الخمار يتخمر به , والقباء يتمنطق به . فكلاهما مشتمل على غيره .
قرطسي : أصيبي القرطاس : هو ماينصب غرضا للرمي .
يقال : رمى فقرطس أي فأصاب .
وفي السندس وحور الجنان . مايدل على أن الشاعر ذو علاقة بالجو الديني .. وكذلك كان ابن معصوم .

امل علي
14/07/2010, 10:03 PM
دراسة رائعة فهمت منها الكثير
شكرا وبالتوفيق

عماد ابو رياض
18/07/2010, 05:17 PM
تحياتي وامنياتي لك اخت امل بالتوفيق وللأستاذ الكريم طارق التوفيق لهذه التغطية الرائعة والبحث الشافي الذي جعلنا نحيط بجزء صحيح من المحافل الأدبية
الرائعة في تأريخنا .. شكرا لكما ...