المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نعمة الإيلاف.



د.فادي محمد سعيد
30/05/2010, 09:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


خُلق الإنسانُ وبتركيبته الفيزيولوجية والنفسية نعمةٌ أنعمها الله على الإنسان الذي خلقه في أحسن تقويم, ألا وهي نعمة التآلف.. إنه طبع غريزي يجبل طباعنا على التعرف على بعضنا البعض, ومن ثم التقارب, ومن ثم التآلف...تلك هي سنة الكون وتلك هي العادات الطبيعية...

انظروا معي إلى الأطفال الصغار في الروضات, ستجدونهم يتعارفون ثم يتلاقون ثم يصادق بعضهم بعضاً, ثم تقوى علاقات الصداقة وتتمتن عرى المحبة والرفقة والتلاقي, فيحزن أحدهم لحزن الآخر ويفرح لفرحه,ويختار كل واحد منهم أصدقاء مقربين إليه يتوافقون مع عاداته وتقاليده ويتجنب الآخرين المخالفين لما يحب ويكره.وكل أفراد المجتمع كذلك من كبيرهم إلى صغيرهم.وقال سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم(الأرواح جند مجندة ما وافق بعضها أئتلف وما تنافر اختلف.)

أحببت ذكر هذه الخاطرة لأنني لمست هذه النعمة الخفية وأدركتها بعد أن كنت مشتركاً في أحد المنتديات الثقافية الهادفة والملتزمة يدعى (الوله) لمدة ثلاثة سنوات كنت أكتب فيه المقالات والخواطر وقصائد الشعر, وأشارك بالنقد وإبداء الرأي...وبه تعرفت على كثير من الأصدقاء وأغلبهم بأسماء مستعارة, ورغم وجود من كان يزعج إلا أنني كنت سعيدا جداً, كنا نطمأن على بعضنا البعض ونسأل عن الغائب, كنا نمارس هواياتنا الأدبية بجو من الأخوة والمرح والألفة والتآلف..وكان التجمع في المنتدى على شكل علاقات روحية وصداقات رائعة...
وطبعا كانت الصداقات من الجنسين ومن مختلف الأعمار...ثم تفاجأنا بان أعلن صاحب المنتدى عن إنهائه لعدم مقدرته على نفقاته لأسباب مادية وغير مادية منها أنه ابتعث للدراسة بكندا فكان مضطراً لفسخ المنتدى وإنهائه ثم نعيته ورثيته بقصيدة أبكت الجميع وبكينا على فراق بعضنا ,,ثم دعونا بعضنا للتواجد بمنتديات أخرى ثم تفرقنا تفرق أيدي سبأ....وصار كل منا يتذكر صديقه بمرارة وحرقة وحسرة..

ولا أقدر على فراق آخر مثل هذا لا سمح الله...

ما هو سر هذا التآلف يا ترى...؟؟!! هل هي تفاعلات كيماوية أم هرمونية؟؟؟؟

كم من زوجة لاتعرف زوجها قبل زواجها وتتزوج بالشكل التقليدي ,ومن ثم يجمعهم البيت وحب التآلف, ومن ثم تزدادالمحبة لدرجة العشق والهيام...ألم يقل تعالى

(لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)صدق الله العظيم..

ولو تقرأون كتاب الفقيه وعالم الإجتماع الأندلسي ابن حزم(طوق الحمامة في الألفة والألاّف)فستجدون به تعريف رائع للتآلف والألفة وشروحات تفصيلية مع امثلة عن تلك النعمة والغريزة المُثلى...

هل شعرتم بمثل هذا الشعور بينكم وبين جيرانكم أو زملائكم او حتى أصدقائكم في المنتديات؟... أتتذكرون التدريب الجامعي وحياة المعسكر بحلوها ومرها؟؟؟ أتتذكرون مثلما أتذكر رفقة العسكرية والمبيت بالمهجع بكل مافيها من ايجابيات وسلبيات لكنها كانت تربطنا بألفة رائعة..؟؟؟

لو تلاحظوا معي حتى المجرمين ذوي القلوب القاسية داخل السجون تتولد لديهم ألفة وعشرة...ما سرها ياترى؟؟

هل يتولد التآلف وتنمو المحبة الروحية النقية هنا مثلاً وتتمتن أواصر الصداقات؟؟.....فليدلِ كلٌّ بدلوهِ

وأرجو إيفادي بآرائكم لأن هذا الموضوع هام جداً بنظري ودمتم بكل محبة وصداقة وألفة وتألف...