المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التوراة جاءت من جزيرة العرب ..



الشايب
23/02/2006, 06:54 PM
التوراة جاءت من جزيرة العرب
الدكتور كمال سليمان الصليبي
ترجمة : عفيف الرزّاز
الطبعه العربيه الثانيه – 1986
مؤسسة الابحاث العربيه
---------------------------------
مؤسسة " دير شبيغل " الالمانيه , بادرت الى طلب حقوق النشر من المؤلف , وكان شرطها أن تعرضه على مجموعه من العلماء وأساتذة التاريخ لتقويمه من الناحيه العلميه , وجاءت توصية علماء اللغات الساميه ايجابيه في حين وقف علماء التوراة موقف العداء وشنوا حمله على الكتاب قبل نشره , بدأت من داخل الكيان الاسرائيلي
وخارجه والمؤلم وقوف أوساط عربيه سلبيا من الكتاب , وقبل حتى نشره .
ان المؤلف يطرح نظريه جديده تقوم على وجوب اعادة النظر في " الجغرافيا التاريخيه للتوراة " , حيث يثبت ان احداث " العهد القديم " لم تكن ساحتها في فلسطين , بل أنها وقعت في جنوب غربي شبه الجزيره العربيه , واستند في ذلك على أدله اكتشفها في مجالي اللغه والاثار , ويقارنها بالمألوف والسائد من " الجغرافيا التاريخيه للتوراة " .
يقول المؤلف في مقابله معه في مجلة الشراع _ بيروت _ 3/9/ 1984 .
" اعادة النظر بأسس الحضاره الغربيه . حضارتنا العربيه لها أسس أخرى . أما في الغرب فهم يعتبرون الكتاب المقدس " العهد القديم " هو أساس بناء الحضاره الغربيه "
ويشرح المؤلف نظريته في تحديد أسماء الاماكن والمواقع المذكوره معتمدا على زياراته الشخصيه لتلك المناطق في عسير وجنوب الحجاز , وعلى " معجم لأسماء الأماكن في المملكه العربيه السعوديه " وضعه مجموعه من العلماء السعوديين وعلى رأسهم الشيخ حمد الجاسر , فهو بالتالي لم يعتمد على مراجع ومصادر أجنبيه , ومن جهة ثانيه على قراءاته المتأنيه للتوراة وشروحها .
ان اكثر ما يؤلم في الهجوم على هذا الكتاب من جانب الاوساط العربيه , الزعم بأنه يدعو الى احتلال بلد عربي اخر . ويرد المؤلف " ان من يقول هذا القول فانما يعترف بحق الدعوه الصهيونيه ويؤمن بصحتها من حيث المبدأ . فأنا لا أضع الكتاب لأقول لليهود عودوا الى عسير واتركوا فلسطين " .
-------------------------------------------------
سأحاول وعلى مراحل أن أقدم تلخيص لفصول هذا الكتاب الهام جدا .
أقترح على المهتمين برؤيه جديده للتوراة وتارخ لبنان , قراءة مؤلفات هذا المؤرخ

-----------------------------------------------------------------------------------------


مقدمة الطبعه العربيه .. 1 .
جغرافية التوراة لم تكن في فلسطين بل في غرب شبه الجزيره العربيه بمحاذاة البحر الاحمر , وتحديدا في بلاد السراة بين الطائف ومشارف اليمن . وبالتالي فان بني اسرائيل من شعوب العرب البائده , أي من شعوب الجاهليه الأولى . وقد نشأت اليهوديه الأولى بين ظهرانيهم , ثم انتشرت من موطنها الأصلي , الى العراق والشام ومصر وغيرها من بلاد العالم القديم . والتوراة " العهد القديم " تشتمل على ثلاثة مجموعات من الأسفار يعترف بها اليهود , وهي " التوراة , والأنبياء , واالكتب " . ( بالعبريه : سفرتوره نبي ءيم وكتوبيم ) . والجدير بالملاحظه أن لفظة " التوراة " لا تطلق عرفا الا على الأسفار الخمسه الأولى من " العهد القديم " المنسوبه لموسى , وهي سفر التكوين , سفر الخروج , سفر الّلاوييّن , سفر العدد , سفر التثنيه . ولا بد من توضيح الفرق الرئيسي الهام بين مفهوم " بني اسرائيل " ومفهوم " اليهود " و " اليهوديه " .
بنو اسرائيل كانوا في زمانهم شعبا دان باليهوديه . وقد كان لهم , بين القرن الحادي عشر والقرن السادس قبل الميلاد , ملكا في بلاد السراة . وقد زال هذا الشعب من الوجود بزوال ملكه ولم يعد له أثر بعد أن انحلّت عناصره وامتزجت بشعوب أخرى في شبه الجزيره العربيه وغيرها . امّا اليهوديه , فهي ديانه توحيديه وضعت أسسها أصلا على أيدي أنبياء من بني اسرائيل , بناء على شريعة " توراة " موسى .
وقد كان بنو اسرائيل أول من دان باليهوديه , ولكنهم لم يكونوا وحدهم اليهود في زمانهم . والديانه اليهوديه التي ربما أنتشرت أول الأمر على أيديهم استمرت في الانتشار بعد زوالهم وأنقراضهم كشعب . وما زالت هذه الديانه منتشره في معظم أرجاء العالم بين شعوب مختلفه لا تمت الى بني اسرائيل بصله , لغه وعرق , مع العلم أن هناك عناصر من بني اسرائيل القدامى لا بدّ انها انصهرت في المجتمعات اليهوديه التي انتظمت في مختلف الأقطار بعد زوال ملك اسرائيل حيث قام . ومن البديهي ان العرق بحدّ ذاته لا يموت , انما الذي يموت هو " المجتمع والانتماء والاسم " , وذلك عن طريق التحول من واقع تاريخي الى واقع آخر . والأدّعاء السائد بين يهود العالم بأنهم من سلالة بني اسرائيل هو ادعاء شعري ّ لا يقوم على أي اساس من التاريخ . وبناء على ذلك فان الأدعاء " الصهيوني " الحديث بأن اليهود ليسوا مجتمعا دينيا فحسب بل شعب وريث لبني اسرائيل , هو ادعاء باطل اصلا , لأن بني اسرائيل شعب باد منذ القرن الخامس قبل الميلاد .
الواقع ان هذا الكتاب يبحث في " الجغرافيا التاريخيه للتوراة " وليس في أي أمر آخر , بما فيه قضية الصهيونيه . فيهود اليوم ليسوا استمرارا تاريخيا لبني اسرائيل ليكون لهم شيء يسمّى حقوق , والصحيح أن الحقوق التاريخيه للشعوب تزول بزوالها .
وأساس هذا الكتاب هو المقابله اللغويه بين اسماء الأماكن المضبوطه في التوراة بالحرف العبري , وأسماء أماكن تاريخيه أو حاليه في جنوب الحجاز وفي بلاد عسير مأخوذه اما عن قدامى الجغرافيين العرب ( الحسن الهمداني صاحب "صفة جزيرة العرب " , وياقوت الحموي , صاحب " معجم البلدان " ) أو عن المعجم الجغرافي للمملكه العربيه السعوديه , الذي بدأ بالظهور عام 1977 م . و" معجم معالم الحجاز " و " معجم قبائل الحجاز "
الذين صنفهما المقدّم عاتق بن غيث البلادي , ويذكر المؤلف عدة مراجع أخرى .....
وجدير بالاشاره الى أن المسح الأثري للمناطق الغربيه من شبه الجزيره العربيه لم يتم بعد بشكل كامل . ولم يقم علماء الآثار بحفريات منتظمه في هذه المناطق . ولربما جاء هذا العلم بما يدعم الاستنتاجات اللغويه والنظريه الموجزه في هذا الكتاب ويزيد في توضيحها . وجلّ ماهو معروف عن هذا الأمر حتى الان هو أن المناطق المشار اليها غنيه جدا بالأثار والنقوش القديمه . وهذا ما يجمع عليه الجغرافيون والرحّاله من عرب وأجانب . ومن الكتابات الصخريه الموجوده هناك ما كتب بأحرف أبجديه لم تحلّ رموزها بعد , كنقش " رهو الرّاء " في وادي الخلصه الذي يذكره الزهراني في معجمه الجغرافي لبلاد غامد وزهران .
وقد تبدو مقولة هذا الكتاب في منتهى الغرابه للوهله الأولى ليس فقط بالنسبه لليهود والمسيحيه بل أيضا للمسلمين . والواقع هو أن القرآن الكريم يقول بكل وضوح أن مقام ابراهيم الخليل كان " ببكّه " ( سورة آل عمران , 96 – 97 ) . وليس هناك في النص القرآني ما يشير الى أيّة علاقه بين بني اسرائيل وأرض فلسطين . ناهيك عن أن مفسّري القرآن الكريم لم يستبعدوا وجودا تاريخيا لبني اسرائيل في غرب شبه الجزيره العربيه .
والوجود اليهودي القديم في شبه الجزيره العربيه مشهود به في التواريخ العربيه وفي الشعر الجاهلي . وقد كانت اليهوديه ديانة آخر ملوك حمير باليمن , وربّما كانت أيضا ديانه واسعة الانتشار في مملكة حمير منذ أن قامت هذه المملكه عام 115 قبل الميلاد .


يقول القرآن الكريم ان هناك من اليهود من " يحرّفون الكلم عن مواضعه " وأنهم يفعلون ذلك " ليّا بألسنتهم " ( سورة النساء ) . وفي هذه الايه اشاره واضحه وبالغة الدقّه في الوصف الى العمل الذي كانت تقوم به فئه دون غيرها من أحبار اليهود , وهم المعروفون بالمصورييتّين ( أي أهل التقليد ) , ابتداء بالقرن الميلادي السادس وحتى العاشر الميلادي . وبالفعل , فقد قام هؤلاء بتحريف النصوص التوراتيه عن طريق ادخال الحركات والضوابط عليها بصوره اعتباطيه في أحيان كثيره , ممّا غيّر اعراب الجمل وحوّر المعاني . ولم يرق عمل المصوريتيين هذا لغيرهم من أحبار اليهود المعروفين بالربّانيين في البدايه , لكن الربانيين قبلوا ما عمله المصوريتيون مع الوقت , بحيث أصبح النص التوراتي المصوريتي المضبوط من التوراة هو النصّ المعتمد من قبل اليهود . وقبل المسيحيون أيضا بالنص المصوريتي للتوراة , وعلماء التوراة اليوم , بمن فيهم العلماء اليهود , يعرفون تماما ان ضبط المصوريتيين للتوراة لم يكن صحيحا في مواقع كثيره , وقد قامت عدة محاولات لاعادة النظر في هذا الضبط , وهذه المحاولات لم تف بالمطلوب , لأن التحريف الذي أدخله الضبط المصوريتي على النّص التوراتي هو أضخم بكثير مما يتصوره علماء التوراة .
وبناء على ذلك , فقد عمدت في معالجتي للنصوص التوراتيه في هذه الدراسه الى اهمال الضبط المصوريتي لهذه النصوص , واجتهدت قدر الامكان في فهم المقصود منها كما وردت أصلا بالأحرف الساكنه . وقد نتج عن ذلك فهم جديد لمقاطع توراتيه عديده , وذلك زياده عن النتائج التي توصّلت اليها بشأن جغرافيا التوراة . ومن علماء التورات من يفترض بأن المصوريتيين لم يكتفوا بتحريك النص التوراتي حسب ما ارتأوا , بل أنهم ذهبوا الى أبعد من ذلك فغيّروا الأحرف الساكنه في بعض الأحيان . وربما حدث ذلك بالفعل دون أن يمس بأسماء الأماكن .
- يقدم الكاتب طرح مثير جدا في ما يلي :
- ان اللغات الساميّه الثلاث التي نحن بصددها كانت لغات قائمه جنبا الى جنب , سواء في في الشام أو في غرب الجزيره العربيه , في آن واحد . وفي هذا الواقع وحده ما يقلب المفاهيم بالنسبه الى جغرافيا اللغات الساميّه وتاريخها رأسا على عقب . ولا عجب في أن اللغه العربيه كانت معاصره للكنعانيه والآراميه في الأزمنه التوراتيه . فالعربيه , سواء من ناحية تصويتها ( أي فونولوجيتها ) أو من ناحية صرفها ( أي مورفولوجيتها ) تعتبر أقدم اللغات الثلاث من قبل أهل الأختصاص . وربّما كانت في الأصل لغة الأعراب من أهل الباديه , في حين أن الكنعانيه والاراميه كانتا من لغات النبط ( أو النبيط وهم سكّان الحواضر ) . ولا بدّ أن أنهيار حضارات النبط في هذه الأقطار , ابتداء بالقرن الثاني أو الثالث للميلاد , وامتداد نفوذ الأعراب الى الحواضر المحيطه بالباديه , كان هو السبب في انتشار لغة الأعراب وحلولها مكان اللغات النبطيه حيث وجدت . وفي اليمن حلّت اللغه العربيه محل ّ اللغه اليمنيه القديمه القريبه من الحبشيه . والواضح من أسماء الأماكن في اليمن أن لهجات من الكنعانيه والآراميه كانت منتشره هناك قبل تحوّل هذه المنطقه من شبه الجزيره العربيه الى اللغه اليمنيه القديمه . وربّما حدث هذا التحول في وقت سابق للقرن السادس قبل الميلاد , اذ هناك نقوش باللغه اليمنيه تعود , حسب تقديرأهل الأختصاص , الى ذلك القرن . ويبدو أن هذه اللغه كانت منتشره في زمانها من اليمن شمالا حتى مشارف الحجاز .
- المهم في ذلك أن الدراسه اللغويّه لأسماء الأماكن هي ضرب من علم الأثار , لأن أسماء الأماكن هي في الواقع أثار .
- ومهما كان الأمر بالنسبه الى صحة مقولة هذا الكتاب على وجه العموم , فلا بدّ أني وقعت في أخطاء كثيره في التفاصيل , خصوصا وأني أوّل من عالج هذه التفاصيل .
- وقد قيل ان الحقيقه هي وليده الزمن , ولا يص في النهايه الا الصحيح .
- كمال سليمان الصليبي - 27 اذار 1985 .
-------------------------------------------------------

عبدالسلام زيان
01/03/2006, 04:02 PM
اخ الشايب الف شكر على هذه اللمحة من الكتاب الذي سمعت عنه فقط

من زاويتي اظن ان اليهود قدموا الى المنطقة من مكان اخر

ساواصل ما بدات به حولهم وسارى اين ساصل


تحياتي والف شكر

الشايب
01/03/2006, 07:36 PM
الصديق عبد السلام ..
سأتابع تقديم الفصول الاولى من هذا الكتاب الهام للغاية ..

ذهب البعض الى القول ان موطن اليهود الأول كان في " الحبشة " ..

في حين يذهب ارثر كوستلر الى القول ان اليهود المعاصرين هم من قبلائل الخزر التي اعتنقت اليهودية في القرن العاشر الهجري وهم القبائل التي سكنت المنطقة الممتدة من بحرقزوين " بحر الخزر , وبين البحر الاسود ..

عبدالسلام زيان
01/03/2006, 08:27 PM
اخونا الشايب

كل شيء محتمل لكن من زاويتي ساحاول ربطهم دينيا بمجموعة اخرى وبالادلة

وسارى اين اصل المهم هو اني سانشر عدة مقالات حول الاوبانيشادر وبعدها اظن ان الامر سيصبح سهلا

ان الامور معقدة جدا لكن اتمنى ان اصل الى نتيجة قبل الصيف


اترقب منك المزيد جول نظرية الكاتب السيد الصليبي



تحياتي لك والف تحية

الشايب
02/03/2006, 04:13 AM
ملاحظات لغويه ..

تشترك الأبجديتان العربيه والعبريه " ب 22 حرفا ", وتنفرد العربيه " ب 6 أحرف " اضافيه. الأحرف الزائده هي ( ث, خ, ذ, ض, ظ, ع ). مع العلم أن حرف ( الشين ) بالعبريه يلفظ حسب " التنقيط " ( سين ) ايضا .
وهناك جذور كثيره مشتركه بين العبريه " التوراتيه " والعربيه . ويبقى هناك أربعة أحرف عبريه لا تتحول الى أحرف أخرى بالعربيه " ب, ه , ل , ر ", بل تبقى هي ذاتها في الجذور المشتركه بين اللغتين . وهناك حرف ( س ) بالعبريه ويسمّى " سامك " , وهو غير ( السين ) , ويلفظ بالعربيه ( سينا ) وأحيانا ( صادا ), وربما ( زين ). وهناك ظاهره مشهوده في اللغات الساميه , " وهي الأستبدال " , أي قلب الأحرف في الجذر المشترك بين لغه وأخرى أو بين لهجه وأخرى في اللغه الواحده . مثل " زوج " في اللغه العربيه الفصحى , تصبح في بعض العاميات العربيه " جوز " بقلب أحرف الجذر , وهناك أمثله عديده في اللغات الساميه .
يلاحظ من المقابله بين اسماء الأماكن التوراتيه وتلك الموجوده الى اليوم في غرب شبه الجزيره العربيه , أن معظم هذه الأسماء , مهما كان اللفظ لغويّا , قد تعرّب في اللفظ وليس في المعنى . لذلك فان التغير في معظم هذه الأسماء قد تمّ امّا عن طريق قلب الأحرف , أو عن طريق تغير الأحرف شبه الصوتيه ( ء , و, ي ) دون الأحرف الصوتيه . ولم يتعرّب من هذه الأحرف , في أكثر الأحيان , الا الأحرف العبريه التي تقابل الأحرف العربيه الاضافيه ( ث, خ, ذ, ض, ظ, ع ) , وحرف الميم عندما يكون لاحقة المذكر العبريه , فينقلب ( نونا ) بالعربيه. هناك اسماء اماكن عبريه ما زالت موجوده الى اليوم بشكل مترجم , لا بشكل معرب . مثلا بالعبريه ( شعلبيم ) التي هي اليوم " الثعالب " ( جمع التكسير بالعربي بدلا من جمع المذكر في الأسم التوراتي ) .
تعقيب .. الياء والميم تعني علامة الجمع في العبريه ولم تقابلها النون في العربيه هنا لان الجمع جمع تكسير .
ويلاحظ أيضا بأن حرف اللام في أسماء الاماكن التوراتيه , مهما كان موضعه في التركيب , كثيرا ما ينقلب الى ( أل ) التعريف في الأسم المعرّب . فاسم المكان " جلعد " التوراتي , مثلا, يصبح في شكله الحالي " الجعد " , واسم المكان التوراتي " لمعله " يصبح " المعلاة " .
أضف أن ( اداة التعريف العبريه ), وهي ( الهاء ) , تنقلب الى أداة التعريف العربيه ( أل ) , ايضا.
والمقابله بين الألفاظ ( ومنها أسماء الاماكن ) في اللغات الساميه تكون بمقابلة " التركيب الأساسي " لهذه الألفاظ بين لغه وأخرى , دون النظر الى اللواحق وأحرف العله عندما تكون هذه معتمده فقط للتصويت .
ويبدو أن الطريقه التي تعرّبت فيها الأسماء التوراتيه في شبه الجزيره العربيه تختلف من منطقه الى أخرى . فالشين العبريه لا تنقلب عادة الى ( ثاء ) بالعربيه الا في منطقة جيزان ( حيث الأسم التوراتي " بشن ", انقلب الى " بثنه ") , وفي منطقة الأوديه الداخليه ( حيث الاسم التوراتي " شفم " مثلا , انقلب الى " ثفن " ) .
تعقيب .. يقول المؤلف أنه يلاحظ في دراسته , ان " الكاف " التوراتيه تبقى " كافا " , أو تتحول الى " قاف " ,
ولا تتحول أبدا الى " خاء " . وفي ذلك ما يستوجب اعادة النظر في أمر العلاقه عمليا بين ( الكاف العبريه والخاء العربيه ) .
تعقيب .. وهو موضوع يتعلق بالترجمه للكتاب المقدس الى العربيه وما يرافقه على الدوام من اختلافات فقهيه تقع في صلب الجدل المسيحي – المسيحي , حول طبيعة السيد المسيح وعلاقته بالتوراة .
توضيح قبل المتابعه للمهتمين فقط ...
المؤلف .. مختص باللغات الساميه وخصوصا العبريه القديمه , اذا هو يستطيع ان يعود الى التوراة بجذرها اللغوي الأصلي , ليطابق الاسماء مع الجذر العربي واللفظ العربي والاسم العربي للاماكن موضوع الدراسه , وهي ميزه لا يتمتع بها من خاض بعده في هذا الموضوع , علما ان له فضل السبق في هذا الطرح المميز .
هذا الموضوع يقع في دائرة الاختصاص اللغوي ومهما بسطت النص سيبقى معقدا , لذلك سألجا من الان وصاعدا الى الاختصار وأعادة الصياغه لتقريب الافكار والطروحات , وهدفي لفت النظر الى الموضوع ورغبتي في عدم موت هذا الطرح التراثي الأنساني أولا وأخيرا .
اكتفي بتزايد أرقام الزوار لهذه الصفحه , أو الأسئله الأستفساريه عن صياغتي للجمل فقط , فهذه قدرتي الان وحتى أكتمال الفكره .
ساحاول التغلب على ضعفي التقني وعدم رغبتي في التطور , لأنقل الخرائط المرافقه للكتاب والضروريه من الان وصاعدا في شرح الافكار , لأن الطرح الرئيسي هو جغرافي , فالتوراة غنيه جدا بالجغرافيا والاتجاهات والمسافات بين المواقع والمدن , ونظرا لقدسية النص التوراتي فقد حافظ علماء التوراة عليها , رغم الأرباك الهائل الذي لا يزال مستمرا عند تطبيق جغرافية التوراة على جغرافية فلسطين .
وهنا نقطة القوه الرئيسيه في الكتاب .

الشايب
03/03/2006, 09:58 AM
العالم اليهودي في العصور القديمه ..

في غرب شبه الجزيره العربيه, في منطقه بطول حوالي 600 كم وبعرض 200 كم, وتشمل ماهو اليوم عسير والجزء الجنوبي من الحجاز . تبيّن لي أن الخريطة التي تستخلص من نصوص التوراة في أصلها العبري, سواء من ناحية أسماء الأمكنه أو من ناحية القرائن أو الاحداثيات, تتطابق تماما مع خريطة هذه الأرض . وهي حقيقه ذات " أهميه أوليه ", نظرا لأنه لم يثبت بعد اطلاقا تطابق الخريطه الموصوفه في التوراة مع خريطة الأرض بين " النيل والفرات " التي أعتبرت حتى اليوم أنها كانت بلاد التوراة .
وأكثر من ذلك, فاني لم أستطع العثور على مثل هذا التجمع لأسماء الأمكنه التوراتيه, وفي صيغها الأصليه عادة, في أي جزء آخر من الشرق الأدنى . وهنا قدم الاستنتاج المذهل نفسه بنفسه : اليهوديه لم تولد في فلسطين بل في غرب شبه الجزيره العربيه, ومسار تاريخ بني اسرائيل, كما روي في التوراة العبريه, كان هناك, في شبه الجزيره العربيه, وليس في أي مكان آخر .
هذا لا يعني أن اليهود لم يكن لهم أي وجود في فلسطين أو في غيرها من البلدان خارج شبه الجزيره العربيه في أيام التوراة, بل جلّ ما يعني هو أن التوراة العبريه " العهد القديم " من الكتاب المقدس, هي بالدرجه الأولى, سجل للتجربه التاريخيه اليهوديه في غرب شبه الجزيره العربيه في زمن بني اسرائيل .
وفي غياب السجلات الضروريه, لا بدّ من اللجوء الى التكهن بكيفية استقرار اليهوديه منذ وقت مبكر في فلسطين, وهنا سأغامر بتفسير أقدمه .
بين الأديان المعروفه في قديم الشرق الأدنى, تقف اليهوديه في فئه تضمها وحدها, اذ لم تجر أي محاوله ناجحه حقا لتفسير أصولها من خلال الأديان العراقيه أوالشاميه أو المصريه القديمه, باستثناء ما جرى على مستوى الاستعارات الأسطوريه " الميثولوجيه " كما في قصة الطوفان . وحتى في هذه الحاله لايمكن للمرء حقا أن يقول أين ولدت أمثال هذه الأساطير ومن أستعارها ممن أو أخذها عنه .
يجب البحث عن الأصول الحقيقيه لليهوديه في ثنايا الاتجاه في منحى التوحيد في عسير القديمه, حيث تم الجمع في وقت ما بين عدد من آلهة الجبال ( ومنهم \يهوه \ وآلهة \صبءوت\ و \شلم \ و\شدي \ و\عليون \ ), وهم في الترجمه العربيه المعتمده " الرب " و" اله الجنود " و " اله السلام " و " الله القدير " و " الله العلي ", واعترف بهم كاله واحد أسمى .
وربما حدث ذلك بالترافق مع قيام تآلف بين بعض القبائل المحليه . وبعد أن تبنى سكان محليون يسمون الاسرائيليين ( والأصح بني اسرائيل ) هذا التوحيد البدائي المولود في غرب شبه الجزيره العربيه, قام هؤلاء بتطويره, مرحله بعد أخرى, الى ديانه عميقة المضمون, لها كتبها المقدسه, وتشمل مفهوما متطورا للألوهيه ومحتوى اجتماعيا وأخلاقيا مصقولا الى درجه رفيعه . ولا بد من أن هذه الديانه كانت في زمنها على قدره فائقه في اجتذاب المهتدين اليها من خارج موقعها الاصلي وحيث وجدت مستويات معينه من عمق التفكير ومن الحساسيه الخلقيه . ولا بد أن مما ساعد على بشكل خاص على نشرها هو أنها كانت ديانه ذات كتاب, طورها اناس قادرون على القراءه والكتابه .
تعقيب .. لا يستطيع المؤلف وهو يقوم بعملية سحب لمركز الثقل الديني, وما تبعه من روايه تاريخيه-دينيه, من فلسطين الى بلاد عسير جنوبا. الا أن يمر بسرعه على متلازمات هذا السحب الجغرافي الحاد, في الأساطير الدينيه ليقدم , ليس حلا بديلا وانما نقاط تصلح لرؤيه جديده في موضوع هو القدم والمقدس بعينه .

تعقيب ثاني ..لا أستطيع منع نفسي من ملاحظة تطابق هذه القراءه- التصور, مع ما حدث بعد ذلك بحوالي ( الف وخمسمائة عام ), في نفس الجغرافيه والبيئه واللغه والمقدس, نشأة وأنتشار الأسلام .

سأعتمد مابين . \ \ .. للكلمات بالأصل العبري , و , مابين .. " " .. للعربي .

عبدالسلام زيان
03/03/2006, 10:11 AM
اخونا الشايب

شكرا جزيلا على هذا التقديم واتمنى المزيد


وتحياتي وتقديري

الشايب
03/03/2006, 02:23 PM
عالم اليهودي في العصور القديمة .. 1 .

المرجح ان انتشار اليهوديه المبكر سلك طريق القوافل الى الشمال " فلسطين " المحطه الساحليه الاولى لتجارة غرب شبه الجزيره العربيه . ولا بد ان المستوطنين اليهود الاوائل هناك كانوا من تجار غرب شبه الجزيره العربيه الذين حاولوا بقوه جذب السكان المحليين الى دينهم التوحيدي والذي كان يفوق العقائد المحليه في مستواه الفكري والخلقي وكذلك الديانات العليا لامبراطوريات مصر والعراق .
وكان الفلسطينيون الذين وصلوا اولا من غرب شبه الجزيره العربيه هم اول من استوطن ارض فلسطين وصارت تعرف البلاد باسمهم . وهو ما يقوله هيرودوتس .
وقد سرع هجرة الفلسطينيين من غرب شبه الجزيره العربيه , قيام مملكة اسرائيل في اواخر القرن الحادي عشر في غرب شبه الجزيره .
وفي شمال فلسطين, اعطى الكنعانيون " القادمون من غرب شبه الجزيره ايضا " اسماء من غرب شبه الجزيره العربيه لبعض مستوطناتهم مثل: صور وصيدون وجبيل وأرواد ولبنان . وكذلك فعل اليهود المنتقلون الى تلك البلاد في اوقات لاحقه . اطلقوا اسمائهم على بعض مستوطناتهم في فلسطين مثل: يهوده ويرشليم وبيت لحم وشمرون (السامره) والكرمل وحرمون والاردن . وهذا ما تميزت به الهجرات البشريه تاريخيا في نقل اسماء الاماكن والمدن والاقاليم والجبال .
غرب شبه الجزيره العربيه كان مضربا لأنظار الفاتحين منذ أقدم العصور لأنه يشكل اهم نقاط التقاطع بين الخطوط التجاريه في العالم القديم .
كانت مصر تمر بفترة انكماش , بين اواخر القرن الحادي عشر واوائل القرن العاشر , عندما برزت المملكه الاسرائيليه عند منحدرات عسير الساحليه في ايام شاول وتوسعت في ايام داود ووصلت ذروتها في ايام سليمان . ولو كان داود او سليمان في وقتهما هما السيدين الفعليين على دوله شاميه مترامية الاطراف تسيطر على الاقليم الاستراتيجي الذي يفصل مصر عن بلاد العراق كما هو الافتراض الشائع لكانت " السجلات المصريه والاشوريه " المتعاصره قد اشارت اليهما بالتاكيد باسمائهما , وهو ما لم تفعله هذه السجلات .
بعد وفاة سليمان انقسمت مملكته الى " اسرائيل " و " يهوذا " . وادت الحروب التي دارت بينهما الى تسريع هجرة اليهود الى فلسطين . ثم تسارعت بعد ان قام الملك الاشوري سرجون الثاني العام 721 ق.م , بتصفية مملكة اسرائيل . وفي العام 586 ق.م , قضى الملك البابلي نبوخذ نصّر على مملكة يهوذا .
لتتعلق امال اليهود بعد تدمير وجودهم في غرب شبه الجزيره العربيه , بفلسطين والمستوطنات التي اقاموها هناك , ولتتمحور ادبياتهم حول كلمات مثل " ابنة صهيون " و " ابنة اوروشليم " . كنايه عن المدن التي فقدوها في شبه الجزيره العربيه ويريدون اعادة بنائها في فلسطين التي يتوسمون خيرا فيها في العالم الجديد لهم .
جاء دور الدوله الفارسيه التي استطاعت ان توحد بلاد الشام واغلب شبه الجزيره العربيه ومصر بدوله واحده . ولكن ذلك ادى الى تحويل طرق التجاره العالميه عن شبه الجزيره العربيه , ثم جاء بناء الفرس لقناة تربط البحر الاحمر بالنيل , ليقضي على غرب شبه الجزيره العربيه اقتصاديا وبصوره كارثيه .
وعندما سمح الفرس لليهود بالعوده الى بلادهم في شبه الجزيره العربيه , لم يجدوا الا الخراب والفقر وهنا تنتهي الروايه العبريه وينتهي معها تاريخ بني اسرائيل الذين زالوا كشعب من الوجود بعد ان اخفقوا في اعادة بناء موطنهم الاصلي في غرب شبه الجزيره العربيه .
وجاءت التحولات اللغويه في المنطقه , بموت اللغه الكنعانيه وتحول الدوله الفارسيه ( الاخمينيين) الى الاراميه ثم انتشار العربيه بقوه في القرون المسيحيه الاولى , لتقضي حتى على الذاكره اليهوديه في تلك البلاد , ولتصبح قراءة الكتب المقدسه العبريه , مشكله . وتراجعت أحوال اليهود المعيشيه الى حد كان من الصعب العثور فيما بينهم على علماء لهم القدره على تصحيح القراءه الجغرافيه لابناء دينهم الفلسطينيين والبابليين . واكثر من ذلك , فان يهود غرب شبه الجزيره العربيه استمروا في عيشهم كيهود من الناحيه الدينيه فقط , وليس كأسرائيليين من الناحيتين الاثنيه والسياسيه . وما عادوا يتكلمون اللغه العبريه التي كتبت بها كتبهم المقدسه , وقبل مضي وقت طويل كانت لغتهم قد اصبحت العربيه .
وعندما بدأ اليهود الفلسطينيون والبابليون أخيرا بضبط نصوص التوراة العبريه بالاشارات الصوتيه , وذلك في غضون القرن السادس للميلاد , كانت قد مرّت قرون عديده على الزمن الذي كانت فيه العبريه او أي لهجه كنعانيه , متداوله في الكلام في أي مكان . وكانت اصول اليهوديه في غرب شبه الجزيره العربيه قد دخلت منذ زمن طويل في طي النسيان .

الشايب
03/03/2006, 02:28 PM
العالم اليهودي في العصور القديمه .. 2 .

ومن العوامل التي ساعدت , ولا بدّ, على طمس ذكرى الماضي اليهودي في غرب شبه الجزيره العربيه ما يتعلق بالتطورات السياسيه في تلك المنطقه وفي فلسطين بعد انقراض بني اسرائيل .
ادى الضعف الذي اصاب الامبراطوريه الأخمينيه من العام 400 ق.م , الى نشؤ كيانات سياسيه جديده, وخصوصا من بينها ما يسمى بدولة " معين ", في المنطقه التي شهدت قبلا قيام مملكة الاسرائيليين . تشتت يهود شبه الجزيره بين الكيانات المحليه وفقدوا شعورهم بالانتماء الخاص كشعب واحد, اذ لم يعد هناك ما يجمع شملهم سياسيا , ولم يكن الامر كذلك في فلسطين .
رسمت فتوحات الاسكندر نهاية الامبراطوريه الفارسيه, وبعد موته قامت امبراطوريه "هيلينيه" للبطالسه في مصر وعاصمتها الاسكندريه . وأخرى سلوقيه في في الشام وعاصمتها انطاكيه . ووقعت فلسطين تحت السيطره السلوقيه واستمر التنافس بين الامبراطوريتين مما سمح لليهود بالقيام بثوره ادت الى انتزاعهم الاستقلال عن السلوقيين ( 142 ) ق.م , قادها كهنه من الحشمونيين واستطاعوا السيطره على اورشليم الفلسطينيه . وكان يهود العالم قد اعتادوا النظر الى هيكل اورشليم على انه قدسهم الرئيسي . ووسع الحشمونيين رقعة الارض لتضم جنوب الجليل شمالا, ومرتفعات شرق نهر الاردن والبحر الميت . واعتبر الحشمونيين انفسهم ورثة اسرائيل الشرعيين واستمرت مملكتهم حتى مجيء الرومان, وانتهت في سنة 63 ق.م . وفي سنة 37 ق.م , نظم مجلس الشيوخ الروماني اراضيهم السابقه جاعلا منها مملكة اليهوديه التابعه لروما , ونصب عليها هيرودس الادومي ملكا . ثم قام الرومان 70 بعد الميلاد , بتدمير المدينه وهيكلها وتشتيت اهلها .
وفي تلك الايام كان كل المسرح الجغرافي للروايات التاريخيه للتوراة قد أصبح يفهم على أنه يضم بشكل رئيسي بلاد الشرق الادنى الشماليه ( العراق والشام ومصر ) , وليس غرب شبه الجزيره العربيه . وهذا واضح مما يسمى بال " سبتواجينت " , " السبعونيه " , وهي ترجمه يونانيه للكتب المقدسه اليهوديه تمت في العصر الهيليني ومطلع العصر الروماني .
والحقيقه الساطعه هي ان متواليه من علماء الاثار قامت بمسح وحفر الاراضي الشماليه للشرق الادنى وان بقايا العديد من الحضارات المنسيه قد نبشت من تحت الارض ودرست وأرخت , في حين لم يعثر في أي مكنا على " أثر واحد يمكنه ان يصنف جديا على أنه يتعلق مباشرة الى أي حدّ بالتاريخ التوراتي " .
وفي حاله بارزه مثل " بئر السبع " الفلسطينيه . فان بلده يظهر اسمها ببروز في الروايات الابائيه لسف التكوين , وبالتالي يفترض ان تعود أصولها الى أواخر العصر البرونزي على الاقل, لم يعثر فيها الا على مواد أثريه تعود بتاريخها الى المرحله الرومانيه على أبعد حد .
وعلى سبيل المثال فان الباحثين المحدثين يقولون بان الفلستّيين التوراتيين كانوا شعبا بحريا غامضا " غير سامي ", مما يتركهم في ضياع حول كيفية تفسير الأسماء الساميه ( العبريه في الواقع ) , التي تمنحها النصوص التوراتيه ليس الى زعمائهم فقط بل ايضل لالههم " داجون ", ( بالعبريه دجن أي "حنطه " ) .
وهناك امران مؤكدان : لقد تم البحث بدقه ودأب ولاكثر من قرن عن اثار لأصول للعبريين في بلاد العراق وعن هجرتهم المفترضه من هناك الى فلسطين عبر شمال الشام دون العثور على شيء اطلاقا وكذلك فانه لم يكشف حتى الان أي أثر حقيقي غير قابل للنقاش حول الأسر الاسرائيلي في مصر أو حول الخروج الاسرائيلي من هناك في أي من العصور القديمه .
في الدراسه الراهنه ستنقلب الامور رأسا على عقب . وبدلا من أخذ جغرافيا التوراة العبريه كمسلّمه ومناقشة صحتها تاريخيا , سآخذ تاريخيتها كمسلّمه واناقش جغرافيتها .
اذا بنقل جغرافية التوراة من فلسطين الى غرب شبه الجزيره العربيه لا تبقى هناك أي صعوبه . والعوده الى قراءة السجلات المصريه والشاميه وسجلات العراق القديمه على ضوء هذا التوافق الجغرافي الجديد للتاريخ التوراتي تجعل كل شيء يعود الى نصابه وتصبح الصوره العامه التاريخيه للتوراة العبريه , التي هي الوحيده التي تروي القصّه الكامله لأحد شعوب الشرق الأدنى القديم , مفتاح اللغز لكل الاحاجي الغامضه لتاريخ الشرق الادنى القديم , بدلا من ان تكون هي نفسها الاحجيه , وهي بعيده كل البعد عن كونها ذلك .

الشايب
05/03/2006, 12:53 PM
العالم اليهودي في العصور القديمه .. 3
ومن العوامل التي ساعدت , ولا بدّ, على طمس ذكرى الماضي اليهودي في غرب شبه الجزيره العربيه ما يتعلق بالتطورات السياسيه في تلك المنطقه وفي فلسطين بعد انقراض بني اسرائيل .
ادى الضعف الذي اصاب الامبراطوريه الأخمينيه من العام 400 ق.م , الى نشؤ كيانات سياسيه جديده, وخصوصا من بينها ما يسمى بدولة " معين ", في المنطقه التي شهدت قبلا قيام مملكة الاسرائيليين . تشتت يهود شبه الجزيره بين الكيانات المحليه وفقدوا شعورهم بالانتماء الخاص كشعب واحد, اذ لم يعد هناك ما يجمع شملهم سياسيا , ولم يكن الامر كذلك في فلسطين .
رسمت فتوحات الاسكندر نهاية الامبراطوريه الفارسيه, وبعد موته قامت امبراطوريه "هيلينيه" للبطالسه في مصر وعاصمتها الاسكندريه . وأخرى سلوقيه في في الشام وعاصمتها انطاكيه . ووقعت فلسطين تحت السيطره السلوقيه واستمر التنافس بين الامبراطوريتين مما سمح لليهود بالقيام بثوره ادت الى انتزاعهم الاستقلال عن السلوقيين ( 142 ) ق.م , قادها كهنه من الحشمونيين واستطاعوا السيطره على اورشليم الفلسطينيه . وكان يهود العالم قد اعتادوا النظر الى هيكل اورشليم على انه قدسهم الرئيسي . ووسع الحشمونيين رقعة الارض لتضم جنوب الجليل شمالا, ومرتفعات شرق نهر الاردن والبحر الميت . واعتبر الحشمونيين انفسهم ورثة اسرائيل الشرعيين واستمرت مملكتهم حتى مجيء الرومان, وانتهت في سنة 63 ق.م . وفي سنة 37 ق.م , نظم مجلس الشيوخ الروماني اراضيهم السابقه جاعلا منها مملكة اليهوديه التابعه لروما , ونصب عليها هيرودس الادومي ملكا . ثم قام الرومان 70 بعد الميلاد , بتدمير المدينه وهيكلها وتشتيت اهلها .
وفي تلك الايام كان كل المسرح الجغرافي للروايات التاريخيه للتوراة قد أصبح يفهم على أنه يضم بشكل رئيسي بلاد الشرق الادنى الشماليه ( العراق والشام ومصر ) , وليس غرب شبه الجزيره العربيه . وهذا واضح مما يسمى بال " سبتواجينت " , " السبعونيه " , وهي ترجمه يونانيه للكتب المقدسه اليهوديه تمت في العصر الهيليني ومطلع العصر الروماني .
والحقيقه الساطعه هي ان متواليه من علماء الاثار قامت بمسح وحفر الاراضي الشماليه للشرق الادنى وان بقايا العديد من الحضارات المنسيه قد نبشت من تحت الارض ودرست وأرخت , في حين لم يعثر في أي مكنا على " أثر واحد يمكنه ان يصنف جديا على أنه يتعلق مباشرة الى أي حدّ بالتاريخ التوراتي " .
وفي حاله بارزه مثل " بئر السبع " الفلسطينيه . فان بلده يظهر اسمها ببروز في الروايات الابائيه لسف التكوين , وبالتالي يفترض ان تعود أصولها الى أواخر العصر البرونزي على الاقل, لم يعثر فيها الا على مواد أثريه تعود بتاريخها الى المرحله الرومانيه على أبعد حد .
وعلى سبيل المثال فان الباحثين المحدثين يقولون بان الفلستّيين التوراتيين كانوا شعبا بحريا غامضا " غير سامي ", مما يتركهم في ضياع حول كيفية تفسير الأسماء الساميه ( العبريه في الواقع ) , التي تمنحها النصوص التوراتيه ليس الى زعمائهم فقط بل ايضل لالههم " داجون ", ( بالعبريه دجن أي "حنطه " ) .
وهناك امران مؤكدان : لقد تم البحث بدقه ودأب ولاكثر من قرن عن اثار لأصول للعبريين في بلاد العراق وعن هجرتهم المفترضه من هناك الى فلسطين عبر شمال الشام دون العثور على شيء اطلاقا وكذلك فانه لم يكشف حتى الان أي أثر حقيقي غير قابل للنقاش حول الأسر الاسرائيلي في مصر أو حول الخروج الاسرائيلي من هناك في أي من العصور القديمه .
في الدراسه الراهنه ستنقلب الامور رأسا على عقب . وبدلا من أخذ جغرافيا التوراة العبريه كمسلّمه ومناقشة صحتها تاريخيا , سآخذ تاريخيتها كمسلّمه واناقش جغرافيتها .
اذا بنقل جغرافية التوراة من فلسطين الى غرب شبه الجزيره العربيه لا تبقى هناك أي صعوبه . والعوده الى قراءة السجلات المصريه والشاميه وسجلات العراق القديمه على ضوء هذا التوافق الجغرافي الجديد للتاريخ التوراتي تجعل كل شيء يعود الى نصابه وتصبح الصوره العامه التاريخيه للتوراة العبريه , التي هي الوحيده التي تروي القصّه الكامله لأحد شعوب الشرق الأدنى القديم , مفتاح اللغز لكل الاحاجي الغامضه لتاريخ الشرق الادنى القديم , بدلا من ان تكون هي نفسها الاحجيه , وهي بعيده كل البعد عن كونها ذلك .

الشايب
09/03/2006, 09:28 AM
مسألة نهج ..

كل معرفه صحيحه تتضمن قدرا من نبذ المتداول . بفضل الأمانه العلميه الدقيقه التي تحلى بها المصورتيون , فان النص المكتوب بالأحرف الساكنه للتوراة العبريه وصل الينا من القدم دون أن يمس تقريبا . لا بد أن الأسفار التوراتيه عموما , كما هي موجوده بين أيدينا قد أخذ معظمها شكله الحالي قبل النهاية التاريخيه لبني اسرائيل , أي في حدود القرن السادس أو الخامس قبل الميلاد على الأقل . والدليل على ذلك هو أن التوراة العبريه كانت قد ترجمت فعلا بكامل أسفارها الى اللغه الاراميه ( الترجومات ) خلال المرحله الأخمينيه , والى اليونانيه .
وما من دين الا ويعتني الأتقياء والمؤمنون من أتباعه أشد العنايه بحفظ نصوصه المقدسه في صيغتها الاصليه , ودراسة اسماء الاماكن تخدم بطريقتها الخاصه الغرض نفسه الذي يخدمه علة الاثار الميداني , مع فارق واحد هام , هو أن الاكتشافات الأثريه هي أكتشافات خرساء , مالم تتضمن كتابات منقوشه , في حين أن اسماء الاماكن ناطقه , تخبرنا بكيفية نطقها الفعلي ومعناها ونوع اللغه التي انبثقت عنها .
على سبيل المثال , اذا وجد الباحث مجموعه من أسماء الأماكن في غرب شبه الجزيره العربيه تتحدر بوضوح من لغة مطابقه بأحرفها الساكنه للعبريه التوراتيه او للاراميه التوراتيه , أمكنه أن يستنتج بلا تردد أن لغات مطابقه أو مماثله للعبريه أو الاراميه التوراتيه كانت تستخدم في القدم للكلام في شبه الجزيره العربيه وذلك قبل الفي سنه . واذا امكن البرهان , أكثر من ذلك , بأن لعدد كبير من أسماء الأماكن التوراتيه , مهما كانت أصولها اللغويه , مثائلها الحية في غرب شبه الجزيره العربيه , في حين أن للقليل منها مثائل في فلسطين , فان من المعقول طرح السؤال التالي : هل التوراة العبريه سجل لأحداث تاريخيه جرت في غرب شبه الجزيره العربيه
وليس في فلسطين .
وبالاضافه الى علم الأثار هناك طرق أخرى للتأكد مما اذا كان يمكن للتاريخ التوراتي أن يكون قد وجد مساره في غرب شبه الجزيره العربيه , لا في فلسطين . وفي هذا المجال يجب ان تؤخذ في الاعتبار كل المسائل المتعلقه بالطوبوغرافيا والجيولوجيا والمعادن والمياه والحيوان والنبات .
على سبيل المثال , اذا وجد نهر أو جدول مائي أو مجرى مياه في شبه الجزيره العربيه يسمى " فيشون " فان هذا النهر لا يحتمل ان يكون هو نفسه " فيشون " التوراتي الا اذا كان يمر في منطقه يمكن العثور فيها على الذهب , أو كان يمكن العثور على الذهب فيها فيما مضى ( سفر التكوين 2: 11-12) . والبرهان القاطع على أن " سدوم " و" عموره " التوراتيتين لم تكونا بلدتين قديمتين على شاطىء البحر الميت في فلسطين هو عدم وجود أي أثر لبراكين قديمه هناك , علما أن النار التي أخربت سدوم وعموره , على ما تقول التوراة , كانت ولا بد نارا بركانيه ( التكوين 19: 28,24) . واذا وجد الباحث سدوم وعموره بالاسم في غرب شبه الجزيره العربيه , فان عليه ان يتأكد من وجود بركان أو اثار بركانيه بالقرب من المكان . وكذلك اذا كان قصر الملك سليمان قد شيّد " بحجارة كريمه " ( الملوك الاول 7: 9-10 ) , فان من الصعب أن تكون مادة البناء المشار اليها هي أحجار فلسطين الكلسيه العاديه , بل ربما تكون من الحجر المانع " الغرانيت " الموجود في غرب شبه الجزيره العربيه .
أضف الى ذلك أن التوراة تذكر طيورا كثيره باسمائها ولا تأتي على ذكر الأوز والدجاج اطلاقا . ويفيد الجغرافي اليوناني استرابون الذي توفي عام 23 للميلاد , أن الأوز وفصيلة الدجاج لم يكن لهما وجود حتى زمانه في مناطق شبه الجزيره العربيه المقابله للحبشه , وقد اعتبر ذلك أمرا جديرا بالملاحظه .
وكذلك يجب أن ينتبه الباحث الى كل ما ورد في القرآن الكريم حول المسائل المتعلقه بالجغرافيا والتاريخ التوراتيين , وهو كثير , اذ أن أحدا لم يفعل ذلك بعد .
لقد جمع القرآن ودوّن تقريبا في نفس الوقت الذي كان فيه المصوريتيون قد بدأوا بتصويت وتصويب نص التوراة العبريه . وحيثما تكلم القرآن عن الآباء العبريين أو عن اسرائيل أو عن الأنبياء اليهود , اشار الى عدد من اسماء الأمكنه التي هي من الاسماء المعروفه في غرب شبه الجزيره العربيه .
استنادا الى التوراة ( الخروج3: 2) فان ملاك الرب " يهوه " ظهر على موسى بلهب من وسط عليقه في جبل حوريب / حرب / . وحتى الان جرى البحث عن جبل حوريب التوراتي في سيناء ولم يعثر عليه هناك بهذا الأسم . وهذا ما جعل بعض الباحثين ينثنون عن سيناء الى البحث عن جبل حوريب في الحجاز ولكن دون جدوى .
ولكن القرآن يقول لنا بالدقه أين كان حوريب , فهو مرتفع جبلي في الجهة البحريه من عسير , ويسمى اليوم جبل هادي , وعلى سفح جبل هادي هناك قريه مازالت تدعى حتى اليوم " الطّوا " , يمكن ان تكون قد أعطت اسمها يوما الى رافد مجاور يصب في وادي بقره , ولا بد أن هذا الرافد هو " الوادي المقدس طوى " المذكور في القرآن . وهي منطقه كانت ناشطه براكانيا .
وحيث يروي القرآن القصص التوراتيه , فانه لا يكرر الروايات التوراتيه لهذه القصص , كما هي النظره السائده اليوم بين الباحثين الغربيين . بل ان محتوى القرآن الكريم حيث تتوافق مع محتويات التوراة العبريه هي روايه تاريخيه مستقله تماما عن رواية التوراة ولا بد من دراستها على هذا الاساس .
والسيء نفسه ينطبق على الروايات القرانيه لقصص الأناجيل المسيحيه . وقد تبدو الروايتين التوراتيه والقرانيه محيّره للوهلة الاولى , ومع ذلك فانها قد تصبح باعثه على التنوير , لأن في القرآن الكريم ما يوضح غوامض التوراة في أحيان كثيره , وهذا أمر غاية في الأهميه .

الشايب
11/03/2006, 08:22 AM
أرض عسير ..
اسم عسير مصطلح جغرافي حديث الاستعمال , وهو يرمز منذ القرن التاسع عشر الى مرتفعات غرب شبه الجزيره العربيه الممتده من النماص شمالا الى نجران جنوبا , ومن الشرق الى الغرب تمتد عسير من أطراف صحراء وسط شبه الجزيره العربيه الى ساحل البحر الاحمر . وعسير اليوم احدى مقاطعات المملكه العربيه السعوديه , وقاعدتها مدينة ابها .
وعسير بشكل خاص هي بلاد " السراة " ( أي أعلى الأرض ) والاسم يشير الى امتداد هضبي يتراوح ارتفاعه بين 1700 و 3200 متر عن سطح البحر , والسراة هذه بمثابة العمود الفقري لأرض عسير , وتبلغ السراة اعلى ارتفاعها قرب أبها .
الجانب البحري من عسير يتألف في الواقع من عدد لا متناه من الهضاب والمنخفضات ( تسمى بالعربيه الوهاد , وبالعبريه التوراتيه يهود او يهوده ) .
وحتى ازمنه قريبه , كانت أودية هذا الجزء من عسير وجنوب الحجاز وشعابه تشكل مرتعا وأرض لجوء وتناسل للجراد , مما قد يفسر عبارة " المجاعات في الأرض " التي يكثر ورودها في أسفار التوراة .
وبلاد عسير الجغرافيه ( أي عسير وجنوب الحجاز ) هي أكثر مناطق شبه الجزيرة العربيه تلقيا للأمطار . أمطار الرياح الشماليه الغربيه في الشتاء , وأمطار الرياح الموسميه الجنوبيه الغربيه في الصيف . وتتراوح نسبة الأمطار هناك بين 300 الى 500 مم سنويا .
وغابات العرعر الكثيفه هي من السمات التي تتميز بها السراة والمرتفعات الاعلى من جبال تهامة . وهناك أيضا أحراش من البطم والطرفاء والسنط ( الأكاسيا ) والسرو وغيرها من الأشجار الحرشيه في مناطق عديده .
وقد جرى تدريجيا تدريج مرتفعات عسير تقليديا لزراعتها بالحبوب وبأنواع مختلفه من الجوزيات ( اللوز ) ومن الفواكه بما فيها العنب , وتزرع الحبوب والخضار والتمور , وان عسل عسير هو من الانواع النادرة الجوده .
تتميّز أراضي عسير الداخليه باحتوائها على بعض الثروة المعدنيه . وقد كان الذهب والنحاس والرصاص والحديد يستخرج منها في القدم , والذهب خصوصا في منطقة وادي رنيه .
ومن بين جميع مناطق عسير , ربما كان وادي نجران هو الأكثر خصوبه , وقد ازدهر هناك مجتمع يهودي منذ القدم وحتى القرن العشرين . وربما كان يهود نجران آخر ما تبقى من اليهوديه في أرض أصولها .
وسهل جيزان الساحلي , هو ايضا منطقه ذات خصوبه عاليه . ويحيط بالسهل الساحلي ثلاث تجمعات من المخاريط البركانيه ( أم القمم والقارعه وعكوه ) .
في القدم , يبدو ان عسير الجغرافيه كانت منطقه عظيمة الشأن , نظرا لوقوعها عند نقطة التقاء الطرق الرئيسيه لتجارة العالم القديم . كانت السفن تروح وتغدو بين موانىء عسير وموانىء الحبشه وبلاد النوبه ومصر عبر البحر الأحمر , ولا بد أن عسير الجغرافيه كانت مركزا رئيسيا لخدمات الوساطه والتجارة والمبادلات .
ومن الطبيعي ان تكون هذه البلاد قد عرفت , ومنذ أقدم العصور , مستوى رفيعا من الحضاره . على أن حضارة عسير القديمه ما كانت الا حضارة مدن معيّنه وتجمعات من القرى والواحات .
في الفصول القادمه سيكون التركيز على شعب واحد من شعوب عسير القديمه , وهو الشعب المسمى ببني اسرائيل .
وقد مرّ هذا الشعب في مرتفعات السراة ومنحدراتها الغربيه ( أرض يهوذا ) بين القرنين العاشر والخامس قبل الميلاد بتجربه تاريخيه , ثم زال من الوجود مخلفا وراءه سجلا كاملا بالغ الدقه والتفصيل لهذه التجربه .
وما زال هذا السجل , وهو التوراة العبريه بمختلف اسفارها , موجودا ومعروفا الى الوقت الحاضر .

الشايب
15/03/2006, 12:09 PM
البحث عن جرار .. 1 .
قبل البرهان على مدى الدقه في مطابقة جغرافيا التوراة العبريه لجغرافيا غرب شبه الجزيره العربيه , لابد من ايراد الدليل , ولو بجمله واحده من الامثله , علىمدى الضعف في مطابقة تلك الجغرافيا لجغرافيا فلسطين . وهذا يتضح تماما من النظر في الطريقه التي عالج فيها علماء التوراة حتى الان مسألة " جرار " / جرر / , وهي بلده توراتيه يفترض أنها ازدهرت في القدم في جوار غزة بساحل فلسطين , في موقع غير بعيد عن بئر السبع .
هناك اربع مقاطع في التوراة تتحدث عن " جرار " .
يذكر سفر التكوين 10 : 19 " جرار " هذه بالترافق مع / صيدن / ( التي أخذت على انها صيدون أي صيدا الفينيقيه ) ومع / عزه / ( التي أخذت على انها غزة الفلسطينيه )
يذكر سفر التكوين 20 : 1 وما يلي , يرد ذكر " جرار " بالترافق مع / ءرص ه-نجب / , وهي في الترجمه " أرض ال نجب " التي تؤخذ على انها تعني صحراء النقب الفلسطينيه . ويضيف النص هنا بأن " جرار " تقع بين " قادش " / قدش / و " شور " و
/ شور / , وبأن ملكها كان يسمى أبيمالك / ء بي ملك / , دون أن يأتي أي ذكر ل / عزه / .
في سفر التكوين 26 يعرّف ابيمالك بأنه " ملك الفلسطينيين " بالعبريه / ملك فلشتيم / .
ويرد ايضا ذكر " وادي جرار " / نحل جرر / بالترافق مع اسماء أربعة آبار هي " عسق " / عسق / و " سطنه " / سطنه / و " رحوبوت " / رحبوت / و " شبعه " أو " بئر السبع "
/ شبعه , بءر شبع / , وهنا ايضا لا يأتي على ذكر / عزه / .
وفي سفر أخبار الأيام الثاني 14 : 8 وما يلي ( 9 وما يلي في " السبعونيه " وفي الترجمه العربيه وغيرها من الترجمات الحديثه ) تظهر " جرار " بشكل بارز في قصة الحرب التي جرت بين " زارح الكوشي " أو " زارح الحبشي " / زرح ه-كوشي / وآسا ملك يهوذا ,
( 908 – 867 ) ق.م . وفي هذه الحرب غزا " الكوشيون " أو " الحبشيون " / ه-كوشيم /
يهوذا ووصلوا الى " مريشه " / مرشه / . وهناك ألحق الملك آسا بهم الهزيمه قرب " وادي صفته " , / جيء صفته / , ثم انبرى يلاحق فلولهم حتى " جرار " حيث نهب البلده وما حولها من زراعه ورعي . ويفهم من ذلك أن " جرار " وجوارها كانت تشكل في ذلك الوقت جزءا من الأراضي " الكوشيه " , ولذلك اقتصّ الملك آسا منها .
وفي بحثهم عن " جرار " , لم يكن أمام الباحثين التوراتيين وعلماء الآثار ما يسترشدون به غير الاشارات الوارده اعلاه , ولم يكن لديهم غير هذه الماده التوراتيه لتحديد موقع اراضي الكنعانيين أو أراضي الفلسطينيين ناهيك عن اراضي الكوشيين .
عندما قام علماء الآثار لأول مرّة باجراء الحفريات في بئر السبع في فلسطين , كانت اقدم البقايا التي عثروا عليها هناك تعود الى أواخر العهد الروماني أوالى العهد البيزنطي .
وهناك دليل معتمد للجغرافيا التوراتيه ( كريلينغ , ص 80 ) يلخص البحث عن " جرار بين غزة وبئر السبع في فلسطين كما يلي :
" ما زال الموقع الصحيح للمكان الذي كانت جرار تقوم فيه غير أكيد , وهو يعتمد على كيفية تحديد مواقع البلدات الأخرى في المنطقه عموما ... "
وباختصار , فان تحديد علماء التوراة لموقعي " قادش " و " شور " في جنوب فلسطين ما هو الا تكهن واه لا يستند الى أية معطيات ثابته .
يتبع ....
ملاحظه : قمت باختصار هنا , احاول ان الفت الانظار الى هذا الكتاب , وكل ما اكتبه لا يغني عن قرائته , وانما يحفّذ عليها , ولكن عن طريق كتابته , كما في دراسة مواد جامعيه , وليس ككتاب عادي , كما ان الخرائط هامه وضروريه .


البحث عن جرار ..2 .
وتبرز مشكله أخرى من خلال ذكر " جرار " في أخبار الايام الثاني 14 , حيث تبدو البلده وكأنها تخص " الكوشيين " / ه-كوشيم/ . وقد عرف الكوشيون هؤلاء تقليديا بكونهم " حبشيين " , وذلك لأن النصوص التوراتيه كثيرا ما تربط بين / كوش و مصريم / , التي تؤخذ دائما على أنها " مصر " ( مع اعتبار أن بلاد الحبشه هي الجارة الجنوبيه لمصر ) . وفي " السبعونية " تسمّى كوش احيانا باسمها هذا كما يرد بالعبرية , وفي أحيان أخرى تسمّيها باليونانيه أيثيوبيا أو أيثيوبس ( أي الحبشه ) , وهذا ما زاد في تشجيع علماء التوراة على تعريف المكان بكونه الحبشه , واذا سلمنا بأن الكوشيين كانوا بالفعل حبشيين , يبقى هناك السؤال : كيف تيسر لهؤلاء الحبشيين أن يسيطروا على أرض هي أرض " جرار " , ويفترض انها كانت في فلسطين ؟
هل كان هؤلاء الحبشيين مصريين من عهد الأسرة الخامسه والعشرين , أي " الاسرة الحبشيه " ؟ وهذا غير معقول , باعتبار ان سيطرتهم على " جرار " علىما تفيده التوراة , كانت في عهد آسا ملك يهوذا الذي توفي قبل عهد الاسرة الحبشيه بحوالي قرن ونصف .
ومما رأينا حتى الان يمكننا استنتاج ما يلي :
1- ان موقع جرار التوراتيه في فلسطين لم يحدد بعد بصورة مرضيه , او بصورة نهائيه , وما من مكان في فلسطين استمر في حمل اسم مشابه .
2- يفترض علماء التوراة ان موقع جرار هو في جنوب فلسطين لأن سفر التكوين 10 يذكر المكان بالترافق مع / عزه / التي يعتقد انها غزه الفلسطينيه , في حين أن سفر التكوين 26 يذكر المكان نفسه بالترافق مع / شبعه / او / بءر شبع / التي يعتقد أنها بئر السبع الفلسطينيه .
3- مع التسليم ان " قادش " التوراتيه قد تكون عين قديس , قرب وادي العريش , وبأن موقع " شور " قد يكون في مكان ابعد غربا في سيناء , قرب برزخ السويس , يبقى هناك الواقع بأن بئر السبع وغزة هما من فلسطين , وليس في سيناء . وبناء على ذلك , فلا يعقل أن يكون موقع " جرار " في الوقت ذاته بين بئر السبع وغزة , وبين قادش وشور , وهو ما يؤكده سفر التكوين .
4- اذا كان الكوشيون التوراتيون حبشيين بالفعل , وكانت جرار في جنوب فلسطين , فان سيطرة الكوشيين على جرار الملمّح اليها بوضوح تام في أخبار اليوم الثاني 14 , لا يمكن تفسيره بسهولة .
ولحل هذا اللغز الغامض المحيط بجرار , قد يكون من الأفضل الانطلاق من الدليل الوارد في أخبار اليوم الثاني 14 , ومحاولة تحديد الهوية الحقيقيه للكوشيين المذكورين في النص .
لقد سبق القول بأن / بءر شبع / العبرية ربما تعني " بئر امتلاء " , ولكنها تؤخذ خطأ على أنها تعني بئر سبع , وفي حديثه عن عودة القائد الروماني ايليوس غالوس من حملته العسكريه في شبه الجزيره العربيه في سنة 24 قبل الميلاد , يصف الجغرافي اليوناني " استرابون " , بدقة فائقه المراحل اتي قطعها غالوس في طريق عودته من " نيغرانا " وهي ( نجران ) , الى " نيغرا " وهي ( النجيره ) قرب ميناء أم لج الحالي على ساحل البحر الاحمر , حيث ركب جنوده السفن التي اقلتهم عائدين الى مصر .
ويفيد استرابون أنه بعد أحد عشر يوما من مغادرته نجران , وصل غالوس الى مكان يسمى " الابار السبعه " ويفيد استرابون بأن رحلة غالوس من " الابار السبعه " الى " نيغرا " استغرقت اربعين يوما , ويصف نيغرا بانها قرية عند البحر . وفي طريقه مرّ غالوس في مكان اسمه " كالا " و آخر اسمه " مالوثاس " يقع على ضفة نهر . والواقع هو ان الطريق من خميس مشيط الى الساحل يتبع " نهر " وادي الضّلع في منطقة رجال المع , حيث توجد حتى اليوم قريتان تسميان , القلعه " كالا " و الملاذة " مالوثاس " .وتستمر هذه الطريق نزولا حتى تصل الى بلدة الدرب , وهناك تلتقي بطريق أخرى تتابع مسارها شمالا عبر الصحراء الساحليه لغرب شبه الجزيره العربيه حتى تصل الى أم لج والنجيرة ( نيغرا ) .
والمسافه بين جوار خميس مشيط وأم لج تقدر بحوالي 1100 كم , وهي مسافه يمكن قطعها سيرا باربعين يوما .
يتبع .........
-----------------------
ملاحظه : يجب الانتباه جيدا الى ان المؤلف لا يبتكر طريقه جديده في البحث , هو يراجع البحوث التي قام بها العلماء التوراتيون , ويلاحظ النقص والضعف والغموض , في محاولاتهم تطبيق جغرافية التوراة على جغرافية فلسطين , ويعتمد في ذلك على قدرته وتمكنه باللغه العبريه القديمه , لمراجعة النصوص التوراتيه القديمه , ليعيد تقديم جغرافيا جديده اكثر واقعيه مما افترضه علماء التوراة واصحاب المصلحه الدينيه والسياسيه في ذلك .
كنت مضطرا للاختصار , في عدة فقرات مما قدمته اتمنى ان لا اكون ضيعت المعنى , فانا اقصد التبسيط , ودفع الزملاء الى العوده الى الكتاب , ودراسته .

البحث عن جرار .. 3
باختصار , فان " الكوشيين " ( وبالتأكيد أولئك الوارد ذكرهم في أخبار الايام الثاني 14 ) لم يكونوا " حبشيين " , بل أهل قبائل من جوار الكوثة ( أي مرتفعات خميس مشيط ) , في الأجزاء العليا من وادي بيشة , غير بعيد عن الانحدار من الشباعة , والتي هي / بءر شبع / أو " بئر سبع " التوراتية . وأما " يهوذا " التي غزاها هؤلاء " الكوشيون " فهي المنحدرات الغربية لعسير الجغرافية .
وأستنادا الى سفر التكوين 20 , فان " جرار " كانت تقع بين " قادش " و " شور " . " وجرار " هذه لا بد أنها كانت القرارة الحالية وليس الغريرة , في جوار خميس مشيط , باعتبار أن القرارة هذه تقع على أمتداد الطريق الرئيسي بين الكدس ( قارن بالعبرية قدش) في رجال ألمع , وال أبو ثور ( ثور قارن بالعبرية شور ) في وادي بيشة .
وليس هناك أي التباس في الاحداثيات هنا , ولا حتى في تعريف " قادش " و " شور " باسميهما , من دون أي لجوء الى الحدس أو البراعة , أو الى التأويل المصطنع لا كتشافات أثرية لا علاقة حقيقية لها بالأمر .
وأكثر من ذلك , فان هنالك في اصحاحي سفر التكوين 20 و 26 ذكر لملك ل " جرار " يدعى أبيمالك / ءبي ملك / وصف في سفر التكوين بأنه ملك " الفلسطينيين " ( فلشتيم والمفرد فلشتي , نسبة الى فلشت او فلشه ) . وهنا لا بد من ابدأ ملاحظتين , الاولى هي أن كامل المنطقة التي تقع على جانبي الشق المائي شمال غرب خميس مشيط , بما فيها الجزء من وادي بيشه حيث توجد القرارة , يحمل الى اليوم الاسم القبلي " بني مالك " / ملك / . وهناك قرية ايضا تسمّى " بني مالك " في المنطقة نفسها . وهذا يمكنه ان يعني أن " أبيمالك " ( التي تعني حرفيا " والد مالك " ) الواردة في اصحاحي سفر التكوين 20 و 26 لم تكن بالضرورة أسم لشخص معين, بل ربما كانت لقبا أطلق قديما في المنطقة على زعماء قبيلة بني مالك الذين كانوا ايضا " ملوك " القرارة .
واذا أخذنا تفاوت الاجيال في الاعتبار بين القصص الواردة في الاصحاح 20 والاصحاح 26 من سفر التكوين , فانه يصعب أن يكون " أبيمالك " في القصتين هو الشخص نفسه .
والملاحظة الثانية تتعلق ب " جرار " ( أو القرارة ) , و " الفلسطينيين " .
فالى الشمال من القرارة , في حوض وادي بيشة , مازالت هناك قرية تدعى الفلسه ( يقابلها بالعبرية فلشه ) , ولو اطلق هذا الأسم العبري على سكانها لسموا / فلشتيم / ( جمع النسبة بالعبرية الى / فلشه / , أي الفلسه ) .
وكان يمكن بسهولة للفلسه هذه ان تكون جزءا من الأرض التابعة للقرارة في زمن معين او آخر , وهو ما يفسر لماذا وصف " أبيمالك " , حيثما ذكر في سفر التكوين , بأنه ملك " جرار " , وكذلك ملك ال / فلشتيم / , أي أهل / فلشه / أو " الفلسطينيين " .
وهكذا اصبحت القضية واضحة الان , فليست هناك أي " جرار " قرب غزة في فلسطين . وبين الكثيرات الموجودات في عسير , فان واحدة ( القرارة , قرب خميس مشيط ) هي جرار المذكورة في سفر التكوين 20 و 26 وفي أخبار الأيام الثاني 14 , وأخرى ( أي من غرار والجرار وغرار والقرارة , بين جبل بني مالك وسراة بلّحمر ) هي تلك المذكورة في سفر التكوين 10 .
واخيرا لا بد من ملاحظة أن تعريف " جرار " الأولى يسير جنبا الى جنب مع تعريف / " كوش " , و " فلشة " , و " بئر سبع " , و " عسق " , و" سطنه " , و " رحوبوت " , و" قادش " , و " شور " , و " مريشة " , " صفته " , و " النقب " / , في الجوار العام نفسه , بين ناحية خميس مشيط والمناطق الواقعة عبر الشق المائي الى الغرب .
وتعريف " جرار " الثانية يسير جنبا الى جنب مع تعريف / " سدوم " , و " عمورة " , " أدمة " , و " صبويم " , و " لاشع " / التوراتية في اتجاه , ومكانين آخرين اعتبرا حتى الان صيدون ( أي صيدا ) و " غزة " الشاميتين في اتجاه اخر , أضف الى ذلك تحديد الهويّة الجغرافية لأرض كنعان التوراتية على منحدرات عسير البحرية , بين منطقتي المجاردة وجيزان .
وعلماء الاثار لم يحفروا بعد هذه المناطق موضوع البحث أو أي جزء آخر من عسير بهذا الغرض , وربّما وجدوا في يوم من الايام مفاجآت كثيرة . وكما يقول جيرالد دي غوري , وهو من آخر الرحّالة البريطانيين الذين وصفوا شبه الجزيرة العربية :
" هناك وديان في عسير واليمن والحجاز خرائب قد تقدم ذات يوم لعلماء التاريخ وللعالم معرفة أكبر بالدول القديمة ... و ... بالممالك الأقدم لشبه الجزيرة العربية , وقد تفصح بوضوح عن معاني الكتب المبكرة للتوراة وعن معاني التلميحات التاريخية في القرآن .
ومن يدري أية كنوز تاريخية ترقد دفينة في خرائب عسير الدارسة " .

الشايب
16/03/2006, 11:01 AM
ما لم يكتشف في فلسطين .. 1



اننا نعتبر في العادة أن الدقة والأمانة في العمل هما من شيم اهل الاختصاص . وفي حقل مثل حقل التاريخ القديم , قليلون منا هم القادرون على النظر في صحة ما يقوله الاختصاصيون . وهذا ما يمكنهم من أن ينفذوا بأخطائهم دون حساب في المسائل التي يختارون الاتفاق عليها لسبب او لاخر . وهذا يصل بالفعل الى حد الفضيحة في ميدان علم الاثار التوراتي وفي دراسة النقوش والنصوص القديمة التي درج اعتبارها رديفة للتوراة .

وهناك أحجار قديمة في كل ركن من أركان الشرق الأدنى , أحفر أنّى شئت وستجد بعضا منها . لكن الحفر شيء , وما يفعله الباحث بنتائج الحفر شيء آخر , وهنا يكمن الفرق بين البحث الأثري العلمي في الشرق الأدنى , وما يسمى بعلم الاثار التوراتي . فالأول هو عبارة عن محاولات منظمة وموضوعية لدراسة الثقافات والحضارات القديمة للمنطقة ولتتبع تطورها , مرحلة بعد أخرى , على أساس بقاياها المادية , مع الادراك التام لحدود المعرفة التي يمكن التوصّل اليها بهذه الطريقة . والثاني لا يمثل أكثر من بحث عن بقايا مادّية في مناطق معيّنة حددت مسبقا على أنها أرض التوراة , وذلك لتوفير البرهان الاثري لمفاهيم مسبقة للتارخ التوراتي . وهكذا , عندما يعثر عالم آثار توراتي على بقايا تحصينات قديمة قرب بلدة بئر السبع الفلسطينية , يسم هذه التحصينات بأنها " اسرائيلية " قبل أن يفكر مرّة واحدة في امكانيات أخرى . وعندما يعثر عالم آثار توراتي آخر على مناجم للنحاس قرب ايلات الحديثة الى الغرب من ميناء العقبة , ويعثر على ختم نقشت عليها / ليتم / في الجوار العام نفسه , يسارع الى الاستنتاج بأن هذا الختم لا بد أنه كان يخص " يوثام " / ل- يتم / ملك يهوذا , ثم يعلن للعالم , ودون أن يرف له جفن , اكتشاف الموقع الصحيح والدقيق لمناجم نحاس الملك سليمان , ولمدينة " عصيون جابر " التوراتية التي كان الاسرائيليون ينطلقون منها بحثا عن الذهب .

وليس في البحث الأثري عن المواقع التوراتية خطأ من حيث المبدأ . لكن الخطأ هو في الوصول الى الاستنتاجات التاريخية وتأكيدها على أساس دلائل تاريخية غير حاسمة . وهنا تصبح المنقوشات هامة . وعلى سبيل المثال , فربّما كان نلسون غلويك على تمام الحق في اعلانه عن اكتشاف موقع توراتي حول مدينة ايلات الحديثة لو كان النقش على الختم الذي وجده هناك ليقول / ليتم ملك يهوده / أي " ليوثام ملك يهوذا " . لكن غلويك لم يجد على الختم المذكور غير كلمة / ليتم / , ولذلك فانه لم يكن مصيبا بالضرورة حتى في قراءته للكلمة على أنها / ل- يتم / ( أي بلام مفصولة ) . ولعل الكلمة كانت بالفعل / ل- يتم / بالأشارة الى " يوثام " آخر لم يكن ملكا ليهوذا , وربّما لم يكن يهوديا . وربما كانت الكلمة أيضا تشير الى اله اسمه / يتم / , يحتمل أن يكون هو الاله المصري أتوم , الذي يكتب اسمه في تهجئته الاصلية / ء تمو / . وهناك مقابل ايلات , عبر وادي عربة , واد يدعى وادي اليتم / يتم / حتى يومنا هذا . فهل أن هذا الوادي , مثله مثل الختم الذي وجده غلويك , يحمل أسم " يوثام " المذكور نفسه , كائنا من كان , أم أن الاسم في كلتا الحالتين هو اسم الاله المصري أتوم ؟

ولناخذ مثالا آخر . ففي العام 1880 , عثر على نقش صخري في سلوان , قرب القدس , يشرح كيف جرى حفر قناة مائية هناك عن طريق التنقيب من نهايتي النفق في آن معا . هذا النقش الصخري موجود حاليا في متحف الشرق القديم في استنبول .

ولو قال النقش " ان هذا النفق حفر في عهد الملك حزقيا " لكان فيه تأكيد واضح لنصّي سفر الملوك الثاني 20 : 20 وسفر أخبار الايام الثاني 30:32 ,اللذين يتحدثان عن بركة وقناة انشأهما الملك حزقيا , ملك يهوذا . لكن الواقع هو أن النقش المذكور لا يشير الى أية أسماء , وسواء كانت أسماء أشخاص أم أسماء أمكنة , ولذلك لا تجوز نسبته قطعا الى عهد حزقيا , كما فعل الباحثون التوراتيون زيفا . ويبدو أن هؤلاء الباحثين لم يأخذوا في اعتباراتهم أن الأقنية المائية كانت تحفر في كل الازمنة , أينما كان , ومتى ظهرت الحاجة اليها . والواقع أن نقش سلوان لا يشير حتى الى أن القدس الحالية هي فعلا أورشليم التوراتية , لأنه لا يذكر اسم الموقع .

وكما في حالتي ختم ايلات ونقش سلوان , فان كل ما يوصف بأنه كتابات " عبرية " منقوشة في فلسطين ( وللدقة , هي نقوش كنعانية ) كان قد أجبر , بفعل " علم التوراة " الحديث , على تقديم أكثر مما يحتويه من معلومات . وفي جملة الأمثلة على ذلك القطع الفخارية المنقوشة التي عثر عليها بجوار نابلس في العام 1910 وكرست على أنها " نقوش السامرة " , ( وهو بالعبرية / شمرون / ) لا يظهر قط عليها . وقد أرّخت القطع الفخارية هذه على أنها تعود الى أعوام 778 – 770 قبل الميلاد , وهي تحتوي على سجلات لمبادلات تجارية بين أشخاص ربما كان بعضهم يهودا , حكما على ما ورد من اسمائهم الشخصية . ولكن هذه القطع الفخارية لا تذكر حتى اسم مكان واحد , ولا هي تشير , ولا من بعيد , الى أية شخصية أو حادثة توراتية . واذا كان تأريخ هذه القطع صحيحا , ولو بشكل عام , فهذا يعني أنها تبرهن بمجموعها على أن يهودا كانوا يعيشون في جوار نابلس في فلسطين في القرن الثامن قبل الميلاد .

ولكن ليس هناك أي مبرر لأ ي استنتاج منها يتعلق بأية نقطة من نقاط التاريخ التوراتي أو الجغرافية التوراتية . أضف أن هذه القطع لا تثبت بأي شكل أن المكان الذي عثر فيه عليها كان " السامرة " التوراتية , وهو ما يعني أنه لا بد من اعادة النظر حتى بالاسم " نقوش السامرة " الذي أطلقه الباحثون التوراتيون عليها .

الشايب
16/03/2006, 03:27 PM
ما لم يكتشف في فلسطين .. 2



ولا بد هنا من التصدي لمسألة " نقوش لاخيش " , وهي قطع فخارية منقوشة عثر عليها في تل الدوير , في جنوب فلسطين , في العام 1935 والعام 1938 .

وهناك اجماع بين علماء التوراة على أن هذه النقوش تقدم دليلا " قاطعا لا لبس فيه " على أن تل الدوير كانت " لاخيش " ( بالعبرية / لكيش / ) التوراتية . والواقع هو أن النقوش المذكورة لا تقدّم أي دليل من هذا النوع .

ان " نقوش تل الدوير " ( كما يجب تسمية هذه القطع في الواقع ) هي عبارة عن مجموعة من التقارير والشكاوى أرسلها رجل يدعى " هوشعيه " / هوسعيهو / , وهو قائد لقوة يهودية كانت مستعمرة في وقت ما في مكان غير معروف الموقع , الى رئيسه " ياوش " / يءوس / الذي يتوجه اليه بلقب مولاي ( في الاصل / ءدني / ) , والذي كان مقيما على ما يبدو في تل الدوير باعتبار ان النقوش المرسلة اليه اكتشفت هناك . ولدى قراءة هذه النقوش اقتنع باحثون توراتيون مثل و. ف. ألبيرت بأنهم وجدوا اشارة واضحة الى " لاخيش " التوراتية في النقش الرابع , وكذلك اشارة واضحة الى " عزقة " التوراتية في اللنقش نفسه , واشارة الى " اورشليم " ..

تعقيب : هام جدا جدا من الكاتب , يرجى الانتباه اليه جيدا .. انتهى التعقيب .

( وهي الاشارة المزعومة الوحيدة حتى الان في منقوشة فلسطينية ) , في النقش السادس .

تعقيب شخصي : من غير المعقول منذ بدء التنقيبات الاثرية في فلسطين وحتى العام 2006 , لم يعثر أحد على أي لوح او نقش او مخطوط او قطعة فخار , غير النقش الذي ذكره الكاتب , مكتوب فيه كلمة " اورشليم " العاصمة المقدسة ومكان سكن وحكم اهم ملوك وحكماء وانبياء , اليهود .. ؟ , انتهى التعقيب .

وفي حالة النقش الرابع فان القراءة المقبولة للمنقوشة تبدو قابلة لاعادة النظر بشكل جذري .

أما في حالة النقش السادس , فان قراءة اسم " أورشليم " ما هي الاّ تزوير فاضح لا يمت الى الامانة العلمية بصلة .

ففي النقش الرابع جاء في النص الأصلي للجملة التي أخذت على أنها تشير الى " لاخيش " والى " عزقة " بالأسم ما يلي :

/ ويدع كي ءل مسءت لكس نحنو سمرم ككل ه- ءتت ءسر نتن ءدني كي لء نرءه ءت عزقه / . وهذه الجملة قرئت وأوّلت على أنها تعني : " وليعرف [ مولاي ] / و- يدع / أننا نراقب / كي ... نحنو سمرم / اشارات لاخيش / ءل مسءت لكس / , استنادا الى كل المؤشرات التي أعطاها مولاي / ك- كل ه-ءتت ءسر نتن ء دني /, لأننا لا نستطيع أن نرى عزقه / كي لء نرءه ءت عزقه / .

تعقيب : يعيد الكاتب تحليل الكلمات واعادة قراءتها وفق الالية التي شرحها في مقدمة كتابه ليقول :

ان الجملة بكاملها من النقش تحتاج الى اعادة ترجمة كالتالي : " ليعرف ( مولاي ) أننا ننتظر حمولات الطعام , وكذلك كل الأتاوات التي أعطاها مولاي , لأننا لا نرى عزقه " , ويبدو أن هوشيعه ورجاله كانوا قد وعدوا بتزويد بالطعام وبتموين آخر من قبل ياوش , يجلبه رجل اسمه عزقة . وهنا يقول هوشيعه انه ورجاله ما زالوا ينتظرون هذا التموين , نظرا لأن عزقه لم يصل اليهم بعد . والواضح ان النقش الذي نحن بصدده لا يتحدث اطلاقا عن " اشارات " عسكرية صادره من " لاخيش " التوراتية . ولا هو يذكر بأي شكل من الاشكال اسم " لاخيش " هذه كما هو الافتراض السائد الى اليوم .

وقد يعذر الباحثون التوراتيون ان هم التبس عليهم امر / لكس / , / عزقه / الواردتين في النقش الرابع من نقوش تل الدوير , على أنها " لاخيش " و " عزقه " التوراتيتين .

أما بالنسبة الى النقش السادس , فليس لدى هؤلاء الباحثين أي عذر في أفتراضهم بأن النقش المذكور يتحدث عن " أورشليم " . وفي هذا النقش الذي وجد مكسورا وناقصا , هناك بقايا جملة تقر أ كالتالي "

/ ءدني هل ء تكتب ء ........ ه تعسو كزء ت ....... سلم / .

والترجمة الامينة لبعض الجملة هذه ( اذا كان الكلام بالفعل جملة واحده في الاصل ) لا تعود الا الى المعنى الآتي : " مولاي , ألا تكتب ..... فعلت هكذا ..... / سلم / " .

وعلى ذلك , فان الترجمة المقبولة لها تأخذ لنفسها حرية ملء الفراغات بطريقة تبرر قراءة / سلم / الاخيرة هذه باعتبارها الاحرف الساكنة الاخيرة من الكلمة العبرية / يروشليم / , أي " أورشليم " .

والترجمة , وهي مرّة أخرى من عمل و. ف. ألبرت , تقول بكل صفاقة " والان , مولاي , هل لك أن تكتب لهم قائلا , لماذا فعلتم هكذا حتى بأورشليم ؟ " ان مثل هذه الترجمة الاعتباطية لا يجوز السماح بها حيث هناك أقل احترام للأمانة العلمية . والحقيقة الساطعة هي أن النقش الذي نحن بصدده هنا , الى الحد الذي هو مقروء , لا يتحدث اطلاقا عن " أورشليم " .

تعقيب :

اذا وعمليا اذا قبلنا برأي الكاتب المختص في تفسيره واعادة قراءته للنقش السابق , نحن اذا امام حقيقة مذهلة وهي : لم يعثر الاثاريون التوراتيون الذين نقبوا كل شبر في فلسطين والاردن ونقبوا حتى تحت المسجد الاقصى , على أي نقش فيه كلمة " أورشليم " ...! , والى يومنا هذا , انتهى التعقيب .

والمسألة هنا ليست مسألة كيفية اندراج نقش تل الدوير عمليا في تاريخ فلسطين أو في تاريخ اليهود في فلسطين . وهذا الكتاب لا ينكر أن يهودا عاشوا في فلسطين في أيام التوراة . وجلّ ما يجادل الكتاب فيه هو أن اليهودية ولدت في غرب شبه الجزيرة العربية , وأن أرض الشعب التوراتي البائد والمعروف ببني اسرائيل كانت هناك , وليس في فلسطين .

لنعود في الاضافة الثالثة ان شاء الله الى " الحجر الموآبي " .

الشايب
17/03/2006, 01:17 PM
ما لم يكتشف في فلسطين .. 3

يلاحظ أن أحد المنقوشات التي يمكن تصنيفها على أنها فلسطينية قد تبدو , في الظاهر , مناقضة لهذا الرأي .

وهذه هي ما يسمى " الحجر الموآبي " الذي اكتشف أول ما أكتشف في المرتفعات الاردنية الواقعة شرق البحر الميت في العام 1868 , والموجود الان في متحف اللوفر بباريس . والكتابة المطولة المنقوشة على هذا الحجر لها علاقة مباشرة بالتاريخ التوراتي , اذ أنها تتحدث عن أمور تتعلق بنص الملوك الثاني 3:4 .

لكن القراءة الصحيحة لهذه الكتابة لا تنقض اطلاقا المقولة الجغرافية لهذا الكتاب بل تعزّزها من الشواهد كما سيظهر .

في هذا " النقش الموآبي " يتحدث ميشع ملك موآب / مسع ملك مءب / عن حروبه مع عمري ملك اسرائيل / عمري ملك يسرءل / و" أبنه " من بعده ( وهو أخاب بن عمري الذي لا يذكره النقش بالاسم ) .

وبسبب الغزوات المتتالية الذي تعرضت لها أرض موآب في هذه الحروب , اضطّر ميشع الى الجلاء عنها . فانتقل مع اتباعه من موآب الى / قرحه / ( لعلها اليوم جحرا , من قرى الكرك في المملكة الاردنية ) حيث أقام لنفسه عاصمة جديده . وبهذه المناسبة أقام ميشع الحجر الذي كتب عليه النقش . ولهذا , فان " الحجر الموآبي " هو في الحقيقة " حجر / قرحه / " , أو " حجر جحرا " , اذا صح أن / قرحه / هي جحرا , اذ أن ميشع لم يكن يقيم في موآب عندما أقامه " حجر النقش " .

وليس هناك في الحجر الموآبي ما يشير الى ان " موآب " كان اسما قديما لمرتفعات الكرك شرق البحر الميت ( أي لما سماه العرب بلاد الشراة ) , أو الى أن مملكة اسرائيل كانت تقع في فلسطين . واذا نحن أعدنا قراءة النقش بنصه الأصلي , وليس من خلال الترجمات التي أجريت له حتى الان ( مثل ترجمة و. ف. ألبرايت الى الأنكليزية ) , يصبح من الواضح تماما أن الحروب التي جرت بين أسرائيل وموآب , والتي يتحدّث عنها النقش , انما جرت في الحجاز , وليس في شرق الأردن , وأن مملكتي اسرائيل وموآب , بالتالي , , كانتا متجاورتين في غرب شبه الجزيرة العربية , وليس في جنوب الشام . وفي ما يلي بعض الادلة على ذلك :

1- في الكلام عن الهجوم الاول على موآب , الذي قام به اتباع الملك عمري , ملك اسرائيل , ( في الاصل / سنءي،م، / , والمفرد سنءي , قارن بالعربية " ثنوي " , و" الثنوي " في العرف القبلي هو دون منزلة " السيد " ) , يصف النقش موآب بأنها / يمن ربن / , وبقرأة النص / يمن / كجمع ل / يم / بمعنى " يوم " , وقراءة / ربن / بمعنى " عديد " , أخذ المترجمون حتى الان تعبير / يمن ربن / على أنه يعني " أياما عديدة " , وهي ترجمة لا تتفق تماما مع المعنى العام للنص . والواقع ان التعبير يشير ببساطة الى أن موآب كانت تقع " جنوب ربن " . والمكان الوحيد في الشرق الادنى الذي ما زال يحمل الاسم / ربن / هو قرية رابن في الحجاز , بالقرب من بلدة رابغ . وكما سيذكر في الفصل 7, الهامش 5 , فان موآب التوراتية قابلة للتعريف اليوم بالأسم بكونها قرية أم الياب / ءم يب / في وادي أضم . وأم الياب هذه تقع عمليا الى الجنوب من بلدة رابغ , ومنها / يمن ربن , أي " جنوب ربن " .

2- ميشع لا يصف نفسه في النقش بأنه ملك موآب فحسب , بل أيضا بأنه / ديبني / , أي بأنه من / ديبن / . والديبان / ديبن / هي اليوم قرية في منطقة الطائف , غير بعيدة عن أم الياب . وحتى اليوم كان قرّاء " الحجر الموآبي " , قد أفترضوا بأن / ديبن / هي القرية الحالية ذبيان , الى الشمال من منطقة الكرك في المملكة الأردنية , ومن المحتمل أن ذبيان الشامية هذه سميت بهذا الأسم تيمّنا بدبيان الحجاز , بعد أن كان ميشع وأتباعه الهاربون من الحجاز قد وصلوا الى ذلك الجوار ليستقروا فيه .

3- هناك في النص جملة تقرأ : / ويرس عمري ك ... ص [ كل ه – ءرص؟ ] مهدبء . وقد أخذت هذه الجملة حتى الآن على أنها تشير الى احتلال عمري ملك اسرائيل لبلدة مادبا في شرق الأردن . ولو كانت مادبا / مهدبء / هي المعنية حقا هنا لما كتبت / مهدبء / , نظرا لأن حرف الهاء الذي يتوسط الكلمة لا يسقط عادة من اللفظ في اللغات الساميّة .

وما تقوله الجملة فعلا هنا هو : " وعمري احتل كل الأرض من / هدبء / , / كل ه- ءرص م- هدبء / , أي جميع أرض موآب ابتداء من / هدبء / . و / هدبء / هذه هي قرية الهدبة , شمال أم الياب , في مرتفعات الطائف المشرفة على وادي أضم .

4- في أجزاء من النقش ترد لفظة / قر / باعتبارها كلمة تعني " قرية " , ولفظة / كمس / على أنها كموش , اسم اله موآب . وفي أجزاء أخرى , تظهر كل من / قر / و / كمس / بشكل مميز على أنهما اسمان لبلدتين أو قريتين متجاورتين في أراضي موآب . وقريتا القّر / قر / و قماشة / قمش / ما زالتا هناك الى اليوم في الجزء نفسه من مرتفعات الطائف حيث تقع الهدبة .

5- بين أسماء الأمكنة الأخرى الواردة في النقش , هناك / سرن / وهي اليوم شريان / شرن / , و / محرت / التي هي المحرث / محرث / , و / نبه / التي هي النباة , و / يهص / ( ياهص التوراتيه ) , التي هي الوهسة / وهس / , وكلها قرى في مناطق متجاورة من جنوب الحجاز , وهي وادي أضم ومرتفعات الطائف وبلاد زهران .

اذن لا يمكن للحروب بين ميشع وملوك اسرائيل , كما رويت في " الحجر الموآبي " , أن تفسر جغرافيا في اطار فلسطين وشرق الاردن , ولا يمكن تفسيرها الا في اطار غرب شبه الجزيرة العربية , مما يقدم دعما مضافا الى الاطروحة التي يعرضها هذا الكتاب . والواضح من القصة التي يرويها نقش ميشع أن هذا الملك الموآبي كانت مملكته الأصلية في الحجاز , وقد اضطر للجلاء عنها بعد أن عانى الهزائم المتكررة فيها على أيدي عمري ملك اسرائيل وابنه آخاب , فاقام لنفسه مملكة جديدة في شرق الأردن لم تكن أراضيها تسمى موآب , وعلى الأقل هي لم تسمّ كذلك في النقش الذي يروي القصّة . وهنا وعلى بعد آمن من خصومه الاسرائيليين في جنوب الحجاز , أصبح هذا الملك " صاحب مواشي " ( كما تصفه التوراة العبرية ) قادرا على الازدهار مرّة أخرى , وعلى استملاك مراع جديدة في أرض / حرن / أي " حوران " لما كان لديه من / بقرن / " ابقار " و /مع،ز، / " ماعز " و / صءن / " ضان أو أغنام " . وحتى الان , كان قرّاء منقوشة ميشع غاية في التشويش حول تفسيرها , الى درجة أنهم أخفقوا في التعرف الى هذه الكلمات الثلاث الاخيرة , كما تظهر في المنقوشة , بما تعنيه في الواقع .

وفي حين أن كلمة / بقرن / هي بوضوح بقر , بصيغة الجمع المذكر , ف قرأوها على أنها / ب-قرن / التي معناها " بقرى " . اما الكلمتان / معز / و / صءن / فقد حذفتا كليا من الترجمة بسبب سوء التأويل العام للأطار الذي وردت فيه هاتان الأشارتان الصريحتان الى الماعز والأغنام .

الشايب
18/03/2006, 01:45 PM
ما لم يكتشف في فلسطين .. 4

ان الافتراض بأن أرض التوراة العبرية كان فلسطين لم يؤد الى تشويش الموضوع في حقل علم الآثار الفلسطيني وفي قراءة المنقوشات الكنعانية والمنقوشات الأخرى والتي عثر عليها في فلسطين وتأويلها وحسب , بل هو فرض أحكاما مسبقة على دراسة كل نصوص الشرق الأدنى القديمة الأخرى التي تتعلق بتاريخ التوراة بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر . والجداول الطبوغرافية المصرية القديمة الخاصة ب " غرب آسيا " هي احدى هذه الحالات . وفي الفصل 11 ( مسار حملة شيشانق ) سيجري بحث محتويات أحد هذه الجداول لايضاح كيف أنها تتعلق عمليا بغرب شبه الجزيرة العربية .وليس بفلسطين والشام والعراق , وهو ما أخذ حتى الان كأمر مسلّم به . وليست الجداول الطوبوغرافية المصرية الأخرى وحدها هي التي تورد أسماء أماكن توراتية , بل ان الجداول الاشورية والبابلية , مثل جداول آشور بانيبال الثاني ( 883 – 859 قبل الميلاد ) , وشلمانصر الثالث ( 859 – 824 قبل الميلاد ) , وسرجون الثاني ( 721 – 705 قبل الميلاد ) , تقدم أيضا سجلات للفتوحات في غرب شبه الجزيرة العربية , وليس في الشام .

ولاعطاء مثال واحد لا أكثر , فانه في الأسطر الأولى من جدول سرجون الثاني , يصف هذا الملك الآشوري نفسه بأنه " فاتح سا-مي- ري-نا(سمرن )وبيت-خو-ءم-ر-يا(خمري ) " . وقد ساد الاعتقاد حتى الان أن الاشارة في هذين الأسمين هي الى " السامرة " / شمرون / بالعبرية و " بيت " عمري ملك اسرائيل / عمري / بالعبرية . وقد كانت مملكة عمري الاسرائيلية بالتأكيد في جنوب الحجاز , أي في عسير الجغرافية , كما سنوضح في الفصل 10 . و " السامرة " ما زالت هناك

وتدعى " شمران " , باسمها في صيغته التوراتيه الأصليه بلا تغيير ( الفصل 10 ) . لكن الاشارة في جدول سرجون الثاني ليست الى " السامرة " و " بيت عمري " بل الى منطقة جيزان , حيث ما زالت توجد قرية في جبل هروب اسمها الصرمين ( سمرن في جدول سرجون ) , وقرية أخرى اسمها الحمراية ( خمري في جدول سرجون ) في وادي عقاب بناحية أبي عريش . والنص الذي يلي , والذي يورد أسماء أمكنة كثيرة أخرى , يشير الى أنه لا بد أن يكون سرجون الثاني قد فتح كل عسير الجغرافية , أي كل أراضي غرب شبه الجزيرة العربية الواقعة بين الطائف وحدود اليمن .

وعلى سبيل المثال , فانه في منطقة جيزان " طارد مي-دو-ءا, ملك موس-كو " . وموس-كو هي اليوم قرية مسقو , في ناحية العارضة شرق أبو عريش .

وفي رجال ألمع قام ب " نهب أس-دو-دو " التي هي اليوم قرية السدود . وفي النهاية الشرقية لوادي نجران " اقتنص ال يا-ما-نو في ال يا-مو كالسمك " . والاشارة هي الى " اليمنيين " أي " شعب الجنوب " ( " البنيامينيون " التوراتيون , أو " بنو يامن " في الشعر العربي القديم ) الذين لم يعيشوا في " البحر " ( يم ) , بل في بلاد يام ( يم ايضا ) , بين وادي نجران ورمال الربع الخالي . وفي منطقة الطائف , " هزم " مو-صو-ري( مصر ) و را-في-خو ( رفخ ) , اللتين هما اليوم آل مصري و الرفخة . وكذلك فقد " أباد كل تا-با-لي " , التي هي اليوم وادي تبالة , من روافد وادي بيشة , وخي-لاك-كو( خلك ) , التي هي اليوم الخليق ( خلق ) , في منطقة الطائف . وفي مكان قريب " أعلن كون ها-نو, ملك خا-زا-أت-آ-آ غنيمة " . وحتى الان , أخذت خا-زا-أت-آ-آ على أنها " غزة " , / عزه / بالعبرية , وهو ما لا يمكن أن يستقيم بقدر عدم استقامة خو-ءم-ر-يا على أنها عمري / عمري / .

ونظرا الى أن حرف " العين " لا تفرق عن " الهمزة " في الكتابة المسمارية المقطعية ....

ملاحظة : الكاتب يحلل ويعيد قراءة جدول سرجون الثاني المكتوب " بلغته " لذلك استعمل بين الحروف " – " . انتهت الملاحظة .

.... لا بد أن تكون الاشارة هنا الى قبيلة من غرب شبه الجزيرة العربية القديم , هي قبيلة خزاعه ( خزعت ) التي ما زالت بقاياها موجودة في موطنها الأصلي في جنوب الحجاز ( الجوار العام لمكة المكرمة والطائف ) . وعلى بعد حوالي 200 كم الى الجنوب من أراضي خزاعة هذه ( أي " على مسافة سبعة أيام " كما جاء في المنقوشة ) " أخضع ( سرجون الثاني ) سبعة ملوك من بلاد ءيء-ياء " ( ءيء , أو عيء ) , التي هي اليوم وادي عياء , من روافد وادي ابن هشبل على الجانب البحري من عسير . وبوجود جميع هذه الأسماء الواردة في جدول سرجون في غرب شبه الجزيرة العربية, وهي ما زالت قائمة, وبلا أي تغيير فيها كما هي الحال , أي سبب يبقى للإصرار على الاعتقاد بأن هذا الجدول يشير الى فتوحات آشورية في الشام وفلسطين , حيث لا يمكن العثور على أي من هذه الأسماء ؟

على أمل الانتقال في الاضافة القادمة الى " رسائل العمارنة " .

تعقيب ضروري ..

مما سبق , وحتى لا يضيع القصد من وراء القول بأهمية هذا الكتاب وعلميته , يجب دائما التذكير بأن الكاتب " الدكتور كمال الصليبي " , اختصاصي باللغات القديمة , اذا هو قام بعمل من ضمن اختصاصه وعلمه .

وعاد الى التوراة القديمة , بنصها الأول , أي قبل عمل " المصوراتيين " في القرن العشر الميلادي كما ورد في المقدمة , كما وأعاد قراءة السجلات " الجداول " الاشورية والبابلية والمصرية " , بلغتها التي كتبت فيها , وليس بترجماتها الى اللغات الحديثه كالانكليزية والفرنسية والالمانيه , وصحح في احيان كثيرة ليس فقط الترجمات وانما الكلمات في قرأتها بحرفها ولغتها التي " نقشت " بها ,

واذا وافقنا على ان علماء اليهود التوراتيين , لم يحسنوا اعادة تشكيل التوراة في القرن العاشر الميلادي بسبب انقطاع الزمن , ثم زوروا قصدا في العصر الحديث , وكما برهن الدكتور الصليبي , ترجمة النقوش المكتشفة في فلسطين , وأولوها بغير معناها .

تصبح الردود التي قام بها كتاب عرب من امثال " فراس السواح " و " أحمد داوود " , واللذين لا يجيدان اللغات القديمة , وليسا اختصاصيين في التاريخ القديم اكاديميا , نوع من العبث الفكري المستند الى ترجمات مشكوك بها لنصوص لم يحسن علماء الاثار واللغات القديمة قراءتها في احسن الافتراضات , هذا اذا ابتعدنا عن نظرية المؤامرة في موضوع يتعلق بأكبر مؤامرة في التاريخ " دولة اسرائيل " .

الشايب
19/03/2006, 03:19 PM
ما لم يكتشف في فلسطين .. 5

وبالإضافة إلى الجداول الطبوغرافية المصرية والآشورية والبابلية, فان هناك سجلات قديمة أخرى للشرق الأدنى تورد أسماء أماكن توراتية, والأهم بين هذه السجلات ما يسمى " رسائل العمارنة ". وهذه عبارة عن لوحات مسمارية تعود بتاريخها الى القرن الرابع عشر قبل الميلاد اكتشف أولها في مصر في العام 1887.

وهذه اللوحات التي كتبت بأكّادية محرفة, وأحيانا بالكنعانية, تفيد عن مشاكل كان يواجهها عملاء الحكومة المصرية مع الزعماء المحليين لبعض المقاطعات الآسيوية, التي ساد الاعتقاد حتى الآن بأنها من الشام وفلسطين.

والواقع أن بعض أسماء الأمكنة المفردة الواردة في رسائل العمارنة تطابق فعلا أسماء أمكنة موجودة في فلسطين وفي غرب شبه الجزيرة العربية في آن معا, وأبرز هذه الحالات تلك المتعلقة ب آكا ( عكا ) و يافو ( يافا ). أمّا إذا أخذت أسماء أماكن العمارنة جماعيا, فإنها لا تندرج عمليا إلا في غرب شبه الجزيرة العربية. وفي ما يلي أمثلة على أسماء الأماكن هذه, والأمثلة تقتصر فقط على الأسماء التي استمرت في الوجود في جنوب الحجاز وفي عسير بالصيغة الأصلية لأحرفها الساكنة من دون أن يطرأ عليها أي تغيير:

1_ أدورو( ءد أو عدر ): العذرا في رجال ألمع, العذرة في بني شهر.

2_ آكّا ( ءك أو عك ): العكّة قرب النماص, عكوة في منطقة جيزان.

3_ أكشف ( كشف ): الكشفة قرب جدة, الكشف في رجال ألمع.

4_ أفيرو ( ءفر أو عفر ): العفراء قرب النماص, عفراء في وادي أضم..

5_ أرارو ( ءرر لأو عرر ): عرار في منطقة جيزان, العرارة قرب ظهران الجنوب.

6_ أزّاتي ( ءزت أو عزت ): آل عزّة في بلّحمر, العزّة في المجاردة.

7_ بورقونا ( برقن ): البرقان قرب خميس مشيط. البرقان في في بني شهر..

8_ بوروزيليم ( برزلم, والظاهر بر زلم ): براء ( بر ) في رجال ألمع, المعرفة بكونها تلك الواقعة في أراضي بني ظالم ( ظلم ) في المنطقة نفسها..

9_ جارو ( جر ): الجرو ( جر ) في سراة عبيدة, جراء في رجال ألمع..

10_ جزري ( جزر قارن مع " جازر " التوراتية ): الغزر في وادي أضم..

11_ جي-ءم-تي ( جمت ): الغماط ( غمط ) في منطقة جيزان, الجمّة ( جمت ) في بني شهر..

12_ جنتي كرمل ( جنت كرمل ): جناة, وهي منسوبة هنا الى جبل كرمل, وكلاهما في منطقة جيزان.

13_ جبلا ( جبل ): مترافقة مع بوروزيليم ( رقم 8 ) في التقرير نفسه, ولا بدّ ان جبلا هذه هي اليوم قبلة في رجال ألمع..

14_ هارابو ( هرب ): هروب ( جبل هروب, أو هروب الملقا ) في منطقة جيزان.

15_ خازاتي ( خزت أو خزعت التي اعتبرت خطأ حتى الآن تفريعا ل أزّاتي, أو غزّة, مع العلم أن أزّاتي هي آل عزّة ): هي الأسم القبلي خزاعة ( خزعت ), من غرب شبه الجزيرة العربية, والأسم ذاته يرد في جدول سرجون الثاني الطبوغرافي على شكل خا-زا-أت-آ-آ .

16_مجدلو ( مجدل ): في إطار ما ورد يجب أن تكون الإشارة هنا إلى القرية الحالية المجدل في ناحية تنومة القريبة من رجال ألمع, وليس أيا من الأماكن العديدة الأخرى التي تحمل الاسم نفسه.

17_ مجدّو ( مجد, قارن مع / مجدّو / التوراتية التي لم يعثر عليها إطلاقا في فلسطين بهذا الاسم, خلافا للاعتقاد السائد): اطار الكلام يوحي بأن مجدو هذه بالذات هي مقدي أو مقدّي ( مقد ) الحالية في منطقة القنفذة.

18_ مشقو ( مشق ): إطار الكلام يشير إلى المشقا في رجال ألمع, وليس إلى المشقة في وادي أضم.

19_ محزّو ( محز ): المحظي قرب ظهران الجنوب, أو إحدى قريتين تسميان محضة في منطقة نجران, علة أن إطار الكلام يشير إلى قرية آل مزاح ( مزح بالاستبدال ) في رجال ألمع.

20_ فيلاّ ( فل أو فلل ): الفلل في وادي أضم, الفيل ( فل ) في منطقة القنفذة..

21_ قنو ( قن ): قنا ( قن ) في منطقة قنا والبحر.

22_ ريموني ( رمن ): الريمان في بلّحمر..

23_ سيلي ( سل ): إطار الكلام يشير إلى السيول, في منطقة قناوالبحر..

24_ سوتو ( ست ): آل صوت ( صت ) في منطقة جيزان, إلا إذا كانت الاشارة هنا الى قبيلة السواطي ( والمفرد ساطي ) بجوار مكة المكرّمة, أو قبيلة سوطه في منطقة الطائف.

25_ شي-ءي-ري( شعر ): الشّعراء ( شعر ) في منطقة جيزان.

26_ شوناما ( شنم ): سنومة في رجال ألمع.

27_ أودومو ( ءدم ): الأرحج هنا أنها وادي أدمة في منطقة بيشة, وليس وادي

ادّام جنوب مكة المكرّمة..

28_ أوروساليم ( ءرسلم أو ءر سلم ): حول تعريفها المقترح ب " أوروشليم " التوراتية, أو يروشليم, باعتبارها آل شريم الحالية قرب النماص, الفصل 9 .

وأوروساليم هنا يحتمل أن تشير إلى القريتين التوأمين أروى ( ءرو ) وآل سلام ( سلم ) قرب تنومة, جنوب النماص, حيث تنسب أروى هنا الى آل سلام المجاورة تفريقا لها عن مكان آخر في الناحية ذاتها يحمل الاسم نفسه, وهو قرية آل عمر أرواء.

29_ يافو ( يف ): وفية في منطقة جيزان, الوافية قرب خميس مشيط.

30_ زرقو ( زرق ): الزرقاء أو الزّرقة في منطقة جيزان.

وهذه كلها ليست, بشكل من الأشكال, أسماء الأماكن الوحيدة في رسائل العمارنة الموجودة الى اليوم في غرب شبه الجزيرة العربية, بل هي فقط تلك التي حافظت, بأحرفها الساكنة, على التهجئة نفسها التي أعطيت لها في لوحات العمارنة.

أضف إلى ذلك أن الطريقة التي جمعت بها هذه الأسماء في تقارير معينة توضح كيف أن مجموعات مختلفة من رسائل العمارنة تتحدث عن مناطق مختلفة من غرب شبه الجزيرة العربية حصرا دون غيرها, إذ منها ما يتحدث عن مناطق شمالية, ومنها ما يتحدث عن مناطق جنوبية أو داخلية, وبهذا فأنها تقدم مغزاها الجغرافي في إطار غرب شبه الجزيرة العربية كاملا.

وفي جميع الأحوال, تبقى القصة هي نفسها دوما: لقد أخذت هذه المنقوشات والسجلات القديمة على أنها تتعلق بفلسطين لأنها تورد أسماء أمكنة توراتية ( وهذا صحيح ), ولأنه يعتقد بأن أسماء الأمكنة التوراتية تخص فلسطين ( وهذا خطأ ). وكلما أعيد تفحص هذه السجلات القديمة ظهر أنها بدلا من ذلك تتعلق بغرب شبه الجزيرة العربية, تماما كما هو الأمر بالنسبة للتوراة العبرية نفسها, وربما كان الوقت قد حان لاعادة دراسة هذه السجلات, جنبا إلى جنب مع دراسة التوراة العبرية, في هذا الضوء الجديد.

الشايب
21/03/2006, 08:32 PM
الفصل السادس

تهامة في التوراة.. 1

إن رسم مشهد شبه الجزيرة العربية الخاص بالتوراة العبرية لا يحتاج إلى تحديد نقطة معينة للانطلاق, ولا إلى اختيار نماذج معينة من الطبوغرافيا التوراتية لدراستها, فكل الدلائل, من سفر التكوين إلى سفر ملاخي, تشير إلى الاتجاه نفسه.

وفي الفصول السابقة جرى التلميح إلى أن أرض يهوذا التوراتية تضمنت البلاد الهضابية في الجانب البحري من مجال عسير, التي تنتهي بالصحراء الساحلية المسماة تهامة. وما يمكن عمله كبداية هو إيضاح كيف أن تهامة هي في الواقع / تهوم / المشار إليها ثلاثين مرّة في النص ألتوراتي. وعند البرهان على هذا يكون قد تم تثبيت حقيقة قد تفيد كقاعدة جيدة للجغرافيا التوراتية ككل.

من الناحية البنيوية, ليس أسم تهامة / تهم / بلا تصويت, اسما عربيا. لكنّه مشتق من جذر عربي هو " هيم " ( المصوّت هام ), بمعنى " عطش ". ومنه " الهيام ", وهو أشد العطش. وأحد الاشتقاقات العربية من هذا الجذر هو المصدر هيام ( بفتح الهاء )الذي يشير إلى " ما لا يتمالك من الرمل ". وهناك " الهيماء ", وهي " الفلاة بلا ماء ". وتربة تهامة الساحلية, التي تمتد على طول غرب شبه الجزيرة العربية بأسره, هي المثل الساطع على معنى " الهيام " و " الهيماء ". وسواء في الحجاز أم في عسير أم اليمن, نجد أن مياه الأمطار التي تنحدر من المرتفعات باتجاه الساحل عبر عدد لا يحصى من جداول الوديان الموسمية أو الدائمة, تتلاشى في هذه التربة الساحلية الراشحة قبل الوصول إلى البحر, مخلفة وراءها آثار على شكل مثلثات جافة تنتهي عند حد الشاطىء.

بالعربية, كان لأسم الصحراء الساحلية لغرب شبه الجزيرة العربية أن يكون " الهيماء ". أما اسمها الفعلي, تهامة, فهو استمرار في الوجود لمصطلح / تهوم / المثبت في التوراة. وكما تظهر في التوراة, فان / تهوم / هي أسم الفعل أو المصدر المؤنث من / هوم / ( قابل بالعربية هيم ), والتاء في بداية الاسم هي الضمير المتصل المؤنث المفرد للغائب, وهذا الضمير, وكذلك الضمير المتصل المذكر المفرد للغائب, وهو الياء, يدخل في تركيب أسماء العلم, ومعظمها على ما يبدو من أسماء الأماكن والقبائل, مثل تدمر, وتغلب, وتنوخ, ويثرب, وينبع, ويكرب, وجميعها أسماء جغرافية أو قبلية مشهورة في العرف العربي. وفي حين أن المختصين بالعبرية التوراتية كانوا قد وجدوا دوما في اللفظة العربية " تهامة " المثيل للفظة / تهوم / التوراتية, فقد شاع القول بأن اللفظة في العبرية مشتقة من مصدر ممات هو / تهم /, وأنها تعني " الغمر " أو " اللجّة " أو " المحيط الأقدم " أو " المياه ألجوفيه ". والواقع أن / تهم / كمصدر بهذا المعنى, لا وجود له في أي نصّ ساميّ قديم. وكما أن اللفظة العربية " تهامة ", التي هي أسم جغرافي لا يحمل أداة التعريف العربية " أل ", فان اللفظة العبرية / تهوم / لا ترد في أي مكان في النصوص التوراتية مرفقة بأداة التعريف العبرية / ه / ( التي تصوّت تقليديا / ها / ). وقواميس العبرية التوراتية تشير إلى هذا الواقع دون أن تقدم تفسيرا, مثله مثل أمور كثيرة أخرى, بسبب عدم توفر المعرفة الضرورية بشأنه. والتفسير طبعا هو أن / تهوم / التوراتية, مثلها مثل تهامة العربية, ليست أسم نكرة يمكنه أن يأخذ أو لا يأخذ أداة التعريف, بل هو أسم جغرافي لا يحمل أداة التعريف أصلا. والواقع أن جميع الأسماء الجغرافية والقبلية العربية المبنية على وزن " يفعل " أو " تفعل " لا تحمل أداة تعريف. ولو كانت / تهوم / اسم نكرة يعني " العميق ", أو مهما افترض خطأ أنها تعني, لكانت ما اقتصرت على الظهور فقط بصيغة النكرة / تهوم /, بل أيضا بصيغة المعرفة / ه- تهوم / حيث يتطلب أطار الكلام هذه الصيغة, وهي ليست الحالة في أي مكان من التوراة.

عمليا, إن / تهوم / تعطي معناها الأفضل, حيث ترد في التوراة العبرية, بكونها الاسم السامي القديم للأراضي الساحلية لغرب شبه الجزيرة العربية التي تسمى اليوم تهامة. وورود الاسم في بعض الجمل التوراتية في صيغة الجمع المؤنث / تهو موت / أو / تهموت / أو / تهمت / بالأحرف الساكنة وحدها يشير إلى أمرين:

الأول هو أن / تهوم / كانت تعتبر اسما مؤنثا (إذ إن تاء البداية فيها هي ضمير تأنيث, كما لوحظ سابقا), والثاني هو أن / تهوم / التوراتية, مثلها مثل تهامة العربية, لم تشر يوما إلى امتداد مفرد مستمر للصحراء الساحلية لغرب شبه الجزيرة العربية. بل إلى أشرطة مختلفة من هذه الصحراء, يعرف كل منها باسم

فرعي استنادا إلى موقعه المعين. وهناك اليوم تفريق واضح بين تهامة الحجاز, وتهامة عسير, وتهامة اليمن. وربّما هناك تفريقات إضافية بحسب الاسم بالنسبة لكل من هذه ال " تهامات " الثلاث في المصطلح الجغرافي المحلّي لكل منطقة. ولا شك أن الأمر نفسه كان متبعا في أيام التوراة

الشايب
22/03/2006, 03:22 PM
تهامة في التوراة.. 2

ولأن / تهوم /, كما تظهر في التوراة العبرية, التي يظهر فيها الاسم, سواء بصيغة المفرد أو بصيغة الجمع, قرئت خطأ, وترجمت بالتالي خطأ, وكمثال أول ندرج هنا الترجمات المعتمدة في العربية ل " البركات " التي أسبغها على قبيلة يوسف الإسرائيلية كل من إسرائيل ( وهو يعقوب أبو الأسباط ) وموسى.

وهذه الترجمات مأخوذة من الكتاب المقدس الذي ترجم إلى العربية من اللغات الأصلية بإشراف " جمعية التوراة الأمريكية " و " وجمعية التوراة البريطانية والأجنبية ", وهو أوسع ترجمة للكتاب المقدّس انتشارا في العالم العربي:

آ- يباركك / يبركك /, تأتي بركات السماء من فوق / بركت شميم م_عل /, وبركات الغمر الرابض تحت / بركت تهوم ربصت تحت /, بركات الثديين والرحم / بركت شديم ورحم / (سفر التكوين 25:49).

ب- مباركة من الرب أرضه / مبركت يهوه ءرصه / بنفائس السماء بالندى / م_مجد شميم م_طل / وباللّجة الرابضة تحت / م_تهوم ربصت تحت /.*

* هامش.

الميم التي هي حرف جر " من " في / م_مجد و م_ تهوم / أربكت المترجمين لهذا النصّ في جميع اللغات. وقد ترجمت إلى العربية على أنها حرف جرّ آخر هو " الباء ", وفي ذلك تحوير جذري للمعنى, لأن الباء كحرف جرّ تفيد معنى معاكس تماما للمعنى الذي تفيده " من ".

................................

ويبدو أن قبيلة يوسف شغلت أرضا تقع في وادي أضم وجواره, في المرتفعات المطلّة على صحراء تهامة الساحلية قرب بلدة الليث (وهي / ليش / التوراتية).

وفي هذا المكان توجد حتى اليوم قرى تسمّى ركّة / ركه أو ركت /, والربيضة (/ ربضت / بلا تصويت, قارن مع / ربصت /) والثديين (قارن مع / شديم / بالعبرية), والرحم / رحم /, والبركة (/ بركه / أو / بركت /), والمقدّة, وهي شعيب المقدة, ( قارن مع / مجد /), وكذلك مجموعتان من القمم التوائم, كل منها تسمى السماين ( سمين, قارن مع /شميم/ بالعبرية التي تصوّت /شمايم/).

وإذا أخذت أسماء الأمكنة هذه في الاعتبار, وأعيدت قراءة مجموعتي "البركات" التي أسبغت على قبيلة يوسف على ضوء أسماء الأمكنة هذه, من دون الالتفاف إلى التصويت المصوريتي, يتبّين أنها لا تتعلق عمليا ب " بركات ", بل بتحديدات لأراضي القبيلة أو الأراضي التي كانت تدعيها لنفسها:

أ?- سوف ينزلك /يبركك/ في ركّة السماوين من أعلى/ ب_ركت شميم م_عل/, في ركّة تهامة الربيضة من أسفل / ب_ركت تهوم ربصت تحت/ في ركّة الثديين والرحم / ب_ركت شديم و_رحم/.

ب?- من البركة تكون أرضه /م_بركت يهوه ءرصو/, من مقدّة السماين /م_مجد شميم/, من القمة /م_طل/, ومن تهامة الربيضة أسفل / و_م_تهوم ربصت تحت/.

والقرية الصغيرة المسماة ركّة اليوم, والتي يبدو أنها كانت الموطن الرئيسي لقبيلة يوسف في وادي أضم في أيام التوراة, معرّفة في "البركة" الأولى بالنسبة إلى قمم السماين وقرى الربيضة والثديين والرحم, مع إشارة إلى وجود السماين والربيضة في أعلى الهضبة وأسفلها على التوالي, ومع وجود الربيضة في أراضي تهامة.

وفي "البركة" الثانية يشار إلى حدود أراضي يوسف الداخلية بأنها قريتا البركة والمقدّة المجاورتان للسماين ( حيث هناك قرى أخرى تحمل الاسمين نفسيهما في غرب شبه الجزيرة العربية), والى الحدود الساحلية بأنها صحراء تهامة قرب الربيضة.

ولعّل هناك تلاعبا بالكلمات في كل من هذين التحديدين لأراضي قبيلة يوسف.

وكثيرا ما تحاول النصوص التوراتية أن توحي معاني لأسماء الأعلام عن طريق مثل هذا التلاعب الكلامي, خصوصا في الأسفار التي تعالج فترات ما قبل التاريخ, والتي تعنى بالأساطير أكثر من واقع الأحداث. والتلاعب في الفقرتين اللتين هما قيد البحث هنا قد يكون بالكلمات التالية:

أ?- /يبركك/: فعل /برك/ بالعبرية يفيد معنى " البركة", ويفيد أيضا معنى "الركوع" (وفي العربية "الاستناخة"). ويقال بالعربية "برك بالمكان" أي "ثبت وأقام به". /يبركك/ بالعبرية إذن, قد تعني "يباركك" أو "ينزلك", أي "يجعلك تثبت وتقيم".

ب?- /بركت/: المعنى هنا قد يكون "بالركة" إذا قرئت الباء على أنها حرف جر. وقد يكون "بركة" إذا اعتبرت الباء جزءا من الكلمة.

ت?- /شميم/: الكلمة بالعبرية, وهي في صيغة المثنى أو الجمع المذكر, تفيد معنى "السماوات" (جمع مؤنث "السماء"). وهي تتطابق تماما مع اسم الموقع "السماين" في الوقت ذاته, لأن لاحقة جمع المذكر العبرية, وهي حرف الميم, محوّلة في الاسم الحالي إلى ألاحقة العربية للجمع المذكر, وهي النون.

ث?- /ربصت/: فعل /ربص/ بالعبرية يقابله بالعربية "ربض", وبالمعنى ذاته. /وربصت/, بالتالي, قد تعني "رابضة", بالإضافة إلى إشارتها إلى مكان اسمه "الربيضة".

ج?- /شديم/: الكلمة بالعبرية في صيغة المثنّى المذكر, ومفردها /شدي/ بمعنى "الثدي". ولذلك /شديم/ تعني بالعربية "الثديين", بالإضافة إلى أنها تشير إلى مكان اسمه بالشكل العربي الحديث " الثديين".

ح?- /رحم/ العبرية قد تعني "الرحم" بالعربية, وقد تشير إلى مكان اسمه " الرحم".

خ?- /مجد/ العبرية تعني "الهدايا الثمينة", أي "النفائس", بالإضافة إلى إشارتها إلى مكان اسمه باللفظ العربي اليوم " المقدّة".

د?- /يهوه/: قد تعتبر هذه الكلمة بالعبرية على أنها الاسم الذي تطلقه التوراة على الله, وهو اسم لا يلفظ بالقراءة إجلالا بل يكنى عنه بكلمة "الرب", وهكذا يترجم إلى العربية. ويعتبر علماء اللغة أن /يهوه/ هي أيضا صيغة مضارع لفعل /هيه/, بمعنى "كان". والمضارع في هذا الفعل هو عادة /يهيه/. كلمة /يهوه/, إذن, قد تعني " الرّب" وقد تعني "يكون"*.

كل هذا صحيح. ومع ذلك تبقى حقيقة أن "البركات" الاثنين المسبغتين على قبيلة يوسف, في سفري التكوين والتثنية, توردان أسماء أمكنة, وتقودان بالتالي إلى معنى ملموس. ومهما كان المعنى التصويري الذي ربما قصد بهذا التلاعب بالكلام فانه يجب أن ينظر على أنه أمر له أهميته ثانوية, إن وجد.

..................................

* أحد أكثر الأخطاء شيوعا في القراءة التقليدية للتوراة تتعلق بالخلط بين /يهوه/ بمعنى "هو يكون", أو "سيكون هو", مع /يهوه/ كاسم لله.

وعلى سبيل المثال, فان الجملة غير ذات المغزى "الرب /يهوه/ أمطر على سدوم وعمورة كبريتا ونارا من عند الرب /ءش م_ءت يهوه/ من السماء" (سفر التكوين24:19), تقرأ عمليا "الرب /يهوه/ أمطر على سدوم وعمورة كبريتا, وهو نار موت /و_ءش مءت يهوه/ من السماء".

و/مءت/ العبرية هنا يجب أن تقرأ كمتهجية منوعة ل /موت/, التي تعني بالعربية "الموت". وفي اللغات السامية يبقى التوقف الحنجري المعروف بالهمزة قابلا للتبادل مع الحرفين شبه الصوتيين, الواو والياء.

الشايب
23/03/2006, 02:23 PM
تهامة في التوراة.. 3

وهنا علينا أن نعود إلى النقطة الرئيسية لهذا الفصل. ففي فقرتي "البركات" هاتين, كما ترجمتا عن العبرية التوراتية الأصلية, يتضح أن /تهوم/ ترد بمعنى شريط من أرض تهامة في غرب شبه الجزيرة العربية, محدد بالعلاقة بما هو اليوم قرية الربيضة, في محيط بلدة الليث بالحجاز. والاستمرار في قراءة /تهوم/ العبرية, في هذا السياق على الأقل, كاسم نكرة يعني "الغمر", أو "اللجّة", سيكون تكرارا لخطأ يكون تكرّس بمضي الزمن, ولكنه يبقى مع ذلك خطأ.

وهناك مقاطع أخرى في أسفار مختلفة من التوراة تتحدّث عن /تهوم/ بالعلاقة مع أماكن ما زالت موجودة بأسمائها نفسها, في جزء أو في آخر من تهامة عسير وجنوب الحجاز. ومن نافل القول الإضافة بأنه يجب إعادة تأويل كل هذه المقاطع بشكل جذري. وعلى سبيل المثال, فان سفر الخروج 5:15 يتحدث عن /تهوم/(/تهمت/, بلاحقة التأنيث المفرد أو الجمع) بالعلاقة مع مكانين في وادي مدركة, في تهامة الحجاز جنوب الليث, هما المصلاة والبناية (التوراتيتان: /مصلوت/ و /ءبن/). والمزمور 7:33 يتحدث عن /ءوصروت تهوموت/, و /ءوصروت/ هي جمع /ءوصره/, ولا بد أن الاشارة هنا هي إلى أكثر من مكان اسمه / وصره/ في أماكن مختلفة من تهامة, ولذلك تظهر /تهوموت/ هنا في صيغة الجمع. ومن هذه المواقع التهامية اليوم " وذرة" في جوار القنفذة, و "وزراء" على مسافة قصيرة إلى الجنوب في جوار "حليّ".

وفي يونان 2:6 تشير /نفش تهوم/ بالتأكيد إلى قرية من تهامة هي اليوم " النّفش", في منطقة جيزان. ويتحدث عاموس 4:7 عن "نار" الإله /يهوه/, التي تلتهم / تهوم ربة/ و /ه_حلق/, وهما ليسا "الغمر العظيم" و "الحقل" كما في الترجمة العربية المألوفة, بل "تهامة الرّبة" في منطقة قنا والبحر, وقرية "الحقلة" (مع أداة التعريف, كما في العبرية) في منطقة جيزان. و"نار" يهوه كانت بلا شك بركانية. ومباشرة إلى الغرب من الربّة, في منطقة قنا والبحر, يوجد أكبر حقول الحمم البركانية في عسير الساحلية. أما بالنسبة "للحقلة" فهي تقع بالقرب من الفوهات البركانية لجبل القارعة. ويجب أن تكون زلازل هذه المناطق البركانية في عسير الساحلية هي ما أشير إليه في المزمور 17:77 في الجملة /ءف يرجزو تهموت/. وهذه يجب أن تترجم لتقرأ "زلزلت أيضا التهامات", بدلا من الترجمة المألوفة الملتبسة "ارتعدت أيضا اللجج".

وبغض النظر عن الجمل التوراتية التي تورد أسماء أمكنة موجودة على امتداد ساحل تهامة في جنوب الحجاز وعسير, هناك جملتان لهما مغزى جغرافي خاص تشيران إلى أمكنة في المرتفعات "المواجهة ل" أو "المشرفة على" (وبالعبرية/عل فني/) تهامة هذه. واحدة من هاتين الجملتين, في سفر التكوين 2:1, تتحدث عن /حشك عل فني تهوم/. وقد ترجمت هذه الجملة إلى العربية "وعلى وجه الغمر ظلمة". والترجمة الصحيحة هي "وعلى وجه تهامة ظلمة". والواقع أن هناك قرية اسمها "الخشقة" (خشق, قابل العبرية /حشك/ بمعنى ظلمة) في منطقة قنا والبحر, والقرية هذه في تهامة عسير. ولعلّ في الأمر هنا أيضا تلاعبا في الكلام, إذا اعتبرنا أن الجملة العبرية قد تعني أيضا "الخشقة المشرفة على تهامة".

وإحدى هذه الجمل الأخرى في هذا الصدد ورد فيها /حقو هوج عل فني تهوم/ ( الأمثال 27:8), أي "حقو هياج المشرفة على تهامة", والحقو والهياج هما اليوم قريتان من منطقة جبل هروب, شمال شرق جيزان, وتشرفان في الواقع على تهامة. وفي النص العبري جاءت الحقو معرفة بالنسبة إلى الهياج المجاورة لتمييزها, بلا شك, عن عدد من القرى الأخرى المسماة "حقو" والتي ما زالت موجودة في مناطق مختلفة أبعد شمالا. والجملة التالية في الفقرة نفسها (الأمثال 28:8) تذكر أسماء أمكنة أخرى موجودة في أجزاء مختلفة من عسير, من بينها /عزوز عينوت تهوم/, أي "عزيزة عينات تهامة", وكل من عزيزة والعيينات ما زالتا موجودتين كقريتين تهاميتين في الجوار المباشر لليث. وفي الترجمات الراهنة تؤخذ /ب_حقو هوج عل فني تهوم/ على أنها تعني "لّما رسم دائرة على وجه الغمر". أما /ب_عزوز عينوت تهوم/, فقد جعلت في الترجمة العربية المألوفة "لما تشددت ينابيع الغمر" ويقرّ علماء التوراة بالنسبة لهذه الجملة الأخيرة بأن "معنى النص العبري غير مؤكد".

والواضح من هذا الفصل أن /تهوم/ التوراة العبرية كانت صحراء تهامة الحالية في غرب شبه الجزيرة العربية, وليست "غمرا" أو "لجّة" من أي نوع.

والدليل الاسمي يؤكد هذا من دون أدنى شك. وأكثر من هذا, فان ترجمات المقاطع التي تتحدث عن /تهوم/ آخذة في اعتبارها هذه الحقيقة يمكنها أن تجتاز الاختبار العملي والدقيق بكونها تحمل مغزى جغرافيا واضحا لا لبس فيه, وهو مغزى ملموس وغير تصويري. وحيث هناك معنى ملموس لأي نصّ لا يبقى هناك مجال للبحث عن أي معنى آخر.

هذا, إذن, هو واقع الأمر بالنسبة إلى /تهوم/ التوراة, وهي اليوم ساحل تهامة على البحر الأحمر, من شبه الجزيرة العربية, ومن هنا نبدأ.

.................................................. ........

على أمل الانتقال في الفصل السابع القادم إلى " مسالة الأردن.

الشايب
24/03/2006, 07:24 PM
مسألة الأردن.. 1

"الأردن" /ه_ يردن/ لم يكن في التوراة العبرية نهرا /نهر/ بالعبرية والعربية على السواء. وأكثر من ذلك, فان أهل الاختصاص يعرفون تماما أن ما من مكان وردت فيه هذه الكلمة في النصوص التوارتية معرّفة على أنها اسم نهر*.

..........*

انظر سايمونز, الفقرة 137. ومع ملاحظة أن "أكثر أنهر فلسطين أهمية" لم يشر إليه أبدا في التوراة العبرية على أنه نهر, يضيف سايمونز في هامش أن "مشكلة أصل ومعنى كلمة /يردن/, التي اختلفت الآراء حولها, ما زالت بلا حل "

.................................................. .....

أما كيف أصبح النهر الفلسطيني الشهير يعرف بهذا الاسم فهي مسألة تستحق التمحيص بحد ذاتها, ولكنها ليست المسألة التي سنتطرق إليها هنا*.

..........*

أطلق الجغرافيون العرب في الأصل اسم "الأردن" على أراضي الجليل والأجزاء المجاورة من وادي نهر الأردن وليس على نهر الأردن نفسه الذي يسمّى محليا "الشريعة", وليس "الأردن".

.................................................. ......

والمسألة المباشرة والآنية هي التالية: إذا كان أردن التوراة العبرية ليس نهرا, فماذا يمكن أن يكون ؟

من ناحية علم أصول الكلمات, إن /يردن/ التوراتية هي اسم مشتق من المصدر/يرد/, والذي يعني "انحدر, هبط, سقط". ومن الجذور التي تقابل /يرد/ بالعربية "ردى" بمعنى "سقط, تهوّر من جبل عال".

ومن هذا الجذر على الأرجح يشتق الاسم العربي "ريد" وصيغته المؤنثة "ريدة".

و"الريد" هو "الحرف الناتىء من الجبل ". وربما "الريدة", وهي غير قاموسية, هي "النتوء الجبلي", و "القمة الجبلية", و "خط لقاء الجبل أو الجرف مع السماء".

واستخدام التعبيرين بالعلاقة مع الأرض الجبلية ينحصر من الناحية العملية بغرب وجنوب شبه الجزيرة العربية, حيث ترد ريدة و ريدان (ريدن من ريد, قارن بالعبرية /يردن/, ولعل لاحقة النون هي في الأصل أداة تعريف مماتة) كأسماء أمكنة نكرة, أو كتعبيرين جغرافيين يدخلان في تشكيل أسماء أمكنة مركبة. وفي عسير وحدها هنالك خمس قرى جبلية على الأقل, في أقاليم مختلفة, تسمى ريدة (أو ريدة... كذا وكذا), وقريتان على الأقل تسميان ريدان. ناهيك عن ريدة وحصن ريدان التاريخي باليمن.

في الاستعمال التوراتي, تؤخذ كلمة /ه_يردن/ تقليديا على أنها اسم النهر المعرف في فلسطين, ولكنها ليست اسما دوما بل (كما في العربية) تعبير طوبوغرافيا يعني "جرف" أو "قمة" أو "مرتفع". وفي المبنى /عبر ه_يردن/ ("عبر" أو "ما بعد" ال /يردن/), الذي أخذ حتى الآن على أنه يعني "عبر الأردن" (أي شرق الأردن), تشير /ه_يردن/ بلا استثناء إلى الجرف الرئيسي لسراة عسير الجغرافية, الذي يمتد من الطائف في جنوب الحجاز إلى منطقة ظهران الجنوب قرب الحدود اليمنية. وفي معظم الحالات, تشير /عبر ه_يردن/ إلى أراضي عسير الداخلية تفريقا لها عن عسير الساحلية التي كانت أرض يهوذا الإسرائيلية. وعلى العموم, فان /ه_يردن/, من دون /عبر/, يمكنها أن تشير إلى أي جزء من جرف عسير,

وهي كثيرا ما تشير أيضا إلى أي من قمم والمرتفعات التي لا تحصى في الجانب البحري من عسير وجنوب الحجاز, وتشير في الحقيقة إلى قمم الجبال أو إلى الجروف في أي مكان آخر (وعلى سبيل المثال, تلك التي في جبل أبو همدان في إقليم نجران). وهذا واضح من تراكيب مثل /يردن يرحو/ الذي لا يعني "أردن أريحا" (كما في الترجمة العربية المألوفة), بل "جرف يرحو", و /يرحو/ هنا تشير إلى مرتفع من جبل عيسان, في بلاد زهران, حيث يبدأ وادي وراخ /ورخ/, وفية أيضا قرية اسمها "وراخ". وحقيقة أنه كانت هنالك أكثر من /يردن/ (وليس "أردن") واحدة تظهر أيضا في التعبير /ه_يردن هزه/ ("هذا الجرف" أو "هذا المرتفع", وليس "هذا الأردن") الذي يرد ما لا يقل عن ست مرات في أسفار مختلفة من التوراة (التكوين 11:32 , والتثنية 27:3 و 2:31 , يشوع 2:1و11 و4:22). ولو كان /ه_يردن/ اسما لنهر معين, أو في هذه الحالة اسما لجرف أو مرتفع معين, لكان يصعب التفكير بسبب يقضي بالإشارة إليه بهذه الكثرة بالتعبير "هذا الأردن" إلا إذا كانت هنالك أنهر أخرى أو أجراف ومرتفعات أخرى تحمل الاسم نفسه *. وعمليا, إن تعبير /ه_يردن هزه/ يعني ببساطة "هذا الجرف" أو "هذا المرتفع" أو "هذه القمّة", تفريقا عن أجراف أو مرتفعات أو قمم أخرى.

.............*

هناك عدد لا يحصى من الجداول الموسمية والدائمة التي تنبع من الأنحاء المختلفة لجرف عسير, وهو ما يفسر التعبير التوراتي /مي ه_يردن/ أو /ميمي ه_يردن/ ("ماء" أو "مياه" ال /يردن/, انظر ما يلي). وعلى العموم, فان تعبير /يردن/ يظهر في بعض الحالات في التوراة بمعنى "جدول ماء" أو "بركة". وبهذا المعنى, تكون الكلمة مشتقة من /يرد/ (وبالعربية ورد) بمعنى "ذهب إلى الماء". و "الورد" بالعربية هو "نصيب من الماء". وهكذا, فان /ه_يردن/ التي "غطس" فيها نعمان الآرامي "سبع مرات" (الملوك الثاني 14:5) ليعالج نفسه من الجذام كانت بالتأكيد بركة ماء أو نبعا أو جدولا. وإذا أخذ في الاعتبار أنها كانت قرب السامرة /شمرون/, التي هي اليوم شمران في منطقة القنفذة, فان / يردن/ نعمان كانت بلا شك تشير إلى مجمع مياه في وادي نعص الذي يجري هناك. وموطن نعمان, المسمى آرام /ءرم/, يمكنه أن يكون اليوم وادي ورم /ورم/ في النهايات السفلى لرجال ألمع. و"دمشق" /دمسق/ أو / د مسق/ التي تخصه هناك هي اليوم ذات مسك /ذت مسك/ وليس هناك نهر "فرفرة" /فرفر/ ولا نهر "أبانة" / ءبنء/ يتدفق في جوار دمشق الشام. وهذان النهران في موطن نعمان, التي يقارنهما باستحسان مع ال /يردن/ التي عولج فيها, يحملان اسمين هما اليوم لقريتي الرّفرفة (مع قلب الأحرف) والبنا /بنء/ في الجوار العام نفسه من عسير الذي هو حوض وادي حلي وروافده الكثيرة.

الشايب
25/03/2006, 11:56 AM
مسألة الأردن.. 2

ولإثبات حقيقة أن "أردن" التوراة لم يكن نهرا بهذا الاسم بل مجرد تعبير طوبوغرافي يشير إلى أجراف أو قمم ومرتفعات جبلية في جنوب الحجاز وعسير,

سيكون من المفيد تحديد كيفية ورود الاسم بالترابط مع مجموعات مختلفة من أسماء أماكن من غرب شبه الجزيرة العربية في نصوص مختلفة من التوراة. ويمكن أخذ المثال الأول من الرواية المفصلة للعبور الإسرائيلي لل "أردن" بقيادة يشوع, منذ اللحظة التي انطلق الإسرائيليون فيها إلى العبور من "شطيم", وحتى الختان الجماعي ل "شعب إسرائيل" في "تل القلف" (بالعبرية /جبعت ه_عرلوت/) (يشوع 1:3 و 3:5). في البداية, سيكون من الملائم تحديد النقاط الدقيقة للانطلاق والوصول.

ونقطة الانطلاق, "شطيم" (وتهجئتها التوراتية هي /ه_شطيم/), كانت في الظاهر قمة بجوار وادي وجّ (يحتمل أن تكون جبل سويقة الحالي, إلى الشمال مباشرة من الطائف) ورد اسمها في الكتابات التاريخية العربية على أنها جبل شتان /شتن/*.

.................*

استنادا إلى المؤرخين العرب, ذهب الرسول محمد (ص) في حجه الأخير من المدينة إلى مكة بطريق جبل شتان والقرية المجاورة كداء, التي ما زالت هناك, واسمها اليوم الكدا.

.................................................. ..

ويمكن تأكيد كون موقع "شطيم" يوجد هناك من خلال تحديد المنطقة التي وصلها الإسرائيليون بقيادة موسى, التي شملت بوضوح أجزاء منطقة الطائف الواقعة شرق الشق المائي*. ونقطة الوصول, التي جرى فيها الختان الجماعي للإسرائيليين غير المختونين, هي اليوم قرية ذي غلف, التي يكاد يكون اسمها الحالي ترجمة حرفية للاسم التوراتي /جبعت ه_عرلوت/, أي "تل القلف" أو "تل الغلف". والقلفة أو الغلفة في العربية هي الغرلة (بالعبرية /عرله/, وجمعها /عرلوت/). وفي حين أن جبل شتان يقع شرق الشق المائي لغرب شبه الجزيرة العربية, فان ذي غلف تقع غربه, في وادي أضم, في مرتفعات منطقة الليث.

وللوصول من جبل شتان إلى ذي غلف يجب على المرء أن يتجه جنوبا, ثم أن ينعطف غربا ليعبر الشق المائي عند مضيق وادي بقران, جنوب الطائف.

ومن جبل شتان إلى ذي غلف كان العبور الإسرائيلي لل "أردن", كما وصف في سفر يشوع.

................*

استنادا إلى سفر العدد 41:33 _ 49, فان موسى قاد الإسرائيليين في المرحلة الأخيرة من تيههم من جبل "هور" /هر ه_هر/ إلى "صلمونة" /صلمنه/, ثم إلى فونون /فونن/, و"وأوبوت" /ءبت/, و"عيي عباريم" /عيي ه_عبريم/في تخم "مؤاب" /موءب/, و"ديبون جاد" /ديبن جد/, و"علمون دبلاتايم" /علمن دبلتيم/, و"جبال عباريم" / هري عبريم/ أمام "نبو" /نبو/, و"عربات مؤاب" /عربت موءب/ "على أردن أريحا" /عل يردن يرحو/, حرفيا: "على" /يردن يرحو/. ثم نزلوا (أي خيموا) "على الأردن" /عل يردن/, (حرفيا: "على الأردن") بين "بيت يشيموت" /بيت ه_يشمت/ و"آبل شطيم" /ءبل ه_شطيم/ في "عربات مؤاب" /عرب موءب/.

والأمكنة الثمانية الأولى المشار إليها موجودة في بلاد غامد وزهران, وهي اليوم: "مرتفع" /هر/ الهرّة /هر/, وسلامان /سلمن/, وجبل النوف, ووادي بات /بت/, و"الحجارة المكومة" /عييم/ في العرباء /عربء/ في جبل شدا, وما زالت هناك كبلاطة حجرية مثلثة مسطحة مرفوعة على ثلاثة أحجار أخرى كبيرة ومبجلة باعتبارها من آثار إبراهيم المقدسة وتسمى " مصلى إبراهيم ".

الشايب
25/03/2006, 06:21 PM
مسألة نهر الأردن.. 3

ويمكن تتبع هذا العبور حتى في أدق تفاصيله في مسرح غرب شبه الجزيرة العربية, مع الأخذ بعين الاعتبار أن أحدا لم ينجح في تتبع مسار هذا العبور في مسرحه المفترض تقليديا أنه من شرقي الأردن إلى فلسطين, عبر نهر الشريعة.

وقد جاء أن الإسرائيليين انطلقوا إلى عبورهم في وقت الحصاد, عندما كانت الوديان على جانبي ال /يردن/, أي "الجرف", ممتلئة بمياه السهول الغزيرة (16:3)*.

....................*

نهر الأردن لا يفيض في وقت الحصاد, وهو آخر الربيع. وعلى العموم, فان هذا موسم الأمطار الغزيرة في عسير الجغرافية, وهي الأمطار التي يمكنها أن تتسبب أحيانا في سيول هائلة. وقد زرت المنطقة في أواخر أيار (مايو) وتأكدت من ذلك بنفسي.

ملاحظة: الأعداد تشير إلى آيات من سفر يشوع.

.................................................. ......

وعندما وصلوا إلى النقطة التي يمكنهم عبورها, تراجعت المياه لتسمح لهم بالمرور (16:3). وعن النص الأصلي بالعبرية, نقلت الترجمات العادية الحدث كما يلي:

" وقفت المياه المنحدرة من فوق / م_ل_معله/ وقامت ندّا واحدا بعيدا جدا /ند ءحد ه_رحق مءد/ عن أدام /ءدم/, المدينة التي إلى جانب صرتان /صرتن/, والمنحدرة إلى بحر العربة /عل يم عربه/, بحر الملح /يم ه_ملح/ انقطعت تماما, وعبر الشعب مقابل أريحا /يريحو/".

تقليديا, ترجمت العبرية /يم عربه يم ه_ملح/, خطأ, على أنها "بحر عربة, بحر الملح", وأخذت على أنها تشير إلى البحر الميت الفلسطيني. ومع ذلك, فان /يم/ العبرية يمكنها أن تعني "بحر" وأن تعني "غرب". ولهذا, فان الترجمة الصحيحة للجملة /عل يم عربه يم ه_ملح/ تصبح "غرب /عربه/ (اسم مكان), غرب /ه_ملح/ (اسم مكان آخر)". والموقعان موضوع البحث هما غرابة (/غرب/ بلا تصويت) في وادي بقران, مباشرة شرق الشق المائي, والقرية القريبة منها, الملحة /ملح/, مع أداة التعريف العربية, قابل مع الاسم بالعبرية /ه_ملح/ الذي يحمل أيضا أداة التعريف. وهناك ترجمات أخرى خاطئة في الفقرة المستشهد بها, وهي:

1- أن /م_ل_معله/ العبرية هي طريقة غير معقولة للقول "من أعلى", لأنها تعني حرفيا "من إلى أعلى". وبالشكل الصحيح, يجب أن تقرأ /م_لمعله/, أي "من /لمعله/" (اسم مكان). و/لمعله/ هذه هي اليوم قرية أسمها المعلاة /ءل _معله/ بلا تصويت في منطقة الطائف, قرب غرابة والملحة.

2- أن /ند ءحد/ العبرية, في هذا الإطار يجب أن تترجم "سدّا واحدا", وليس "ندا واحدا" بمعنى "أكمة واحدة".

3- أن /ه_رحق مءد/, إذا قرئت فيها /مءد/ ككلمة واحدة, تعني حرفيّا "المسافة الكثيرة", ولهذا ترجمت "بعيدا جدا". والتركيب "المسافة الكثيرة" غير معقول. أما إذا هي قرئت /ه_رحق م_ءد/, فيمكنها أن تعني "الممتد من /ءد/ (اسم مكان)". و/ءد/ هذه هي اليوم قرية ودّ, في الجزء نفسه من منطقة الطائف حيث توجد غرابة والملحة والمعلاة.

أما الأمكنة الباقية التي هي بحاجة إلى تحديد فهي "أدام" و "صرتان" و "أريحا", مع الأخذ بعين الاعتبار القرب بين المكانين الأول والثاني. و "أدام لا بد أن تكون اليوم أضم /ءضم/, تحوير عن /ءدم/ التوراتية, وهي القرية الواقعة غرب الشق المائي إلى الجنوب من الطائف, والتي يسمى بأسمها وادي أضم.

وأما بالنسبة ل "أريحا" /يريحو/, وهي في التهجئة التوراتية غير /يرحو/ التي هي اليوم وراخ, فهي اليوم قرية الرخية في وادي أضم. وعلى ضوء هذا كله يجب أن تترجم جملة يشوع 16:3 كما يلي:

"المياه المنحدرة من المعلاة ارتفعت في سدّ واحد يمتد من ودّ, عند أضم, المدينة التي هي بجانب الرزنة. وتلك المتدفقة نزولا غرب غرابة, غرب الملاحة, انقطعت تماما, وعبر الشعب مقابل الرخية".

ومن الواضح أن المياه التي "وقفت" لتسمح لبني إسرائيل بعبور الجرف عند عقبة بقران (وذلك لأنها ووجهت بسدّ أقيم خصيصا لهذه الغاية, على ما يظهر) كانت مياه سيل وادي أضم, الذي يجري من الشق المائي غربا باتجاه البحر. وهكذا تكون نقطة العبور قد حددت في نص سفر يشوع بدقة مذهلة.

وعندما عبر رجال إسرائيل (إذا كان للنص العبري أن يقرأ صحيحا) عقبة بقران بين غرابة وأضم, "حملوا اثني عشر حجرا" من الجرف /ه_يردن/ "حسب عدد أسباط بني إسرائيل" ( 8:4 ). وعندما وصلوا "الجلجال" /جلجل/, أخذ يشوع الأحجار ألاثني عشر ونصبها كمعلم لذكرى عبور /ه_يردن هزه/ ("هذا الجرف" أو "هذا المرتفع"). ولا شك في أن هذه الحكاية, كما وردت, تشكل محاولة لتفسير كيفية وجود رابية "جبل جلجلة" الصخرية في سهل "جلجل" في وادي أضم. وما زال السهل والرابية هناك حتى اليوم, باسميهما التوراتيين دون أي تغيير.

وللوصول إلى سهل جلجل (وهو "الجلجال" في الترجمة العربية المألوفة), كان بنو إسرائيل قد نزلوا وادي أضم "مقابل أريحا /يريحو/" ( 16:3 ), أي مقابل قرية الرخية, وهذا صحيح جغرافيا (أنظر أعلاه). وجلجل أو "الجلجال", حيث حلوا, كانت في تخم أريحا الشرقي, كما جاء في الترجمة العربية /ب_قصه م_زرح يريحو/ بالعبرية ( 19:4 ). و/قصه/ العبرية أخذت هنا على أنها تعني "تخم", و /زرح/ على أنها تعني "شرق", وهما عمليا اسمان لقريتان في وادي أضم, وهما "القصية" و "الصرحة". وقد عرّفت الثانية منهما بصرحة الرخية /زرح يريحو/, نسبة إلى قرية الرخية المجاورة لها, لتمييزها عن قرية أخرى اسمها الصرحه في المنطقة ذاتها. وبالتالي, فان الترجمة الصحيحة للجملة يجب أن تكون: "حلوا في جلجل, في القصية, من صرحة الرخية", وهكذا يكون قد أشير إلى كامل امتداد مكان حلولهم.

ومثل قصة أحجار جلجل أو "الجلجال" الأثني عشر, هي قصة الختان الجماعي لرجال إسرائيل غير المختونين عند /جبعت ه_عرلوت/ (التي هي اليوم ذي غلف, انظر أعلاه), إذ تمثل هذه القصة محاولة لتفسير ظاهرة غير معتادة, وهي في هذه الحالة الاسم الغريب لمكان يسمى "تل القلف". وليس موضع الاهتمام هنا عمليا معرفة سبب تسمية المكان بهذا الاسم*.

والمهم هو أن قرية ذي غلف الحالية في غرب شبه الجزيرة العربية – مثل الرخية (أو"أريحا") وجلجل (أو "الجلجال") والقصية والصرحة _ تقع في وادي أضم, وهو ما يطابق تماما التأويل الجغرافي الصحيح للعبور الإسرائيلي لل "أردن" بقيادة يشوع. أما إحداثيات نقطة العبور في عقبة وادي بقران, جنوب الطائف, فهي 21 شمال 40ْ 30 َ شرق.

................*

يروي الرحالة الذين زاروا ساحل عسير في القرن لحالي أن الشباب كانوا يؤخذون إلى رابية خارج قريتهم ليختنوا هناك علنيا. والكلمة التي تستخدم محليا لفعل الختان هي "علّى", أي "رفع" أو "أخذ إلى مكان عال". وربما كانت ذي غلف, التي كانت تسمى في القديم /جبعت ه_عرلوت/, موقعا لرابية كانت تستخدم في السابق لطقوس ختان الشبان البالغين.

الشايب
26/03/2006, 10:06 PM
وفي حين أن "أردن" يشوع كانت عقبة جبلية في جنوب الحجاز, على امتداد الجرف الرئيسي لغرب شبه الجزيرة العربية, فان "أردن" لوط (التكوين 10:13_12) كان قمة جبل هروب, على بعد حوالي 450 كيلومترا إلى الجنوب _ الجنوب الشرقي, في منطقة جيزان, حيث ما زالت هناك قرية اسمها ريدان (قارن بالعبرية /ه_يردن/). ويبدو أن جبل هروب بكامله كان يسمّى /ه_يردن/

(أي "ريدان") في زمن التوراة. وانطلاقا من نقطة البداية في "النقب" /ه_نجب/, بين "بيت أيل" /بيت ءل/ و"عاي" /ه_عي/ (التكوين 2:13), افترق لوط عن عمه أبرام العبري وذهب ليقيم في منطقة وصفت بأنها /ككر ه_يردن/, التي جعلت عادة في الترجمات "دائرة الأردن" أو "وادي الأردن". ومع التسليم بأن /ككر/ تعني "دائرة". وهو ما يبدو صحيحا, فان /ككر ه_يردن/ يجب أن تكون إشارة إلى "محيط" جبل "ريدان" (أي جبل هروب) الذي ترويه مجاري وروافد وادي صبيا ووادي بيش.

وتعريف /ككر ه_يردن/ على أنها "محيط" جبل هروب الخصب, في منطقة جيزان, وليس "دائرة الأردن" في فلسطين, يتأكّد من مسار تحركات لوط كما وردت في سفر التكوين. والواضح من هذا المسار أن "النقب" التي أنطلق لوط منها ليصل إلى /ككر ه_يردن/ لم تكن إطلاقا صحراء النقب في جنوب فلسطين, بل كانت قرية النقب, التي ما زالت قائمة حتى اليوم على منحدرات رجال ألمع, غرب مدينة أبها والى الشمال مباشرة من منطقة جيزان. وهنا أيضا توجد, وحتى يومنا هذا قرية البتيلة /بتل/, التي هي "بيت أيل" التوراتية, والغّي /غي/ مع أداة التعريف العربية, قارن/ه_عي/, التي هي "عاي" التوراتية*.

.............*

الباحثون التوراتيون حددوا "بيت أيل" التوراتية, زيفا, بكونها قرية بيتين الفلسطينية على أساس التشابه السطحي بين الاسمين, ولا شيء غير ذلك. وهم يقولون إن "عاي" قد تكون قرية التل الحالية, قرب بيتين.

.................................................. .

وللوصول إلى /ككر ه_يردن/, أي "محيط" جبل هروب, كان على لوط أن يذهب أولا إلى جبل هروب, ثم أن ينزل من هناك إلى الوديان. وفي سفر التكوين 18:13 قيل عمليا إن لوط ارتحل "من قدم" (/م_قدم/ بالعبرية) ليصل إلى مبتغاه.

و/قدم/ هي اليوم مورد, أي مكان للسقاية, يسمى الغمد قرب ريدان, في جبل هروب. ولم يكن لمترجمي التوراة أن يعرفوا أن /قدم/ كانت اسم مكان, وبالتالي كان لديهم عذر ليأخذوها حرفيا على أنها تعني "شرق". وعلى العموم, وبافتراض أن لوط انطلق من فلسطين, وأنه كان عليه بالتالي أن يتجه شرقا ليصل إلى /ككر ه_يردن/, التي أعتقد بأنها وادي الأردن, فان هؤلاء المترجمين أساؤوا عن قصد ترجمة /م_قدم/ العبرية لتعني "شرقا", أي "باتجاه الشرق", وهم على علم كامل بأنها لا يمكن أن تعني إلا "من الشرق", إذا كانت /قدم/ تعني "شرق". وليس بسبب قلّة الأمانة, بل أكثر من ذلك بسبب الجهل بالواقع, ترجم هؤلاء القصة قيد البحث بكاملها (التكوين 10:13_12) لتقرأ تقريبا كما يلي:

" فرفع لوط عينيه ورأى كل دائرة الأردن /ككر ه_يردن/ أن جميعها سقي /كله مسقى/, قبلما أخرب الرب سدوم وعمورة /ل_فني شحت يهوه ءت سدم و_ءت عمره/, كجنة الرب /ك_جن يهوه/, كأرض مصر حين تجيء إلى صوغر /ك_ءرص مصريم ب_ءكه صعر/. فاختار لوط لنفسه كل دائرة الأردن وارتحل لوط شرقا /م_قدم/... ولوط سكن في مدن الدائرة /عري ه-ككر/ ونقل خيامه إلى سدوم /و_يءهل عد سدم/.

وبغض النظر عن انتقائية أخذ /ككر ه_يردن/ على أنها "دائرة الأردن", أي وادي الأردن, وعن الترجمة المقصودة الخطأ ل /م_قدم/ على أنها "شرقا" وليس "من الشرق" (وهي تعني عمليا "من الغمد"), فان مترجمي هذه الفقرة فهموا /يهوه/ العبرية, التي وردت مرتين في الفقرة كصيغة مضارع لفعل /هيه/ أي "كان", على أنها اسم اله إسرائيل /يهوه/ والمترجم عادة "الرب".

وكذلك, فقد أخذ هؤلاء المترجمون /شحت/ العبرية على أنها فعل ماض يعني "أخرب" أو "خرّب", في حين أنها ترد عمليا في النص كاسم مكان.

ولوضع ترجمة الأصل العبري, الذي له مغزاه التام كما هو, في نصاب البنية الجغرافية المتصورة في فلسطين, لجأ المترجمون إلى التلاعب بالنصّ الأصلي, فنزعوا الجملة /ل_فني شحت يهوه ءت سدم و_ءت عمره/من موقعها الصحيح, الذي يأتي في الأصل مباشرة بعد /كله مسقه/ أو "جميعها سقي", ليضعوها بعد /ك_ءرص مصريم ب_ءكه صعر/, وهذا ليس موقعها في الأصل العبري.

.................................................. ....

تعقيب: هذا تزوير خطير للغاية في النص العبري الأصلي, والذي لا يمكن لغير عالم باللغات القديمة أن يكشفه, ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب ومؤلفه. انتهى التعقيب.

.................................................. ....

وأكثر من ذلك, فقد اعتبروا أن من المسلم به كون /ءرص مصريم/ تعني "أرض مصر".

وفي الجملة الأخيرة افترضوا كلهم, وبلا استثناء, أن /عري ه_ككر/ تعني "مدن الدائرة" أي مدن وادي الأردن, في حين أن الأصل العبري يشير إلى "كهوف" مكان معين (بالعربية غار, أي "كهف") أو وديانه" (بالعربية غور, أي "المكان العميق" أو "الوادي"). والمرجح أن /عري/ في إطار النصّ تعني "الكهوف", نظرا لأن لوط وصف بكونه قد عاش في كهف, أو "مغارة" وهو في هذه الحالة /معره/*, في سفر التكوين 30:19 .

ونورد في ما يلي إعادة ترجمة للنص نفسه, محافظين على أسماء الأمكنة المذكورة بصيغتها العبرية الأصلية, من أجل تحديدها لاحقا:

"فرفع لوط عينيه ورأى أن كل /ككر ه_يردن/ مسقيّ باتجاه شحت /ل_فني شحت/, وهي بجانب /سدم/ و /عمره/ (/يهوه ءت سدم و_ءت عمره/). إنها كجنة /ك_جن يهوه/, كأرض /مصريم/ باتجاه /صعر/. ولهذا اختار لوط لنفسه كل /ككر ه_يردن/, وارتحل لوط من /قدم/ ... وسكن لوط في كهوف ال /ككر/, ونصب خيامه حتى /سدم/".

..............*

عمليا /عر/ و (ليس /عير/, أي "مدينة") هي مفرد /عري/ أو /عريم/ في النص, ويقابلها بالعربية "غار" أو "غور". و/معره/ (بالعربية "مغارة") مشتقة من الجذر نفسه, وهو "غور". يقال بالعربية "غار في الشيء" أي دخل فيه, و"غار الماء" أي ذهب في الأرض وسفل فيها.

.................................................

وهذه الترجمة الجديدة للنص العبري المكتوب بالأحرف الساكنة تقدم مجموعتين من أسماء الأمكنة, احدهما تشير إلى ثلاثة مواقع في "دائرة ريدان" /ككر ه_يردن/, أي محيط جبل هروب, وهي /شحت/ و /سدم/ و /عمره/, والثانية تشير إلى موقعين في أنحاء أخرى, هما /مصريم/ و /صعر/. ومواقع المجموعة الأولى تقارن ايجابيا مع /مصريم/ بأنها "جنة" في الخصوبة. والمواقع الخمسة كلها ما زالت توجد بأسمائها في عسير اليوم, وتقع الثلاثة الأولى في منطقة جيزان, حيث يتوقع الباحث أن يجدها, ويقع الموقعان الأخيران في جوار أبها الشديد الخصوبة, وهو الجزء من السراة الذي يحظى بمعظم الأمطار. ونورد في ما يلي تحديدا للمواقع الخمسة بأسمائها الحالية:

1_ /شحت/: هي اليوم الشخيت (/شخت/ بلا تصويت), في جبل بني مالك, جنوب شرق جبل هروب, وشرق وادي صبيا مباشرة.

2_ /سدم/, أو سدوم: ما زال الاسم موجودا, وقد طرأ عليه تبديل في مواقع الأحرف "دامس" /دمس/ بلا تصويت, ووادي دامس هو الرافد الأقصى غربا لوادي صبيا.

3_ /عمره/, أو عمورة: الغمر /غمر/, على منحدرات جبل هروب فوق وادي دمس.

4_ /مصريم/: من الأكيد أن الاسم هنا لا يشير إلى "مصر" وادي النيل, بل إلى ما هو حاليا قرية المصرمة(وتلفظ حاليا المصرامة) في جوار أبها.

5_ /صعر/ أو "صوغر": الصعراء /صعر/, أيضا في جوار أبها. وهناك أكثر من "صوغر" أخرى في أنحاء مختلفة من عسير.

الشايب
27/03/2006, 12:57 PM
مسألة الأردن..5

ونورد هنا بعض التعليق المضاف لتحديد هوية المكان قيد البحث. استنادا إلى سفر التكوين 24:19 , فان "سدوم" و "عمورة" دمرتا خلال حياة لوط بمطر من "كبريت" و"نار موت من السماء", والواضح أن المقصود هو ثورة بركانية. وهناك "سدومات" عديدة محتملة أو ممكنة في عسير, أحداهما هي سدومة(/سدم/ بلا تصويت, تماما كما في التوراة), في منطقة بني شهر. لكن ليس هناك أي آثار بركانية بالقرب من أي منها. أما وادي دامس فليس كذلك, إذ أن مساره الأدنى يعبر حقل حمم براكين عكوة. ولا بد من تذكير علماء الآثار التوراتيين الذين ما زالوا يبحثون عن بقايا سدوم (أو بقايا عمورة) بالقرب من البحر الميت في فلسطين بأنه لم يعثر هناك بعد على أي آثار لنشاطات بركانية قديمة. وهاتان البلدتان لا بد أن تكونا قد دفنتا تحت حمم وادي دامس في منطقة جيزان, عند سفح جبل هروب, بالرغم من وجود قرية اسمها الغمر /غمر/, وهو اسم "عمورة" /عمره/ التوراتية بالذات, على منحدرات جبل هروب*.

.................*

يحتمل أن تقع الغمر هذه خارج محيط التساقط البركاني لعكوة. وهذا هو الأمر بالنسبة ل "عمورة" أخرى في منطقة جيزان, التي هي الغمرة في جبل بني مالك. و"عمورات" عسير (سواء بالعين أو بالغين) أكثر عددا من أن تحصى.

.................................................. ....

و /ه_يردن/ أو "الأردن" الذي ربط به المكانان اللذان ورد اسماهما في قصة هجرة لوط لا يمكنه أن يكون إلا جبل هروب, الذي ما زالت قرية ريدان تحمل إلى اليوم اسمه التوراتي (الذي يعني الجرف أو المرتفع). و "الدائرة" /ككر/ التي تلي لا بد أنها كانت تشير في الأزمنة التوراتية إلى الشعاب التي تشكّل حوضي وادي صبيا ووادي بيش في محيط جبل هروب, كما ذكرنا. وكذلك, فان /قدم/ لوط ليست "الشرق" بالتأكيد, بل مورد الغمد قرب ريدان جبل هروب*.

.............*

اخترع الباحثون التوراتيون تعبير "بنتا بوليس" أي "المدن الخمس" ل "سهل الأردن", إشارة إلى (سدوم, عمورة, أدمة, صبوييم, بالع_صوغر) (التكوين 14),

على أنهم لم ينجحوا في تحديد موقع أي من هذه "المدن الخمس" في وادي الأردن الفلسطيني.

.................................................. ..

وبالنسبة إلى أسم المكان /مصريم/, لا بد من لفت الانتباه إلى أنه نادرا ما استخدم في التوراة العبرية للإشارة إلى "مصر" وكما يفترض عادة.

وحيث لا تشير الكلمة إلى المصرمة في جوار أبها وخميس مشيط, فهي تشير إلى مصر في وادي بيشة, أو إلى المضروم /مضرم/ في مرتفعات غامد, أو إلى آل المصري في منطقة الطائف*.

.................*

بالحكم من خلال توزع أسماء الأمكنة هذه في غرب شبه الجزيرة العربية, فان /ءرص مصريم/ التوراتية (أي أرض المصريين) كانت تشمل كامل حوض وادي بيشة, بالإضافة إلى حوض وادي رنية إلى الشمال.

و "فرعون" التوراتي /فرعه/, كما سيذكر لاحقا, لم يكن ملك مصر, بل يبدو أنه كان الحاكم المتسلط في وقت ما على "المصرمة" وجوارها في حوض وادي بيشة. وفرعا /فرعء/ اسم لقبيلة ما زالت موجودة في وادي بيشة إلى اليوم. واسم هذه القبيلة لا يختلف في اللفظ عن /فرعه/ التوراتية, ولعلّه استمرار في الوجود للقب حكّام هذه الناحية في الأزمنة الغابرة.

وعندما يتم الاعتراف بأن "الأردن", أي /ه_يردن/ التوراتية, ليست اسما لنهر ما, بل لفظة تعني "الجرف, القمة, المرتفع", أو هي أسم مكان مثل ريدان يحمل الاسم نفسه, يصبح سهلا فهم تعابير توراتية مركبة أخرى تظهر فيها اللفظة نفسها. وقد لوحظ سابقا أن /يردن يرحو/ (سفر العدد 3:26و63, 12:31 , 33:48 و50 , 1:35 , 16:36 ) ليست "أردن أريحا", بل هي "مرتفع وراخ" في بلاد زهران. والى جانب /يردن يرحو/, هناك تعابير توراتية أخرى تظهر فيها نسبة مماثلة إلى /يردن/, ولا بد من دراستها.

إن /معبروت ه_يردن/ (القضاة 28:3 ,5:12 و6), مثلا, لم تكن "مخاوض الأردن", بل كانت "شعاب الجرف"*.

...........*

فؤاد حمزة, الذي زار عسير سنة 1934, أحصى 24 من أمثال هذه الشعاب التي تعبر الجرف من النماص جنوبا, بغض النظر عن تلك التي بين النماص والطائف. أنظر كتابه في بلاد عسير. ( الرياض 1968 ) ص 91 _ 93 .

..............................................

و/سفت ه_يردن/ (الملوك الثاني 13:2) لم تكن "شاطيء الأردن", بل "شفا الجرف". والشفا ( قابل /سفه/ بالعبرية) هو "حرف كلّ شيء وحدّه". وما زالت "الشفا" تستعمل في المصطلح المحلّي للدلالة على حرف السراة في جنوب الحجاز وعسير. و /جليلوت ه_يردن/ (يشوع 11:22 ) لم تكن "دائرة الأردن", بل "أجلال الجرف" (جمع جلّ, والجل من الأرض "القطعة ذات جدار وحدّ معلوم"). والأجلال هي المدرجات الزراعية في الأراضي الجبلية.

وأخيرا, فمن الأكيد أن /جءون ه_يردن/ (ارميا 15:12 , 19:49 , 44:50 , زكريا 3:11) لم تكن "كبرياء الأردن" (أو "أدغال الأردن", كما في معظم الترجمات الأوروبية). وكلمة /جءون/ العبرية مثبتة بمعنى "مرتفع", وما من سبب غير جموح الخيال يمكن أن يجعلها تعني "كبرياء", أو "أدغال" بمعنى "الشجر الشامخ المرتفع". عبارة /جءون ه_يردن/ يمكنها أن تشير إلى "مرتفع ريدان" (أي مرتفع جبل هروب). لكن الواقع هو غير ذلك. فهناك واديان في منطقة جيزان يسمّى كل منهما اليوم وادي غوّان /غوء ن/. الأول منهما واد ساحلي يصب في البحر عند بلدة الشقيق, والثاني أبعد جنوبا, وهو من روافد وادي بيش, وينبع من النهاية الشمالية لقمة جبل هروب (/يردن/ أو ريدان لوط) ويتصل بجداول مياه أخرى هناك. وللتفريق بين وادي "غوان الجرف" أو "غوان ريدان" هذا, ووادي غوان الساحلي إلى شماله, يسميه النص التوراتي المشار إليه /جءون ه_يردن/.

وهذا هو الأمر بكل بساطة, بشأن هذه العبارة التوراتية التي حيّرت حتى اليوم عقول المفسّرين.

الشايب
27/03/2006, 09:32 PM
مسألة الأردن.. 6

إن إعادة النظر بنص واحد يتحدّث عن /جءون ه_يردن/ هذا سيكون كافيا هنا. وفي الترجمة العربية المعتمدة لهذا النص, وهو وارد في سفر النبي زكريا 1:11 _3, يقرأ محتواه كما يلي:

"افتح أبوابك يا لبنان (لبنون) فتأكل الأرض أرزك /ء رز/. ولول يا سرو لأن /كي/ الأرز سقط, لأن /ء شر/ الأعزاء /ء دريم/ قد خربوا. ولول يا بلوط /ء لون/ باشان /بشن/ لأن الوعر المنيع /يعر ه_بصور/ قد هبط. صوت /قول/ ولولة الرعاة /ءللت ه_رعيم/ لان فخرهم /ءدرتم/ خرب. صوت /قول/ زمجرة الأشبال /شء جت كفريم/ لأن كبرياء الأردن /جءون ه_يردن/ خربت".

وهناك غموض في الترجمة. فمن هم "الأعزاء" الذين خربوا ؟ ومن هو "الوعر المنيع", ناهيك عن "كبرياء الأردن" ؟ وما هو الفعل أو الخبر المحذوف المتعلّق ب "صوت ولولة الرعاة" و "صوت زمجرت الأشبال" في الجملتين الأخيرتين الناقصتين في حلتهما العربية على الأقل ؟ وما على الباحث إلاّ أن يقابل هذا النص بالأصل العبري حتى تتضح الأخطاء اللغوية التالية فيه:

أولا, إن /ءشر/ في العبرية تختلف عن /كي/ التي تعني "لأن", وهي أسم موصول تقابله بالعربية عبارة "الذي". ولذلك فالجملة العبرية في الأصل, / هلل بروش كي نفل ءرز شر ءدريم شددو/, هي جملة واحدة وليست جملتين كما في الترجمة. وهي تعني حرفيا: "ولول يا سرو لأن /كي/ الأرز الذي /ءشر/ أخربته /ءدريم/ قد سقط /نفل/".

ثانيا, /ءدريم/ بالعبرية هي جمع مذكّر للفظة /ءدر/, والجذر منها يقابله في العربية /ذرو/ ويفيد معنى الشموخ والارتفاع. ويقابل لفظة /ءدر/ بالعربية "الذروة", أي "القمة". ولذلك فكلمة /ءدريم/ بالعربية تفيد معنى "الذرى" قبل أن تفيد معنى "الأعزاء". والقمم التي تسبب خراب الأشجار بالنار (كما هو واضح من النص) هي الذرى البركانية, لا غيرها.

ثالثا, /يعر ه_بصور/ هي في العبرية نكرة مضافة إلى معرفة, وليست نكرة موصوفة بنكرة, أو معرفة موصوفة بمعرفة, لكي تعتبر نعتا ومنعوتا. ولذلك فالعبارة لا يمكن أن تعني "الوعر المنيع", حتى لو سلمنا بأن/ه_بصور/ تعني المنيع, وهي بالأكيد لا تعني ذلك.

رابعا, إن لفظة /قول/ بالعبرية تعني "صوت" أو "صراخ", لكنها أيضا فعل أمر بمعنى "اسمع". وبترجمة /قول/ كفعل أمر يستقيم التركيب النحوي في الجملتين الأخيرتين الغامضتين من النص.

خامسا, بناء على أن /ءدر/ تعني "الذروة", فلفظة /ءدرتم/ معناها "ذروتهم" أو " جبلهم" وليس "فخرهم", والضمير هنا يرجع إلى /رعيم/, وفي الترجمة "الرعاة".

سادسا, إذا كانت /كفيريم/ (جمع /كفير/) تعني "الشبل", فالترجمة الصحيحة لعبارة /شءجت كفيريم/ هي "زمجرة أشبال" وليس "زمجرة الأشبال", لأن /كفيريم/ شيء آخر تماما.

وبالإضافة إلى هذه الملاحظات اللغوية, هناك ملاحظات جغرافية تتعلق بالنص تلخّص بما يلي:

1_ هناك جبل لبنان المعروف بالشام, والشجر فيه هو الأرز. وهناك أيضا لبنان بالحجاز, وقد ذكر الجغرافيون العرب (ومنهم ياقوت الحموي) انه "جبلان قرب مكّة يقال لهما لبن الأسفل ولبن الأعلى". واضافة إلى ذلك هناك لبينان في شمال اليمن, في جوار منطقة نجران, وهو من "أسرار" (أي أراضي أو وديان) منطقة همدان اليمنية. وللبيان هذا ذكر في "صفة جزيرة العرب" للهمداني. والمرجح أن لبينان (وليس لبنان الشام أو لبنان الحجاز) هو /لبنون/ الذي يشير إليه سفر زكريا. والأرز لا وجود له في تلك المنطقة, والشجر الذي يكثر في جوارها هو العرعر. والقواميس العربية تفيد بأن الأرز قد يكون العرعر. وليس هناك ما يمنع كون /ءرز لبنون/ التوراتي "عرعر لبينان", لا "أرز لبنان".

....................... ما يلي هام جدا

2_ في جوار لبينان بشمال اليمن مجموعة من القمم البركانية تسمّى جبل حطاب. وقد وصفها فان بادانغ (ص 14_16) بأنها تقع على ارتفاع 2900 متر عن سطح البحر, وأنها تتألف من حوالي ستين مخروطا بركانيا, معظمها من عصور جيولوجية حديثة. وذلك يعني أن هذه البراكين كانت نشطة في العصور التاريخية. وفوهات هذه البراكين وحقول حممها تنتشر حول جبل حطّاب في كل الاتجاهات وعند الحدّ الجنوبي لجبل حطّاب توجد حتى اليوم قرية اسمها ضروان.

والرأي السائد بين مفسّري القرآن الكريم بأن ضروان هذه كانت الجنة المذكورة في سورة القلم. ويقول الطبري في تفسيره:"ذكر أن أصحاب الجنة كانوا أهل كتاب". ويقول الفخر الرازي في تفسيره, "قيل كانوا من بني إسرائيل". وفي هذا ما يشجع على الاعتقاد بأن براكين جبل حطاب المجاورة ربما كانت معروفة لدى زكريا وغيره من أنبياء بني إسرائيل. وربما كانت ال /ءدريم/ أي "الذرى" التي أحرقت /ءرز لبنون/, أي "عرعر لبينان", وهي ذاتها الذرى البركانية الكثيرة المجتمعة في جبل حطّاب.

..............................

تبقى إضافة أخيرة وصغيرة, في موضوع "مسألة الأردن" ..

الشايب
28/03/2006, 11:14 AM
مسألة الأردن..7

3_ إذا اعتبرنا أن /لبنون/ سفر زكريا هو لبينان اليمن, وليس لبنان الشام, لا تعود هناك أيّة مشكلة بالنسبة إلى موقع /بشن/ وهي "باشان" في الترجمة العربية, وقد ساد الاعتقاد حتى الآن بأنها تشير إلى مرتفعات "البثنية" بين حوران والبلقاء, في جنوب الشام.

و/بشن/ هذه لا بد أنها اليوم "البثنة" في جبل فيفا, بداخل منطقة جيزان. وشجر /ءلون/ ذلك الجوار ليس البلوط بل لعلّه البطم.

4_ إذا كان /ءرز لبنون/ في النص يشير إلى "عرعر لبينان", و/ءلون بشن/ إلى " "بطم البثنة", فلعل الترجمة الصحيحة للعبارة الغامضة /يعر ه_بصور/ هي "وعر الصابر" أو "غابة الصابر", اعتبارا أن /ه_بصور/ (مع أداة التعريف العبرية) هي قرية "الصابر" (مع أداة التعريف العربية) في مرتفعات بني الغازي من منطقة جيزان (قابل صابر, مع /بصور/).

5_ إذا قرئت لفظة /رعيم/ في عبارة /ءللت ه_رعيم/ على أنها جمع /رعي/ بمعنى "راعي", وجب ترجمة العبارة "ولولة الرعاة". لكن /رعيم/ قد تكون جمع /رعي/ كنسبة إلى مكان اسمه /رع/, فتعني "أهل /رع/ أو "سكان /رع/".

وهناك في ناحية بني الغازي من منطقة جيزان واد صغير اسمه ريع /رع/ ينزل من أحد جوانب جبل يسمّى مصيدة. وفي ذلك ما يفسّر /ءدرتم/ (أي "ذروة" أهل وادي ريع) بأنها جبل مصيدة هذا بالذات.

6_ لعل /كفيريم/ (وهي جمع مذكر /كفير/) هي أيضا اسم مكان وليس كلمة عادية تعني "أشبال". وقد سبق أن /جءون ه_يردن/) هو وادي غوّان في جبل هروب المسمى قديما ريدان /يردن/. وفي جبل هروب قرية تسمّى "الرفقات" (جمع لصيغة المؤنث من /رفق/, قابل مع /كفير/) قد تكون هي /كفيريم/ سفر زكريا.

ويستخلص من جميع هذه الملاحظات اللغوية والجغرافية وجوب إعادة النظر في ترجمة النص العبري لكامل هذا المقطع من سفر زكريا. وربما كان المقصود به هو الآتي:

" افتح ابوابك يا لبينان فتأكل النار عرعرك. ولول يا سرو لأن العرعر الذي أخربته الذرى قد سقط. ولول يا بطم البثنة لأن غابات الصابر قد سقطت. اسمع ولولة أهل ريع لأن ذروتهم خربت. اسمع زمجرة الرفقات لأن غوّان ريدان قد خرب".

ومهما كانت الحقيقة في النهاية, فهناك شيء واحد أكيد بشأن هذا المقطع من التوراة, وهو انه لا يتحدّث إطلاقا عن "كبرياء الأردن".

الشايب
01/04/2006, 04:53 PM
أرض يهوذا.. 1

كانت أرض "يهوذا" في الأزمنة التوراتية تشمل الجانب البحري من عسير الجغرافية, من الشق المائي لامتداد السراة (/ه_يردن/ الرئيسية للتوراة العبرية), وحتى صحراء تهامة الساحلية (/تهوم/ التوراتية). وقد جرى التلميح إلى هذا كله قبلا, ولكن ما هو البرهان.

"يهوذا" في التوراة هو سبط من "أسباط إسرائيل", أي قبائل بني إسرائيل, وقد أخذ هذا السبط اسمه من جدّه الأعلى يهوذا, بن يعقوب المدعو أيضا إسرائيل. و"يهوذا" أيضا اسم المملكة التي استمرت تحت حكم بيت داود بعد وفاة سليمان. ومن اسم هذه المملكة جاء اسم "اليهودية" كدين, لأن عبادة /يهوه/ البدائية تحولت إلى دين خلقي مصقول على أيدي "الأنبياء" الذين رعاهم ملوك "يهوذا".

والواضح أن "يهوذا" كان اسما جغرافيا قبل أن يصبح اسما لقبيلة من بني إسرائيل (حول القبيلة وموطنها), وصيغته العبرية /يهودي/ هي اشتقاق /يهد/, المماثلة للعربية /وهد/, وهو جذر يفيد معنى "الانخفاض". ومن الجذر "وهد" بالعربية الوهد والوهدة, بمعنى "المنخفض" أو "الهوّة" في الأرض. /ويهود/ (/يهود/ كانت الاسم التوراتي لمقاطعة "يهوذا" في أيام الأخمينيين) و /يهوده/ التوراتيتان تأتيان من العبرية /يهد/, ولا بد أنهما كانتا تعبيرين طوبوغرافيين ساميّين قديمين يحملان المعنى نفسه.والواقع أن الأرض الهضابية الممتدة على الجانب البحري من عسير الجغرافية ليست مجرد أرض تحتوي على قمم وسلاسل متضافرة فيما بينها, بعضها يبرز من الامتداد الرئيسي السراة, وأخرى تقف معزولة هنا وهناك, بل هي تحتوي أيضا على "وهاد" منخفضة تتعرج بين هذه القمم والسلاسل. ولا شك أن هذا هو ما أعطى "يهوذا" القديمة اسمها*.

.................*

استنادا إلى سفر التكوين 35:29 و 8:49 ,فان الاسم /يهوده/ يعني "ليمجّد يهوه" (نحت من /يهوه يده/). وهذا التفسير المثيولوجي للاسم هو من نسج الخيال, ولا يقرّه علم اللغة. وحتى الآن لم يجد العلماء لهذا الاسم تفسيرا ناجحا, وقد افترض عموما أنه كان في الأصل اسم قبيلة وليس أسم وطن. وفي العادة تسمى القبائل بأسماء مواطنها, مع أن هنالك حالات تحمل فيها المواطن أسماء القبائل التي تسكنها. ولعلّ قبيلة "يهوذا" الإسرائيلية كانت تحمل في زمانها اسم أرض "الوهد" من تهامة جنوب الحجاز وعسير, من وادي أضم شمالا حتى مشارف منطقة جيزان جنوبا, فتسمّت على أسم الأرض ولم تسمّى الأرض بأسمها.

.................................................. .....

يمكن للباحث أن يدرس أمثلة كثيرة من النص التوراتي لكي يبرهن أن أرض "يهوذا" التوراتية, كموطن لبني إسرائيل على وجه العموم وليس لقبيلة "يهوذا" وحدها, كانت تضم المنحدرات البحرية لعسير وجنوب الحجاز حتى مرتفعات الطائف. وأحد الأمثلة الواضحة يأتي من روايتين في سفر عزرا 3:2 _63 وسفر نحميا 8:7 _65 عن عودة بني إسرائيل في أيام الأخمينيين من الآسر في بابل إلى أرض "يهوذا".

تعقيب: علما أن المؤلف أشار سابقا إلى أن اغلب العائدين من السبي وجدوا بلاد عسير التي تركوها خالية خربة بعد تحول طرق التجارة العالمية عن تلك المناطق. ليعاودوا الانتقال إلى فلسطين. انتهى التعقيب.

وهذان النصان, وباختلافات ضئيلة, يدرجان أسماء المجموعات العائدة من بني إسرائيل استنادا إلى البلدان والقرى الأصلية لها, وليس استنادا إلى القبيلة أو الأسرة في أية حال, كما اعتقد حتى الآن*.

..............*

حتى الآن, اتجه الباحثون التوراتيون إلى الاعتقاد بأن الأسماء الواردة في اللائحتين والمسبوقة بكلمة /بني/, أي "أبناء”, كانت عموما أسماء قبائل أو أسر, وأن تلك المسبوقة ب /ءنوشي/, أي "شعب", كانت بشكل رئيسي أسماء أماكن. وفي المصطلح العبري في القديم, كما في العربية الحديثة, ينسب الناس إلى مكان تواجدهم ك "أبناء" هذا المكان, واستخدام التعبيرين الاثنين في النص العبري نفسه كان_ بلا شك _ يهدف إلى أناقة النص, وليس إلى التفريق النوعي بين "الأبناء" و "الأناس".

.................................................. .........

وباستعراض النصين, يمكن للباحث المزود بخريطة مفصّلة لشبه الجزيرة العربية, وبالمعاجم المتوفرة عن أسماء الأماكن بالعربية كموجّه مضاف, أن يعثر بسهولة على الأكثرية العظمى من البلدان والقرى التي أورد ذكرها سفر عزرا ونحميا, كمواقع ما زالت موجودة وتحمل الأسماء نفسها, أو بصيغ من هذه الأسماء يسهل التعرف إليها بشكل آني و مباشر, وذلك في أجزاء من غرب شبه الجزيرة العربية تمتد, بشكل تقريبي, من جوار الطائف والليث شمالا وحتى منطقة جيزان في الجنوب. وحتى تلك الأسماء التي أفترض أنها أسماء ل "كهنة" أو "لآويين" أو "مغنين" أو "بوابين" أو "خدم المعبد" أو "عبيد سليمان", هي أسماء تشير في الواقع إلى جماعات آتية من مناطق معينة في الإقليم العام نفسه ومن مناطق مجاورة في شبه الجزيرة العربية, وخصوصا من منطقة نجران وجوارها. وهذا هو التعريف الجغرافي بهذه الفئات الستّ الأخيرة من الأسرى العائدين, التي لم تكن على الإطلاق مجموعات من "الكهنة" أو "اللاويين" أو "المغنّين" او "البوّابين" أو " خدم المعبد" أو "عبيد سليمان" كما درج اعتبارها حتى الآن:

آ-"الكهنة" /ه_كهنيم/, الفئة التي يقال أنها تعد أجماليا 4289 (حوالي عشر عدد الإسرائيليين العائدين, والذي كان حوالي أربعين ألفا), وتقسم كما يلي (عزرا 36:2 -39 ), نحميا (39:7 -42 ):

1- "بنو" يدعيا /يدعيه/.

2- "بنو" إمّير /ءمر/.

3- "بنو" فشحور /فشحور/.

4- "بنو" حاريم /حرم/.

وكلمة /كهنيم/ التوراتية هنا يجب ألا تؤخذ على أنها صيغة الجمع لكلمة /كهن/, أو "كاهن" بالعبرية. ومن الصعب تصور أن واحدا من كل عشرة رجال من الإسرائيليين العائدين كان كاهنا. وبدلا من ذلك, فان كهنيم هنا يجب أن ينظر إليها على أنها جمع ل /كهني/, منسوبة إلى /كهن/ كاسم مكان لتعني "شعب /كهن/".

ويبدو الموطن الأصيل لل /كهنيم/ هو اليوم قهوان (قهن بلا تصويت, تعريبا ل /كهن/ التوراتية), من قرى وطن سلوا بمنطقة نجران. وقد أدرج عزرا ونحميا أسماء ال /كهنيم/ (أي شعب قهوان) العائدين حسب أسماء بلداتهم الأصلية أو مناطقهم الأصلية (وليس أسماء أسرهم) كما يلي:

1- يدعيا /يدعيه/, التي هي اليوم, بوضوح, الموطن القبلي "وداعة" (ودع بلا تصويت), في وادي نجران. ويتحدث عزرا (36:2) ونحميا (39:7), كلاهما, عن /بني يدعيه ل_بيت يشوع/, المترجمة عادة "بنو يدعيا من بيت يشوع" ولكنها تعني فعلا "شعب وداعة إلى /بيت يشوع/ (اسم مكان)", نظرا لأن اللام كحرف جرّ في العبرية تعني "إلى" وليس "من". والمجتمع المشار إليه كان بلا شك سكان منطقة تمتد من موطن الوادعة الأساسي, في قلب وادي نجران, إلى واحة "وسيع" (قارن بالعبرية /يشوع/), عند النهاية الشرقية لمنطقة اليمامة في وسط شبه الجزيرة العربية.

2- إمّير /ءمر/, التي هي اليوم في الظاهر واحة "الأمار" (ءمر بلا تصويت), في منطقة اليمامة في وسط شبه الجزيرة العربية, شمال شرق منطقة نجران.

3- فشحور /فشحور/, التي هي اليوم, بوضوح, وطن الحرشف (بقلب الأحرف) من قرى يام نجران, أو الحرشف من قرى وادي حبونا, شمال وادي نجران.

4- حاريم /حرم/, التي هي اليوم وادي حرم, عند الحدّ الغربي لمنطقة اليمامة.

من هذا, يتضح أن /كهنيم/ كان اسما أطلق في زمن التوراة على مجتمع امتد موطنه من وادي نجران باتجاه الشمال حتى وادي حبونا, وباتجاه الشمال الشرقي إلى منطقة اليمامة في وسط شبه الجزيرة العربية. ولامتداد الواسع لهذه الراضي قد يفسر لماذا كان ال /كهنيم/ العائدون, استنادا إلى كل من عزرا ونحميا, بهذه الكثرة والعدد. ونظرا لوجود أرض ال /كهنيم/ في منطقة داخلية. فقد كانت, ولا شك, منطقة ملحقة بأرض "يهوذا" أكثر مما كانت جزءا منها.

ب?- "اللاويون" /ه_لويم/, يقسمون كما يلي (عزرا 40:2 ونحميا 43:7):

1- "بنو" يشوع /يشوع/.

2- "بنو" قدميئيل /قدميءل/ أو /قدمي ءل/.

3- "بنو" هودويا /هودوي/ في عزرا, و/هودوه/ في نحميا.

وال /لويم/ جمع /لوي/, النسبة إلى /لو/ أو /لوه/, لم يكونوا "لآويين" كهنوتيا, بل كانوا مجتمعا يعود في أصوله إلى ما هو اليوم قرية لاوة (لوه بلا تصويت) في وادي أضم. وفي وادي أضم نفسه ما زالت هناك إلى اليوم قرية تسمى هديّة, وهي ليست إلا "هودويا" المذكورة في كل من عزرا ونحميا, يميز شعب هودويا في وادي أضم, عن مجموعتين أخريين من ال /لويم/, يأتي الكلام عنهما معا على أساس أنهما "بنو يشوع قدميئيل". وهذا لأن "يشوع" و "قدميئيل" كانا مكانين متجاورين قرب بلدة غميقة الحالية في منطقة الليث, على مسافة ما إلى الأسفل من وادي أضم. وفي هذا الجوار تتمثل "يشوع" اليوم بقرية شعية (قارن مع /يشوع/ التوراتية), بينما تتمثل "قدميئيل" بقرية القدمة (ءل قدم, قارن مع /قدمي ءل/ التوراتية).

ج- "المغنون" /ه_مشرريم/, بمن فيهم "بنو آساف" /ءسف/ (عزرا 41:2 و نحميا 44:7 ).

ولا شك أن هؤلاء كانوا مجتمعا ينتسب إلى قرية مسرّة (مسر), في منطقة بارق غرب منطقة المجاردة من عسير. والى الشرق من مسرّة, في منطقة بلّسمر, توجد قرية آل يوسف (يسف بلا تصويت), وهي ولا شك "آساف" أو /ءسف/ التوراتية.

د- "البوّابون" /ه_شعريم/, ويقسمون كما يلي (عزرا 42:2, ونحميا 45:7):

1- "بنو" شلّوم /شلوم/.

2- "بنو" آطير /ءطر/.

3- "بنو" طلمون /طلمن/.

4- "بنو" عقّوب /عقوب/.

5- "بنو" حطيطا /حطيطء/.

6- "بنو" شوباي /شبي/.

وهؤلاء ال /شعريم/ لم يكونوا "بوابين", بل كانوا في الأصل من أهل المكان المسمى حاليا "الشعارية" (شعري بلا تصويت) في منطقة الطائف. وكل القرى المواطن لل /شعريم/, كما أدرجت لدى عزرا ونحميا, يمكن العثور عليها في الجوار العام نفسه من هذه المنطقة. وهي: الشمول /شلوم/ التوراتية, و"وترة" (/ءطر/ التوراتية), والمنطلة (/طلمن/ التوراتية), وعقيب أو عقوب (/عقوب/ التوراتية), والحويّط (ويبدو أنها صيغة معربة من /حطيطء/ التوراتية), والثوابية (/شبي/ التوراتية).

ه- "خدم المعبد" (الترجمة المعتمدة باللغات الأوروبية للفظة العبرية /نتينيم/, والتوراة العربية لم تترجمها فأبقتها "النّتينيم"), وقد أدرجوا على أنهم "بنو" أي أهالي 35 مكانا مختلفا (عزرا 43:2 -54 , ونحميا 46:7 – 56).

ومن الأكيد أن هؤلاء ال /نتينيم/, لم يكونوا "خدم المعبد", بل كانوا قبيلة منتشرة في مواقع مختلفة من مناطق جيزان, ورجال ألمع, وقنا والبحر. والمناطق الثلاث هذه هي متاخمة لبعضها البعض في جنوب عسير. وربما كان موطن القبيلة الأصلي إحدى قريتين تسميان اليوم طناطن (طنطن, قارن مع العبرية /نتين/) في منطقة جيزان. وفي ما يلي القرى ال 35 التي جاؤوا منها:

1- صيحا /صيحء/ في عزرا, /وصحء/ في نحميا: إما الصخية أو الصخيّ في رجال ألمع.

2- حسوفا /حسوفء/: الحشيفة, في منطقة جيزان.

3- طباعوت /طبعوت/: ربّما كانت ثعابة في رجال ألمع, أو عثبة في منطقة جيزان, والاسم الأقرب (بصيغة جمع المؤنث, كما بالعبرية) هو أسم قرية العثابيات, في منطقة القنفذة.

4- قيروس /قرس/: كرس, أيّ من تسع قرى تحمل الاسم نفسه في منطقة جيزان, إلا إذا كانت كروس /كروس/ في المنطقة نفسها.

5- سيعها (عزرا), سيعا (في نحميا), /سيعهء/ في عزرا, و/سيعء/ في نحميا, وفي الحالتين مع أداة التعريف الآرامية اللاحقة, تاركة الاسم /سيعه/ او /سيع/: السعي (سعي, مع أداة التعريف العربية السابقة).

6- فادون /فدون/: الفدنه, في منطقة جيزان.

7- لبانة /لبنه/: اللّبانة (لبنه, بلا تصويت) في منطقة جيزان.

8- حجابة /حجبه/: الحقبة في منطقة جيزان, والحقبة في رجال ألمع.

9- عقّوب /عقوب/: العقيبة في منطقة جيزان (تفريقا عن /عقوب/ منطقة الطائف التي هي اليوم عقيب أو عقوب.

10- حاجاب /حجب/: الحجاب في قنا البحر, او الحجاب (الحجاب المسيل) في رجال ألمع.

11- شملاي /شملي/: الشملاء (شملء), إحدى قريتين تحملان الاسم نفسه في منطقة جيزان.

12- حانان /حنن/: حنينة (حنن بلا تصويت), أو ربّما الحنيني في منطقة جيزان.

13- جديل /جدل/: الجدل في قنا والبحر.

14- جحر /جحر/: جحر, أو ربما الجحرة في منطقة جيزان.

15- رآيا /رءيه/: راية في منطقة جيزان.

16- رصين /رصين/: بين إمكانيات عديدة, الاحتمال الأكبر هو رضوان (رضون بلا تصويت) في منطقة جيزان, إلا إذا كانت الرازنة (رزن بلا تصويت) في رجال ألمع.

17- نقودا /نقودء/ أو /نقود/ إذا أهملت أداة التعريف الآرامية اللاحقة): ناجد (نجد بلا تصويت) في منطقة جيزان.

18- جزّام /جزم/: الجزايم (جزم بلا تصويت) في منطقة جيزان, إلا إذا كان اسم جيزان (جزن بلا تصويت) نفسها.

19- عزّا /عزء/: الغزوة (غزو) في منطقة جيزان.

20- فاسيح /فسح/: الصافح (صفح بلا تصويت), واحدة من قريتين تحملان الاسم نفسه في منطقة جيزان.

21- بيساي /بسي/: بصوة في منطقة جيزان.

22- أسنة /ءسنه/: الوسن (وسن) في قنا والبحر.

23- معونيم /معونيم/ جمع /معون/ أو /معوني/: المعاني (بصيغة الجمع العربية), قريتان بالاسم نفسه في رجال ألمع, إلا إذا كانت الإشارة إلى وادي المعاين (الجمع العربي ل "معين") في منطقة جيزان.

24- نفوسيم / نفيسيم/ مثنى أو جمع /نفيس/: نصيفان (مثنّى نصيف) في وادي أضم. ولا بد أن الإسرائيليين من أهالي هذه القرية القدماء كانوا قد وصلوا في الأصل قادمين من مكان يحمل الاسم نفسه في منطقة جيزان لم يعد موجودا.

25- بقبوق /بقبوق/: جبجب في منطقة جيزان.

26- حقوفا /حقوفء/ مع لأداة التعريف الآرامية اللاحقة: الحجفة (مع أداة التعريف العربية) في منطقة جيزان.

27- حرحور /حرحور/: لا يمكن العثور عليها كاسم لمكان واحد, ولكنها ربما كانت الخر /خر/, المعرّفة توراتيا بالعلاقة مع الخيرة (خيرة) المجاورة في رجال ألمع ( أي "خرّ الخيرة") لتفريقها عن مكان آخر اسمه "حر" في منطقة جيزان.

28- بصلوت /بصلوت/: يحتمل أنه اسم قبيلة في صيغة جمع المؤنث الكثيرة الشيوع في العربية, مأخوذ عن اسم المكان /بلص/, قارن مع البلاص (بلص بلا تصويت) في رجال ألمع. والا فهو صلبية (صلبي أو صلبيت) في منطقة جيزان.

29- محيدا /محيدء/: ربّما هي حميدة, في منطقة جيزان. لكن المرجّح أنها الحميداء (حميدء, مع الاحتفاظ بلاحقة التعريف الآرامية الواردة في الاسم التوراتي), في منطقة البرك المحاذية لساحل جيزان.

30- حرشا /حرشء/ مع لاحقة التعريف الآرامية: الخرش (مع أداة التعريف العربية السابقة) في منطقة جيزان.

31- برقوس /برقوس/: إما الكرباس أو الكربوس في منطقة جيزان. وهناك اليوم قبيلة بالرقوش (ب_رقوش) في سراة الزهران, والاسم يطابق الاسم التوراتي تماما.

32- سيسرا /سيسرء/: لعلّها وادي شرس (بقلب الأحرف سسر) في شمال اليمن. وهناك قرية اسمها شرسى (شرسء) في منطقة الطائف.

33- تامح /تمح/: الطمحة في منطقة جيزان.

34- نصيح /نصيح/: نضوح في رجال ألمع.

35- حطيفا /حطيفء/: خطفا (خطفء, محافظة على لاحقة التعريف الآرامية دون أداة التعريف العربية) في منطقة جيزان.

من هذه التحديدات للقرى مواطن ال /نتينيم/, المتمركزة في جوار واحد من جنوب عسير, ومعظمها في منطقة جيزان, يبدو في غاية الوضوح أن هؤلاء لم يكونوا "خدم المعبد", بل قبيلة تسمّت باسم مكان هناك.

الشايب
02/04/2006, 06:39 AM
ملاحظات..

بالعودة إلى المقطع, ه..

ه- "خدم المعبد" (الترجمة المعتمدة باللغات الأوروبية للفظة العبرية /نتينيم/, والتوراة العربية لم تترجمها فأبقتها "النّتينيم"), وقد أدرجوا على أنهم "بنو" أي أهالي 35 مكانا مختلفا (عزرا 43:2 -54 , ونحميا 46:7 – 56).

............................

لم يأتي المؤلف بجديد..

المشكلة كانت دائما في جغرافية التوراة, بعد أن أعاد المصوراتيين "تصويتها " في القرن العاشر الميلادي, ثم جاءت الترجمات لتزيد من تعقيد الأمور, لذلك يبدو أن الباحث في أي نص توراتي, عن حقيقة ما, سيصل إلى نتائج متغيرة باستمرار, سواء لاهوتيا او جغرافيا او لغويا او تاريخيا.

لنعيد ترتيب المشهد التاريخي المعتمد من قبل المؤرخ..

في بلاد عسير كان الشعب الذي تتحدث عنه التوراة في الألف الأول قبل الميلاد, ثم كان السبي إلى بابل, ثم كان تدوين التوراة في غير بيئتها الجغرافية, (وهذه الحقيقة هامة حتى لو أثبتت الأيام عكس نظرية الصليبي وتم تأكيد بيئة التوراة الجغرافية في فلسطين).

ثم عاد هذا الشعب اليهودي, إلى عسير وفلسطين, وبعد مرور مئات السنين.

والعائدين إلى عسير وجودوا الأرض خرابا, وطرق التجارة العالمية لم تعد تمر من بلادهم, فالتحقوا بأقربائهم في فلسطين, وزال شعب إسرائيل نهائيا من شبه الجزيرة العربية, وديانته اليهودية.

ثم بعد وضع النصوص التوراتية في بابل بحوالى ألف سنة, تم تصويتها في غير بيئتها الجغرافية مرّة ثانية, لتزداد الأمور تعقيدا خصوصا وأن النصوص مثقلة بالجغرافيا التوراتية, لتترجم لاحقا إلى اللغات الحية "فرنسية ألمانية إنكليزية...",

ثم إلى العربية.

من هذه الزاوية بعينها تكمن أهمية وندرة الكتاب والمؤلف معا, فهو قادر بحكم اختصاصه من العودة إلى النص الأصلي للتوراة وكما دونه اليهود القدماء, وقبل تصويته, "تشكيله", ليعيد رسم الخريطة الجغرافية من ضمن الأسماء الواردة في النص التوراتي الأصلي, والتي عجز جميع علماء اللغة والآثار التوراتيين من إثباتها في أرض فلسطين.

وبعد مرور أكثر من مئة عام على عمليات التنقيب المكثفة وبأحدث الأساليب العلمية وبتمويل يهودي هائل, لم يتم العثور على أي "رقيم" أو أثر حقيقي, يمكن من خلاله وبالاعتماد على النص التوراتي نفسه, إثبات وجود أحداث التوراة في فلسطين الحالية.

وفي المقطع التوراتي ( ه ), أعلاه, نجد أن النص التوراتي ذكر بإجماع العلماء التوراتيين, 35 اسما جغرافيا, لم يستطع أحد إيجادها في فلسطين إلى يومنا هذا, ويستطيع الأخوة المهتمين وخصوصا الفلسطينيين البحث في الخرائط الحالية والقديمة وعلى نفس النسق الذي اعتمده المؤلف ليلاحظوا وبدون جهد يذكر أن هذه الأسماء لا يمكن مطابقتها لأنها وببساطة غير موجودة في فلسطين.

ولا أعرف إذا كان يوجد قواميس جغرافية للقرى والبلدات والمدن الفلسطينية وخصوصا في الضفة, لكنت حاولت القيام بهذه المطابقة.

وإذا لم يكن هناك قواميس لغوية جغرافية فلسطينية, فهذا نقص استراتيجي حاد وخطير, ويشكل تحديا قوميا ووطنيا فلسطينيا, وعملا مقدسا للجامعات الفلسطينية, ليس بقصد إثبات او نفي حق اليهود في فلسطين, فهم لا حق لهم, وانتهينا.

وإنما لحفظ هوية وطن, وتضاريس أمة, وذاكرة لا يجب أن تموت.

الشايب
02/04/2006, 12:51 PM
رض يهوذا..2

و- "عبيد سليمان" /عبدي شلمه/, الاسم الذي أدرج ك "بني", أي شعب أو قوم, من عشرة أمكنة (لا أسر) مختلفة.

وبدلا من أن يكون هؤلاء "عبيد سليمان", كان ال /بني عبدي شلمه/, أي بنو عبدي(م) شلمه, قبيلة تعود في أصولها إلى ما هو اليوم قرية آل عبدان (عبدن) في ناحية فيفا من منطقة جيزان, والقرية هذه معرّفة توراتيا بالنسبة إلى قرية في الناحية ذاتها اسمها آل سلمان يحيى, واسم سلمان (أو سليمان) تعريب للاسم التوراتي /شلمه/. وقد عرّفت آل عبدان هذه بأنها "عبدان سليمان" لتمييزها عن موقع في ناحية بني الغازي من منطقة جيزان اسمه أيضا عبدان. وهذه كانت مواطن هذه القبيلة في مختلف المناطق:

1- سوطاي /سطي/: ربّما هي آل صوت (صت), في منطقة جيزان, لكن الأرجح أنها الطويسة (بقلب الأحرف) من قرى يام نجران.

2- هسّوفرت /ه_سفرت/: رصفة في منطقة جيزان, وتبدو مختلطة نصا مع آل سفرة في منطقة بلّسمر.

3- فرودا /فرودء/ مع لاحقة التعريف الآرامية: ربما كانت الفردة (مع أداة التعريف العربية), في رجال ألمع, والأرجح هو أنها الرفداء (رفدء), في بلّسمر, لأن اسم هذه القرية يحتفظ بلاحقة التعريف الآرامية.

4- يعلة /يعله/: ربما كانت عاليه (عليه, بقلب الأحرف), إحدى قريتين تحملان الاسم نفسه في منطقة جيزان, لكن الأرجح أنها الوعلة, في منطقة القنفذة.

5- درقون /درقون/: ربما كانت الدرق في منطقة جيزان, مختلطة نصا مع قردان (قردن) في منطقة الطائف. والأرجح أنها الجرذان (جرذن, بقلب الأحرف), من قرى منطقة بلّسمر.

6- جديّل /جدل/: الجدل, في منطقة قنا والبحر (انظر أعلاه).

7- شفطيا /شفطية/: الشطيفيّة, أيّ من ثلاث قرى متجاورة تحمل الاسم نفسه في منطقة جيزان.

8- حطيّل /حطيل/:تبدو أنها ساحل الحلوطي (حلطي, بقلب الأحرف), وتدعى أيضا ساحل أبي علّوط (بالعين بدلا من الحاء), في منطقة جيزان.

9- فوخرة الظّباء /فكرت ه_صبيم/, باعتبار كون /صبيم/ تصوت عادة على أنها مثنى /صبي/, أي "غزال": الفقرة, من قرى صبيا في منطقة جيزان, وهي معرّفة توراتيا بالنسبة إلى البلدتين التوأمين صبيا والظبية. وهذان الاسمان هما الاسم ذاته, الأوّل بالصيغة الآرامية, والثاني بالصيغة العربية.

10- آمي أو آمون /ءمي/ في عزرا, و/ءمون/ في نحميا: الاختلاط هنا هو بين اليامية (يمي بلا تصويت) ويماني المروى (يمن بلا تصويت), والاثنتان في منطقة جيزان.

إن تحديد مواطن من افترض حتى الآن أنهم أبناء "الكهنة" و"اللاويين" و"المغنين" و"البوابين" و"خدم المعبد" و"عبيد سليمان" العائدون من الأسر البابلي إلى أرض "يهوذا", والذين كانوا في الحقيقة ست مجموعات قبلية عرفت بأسماء أماكنها الأصلية, يكفي بحد ذاته إلى الإشارة إلى المكان الذي كان في الواقع أرض "يهوذا" التوراتية, قبل الأسر البابلي وبعده. ولا ضرر من تحديد الأماكن المتبقية, من تلك الواردة في عزرا 2 ونحميا 7 كمواطن أصلية للإسرائيليين العائدين من بابل, وكلها في غرب شبه الجزيرة العربية. وتسهيلا, سيجري تحديد هذه الأماكن حسب المناطق, انطلاقا من الجنوب إلى الشمال:

آ-منطقة جيزان:

1- آرح /ءرح/: رح, إلا إذا كانت الرّحا أو الورخة في إقليم الطائف.

2- زتّو /زتو/, مع أداة التعريف الآرامية اللاحقة: ربما كانت الزواية (بلا تصويت زويت مع أداة التعريف العربية السابقة), والمسألة فيها نظر.

3- آطير /ءطر/, في عزرا فقط: وتر, إلا إذا كانت الوترة أو الوتيرة, وتر بلا تصويت) في منطقة الطائف.

4- بيصاي /بصي/: بصوة (بصو) أو البزة, إلا إذا كانت بضا (بضء) في منطقة الطائف.

5- حاريم /حرم/: خرم, إلا إذا كانت عربات حارم ("غدير" /حرم/ بلا تصويت) في منطقة محايل.

6- تل حرشا /تل حرشه/, أي "هضبة" حرشه, وتل ملح /تل ملح/: جبل الحشر (بقلب الأحرف من حرش) وحميل (حمل بقلب الأحرف من ملح). والأخيرة في مرتفعات الحرّث.

7- أدّان (في عزرا) أو أدّون (في نحميا) /ءدن/ و/ءدون/: الاختلاط في الظاهر هو بين قريتين في منطقتين متجاورتين, احدهما هي حاليا الأذن /ءذن/ والأخرى هي الودانة /ودن/.

8- حاريف /حريف/, في نحميا فقط: والاسم نفسه. وهناك أيضا حرف في رجال ألمع, وأخرى في منطقة بلّسمر, وثالثة في منطقة القنفذة. ويمكن أيضا أن تكون خرفا في منطقة الطائف.

9- عناثوث /عنتوت/: عنطوطة.

10- عزموت /عزموت/ في عزرا, أو بيت عزموت /بيت عزموت/, أي "معبد" عزموت, في نحميا, والاسم بصيغة جمع المؤنث: العصيمات (مع الاحتفاظ بصيغة جمع المؤنث).

11- أدونيقام /ءدنيقم/, وفي الظاهر /ءدني قم/, أي "أرباب" أو "أسياد" /قم/:

أي من عدد من القرى في المنطقة التي تحمل اسم "القائم" (قءم).

ب- منطقة رجال ألمع:

1- نطوفة /نطفة/: قعوة آل ناطف (نطف بلا تصويت).

2- بيت أيل /بيت ءل/: البتيلة, حددت قبلا في الفصل السابع. وقد تكون أيضا بتول في منطقة جيزان, أو البتلة في ناحية تنومة بالسراة.

3- عاي /ه_عي/: الغيّ (غي), حددت قبلا.

4- برزلاّي الجلعادي /برزلي ه_جلعدي/, كلاهما في صيغة النسبة, والمنسوب إليه /برزل/ و /جلعد/: البرصة (هي في الظاهر /ءل برص/, وفيها تحوير عن /برز ءل/ المختصرة إلى /برزل/, وهي معرّفة توراتيا بالنسبة إلى موقع مجاور هو الجعد /ءل_جعد/, وهي تحوير عن جلعد.

ج_ منطقتا قنا والبحر والبرك:

1- عزجد /عزجد/, وهي في الظاهر /عز جد/: ربما كانت عزّ, في منطقة البرك, معرفة بالنسبة إلى الجدّة (جد), في منطقة القنفذة المجاورة. والمسألة فيها نظر.

2- حبايا /حبيه/: الحبوة في منطقة قنا والبحر, إلا إذا كانت القرية التي تحمل الاسم نفسه في منطقة بني شهر, أو الخبية في منطقة جيزان. وفي حالات أقل احتمالا: حبوى والخبوا في وادي أضم.

د- منطقة حائل:

1- عادين /عدين/: عدينة.

2- عيلام /عيلام/: علامة, إلا إذا كانت آل العلم في ناحية تنومة, أو غيلان في سراة غامد.

ه- منطقة بلّحمر-بلّسمر:

1- كروب /كروب/: ربما كانت الكربة (كرب), ويحتمل أيضا أن تكون القريبة(قرب) في منطقة جيزان, أو قريبة أخرى في منطقة الطائف.

2- باباي /ببي/: الباب (بب), على سفح جبل ضرم.

3- التّميم /تميم/: آل تمّام (تمم).

و- منطقة بارق:

1- فرعوش /فرعش/: ربما كانت الجعافرة جعفر, ولعلّها تحوير عن /فرعش/ بتحويل الشين لفظا إلى جيم, إلا إذا كانت الجعافرة في منطقة القنفذة المجاورة, أو عجرفة في منطقة قنا والبحر, أو العرافجة (عرفج) في مرتفعات غامد.

ز- منطقة المجاردة:

1- جبعون /جبعون/ في نحميا فقط: آل جبعان (جبعن).

2- نبو /نبو/: نيبه (نب). إلا إذا كانت البناة (نب) في منطقة الطائف, أو نباة أخرى على سفح جبل ضرم, في منطقة بلّسمر.

ح- منطقة القنفذة:

1- جبّار /جبر/, في عزرا فقط: جبار (جبر بلا تصويت), أو أيا من أماكن متعددة تحمل الاسم نفسه أو متفرعات عنه في أجزاء أخرى من عسير وجنوب الحجاز.

2- حاديد /حديد/: حذيذ, إلا إذا كانت حداد (حدد) في منطقة الطائف, أو وادي حديد في منطقة جيزان.

3- الأوريم /ءوريم/: الرّيام, إلا إذا كانت الرّيامة في منطقة بني شهر.

4- قرية عاريم /قرية عريم/ وكفيرة /كفيره/ وبئيروت /بءروت/: النص الوارد في يشوع 17:9 , حيث تذكر الأماكن الثلاثة معرّف بعضها البعض الآخر, وبالترافق مع جبعون , تشير بوضوح إلى منطقة القنفذة وجوارها حيث هناك قرية عامر /قريت عريم/ والقفرة /كفيره/, وربثه التي ربما كانت /بءروت/. وربثة هذه من منطقة المجاردة المحاذية لمنطقة القنفذة.

الشايب
02/04/2006, 04:32 PM
أرض يهوذا.. 3

ط- وادي أضم (منطقة الليث):

1- فحث مؤاب /فحت موءب/: الفاتح (فتح بلا تصويت) معرفة بالنسبة إلى أم الياب المجاورة (ءم يب) التي هي مؤاب التوراتية, لتمييزها عن الفاتح في منطقة قنا والبحر.

2- يشوع /يشوع/: شعية (شعي). وقد أورد كل من عزرا ونحميا "يشوع" هذه كتابعة ل "فحث مؤاب".

3- يوره /يوره/ في عزرا فقط: ورية.

4- بيت لحم /بيت لحم/, أو "معبد" /لحم/, ولحم تعني حرفيا "خبز" أو "طعام" أو "تموين", وهي في الظاهر اسم لإله للمؤن: أم لحم (ءم لحم, وتعني "أم", أي "إلهة" ال "خبز, طعام, تموين"*.

...............*

الأمر الذي يفرض تحديد /بيت لحم/ التوراتية بكونها أم لحم, في وادي أضم, وليس أي مكان آخر, هو ترافق اسم بيت لحم في العديد من النصوص التوراتية مع اسم المكان "أفراتة" (ءفرت) الذي هو اليوم فرت (فرت) قرب أم لحم, في وادي أضم نفسه.وخذ على سبيل المثال, ميخا 1:5 : "أما أنت يا بيت لحم أفراتة, وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا"... أنظر أيضا الفصل 9.

تعقيب: الفصل 9 هو الفصل القادم وبعنوان "أورشليم ومدينة داود". وهو غاية في الأهمية. انتهى التعقيب.

.................................................. ......

5- الرّامة /ه_رمه/ مع أداة التعريف: ذا الرامة*.

............*

هذه هي "الرامة", قرب "بيت لحم", التي دفنت فيها راحيل زوجة يعقوب, حسب سفر التكوين. وهي "الرامة" المذكورة في ارميا 15:31 : "صوت سمع في الرامة, نوح بكاء مرّ. راحيل تبكي على أولادها وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين".

.................................................. ............

6- جبع /جبع/: هذا الموقع الذي يترافق اسمه في التوراة مع "الرّامة" و"مخماس", هو بالأكيد العقبة (عقب, قابل مع جبع) في وادي أضم, وليس جبع في وادي حلي, على كون الموقع الثاني يحمل الاسم التوراتي بدون تحريف.

7- مخماس /مكمس/: مقمص*.

..............*

لاحظ الترافق بين جبع ومخماس مع الرامة, انظر الهامش 6 في اشعيا 28:10 -29 (ومخماس وردت في اشعيا, مخماش في الترجمة العربية).

.................................................. .........

8- مغبيش /مجبيش/: مشاجيب (بقلب الأحرف).

ي- سائر منطقة الليث وبلاد غامد وزهران:

1- طوبيا /طوبية/: يبدو أنها بويط (بقلب الأحرف) في وادي الجائزة.

2- أونو /ءونو/: أوان في وادي مدركة, إلا إذا كانت وينة (وين) في منطقة بني شهر.

3- يؤاب /يوءب/: الياب, في بلاد غامد قرب بلجرشي. وقد ذكرت في عزرا وفي نحميا كتابعة ل "فحث مؤاب". ويؤاب الأخرى الممكنة الأقرب إلى "فحث مؤاب" هي بواء في منطقة الطائف. وعلى العموم, فان الاسمين يؤاب (يءب) والياب (يءب) يتطابقان تماما.

4- عيلام الآخر /عيلم ءحر/: الإشارة هنا إلى جبل العلماء (علم) ووادي يحر في تهامة زهران, واسم الجبل المنسوب توراتيا إلى اسم الوادي (بالعربية "علماء يحر"). وليست المسألة هنا مسألة "عيلام آخر" أو "أخرى".

ك- منطقة الطائف:

1- زكّاي /زكي/: المرجّح أنها الضيق, إلا إذا كانت الضيقة بمنطقة غميقة. وهناك إمكانيات أخرى.

2- باني /بني/ في عزرا أو بنوي /بنوي/ في نحميا: والاختلاط هو بين مكانين في منطقة الطائف, هما قريتا البنّي والبنياء.

3- لود /لد/: اللدّ, إلا إذا كانت اللدّة في وادي الجائزة, في منطقة الليث.

4- أريحا /يرحو/: ورخة (ورخ), إلا إذا كانت مثل "أريحا" (يريحو و يرحو) التي نوقش أمرهما في الفصل السابع, وهما الرّخية في وادي أضم, ووادي وراخ في مرتفعات الزهران.

من بين أسماء الأماكن ال 130 الواردة في لوائح عزرا ونحميا, والمحددة بقرب غرب شبه الجزيرة العربية الواردة أعلاه, هناك أماكن قليلة قد تبقى غير مؤكدة. وبالمقابل,

...................هام جدا................

ليس هنالك إلا قلة ضئيلة جدّا من هذه الأسماء نفسها حددت بأماكن موجودة في فلسطين. وربّما كانت هذه الأسماء..... أربعة فقط.....,

وهي بيت لحم ولدّ ونبو وأريحا.

.................................................. ...............

وهذا وحده له أن يقود إلى الاستنتاج بأن الأرض التي تسمّيها التوراة "يهوذا" (وهي غير "اليهودية" في فلسطين المذكورة في الأناجيل)*

............*

"اليهودية" في فلسطين, وهي منطقة القدس والخليل, اتخذت اسمها في العصرين الهيليني والروماني من سكانها اليهود, وليس من اسم شعب أو أرض "يهوذا".

.................................................. .............

يجب البحث عنها في غرب شبه الجزيرة العربية, وليس في أي مكان آخر.

والأراضي التي كانت أراضي "يهوذا" هذه تشمل المنحدرات البحرية لجنوب الحجاز وعسير, من منطقة الليث في الشمال إلى منطقة جيزان في الجنوب ضمنا, وكذلك منطقة الطائف عبر الشق المائي من منطقة الليث. ويمكن للباحث أن يحلّل نصوصا توراتية أخرى تتعلق بجغرافية أرض "يهوذا" لزيادة البرهان أن هذه الأرض كانت في عسير وجنوب الحجاز, وليس في فلسطين. لكن مثل هذا العمل لا نهاية له, وما ورد في هذا الفصل يكفي لإثبات الحدّ الأدنى من الواقع.

الشايب
02/04/2006, 08:11 PM
أورشليم ومدينة داود..1

كان الملك داود هو الذي أخذ "أورشليم" و"حصن صهيون". من اليبوسيين, ونقل إليها عاصمته من "حبرون" في السنة الثامنة من ملكه على "يهوذا" (صموئيل الثاني 5:5 _10). هذا ما يعرفه كل قارىء للتوراة. وهناك خمسة أمكنة تسمى حبرون ما تزال موجودة تحت اسم خربان (خربن, بقلب الأحرف) على المنحدرات البحرية لعسير, ومن بين هذه الأمكنة الخمسة يحتمل أن عاصمة داود الأولى كانت قرية الخربان الحالية في منطقة المجاردة, التي كانت ذات يوم "حبرون" أبرام, أي إبراهيم*.

....................*

ليست هناك عمليا أية "حبرون" في فلسطين. وفي فلسطين أطلق اليهود والمسيحيون الاسم على بلدة الخليل الواقعة في الأراضي الهضابية جنوب "أورشليم" الفلسطينية, أي القدس. ونظرا لأن "حبرون" التوراتية ترتبط بسيرة إبراهيم, الذي يصفه القرآن الكريم (125:4) بأنه "خليل" الله أي "صديقه", فقد قبلت التقاليد الإسلامية التعريف اليهودي والمسيحي للخليل على أنها "حبرون" إبراهيم. عمليا, اسم المكان "الخليل" لا يعني "الصديق" بل هو تعريب لاسم مكان "سامي" قديم هو /حليل/ (من /حلل/ في العبرية, أي "جوّف", قارن بالعربية خلل, أي "اخترق, نفذ إلى") وتعني "كهف" أو "مغارة". ولا بدّ أن البلدة الفلسطينية كانت قد أخذت اسمها في الأصل من الكهف المعروف المجاور لها (والذي أورد ذكره الجغرافيون العرب), والذي كرس في التقاليد التالية على انه ضريح إبراهيم. ويمكن تحديد كون خربان منطقة المجاردة المحاذية لمنطقة القنفذة كانت عاصمة داود الأولى من خلال تحديد مواقع أسماء أمكنة أخرى مترافقة معها, مثل "جبعون" /جبعون/ التي هي اليوم آل جبعان, و "حلقت هصّوريم" /حلقت ه_صريم/ التي هي اليوم الحلق والصرام (والأولى منسوبة توراتيا إلى الثانية) في المنطقة نفسها (انظر صموئيل الثاني 16:2 ). ويستبعد جدّا أن يكون اسم "خربان" من "الخراب", كما يتصّور البعض, خصوصا وأنّه يرد كاسم مكان في ثلاث من خمس حالات بدون أداة التعريف العربية, وفي ذلك ما يدلّ على أن الاسم معرّب من أصل غير عربي.

.................................................. .................

صار يجب الآن أن نتوقف قليلا, لنعيد رسم المشهد التاريخي الزمني, لأحداث توراتية جرت قبل ثلاثة الآف سنة إلى ألفي سنة من زمننا الحاضر, ثم أعيد توظيفها لسرقة أرض فلسطين في واحدة من أغرب الإسقاطات التاريخية الدينية في كل الزمن المدون لبني البشر, وعلى امتداد جغرافية هذا الكوكب.

مضمنا هذا المشهد إجابات على أسئلة من زملاء على امتداد المنتديات التي أقدم فيها هذا الكتاب, في محاولة لطرح نقاط أراها رئيسية وهامة.

قراءة ورؤية خاصة للمشهد التاريخي:

من الآن وحتى يتم التنقيب في بلاد عسير للعثور على أثار حاسمة في كونها جغرافية أرض التوراة, او في فلسطين, او ربما تقوم في المستقبل نظرية ثالثة, ولكن هذا لا يغير في الواقع الحاضر والمستقبل القادم في شيء, فعليا.

وفي كل الحالات تم سبي هذا الشعب إلى بابل, ثم عاد إلى فلسطين هذه المرّة بعد سنوات طويلة في أرض بلاد الرافدين, وبعد أن دوّن توراته بأسفارها الأولى, وكتب بعض مزاميره.

لأن هذه النصوص المقدسة كتبت "دوّنت", في كل الحالات بعد مئات من السنين وفي غير بيئتها الجغرافية, ثم أعيد تصويتها في القرن العشر الميلادي أي بعد حوالي ألف عام على تدوينها وفي بيئة جغرافية ثالثة هذه المرّة, وبعد أن تحولت قبائل الخزر الوثنية القاطنة في أراضي ما بين البحر الأسود وبحر قزوين, إلى الديانة اليهودية, وهم لم يكونوا أبدا من ذلك العرق البشري الذين نزلت فيه التوراة. والذين يشكلون ألان الأصل الأثني لأغلب يهود العالم باستثناء يهود الدول العربية.

وهذه النظرية قدمها المؤرخ اليهودي الإنكليزي آرثر كوستلر في كتابه الشهير والموثّق "إمبراطورية الخزر وميراثها".

الخلاصة:

حتى لو كان هناك وعد الهي ما في زمن ما, لشعب إسرائيل بأرض فلسطين, فهذا الشعب قد زال بإجماع المؤرخين المحايدين, من الوجود.

علما أنه لا في المسيحية ولا في الإسلام, أي إشارة إلى هذا الوعد الإلهي.

ولا يمكن لأي عقل بشري أن يقبل أصلا هذا النص الإلهي العنصري.

ولكن المشكلة الآن ليست نظرية. فلسطين سرقها من ادعوا أنهم هذا الشعب وأصحاب هذا الوعد. وهذا التبسيط المعبّر لهذا الواقع الغير مبرر والغير إنساني, ليس هو كل المشكلة.

لأننا أمام سابقة تم قبولها وتبريرها وشرعنتها عالميا.

قد يكون هذا الكتاب صحيحا وقد يكون مجرد نظرية علمية ما, وقد يكون بداية مؤامرة أكبر.

وفي كل الحالات قد يتم فعلا الكشف عن أثار في غرب شبه الجزيرة العربية او اليمن او الحبشة, إذا من الممكن لليهود مستقبلا وببساطة ووفق الشرعية عينها التي قامت على أساسها دولة إسرائيل, أن يصححوا مكان هذه الدولة ويعيدوا سرقة أرض جديدة مع الاحتفاظ بفلسطين.

قد يبدو الآن هذا الكلام وكأنه "تخريف أرذل العمر", ولكن قبل مئة سنة عندما كان يقال الكلام عينه عن فلسطين, لم يتخيل أحد أنه وبعد خمسين سنة سيصبح عين الحقيقة.

إذا لا يمكن للعرب في السعودية أن يتجاهلوا هذه الحقيقة, ولا يحق لهم أن يتغاضوا عن هذا الاحتمال بعد اليوم.

وليس هذا سببا للفلسطينيين لكي يفرحوا, إنها قضية مصيرية لا يفيد فيها التعامي او الهروب إلى الأحلام او اللامبالاة.

قد يأتي يوم يقف فيه المسلمون وهم يتجهون إلى الحج إلى بيت الله الحرام, على حواجز يهودية, سواء تم العثور في بلاد عسير على آثار أو لم يتم, لأن ما عثر عليه في فلسطين من آثار لا تقنع أحدا مهما كان غبيا, وقد لا يحتاج الإسرائيلي في العشرات القليلة من السنين إلى حتى مجرد إبداء سبب لأي أحد في هذا العالم المتداعي.

إنها حرب وجود, بين العرب والإسرائيليين.

سوف أعود لتقديم كامل هذا الفصل قريبا إن شاء الله.

.................................................. ........................

بالنسبة للزملاء الذين يعتقدون أن هذا الكتاب يقدم نصا علميا مقبولا:

أشار الكاتب إلى واقع هام, بقوله انه في الأدبيات الإسلامية تم قبول عدة تعاريف تاريخية وجغرافية على أساس النصين الدينيين اليهودي والمسيحي.

إذا نحن بحاجة إلى مؤلفات علمية في جغرافية القرآن الكريم, وبحاجة من الزملاء في بلاد عسير والمناطق التي ذكرها هذا الكتاب, لأن يكتبوا ويدونوا كلّ التراث الشعبي وكل اللباس والتقاليد والمواقع المقدسة في الذاكرة الشعبية وكل الأساطير وحتى قصص الأطفال التراثية.

إن الرهان على أن طرح هذا الكتاب يخالف النص القرآني, قد يكون صحيحا وكافيا لأبطال هذه النظرية, ولكن قد يكون متوافقا معها.

وقد يكون هذا الرهان جزءا من مؤامرة ما.

إن هذه الأرض من عسير إلى فلسطين ومن بغداد إلى الدار البيضاء, هي ملك العرب الآن ومستقبلا بسمائها ونجومها وأرضها وباطن أرضها, وكلها مقدسة.

الشايب
03/04/2006, 07:49 AM
أورشليم..2

وكما سنرى, لا بد أن "أورشليم" كانت تقع على مسافة ما صعودا باتجاه الشرق, في جوار النماص أو تنومة, أي في مرتفعات السراة عبر جرف عسير.

ويظهر أن اليبوسيين /ه_يبوسي/, نسبة إلى /يبوس/, الذين كانوا يسيطرون على البلدة في الأصل, كانوا إحدى القبائل أو الأقوام العديدة التي سكنت غرب شبه الجزيرة العربية في الزمن القديم. وبين أمكنة أخرى, مازالت هناك ثلاثة تستمر في حمل اسمهم بوضوح, وهي: قرية يباسة في وادي أضم, ومنخفض وادي يبس أو يبيس على الجانب البحري من بلاد غامد, وقرية يبس في منطقة المظيلف. ومع ذلك, يبقى السؤال: وماذا عن "أورشليم".؟

نبدأ هنا بالتدقيق في النص العبري لصموئيل الثاني6:5 -10 الذي يتحدث عن كيفية استيلاء داود على "أورشليم".

................................ هام جدا ..............................

وقد أبدى الباحثون التوراتيون العجب لما اعتبروه ضآلة مذهلة في المعلومات التي يقدمها هذا النص, خصوصا وأنه يعالج حدثا كبير الأهمية في تاريخ بني إسرائيل (على سبيل المثال, انظر كيرلينغ, ص 195-197).

.................................................. .....................

والواقع هو أن هذه الضآلة في المعلومات ليست ناتجة عن تقصير في النص المذكور, بل عن الطريقة التي قرىء فيها هذا النصّ وفهم تقليديا من قبل الباحثين والمترجمين. وعلى سبيل المثال, فان الترجمة العربية للنصّ تورده كما يلي:

"وذهب الملك ورجاله إلى أورشليم إلى اليبوسيين/ءل ه_يبوسي/ سكان الأرض, فكلموا داود قائلين: لا تدخل إلى هنا ما لم تنزع العميان والعرج, أي لا يدخل داود إلى هنا /لء نبوء هنه كي ءم هسيرك ه_عوريم و_ه_فسحيم ل_ءمر لء يبوء دود هنه/. وأخذ داود حصن صهيون /و_يلكد دود ءت مصدت صيون/. هي مدينة داود. وقال داود في ذلك اليوم إن الذي يضرب اليبوسيين ويبلغ إلى القناة والعرج والعمي المبغضين من نفس داود (والجملة بالعربية ناقصة, وهي في الأصل العبري: /و_يءمر دود ب_يوم ه_هوء كل مكه يبوسي و_يجع ب_صنور وءت ه_فسحيم و_ءت ه_عوريم سنءو نفش دود/).

لذلك يقولون لا يدخل البيت أعمى أو أعرج /عل كن يءمر و عور و_فسح لء يبوء ءل ه_بيت/. وأقام داود في الحصن /ب_مصده/ وسماه مدينة داود. وبنى داود مستديرا /سبيب/ من القلعة فداخلا /من هملوء و_بيته/, وتقرأ تقليديّا /من ه_ملوء و_بيته/, باعتبار الهاء في /هملوء/ أداة تعريف. وكان داود يتزايد متعظما والرب اله الجنود معه /و_يهوه ءلهي صبءوت عمو/.

الشايب
03/04/2006, 11:45 AM
ورشليم..3

ولإظهار جليّة ما يقوله هذا النّص في أصله العبري, لا بدّ من الملاحظات التالية بشأنه:

أوّلا, يقول النّص أن الملك داود ورجاله ذهبوا "إلى أورشليم" و"إلى اليبوسيين" الذين كانوا هناك.

وهذا لا يعني بالضرورة أن داود ورجاله ذهبوا "إلى أورشليم" بقصد فتحها. ولا يذكر النّص في أي مكان آخر أن داود "أخذ أورشليم", بل يقول بكلّ وضوح, وحتى في الترجمة العربية, أن ما "أخذه" هو "حصن صهيون" وليس "أورشليم".

والواقع هو أن بنو إسرائيل كانوا قد فتحوا "أورشليم" في أيام "القضاة", أي في زمن سابق لزمن داود, وقد سمحوا لليبوسيين الذين كانوا في البلدة بالبقاء فيها آنذاك.

وكان اليبوسيين ما زالوا مقيمين في "أورشليم"عندما كتب سفر القضاة, وذلك بعد زمن داود بوقت طويل (انظر سفر القضاة8:1, و21", 25:21).

ثانيا, النصّ لا يقول أن "حصن صهيون" (في الأصل العبري /مصدت صهيون/) كان في "أورشليم" بالذات أو في جوارها.

وسيتّضح فيما بعد أن "صهيون" (والتهجئة في الترجمة العربية مأخوذة عن الصيغة الصيغة السريانية للاسم التوراتي) لم يكن على الإطلاق اسم حصن "أورشليم". وتعرّف /صيون/ في عدة مقاطع من التوراة على أنها /هر صيون/, أي "جبل" أو "هضبة" (وفي كلام أهل عسير "قعوة") /صيون/. والهضبة هذه موجودة إلى اليوم في مرتفعات رجال ألمع, غرب أبها, وبها قرية تحمل اسم /هر صيون/ بالذات, وهي "قعوة الصيان". و /مصدت صيون/ قد تترجم بالعربية "حصن الصيان". لكن هناك في جوار قعوة الصيان قرية اسمها الصّمد, وأخرى اسمها أم صمدة (/ءم صمد/, و /ءم/ البداية هي في العادة أداة التعريف في لهجة أهل عسير). ولعلّ أم صمدة, وليس الصمد, كانت هي /مصدت/ أو "حصن" الصيان. وقد حرف اسمها التوراتي, واعتبرت ميم البداية فيه /ءم/ التعريف في اللهجة العسيرية (قابل "أم صمدة" مع /مصدت/).

ثالثا, يقول النصّ بكل وضوح أن /مصدت صيون/, أي حصن الصيان, أو أم صمدة الصيان, هي "مدينة داود". ولا يقول النصّ إطلاقا أن مدينة داود كانت "أورشليم".

رابعا, ترجم المقطع العبري /و_يءمر دود ب_يوم ه_هوء كل مكه يبوسي و_يجع ب_صنور/ على أنه جملة واحدة: "وقال داود في ذلك اليوم إن الذي يضرب اليبوسيين ويبلغ القناة". والترجمة هذه لا تجوز لأن مقول القول فيها ناقص الفعل, كما هو ظاهر, وبالتالي فهو ليس جملة كاملة. والمقطع هذا هو في الواقع جملتان, لأن /و_يجع ب_صنور/ الأخيرتين تشكلان جملة كاملة, ومعناها "ووصل إلى صنور". أمّا الجملة الأولى من المقطع, وهي في الأصل /و_يءمر دود ب_يوم ه_هوء كل مكه يبوسي/, فمعناها "وقال داود: في هذا اليوم تمت هزيمة اليبوسيّين" (ومقول القول حرفيا, "في هذا اليوم كلّ هزيمة اليبوسيين", وهو جملة أسمية كاملة, والمبتدأ فيها مؤخّر). والواضح من النص أن داود قال هذا القول مباشرة بعد أخذه /مصدت صيون/. ويستنتج من ذلك أن /مصدت/ (أي أم صمدة) /وصيون/ (أي قعوة الصيان), في مرتفعات رجال ألمع, كانت عند الحدّ الأقصى من أرض اليبوسيّين.

خامسا, يستفاد من الترجمة العربية للنصّ الذي يجري البحث عنه هنا أن سكّان "أورشليم" اليبوسيّين اشترطوا على داود نزع "العميان والعرج" من البلدة. وهذا كلام لا معنى له.

أما إذا أخذنا النصّ الأصلي, وتحفظنا تجاه ترجمة /ه_عوريم و_ه_فسحيم/ ب "العميان والعرج", فيكون المفهوم منه ما يلي: "فكلّموا داود قائلين: لا تدخل إلى هنا ما لم تتخلّص من ال /عوريم/ و ال /فسحيم/". والواضح أن كلام اليبوسيّين هذا كان نصحا لداود وليس تحدّيا له. وفي الترجمة العربية للمقطع /و_يجع ب_صنور وءت ه_فسحيم وءت ه_عوريم سنءو نفش دود/ ما يوحي بأن داود أمر رجاله بالهجوم على "أورشليم" عن طريق "القناة" /صنور/, حيث كان "العرج" و "العميان" المبغضين من داود. والواقع هو أن /صنور/ في هذه الجملة هي أسم مكان. وبناء على ذلك, فالترجمة الصحيحة للجزء الأوّل من هذا المقطع هي: "ووصل (داود) إلى /صنور/ والى ال /فسحيم/ والى ال /عوريم/".

أمّا الجزء الثاني, فلا يمكن أن يعني "المبغضين من نفس داود" لأن /سنءو/ بالعبرية هي فعل ماض, معلوم لا مجهول, والفاعل فيه ضمير مستتر تقديره هم, وليس هو, ويرجع إلى ال /فسحيم/ وال /عوريم/, وليس إلى داود.

والجملة التي تلي /سنءو نفس دود/ في الأصل هي, /عل كن يءمر و عور وفسح لء يبوء ءل ه_بيت/, ومعناها حرفيا "لذلك يقولون /عور و فسح/ لا يدخل إلى البيت", ويبدو أن الإشارة هي إلى قول أو مثل مألوف (قابل مع المثل العربي. "لا تدلّ البدوي على باب الدار"). وبذلك تكون ترجمة بكامله كما يلي: " كرهوا شخص داود. لذلك يقال /عور و فسح/ لا يدخل البيت". وفي المقطع, على ما يظهر, محاولة لتفسير مثل شائع عن طريق ربطه بحدث تاريخي.

سادسا, يقول النصّ بكل وضوح أن داود, بعد وصوله إلى /صنور/ وكسرته لشوكة ال /عوريم/ وال /فسحيم/, جعل إقامته /ب_مصدت/ ("في الحصن" أو "في أم صمدة") وليس في "أورشليم", وأنه أسمى هذا المكان وليس غيره "مدينة داود".

ويضيف النصّ, بالترجمة العربية, أن داود بنى "مستديرا" (سبيب) من "القلعة" (هملوء, مقروءة /ه_ملوء/, باعتبار هاء البداية كأداة تعريف كما سبق). والواضح هو أن ما بناه داود لم يكن "مستديرا" بل "سورا". أمّا /هملوء/, فليست "القلعة" بل اسم مكان ما زال موجودا في مرتفعات رجال ألمع, وهو اليوم قرية الهامل (مع الاستعاضة عن الهمزة الأخيرة في الاسم التوراتي, وهي لاحقة التعريف الآرامية, بسابقة التعريف العربية). والخلاصة هي أن ما بناه داود في جوار قعوة الصيان كان سورا يبتدىء من الهامل ويمتدّ داخلا, أي باتجاه "مدينة داود", وهي على الأرجح أم صمدة كما ذكرنا*.

...................*

من الضروري التحقّق من مدى التقارب بين قرى قعوة الصيان والهامل وأم صمدة, في رجال ألمع, قبل البت نهائيا في هذا الأمر. وقد تعذّر عليّ أن أفعل ذلك شخصيا.

.................................................. .........

تعقيب: قد يبدو الآن أن تنقيبا بسيطا وبدون الحاجة إلى علماء آثار, بحثا عن سور ما أو بقاياه, او حتى مجرد أساطير شعبية في تلك المنطقة التي حددها بدقة الكاتب في رجال ألمع, كافية لتأكيد هذه النظرية. انتهى التعقيب.

.................................................. .........

سابعا, تقول الترجمة العربية أن "الرّب اله الجنود" كان مع داود.

والأصل العبري يقول, /و_يهوه/ (فعل بمعنى "كان" وليس "يهوه", أي "الرّب") /ءلهي صبءوت عمو/, أي "وكان اله /صبءوت/ (اسم مكان, وليس "الجنود") معه. /وصبءوت/ التوراتية هي اليوم الصّبيات في جوار النماص من سراة عسير.

الشايب
04/04/2006, 06:33 AM
أورشليم..4

يبقى النظر في قضية /صنور/ وال /عوريم/ وال /فسحيم/. والواضح أن الأول هو اسم مكان بالمفرد والثاني والثالث جمع /عور/ و /فسح/, أو جمع نسبة إلى /عور/ و /فسح/ (أي جمع /عوري/ و /فسحي/).

والأكيد أن الكلمتين لا تردان في النص المطروح بمعنى "العميان" و "العرج". ولا بدّ أن الإشارة في الاسمين هي إلى قبيلتين من القبائل التي كانت تناصب بني إسرائيل أشدّ العداء. ويفيد النصّ بأن هاتين القبيلتين كانتا في جوار مكان اسمه /صنور/.

ويقول سفر القضاة أن بني إسرائيل عندما استولوا على "أورشليم" قبل زمن داود كانوا قد سعوا إلى إخضاع "الجنوب" /ه_نجب/, وكذلك "البلاد الهضابية" أو "الجبل"/ه_هر/ و"الأراضي المنخفضة" أو "السهل" /ه_شفله/, من أراضي الكنعانيين (قضاة 9:1), ولكن بلا نجاح على ما يظهر, لأن سفر القضاة لا يذكر مثل هذا النجاح.

ويستنتج من ذلك أن داودا كان عليه أن يتجه جنوبا من "أورشليم" ليستولي على باقي أرض اليبوسيين حتى قعوة الصيان وأم صمدة والهامل في رجال ألمع, فيقول بعد أخذه لهذا الموقع: "في هذا اليوم تمّت هزيمة اليبوسيّين". وكان على داود أيضا أن يستمرّ في الاتجاه جنوبا من هذه المواقع ليصل إلى /صنور/ ويكسر شوكة ال/عوريم/ وال /فسحيم/, وهما المبغضين لداود, والذين كان يضرب بهم المثل بالإزعاج فيقال عنهم أنهم "لا يدخلون إلى البيت", أي أنهم شعب غير مرحّب به في البيوت. والواقع هو أن /صنور/ التوراتية هي اليوم قرية الصرّان على سفح جبل هروب في شمال منطقة جيزان, إلى الجنوب من رجال ألمع. والباحث عن موطني ال /عوريم/ وال /فسحيم/ يجده في ذلك الجوار بكلّ سهولة, فهما جبل عوراء /عور/ إلى الشمال من جبل هروب, وصحيف /صحف/, من قرى جبل الحشر, جنوب جبل هروب.

وهكذا تصبح جغرافية النصّ المطروح واضحة تماما: داود اتجه جنوبا من "أورشليم" ليستولي على جوار قعوة الصيان في رجال ألمع, ثم استمرّ في الاتجاه جنوبا إلى الصرّان, في جبل هروب, وضرب "العورائيين" و"الصحيفيين" (وليس العميان والعرج) في ذلك الجوار, وذلك بناء على النصح الذي تلقاه من أهالي "أورشليم" اليبوسييّن. ثم عاد من حملته هذه إلى رجال ألمع فحصّن "مدينة داود" في أم صمدة, بجوار قعوة الصيان, وجعل مقامه هناك ليبقى ساهرا على حدوده الجنوبية المهدّدة. وهكذا, فان المعلومات التي يوردها سفر صموئيل الثاني عن أخذ داود ل "مدينة داود" (وليس ل "أورشليم") ليست ضئيلة, كما أعتقد علماء التوراة حتى اليوم, بل هي في غاية الدقّة والتفصيل. ويبدو أن التحصينات التي أقامها داود في جوار قعوة الصيان (وليس "جبل صهيون"), بين الهامل وأم صمدة, لحماية مملكته من جهة الجنوب, كانت بالنسبة إلى زمانها على جانب كبير من المناعة. وها هو ما قيل في وصفها في المزمور12:48-13:

"طوفوا ب صهيون /صيون/ ودوروا حولها, عدّوا أبراجها, ضعوا قلوبكم على متارسها, تأملوا قصورها لكي تحدثوا بها جيلا آخر"*.

...................*

هذا المزمور منسوب إلى "بني قورح" /بني قرح/ الذين ما زال اسمهم حيا لم يمس, بكونه لقريتي القرحة /قرح/ في جبل فيفا, والقرحان /قرحن/ في جبل بني مالك, وكلاهما في منطقة جيزان, بعيدا إلى الجنوب من رجال ألمع. وفي جملة سابقة من المزمور نفسه (2:48) يوصف "جبل صهيون" عمليا بكونه في "أقاصي الشمال".

.................................................. ..............

ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه, خلافا للانطباع السائد, فان التوراة العبرية لم تقل في الواقع, في أي مكان منها, أن "صهيون", إلى جانب "أورشليم". وذكر "صهيون" إلى جانب "أورشليم" في عدد من المقاطع التوراتية (مثل: المزامير 21:102, 1:125و2, 21:135, 12:147) لا يتضمن بالضرورة قربا جغرافيا أو تعريفا لأحد المكانين بالآخر. ومن نصوص مزامير عديدة (مثل: 1:65, 2:74, 2:76, 13:132, 21:135), يمكن للباحث أن يجمل أن داود كان قد كرّس "صهيون" أو "جبل صهيون" _ بغض النظر عن كونها الهضبة التي وجدت فيها مدينة داود _ كمكان عبادة أو مقام مقدس بديل, فيما يظهر, لمقام أقدم اسمه "ساليم" (شلم, وليس "أورشليم", انظر المزمور 2:67). ولا بد أن موقع مقام "صهيون", المختلف عن "مدينة داود", كان المرتفع الذي تقع فيه القرية الحالية قعوة الصيان. وببعض التنقيب الأثري, يمكن لحقائق القضية أن تزداد وضوحا.

الشايب
04/04/2006, 07:03 AM
إن هذا الملاكم الذي يعتدي على قرّاء المقطع الأخير من ما سبق هو فعل لا إرادي ومحض افتراء على النص.
وكان المفروض أن يظهر رقم المزمور المشار اليه لأتفاجىء بملاكم راقص على ايقاع المزمور المذكور.
ورقم المزمور هو اثنان على ثماني واربعون.ويبدو أن ترميزه هو 8) اي : أول القوس اليساري ثم الرقم ثمانية.
اتمنى في التحديث المقبل الانتقال الى ترميز لا عددي للأيقونات.

الشايب
05/04/2006, 07:21 AM
أورشليم..6

أبواب أورشليم:

1- باب "بنيامين" /بن يمن/, ارميا 13:37 , 7:38 , زكريا 10:14 : بين احتمالات عديدة, ربما كانت ذات يومين (يمن بلا تصويت) في منطقة بلّسمر وبلّحمر.

2- باب "الزاوية" /ه_فنه/, الملوك الثاني 12:14 , قارن مع أخبار الأيام الثاني 23:25 , أخبار الأيام الثاني 9:26, ارميا 38:31, زكريا 10:14 : هي في الظاهر النياّفة /بقلب الأحرف, مع أداة التعريف العربية بدلا من العبرية, في منطقة بني عمرو في السراة.

3- باب "الدّمن" /ه_شفت/ نحميا 13:2, 13:3و14, 31:12 : بين احتمالات عديدة, ربما كانت الشّفوة أو الشّافية (كلاهما شفت بلا تصويت) في رجال ألمع.

4- باب "الشرق" /مزرح/ وقد تقرأ /م_زرح/, أي "من مكان الشروق", نحميا 29:3 : آل محرز (بقلب الأحرف من مزرح), إحدى قريتين تحملان الاسم نفسه في منطقي بني شهر وبلّحمر, غرب النماص.

5- باب "أفرايم" /ءفريم/, الملوك الثاني 13:14, قارن مع أخبار الأيام الثاني 23:25, نحميا 16:8, 39: 12 : الوفرين (مثل ءفريم في المثنى) في منطقة بني شهر.

6- باب "السمك" /ه_دجيم/ أخبار الأيام الثاني 14:33, نحميا 3:3, صفنيا 10:1 : ذات الدماغ (دمغ), في حوض وادي بيشة, وقد ذكرها أحمد بن عيسى الرّداعي في أرجوزة الحج اليمني (انظر الهمداني, "صفة جزيرة العرب", ص430). ويبدو أنه لم يعد لها وجود اليوم بهذا الاسم.

7- باب "العين" /ه_عين/ نحميا 14:2, 15:3, 37:12 : والإشارة قد تكون إلى ينبوع محلّي, وإلا فهي إلى القرية الحالية "العين" في السراة, في منطقة بلّسمر, وهي القرية الأقرب إلى النماص بهذا الاسم.

8- باب "الخيل" /ه_سوسيم/ نحميا 28:3, 40:31 : الإشارة هنا قد تكون إلى قرية السّوسيّة (الجمع بالعربية من سوس) في بلاد زهران, لكن الأرجح أن المقصود هو المسوس (تحوير بقلب الأحرف عن سوسيم) في رجال ألمع.

9- باب "العد" /ه_مفقد/ نحميا 31:3 : الأكثر احتمالا هو الميناء الحالي القنفذة, الذي هو الميناء الأقرب إلى منطقة النماص وجوارها, والذي يمكن لاسمه أن يكون تحريفا تعريبيا ل /ه_مفقد/, مع تحويل أداة التعريف العبرية إلى أداة التعريف العربية, كما في معظم الأحوال المشهودة.

10- الباب "الأوسط" /ه_توك/ ارميا 3:39 : الطوق مع أداة التعريف العربية, في رجال ألمع.

11- الباب "العتيق" /ه_يشنة/ نحميا 6:3 , 39:12 : ياسينة (يسنه بلا تصويت), في منطقة القنفذة.

12- باب "السجن" أو "الحرس" /ه_مطره/ نحميا 39:12 : ماطر (مطر بلا تصويت) في منطقة محايل.

13- باب "الضّأن" /ه_صون/ نحميا 1:3 و32 ,39:12 : آل زيّان (زين بلا تصويت, الرديف فونولوجيا ل صون), في منطقة بلّحمر.

14- باب "بنيامين الأعلى" /بن يمن ه_عليون/ ارميا 2:20 : لا شك بأنها آل يماني (يمن بلا تصويت) في سراة بلقرن, شمال النماص, وهي منسوبة توراتيا إلى قرية عليان المجاورة.

15- باب "الوادي" /ه_جيء/ أخبار الأيام الثاني 9:26 , نحميا 13:2 و15 , 13:3 : بين احتمالات عديدة, الأرجح هي الجية (جي مع أداة التعريف) في منطقة النماص, إلا إذا كانت الجوّ (جو ومع أداة التعريف أيضا) في منطقة بلّسمر غرب النماص.

16- باب "الماء" /ه_ميم/ عزرا 1:8 , نحميا 26:3 , 1:8 و3 و16 , 37:12 : يحتمل أنها المومية في منطقة قنا والبحر المحاذية لرجال ألمع, ويحتمل أيضا أنها المايين (المثنى بالعربية من "ماء") في منطقة المدينة, على امتداد طريق القوافل الرئيسية لغرب شبه الجزيرة العربية المتجهة إلى الشام, إلا إذا كانت إشارة عمليا إلى " ماء " محلية.

17- الباب "وراء السعاة فتحرسون حراسة البيت" /ء حر ه_رحيم و_شمرتم ءت مشمرت ه_بيت مسه/ الملوك الثاني 6:11 : والترجمة الأصح للأصل العبري هي: /ءحر/ ال /رحيم/ و /شمرتم/ بجانب برج الحراسة ل /بيت مسه/. والإشارة هي إلى الأماكن الأربعة التالية, وجميعها في منطقة القنفذة وجوارها المباشر: اليحور (يحر بلا تصويت), وصروم (تحوير بقلب الأحرف عن /رصيم/), والسمرة (سمرت, ولاحقة الميم في /شمرتم/ العبرية هي ضمير الجمع المضاف إليه للغائب, ويعود إلى يحر و رصيم), وحلّة مصوى ("مستوطنه", نظرا ل /بيت/ العبرية, أو "منزل" مصو, قارن مع /مسه/ التوراتية). وبذلك يستقيم المعنى الجغرافي على الوجه الآتي: "باب يحور وصروم وحلّة مصوى المنسوبة اليهما".

18- باب "السورين" /بين ه_حمتيم/ الملوك الثاني 4:25 , قارن مع ارميا 4:39 , 7:52 : الإشارة هنا إلى "بين" (أي "ناحية" أو "مرتفع") آل حماطان في سراة زهران. والصيغة المعرّبة للاسم هي في صيغة المثنى, كما في الأصل العبري*.

.................*

الصيغة العبرية المفردة من الاسم /حمت/ (كما في سفر العدد 21:13 و 29 وأماكن أخرى من التوراة العبرية) استمرت في الوجود أيضا في جنوب الحجاز وعسير كاسم لقرية تسمى ذوي حمط, وست قرى تسمى حماطة. والخلط بين اسم المكان التوراتي هذا واسم حماه (حمه أو حمت) الواقعة في وادي العاصي في الشام ....هام جدا....

فعل الكثير في إبعاد الفهم التقليدي للجغرافيا التوراتية عن مرماه. ولا بد من إعادة النظر بعناية بمضمون الاسم نفسه كما ورد في السجلات المصرية وفي السجلات الآشورية والبابلية القديمة.

.................................................. ...

19- باب "شلكّة" /شلكت/ أخبار الأيام الأول 16:26 : شقلة في منطقة القنفذة.

20- باب "السور" /ه_يسور/ الملوك الثاني 6:11 , أخبار الأيام الثاني 5:23 : آل يسير في منطقة تنومة, جنوب النماص, في اتجاه أبها.

21- باب "يشوع رئيس المدينة" /يهوشع سر ه_عير/ الملوك الثاني 8:23 : هنا تبدو القرية الحالية شوعة (شوع), في منطقة قنا والبحر, معرفة توراتيا بالنسبة إلى قريتي السّر (سر) والغار (غر), في منطقة رجال ألمع المجاورة (بالعربية, "شوعة سرّ الغار").

22- باب "الفخّار" /ه_حسروت/ ارميا 2:19 : لعلّها الخريزات (تحوير بنقل الأحرف وقلب السين إلى زين عن /حسروت/, وهي أيضا بجمع المؤنث كما بالعبرية, في جوار حلي من منطقة القنفذة.

23- "باب الرب الجديد" /سعر يهوه ه_حدش/ ارميا 10:26 : أو "باب بيت الرب الجديد" /سعر بيت يهوه ه_حدش/ ارميا 10:36 : تبدو الاشارة هنا إلى مقام قديم كان مكرسا في زمن التوراة للربّ /يهوه/ في القرية الحالية التي تدعى الحديثة (الترجمة العربية للكلمة العبرية /ه_حدش/, في منطقة القنفذة.

24- "الباب الأعلى لبيت الرب" /سعر بيت يهوه ه_عليون/ أخبار الأيام الثاني 3:27 , والترجمة الأفضل هي "باب /ه_عليون/ بين الرب" : والمقام المذكور لا بدّ أنه كان في آل عليان (ءل علين, أي "اله" علين) في منطقة النماص.

25- "الباب الأول" /سعر ه_رءشون/ زكريا 4:14 : يحتمل أنها الرّوشن في وادي بيشة, وأقل احتمالا كونها ريشان أو الروسان في منطقة الطائف*.

..............*

قارن بين تحديدات أسماء أبواب أورشليم هنا وتلك الواردة في كتاب ج. سايمونز:

J.Simons, Jerusalem in the Old Testament (Leiden 1952



وتحديدات سايمونز تعتمد فقط على المكتشفات الأثرية في أورشليم الفلسطينية, من دون أية أدلة اسمية تدعمها.

الشايب
06/04/2006, 06:55 AM
توضيح ..
يرجى الأنتباه الى الترقيم , فقد تجاوزت الأضافة "أورشليم ..5 " , وأعود لأثبايها في ما يلي, حتى لا يضيع التسلسل .

الشايب
06/04/2006, 07:00 AM
أورشليم..5
وفي ضوء ما قيل حتى الآن يجب البحث عن "أورشليم" التوراتية (ير وشليم بالعبرية, وتعرب يرو شليم)* في منطقة..
...................*
لقد اعتبر اسم /ير وشليم/ حتى الآن لغزا. والأرجح هو أنه يعني "مقر" أو "مسكن" (الاسم /يرو/, قارن مع مصدر الفعل بالعربية (ءري), أي "سكن" أو "أقام") /شليم/ (قارن مع الاسم العربي الحي "سليم" في مرتفعات عسير). والمصدر من الفعل (ءري) يظهر في أسماء أماكن أخرى في غرب شبه الجزيرة العربية, كما في أرواء (ءرو) وأروى (ءرو). و إذا لم يكن الاسم /شليم/ اسم قبيلة (وربما قبيلة فرع من اليبوسيين), فيحتمل أنه كان اسم اله محلي, وربما تنويع في /شلم/. وبالتالي فان اسم المكان /ير وشليم/ يعني "مقر سليم", أو "مقرّ شلم"(اسم الإله).
.................................................. ..................
..في منطقة ما إلى الشمال من قعوة الصيان (وهي "جبل صهيون" في رجال ألمع), لأن داود اتّجه جنوبا من "أورشليم" ليصل إلى "حصن صهيون" كما سبق. والأرجح هو أن "أورشليم" هذه (المختلفة عن "أورشليم الفلسطينية"), يمكن أن يعثر عليها فورا على مسافة 35 كيلومترا إلى الشمال من بلدة النماص في سراة عسير, شمال أبها. إنها القرية التي تسمى اليوم آل شريم (ءل شريم), التي يحتوي اسمها على بعض التحريف التعريبي عن الأصل /يرو شليم/ (تغيير موقعي الحرفين الراء واللام بين قسمي الاسم المركب)*.
...................*
ويحتمل أيضا أن يكون الاسم /ير وشليم/ جمعا لاسمين حاليين لقريتين, هما: أروى (ءرو) وآل سلام (سلم) في جوار تنومة من السراة, غير بعيد إلى الجنوب من النماص. وفي هذا الحال, ربّما نسبت أروى إلى قرية آل سلام المجاورة لتمييزها عن قرية آل عمر أرواء في المنطقة ذاتها. وهناك حاجة لدعم علم الآثار للبرهان على هذه النقطة بما لا يدع مجالا للشك.
.................................................. .............
ووقوع منطقة النماص على ارتفاع حوالي 2500 متر عن سطح البحر, كموقع مقترح ل "أورشليم" التوراتية, يجعله في موضع استراتيجي للسيطرة سواء على الأراضي الداخلية أم على المنحدرات البحرية لعسير.
وهناك طريق قديمة, يمتد مسارها فوق الجرف وعلى امتداد الشق المائي للسراة, تصلها بأبها وخميس مشيط في الجنوب, وببلاد غامد وزهران والطائف في الشمال, أي بكامل امتداد الأراضي القديمة ل "إسرائيل" و"يهوذا". وتتميز المنطقة بغناها الخاص بالبقايا الأثرية التي لم تستكشف بعد. وكانت توجد هنا, في الزمن التوراتي, أقداس ومقامات لا تحصى, ومن بينها مقام ما يسمى "رب الجنود" ("اله الصبيات", والصّبيات هي اليوم من قرى النماص, وهي ليست بعيدة عن آل شريم). وللوصول إلى "أورشليم" هذه في جوار النماص, من عاصمته الأصلية "حبرون" وهي الخربان في منطقة المجاردة, لم يكن على داود الاّ أن يتّجه صعودا عن طريق وادي خاط, فيقطع المسافة في يومين بسهولة.
وكعاصمة لمملكة تضم معظم عسير, كان موقع "أورشليم" (أي آل شريم) في مرتفعات النّماص أفضل بكثير من موقع "حبرون" (وهي الخربان) في منحدرات المجاردة.
وبالرغم من أن داود اعتبر "أورشليم" هذه, بالقرب من مقام /صبءوت/ (أي الصبيات), عاصمته الرسمية على ما يظهر, يحتمل أنه أقام معظم وقته في عاصمته الثانية, وهي "مدينة داود" في رجال ألمع, ليراقب حدوده الجنوبية عن قرب. وهناك مات, أو هناك دفن على الأقل (الملوك الأول 10:2). واستمر ابنه وخليفته سليمان, الذي يبدو أنه كان معه عند موته, في الإقامة في مدينة داود (أي في أم صمدة في رجال ألمع) "إلى أن أكمل بناء بيته وبيت الرب وسور أورشليم حواليها" (الملوك الأول 1:3). وعندها فقط ذهب إلى مقام "جبعون" (آل جبعان الحالية, في منطقة المجاردة) لتقديم الضحايا, ثم تابع سيره صعودا من هناك ليدخل "أورشليم" (الملوك الأول 4:3و15). ويصادف هنا أن رحلة سليمان من "مدينة داود" إلى "أورشليم" عبر "جبعون" تبدو متكاملة في مغزاها الجغرافي. وعمليا, فان إحدى الطرق التي تقود من رجال ألمع إلى منطقة النماص تمر عبر منطقة المجاردة*.
..................*
قصة خلافة سليمان, كما رويت في الملوك الأول, توحي بوضوح بأن "مدينة داود" و"أورشليم" كانتا مكانين مختلفين, يبعد احدهما مسافة عن الأخرى. عمليا, إن المسافة المباشرة بين أم صمدة, في رجال ألمع, وآل شريم, في منطقة النماص, تقارب 80 أو 90 كيلومتر, أما مسافة السفر بينهما عبر الطرق الجبلية المختلفة فأبعد بكثير. وعلى العكس من أبيه داود, قام سليمان بتجميل وتحصين "أورشليم" وجعل منها مقر إقامته الدائم. ومع اعتبار كون "مدينة داود" و"أورشليم" مكانين مختلفين, فان "الدرج النازل من مدينة داود" إلى أورشليم /ه_معلوت ه_ يوردوت م_عير دود/ يجب ألا يشوش الموضوع, لأن هذا "الدرج" أو "الدرجات" كانت "مذابح" أو "منصات" /معلوت/ جلبت (/يوردوت/, وبالعربية "واردات") من مدينة داود إلى "أورشليم" (نحميا 15:3), وربما في أيام سليمان.
.................................................. ...............
وعندما تتّضح للباحث حقيقة أن "أورشليم" التوراتية لم تكن "أورشليم" الفلسطينية أي القدس, بل على الأرجح قرية آل شريم الحالية في منطقة النماص من سراة عسير, أو مكان آخر قريب من آل شريم هذه, يمكن له أن يحدد فورا, وبدرجات مختلفة من التأكد, ما هو مترافق مع أورشليم في النصوص التوراتية.
و"أبواب" (/سعر/ هو المفرد بالعبرية) أورشليم هي إحدى الحالات البارزة, إذ يمكن تحديدها حسب الأماكن التي سميت بأسمائها, والتي تشير إلى الاتجاهات التي تنفتح عليها

الشايب
06/04/2006, 07:05 AM
أورشليم..7
ويمكن للباحث أن يتابع تحديد أماكن كثيرة وردت بأسمائها في التوراة العبرية بالعلاقة مع "أورشليم" (أقسام السور, الأبراج, الينابيع, الحقول, المباني, المدافن, الخ) حسب أسماء المواقع التي ما زالت هناك, ومعظمها في الجوار المباشر لآل شريم في منطقة النماص وما يليها من سراة عسير. وأحد الأمكنة التي لم أستطع بعد تحديدها بالاسم هو"جبل الزيتون /ه_زيتيم/ الذي قدام أورشليم من الشرق" (زكريا 4:14 , كما في الترجمة التقليدية). والمكانان الآخران اللذان ارتبط اسميهما في النصوص التوراتية ب "أورشليم" لم يكونا عمليا في الجوار المباشر للمدينة, والنصوص التي أوردتهما لم تقل أنهما كانا كذلك:
1- وادي هنوم أو ابن هنوم /بن هنم/. وإذا قرىء الاسم على أنه /ه_نم/, باعتبار هاء البداية أداة تعريف, يمكن لاسم هذا "الوادي" (جيء بالعبرية) أن يحدد فورا بكونه النامة (نم بلا تصويت, مع أداة التعريف العربية) في منطقة بلّحمر, بين منطقة بني شهر ورجال ألمع. وهذا هو تماما حيث يحدد الموقع في نص يشوع 8:15 : "إلى جانب اليبوسي (أي أورشليم) من الجنوب". واستنادا إلى الملوك الثاني 10:23 , فقد كان هناك في هذا الوادي مكان يسمى "توفه" (/هتفت/ وتقرأ خطأ /ه_تفت/) وليست هذه اليوم إلا قرية الهطفة (هتفت) في الجوار نفسه (قارن مع سايمونز, الفقرة 36). ويسمّى الوادي حيث تقع قرية النامة اليوم وادي صبح.
2- جدول (أو غدير) قدرون /نحل قدرون/: وهذا يجب أن يكون وادي بني عمر الأشاعيب, على المنحدرات البحرية من بلاد زهران, حيث توجد هناك قرية تسمى قدران, وهو الاسم التوراتي "قدرون" بالذات". وفي الملوك الثاني 4:23 و6, جاء بالعبرية :/م_حوص ل_يروشليم ب_شدموت قدرون/, و /م_حوص ل_ يروشليم ءل نحل قدرون/.
وفي الترجمة العربية المألوفة: "خارج أورشليم في حقول قدرون", و"خارج أورشليم إلى وادي قدرون". وهنا جاءت /حوص/ في الواقع كاسم مكان هو اليوم حوّاز (حوز بلا تصويت) في نفس الوادي الذي توجد فيه قدران, في تهامة زهران. وبإعادة ترجمة المقطعين هذين من الملوك الثاني 23 يستقيم المعنى كما يلي: "من حوّاز إلى أورشليم في حقول قدران", "ومن حوّاز إلى أورشليم, إلى وادي قدران". وهذه الترجمة تطابق الإطار الجغرافي لذكر قدران وحوّاز في التوراة بشكل كامل: بأوامر من الملك يوشيل ملك "يهوذا", جمعت كل الأصنام الوثنية, لا من "أورشليم" وحدها, بل من كل المنطقة بين حوّاز و"أورشليم", وأخذت إلى حقول قدران, أو إلى وادي قدران حيث أحرقت (حول التحديد التقليدي الواهي ل "قدرون" خارج "أورشليم" الفلسطينية, انظر سايمونز, الفقرة 139).
في يوم ما, قد يؤكد علم الآثار التحديد المقترح لموقع "أورشليم" التوراتية باعتبارها القرية الحالية آل شريم, في مرتفعات النماص.
والشيء الأكيد, هو أن "مدينة داود", التي هي اليوم أم صمدة, في رجال ألمع, كانت مكانا مختلفا تماما عن "أورشليم" هذه. وكما لوحظ سابقا, كانت "مدينة داود" قد بنيت كبلدة حصينة لتحرس الحدود الجنوبية لمملكة داود. والسبب في اختيار مكان مثل آل شريم ليصبح عاصمة لهذه المملكة, بغض النظر عن كونه معقلا جبليا, كان:
_أولا_ موقعه المركزي بين وادي أضم وإقليم الطائف من الشمال, ورجال ألمع في الجنوب, نظرا لأن أراضي المملكة كانت بين هاتين المنطقتين, وكان _ثانيا_ وقوع البلدة على امتداد الطريق الرئيسية الجبلية شرق جرف عسير, وهي الطريق التي تتصل عند نقاط عدة بطرق القوافل الداخلية شرقا, وبالطريق الساحلي غربا, والتي ما زالت تستخدم كطريق رئيسية بين الطائف وحدود اليمن إلى اليوم. وعندما ثبّت داود نفسه في "أورشليم" هذه, لم يعد يحكم "يهوذا" وحدها, بل "كل إسرائيل" (صموئيل الثاني 5:5 ), كما فعل ابنه سليمان من بعده.
واستنادا إلى الملوك الأول 25:4 (في الترجمات العادية), امتدت الأراضي التي حكمها سليمان "من دان إلى بئر السبع", أي الدنادنة في شباعة زهران جنوب وادي أضم (انظر الفصلين 10و14 والملحق) إلى شباعة في مرتفعات خميس مشيط شرق رجال ألمع.
وبعد موت سليمان, انقسمت مملكة "كل إسرائيل" هذه إلى "مملكتين" متنازعتين, تسميان على التوالي "يهوذا" و "إسرائيل". أما ما كانته "إسرائيل" في الأصل بالنسبة ل "يهوذا", وما أدى إليه انقسام مملكة سليمان بعد موته, فأمران يستحقان المعالجة على حدة. وهما المسألتان اللتان تشكلان الموضوع الرئيسي للفصل التالي

الشايب
08/04/2006, 08:24 AM
اسرئيل والسامرة..1

إذا كانت "يهوذا", أو يهوده, أرض الشعاب والوهاد على امتداد الجانب البحري لجنوب الحجاز وعسير, فلا بدّ أن "إسرائيل" /يسرءل/ كانت في الأصل مرتفعات السراة هناك. وقد كتب الكثير عن أصل الاسم, ولكن النتائج كانت مدعاة للتشويش أكثر منها مدعاة للتنوير. والقول في سفر التكوين 28:32 بأن الاسم يعني "يجاهد مع الله" أو "الله يجاهد" /يسره ءل/ ما هو إلا تفسير ميثولوجي من نسج الخيال. إن كون الاسم /يسرءل/ مركبا من /يسره/ و /ءل/ هو أمر مؤكد. ومع ذلك, فإن /يسره/ هنا ليست المضارع من الفعل العبري /سره/ بمعنى "جاهد, ناضل, قاتل", بل هي اسم قديم من الفعل نفسه بمعنى الكلمة العربية "سرو" أو "سري", و "السرو" هو "ما أرتفع من الوادي وانحدر عن غلظ الجبل", و "السراة" (من سري) "أعلى كل شيء".

ويتضح من ذلك أن الجذر من الاسم, كما هو مشهود بالعربية, يفيد معنى العلو والارتفاع والشموخ. وبالتالي, فإن الجزء الأول من /يسرءل/, أي /يسره/, هو اسم على وزن "يفعل" مشتق من /سره/ بمعنى "شمخ, ارتفع", ويقابله بالعربية اسم "السرو" أو "السراة" من الجذر ذاته.

ويتضح من ذلك أن الاسم بكامله هو /يسره ءل/, أي "سراة الله", والإشارة هي ولا شك إلى مرتفعات السراة بين الطائف واليمن.

وكتعبير يعني "سراة الله", لا بد أن الاسم /يسرءل/, أو "إسرائيل", كان اسما جغرافيا قبل أن يصبح اسما لشعب, وأخيرا لمملكة في غرب شبه الجزيرة العربية مختلفة عن مملكة "يهوذا". والظاهر أن "سراة الله", أي إله المرتفعات في جنوب الحجاز وعسير في القدم, كان يدعى /ءل يسره/. وهذه لائحة لمواقع في الحجاز وعسير ما زالت تحمل اسم /ءل يسره/ هذا, أي "إله السراة", إلى اليوم*:

................*

إني مقتنع شخصيا بأن ال (طء نتر) (أو "أرض الله") لدى المصريين القدماء هي أرض /يسرءل/ التوراتية بالذات, أي سراة عسير الجغرافية. وبالنسبة إلى هوية /ءل يسره/ "اله السراة", انظر الحاشية التالية.

.................................................. .............

1- اليسر /ءل_ يسر/ في منطقة محايل.

2- اليسرى /ءل_ يسر/ في منطقة النماص.

3- اليسرى /ءل_ يسر/ في منطقة الطائف.

4- يسرة /يسر/ بجوار أبها.

5- آل اليسير /ءل يسر/ بجوار تنومة.

6- اليسيرة /ءل_ يسر/ في الحجاز, كاسم لقريتين.

7- يسير /يسير/ في الحجاز.

8- آل ياسر /ءل سره/ في منطقة القنفذة.

9- آل سرة /ءل سره/, محافظة على صيغة المصدر العبرية, في منطقة أبها.

10- السّرية /ءل_سري/ في جوار خميس مشيط, شرق أبها.

11- أبو سرية /سري/, الموقع غير محدد في المعاجم الجغرافية.

وهناك أسماء أخرى يمكن أن تضاف إلى تلك أعلاه مشتقة من /سرو/ كتنويع ل /سري/ بالمعنى ذاته. وما يكاد يماثل تماما الكلمة العبرية /يسرءل/ (مع /ءل/ لاحقة وليس سابقة) هو الاسم سريويل (وهي في الظاهر تحريف ل /سري ءل/), وهو اسم قرية في أواسط نجد*.

..................*

"الحاشية التالية":

يفسر الاسم محليا على أنه تصغير لكلمة "سروال" العربية, وهي تفسير غير مقنع من الناحية اللغوية. ولا بدّ أن عبادة /ءل يسره/, أو "اله السراة", كانت منتشرة في مناطق كثيرة من الجزيرة العربية. وربما كان الإله المصري القديم "أوسيريس" (واسمه بالمصرية القديمة (وسير)) هو هذا الإله بالذات, قابل (وسير) مع اسم المكان "آل يسير" بجوار تنومة, ومع سائر أسماء الأماكن المدرجة أعلاه.

ولعلّ وسير هذا كان ال (نتر) (أي الإله) الذي كانت تنسب إليه (طء نتر) (أي "أرض الله") عند المصريين القدماء.

الشايب
09/04/2006, 11:06 AM
إسرائيل والسامرة..2

وشعب "إسرائيل" لا بد أنه كان في الأصل مجموعة من قبائل بلاد السراة في غرب شبه الجزيرة العربية. وقد اتحدت هذه القبائل في زمن ما فأصبحت شعبا استوطن أرض "يهوذا", وأقام لنفسه هناك مملكة في أواخر القرن الحادي عشر أو مطلع القرن العاشر قبل الميلاد. وكانت الظروف السياسية والاقتصادية في تلك الفترة ملائمة لظهور مثل هذه المملكة في غرب شبه الجزيرة العربية. فقد كان هنالك تراجع في الضغوط الخارجية على شبه الجزيرة العربية من جهة العراق والشام ومصر بعد حوالي سنة 1200 قبل الميلاد, مما مهد الطريق أمام ظهور دول محلية مستقلة في شبه الجزيرة العربية. وقد جاء هذا التراجع في الضغوط الخارجية نتيجة لانهيار الدولة الحثّية في شمال الشام في ذلك الوقت, وضعف الدولة القائمة في مصر, بينما كانت الدولة الآشورية في العراق ما زالت في بدايتها. ومن ناحية أخرى, كان هنالك ازدهار في تجارة القوافل العابرة لشبه الجزيرة العربية, مما انعكس باستبدال الحمار بالجمل وجعله وسيلة النقل الرئيسية المعتمدة لهذه التجارة, وذلك في مرحلة ما بين 1300 و1200 قبل الميلاد. لكنّ مملكة "كل إسرائيل" التي ظهرت في حينه لم تعمّر طويلا, وسرعان ما فقدت وحدتها السياسية.

وبحلول النصف الثاني للقرن العاشر قبل الميلاد, كانت تسيطر على أراضيها سلالتان متنازعتان من الملوك: ملوك "يهوذا", وعاصمتهم في آل شريم (الموقع المقترح ل "أورشليم" التوراتية), وملوك "إسرائيل".

وكانت قد بدأت محاولات جديدة آنذاك للسيطرة الخارجية على غرب شبه الجزيرة العربية, أولا من جهة مصر, ثانيا من جهة الدولة الآشورية ثم البابلية في العراق. وقد كان هذا, ولا شك, من العوامل التي أدت إلى قيام ودوام هذا الانقسام بين مملكتي "يهوذا" و"إسرائيل".

وكان الباحثون التوراتيون, الذين يفكرون من خلال فلسطين, قد تحدثوا تقليديا عن مملكتي "يهوذا" و"إسرائيل" المتنازعتين على اعتبار أنهما المملكتين "الجنوبية" و"الشمالية" هناك, وافترضوا بالأخيرة أنها تركزت حول بلدة نابلس في شمال فلسطين.

وفي غرب شبه الجزيرة العربية, كانت مراكز قوة "إسرائيل" الأصلية بالفعل شمال "يهوذا", كما سيظهر لاحقا. لكن الحدود الجغرافية بين هاتين المملكتين لم تكن ثابتة أو واضحة. والواقع أن الانقسام بين "يهوذا" و"إسرائيل" لم يكن جغرافيا بقدر ما كان انقساما في الولاء السياسي والديني بين أبناء الشعب الواحد والأرض الواحدة.

ويبدو أن ملوك "يهوذا" و"إسرائيل" كانوا يسيطرون في أحوال كثيرة على مواقع مختلفة في المناطق ذاتها. وكثيرا ما كانت هذه المواقع قريبة جدا من بعضها البعض. وكانت هذه بالتأكيد حالة أراضي "يهوذا" المركزية في منطقة القنفذة وجوارها في عسير.

وكانت هي الحالة أيضا في شمال البلاد, أي في منطقتي الليث والطائف.

وكان أول من نصّب نفسه ملكا على "إسرائيل", بعد موت سليمان, هو "يربعام بن ناباط" الذي وصف بأنه /ءفرتي من ه_صرده/, التي أخذت تقليديا على أنها تعني "أفرايمي من صردة" (الملوك الأول 26:11 ).ومن الأمور ذات المغذى أن داود, مؤسس الأسرة التي استمرت في حكم "يهوذا", وصف أيضا بأنه رجل "إفراتي" /ءفرتي/ من "بيت لحم" (سفر صموئيل الأول 12:17). والنسبة /ءفرتي/ هذه لا يمكنها أن تعني "أفرايمي", كما هي مترجمة بالنسبة إلى يربعام, وهذا مؤكد. و"أفرايمي" بالعبرية تكون /ءفريمي/, من /ءفريم/ (مثنى /ءفر/), وهي اليوم الوفرين (مثنى وفر), في بني شهر.والواقع أن /ءفرت/ (والنسبة إليها /ءفرتي/) مازالت موجودة كاسم لقرية فرت (فرت) في وادي أضم, في منطقة الليث.

وكما لوحظ سابقا, فإن "بيت لحم" كانت قرية أخرى في وادي أضم نفسه, هي اليوم أم لحم (المترادفة مع /ءفرت/ أيضا في ميخا 2:5, راعوث 2:1, 11:4 ). و"صردة", البلدة موطن يربعام في جوار فرت, هي اليوم الصدرة (صدره مع أداة التعريف كما في العبرية), وهي أيضا في منطقة الليث. ولا شك في أن الصراع بين يربعام وبيت داود يعود في أصوله إلى تنافس أو نزاع قديم بين أسرتين من زعماء قبائل فرت وجوارها بوادي أضم, في منطقة الليث, وقد تطور هذا النزاع فيما بعد ليجري على مسرح سياسي أوسع.

وكان يربعام قد بدا سيرته السياسية في خدمة سليمان, ثم انقلب عليه واضطر إلى الهرب إلى مصر, حيث طلب اللجوء السياسي عند الملك شيشانق الأول ويسمّى في التوراة /شوشق/ و/شيشق/.

وبعد موت سليمان, عاد يربعام من مصر إلى "يهوذا" ليتحدّى خلافة رحبعام لأبيه سليمان بن داود, وينصّب نفسه ملكا منافسا على "إسرائيل" (انظر الملوك الأول 26:11 _ 20:12). ويقول سفر الملوك الأول أن يربعام "بني شكيم /شكم/ في جبل أفرايم /ءفريم/ وسكن بها" (الملوك الأول 25:12).

ومع الأخذ بعين الاعتبار أن "أفرايم" التوراتية, كما لوحظ سابقا, هي الوفرين, في منطقة بني شهر في الجوار العام لمنطقة القنفذة, فإن "شكيم" التي بناها يربعام وجعلها عاصمة له (وهي غير "شكيم" سفر التكوين) يمكنها أن تكون سقامة (سقم) الحالية في وادي سقامة, على المنحدرات الجنوبية الغربية من بلاد زهران, و سقامة غير بعيدة إلى الشمال من بني شهر. لكن الأرحج أنها كانت القاسم (قسم) الحالية, في منطقة القنفذة*.

.....................*

إن شيلوه التوراتية (شله, وتهجأ أيضا شلو أو شيلو), التي كانت مقاما تزوره زوجة يربعام (الملوك الأول 2:14 وما يلي), هي اليوم إما آل أم شلوى (شلو) في رجال ألمع, أو (وهي الأرجح) أم شلوة (شلو) في منطقة القنفذة, مع الأخذ في الاعتبار أن "أم" الاسمين هي أداة التعريف في لهجة عسير الحالية.

.................................................. .............

بعد ذلك مباشرة, عمل يربعام على "بناء" (وربما تعني "تحصين") بلدة "فنوئيل" (/فنوءل/, الملوك الأول 25:12), التي ربما هي اليوم النفلة (نفل) في منطقة الطائف, إلا إذا كانت النّوف/ءل_نوف/, وهو اليوم اسم جبل في بلاد زهران. ولمنع أتباعه من الذهاب للعبادة في "أورشليم", جعل يربعام لهم مقامات جديدة في "بيت أيل" و"دان" (الملوك الأول 29:12 وما يلي). و"بيت إيل" هي اليوم البطيلة, في سراة الزهران. ولا شك في أن "دان" (دن) هي اليوم قرية الدنادنة في تهامة زهران, حيث أن "دنادنة" بالعربية هي جمع النسبة إلى اسم المكان الأصلي دن.

وبالرغم من أن عاصمته كانت "شكيم", يبدو أن يربعام سكن أيضا أحيانا في "ترصة" (/ترصه/, الملوك الأول 17:14), بجوار مكان آخر أدنى منها يدعى "جبّثون" (الملوك الأول 17:16). ولا بد أن "جبّثون" هذه كانت موقعا في وادي "النقبات" (نقبت) في بلاد غامد.

وفي المرتفعات المجاورة لهذا الوادي من جهة الشمال, هناك قرية صغيرة تسمى اليوم الزير (زر بلا تصويت). ولعل هذه القرية كانت /ترصه/ التوراتية. وجدير بالملاحظة أن المنطقة هناك غنية جدا بالخرائب والآثار.

وقد أقام ملوك "إسرائيل" الذين خلفوا يربعام عواصم لأنفسهم أولا في "ترصة" ثم في "يزرعيل" ("إزدرايلون" في السبعونية اليونانية), ثم في "السامرة" (الملوك الأول 33:15, 45:18, 43:20). وكانت هذه الأخيرة, أي "السامرة", مدينة قام ملوك إسرائيل أنفسهم ببنائها على هضبة قريبة من "يزرعيل" اشتروها من "شمر", ومن هنا جاء الاسم الذي أعطوها, وهو بالعبرية /شمرون/. و"يزرعيل" (وهي معربة /يزرع ءل/, "ليزرع الله" أو "زرع الله") هي بالتأكيد آل الزرعي /ءل زرع/ الحالية, في أسفل وادي الغيل, إلى الجنوب الشرقي من القنفذة.

وقد افترض علماء التوراة حتى الآن أنه مرج ابن عامر الذي يفصل بلاد فلسطين عن الجليل في الشام, وهو افتراض لا يرتكز على شيء.

والأكثر احتمالا هو أن "شمر" /شمر/, المالك الأصلي للهضبة التي بنيت فوقها "السامرة" /شمرون/, لم يكن شخصا, بل قبيلة شمران (شمرن), وقد استمر وجود اسمها في غرب شبه الجزيرة العربية إلى يومنا هذا.

والأرض الحالية لشمران تضم الأراضي الداخلية من منطقة القنفذة وما يليها شرقا, وتمتد بلاد شمران هذه عبر الجرف والشق المائي إلى وادي بيشة. وكانت "السامرة", بلا شك, ما هو اليوم قرية شمران في منطقة القنفذة, على مسافة ما صعودا من آل الزرعي, أو "يزرعيل".

وللحقيقة فإن شمران الحالية تقوم مميزة على هضبة وحدها, تماما كما هي موصوفة في التوراة, وقد عاينتها بنفسي.

الشايب
10/04/2006, 01:08 PM
إسرائيل والسامرة..3

ولا ضرورة هنا إلى الغوص في كل أسماء الأمكنة التوراتية الواردة باعتبارها تخص ملوك "إسرائيل", لإظهار كيف أن هؤلاء الملوك, ومنافسيهم ملوك "يهوذا", فرضوا سلطتهم في مناطق كثيرة على بلدات وقرى متجاورة في عسير وجنوب الحجاز. بل يكفي تبيان كيف أن معظم المواقع التي قام رحبعام بن سليمان بتحصينها للدفاع عن مملكته "يهوذا" ما زالت مستمرة في الوجود بأسمائها التوراتية الأصلية في مناطق تمتد من جوار القنفذة باتجاه الشمال, حيث كانت توجد المراكز الرئيسية لملوك "إسرائيل" (انظر سفر أخبار الأيام الثاني 6:11-9). وهذه هي لائحة بالمواقع المذكورة:

1- "بيت لحم", حددت قبلا بكونها أم لحم في وادي أضم, في منطقة الليث.

2- "عيطام" /عيطم/, ربما هي غطمة, في منطقة الليث (وهناك ثلاث "عيطمات" أخرى ممكنة في عسير الجغرافية).

3- "تقوع" /تقوع/, على وزن "تفعل" من /قوع/: وقيعة (وقعت بلا تصويت) في وادي أضم. وربما كانت يقعة (يقعت) أو القعوة (قعوت) في رجال ألمع.

4- "بيت صور" /بيت صور/, "بيت" أو "معبد" /صور/: ربما آل زهير في منطقة بلّسمر, لكن المرجّح أن تكون الصّار (صر) أو الصّور (صر) في منطقة الليث, أو الصّور أو الصّوري (صر) في منطقة القنفذة.

5- "سوكو" /سوكو/: المرجح أنها سيكة (سك) في منطقة الطائف. والاحتمالات الأخرى تشمل الساق (سق) والسوقة (سق) في وادي أضم.

6- "عدّلاّم" /عدلم/: الدعالمة (دعلم بلا تصويت) في منطقة الطائف. وهناك معيدل (معدل بلا تصويت) في منطقة أبها.

7- "جتّ" /جت/: غطيط (غطط) في تهامة زهران وأخرى في وادي أضم, أو القطيطة (قطط) في وادي أضم, أو القطيطة (قطط) في منطقة القنفذة.

8- "مريشة" /مرشه/: المشار (مشر) في منطقة بني شهر, أو المشاري (مشر) في منطقة القنفذة, وهذه غير بعيدة عن شمران. وهناك احتمالات أخرى لكنها غير مرجحة جغرافيا.

9- "زيف" /زيف": الصيفا (صيف) في منطقة القنفذة, ويحتمل أيضا أن تكون صيافة (صيف) في منطقة النماص.

10- "أدورايم" /ءدوريم/, تصوت عادة كمثنى /ءدور/: الدارين (مثنى "دار" بالعربية), وهي اسم لثلاث قرى في منطقة الطائف ولقرية في مرتفعات زهران.

11- "لخيش" /لكيش/: بالتأكيد ليست تل دوير الفلسطينية. وترابط المكان مع "جبعون" و "مجدّو" و "حبرون" و "عجلون", التي هي اليوم آل جبعان ومقدي والخربان وعجلان في منطقة القنفذة وجوارها العام, يشير بشكل مميز إلى آل قياس (ءل قيس) أو قياسة (قيس) أو بني قيس (قيس) في الجوار ذاته.

12- "عزيقة" /عزقه/: العزقة في منطقة القنفذة.

13- "صرعة" /صرعه/: بين احتمالات عديدة, الأرجح هي الزرعة في تهامة زهران.

14- "أيّلون" /ءيلون/: إما أليان (ءلين) في منطقة الليث, أو أيلاء (ءيل) في منطقة القنفذة. واسم الأولى هو المطابق تماما للاسم التوراتي.

15- "حبرون" /حبرون/: الخربان (خربن) في منطقة المجاردة.

من الواضح أن مملكتي "إسرائيل" و"يهوذا" كانتا ترتبطان إلى حد ما على الأقل بأرض واحدة, وأنهما ضمتا شعبا واحدا مقسوما في ولائه بين ملوك بيت داود في آل شريم (أي "أورشليم"), وزعماء آخرين من أسر مختلفة تعاقبوا على الحكم في "شكيم" (القاسم؟) و"ترصه" (الزير؟) ثم في "السامرة" أي /شمرون/ (وهي شمران), فانكروا على بيت داود مشروعية حكمهم, كلّ بدوره, وأطلقوا على أنفسهم لقب "ملوك إسرائيل".

وجنبا إلى جنب مع الانقسام السياسي, كان هناك انقسام ديني بين المذهب "اليهودي" الذي تمسّك به ملوك "يهوذا", والبدعة "السامرية" التي نشأت بين أتباع ملوك "إسرائيل".

وقد تطوّرت عبادة الربّ /يهوه/ بين يهود "يهوذا" إلى دين توحيدي مصقول ومنفتح لا يقتصر على شريعة موسى كما وردت في التوراة فحسب, بل يأخذ في الاعتبار أيضا تعاليم الأنبياء المتأخرين (ال /نبي ءيم/) الذين نشطوا في ظلّ مملكة "يهوذا". وقد شهد النفوذ الديني لهؤلاء الأنبياء مقاومة من قبل ملوك "إسرائيل" وأتباعهم, الذين يبدو أن مفهومهم لعبادة /يهوه/ بقي قبليا, ومن هنا جاء استعدادهم للقبول بألوهية آلهة القبائل والشعوب الأخرى التي عاشوا بينها. وهذا ما تؤكده الأسفار التاريخية من التوراة.

الشايب
11/04/2006, 08:02 AM
إسرائيل والسامرة..4

وليس موضوع البحث الذي نناقشه هنا مسألة كيفية تطور نزعة "إسرائيل" الدينية إلى "سامرية" الأزمنة اللاحقة, ويكفي القول بأن السامريين, كطائفة, استمروا في تسمية أنفسهم /بني يسرءل/, أي "شعب إسرائيل", أو /ه_شمريم/. وهذا الاسم الأخير يؤخذ عادة على أنه يعني "الحرّاس" (بمعنى "اليقظين"), ولكنه يعني عمليا "أهل شمر". والإشارة في الاسم هي إلى أراضي شمران القبلية القديمة في غرب شبه الجزيرة العربية التي ما زالت موجودة باسمها. ويطلق اليهود على السامريين اسم /ه_شمرونيم/, أي أهل /شمرون/ وهي "السامرة" التي كانت ذات يوم عاصمة ملوك "إسرائيل" وقد استمرت في الوجود كقرية شمران في غرب شبه الجزيرة العربية كما سبق.

وعندما انتشرت عبادة /يهوه/, بطريقة أو بأخرى, من غرب شبه الجزيرة العربية إلى فلسطين وغيرها في بلاد الشرق الأدنى, فعلت ذلك بصيغتيها اليهودية والسامرية, خصوصا في فلسطين. وهناك أقام السامريون لأنفسهم "سامرة" جديدة فيما هو اليوم سبسطية, بالقرب من مدينة نابلس الحديثة. وهناك عرّف السامريون هضبتين محليتين بأنهما جبل "جرزيم" /جرزيم/ وجبل "عيبال" /عيبل/ التوراتيين, وقالوا بقدسيتهما. والنصوص التوراتية التي تتحدث عن هذين الجبلين تعطي الانطباع بأنهما كانا شديدي القرب احدهما من الآخر.

ويأتي ذكر جبل "جرزيم" وجبل "عيبال" في يشوع 33:8 بعد الحديث عن فتح الإسرائيليين ل /يريحو/ و /ه_عي/ ("أريحا" التي هي "الرّخية" الحالية في وادي أضم, و"عاي" التي هي اليوم عوياء, وهي (عي) بلا تصويت, في منطقة الطائف, وليس الغيّ في رجال ألمع). أما /بيت ءل/, أو "بيت أيل", المترافقة مع /ه_عي/ في هذا السياق, فهي البطيلة في سراة الزهران, إلى الجنوب من عوياء, وليست البتيلة في رجال ألمع. البطيلة هذه تسيطر على واحد من المعابر الرئيسية للجرف في المنطقة.

واستنادا إلى سفر التثنية 30:11, فإن جبل "جرزيم" وجبل "عيبال" كانا يقعان "عبر ال /يردن/ وراء غروب الشمس". ونزولا من البطيلة على المنحدرات الغربية لبلاد زهران توجد القمتان التوأمان لجبل شدا وهما شدا الأعلى وشدا الأسفل. ولا بدّ أن شدا الأعلى هو "جرزيم" التوراتي, وما زال هذا الاسم موجودا على سفحه في قرية صقران (صقرن, محرفة باستبدال الأحرف عن /جرزيم/, مع تعريب لاحقة الجمع العبرية في الصيغة الحالية للاسم).

أما شدا الأسفل, فلا بدّ أنه جبل "عيبال" التوراتي, وهو اسم غير موجود هناك عمليه, ولكنه ما زال حيا في الجوار الأوسع لتهامة زهران, كما في وادي عليب, وكذلك في قرية العبالة, العبلاء, والعبلة, والقرية والربوة الرملية المسماة البلعلاء /بلعل/ حيث هنالك أيضا قرية تسمى اللعباء (لعب).

ولم يكن لربوة البلعلاء الرملية أن تكون جبل "عيبال" التوراتي لأنها تقع شرق الجرف والطريق وليس غريهما.

واستنادا إلى التثنية 29:11, فان جبل "جرزيم" كان الجبل الذي باركه الإسرائيليون, وجبل "عيبال" هو الجبل الذي لعنه الإسرائيليون. والواقع أن جبل شدا الأعلى هو جبل كثير الخصوبة "يزرع فيه الحنطة والشعير إضافة إلى البّن والموز والخوخ والرمان والتفاح والبرتقال, إلى جانب أشجار العرعر والزيتون والحناء وأنواع الرياحين" (والكلام لعلي بن صالح السلوكي الزهراني). أما جبل شدا الأسفل فهو جبل قاحل "لا يوجد به شيء من نباتات السراة كجبل شدا الأعلى". وفي سفر القضاة 7:9 جاء ذكر جبل "جرزيم" مترافقا مع "شكيم" (شكم). وهذه الأخيرة هي اليوم قرية سقامة (سقم) في وادي سقامة, الذي يجري عند السفح الشرقي لجبل شدا الأعلى. وعلى هذا الجبل نفسه هناك "مذبح حجارة صحيحة لم يرفع أحد عليها حديدا" (يشوع 31:8, قارن مع التثنية 2:27-8).

وهناك مذابح أخرى مماثلة لهذا يمكن العثور عليها في أجزاء أخرى من بلاد زهران, أحداهما ما زال يحمل كتابة منقوشة لم تفك رموزها بعد (قارن مع يشوع 32:8).

وقد نظر أهل عسير واليمن تقليديا إلى المذبح الموجود على جبل شدا الأعلى (أي جبل "جرزيم" التوراتي) كمقام له قدسية خاصة, وهو يسمّى "مصلّى إبراهيم". ويفيد السلوكي الزهراني أن هذا المصلّى الحجري "كان يفد إليه اليمنيون", وأن هؤلاء كانوا "لا يمرون بالقرى بل يتوجّهون إليه ويبقون عند هذا المصلّى أيّاما, ويعودون إلى بلادهم".

وقد توقّفت هذه الزيارات التقليدية لمصلّى شدا الأعلى في العصر الحاضر.

هذا بالنسبة إلى التعرّف إلى "جرزيم" و"عيبال" في تهامة زهران. ومهما كان شأن الهضبتين المقدستين لدى السامريين الفلسطينيين في نابلس, فإنهما بالتأكيد ليستا جبل "جرزيم" وجبل "عيبال" المذكورين في التوراة.

الشايب
11/04/2006, 12:20 PM
ولكن لفت نظري حديثكم عن الهة الجبال ومنها "شدى" حيث يوجد بالمنطقة جبلين ضخمين سفحهما حار وأعلاهما بارد باسم جبل شدا(احدهما الاعلى والآخر الأسفل)
وهناك من الباحثين من تكلم عن كون جبل شدا الأعلى(وهو محمية سعودية الآن لوجود النمر العربي شبه المنقرض فيه) كان يسمى قديما "بجبل قاف" حيث كانت له عند القدماء بمن فيهم الفراعنة مطانة لاتقل عن مكانة مكة عند المسلمين الآن

الشايب
12/04/2006, 12:27 PM
من الشواهد الكثيرة التي ذكرها كتاب الله والتي تثبت أن بني إسرائيل وموسى كانوا في جزيرة العرب، ما ذكره القرآن عن تفسير يوسف عليه الصلاة والسلام، لرؤيا الملك، تقول سورة يوسف: وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ. قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ. َقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ. يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ. قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ. (يوسف: 43-49)
فيوسف فسر الرؤيا على أن البلاد سيمر عليها سبع سنوات من المطر والغيث، وأن عليهم أن يخزنوا ما يستطيعون منه بسنابله، لأنه سيعقب تلك السبع سنوات المطيرة، سبع سنوات شداد، من الشدة، بسبب توقف هطول الأمطار، وبالتالي يمكنهم أكل ما تم تخزينه.
بعد ذلك وفي السنة التالية للسنوات السبع الشداد، سيكون هناك سنة مطيرة، حيث سيأكل الناس مما يزرعونه فيها ويعصرون زيوتهم من شجرها.
وألاض بلاد النيل، مصر الحالية، لا تعتمد على مياه الأمطار، لا في الوقت الحاضر ولا في أوقات الفراعنة. بل تعتمد على جريان النيل.
ولذلك لا ينتظر الناس فيها الغيث لكي يزرعون، وليس لديهم ما يعرف بالزراعات البعلية المشهورة حتى اليوم في جنوب غرب جزيرة العرب، والتي تعتمد على مياه الأمطار، حيث يغرسون بذور الحبوب، مثل الدخن، وإذا ما جاء المطر سقاها فنبتت وأثمرت. وزرع الناس وعصروا زيوتهم/ وإذا احتبس المطر فلا زراعة ولا عصر.
ومن الشواهد أيضاً أن الأرض التي عاش فيها يوسف كانت تعتمد على الرعي وليس على الزراعة، أن يوسف ذهب مع إخوته لرعي الغنم، وأنهم ألقوه في جب، أي بئر ماء، ومورد يرتاده المسافرون والرحل.
أما بلاد النيل فتعتمد زمن الفراعنة على الزراعة وتربية الحيوانات تتم فيها إعتماداً على زراعة الأعلاف، وليس الرعي. ولو كان يوسف يعيش في بلاد النيل لتخلص منه إخوته بطريقة تتوائم مع بيئة بلاد النيل، مثل شد وثاقه في قارب وتركه يجري مع جريان النيل، وليس بإنزاله في بئر، يدل على أن تلك البيئة بيئة بدوية رعوية تتناسب مع بيئة تهامة أو شرق جبال عسير في غرب جزيرة العرب.
َقالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ. قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ. أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ. قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ. فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ. وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ. قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ.(يوسف:10-17)

الشايب
14/04/2006, 09:06 AM
سنّة الأوّلين

تحليل مواقف الناس من الدين وتعليلها

ابن قرناس

منشورات الجمل

وصلتني صفحات من هذا الكتاب, من أحد الزملاء الكرام, عبر الإيميل, تتعلق بموضوع الكتاب الذي أقدمه هنا, ولم استطع الحصول على الكتاب, ولا أملك معلومات عن الكاتب الذي ورد اسمه "كما قدمته", على غلاف الكتاب.

...........................................

... كمشري ومصري في لوحة ميتانية وجدت في شمال غرب العراق وجهت إلى فرعون مصر وفي لوحة آشورية ونص من رأس شمرة في شمال سوريا, كما وردت كلمة مصرم في نص فينيقي يعود إلى أوائل الألفية الأولى قبل الميلاد.

وجاء ذكر مصر عند البابليين, كما ذكرها المعينيون في اليمن.

ولكن مصر المذكورة هنا ليست بالضرورة مصر الحالية, لأن بلاد النيل في الفترة التي كتبت فيها تلك الرسائل لم تسمّى مصر بعد. وتكون مصر الوارد ذكرها هي مصر فرعون موسى التي في جنوب غرب الجزيرة العربية, والتي قد تكون قد توارث حكمها سلسلة من الفراعنة على مدى قرون من الزمن, كان هناك الكثير من التواصل بين العراق وفارس وبين اليمن*.

.....................*

ويكيبيديا الموسوعة الحرة: www.wikipedia.org/wiki (http://www.wikipedia.org/wiki)

.................................................. ...............................

فإذا كان العالم اليهودي الإسرائيلي يقر بأن الواقع والحقيقة والآثار والدراسات أثبتت بأنه لم يكن هناك وجود لليهود في فلسطين في زمن موسى, ولا حتى في زمن سليمان, فإن إبراهيم لم يكن موجودا هناك أيضا, وبالتالي فليس هناك مصلى ولا مسجد لله كان إبراهيم وموسى يصليان فيه.

تعقيب: "في فلسطين". انتهى التعقيب.

وهنا علينا أن نرجع إلى ما يقوله القرآن الكريم وكتاب اليهود المقدس عن موطن إبراهيم عليه الصلاة والسلام الأصلي. وأين ارتحل بعد أن هدده قومه بإحراقه.

.......................

سوف أتابع تقديم هذه الصفحات القليلة تباعا..

الشايب
14/04/2006, 08:34 PM
سنّة الأوّلين..2.

إبراهيم في القرآن

يذكر القرآن في عدد من السور, كيف اهتدى إبراهيم لوجود الخالق وآمن به, قبل أن يأتيه الوحي ويطلب من قومه هجر عبادة الأصنام التي قام بتكسيرها في محاولة لإثبات أنها جماد لا تستطيع دفع الضرر عن نفسها فكيف يرجى أن تنفع غيرها: وتالله لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين. فجعلهم جذاذا الاّ كبيرا لهم لعلّهم اليه يرجعون (الأنبياء: 57_58).

فعقدوا العزم على حرقه بالنار: قالوا حّرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين. قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم. وارادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين (الأنبياء: 68_70).

وقبل أن ينفذ القوم حرق إبراهيم, طلب منه والده الرحيل وترك العشيرة وشأنها, وهو ما يتضمنه معنى "واهجرني مليّا" في قوله تعالى: قال اراغب انت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنّك واهجرني مليّا (مريم: 46).

فقام إبراهيم بتنفيذ رغبة والده ونجا من مكائد قومه: قال سلام عليك سأستغفر لك ربي انّه كان بي حفيّا. واعتزلكم وما تدعون من دون الله وادعو ربّي عسى الاّ أكون بدعاء ربّي شقيّا, (مريم: 47_48).

وخرج إبراهيم ومن آمن معه ومن بينهم لوط من أرض عشيرتهم: فآمن له لوط وقال انىّ مهاجر إلى ربّي انّه هو العزيز الحكيم (العنكبوت: 26).

وذهاب إبراهيم إلى ربه لا يعني أنه سيصعد إلى السماء, ولكنه يعني الذهاب إلى مكان يعتبر بيتا للرب جلّ وعلا, وهو ما ذهب إليه إبراهيم ولوط ومن خرج معهم: ونجّيناه ولوطا الى الارض التّي باركنا فيها للعالمين(الأنبياء: 71).

والأرض التي بارك الله فيها للعالمين المذكورة في القرآن هي التي فيها بيته الحرام: انّ اوّل بيت وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركا وهدى للعالمين (آل عمران: 96 ).

فإذا كانت أورشليم لم تظهر للوجود في فلسطين بعد, إضافة إلى أن أول بيت وضع للناس وباركه الله للعالمين هو في مكة, أفلا يعني أن الأرض التي بارك الله فيها لكل الناس والتي قصدها إبراهيم وبرفقته لوط ومن آمن معهم, هي مكة, والتي لا بد أنها قريبة لموطن إبراهيم الأصلي؟

ويكون إبراهيم خرج من قومه القاطنين أصلا في شبه الجزيرة العربية وفي غربها تحديدا, إلى مكة التي تقع قريبة من تلك المنطقة والمعروفة لديهم, لسبب وجيه هو الهرب بدينهم خوف الفتنة وخوف الاضطهاد والحرق بالنار الذي توعدهم به قومهم.

ولو كان إبراهيم في العراق كما يقول التراث اليهودي الذي سنأتي عليه لاحقا, فبإمكانه الهرب من عشيرته إلى مكان آخر في العراق الخصيب, ولن يحتاج إلى قطع مئات الكيلومترات عبر الصحارى القاحلة من العراق إلى فلسطين, التي لم يكن فيها بيت لله ولا مكان مقدس في ذلك الوقت.

وعندما وصل إبراهيم إلى مكة, اهتدى إلى مكان البيت العتيق, يقول تعالى: وإذ بوّانا لإبراهيم مكان البيت ان لا تشرك بي شيئا وطهّر بيتي للطّائفين والقائمين والرّكّع السّجود (الحج: 26).

الذي يبدون أنه قد استخدم لعبادة الأوثان, وهو ما تشير إليه الآية بالقول: وطهّر بيتي للطّائفين والقائمين والرّكّع السّجود (الحج: 26).

كما يكون قد لحقه الخراب ولذلك قام إبراهيم بعد سنوات وبعد أن ولد ابنه إسماعيل وبعد أن أصبح في سن تمكنه من معاونة والده بترميمه وإعادة بناءه: واذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وسماعيل ربّنا تقبّل منّا انّك انت السّميع العليم (البقرة: 127).

وقد أصبح لإبراهيم مقام يصلي فيه عرف باسمه من كثرة تواجده: فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غنّي عن العالمين (آل عمران: 97).

وهو ما يعني إن إبراهيم كان يقطن قريبا من مكة.

وفي إحدى المرات التي تواجد فيها إبراهيم في الحرم مع ابنه إسماعيل, حدث ما عرف بالرؤيا وكبش الفداء: فلمّا بلغ معه السّعي قال يا بنّي اني ارى في المنام انّى اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصّابرين. فلمّا اسلما وتلّه للجبين. وناديناه ان يا إبراهيم. قد صدّقت الرّؤيا انّا كذلك نجزي المحسنين. انّ هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم. وتركنا عليه في الآخرين (الصافات: 102_108).

ويبدو أن الحادثة وقعت في موسم الحج فأصبحت الأضحية عيدا متبعا كما تقول الآية "وتركنا عليه في الآخرين". أي ذكرى متبعة في الأجيال اللاحقة, والتي لا زال المسلمون يحيون ذكراها بذبح الكبش كما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام. ولولا أن اليهود الذين يعملون بالتقويم القمري, مثل المسلمين, يزيدون شهرا كل ثلاث سنوات, لتوافق عيد الفصح مع عيد الأضحى لدى المسلمين الذي هو اليوم نفسه الذي حدث فيه فداء إسماعيل.

...................................هام جدا.............

والقرآن لم يأتي على ذكر هاجر ولا بئر زمزم ولا قصة تسكين هاجر وإسماعيل بعيدا عن سارة. وكل ما جاء في تراث المسلمين حول هذه المواضيع مبني على أقوال المؤرخين الذين استمدوا معلوماتهم من كتب اليهود.

قارن مع ما جاء في كتاب الكامل في التاريخ أو سيرة ابن هشام تحت عنوان ولادة إسماعيل عليه السلام مع الإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين لملاحظة الاقتباس الحرفي. وقد جاء في ذلك الإصحاح أن سارة, التي كانت قد طلبت من إبراهيم التسري بهاجر جاريتها عله يرزق بطفل, وقد عادت بعد أن رزقت هي بولدها إسحاق وطلبت من إبراهيم أن يطرد هاجر وولدها إسماعيل: فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها, لأن أبن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق. (الإصحاح الحادي والعشرون, سفر التكوين).

فبكر إبراهيم صباحا واخذ خبزا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر واضعا إياهما على كتفها والولد وصرفهما. فمضت وتاهت في برية بئر سبع (التكوين: الإصحاح الحادي والعشرون: 10). فإبراهيم لم يصحبها لمكان يبعد مسيرة شهر, ولم يؤمنها بمؤونة تكفي لسفر طويل, وكل ما أعطاها قليل من الزاد وقربة ماء. ويكمل النص اليهودي القصة بأن هاجر قد اهتدت إلى بئر ماء في الصحراء وأنها سكنت في تلك البرية التي تسمى فاران مع ابنها حتى كبر وتزوج بفتاة ممن كان يعرف بمصرايم.

....................................هام جدا جدا..........

وقد اختار المؤرخون المسلمون أن يحوروا في القصة قليلا, وهذا النص الذي أوردوه: وعندما أخرجتها (أي هاجر) سارة غيرة منها, وهو الصحيح. وقالت سارة: لا تساكنني في بلد. فأوحى الله لإبراهيم أن يأتي مكة وليس بها يومئذ نبت, فجاء إبراهيم بإسماعيل وأمه هاجر فوضعهما بمكة بموضع زمزم, فلما مضى نادته هاجر: يا إبراهيم من أمرك أن تتركنا بأرض ليس فيها زرع ولا ضرع ولا ماء ولا زاد ولا أنيس؟ قال: ربي أمرني. فقالت: فانه لن يضيعنا. فلما ولى قال: "ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم. ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم".

الشايب
15/04/2006, 07:57 AM
وبطبيعة الحال لا يمكن أن يأمر الله بترك طفل رضيع وأمه المسكينة وحيدين في أرض غريبة وبعيدة وموحشة فقط ليرضي رغبات إنسان آخر (سارة).

وحتى لو أصابت الغيرة سارة وأراد إبراهيم أن يطاوعها في إبعاد ابنه من جاريته, فلماذا أبعدها الآف الكيلومترات في زمن يستغرق فيه السفر إلى ذلك المكان أسابيع طويلة عبر صحراء مهلكة يصفها ابن بطوطة أن داخلها مفقود وخارجها مولود. (قال ذلك عندما خرج من معان متوجها إلى الحجاز).

بدل أن يسكنها في طرف البلدة التي يعيش فيها أو في بلدة أخرى في المنطقة التي يتحدث أهلها اللغة نفسها ولديهم التقاليد نفسها والطعام نفسه.

ولذلك أقحم مؤرخو المسلمين في القصة أن الله قد اختار المكان لإبراهيم, حتى تنتفي تساؤلاتنا السابقة.

فإبراهيم لم يكن في فلسطين ولم يرحّل هاجر وابنه إسماعيل بعيدا, ولم تحفر زمزم بأجنحة ملائكة لإطفاء ظمأ طفل رضيع تركه والده في فلاة قاحلة لكسب رضا زوجته الغيور, وإلا لاتهم إبراهيم بالقسوة والظلم. كما أن السعي ركن من أركان الحج فرضه الله كما الطواف وركعات الصلاة وسجودها. وليس تقليدا لهرولة أم تبحث عن الماء لإطفاء ظمأ رضيعها, كما تقول كتب المسلمين الإخبارية, وإلا لاتخذ السعي مسارا متعرجا وفي كل الاتجاهات بدلا من مسار واحد, لأن البحث عن الماء في أكثر من اتجاه يضاعف الفرصة في الحصول عليه, بدل تكرار الهرولة سبع مرات بين مكانين سبق التأكد من خلوهما من الماء: انّ الصّفا والمروة من شعائر الله فمن حجّ البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطّوّف بهما ومن تطوّع خيرا فانّ الله شاكر عليم (البقرة: 158).

فالسعي بين الصفا والمروة ذهابا باتجاه ومسار, وإيابا باتجاه معاكس ومسار محاذي للمسار الأول, من شعائر الله التي فرضها على الناس مثل الطواف والوقوف بعرفات والمبيت بمنى منذ بني البيت وفرض الحج قبل زمن هاجر وسارة.

ولا ينفي هذا أن تكون سارة قد طلبت من إبراهيم أن تنفي هاجر (إذا كان هذا فعلا اسمها) وابنها إسماعيل عن ناظريها, لأنها تصرفت كامرأة أحست بالغيرة مثل غيرها من النساء, وأن إبراهيم نقل الجارية وابنها إلى مكان يبعد عن سكن العائلة ولكنه في نفس المنطقة كما روته الكتب اليهودية التي أخذ منها المسلمون أصل القصة.

المهم أن إبراهيم قد استقر به المقام في مكان قريب من مكة بعد ترحاله الذي تلى خروجه من بلده الأصلي هربا من عشيرته الكافرة, وبعد سنوات رزق بأولاد, والبداية كانت بإسماعيل, الذي يعني اسمه, سمع الله, لأن الله قد استجاب لدعاء إبراهيم بأن يرزق بذرية, وهو الذبيح, والذي فداه الله بكبش, ثم رزق الله إبراهيم بولد أخر كمكافأة له على عزمه على التضحية بابنه الوحيد, وهذا ما تظهره الآيات التالية: فبشّرناه بغلام حليم. فلمّا بلغ معه السّعي. قال يا بنيّ انّى ارى في المنام انّى اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصّابرين. فلمّا اسلما وتلّه للجبين. وناديناه ان يا إبراهيم. قد صدقت الرّؤيا انّا كذلك نجزي المحسنين. انّ هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم. وتركنا عليه في الآخرين. سلام على إبراهيم. وكذلك نجزي المحسنين.انّه من عبادنا المؤمنين.

وبشّرناه باسحق نبيا من الصّالحين. (الصافات: 101_112).

وإسحاق, أو يتسحق بالعبرية, من الضحك, لأن سارة عندما سمعت رسل الله الذين استضافهم إبراهيم يبشرونه بأنها ستلد له ولدا ضحكت لكونها عجوز متقدمة في السن ولا تصدق بأنها ستحبل: وامراته قائمة فضحكت فبشّرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب (هود: 71).

وبعدما طال بإبراهيم المقام في ذلك المكان القريب من مكة وأصبح موطنا له, دعا ربه قائلا: ربّنا انّى اسكنت من ذرّيّتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربّنا ليقيموا الصّلاة فاجعل افئدة من النّاس تهوى اليهم وارزقهم من الثّمرات لعلّهم يشكرون (إبراهيم:37).

ولا تتحدث الآية عن إبراهيم عندما ترك إسماعيل وأمه هاجر في مكة وعاد لفلسطين, كما أورد المفسرون, لأن الآية تقول: "اسكنت من ذرّيّتي" وتقول " ليقيموا الصّلاة فاجعل افئدة من النّاس تهوى اليهم وارزقهم من الثّمرات لعلّهم يشكرون" فهم من ذرية إبراهيم أي جمع من الأولاد, وهو ما تؤكده الآية بترديد الضمير العائد على الجمع (ليقيموا .. تهوي اليهم .. وارزقهم .. ويشكرون), ولو كان المعنى إسماعيل وأمه لقال إبراهيم بأنه ترك ابنه وأمه, ولجاء الحديث بضمير المثنى.

وعندما قال إبراهيم دعاءه السابق كان قد تقدمت به السن ورزق بولديه إسماعيل ثم إسحاق, وهو ما تؤكده الآيات التي تلت الآية السابقة: ربّنا انّك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الارض ولا في السّماء, الحمد لله الّذي وهب لي على الكبر إسماعيل واسحق انّ ربّي سميع الدعاء. ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذرّيّتي ربّنا وتقبّل الدعاء. (إبراهيم: 38_40).

أما لماذا سكن إبراهيم بقرب مكة ولم يسكن في مكة نفسها وبجوار بيت الله, فقد نجد الإجابة في ما فعله محمد (ص), فقد أبعدته قريش عن مكة فهاجر للمدينة وبقي فيها ثماني سنوات قبل أن يتمكن من فتح مكة. وبعد الفتح لم يعد محمد (ص) للعيش في مكة على الرغم من أنها موطنه الأصلي ومسقط رأسه, إضافة إلى أن فيها بيت الله الحرام, وقفل راجعا إلى المدينة وبقي فيها لثلاث سنوات أخرى قبل أن يتوفاه الله.

فإذا كان خليل الله لم يسكن في مكة بل في منطقة قريبة منها, على الرغم من أن الله كلفه بإعادة بناء وترميم البيت وتطهيره, وعل الرغم من أنه كان متواجدا فيه بصورة شبه دائمة للتعبد, ولم يسكن محمد (ص) في مكة, على الرغم من أنه كان يستطيع ذلك بعد الفتح, لأنها بلده الأصلي, ولمجاورة بيت الله! أفلا يعني هذا أن مكة ليست مكانا للسكن, ولكن مكان للعبادة والحج والعمرة, لأنها لو سكنت فستزحف المباني على المشاعر وستحيط بالحرم الذي يتسع حسب حاجة المسلمين. وحتى لا تتحول مدينة بيت الله إلى سوق تنافس عقاري كما هو الحال الآن حيث تقف أسعار الأراضي والعقارات في المستوى الأول عالميا: واذا بوّانا لابراهيم مكان البيت ان لا تشرك بي شيئا وطهّر بيتي للطّائفين والقائمين والرّكّع السّجود. واذّن في النّاس بالحجّ ياتوك رجالا وعلى كلّ ضامر ياتين من كلّ فجّ عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في ايّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير. ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق (الحج: 26_29).

ولهذا وجدت مكة ولهذا يجب أن تبقى.

هذا ما يقوله القرآن عن إبراهيم, والمتدبر للآيات التي جاء فيها ذكر سليمان والهدهد, سيجد أن مملكة سليمان لا بد أنها كانت مجاورة لمملكة سبأ, التي لا يختلف اثنان أنها كانت في جنوب غرب جزيرة العرب, ولذلك استطاع الهدهد أن يطير اليها ويغدو في اليوم نفسه. ولو كان سليمان في فلسطين لما استطاع الهدهد ...

وانتهت الصفحات المعدودات, التي تكرّم بها أخ فاضل.

الشايب
15/04/2006, 12:35 PM
من الشواهد الكثيرة التي ذكرها كتاب الله والتي تثبت أن بني إسرائيل وموسى كانوا في جزيرة العرب، ما ذكره القرآن عن تفسير يوسف عليه الصلاة والسلام، لرؤيا الملك، تقول سورة يوسف: وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ. قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ. َقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ. يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ. قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ. (يوسف: 43-49)
فيوسف فسر الرؤيا على أن البلاد سيمر عليها سبع سنوات من المطر والغيث، وأن عليهم أن يخزنوا ما يستطيعون منه بسنابله، لأنه سيعقب تلك السبع سنوات المطيرة، سبع سنوات شداد، من الشدة، بسبب توقف هطول الأمطار، وبالتالي يمكنهم أكل ما تم تخزينه.
بعد ذلك وفي السنة التالية للسنوات السبع الشداد، سيكون هناك سنة مطيرة، حيث سيأكل الناس مما يزرعونه فيها ويعصرون زيوتهم من شجرها.
وألاض بلاد النيل، مصر الحالية، لا تعتمد على مياه الأمطار، لا في الوقت الحاضر ولا في أوقات الفراعنة. بل تعتمد على جريان النيل.
ولذلك لا ينتظر الناس فيها الغيث لكي يزرعون، وليس لديهم ما يعرف بالزراعات البعلية المشهورة حتى اليوم في جنوب غرب جزيرة العرب، والتي تعتمد على مياه الأمطار، حيث يغرسون بذور الحبوب، مثل الدخن، وإذا ما جاء المطر سقاها فنبتت وأثمرت. وزرع الناس وعصروا زيوتهم/ وإذا احتبس المطر فلا زراعة ولا عصر.
ومن الشواهد أيضاً أن الأرض التي عاش فيها يوسف كانت تعتمد على الرعي وليس على الزراعة، أن يوسف ذهب مع إخوته لرعي الغنم، وأنهم ألقوه في جب، أي بئر ماء، ومورد يرتاده المسافرون والرحل.
أما بلاد النيل فتعتمد زمن الفراعنة على الزراعة وتربية الحيوانات تتم فيها إعتماداً على زراعة الأعلاف، وليس الرعي. ولو كان يوسف يعيش في بلاد النيل لتخلص منه إخوته بطريقة تتوائم مع بيئة بلاد النيل، مثل شد وثاقه في قارب وتركه يجري مع جريان النيل، وليس بإنزاله في بئر، يدل على أن تلك البيئة بيئة بدوية رعوية تتناسب مع بيئة تهامة أو شرق جبال عسير في غرب جزيرة العرب.
َقالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ. قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ. أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ. قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ. فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ. وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ. قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ.(يوسف:10-17)

اضافة تكرّم بها أحد الزملاء في غير منتدى

ارغب في أن أضيف حوارا في غير منتدى حول الموضوع ..

لدي ملاحظات صغيرة بالنسبة للسيدMR_911..حيث تحدث حول آيات "الرؤيا" وأن المراد بالغيث المطر..
1-والحقيقة أن الغيث قد يكون من معانيه زيادة المد لنهر النيل...
وهناك معاني كثيرة للغيث والإغاثة..وليست محصورة في المطر
2- أما بالنسبة لما أوردة عن حادثة رمي يوسف بالبئر وأن الرعي ليس من الحرف المصرية المعتاده...فهذه مبالغة حيث أن حرفة الرعي موجودة بمصر الى اليوم......
علما أن حادثة رمي يوسف بالجب تمت قبل دخـــــول مصر...ولتعلمو أن الآبار بالمنطقة الجنوبية غالبا صخرية وليست رملية..أي يمكن للفتيان النزول لأسفل البئر والصعود بسهولة ودون الاستعانة بحبال..وهذا يعني ان يوسف لم يرمى ببئر صخري"كآبارعسير" بل بئر محفور بتربة رملية"كآبار الأردن" يصعب بل يستحيل الخروج منه

وبالنسبة للأستاذ الشايب:
1- نعم كانت تقام بالمنطقة والى وقت قريب طقوس و"عرضات=أي رقصات وأهازيج شعبية"..عند القيام بعمليات ختان علنية لذكور تجاوزو ربما فترة الطفولة..
2- لكن الغريب أن نفس الأسباب التي تجعلكم تقولون باستحالة قدوم التوراة من فلسطين..تجعلنا نقول باستحالة قدومها من عســــــير..
ومن أهم الأسباب:
أولا-عدم وجود لقى أثرية من تلك الأزمنة بالمنطقة..سواءا لحضارة اسرائيلية أو غيرها..
ثانيا- عدم وجود مبان تاريخية قد توحي بوجود حضارة كبيرة وغنية (كحضارة بني اسرائيل)..فكل المباني الأثرية الموجودة توحي بالبساطة ..كما أن طرق البناء المتوارثة لاتوحي بفن عمارة عريق يليق بمملكة ثرية بها ملوك وأثرياء ..
ثالثا- أن مجرد تشابه الأسماء ليس دليلا كافيا..لأن الأسماء تتكرر بكل منطقة (المشرق العربي)..وخاصة فلسطين
رابعا-أن كل ما توردونه من أسماء لقرى وأنهار هي في الحقيقة اصغر من أن تليق بالسمعة الأسطورية لمملكة بني اسرائيل
..أرجو أن أجد لديكم إجابات شافية..خاصة أني سبق وقرأت هذا الكتاب وأنا في السابعة عشرة بلندن سنة 91 ومازلت مهتما بمافيه

الشايب
15/04/2006, 12:45 PM
أخي أبو يعرب المحمدي
أهلاً بك
1- تقول: والحقيقة أن الغيث قد يكون من معانيه زيادة المد لنهر النيل...
والحقيقة أني أجهدت في البحث علني أجد أن من معاني الغيث زيادة المد لنهر النيل (الذي يسمى باللغة الفيضان) ولم أفلح.
ولكني وجدت أن الغيث لا يعني إلا المطر الهاطل من السماء:
يقول ابن منظور صاحب لسان العرب تحت كلمة غيث " الغَيْثُ: الـمطر والكَلأُ؛ وقـيل: الأَصلُ الـمطر، ثم سُمِّي ما يَنْبُتُ به غَيْثاً "
ويقول: " وغاثَ الغَيْثُ الأَرضَ: أَصابَها، ويقال: غاثَهم اللَّهُ، وأَصابَهم غَيْثٌ، وغاث اللَّهُ البلادَ يَغِيثُها غَيْثاً إِذا أَنزل بها الغَيْثَ؛ ومنه الـحديث: فادْعُ الله يَغِيثُنا، بفتـح الـياء. وغِيثَتِ الأَرضُ، تُغاثُ غَيْثاً، فهي مَغِيثةٌ، ومَغْيُوثة: أَصابها الغَيْثُ. وغِيثَ القومُ: أَصابَهم الغَيْثُ.
ويقول أيضاً: وطَبَّقَ الغيثُ الأَرضَ: ملأَها وعمّها.
ويقال: تَعَجَّسَتِ الأَرضَ غُيُوثٌ إِذا أَصابها غَيْثٌ بعد غَيثٍ فتثاقل علـيها.
وفي لسان العرب أيضاً: وأَرض فَـيْزَلةٌ: سريعةُ السيل إِذا أَصابها الغيث.
ويقول ابن منظور في تعريف المصفحات: " الـمُصَفَّحاتُ السيوف لأَنها صُفِّحَتْ حين طُبِعَتْ، وتَصْفِـيحها تعريضها ومَطُّها؛ ويروى بكسر الفاء، كأَنه شبَّه تَكَشُّفَ الغيث إِذا لَـمَعَ منه البَرْق فانفرج."
وفـي الـحديث فـي صفة الغيث: أَرض مُقْبَلة وأَرض مُدْبَرة أَي وقع الـمطر فـيها خِطَطاً ولـم يكن عامًّا.
ومَواقِعُ الغيثِ: مَساقِطُه.
وفـي حديث أَبـي موسى عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ مَثَل ما بعَثنـي الله به من الهدَى والعِلْـمِ كمثلِ غيثٍ أَصاب أَرضاً،... إلى آخره.
وفي الدعاء يقال: اللهم اسْقِنا غَيْثاً مُغيثاً طَبَقاً أَي مالِئاً للأَرض مغطياً لها. يقال: غيث طَبَقٌ أَي عامٌّ واسع.
وفي الشعر:
يقول الشاعر
وما زِلْتُ مثلَ الغَيْثِ، يُرْكَبُ مَرَّةً فـيُعْلـى، ويُولَـى مَرَّةً، فـيُثِـيبُ
ويقول آخر:
متـى كان الـخِيامُ بذي طُلُوحٍ سُقـيتِ الغَيْثَ، أَيتها الـخِيامُ
ونَصر الغيثُ الأَرض نَصْراً: غاثَها وسقاها وأَنبتها؛ قال الشاعر:
من كان أَخطاه الربـيعُ فإِنما نصر الـحِجاز بِغَيْثِ عبدِ الواحِدِ
ونضيف لما أورده ابن منظور بعضاً مما جاء في كتاب الكامل في اللغة لابن المبرد، حيث يقول:
قال الشَّمَّاخُ:
تَعِنُّ لَهُ بمِذْنَبِ كُلِّ وَادٍ إذَا مَا الغَيْثُ أَخْضَلَ كُلَّ رِيعِ
وفي فصل تولية المهلب لمحاربة الخوارج ذكر ابن المبرد أن رجلاً من بني تميمٍ، مدح المهلب بشعر جاء فيه:
سَقَى الله المهلَّبَ كلَّ غَيْثٍ من الوَسْميِّ يَنْتَحِرُ انتحارَا
فما وهَن المهلَّبُ يومَ جاءتْ عَوابسُ خَيْلهِمِ تبْغي الغِوَارَا
وفي فصل آراء الفقهاء في مذهب الخوارج، ذكر ابن المبرد أن سليمانُ بن عبد الملكِ سمع رجلاً من الأعراب في سَنَةٍ جدبةٍ يقولُ:
رَبَّ العِبادِ مَا لَنا ومَالَكَا قد كنتَ تسْقينَا فما بَدَا لكَا
أنْزل علينا الغيثَ لا أَبالكَا

وبقول الحق سبحانه وتعالى آيات دالة قطعاً على أن الغيث يعني المطر النازل على الأرض من السماء:
وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً [الكهف : 29]
إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان : 34]
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى : 28]
فإن كان لدى الأخ أبو يعرب المحمدي أدلة على أن الفيضان يعني الغيث قصر علمي عنها فليزودني والقراء بها مشكوراً.

2- يقول الأخ أبو يعرب" وأن الرعي ليس من الحرف المصرية المعتاده...فهذه مبالغة حيث أن حرفة الرعي موجودة بمصر الى اليوم...... "
فأقول له أرجوا مراجعة ما كتب، لأن بلاد النيل تربي الحيوانات إعتماداً على الأعلاف المزروعة وليس على الترحال خلف الكلاء الذي يعقب المطر، كما يحدث في تهامة عسير واليمن أو في شرق جبال عسير، حيث يرتحل الرعاة مسافاة طويلة، بعيداً عن مساكنهم. وهنا من الأفضل أن نشير إلى أن قبائل جنوب غرب الجزيرة العربية، على الأقل فيما يعرف اليوم بالمملكة العربية السعودية، تسيطر على شرائح متوازية من الآرض تمتد من البحر الأحمر غرباً مروراً بالمناطق الجبيلة المطيرة وإنتهاءً بالبراري الجافة شرقاً. بحيث يكون يتوزع الناس المنتومون إلى قبيلة معينة إلى ثلاث فئات مختلفة بالنسبة لطرق المعيشة، وإن كانوا ينتسبون لنفس القبيلة. فهناك أناس يعيشون قرب سواحل البحر الأحمر حيث تسمى المنطقة بتهامة، وأهلها كانوا في الأصل رحل يعتمدون الرعي وجمع الثمار وصيد السمك، ويسمون بالتهم، نسبة لتهامة، ثم تأتي إلى الشرق من ذلك منطقة الجبال حيث يعتمد السكان على المطر كلياً لزراعة مستقرة، وتربية الحيوانات بالأعلاف المزروعة، ثم يستمر الإمتداد شرقاً حيث تتحول الأرض إلى شحيحة في المطر ويكون الناس فيها بدو رحل يعتمدون على سقي حيواناتهم على الآبار. وكل الثلاث فئات بأنماطهم المعيشية المختلفة أبناء قبيلة واحدة.
ويوسف عاش في المنطقة البدوية حيث الابار التي يسقي منها الناس الرحل والرعاة حيواناتهم، وهذه شهادة القرآن في ذلك: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [يوسف : 100]
فيعقوب والد يوسف كان يعيش في تلك المنطقة البدوية، بينما كان يوسف يعيش في مصر تلك البلدة الزراعية المستقرة، إلى الغرب من المناطق البدوية.
والبئر التي أنزل فيها يوسف كانت من النوع الذي يسهل النزول فيه لشاب ولكن يوسف كان من الصغر بحيث لم يكن يدري مالذي يحاك ضده من إخوته، وبالتالي فهو أصغر من أن يتسلق البئر الصخرية بمفرده.

وعندما تسامع الناس بصدور كتاب التوراة جاءت من حزيرة العرب هوجم الكتاب من جميع الطوائف حتى من اليهود، وهاجمه أناس حتى قبل أن يقرأوه كما ذكر المؤلف في مقدمته. وكان لبعض أبناء منطقة جنوب غرب الجزيرة نصيب في الهجوم، ومما صدر في ذلك ردود مكتوبة على شكل كتيبات منها واحد صدر من نادي أقبها الأدبي، أحتفظ فيه عندي، وكان الدافع للرد هو توجسهم من أن إثبات أن قوم موسى كانوا هناك، يعني أن يهود هذا الزمن سيرحلون من فلسطين ويحتلون بلادهم. وبطبيعة الحال فوجود إسرائيل في فلسطين ليس لأن الله أعطاها إياهم بل لأنهم إمتداد للحروب الصليبية على القدس.
وإلا فالقرآن الكريم يبين لكل من يقرأوه بعين متبصرة متدبرة أنه ليس لليهود عند الله عهد بأرض تكون لهم حتى قيام الساعة، ولكن الله سبحانه وتعالى أبلغهم بعد خروجهم من " مصر" أن هناك قرية يمكن أن تكون وطناً بديلاً لهم، وأن عليهم إن هم أرادوا الحصول عليها أن يخرجوا أهلها الجبارين منها، ولكنهم لم يفعلوا مع أن الله قد وعدهم بالنصر، ولكن اليهود أرادوا من الله أن يفعل ذلك بالنيابة عنهم، وأن يخرج من فيها، فإن فعل فسيدخلوها، يقول تعالى في سورة المائدة:
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23) قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)
ولم يستجب لنداء القتال إلا موسى وهارون: قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)
فحرم الله بني إسرائيل منها، بل وكتب عليهم التيه عقوبة لهم على موقفهم ذاك: قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)
وبناء على كلام رب العالمين فليس لليهود بعد موسى أي وعد عند الله.
وأختم كلامي بالإعتذار عن الإطالة. وشاكراً الأخ الشايب على عرضه لكتاب التوراة جاءت من جزيرة العرب بهذا الشكل الرائع.

الشايب
15/04/2006, 12:47 PM
السيدين الفاضلين الشايب وmr_911 شكرا لكما لهذا الموضوع القيم ولإهتمامكما الكبير بإتمامه..والإجابة على الملاحظات التي نضعها..وإن كنت لا أزال أنتظر من السيد الشايب الإجابة على ملاحظاتي الصغيرة ولكنها برأيي مهمه

أما السيد الكريمmr_911..فقد تبحر في وصف المعنى المعجمي الحرفي لكلمة غيث...وقد كان يكفيه القول أن المعنى الأول والأقرب لكلمة غيث هي المطر..لكنه طبعا ليس المعنى الحصري...وإن كان هذا لن يغير شيئا في الموضوع..فزيادة نهر النيل ناتج عن المطر(أو الغيث) على جبال الحبشة ..ولكنه غيث لأهل مصر بالنتيجة..خاصة أن الآية تتحدث عن ((عام فيه يغاث الناس))..ولم تتحدث بشكل واضح عن((إنزال الغيث على مصر))
فاللآية تتكلم عن الغيث الذي يقع للناس وليس لأرض مصر

أما بالنسبة لحادثة رمي يوسف بالجب..فقد تمت قبل دخوله وأهله لمصر..بل تمت بالبادية ...ولهذا فلا معنى للحديث عن أن سكان مصر لايرعون الغنم بل يربونها على العلف..لأن أهل يوسف لم يكونو مصريين ..والحادثة تمت قبل دخول مصر..
علما أن صبيا صحيحا في حدود الثانية عشرة يستطيع النزول لأسفل أي بئر من آبار المنطقة مهما كان عميقا ثم الصعود بسهولة..إعتمادا على الجدران المبنية بأحجار يتخللها فراغات..

أما بالنسبة للذين ينزعجون من محتوى الكتاب..فهذا شأنهم لكن الكتاب يبقى كتابا قيما يستحق الدرس بموضوعية وتجرد
........................................

وبالنسبة للأستاذ الشايب:
1- نعم كانت تقام بالمنطقة والى وقت قريب طقوس و"عرضات=أي رقصات وأهازيج شعبية"..عند القيام بعمليات ختان علنية لذكور تجاوزو ربما فترة الطفولة..
2- لكن الغريب أن نفس الأسباب التي تجعلكم تقولون باستحالة قدوم التوراة من فلسطين..تجعلنا نقول باستحالة قدومها من عســــــير..
ومن أهم الأسباب:
أولا-عدم وجود لقى أثرية من تلك الأزمنة بالمنطقة..سواءا لحضارة اسرائيلية أو غيرها..
ثانيا- عدم وجود مبان تاريخية قد توحي بوجود حضارة كبيرة وغنية (كحضارة بني اسرائيل)..فكل المباني الأثرية الموجودة توحي بالبساطة ..كما أن طرق البناء المتوارثة لاتوحي بفن عمارة عريق يليق بمملكة ثرية بها ملوك وأثرياء ..
ثالثا- أن مجرد تشابه الأسماء ليس دليلا كافيا..لأن الأسماء تتكرر بكل منطقة (المشرق العربي)..وخاصة فلسطين
رابعا-أن كل ما توردونه من أسماء لقرى وأنهار هي في الحقيقة اصغر من أن تليق بالسمعة الأسطورية لمملكة بني إسرائيل
.............................................
الأخ أبو يعرب..
آسف للتأخير..
في نقطة عدم وجود لقى أثرية في بلاد عسير.
هنا يجب الانتباه إلى نقطة هامة, لقد نقّب علماء الآثار التوراتيون كل شبر في فلسطين, وكما ذكر في أحد الفصول السابقة, تمّ العثور على لقى قليلة في فلسطين وقام الاثاريون اليهود "بتزوير ترجمتها" كما بين الدكتور الصليبي, في حين أن الكاتب يشير إلى نقاط جغرافية محددة في غرب شبه الجزيرة العربية, وقرى لا تزال قائمة في مناطقها نفسها, كما سيأتي لاحقا, وكل ما يطلبه, ونطلبه جميعا الآن, أن تقوم مديرية الآثار بالعربية السعودية أو الجامعات السعودية, او جامعة الدول العربية, بالتنقيب في أماكن محددة بعينها, لحسم موضوع هذه النظرية بصورة نهائية قبل أن ننطلق في اتجاهين لا ثالث لهما:
1- أو أن هذه النظرية صحيحة ونحن بحاجة إلى إعادة النظر بتاريخ المنطقة وأديانها ولغاتها, وطبعا هذا ينفي أن تكون التوراة وجغرافيتها في فلسطين.
2- أو أن هذه النظرية خاطئة, وبحجة عدم وجود أثار في المناطق الجغرافية المفترضة في بلاد عسير, وطبعا هذا ينفي أيضا أن جغرافية التوراة لم تكن في "كلا" من عسير أو فلسطين وعلينا أن نبحث عن مكان "ثالث".
إذا لم تكن عسير هي بلاد التوراة الأصلية, فلا يمكن أن تكون فلسطين أيضا هي تلك البلاد, لنفس الأسباب.
في نقطة عدم وجود مباني أثرية..
أيضا يجب أن ننتظر التنقيب العلمي الدقيق, ولكن هناك نقطة رئيسية في أن "القرآن الكريم" لا يصف ملوك إسرائيل بالغنى الفاحش وحضارة إسرائيل ومبانيها "بالعظيمة", بل يقول وبوضوح أنهم كانوا "أنبياء الله".
في حين أن القصص التي ذكرت ذلك, هي قصص من دوّن وكتب ووصف تلك الممالك والقصور والثروات والغنى, من اليهود الذين عاشوا تحت وطأة السبي والقهر في بابل, فدوّنوا التوراة تحت ثقل الهزيمة ورغبة البقاء وأمل العودة, ليتم تحميل "تفسيرات" النصوص المقدسة وتعظيمها والمبالغة فيها, ما لا تحتمله, وما لا يمت إلى الواقع بصلة.
وليزيد عمل "المصوراتيين" بعد ذلك "بألف" سنة, الطين بلّة. والمبالغة مبالغتا.
في النقطة الثالثة, إن القضية في هذه النظرية ليست مجرد تطابق اسماء, بل تطابق "جغرافية" هذه الأسماء, وهذا وحده لا يكفي الاّ في نفي وقوع تلك الجغرافية في "فلسطين", وطرح نظرية وقوع هذه الجغرافية في بلاد عسير شرط أن يتبعها التنقيب العلمي في الآثار الباقية في الأماكن التي تحددها هذه النظرية التي تعتمد على تطابق الأسماء "مدخلا للبحث والتنقيب" وليس إثباتا نهائيا.
في النقطة الرابعة أيضا أقول أن ما نملكه من معلومات عن التاريخ اليهودي, مصدره اليهود أنفسهم, والمؤرخون اليهود, مع ما يمكن أن يفعلوه أو فعلوه فعلا من تحريف وتزوير وتغيير ومهما كانت "النوايا" وان كنا الآن لا نشك بتلك النوايا أبدا, الاّ أن كل ما كتبوه يحتمل إعادة نظر جذرية وحتى "بغض النظر" عن هذه النظرية بعينها, وخصوصا ما أخذه "المؤرخون المسلمون" واعتمدوه بلا أي تدقيق في قصص أنبياء بني إسرائيل, وأثبتوه في شرح القرآن الكريم على أنه "حقائق".
ومن هذه الأرضية وبعد أن تفضل أخ كريم, وأستاذ فاضل, بصفحات قيّمة من كتاب, تتحدث عن موضوعنا هنا, سوف أقدمه إغناءا للموضوع ومدخلا لرؤيا جديدة في "المقدس الإسلامي " نفسه.
.................................................. ...................
اعتذر سلفا عن انزال عدد من الأضافات دفعة واحدة, ولكن لضرورات ضيق الوقت وغنى الموضوع..

سابل
26/01/2008, 10:34 PM
ارجو من الاستاذ التعليق على مايلي
ح- منطقة القنفذة:

1- جبّار /جبر/, في عزرا فقط: جبار (جبر بلا تصويت), أو أيا من أماكن متعددة تحمل الاسم نفسه أو متفرعات عنه في أجزاء أخرى من عسير وجنوب الحجاز.

2- حاديد /حديد/: حذيذ, إلا إذا كانت حداد (حدد) في منطقة الطائف, أو وادي حديد في منطقة جيزان.

3- الأوريم /ءوريم/: الرّيام, إلا إذا كانت الرّيامة في منطقة بني شهر.

4- قرية عاريم /قرية عريم/ وكفيرة /كفيره/ وبئيروت /بءروت/: النص الوارد في يشوع 17:9 , حيث تذكر الأماكن الثلاثة معرّف بعضها البعض الآخر, وبالترافق مع جبعون , تشير بوضوح إلى منطقة القنفذة وجوارها حيث هناك قرية عامر /قريت عريم/ والقفرة /كفيره/, وربثه التي ربما كانت /بءروت/. وربثة هذه من منطقة المجاردة المحاذية لمنطقة القنفذة.

يوجد ثلاث قرى على وادي واحد وهي التي اظن ان النص يشير اليها بوضوح وهذه القرى موجودة في منطقة الباحة بزهران وهي :
1- قرية الحبارى الألف المقصورة / وهي التي تقابل في النص السابق جبار او جبر مع بعض التحوير
2- قرية حديد
3- قرية أريمه / وهي التي تقابل في النص السابق عاريم
مع ملاحظة انه يوجد قرية اخرى تدعى الجبور لكنها ليست على نفس الوادي