المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : انقلاب حال



عبد الله نفاخ
15/05/2010, 07:50 AM
انقلاب حال

عندما لا تجد الحياة مغنياً
يتغنى بقلبها ، تلد فيلسوفاً
يتكلم بعقلها .
جبران خليل جبران



عرفنا بعضنا منذ أمد بعيد ، شهدنا مرحلة المراهقة و الشباب سويّاً ، و كان طبعانا متقاربين لكنهما لم يكونا أبداً طبعاً واحداً ، فقد كان بيننا من الاختلاف ما لا يقل عن الاتفاق إلا يسيراً .



درسنا معاً ، و نجحنا معاً ، و شهدنا نكسات و انتصارات الزمن معاً ، و كذلك عشقنا و فشلنا في العشق معاً ، عانينا مشاكل الحياة أحياناً ، و شهدنا أفراحها القليلة أحياناً أخرى ، لكنَّ مسافة واضحة كانت تفصل دوماً بيننا فتمنع تماهينا ، فهو لا يأبه بالفكر و الأدب و إن كان لديه نزوع غامض نحو الشاعرية ، لكنّ ظروفه و عمله و انقطاعه عن التأمل كل ذلك أضر به ، فلم يسمح لهذا الشعور أن ينمو ، و إن ظلت به بقية من حياة .



كانت مشكلته الكبرى أنه فشل في كثير مما كان يصبو إليه ، فانغمس في شهواته انغماساً واضحاً مع علمه بخطأ ذلك ، لكنَّ أخلاقه حمته من ارتكاب ما يشين ، وغدا ينظر إلى الدنيا بعين الكاره السئم ، و يشعر أن كل عمره ما هو إلا أيام رتيبة يمضي أحدها ليردفه الآخر دون غاية أو معنى أو هدف .



و حين كنت أمسك بيده لأعينه على تجاوز ما هو فيه ، كان ينظر إلي بعين غير مبالية ، و يصرح أن لا فائدة من المحاولة ، و أن قدره قد أنهى



مشوار حياته عند هذه النقطة ، و إن لم يكن قد بدأ أصلاً .



و فجأة ..... وجدت نفسي أمام إنسان آخر ، شخص غير من عرفته طوال سنين ، فما تلك آراؤه و لا هذه أقواله ، و حديثه الدائم عن الفتيات و أحوالهن ، و الملهيات و أنواعها ، و الطرف و أخبارها ، صار لغة صوفية ذات عمق موغل ، و فكر سارح ، و لب متوهج .



و صرت أمامه كالمشدوه أو مشدوهاً حقاً، فما كنت أحسب يوماً أن يصير الصديق القريب مني فيلسوفاً غزير الفكر ، قوي الحجة ، حاضر البديهة ، يلقي على محاوره جملاً مرصعة الألفاظ ، واضحة الدلالة ، بعيدة الغور ، و يوشيها من بعد بالمصطلحات العالية التي تنبئ عن اطلاع واسع و ذهن متيقظ .



و زاد عجبي حديثه في سبب هذا التغير ، فهو لم يصنعه و لا سعى إليه ،بل أشرق في قلبه دونما نذير ، فيما هو غارق في لجج الظلام و الضباب التي صنعتها الحياة و ملهياتها ، و لم يكن إلا نور معرفة الله الذي اخترق الحجب و هداه إلى الطريق القويم .



و أخذ لسانه ينطلق بصوفية تأخذ بالألباب ، يعجز أدعياء المعرفة أن يأتوا بمثلها ، و رحت أستزيده فيزيدني من كلامه المنهمر من فيه كنبع سائغ دافق ، و أنا جالس في حضرته مريداً راغباً طالباً ، أسمع و أتعلم مبادئ و أسساً لم أكن لأعرفها من قبل ، يسردها علي شخص لم يعرف سلك التدين يوماً ، و لا بحر العلم ساعة .



و خرجت من عنده شارد اللب حيراناً ، و في نفسي صوتان يشتجران ، صوت يردد الإعجاب و الفرح ، و آخر يردد الدهشة و التساؤل ، فلما عدا بي الخطو قليلاً ذكرت ما أسكت دهشتي و أوقف تساؤلي ( إنك لا تهدي من أحببيت و لكن الله يهدي من يشاء )

محمد يوب
15/05/2010, 08:03 AM
يمكن أن نعتبر هذه الرسالة بداية لمذدرات يومية تصف فيها علاقتك مع أصدقاءك فأنت تتقن فن الوصف بشكل دقيق وصديقك هذا كان انحرافه في البداية إلى اليسار لكنه عاد مرة أخرى وصلح حاله بوركت اخي لغة جيدة فقط إنك لن تهدي ....

عبد الله نفاخ
15/05/2010, 08:09 AM
ألف شكر لك يا أستاذي ............... و قد صححت الخطأ ...... أنا أحفظها هكذا منذ زمن ........ تحياتي لحضرتك