عبد الله نفاخ
16/04/2010, 05:04 PM
كان طريقاً قصيراً....
لكنه كان يمتد في نفسي وسع النجوم والأفلاك...
يربط ثانويتنا القديمة التي أمضيت بها أجمل أيام العمر بأول سوق الجمعة ، طريق قديم يسمى زقاق النواعير ، لكن مسربنا الذي كنا نقطعه جزء من الزقاق يعدل نصفه ، وبه مساحة منكشفةتبدو منها دمشق منبسطة كغادة حسناء تقلدت سمطاً من اللآلئ عاجية اللون ، قاذفة في القلب كل معاني الصفاء والجمال و الحب.
لم يكن به من معاني الأبهة والرقي شيء ، بل بيوت قديمة لأناس من ذوي الإقتار ، وبوابة خلفية لمسجد الشيخ محيي الدين بن عربي ، وناعورة قديمة تطل من أحد البيوت الأثرية ، لكنَ قلبي كان يتسع به بما يحمل من ذكريات السنوات الساحرة ، فأراه يشمل الغيوم الملائكية التي تتلبد بها سماؤه شتاء فأسمع منهاصدى ترنيمة شرقية مقدسة ، والأضواء الشاعرية التي تبرز للعابر فيه ليلاً من شوارع دمشق الراقية الممهدة أمام الناظر منه ، و التي كانت ملجئي كلما ضاقت بي السبل إذ أقف على السياج الحديدي الذي يحمي العابر على حرف الطريق من الوقوع ، وأبث همي لليل الحبيب الذي ما أدري إلى اليوم إن فقدته أي صاحب يتبقى لي فأركن إليه .
كان الطريق معبرنا من مدرستنا إلى بيوتنا ، لكم تناقشنا فيه وتحدثنا ، ولكم اختصمنا فيه واصطلحنا ، وكم شهدنا أحداثاً غيرت وجه الدنيا و وجه حياتنا ، وكان آخرما شهدناه به أنه كان مسلكنا كل يوم لتقديم امتحان الشهادة الثانوية التي أسلمتنا من بعد للجامعة .
كنت أسميه طريق النحل ....وأي نحل كان ذاك؟! ! ....زنابير ملتئمة على غذاء هنا أو نفاية هناك، لكنها كانت عندي أجمل من كل نحلة تحمل شهد العسل ، أولم يكف بها أنها تسكن الطريق الذي له في قلبي أغلى مكان.
الزقاق أثري ، لكن الجزء الذي كنا نقطعه منه كان أقل جمالاً وأحدث من بقية الزقاق ، وجمال ذكرياتنا وضع به سحراً غريباً كسحر غروب دمشق لناظره من أعلى قاسيون ، سحراً ممتزجاً بأيام الطفولة والمراهقة وما حملته من صفاء ونقاء تبددا بعدها ، فغدا تذكر عهدها يفجر شوقاً وحنيناً لما تلاشى بتلاشيها .
بعد لأي حفرت أجزاء من الطريق ، و اقتلعت جرافات عملاقة كثيراً من بيوته القديمة المفعمة بعبق الماضي وما يحمله ، وحلت مكانها شاهقات إسمنتية توحي بالحاضر وماينوء به ، ومن طريقنا الذي كان يتسع لنا وعددنا خمسة أو ستة بقي معبر صغير لا يستقيم لعابر واحد ، و غاب الرفاق الذين كان الطريق يضمهم غدوة و روحة راحلين كل إلى وجهته ، ولم يدع لنا دهرنا من أيام عمرنا الحلوة غير أشتات ذكريات و بعثرات من أغاني فيروز ولا سيما طريق النحل .
وكلما عبرت الطريق ويندر ألا أعبره كل يوم تأملت في تلك الأحجار ، وتلك الأرض ، وتلك الجدران ، قد عرفناها وعرفتنا ، و ألفناها و ألفتنا ، ثم مضى كل إلى غايته ، أفهكذا قدرنا دوماً ، أن نفارق من نحب على مفترقات الطرق ، و أن تؤول أجمل أيام العمر هباء منثوراً لا حياة له إلا في قلوب راعي الود و حافظيه، وأن تتبدد اللحظات الحلوة وتصير خيالاً سحرياً كصباح ربيعي لا يستشعره إلا أصحاب القلوب الرقيقة والأنفس الحساسة ....و أولئك ما أقلهم .
لكنه كان يمتد في نفسي وسع النجوم والأفلاك...
يربط ثانويتنا القديمة التي أمضيت بها أجمل أيام العمر بأول سوق الجمعة ، طريق قديم يسمى زقاق النواعير ، لكن مسربنا الذي كنا نقطعه جزء من الزقاق يعدل نصفه ، وبه مساحة منكشفةتبدو منها دمشق منبسطة كغادة حسناء تقلدت سمطاً من اللآلئ عاجية اللون ، قاذفة في القلب كل معاني الصفاء والجمال و الحب.
لم يكن به من معاني الأبهة والرقي شيء ، بل بيوت قديمة لأناس من ذوي الإقتار ، وبوابة خلفية لمسجد الشيخ محيي الدين بن عربي ، وناعورة قديمة تطل من أحد البيوت الأثرية ، لكنَ قلبي كان يتسع به بما يحمل من ذكريات السنوات الساحرة ، فأراه يشمل الغيوم الملائكية التي تتلبد بها سماؤه شتاء فأسمع منهاصدى ترنيمة شرقية مقدسة ، والأضواء الشاعرية التي تبرز للعابر فيه ليلاً من شوارع دمشق الراقية الممهدة أمام الناظر منه ، و التي كانت ملجئي كلما ضاقت بي السبل إذ أقف على السياج الحديدي الذي يحمي العابر على حرف الطريق من الوقوع ، وأبث همي لليل الحبيب الذي ما أدري إلى اليوم إن فقدته أي صاحب يتبقى لي فأركن إليه .
كان الطريق معبرنا من مدرستنا إلى بيوتنا ، لكم تناقشنا فيه وتحدثنا ، ولكم اختصمنا فيه واصطلحنا ، وكم شهدنا أحداثاً غيرت وجه الدنيا و وجه حياتنا ، وكان آخرما شهدناه به أنه كان مسلكنا كل يوم لتقديم امتحان الشهادة الثانوية التي أسلمتنا من بعد للجامعة .
كنت أسميه طريق النحل ....وأي نحل كان ذاك؟! ! ....زنابير ملتئمة على غذاء هنا أو نفاية هناك، لكنها كانت عندي أجمل من كل نحلة تحمل شهد العسل ، أولم يكف بها أنها تسكن الطريق الذي له في قلبي أغلى مكان.
الزقاق أثري ، لكن الجزء الذي كنا نقطعه منه كان أقل جمالاً وأحدث من بقية الزقاق ، وجمال ذكرياتنا وضع به سحراً غريباً كسحر غروب دمشق لناظره من أعلى قاسيون ، سحراً ممتزجاً بأيام الطفولة والمراهقة وما حملته من صفاء ونقاء تبددا بعدها ، فغدا تذكر عهدها يفجر شوقاً وحنيناً لما تلاشى بتلاشيها .
بعد لأي حفرت أجزاء من الطريق ، و اقتلعت جرافات عملاقة كثيراً من بيوته القديمة المفعمة بعبق الماضي وما يحمله ، وحلت مكانها شاهقات إسمنتية توحي بالحاضر وماينوء به ، ومن طريقنا الذي كان يتسع لنا وعددنا خمسة أو ستة بقي معبر صغير لا يستقيم لعابر واحد ، و غاب الرفاق الذين كان الطريق يضمهم غدوة و روحة راحلين كل إلى وجهته ، ولم يدع لنا دهرنا من أيام عمرنا الحلوة غير أشتات ذكريات و بعثرات من أغاني فيروز ولا سيما طريق النحل .
وكلما عبرت الطريق ويندر ألا أعبره كل يوم تأملت في تلك الأحجار ، وتلك الأرض ، وتلك الجدران ، قد عرفناها وعرفتنا ، و ألفناها و ألفتنا ، ثم مضى كل إلى غايته ، أفهكذا قدرنا دوماً ، أن نفارق من نحب على مفترقات الطرق ، و أن تؤول أجمل أيام العمر هباء منثوراً لا حياة له إلا في قلوب راعي الود و حافظيه، وأن تتبدد اللحظات الحلوة وتصير خيالاً سحرياً كصباح ربيعي لا يستشعره إلا أصحاب القلوب الرقيقة والأنفس الحساسة ....و أولئك ما أقلهم .