المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحقيبة



محمد يوب
08/04/2010, 09:44 PM
566./,7

سعيد شاب هاجر من القرية إلى المدينة ، جرب قسوة العيش و مرارتها ، حرث الأرض بأظافره ، حصد الزرع بمنجله القديم ، رعى الغنم ، جلب الماء من قعر البئر المليء بالعلق.
في مدخل المدينة انبهر بألوان منازلها المزركشة بالفسيفساء ، المقاهي تعرض خدماتها لمختلف الزبائن ، السيارات الفارهة تجوب الشوارع جيئة وذهابا ، نساء المدينة جميلات أنيقات ، أما نساء القرية فقد اختلط لونهن بلون تراب الأرض.
التقى سعيد بابن عمه خالد الذي يكبره بعقد من الزمن ، اشتغل معه في البناء ، يحمل الأجور ويخلط الاسمنت بالرمل ، يعود إلى غرفته منهكا من شدة التعب، لقد اعتقد أن المدينة ستستقبله بالورود و الياسمين فاتحة ذراعيها لاحتضانه ، اعتقد أن سكان المدينة يجمعون المال في أكياس من البلاستيك .
جرب المعاناة وصعوبة الحياة فالإنسان في المدينة مهم بقدر رصيده في البنك .
صاحب المشروع من أثرياء المدينة ، حاول سعيد التقرب منه ، يسلم عليه ، يحني هامته يرفع عينيه محدقا فيه ، يبتسم في وجهه ، لكن أصحاب المال لا يهمهم الابتسامة وربط علاقات صداقة مع العمال إنهم يريدون الإخلاص في العمل ولا شيء غير ذلك.
في آخر الأسبوع يأخذ سعيد راتبه الهزيل الذي لا يكفيه لسداد ديون البقال ، يخجل من الاتصال بأهله في القرية خوفا من مطالبته بمساعدتهم على تكاليف العيش.
انغلقت الأبواب في وجهه، خطر بباله التربص بصاحب المشروع وسرقة حقيبته السوداء المليئة بالأوراق النقدية، أسئلة كثيرة تراوده ، مخططات جهنمية تحتاج إلى من يساعده على تنفيذها، فكر مليا في الاتفاق مع ابن عمه لكنه خشي أن يرفض ويرجعه إلى القرية ، في النهاية قرر القيام بهذه الجريمة بمفرده ، إما الغنى وإما السجن لأن الحياة التي يعيشها هي في حد ذاتها سجن.
في يوم من أيام الصيف الحار ، اختبأ بجانب مخزن مواد البناء، ضرب صاحب المشروع على رأسه هوى على الأرض ميتا ارتمت الحقيبة بجانبه ، حملها سعيد بكلتا يديه وضمها إلى صدره وهرب إلى مكان بعيد حفر حفرة وطمر فيها الحقيبة.
رجع إلى مسرح الجريمة وقف على جثة قتيله ضرب يدا بيد متوعدا من قتل رب العمل البريء الذي يساعد الفقراء و المساكين ، يردد هذه الكلمات وشفتاه ترتجفان من شدة هول المشهد.
استمر سعيد في مهمته كمساعد لعامل البناء ، يحمل الأجور و أكياس الاسمنت الثقيلة ،لا يريد فتح الحقيبة لكي لا يثير انتباه زملائه في العمل وشكوك الشرطة،يصبر قليلا من الوقت وبعد ذلك يفتح الحقيبة و يستولي على الغنيمة بمفرده ثم يرتاح من هذه المهمة الشاقة المتعبة .
انتهت أشغال البناء في العمارة أمره رئيسه في العمل بضرورة الصعود إلى أعلى السطح لتنظيفه وإزالة بعض الأتربة العالقة بالبالوعات المائية ،رجع خطوتان إلى الوراء انزلقت قدماه هوى من أعلى العمارة ، وبينما هو في الهواء بين الحياة و الموت استرجع شريط ذكرياته ، اختزلها في بضع لحظات ، تذكر فيها ضربة الغدر التي أردت صاحب المشروع قتيلا ، سيلتقي به في عالم آخر، عالم فيه النزاهة و العدالة، لا يعترف بالأوراق النقدية ، حسابك كتابك ، ارتطم سعيد بالأرض ، في المكان الذي ارتكب فيه الجريمة، اجتمع حوله العمال ، قال كلمة واحدة : الحقيبة ...مات وضاعت الحقيبة.
محمد يوب
23-12-2009

ام زينب
09/04/2010, 06:30 PM
سبحان الله كما تدين تدان
بارك الله فيك الحاج محمد يوب

فطيمة عزوني
09/04/2010, 06:37 PM
السلام والرحمة......
عندما تموت القيم فينا .....ما أكثر الحقائب السوداء التي تغرينا......مررنا من هنا

محمد يوب
09/04/2010, 07:59 PM
شكرا لك أختي أم زينب مرورك أسعدني بارك الله فيك

محمد يوب
09/04/2010, 08:00 PM
أستاذتي فطيمة قراتك لهذه القصة المتواضعة تزيدني حماسا على إضافة الجديد و الجيد