المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المنهج التفكيكي بين النظرية و التطبيق



محمد يوب
01/04/2010, 08:38 AM
التفكيكية منهج نقدي أسسه الفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا ( 1930-2004 ) ويهدف من خلاله دراسة النصوص التي غلبت عليها صفة المطلق و المثالية اعتمادا على هذا المنهج التفكيكي الذي لا يعطي اعتبارا للمقدس فيولد من خلاله أشياء كثيرة سكت عنها النقاد القدماء ، وقد طرح آراءه في ثلاثة كتب نشرت في سنة 1967 وهي (حول علم القواعد) و (الكتابة والاختلاف ) و(الكلام والظواهر)

واستند ديريدا في هذا المنهج إلى قطيعة سبق أن أعلنها الفيلسوف نيتشه تجاه الميتافيزيقيا ، وتتجلى التفكيكية في أنها تقوض مفهوم الحقيقة بمعناه الميتافيزيقي كما تقوض الواقع بمعناه الوضعي التجريبي وتحول سؤال الفكر إلى مجالات اللغة والتأويل .

ويعتبر منهج التفكيك deconstruction أهم حركة ما بعد البنيوية في النقد الأدبي إضافة إلى أنها الحركة الأكثر إثارة للجدل في الوقت المعاصر ويستخدم التفكيك (( للدلالة على نمط من قراءة النصوص بنسف ادعاها المتضمن أنها تمتلك أساسا كافيا في النظام اللغوي الذي نستعمله ، كي تُثبت بنيتها ووحدتها ومعانيها المحددة))

و أي مناقشة للتفكيك لابد أن تبدأ بالقارئ ، وتجربة القارئ التي لا يوجد قبل حدوثها شيء " فهو يفكك النص ويعيد بناءه على وفق آليات تفكيره . وهو بذلك يعتمد على آليات الهدم والبناء من خلال القراءة ،و لعل من البديهي لدى القارئ أن مصطلح التفكيك يعتمد على الهرمنيوطيقا الذي يمارس من خلاله تفكيك النص ، فالقارئ " يحدث عنده المعنى ويُحدثه ، ومن دون هذا الدور لا يوجد نص أو لغة أو علامة أو مؤلف.

و يبحث جاك دريدا عن المنطوق أو أفضلية الكلام على الحضور رغبة منه في قلب المعنى وإسقاطه من اللغة .. فهو يرى " إن اللفظ الاستعماري للترجمة أو النسخ خطير ، لكونه خطير يفترض نصاً موجوداً في الآن ، نصاً جامداً ، حضوراً لا انفعالياً لتمثال ، لحجرة مكتوبة أو لوثيقة ..." إن عمل دريدا " عمل مفكك De-constructeur لكونه قد أعاد النظر في المفاهيم التي تأسس عليها الخطاب الغربي الذي لا يعدو أن يكون خطاباً ميتافيزيقياً ، وليس هناك بديل يقدمه دريدا ، بل إن مشروع عمله لا يمكن أن ينحصر في دائرة محددة أنها مغامرة لا يمكن التنبؤ بنتائجها ولكن يمكن معرفة سمعتها ونقصد هدم الميتافيزيقيا .. " ،ولهذا يقود التّفكيك، إذن، هجوماً ضارباً وحرباً عشواء على الميتافيزيقيا في قراءة النّصوص: فلسفيّةً كانت أو غير فلسفيّة. ويُقصد بالميتافيزيقيا التي يستهدفها التّفكيك في هجومه: "كلّ فكرةٍ ثابتةٍ وساكنةٍ مجتثّةٍ من أصولها الموضوعيّة، وشروطها التّاريخيّة"

ويتّصف التّفكيك بطابعٍ سياسيٍّ فضلاً عن كونه إستراتيجية فلسفيّةً لأنّه يتقدّم باتّجاه النّصوص، لا لكي يهدم ويُقوّض المنطق الذي يحكم النّصّ فقط، وإنّما، أيضاً، لكي يفضح الميتافيزيقيا.

و يهدف التّفكيك إلى كسر الثّنائيّات الميتافيزيقيّة: داخل/خارج، دالّ/مدلول، واقع/مثال.... لإقرار حقيقة (المتردّد اللاّيقينيّ) في عبارة (لا هذا.. ولا ذاك). وانطلاقا من خلفيته الدينية والتي انطلقت منها التفكيكة وهي ما دفعته إلى القول بوجود خلخلة في المثالية الدينية المتمثلة في سيطرة اللوغوس / الكلمة في الكتاب المقدس .

إن التفكيكية منهج في الدراسة النقدية تعتمد في منطلق على رفض كل ما غيبي لاهوتي يقول د. غسان السيد : ((لقد جاءت اللّحظة الحداثويّة الأوربيّة التي نقلت الإنسان من واقعٍ إلى واقعٍ آخر مختلفٍ تخلخلت فيه كلّ الثّوابت السّائدة التي جمّدت العقل البشريّ لقرونٍ طويلةٍ. فتشكّل وعيٌ جديدٌ معارضٌ بصورٍ كلّيّةٍ للوعي اللاّهوتيّ الذي أراد توحيد العالم حول مركزٍ عقائديٍّ موحّدٍ يتجسّد فيه المعنى الوحيد للحقيقة التي لا تقبل النّقاش)).

ويمكن الحديث عن أهم المعطيات النقدية التي قدمها دريدا لمشروعه النقدي التفكيكيّ من خلال النقاط الآتية:‏
1ـ الاختلاف :.‏: يشير المصطلح الأول (الاختلاف) إلى السماح بتعدد التفسيرات انطلاقاً من وصف المعنى بالاستفاضة، وعدم الخضوع لحالة مستقرة، ويبين (الاختلاف) منزلة النصية (Textualité) في إمكانيتها تزويد القارئ بسيل من الاحتمالات، وهذا الأمر يدفع القارئ إلى العيش داخل النص، والقيام بجولات مستمرة لتصيد موضوعية المعنى الغائبة.

2-نقد التمركز:‏ Critique of centrait‏ : ويُبين هذا المعطى أن التفكيكية لها إمكانية كبيرة في فحص منظومة الخطاب الفلسفي الغربيّ عبر قرونه الممتدة زمنياً، والمكتسبة لخصوصية معينة في كلّ لحظةٍ من لحظاتها، بوصفها المراحل المتعاقبة للبناء التدريجي للفكر الأوربي الحديث، ويكشف هذا المعطى في الوقت نفسه عن التأمل الفلسفي المتعالي، ويعمل على تعريته، وتمزيق أقنعته بوصفها رواسب حجبت صورة الحقيقة.

3-نظرية اللعب: وتهدف هذه النظرية إلى تمجيد التفكيكية لصيغة (اللعّب الحرّ) اللامتناهي لكتابة ليست منقطعة تماماً عن الإكراهات المغيّبة للحقيقة، وتأكيد المعطى الثقافي للفكر والإدراك، وغياب المعرفة السطحية المباشرة، واستلهام أفق واسع من المرجعيات الفكرية المماثلة، والفلسفية المعقدة، والنظم المخبوءة، وطرائق التحليل الخاصة .

4-علم الكتابة : يعدّ هذا المنهج نقداً لثنائية سيسير (الدال والمدلول)، ورؤيته لدور العلامة وفاعليتها في بناء النص، فالدال عند سيسير هو تشكّل سمعي وبصري، وصورة لحمل الصوت، وقد عدّ دريدا ذلك تمركزاً حول الصوت، وصورة واهمة لحمل المعنى، وقد اقترح دريدا استبدال (العلامة) بمفهوم الأثر (Trace) بوصفه الحامل لسمات الكتابة، ولنشاط الدال، وقد تحولت اللغة وفقاً لذلك من نظام للعلامات ـ كما هي عند سيسير ـ إلى نظام للآثار ـ كما هي عند دريدا ـ وتعين تلك الآثار على ترسيخ مفهوم الكتابة، وتوسيع اختلافات المعنى المُتحصل من نشاط دوالها، لذلك عدّ دريدا علم الكتابة "بأنّه علم للاختلافات"

5-الحضور والغياب: من أهم المرتكزات التي اعتمدها ديريدا لأنّ جميع إجراءات العملية النقدية للتفكيك تخضع لحضور الدوال وتغييب المدلول، فضلاً عن أنّ معطيات (الاختلاف، ونقد التمركز، ونظرية اللعب، والكتابة) تبرز فيها بشكل مباشر ثنائية الحضور والغياب، وقد انطلق دريدا من خلال هذه الثنائية ـ إلى جانب المعطيات السابقة ـ لنقد توجه الخطاب الفلسفيّ الغربيّ، وتقويض أُسسهِ من خلال كشف تناقضاته واللّعب بأنظمته وممارساته، وتحويل معادلته المعرفية من (ميتافيزيقيا الحضور) إلى غياب المعنى واختلافه وتعدده.

محمد يوب 25-03-10

أبو شامة المغربي
11/04/2010, 08:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام الله عليك أخي الكريم
محمد يوب
ورحمته جل جلاله وبركاته
وبعد ...
ممَّا جاء في شأن المنهج التفكيكي، الآتي:
" تدل كلمة التفكيكية déconstruction معجمياً على الهدم والتقويض والتخريب والتفكيك والتشريح، وقد استعيرت الكلمة من حقل استخدامها الأصلي (العمارة) إلى ميدان الفكر، لتصبح مصطلحاً يدل على وضع غالبية التقاليد الميتافيزيقية والفلسفية الغربية موضع التساؤل والنقد الجذري، وكان أول من استخدمه بهذه الدلالة الفيلسوف الفرنسي جاك ديريداJacques Derrida في أواخر الستينات من القرن العشرين، بهدف تفكيك بنية الخطاب discours، مهما كان نوعه وجنسه، وتفحّص ما تخفيه تلك البنية structure من شبكة دلالية ..."
ميسون علي (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=159938)
*
بإعمال النظر في خلاصة ما تم به تعريف "التفكيكية" أو"المنهج التفكيكي"، أبسط استفهاماً هو:
ما هي حدود وأثر توظيف هذا (المنهج النقدي) بالنسبة إلى الخطاب العربي؟
فهل من إضاءة أو إضافة في هذا الشأن
؟
http://dl3.glitter-graphics.net/pub/1034/1034143fzmnnpnumg.gif



حياك الله
عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

محمد يوب
11/04/2010, 08:54 AM
أخي عبد الفتاح أفكوح أهنيك وأشجعك على اهتمامك بمجال النقد الأدبي هذا المجال الخصب الذي به تتطور وترقى الأعمال الأدبية، لأنه هو في حد ذاته إبداع على إبداع.
بخصوص الدراسة التي قمت بإنجازها، كانت دراسة عابرة انطباعية أردت من خلالها تسليط الأضواء على منهج جديد في الدراسات النقدية، وهو المنهج التفكيكي، وكان القصد من وراء ذلك إطلاع القارئ العربي على هذا المنهج والاستئناس به، أما في الدراسات النقدية العربي، فما تزال المحاولات خجولة ومتعترة، لماذا؟ لأن توظيف المنهج على مستوى الممارسة النقدية من الصعوبة بمكان، فكل المحاولات التي عرفناها عند النقاد العرب هي محاولات تجريبية تقارب النصوص الأدبية مقاربة تبقى في النهاية مقاربة تجريبية أكثر منها علمية، أنا لا أريد الدخول في ذكر الأعلام المشهورة في هذا المجال، ولكن أريد الحديث عن التجربة النقدية بشكل عام، لأن النقاد المعروفين في تناول المنهج التفكيكي في النقد تجدهم يمارسون هذا المنهج على النصوص العربية، ومن حين لآخر يخرجون من المنهج ويدخلون إلى مناهج أخرى، كما تفعل يمنى العيد، إنها تجرب التفكيكية، ولكن من حين لآخر تحن إلى المنهج التوليدي التحويلي، فتسقط على النص إسقاطات الواقع على النص، فتخرج عن المنهج التفكيكي، كذلك يفعل الدكتور عبد الغدامي وقمري بشير و...إنهم دائما يحاولون ملامسة المنهج، لكنهم يبقون في جوانبه.
إن المنهج التفكيكي أخي عبد الفتاح ينطلق من النص ويعود إلى النص في درجته الصفر في الكتابة، هو تجاوز حتى للبنيوية نفسها، وفي النهاية يبقى النقد كما قلت إبداعاً خاضعاً لمقاييس علمية وإن حاول ذلك، وقد استفاد من العلوم المعاصرة، لكن يبقى الانطباع والوصفية يغلبان على النقد الأدبي.
شكرا أخي على اهتمامك بارك الله فيك.
أخوك محمد يوب

أبو شامة المغربي
11/04/2010, 01:35 PM
http://dl3.glitter-graphics.net/pub/1034/1034143fzmnnpnumg.gif

غير مسجل
30/11/2017, 10:05 AM
السلام عليكم، أريد دراسات عن تطبيق المنهج التفكيكي على الكتاب المقدس.