المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحلام طائشة



محمد يوب
20/03/2010, 07:12 PM
كانت صغيرة جميلة ، قويمة الجيد، ممشوقة القد ، تمشي مشية الطاووس تثير إعجاب النساء قبل إعجاب الرجال ، ابتسامتها تبرز فلجة بين أسنانها البراقة البيضاء ، كانت أحلامها كبيرة أكبر من سنها ، تعلقت بحبال الوهم الكاذب ، لطالما فكرت في السفر إلى عاصمة الخليج ، دبي دانة الدنيا ، غرها بريق ذهبها الأصلي من عيار الأربعة والعشرين قيراطا ، والعباءات الحريرية السوداء ، ورائحة البخور و المسك والعنبر .
في السوبرماركت التقت أحلام بصديقتها خديجة ، رأتها تدفع عربة التسوق مملوءة باللحوم و الحلويات والمرطبات ، استرجعت ذاكرتها إلى الوراء ، أهذه هي خديجة التي أعرفها لقد تغير شكلها ، أعرفها متسخة متعفنة ، كانت تستلف مني الحذاء اللامع و السروال الأسود ، كنا نلقبها بخويديجة المجرابة ، كيف تغير حالها بنسبة مائة وثمانين درجة ، ماذا حصل ما الجديد ؟ ما السر في هذا البهاء و الجمال ؟
استدارت أحلام و التفتت يسارا بحلقت في خديجة ، أظهرت ابتسامة عريضة وقالت أأنت خديجة ؟ تسمرت خديجة برهة أمام هذه المفاجأة ، عرفتها ، عانقتها بشدة ، سمعت أحلام جلجلة الدماليج في يدها وبريق السلسلة الذهبية العريضة المعلقة في عنقها ، يظهر عليها آثار النعمة والخير الوفير.
تذكرتا أيام المدرسة واللقاءات السرية مع شبان الحي ، وأيام ( الكاسكروط عند با سعيد مول الطون ) تبادلتا أرقام الهواتف ، ضربت خديجة لأحلام موعدا في بيتها المجاور للكورنيش ، خاطبتها بلهجة خليجية نريد أن نشرب شايا أو قهوة على نخب لقائنا من جديد لنعيد أيام الماضي التليد ،إنني أشتاق لإحياء هذه الذكريات .
طال الليل السرمدي على أحلام ، تحسبه بالدقائق و الثواني ، تدخل إلى فراشها تغطي رأسها ، يسرح بها خيالها في فضاء مهرجانات التسوق في دبي التي تسمع عنها في التلفزيونات ، وجزيرة النخلة الاصطناعية التي شاهدتها على الفضائيات ، تفصل وتخيط ، تصول وتجول في عالم من الأوهام و الأحلام ، متى يأتي اليوم الذي أصعد فيه سلم الطائرة ، أودع فيه الفقر ، و السكن مع الجيران كالفئران ، ماذا ينقصني ؟ أنا أجمل منها ،و أكثر منها بياضا ، شعري أسود طويل يصل إلى ركبتي ، أنا أجمل من عارضات الأزياء .
استيقظت أحلام باكرا ، وقفت أمام المرآة ساعتين من الزمن ، لبست طقم الجينز الجديد ، أظهرت مفاتنها ، حضرت نفسها للموعد كأنها عروس في ليلة زفافها . خرجت للشارع المجاور ، استقلت تاكسيا أحمر وصلت إلى بيت صديقتها ، رحبت بها و أدخلتها إلى الصالون المؤثث بأبهى المفروشات و أزهى الديكورات ، التفتت يمينا رأت رجلا ضخم الجثة عريض الرقبة ، يلبس دشداشة إماراتية وعلى رأسه مسرا ملونا بالأبيض والأحمر ، نهض من مكانه ، احمر وجهه ، حدق جيدا في أحلام ، تلعثم في الكلام وقال : ما هذا الجمال ؟ أنت ملاك ، ردت عليه وقالت : أنا اسمي أحلام وليس اسمي ملاكا ، بخبثه ، وسرعة بديهته أحس بسذاجتها وعفويتها ، واعتبرها طعما سهلا يمكن الانقضاض عليه في أي وقت وحين .
كانت نظرات الخليجي لا تفارق عيون أحلام ، كان كلما تحركت حرك رأسه ، يتأملها نائمة بين ذراعيه ، طال انتظاره ، قل صبره ، قالت له خديجة : ما رأيك في أحلام ؟ رد عليها باللهجة الخليجية قائلا : أنا و الله ماني رايح لبلادي إلا و معي أحلام ، إنها حلمي الضائع الذي كنت أبحث عنه من زمان ، ما هذا الجمال ياحرمة ؟ أين كانت مختبئة ؟
أعجبت أحلام بهذا الكلام المنمق الجميل ، كلام النسناس الذي يشبه كلام الناس ، لقد ارتاحت و اطمأنت في بيت صديقتها ، التي تعرف تمام المعرفة بأن أحلاما لا تفرق بين زيد وعبيد،لم تكن أحلام تعلم بأن هذا البيت مستأجر لارتكاب جريمة بطلها ذئب بشري وحرباء ليست كمثل النساء ، تتاجر في أعراض الفتيات الساذجات .
ذهبت خديجة إلى المطبخ أحضرت وجبة دسمة فيها ما لذ وطاب من المأكولات و المشروبات ، كانت أحلام تشم رائحة اللحم المشوي ، لا تأكله إلا في عيد الأضحى و المناسبات ، رفعت صوتها وقالت لخديجة : أتريدين أن أمد لك يد المساعدة ؟ قالت لها خديجة : بل اجلسي مع ضيفك و احك له شيئا عن نفسك ، ربما يلتقي الود بينكما ، أنا لا أريد من هذه العلاقة إلا الخير ، إن الظروف في البلد لا تلبي كل حاجيات الإنسان ، و المتطلبات و الحاجيات تتطور كل يوم ، و نحن كم سنعيش في هذه الدنيا ,استرسلت خديجة قائلة : جربي حظك مع هذا الخليجي ، إنه رجل ذا صيت وجاه ، بإمكانه أن يأخذك معه إلى الإمارات .
ارتاحت أحلام لهذا الكلام المعسول ، ثقل لسانها عن التعبير ، تبتسم وتحرك رأسها وعلامات الفرحة مرسومة على وجهها ، شدها الشوق للسفر وركوب الطائرة وتصبح من النساء الغنيات .
أعدت خديجة طاولة الطعام وضعت منوما شديد الفعالية في مشروب أحلام ، نادت بصوت مضطرب تعلوه رعشة الخوف و الرهبة ، إن الطاولة جاهزة احضرا لنتناول الطعام ، تقدمت أحلام تمشي حافية القدمين على السجاد التركي و الخليجي القصير المدكوك من ورائها يتفحص مفاتنها ، ويتغزل بها ، وهي تتغنج معجبة بنفسها و تتمايل مبرزة رشاقتها متأكدة من جمالها .
وفجأة و على حين غرة مد يده إلى كأس العصير البارد وقال : نشفت ريقي يا حرمة سأبلل فمي بهذا المشروب البارد ، وبعد دقائق قليلة سقط الرجل على الأرض مغميا عليه أمام أعين خديجة ، و انكشفت حيلتها الخبيثة ،وحينها أدركت أحلام مكيدة صديقتها وخرجت مهرولة إلى الشارع في ذهول .
محمد يوب 03-02-10

خليد خريبش
03/04/2010, 08:02 PM
نص جريئ من حيث الموضوع وحتى الجمالية.حايد غير * أنا أبيض منها *لأنه لا يجوز صوغ اسم فاعل على وزن أفعل مما يدل على لون،وفي قصتك -مرضعتي -ديال الأطفال حايد التأخير ودير التأخر.تحياتي الأخوية.

محمد يوب
03/04/2010, 08:30 PM
يسعدني أخي خليد مرورك وقراءتك التي أسعدتني وزادني تشجيعا بارك الله فيك وكلمة أبيض لا يجوز صياغة اسم التفضيل منها صحيح ولكنني كنت أقصد منها التعبير الدارجي و إن كنت ضد هذه التعابير العامية لقد غيرتها حتى يزول اللبس و الغموض مرة أخرى أشكرك على هذه القراءة المتأنية و الدقيقة