المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عهر أمريكا السياسي في منتداها



محمد محمد البقاش
18/02/2010, 12:32 AM
عهر أمريكا السياسي في منتداها
===================

انتهت بالأمس الاثنين 15 فبراير 2010 أشغال منتدى أمريكا والعالم الإسلامي في الدوحة، وتأتي هذه الأشغال في المؤتمر السابع للمنتدى بعد بدئه عقب جريمة 11 شتنبر 2001 الأمريكية، وقد حضره عدد كبير من الشخصيات العربية ومن دول العالم الإسلامي يتقدمهم أمير قطر ورجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا، وهيلاري كلينتون وزيرة خارجية أمريكا، وأكثر من 200 شخصية من قادة الفكر والدين في العالم منهم رجال دين مسيحيين وعلماء مسلمون ودعاة، وقد وجه أوفاما رسالة عبر الأقمار الصناعية إلى منتداه..
إن المدقق في هذا الاجتماع يلاحظ انعقاده في نفس الوقت الذي تشن فيه أمريكا والنيتو وحاكم كابول حربا ظالمة على طالبان، واللافت أيضا أن سقوط مدنيين قد حصل ولا يزال مع التكتم عليه، إذ تصرح وسائل الإعلام الغربية المحتكرة للخبر وخصوصا الصحافيون الذين يرافقون الحملة (من العسكر) بأن العملية تسير بشكل عادي، وأن سقوط القتلى من المدنيين قليل وهو أمر لا بد منه، والغريب أن الحملة قد بدأ التسويق لها قبل أن تنطلق بعمل إعلامي كبير يهيئ به الشعب الأمريكي للقبول بالنتيجة، ولا يهم غير الشعب الأمريكي، وحين بدأت الحملة (لإعادة هلمند) مثلا أو مناطق (تحتلها) طالبان، وهي تسيطر على أغلب المناطق الأفغانية، وتحظى بتأييد شعبي كبير يمكنها من الغطاء الشعبي ومن الذوبان فيه عند الشدائد وعند الضربات الموجعة التي تقتل أطفالها ونساءها وشيوخها ورجالها لتعيد الكرة مرة أخرى وهي ناجحة تماما، أقول: كانت طالبان قد تحركت فأخلت مواقعها مؤقتا ليدخل الجيش الأمريكي والنيتو فاتحا، ولا يعرف جنود النيتو أنهم إنما دخلوا إلى مقبرتهم إلا أن يخرجوا منها قبل أن يقتلوا من طرف الذين يرفضون احتلال أراضيهم، والتدخل في شؤونهم، فالصبي منهم ومن عمر الخمس سنوات والستة والسبعة يرفض الأجنبي، ويؤمن بالاستشهاد لقتله وإخراجه، وسوف يخرجون بطبيعة الحال، ولكن جثامين هامدة أو يفروا بجلودهم بالتمرد على قياداتهم كما يحصل كثيرا، ومنهم من ينتحر، سيتحقق من الحملة القول أنها حملة لنشر الديمقراطية وما هي إلا دعاية رخيصة أرخص من الديمقراطية المقيتة..
المنتدى يأتي في خضم ذلك، والأجدر لكل من صافح القتلة والإرهابيين الذين يقتلون لهم إخوانهم في أفغانستان وباكستان والعراق وفلسطين والصومال..؛ أن يبصقوا في وجوههم لا أن يصافحوهم ويبشّوا في وجوههم، لأنهم بعملهم ذاك إنما دخلوا في خانة المقاتَلة، والقاتل لغيره ظلما لا يستحق إلا القتل، فكيف يصافح العرب ومسئولوا دول العالم الإسلامي القتلة؟ صحيح قد يصافَح القاتل، ولكن مصافحته يجب أن تكون بكف محرقة ووجه تتطاير من عينيه شرارات الغضب الناسفة.
إن ادعاء نشر الديمقراطية في بلادنا بالقوة يعني إرهاب الناس على القبول بها، ويا ليتها كانت ديمقراطية حقيقية، فهي مجرد فكرة خيالية غير قابلة للتطبيق، وليست مطبقة في أي بلد في العالم، فالديمقراطية من الأفكار التقليدية القديمة التي أراد الإغريق تجريبها فاصطدموا بخياليتها، ثم إنها (أي الديمقراطية) بالمنطق الأمريكي والأوروبي تعني منع الناس من أي اختيار لا يتناسب مع اختياراتهم، فالذين اختاروا الاشتراكية اختاروا فكرا غير الفكر الرأسمالي، والرأسمالية لا ترى في اختيارهم حقا، ولذلك شرعت تشوش عيهم وتدفع بذراعها الخبيثة لتضخيم مشاكلهم وإشعال الحرائق بينهم وبين جيرانهم بغية نشر الديمقراطية إلى درجة أن طعِّمت الاشتراكية بالديمقراطية كذبا درءا للملاحقة الإمبريالية وسحبا للبساط الديمقراطي الخبيث من تحت بطونهم، لأنهم أهل بطون لا يفكرون إلا ببطونهم، فكيف لا يسمح للمسلمين باختياراتهم رغم ركوبهم الديمقراطية في الانتخابات الجزائرية التي أفرزت اختيارا شعبيا للإسلام وللجبهة الإسلامية للإنقاذ، وفي الانتخابات الفلسطينية التي أفرزت اختيار الشعب الفلسطيني لحماس؟
الأفغان ممن اختاروا لأنفسهم مع بعضهم البعض الإسلام، فلماذا لا يُتْركون لاختياراتهم؟ أليس الاختيار كما يقولون ديمقراطية؟ فلماذا لا يسمحون لهم بتطبيق نظامهم الذي اختاروه؟
إن الديمقراطية هي فكرة العصر الخبيثة، وهي لمن يختارها وهْم، فإذا اختارها الإنسان على وهميتها وخياليتها، فأي الديمقراطيات يختار؟ هل يختار ديمقراطية الاستعمار الأمريكي أم البريطاني أم الفرنسي..؟ هل يختار ديمقراطية القتل والنهب؟ هل يختار ديمقراطية سرقة بترول الشعب العراقي؟ هل يصطفي التطلع إلى خيرات الشعوب والأمم من أجل نهبها؟
إن عمل أمريكا للمصالحة مع المسلمين لن ينجح أبدا، لأن أمريكا في عنقها ديون كبيرة تتعلق بالقتل والنهب بدءا من زمن نشوئها على دماء الهنود الحمر وأشلائهم، وانتهاء بظلمها ولصوصيتها الذين باتا من قيمها الرفيعة ومثلها العليا، ومن كانت هذه صفاته فالصلح معه يبدأ من معاقبته على جرائمه أولا، ومنعه من التدخل في بلادنا كل بلادنا ثانيا، ولا أقول بلادي المغرب، بل أقول: بلادي المغرب وأفغانستان والصومال والعراق وكل البلاد العربية والإسلامية، هذه البلاد كلها يجب أن ترفع أمريكا والغرب وكل من ليس منا؛ يده عنها، وليس ذلك فحسب، بل يجب علينا أن نؤدبها على ظلمها ونحمي المستضعفين منها ومن طغيانها.. وسلوك المقاومين والمجاهدين ما هو إلا جزء من ذلك حتى يأذن الله بوحدة حقيقية تبرز لحمتنا الفكرية والنظامية والجغرافية فتمد يدها بالإحسان والرعاية لكل العالم، وتقطع اليد الممدودة بالظلم، أي ظلم، وفي أمريكا نفسها، وسحقا لفاليري جيسكار ديستان رئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق، وسحقا أيضا لكل من قلده في مقولته عقب ردم جدار برلين حيث قال: "يجب علينا أن لا نسمح للعرب أن يتحدوا".
إن ما تجنيه أمريكا من المحاولات مجرد ديكور تغبى كثيرا إن هي صدقت نتائجها، فالحكام العرب والحكام في البلاد الإسلامية مع جيوشهم من الأحزاب الاسمية وأهل الفكر والرأي والساسة لن يفلحوا في حمل المسلمين على حب أمريكا والصلح معها وهي لا تزال تقتلهم وتسرقهم.. ومهما مكيجوا، ومهما سجنوا، ومهما أخرسوا فإن كل ذلك لا يأتي إلا بالنتيجة الطبيعية التي تزيدهم عداء إلى عدائهم لها، وما على الحكام إلا أن يستجيبوا لأمتهم إذا كانوا حقا منها، لا أن يستجيبوا للقتلة الإرهابيين الذين يتدخلون في بلداننا ويرسمون لنا سياساتنا ويختارون لنا نمط حياتنا..
فطنت أمريكا لردة الفعل في كل البلاد الإسلامية ولدى كل المسلمين وأحرار العالم فعمدت إلى تجميل وجهها المشوه البشع في الوقت الذي أدرك العالم عامة والمسلمون خاصة أن وجهها قبيح لن تنفع معه وسائل التجميل مهما بلغت عبقريتها من الدهاء، يبقى أن ينهض الأحرار ودول العالم غير المستعمِر لإزاحة أمريكا عن قيادة العالم وإرجاعها إلى مبدأ مونرو إذا رضيت بذلك شعوب القارة الأمريكية.
كما يبقى أيضا أن يخرس المروجون للأفعى من الساسة والمفكرين والأحزاب الاسمية والمرتزقة ويكفوا عن الدعاية للقتلة، فمهما كانت مصالحهم في ذلك كبيرة، فإن مصلحتهم الأم هي في الوقوف بجانب حقوق شعوبهم وأمتهم، لا الوقوف مع الظلمة الذين يدغدغون أنانيتهم ويطلون جشعهم وينمقون عمالتهم..
=====

محمد محمد البقاش
طنجة في: 18 فبراير 2010