المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحلم والقبر



ياسر الششتاوي
05/02/2010, 04:11 PM
( الحلم والقبر )


طالما وعد خطيبته إنه سيكون أديباً مشهوراً , تتباهى به أمام الدنيا , وسوف يكون غنياً , عندما تباع كتبه , وتتمكن كلماته من سوق الأدب ، وسوف يغدق عليها ما تشتهي , ويدخلها في رحاب ما يبهر .
كانت دائما تشجعه ، وتشعره إنه أفضل رجل ، أخذ ديوان شعره الذي سكب فيه أمواج روحه المتقدة ، ذهب إلى القاهرة كي ينشره ، ودعها والشجن يكسو أعماقه ، راحت تدعو الله أن يصلح حاله ، وأن تثمر خطاه , احتضنت عيناه جوانح قريته , وعطر وجدانه برائحة الحقول , عمل في القاهرة في إحدى شركات الأمن ، كان يحرس بعض المحلات ليلاً ، ويقضي ما يوفره من نومه في التعرف على الأدباء والشعراء ، ذهب إلى أحد الشعراء المشهورين الذي طالما شاهده في التلفاز , كم تمنى أن يكون مثله ، أنتقى بعض قصائده ، وراح يعرضها عليه ، استقبله استقبالاً حسناً ، فزاد حبه لهذا الشاعر ، وخاصة أنه أثنى على قصائده ، ووعده أنه سوف ينشر له قصيدة غداً في الجريدة التي يعمل بها ، أشتاق أن تشرق الشمس حتى يرى قصيدته ، وهي منشورة في أكبر الجرائد , نوى أن يحتفظ بالعديد من نسخ الجريدة كي يريها لخطيبته ، وأهل قريته الذين لا تصلهم أقدام الجرائد , وفي الصباح وجد القصيدة منشورة ، لكن اسمه لم يكن موجوداً عليها , بل اسم الشاعر الكبير الذي يعشقه ويتخذه مثلاً أعلى , حاصرته صدمة عنيفة , وأحس بدوار شديد يقتلع ثباته من جذوره , فجلس على الأرض , وكأن محركات نفسه توقفت عن العمل , وكاد أن يغمى عليه , غير أنه لملم ذهوله , وانتشل عصف نفسه من بئر الخدعة الذي وقع فيها , و راح إلى الشاعر الكبير ، كي ينتقم منه , دخل عليه مكتبه في الجريدة , لم يتكلم كلمة واحدة , هجم عليه , ثم صفعه صفعة قوية , وضع الشاعر الكبير يده على خده , ثم نظر في يده , وطلب رجال الأمن , فانهالوا عليه ضرباً , هانت عليه نفسه , واسودت الدنيا في ناظريه ، فكر أن ينتحر , لكن ألف شيء كان يمنعه من ذلك , لم يذهب للعمل لمدة أسبوع , وجلس وحيداً يحاول أن يعالج مناحي نفسه من انهمار الاكتئاب الذي خيم في جنباتها .
حاول أن ينشر الديوان في أي جهة حكومية , لكن الشاعر الكبير بنفوذه الواسع كان يمنع ذلك , وكأنما يراقب خطواته , ويتحداه أينما ذهب , عرض إنتاجه على دور النشر الخاصة , فلم يجد دار نشر تقبل أن تغامر , وتنشر لشاعر مغمور مثله , لم يتحمس له أحدٌ رغم أن معظمهم أثنوا علي شعره , عرض عليه بعضهم أن ينشر ديوانه على نفقته الخاصة , لكن كيف .....؟؟ وهو الذي لا يملك مالاً وما يعمل به يكفي بالكاد طعامه وأجرة مسكنه , وشراء بعض الكتب , فهو يدمن شراء الكتب مهما كانت حالته المادية منذ تعرف على عالم الأدب السحري , وفي آخر دار نشر ذهب إليها , سخر منه صاحب الدار ونصحه أن يعود إلى قريته , فالطريق أصعب مما يتصور , ومن الصعب أن تصنع اسمك , خرج من عنده مكسور الخاطر , والهزيمة تستبيه , أحس بغصة تخنق الطريق أمامه , تذكر حبيبته , قرر أن يعود لها , وأن يتخلى عن أحلامه الأدبية لو لبعض الوقت ,وأن يسافر إلى إحدى دول الخليج التي يعمل به أولاد عمه , ثم يعود بما يكفي لنشر مائة ديوان , راح يعبر الشارع في شرود ٍ فادح ٍ , لم يلتفت حوله , فصدمته سيارة يمتلكها ابن مسؤول كبير في الحكومة , فأخذوه إلى المستشفى , واتصلوا بأهله وخطيبته التي لم ينقطع سيل بكائها , ليلاً ونهاراً منذ علمت بما حدث , دخل في غيبوبة كثيفة , وعندما تنقشع عنه غيومها السوداء , يردد
لن أموت سوف أنشر الديوان ثم يذكر الشاعر الكبير بأقبح ما يكون وتكفهر ملامحه ...... لن أموت .....لن .....لن أ....م .... و....ت
بدأت حالته تتدهور يوماً فيوماً , وعندما أفاق من غيبوبة دامت ثلاثة أيام , وجد خطيبته تبكي وتبكي , فبكي أيضاً وقال في أسى :
أنا أول من أحببت , وأنت أول من أحببت , أرجو أن تعطيني قلماً كي أكتب قصيدة , ربما تكون الأخيرة , زاد بكائها وراحت تمسح في شعره , ثم ذهبت مسرعة كي تحضر له قلماً , أعطته القلم و الورقة وساورها رغبة عارمة في أن تقبّله , لم تستطع منعها , والقلم يهتز في يده , قبلتْ جبينه , ثم نظرت إليه , كأنما تنظر إلى كنز , فابتسم الكنز لها , ثم وقع القلم من يده , فتعالت الصرخات في المستشفى , وأخذوا جثمانه إلى قريته التي خرجت في مشهد لم تشهده من قبل لاستقبال جثته , ودفنه , لم تعد خطيبته تذهب إلى دراستها وتغير حالها تماماً , ولم تعد تلقي النكات كعادتها , وأصبح السواد ملبسها الدائم , ولم تخلعه برغم مرور عامين على موت خطيبها , وقد جاءها العديد من الخطّاب , لكنها كانت ترفضهم , وتعلن أنها لن تتزوج أبداً , إلى أن جاءها ابن أغنى رجل في القرية , فصمم أهلها أن يزوجوها له بأي ثمن , وأجبروها على ذلك , وقبل يومين من الزفاف , ذهبت إلى قبر خطيبها , وأخذت تبكي , وتنادي عليه , إلى أن أوشكت الشمس أن يغرقها المغيب .


بقلم : ياسر الششتاوي

مصطفى البطران
05/02/2010, 06:59 PM
قصة مؤثرة شيقة
لغتها سهلة واضحة
البطل مغلوب على أمره
نهايته غير مرضية
ماذا لو تركتَ الفتاة ترفض فكرة الزواج إلى وقت غير معلوم ؟؟؟
لكانت النهاية مفتوحة
بكل ود أخوك : البطران

خليد خريبش
05/02/2010, 07:06 PM
أخي الكريم ياسر ،نص سردي جميل،قصة بما تحمل الكلمة من معنى .عندي ملاحظة أهمس بها إليك،وهي أن الأحداث تحتاج إلى متسع حكائي كبير،بدت مختصرة،فمن خلالها يمكن أن نكتب قصصا كثيرة تقبل تحياتي وفائق تقديري