المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشاركات قسم القصة



طارق شفيق حقي
31/01/2010, 11:05 PM
مسابقة المربد الأدبية الرابعة

من1/2/2010 حتى 1/3/2010


مشاركات قسم القصة



ملاحظة هامة:

على كل مشارك قبل أن يضع مشاركته هنا, الإطلاع على إعلان المسابقة (http://www.merbad.net/vb/showthread.php?16046&p=97433#post97433)
اضغط هنا للاطلاع (http://www.merbad.net/vb/showthread.php?16046&p=97433#post97433)

يحذف كل رد لا علاقة له بمشاركات القصة

فتحي فطوم
09/02/2010, 04:00 PM
قــصـص




( 1 )
شــــجاعـة

رآه يهبط درج مبنى المجمع الحكومي ؛ أخذته رعشة . صورته ما زالت محفورة في ذاكرته . تسللت قدمه اليمنى إلى كعب اليسرى ، ضغطت قليلاً ، أجابت أصابع القدم اليسرى بحركة مشابهة ؛ تعرت قدماه من النعلين ، انحنى ، خطف فردتي الحذاء ، وقف جاحظ العينين ، توترت أعصابه ، اهتزت يداه ، تقدم بحذر . لم ينس يوم بادره بصفعة ، أعقبها بصقعة ، ثم صرخ : " ضعوه بالدولاب " . تقدم ... تقدم ، قَدَّرَ أن المسافة بينهما أصبحت تسمح له بالحركة ، رفع يده اليمنى قليلاً حين أمسى قريباً من زاوية طريق فرعية ، انطلق مولياً الأدبار غير مُتَحَرِّفٍ لِلقاء آخر .


الأحد 27 أيلول 2009





( 2 )

شــــفافيـة


في اليوم الثاني لتكليفه مديراً لفرع المؤسسة دعا إلى اجتماع عاجل ، حيث أكد على ضرورة التقيد بالتعليمات وتلبية طلبات المواطنين دون تأخير، واستقبالهم بوجه بشوش ، وهو ـ من جانبه ـ سيعمل بشفافية ، و ... نظر بطرف خفي إلى هدى ، رئيس الديوان ، التي سبق له أن التقى بها أكثر من مرة ، فأوضح بصريح العبارة أن العاملات كلهن مثل أخواته ، وهذا موقفه الذي لن يتخلى عنه أبداً .
بُعيد منتصف اليوم كان أحد العاملين بالمؤسسة عائداً إلى بيته بحي التعاون السكني الغربي ، فلفتت نظره سيارة المدير المخصصة مركونة في إحدى الزوايا ؛ حينئذٍ لم يخامره شك بما يدور في شقة هدى ! مدَّ يده إلى جيبه ، سحب سلسلة المفاتيح ، اختار مفتاحاً منها ، تقدم من السيارة ، انحنى بحذر ، لم يستقم حتى رأى الدولاب ينام متهالكاً .
انتَبَذَ مَكَاناً يَرى منه ولا يُرى ، لم يَطُلْ مكوثه كثيراً ، رأى مديره بشحمه ولحمه وعظمه يتسلل من باب البناية ذاتها .


الأحد 27 أيلول 2009



( 3 )
وفـــــاة

في اليوم الأول لافتتاح الدكان تناول قطعة من الورق المقوى ، وكتب بخط عريض العبارة الشهيرة : ( الدين ممنوع والزعل مرفوع ) ، لكن هذا الشعار لم يطبق في قرية تل الزهور كالعادة . ثَمّ شيء لا يختلف عليه اثنان : دكان وعدم مسك دفتر للديون يعني انعدام البيع ، ثم الإغلاق !
دفتر الديون ينتفخ يوماً بعد يوم ، هذا شيء لا يثير القلق ما دام هناك مَنْ يوفي ذمته في أوقات محددة ، أما أن يتهرب أحدهم ، أو ( يطمس) في مكان بعيد مثل حال ابن حارته خضر موسى ، المكنى بأبي فايز ، فالوضع لا يحتمل ! ومما زاد الطين بلة موقف زوجه ، وتريديها بمناسبة وغير مناسبة : " ظافر ذمته عاطلة ، يحتاج إلى دواء يكوي كياً " .
ماذا يفعل ليحصل حقه ؟ فكر طويلاً ، رأى أن أسلوب بعض أصحاب المحلات بنشر أسماء المدينين والتشهير بهم أسلوب قديم ، يريد وسيلة شديدة التأثير وأنجع ..... ركب شاحنته الصغيرة ، وأمسك بيده مكبراً للصوت ، ثم انطلق وصوته يتماوج : " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . توفيت إلى رحمة الله تعالى ذمة خضر موسى ( أبو فايز ) ... لا صلاة عليها " . أعاد النداء ثلاث مرات ، ختمتها بصوت هادئ : " إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ " .
بعد ساعة كان فايز يقف قبالته في الدكان وهالة من الغضب تهز كيانه ، وإن حاول التخفي وراء ستارة الهدوء . سمعه يقول :
ـ هيك يا جار تفضحنا بالضيعة !
ـ أبوك هو السبب، لا تنسَ أن مَنْ يبَظ ( يفرك المؤشرة بالإبهام ) يبز* .
ـ وأنت لا تنسَ أنك ....
ـ كل شيء قابل للتصحيح بعد التسديد .... جرب وسترى .
فتح دفتر الديون ، وأشار إلى صفحة ظافر ، ثم ركز سبابته في أسفل الصفحة قائلاً :
ـ هنا الحل .
ما كاد يتسلم المبلغ من فايز حتى قفز إلى السيارة ، وأمسك بمكبر الصوت ، وفتح فمه : " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. سُبحانَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ... أدخلت ذمة ( أبو فايز) غرفة الإنعاش ، والوضع في تحسن ... ادعوا لها بالشفاء العاجل " .


الجمعة 9 تشرين الأول 2009

ــــــــــــــــــ


* ( يبظ ) : باللهجة الدارجة بمعنى يدفع . وقد جاء في معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس : " يقولون بَظّ أوتارَه للضَّرْب ، إذا هيّأها " . وفي مختار الصحاح : " في المثل : مَنْ عَزَّ بَزَّ ، أي مَنْ غَلَب سَلَب " . و( المؤشرة ) : السبابة .




( 4 )
محاضـــــرة

ضجرت القرية من كثرة الدراجات النارية ، وقَلِقت من ارتفاع وتيرة الحوادث ، ناهيك عن صخبها وهي تسابق الريح بين الشوارع والأزقة !
يكاد لا يخلو بيت من دراجة أو أكثر ، وكلها مهربة ، فما الحل ؟ ارتأت أطراف عدة أن نقص الوعي بأصول السياقة هو السبب ؛ لذلك اتُفِقَ على ضرورة الشروع بحملة توعية ، تكون بدايتها بدعوة المحامي أشرف لإلقاء محاضرة حول الوعي المروري ، وأثر ظاهرة تهريب الدراجات .
في قاعة المركز الثقافي ما كاد الأستاذ أشرف ينهي محاضرته حتى استرعى انتباهه شاب يشير بسبابته إلى فمه ، ثم يرسلها نحوه بحركة لولبية ؛ فأومأ برأسه أَنْ : اقترب . أقترب الشاب على عجل ، وهمس في أذنه بضع كلمات جعلت الأستاذ أشرف يهب واقفاً ، ثم يغادر القاعة وهو يلوح بيده معتذراً . حين وجد نفسه في الطريق أسرع إلى دراجته غير المهربة ، ركبها وهو يحدث نفسه : " يا بني ! قلت لك : لا شيء يدعو إلى شراء دراجة ثانية . أجبتني : واحدة مهربة بربع الثمن ... تفضل شف نتيجة السياقة برعونة ! " .


الثلاثاء 13 تشرين الأول 2009




( 5 )
تصفيــــق

دخل قاعة المركز الثقافي مع الداخلين ، سار حتى غدا بمحاذاة الصف الثالث ، اتجه إلى الجهة اليمنى كالعادة ، اختار المقعد الأول ، التفت خلفه قبل أن يهبط بسلام وسط ضجيج الأصوات والمقاعد . ارتفع صوت عريف الحفل ؛ فعم الهدوء . قبل أن يصعد المتكلم الأول المنصة صفق له مع المصفقين ، وودعه بمثل ذلك . ظل التصفيق يعلو ؛ نشل الجريدة المطوية من جيبه ، نظر إلى العنوان الرئيس ، أحس بشعاليل الخدر يسري في يديه ، ورمل النعاس يفترش عينيه ؛ دَنَا رأسه من صدره فَتَدَلَّى .
أفاق على صفقة قوية ؛ فصفق بشدة وهو ينظر إلى الأمام والخلف . كانت القاعة خالية تماماً ، وضوء خافت يعم المكان ، وثَمَّ شعاع قادم من البهو يخاتل الباب المتأرجح . داخله خوف ورهبه ، نهض ، بحث بعينيه عن موطئ قدم بين المقاعد ، سار وهو يمكو ويصدي* .


الأربعاء 14 تشرين الأول 2009





ـــــــــــــــــــــــ


* يصفر ويصفق




( 6 )
مـــــــازوت

في إحدى ليالي الصيف استلقى على فراشه فوق المصطبة كالعادة ، وكان قلقاً ؛ أفكار شتى طرقت باب مخيلته ، برزت أمامه صورة الشيخ علي وهو يردد : " إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ ... " ، لكنه لم يفلح في تذكر ما قبلها وما بعدها ؛ فحدث نفسه : " كيف لواحد مثلي أن يلعب أو يلهو ؟ " . تأمل النجوم المضيئة في صفحة السماء الصافية : واحد ، اثنان ، ثلاثة ... ضرب فمه بباطن يده أَنْ : أسكت . فجأة لمعت في ذهنه حكاية جده مع النجوم ؛ أشرق وجهه بابتسامة عريضة ، حدث نفسه : " الله يرحمك يا جدي ! فكرتك الغريبة غدت مضرب الأمثال ، كيف خطر لك أن تسأل جدتي : لو كانت النجوم تعمل على زيت الكاز ، فكم بلورة * تحتاج في كل ليلة ؟ "
التفت إلى زوجه الغارقة في نوم عميق إلى جانبه ، فوخزها أكثر من مرة حتى جعلتها تلتف حول نفسها مذعورة وهي تقول :
ـ اللهم ! اجعله خيراً ... مالك يا رجل !
ـ خطر على بالي خاطر .
ـ خاطر !
ـ عصر زيت الكاز ولى ، اليوم نحن في عصر المازوت .. يا ترى ! لو كانت النجوم تعمل على المازوت ، فكم برميل أمريكي تحتاج كل ليلة ؟
ـ رح اسأل جدك .


الأربعاء 21 تشرين الأول 2009




ـــــــــــــــــــــــ

* وعاء مخروطي سعته / 5 / ليترات


( 7 )
ســــــارق

تأفف صاحب الرفعة والعظمة ، واشتكى رأسه وظَهْرَهُ من الزمن الذي سرق الهدوء والسكينة من حياته ، وجعل الرعاع من الرعية يتمردون ؛ فتوترت أعصاب صاحب العسس ، وجحظت عينا كبير البصاصين ، ثم تحركا بسرعة البرق ، حيث أصدرا تعليمات مشددة لأتباعهم بإلقاء القبض على المسبب فوراً ، وإحضاره موجوداً .


الأحـــد 25 تشرين الأول 2009

-------------------------------------








تواصل


وصل أنْمار إلى سور محطة القطار . ما كاد يقترب من ردهة الانتظار حتى سك سمعه ضجيجٌ غريب الإيقاع ! عبر الباب العريض ، رأى حشداً من الناس . لأول مرة يسمع أصوات وقع أحذية المسافرين والمودعين تعلو أحاديثهم مَرَّةً وتسفُل أخْرى . ربما تكون نعالهم غليظة ، شديدة الوطء ! هنا خطر على باله قول الشاعر :


رِقاقُ النِّعال طيِّبٌ حُجُزَاتُهُمْيُحَيَّوْنَ بالرِّيحانِ يومَ السباسبِ

لم يكن هناك وجه للشبه بين أصحاب النعال الرقيقة والذين ( تعجق ) بهم الردهة الآن . لقد تغيرت المفاهيم بتبدل الأزمان ، أولئك كان أحدهم يخصف نعله ، ويُثْنَي طَرَف الأزِار، أما هؤلاء فلا يجدون راحة إلا إذا كانت أحذيتهم ثقيلة ، وصدورهم شبه عارية ، ولا بأس بارتداء نصف قميص .
أيام (القبقاب الشبراوي أو العادي) ذهبت إلى غير رجعة ، صارت معامل الأحذية (تتفنن) بطريقة تصنيعها،لا فرق بين (الحقير) منها و(المحترم) ، وأسماؤها كثيرة ، متنوعة تبدأ بأقلها مكانة (شحاط)، وتنتهي بأشدها قوة وصرامة (البوط أو البسطار) .
أمسك أنمار نفسه عن الضحك حين تذكر أحد زملاء الدراسة ! كان لذلك الشخص مِعْيَارٌ غريب في تحديد الشخصية ، فهو لا ينظر إلى قدرة المرء على تعليل تصرفاته والتحكم بها ، ولا إلى خبراته في امتلاك النفس ، وتكون العقيدة ..... إنه ينظر إلى حذائه ... نعم ..... إلى حذائه ، ومن ثم يحدد شخصيته . ذات يوم بوغت به أنمار يسأله عدة أسئلة ، بعضها لم يخلُ من الطرافة :
ـ أنت شايف مثلي ؟
ـ ما فهمت قصدك !
ـ الأستاذ أنور .
ـ مثله مثل بقية المعلمين بالمدرسة .
ردَّ بسرعة :
ـ أقصد شخصيته .
ـ ما لها ؟
ـ شخصية محترمة ، عليها القيمة ؟
استفسر أنمار :
ـ هل يمكن لك أن تقول لي كيف عرفت ؟
أجابه بهدوء وهو يحدق في الأرض :
ـ إنه ينتعل حذاء جميلاً ، لا بُدَّ أن يكون غالي الثمن .
كظم أنمار صرخة كادت تفلت منه :
ـ هكذا تقوِّم الرجال ؟
ـ إي نعم ... الحذاء هو الأساس . انظر إلى هذه .
أبرز أمام أنمار مجموعة من الصور المطوية ، بحيث لا يظهر منها إلا القسم السفلي ، وطلب أن يمعنَ النظر ، ويعطي رأيه بشكل الأحذية .
جاراه ليعرف نهاية الحكاية . أشار إلى حذاء أحدهم ؛ فزَّ أنمار رأسه بشكل آلي قائلاً بهدوء :
ـ جميل المنظر ، يبدو أنه ...
لم يدعه يكمل ، قلب الصورة ؛ فظهر وجه صاحبها ؛ عندئذٍ ضحك ، وقبل أن يسمع رأي أنمار راح يعرض الصور كشريط . كانت كلها لشخصيات تملأ الصحف أخبارها ، وينقل الرائي صورها .
ابتسم أنمار قائلاً :
ـ طريقة جديدة في القويم ! لو سمعتْ بك ( فاليريا موخينا )* لماتت غيظاً .
تساءل :
ـ ومن هي موخينا ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتبة روسية مؤلفة كتاب ( نشأة الشخصية ) يتحدث عن ولادة شخصية الطفل ، صدر بالعربية عن دار التقدم عام 1988
لم يجبه على سؤاله ، نظر إليه ملياً ، فكر : " ربما يكون معه بعض الحق ! لكن ... " . تمتم : " تضرب هيك شخصية " .
الآن ها هو أنمار ينظر إلى مواقع الأقدام ، يرتفع نظره قليلاً قليلاً ، يتوقف على مسافة ثلاثة أشبار ... السياقان غابة مختلفة الأشكال والألوان ، تضج بالحيوية . الأقدام متنوعة الأحجام ، مشدودة إلى نوابض مرنة . أطال التحديق ؛ امتزجتْ الألوان والأشكال . تعالت أصوات النعال بإيقاع شبه موزون ؛ تعانقت أيدي طائفة من الحضور ، رسموا حلقة كبيرة ، في الوسط انتصب عازف (الأرغول) وقارع الطبل. راعي الأول يقفز ويدور .... فكر : " يا للروعة ! كم تجذبكِ تلك الحركة الصاخبة ، النشطة التي لا يمكن لكِ أن تشاهديها إلا في محطات السفر ، أتمنى أن تأتي الآن وتشاركيني متابعة هذا المشهد ! " .
لم يمطل بأنمار الوقت ، رآها مقبلة عليَّه وهي تبتسم ابتسامة ذات مغزى ؛ جعلته يدور في دوامة من الأسئلة ، لكنها سرعان ما أشارت بيدها أنْ : اصبرْ، سأخبركَ .
انتبذا زاوية الردهة الشمالية الغربية بانتظار القطار القادم من الشمال . ما كادت يديه اليمنى ترتفع بهدوء حتى أبرزتْ المؤشرة *، ثم بدأتْ تُرِقِّصها في الفضاء ؛ فكر أنمار : " لا بُدَّ أن تلك الحركة تخفي وراءها شيئاً ما ! ". صنعتْ من يديها كلتيهما شبه بوق ، واقتربتْ من أذنه ، قالت بصوت يمزج بين الهمس والصراخ :
ـ سأقول لك لماذا كنتُ أبتسم . شو نسيت ؟ ألم أخبرك ... فن الإصغاء والتواصل موهبة تحتاج إلى صقل ، مَنْ يمتلكها يستطيع أن يسمع دبيب النمل ، ويفرز الأصوات السابحة في الفضاء . أصغِ إلى الأصوات التي تصدرها الأشياء المحيطة بنا ، ثم اجهر بِقِرَاءَةِ تفسيرها .
ـ والله ! أمركِ غريب ! كأني أحلم ... تطلبين مني أن أقرأ ما ... أقرأ ــــــــــــــــــــــــــــــ
* السبابة
شو ؟ نعرف أن لكل حي صوت مميز ، أما الأشياء الجامدة .... ثم ما حكاية أصواتها ؟
شعر أنمار كأن ذلك الضجيج خَفَت فجأة ؛ فسمعتها تقول بصوت واضح النبرات :
ـ كل شيء في الطبيعة له صوت .
ـ حتى الجماد !
ـ نعم ... نعم .
لم يجد نفسه إلا وهو يصرخ دونما انتباه :
ـ اللهم ! احفظنا ، وأبعدنا عن العمارة الصفرا .
ضحكتْ :
ـ هل تحسبني مجنونة ؟
ـ لا ... لكن ..
ـ بلا لكن ... دعني من هذا الآن . انظر إلى حذاء ذلك الرجل .
نظر إلى حيث أشارتْ . كان رجلاً ثقيل اللحم يتمايل بمشيته مثل البطة . تابعتْ :
ـ له صوت خُوار .
صاح متعجباً :
ـ خوار ! هل هو ثور ؟
ـ لا ... يصدر صوت خُوَارٌ.
ـ لم أفهم .
ـ حذاؤه مصنوع من جلد البقر ؛ لذا تراه يخور .
ـ ما هذا الكلام ؟
ـ والواقف خلفكَ له صوت رُغاء .
ـ تعني أن حذاءه مصنوع من جلد الجمال ؟
ـ أو الضَّبُع .
دخل دوامة الحيرة ! قال باستسلام :
ـ وماذا بعد ؟
تابعت كلامها على الوتيرة نفسها :
ـ أنتَ تعلم أن فم كل كائن حي يمتلك خاصية إصدار أصوات مميزة ، وكذلك الأنف ، و...
ـ ما الجديد في الأمر ؟
ـ الجديد هو دعوة إلى التواصل لمعرفة أصوات الأشياء الأخرى .
قال متبرماً :
ـ بتُ لا أعرف مَنْ هو المجنون منا !
ـ صبراً ... تدريب النفس وتهذيبها يكشف لك أن الأصوات التي يحملها الكائن تندمج بحيث يغدو الصوت جزءاً من حامله .
ـ هل أنا فهمت الأولى حتى أفهم الثانية ؟
ـ قلت لك : صبراً .... انظر إلى تلك الفتاة ، إنها تصدر فحيحاً
ـ حسب رأيكِ لا بدَّ أنها تحمل شيئاً ما مصنوع من جلود الأفاعي .
ـ جيد جداً ، بدأت تتواصل .
ـ وهذه الفتاة التي تخفف الوطء في مشيتها ؟
ـ لها صوت كأطيط الإبل .
ـ ماذا يعني هذا ؟
ـ حذاؤها من مواد مطاطية .
كادت تفلت منه ضحكة مجلجلة ، لكنه أدركها في آخر لحظة ؛ فأطبق عليها مع قليل من التسامح .
سمعتها تقول :
ـ لا تنسَ، اكتب إلي، سأرسل لك عنواني فور وصولي .
التفتَ إليها فاغر الفم هنيهة ، ثم سألتها :
ـ عن أي شيء تريدين أن ....
لم يكملْ الجملة ، تردد ؛ فقد رأى شاباً يقف على مسافة قريبة ، يدير لهما ظهره . كان يحمل دفتراً بيده اليسرى ، وثَمَّ شيء ما يبرز من تحت نطاق بنطاله ، هذا ليس كل شيء ...... كان يميل بعنقه ، وينظر بطرف عينه . بدا لأنمار أنه يسترق السمع ..... هنا يكون الصمت أفضل حالة يمكن أن يلجأ إليها الإنسان . انتظر حتى ابتعد ، ثم أعاد السؤال :
ـ عن أي شيء تريدين أن أكتب ؟
قالتْ بعجلة :
ـ اكتب لي عن كل شيء بالتفصيل ... كل شاردة وواردة .
ثم أضافتْ وهي تمسح نظرها بالمكان :
ـ لا تنسَ ... سنبقى على تواصل .
ـ من جانبي أنا مستعد .
ـ حسناً ، لكن لا تنسَ أن تبقى على تواصل مع الناس أيضاً .
ـ الناس ! أية فئة من الناس ؟
ـ الفئات كلها ، خاصة في ساعة الحزن والضيق ... مشاركة الناس بأحزانهم لا تحتاج إلى بطاقة دعوة ، بل أفراحهم هي التي تحتاج
ـ وأنا ... حتى لو ....
في هذه اللحظة رنَّ جرس المحطة ، أعقبه صَّفّارةُ القطار القادم قبل أن يتوقف ، بينما كانت عجلاته تصدر صوتاً أشبه بجرش الحصى؛ فأسرعتْ وهي تلوح بيديها .
لم يغادر المحطة إلا بعد أن توارى القطار عن ناظريه ، خرج من القاعة ، وقبل أن يهبطَ الدرج وقف هنيهة يتأملُ المدينة وهي تستقبل طلائع المساء ، على الرغم من ذلك شعر بالضيق قليلاً . لم يعدْ إلى البيت مباشرة ، سار على رصيف شارع المحطة على غير هدى ، وصل إلى مفرق طرق غارق بالأضواء الكاشفة ، اتجه إلى ساحة المدينة ، لم يتوقفْ عند محل معين ، لسبب بسيط ، فاليوم هو يوم جمعة .

بنور عائشة
12/02/2010, 01:38 PM
تحية طيبة ..........

أتمنى من الاخوة المشاركة بأعمالهم القصصية والفصل بين كل قصة وأخرى حتى يتسنى لنا القراءة الجيدة للأعمال ، مع مراعاة حذف القصص غير المناسبة من المكان أستاذي طارق شفيق حقي ...مع تحياتي لك.

بالتوفيق للجميع ........

دمت / عائشة

احمد رجب شلتوت
28/02/2010, 01:22 PM
الثابت والمتحول

قصة : أحمد رجب شلتوت

1
لم يكن قد مر شهر على استلامى العمل . حينما اقتحمت مكتب المدير غاضبا , وشاكيا زميلا ضبطه يأخذ رشوة .
2
ولم يكن اليوم نفسه قد انتهى حينما حكيت فى البيت عما حدث وانا مفعم بالسعادة
( امتدحت امى حسن تربية الاب , وألاب امتدح تدينى وحسن اخلاقى . قرأت : القناعة كنز لا يفنى , كانت على الجدار معلقة )
3
فى اليوم الذى يليه فضحت الزميل المرتشى . وحكيت عن فعلته لكل العاملين فى المصلحة .
4
ولم يكن الشهر الثانى قد انتصف حينما عدت للبيت حزينا لان المدير نقلنى الى مكان اخر بعيد
( خلعت الام طرحتها ودعت – بشعر راسها العارى – على المدير . ربت الاب مواسيا – على كتفى بحنان – وقرأت : الصبر مفتاح الفرج . ايضا كانت معلقة على الجدار )
5
شكا زميلى الجديد عن مرتبه الذى ينفد بعد اسبوع وعن أمه المريضه والزوجة الولود ومطالب العيال التى لا تنتهى . لذا لم اخبر أحدا بانى رايته ياخذ رشوة .

6
وذات يوم عدت للبيت حاملا اكياسا ملؤها أرطال لحم وفاكهة .
( فتح الاب كيسا وقضم تفاحه . ودعت الام بان يوسع الله فى رزقى . بينما تحاشيت النظر الى الجدار )

احمد رجب شلتوت
28/02/2010, 01:23 PM
المخبوء

قصة قصيرة

أحمد رجب شلتوت


يوقن الرجل الوحيد بأن ثمة كنزاً مخبوءاً أسفل الجدار، خبأه الجد لأجله، والجد ما يفتأ يزور حفيده فى المنام ليلة بعد أخرى، يطالبه باستخراج الكنز، أراه مكانه لسبع ليلات متعاقبات، أيقن الحفيد من صدق الرؤيا، فلا يجب أن ينكص أو يتقاعس .حفر فى المكان الذى حدده الجد، لم يجد شيئاً أترى شيطانا تقمص صورة الجد ليضله أم أن الجد هو من أضل حفيده ؟ قيل عن الجد إنه ولى صالح ذو كرامات، هو إذن لايكذب أو يدع الشيطان يتمثل بصورته.
واصل الحفر، وقبل أن يتمكن منه اليأس ارتطمت حافة الفأس بجسم معدنى .
أخيراً وجد الكنز .
صندوق من الحديد الصدئ، عالجه بالفأس حتى فتحه، تناثرت محتويات الصندوق على الأرض. ثمة أشياء بدت له بلا قيمة: زجاجات فارغة، رضاعات أطفال، عدد كبير من المفاتيح مختلفة الأشكال والأحجام، حطام لعب أطفال، وكيس ملىء بالمسامير، وقناع كبير من الورق المقوى .
أترى المفاتيح هى مفاتيح الكنز، والأشياء الأخرى للتعمية أو التمويه أم أن الخبل قد أصاب الجد الحكيم فى أخريات أيامه ؟
راح يطوف بالحجرات. يجيل النظر فى الأسقف والجدران. الندوب تملأ أوجه الحوائط تأملها فاكتشف أنها ترسم صورة للجد. يبدو إنه كان آثماً فاستحق أن يصلب على الجدران إلى الأبد .
قرر أن يدق المسامير فى الجسد المصلوب، ولما نفدت علق فيها محتويات الصندوق.
تخطت كل ملامح الجد، ولما فرغ تأمل الجدار فهتف: الكنز .. الكنز.
قفز وخبط رأسه بيديه والأرض بقدميه. فقد صنع من محتويات صندوق الجد لوحة رائعة، سيحول البيت إلى مزار، يدفع الزائر جنيها ليرى اللوحة، وخمسة إن أراد التقاط صورة لها.
أعاد التأمل فاكتشف فراغاً فى منتصف اللوحة، أيعلق فيه الصندوق ؟
لا ، فالصندوق صدئ وقمىء،.. علق مرآة، ليملآ كل مشاهد بوجهه فراغ اللوحة .
نظر فى المرآة، اكتشف شبها بينه وبين الجد. له نفس الملامح المصلوبة على الجدار. أغمض عينيه، فرأى نفسه يتأرجح فى المساحة الخالية عاودته النشوة لاكتمال اللوحة، أحضر حبلا. يثبت أحد طرفيه فى أعلى الجدار، يلف الطرف الآخر حول رقبته قبل أن يقفز فى الهواء .

احمد رجب شلتوت
28/02/2010, 03:11 PM
طائر وحيد ...
قصة : أحمد رجب شلتوت
_ 1 _

خبطت على صدرها بكفها لما أتاها النبأ . اتهمت زوجها :
- أنت المسئول . فلينتقم الله منك يا بن بهانة .
صامتًا تابعها وهي تسب وتلعن . تملأ وعاء بالماء . تزفر بضيق وهي تتعجل الماء المتدفق من فوهة الطلمبة . تصب الماء على رأسها . يخرج عن صمته :
- لم تجف الحناء بعد .
تواصل غسل الحناء عن شعرها ، وتعيد اتهام الرجل :
- أنت المسئول . محمود بن الغلبانة سيموت بسبب طيارتك يا بوطيارة .
لا يحب رائحة الحناء . هي تحبها وتلجأ إليها كثيرًا . تتحدث دائمًا عن فائدة الحناء لعلاج أوجاع الرأس كما أنها سنة عن الرسول ( ص ) . يرغب في إغاظتها :
- ليسا الصداع والسنة يا وطفة .
- أفتنا أفادك الله .
- الشعر الأبيض يا وطفة تريدين إخفائه خلف لون الحناء .
يدرك أنه أفلح في إغاظتها فيواصل :
- عجينة الحناء فوق رأسك تذكرني بأمك حينما وضعت الطين فوق رأسها يوم استشهاد أخيك .
- عقبال ما أشيل الطين عليك يا سعيد يا بن بهانة .
تنطقها وهي تسدل الثوب الأسود . تغطى رأسها بشال أسود أيضًا . يسألها :
- إلى أين ؟
- إلى المستشفى لأكون بجوار هنية . ابنها الوحيد فوق ثلاث بنات سيموت بسببك . ليته ينجو وترحل أنت .
- وهل تحلو لك الحياة بدوني .
- لا تحلو إلا بدونك .
- تكذبين .
- أتعرف لن ألبس الأسود عليك إلا يومين فقط .
يضحك فيزداد غيظها :
- أتعرف يا سعيد ؟ . بماذا تذكرني ؟ أنت مثل الساقية التي لا تدور . أتذكر بتوع السيما حينما صوروا فيلمًا في أرضنا . لم يجدوا الساقية التي يريدونها فأرضنا الآن نرويها بالمكن . يومها صنعوا ساقية من الخشب والكرتون . ساقية كده وكده لا تدور ولا تجلب الماء . أنت يا سعيد تذكرني بهذه الساقية .
* * *
كالعادة تغلبه فيلزم الصمت .
ولما تنتهي تصفق الباب خلفها بشدة ويحبو سعيد صاعدًا إلى السطح ..

- 2 -



سعيد الكسيح لا عمل له .
في طفولته أصابه المرض فأتلف ساقيه . لم يذهب إلى المدرسة . إستعاض الأب بشيخ الكتاب .
يأتي الشيخ كل يوم قبل المغرب بساعة . يكن سعيد قد عاد من الحقل . ينزله الأب من فوق الكارو . يحبو داخلاً البيت . تغسل له الأم يديه ووجهه . تغير جلبابه ويجلس منتظرًا قدوم الشيخ .
* * *
حفظ سعيد سبعة أجزاء من القرآن في زمن قياسي لكن غلظة صوته قضت على حلمه بأن يصير مقرئًا للقرآن . فقد حماسه لما أدركه اليأس فلم يكمل حفظ الجزء الثامن ، فأضاع على البيت فرحة حفل ختم القرآن ، وأضاع على الشيخ الجبة الصوفية التي وعده الأب بها .
* * *
أقلع الشيخ عن عادته في الحضور لكن سعيدًا واصل الرجوع من الحقل قبل المغرب بساعة أو يزيد . لم يعد ينتظر الشيخ . يحبو صاعدًا الدرج الحجري . لا يدخل الحجرات إلا عند النوم . يقضي الوقت منذ الغروب وحتى إنتصاف الليل في ذلك المربع بين السور الخشبي للسلم والحجرات . مربع طول ضلعه أربعة أمتار . بيسمونه " الحصير " .. مساحته هي مساحة عالم سعيد .
يرقد سعيد فوق الحصير شاخصًا في الحقل فمن أين تأتي ؟ خاصة تلك التي تسميها أمه " وز عراقي " تظل في طيرانها صامتة حتى تصبح فوق البيت . ترى سعيدًا فتناديه . يمد ذراعيه كما لوكنا جناحين . يحاول تقليد الصوت لكن الوز العراقي يواصل رحلته ولا يأبه لرد سعيد .
يفكر أن يقلل المسافة بينه والطيور . فليصعد إلى السطح . يحبو باتجاه السلم الخشبي . يمسك بأولى الدرجات محاولاً الاستناد عليها ليقوم ، لكنه لا يستطيع . لا يصل أبدًا للدرجة التالية مهما حاول . يرمق السطح بأسى . ينادي الطيور التي لم تعد في سمائه . يحبو مبتعدًا عن السلم . يعود لرقاده فوق الحصير شاخصًا نحو السماء .
* * *
يسأله الأب ساخرًا عن عدد النجوم فيرد بتقليد صياح الوز العراقي . تندب الأم حظها فالابن الذي رجته من الدنيا فقد عقله بعد ساقيه . تبخره وترقيه فلايكف . تهمس في أذنها جارة باسم جارة أخرى لم يفلح ابنها في حفظ أية من القرآن . تأتي الأم بقطعة كبيرة من شيء تدعوه " شبة " وتأتي بورقة ومقص . تقص الورقة على شكل عروسة . من صدر جلبابها تنزع إبرة وتثقب الورقة ثقوبًا بعدد الجارات اللائي رأين سعيدًا ولم يصلين على النبي . تمتليء الورقة بالثقوب . فتوقد الأم النار . تحرق الشبة . يتسلى سعيد بمتابعة الشبة المحترقة في تحولاتها . تتخذ أشكالاً عدة ، وترى الأم في كل شكل صورة لحاسدة محتملة . تكمل الأم علاجها ، فتحرق العروس الملأى بالثقوب ثم تمسك برمادها تعجنه مع بقايا الشبة المحترقة ، وترسم بها على جبهة سعيد صلبانًا بينما شفتاها تتمتمان بـ " قل أعوذ برب الفلق .. "



-
– 3



اقترح الأب أن يزوج سعيدًا ، فاختارت الأم " وطفة " . إعترض الأب :
- ألم تجدي إلا بنت الكلاف .
- ما لها ؟
- أصلها مثل وشها .
ردت بحسرة :
- الجميلة بنت الأصول لن تقبل بسعيد زوجًا.
* * *
رفض سعيد الزواج . بكى ورفض العودة من الحقل . سألته الأم عن السبب فطلب بيتًا في الخلاء . رضخ الأب بنى حجرة واحدة بجوار الحقل .
الدرج الحجري يقود سعيدًا مباشرة إلى السطح ، فلا يغادر إلا حينما تلهبه شمش الظهيرة بينما وطفة تعمل في الحقل أو ترعى دجاجاتها في البيت .
لا عمل لسعيد إلا مراقبة الطيور ومناداتها . حتى تلك الطيور الورقية يناديها . أحبها وصاحب صناعها . علموه فصنع لنفسه واحدة . أعجبته فصنع غيرها . أتقن صنع طائرات الورق فأشتهر بها . أشارت عليه وطفة :
- ما دمت قد أفلحت في شيء فلماذا لا تكسب منه ؟

- 4 –
يتعجب سعيد لأمرها . شجعته على صنع الطائرات بغرض بيعها وهاهي تلومه الآن . ما ذنبه لو مات محمود بن هنية .
يحبو سعيد صاعدًا الدرج . لم يزل الجو ساخنًا لكنه لا يهتم . في الركن أدوات صناعته . يشرع على التو في صنع طائرة كبيرة ، بطول البوصة كلها .
يتخيل الشكل فيفرح . ستكون طائرة ليس كمثلها طائرة . سيفاجيء بها وطفة . سيمد الطائرة بكل مالديه من خيط ويطيرها حتى مستشفى البندر لتراها وطفة وهنية ومحمود .
الهواء يحمل الطائرة وسعيد يرخي لها الخيط . تعلو الطائرة وتبتعد . ينتشي سعيد ويصيح كالوز العراقي .
تبعد الطائرة وتصغر . تبعد وتشد الخيط بقوة . يرقب سعيد طائره ويتمنى لو كان هو الطائر .
آه لو ينظر – ولو لمرة واحدة – إلى البيوت والحقول من فوق . يرى السطح صغيرًا ووطفة لا تبين .
يصيح مقلدًا كل الطيور . بينما طائره يبتعد ويشده ، يناديه .. يحرك ذراعيه كما لوكانا جناحين . يحبو باتجاه حافة السطح . طائره يشده .. يناديه . يناديه .. ولا يملك سعيد إلا أن يلبي النداء ...




أحمد رجب شلتوت

هبة الله محمد
28/02/2010, 07:45 PM
بداية




غريبة هي دقات الساعة تارة كئيبة مملة تارة أخرى صاخبة سريعة.. الروح السقيمة تهدهدها الدقات..تتناغم مع دقات قلبها الشيء الوحيد الذي ينبئها بأنها على قيد الحياة ..فعلا قيد الحياة..متى بدأت تحس أن الحياة قيد حقيقيا يربطها بعالم لا تنتمي إليه بأي حال من الأحوال..يوم أخر يمر ولا شيء يتغير الكرة الأرضية تدور حول نفسها فتنسخ اليوم من الأمس والغد من اليوم..حزن عجيب يتسلل إلى روحها..لا تعرف من أين أتى وكيف ينمو بداخلها يتغذى على سعادتها التي تذبل يوما بعد يوم..اعتادت أن تنسى أحزانها بالاندماج وسط الآخرين..واليوم ذهب الجميع هي فقط هنا ظل جماد مهمل على الحائط...حتى الهاتف حرمها دفء رنينه...قلبت في أوراقها القديمة... قصاصات الورق التي احتفظت بها..كلمات كتبتها ثم نسيتها..سقطت في يدها ورقة.. مخلفات من روحها الثورية القديمة تقول فيها لابد أن تنبع سعادة الإنسان من داخله..تعيسا هو من يترك سعادته في أيدي الآخرين..هزتها عبارتها نفضت عنها غبار أيام عاصفة..توكأت عليها لتنهض وتبدأ حياة جديدة.

هبة الله محمد
28/02/2010, 08:00 PM
أشياء غريبة تحدث
لا أعرف لمَ ألحت ذكراه على خاطري فجأة،وقررت أن أزوره؛صديقي القديم(على الجندي).أطل عجوز من فتحة الباب ونظر إلىّ للحظات نظرة غريبة؛لم أستطع أن أفهمها.سحب رأسه للداخل ثم أخبرني وهو يغلق الباب في وجهي؛ بأن (علي الجندي) ترك الشقة منذ عشرين عاما.غريب هذا!!،العالم يتغير بسرعة مذهلة.ظللت في حيرة حتى صعدت إلى شقتي..عشرون عاما!!!،لا بد وأن الرجل قد جنّ أو أنني قد جننت.عشرون عاما!!!،من المستحيل أن أصدق.قد أكون طرقت الباب الخطأ؛هذا يحدث كثيرا،وقد عنّ للرجل أن يسخر مني بتلك الطريقة القاسية . عشرون عاما!!! ،هذه أسخف دعابة سمعتها في حياتي.
دققت باب شقتي ولم يفتح أحد..دقات أخرى وأجابني الصمت.اضطررت إلى اللجوء إلى المفتاح الذي في جيبي..الشقة باردة وخاوية..انتابتني رعشة غريبة وأنا أخطو فوق الظلام المكدس بالداخل..يبدو أن زوجتي والأولاد لم يعودوا بعد..متى سيعد الغداء إذن؟..أشعر بجوع حقيقي يهز حواسي النائمة..ولكن..لا بأس..سأنتظر..ألقيت بالمفاتيح على الطاولة،وطوحت بجوعي وحيرتي وراء ظهري،وأنا اتجه إلى الشرفة..العادة الغريبة التي بدأت أمارسها هذه الأيام هي الاهتمام بالنباتات المزروعة في الشرفة..لم أكن أهتم بالأمر لكنني فجأة أصبحت مغرما به..التقطت رشاش المياه النصف ممتلئ واتجهت نحو النبات الذابل..رأيت ابنة الجيران جالسة،تقرأ كتابا،ولسبب ما بدت لي في تلك اللحظة بارعة الجمال..ما هذا الذي أقوله؟..إنه لا يليق بسني إطلاقا..لكنني- ولدهشتي-آتي بحركات صبيانية لأجذب انتباهها.تبا ،ما هذا الذي أفعله؟..لكن الفتاة رائعة بالفعل.لو جاءت زوجتي الآن لحطمت رأسي ورأسها، ولكن ليس هذا هاما على الإطلاق فإن الفتاة......تبتسم. نعم،إنها تبتسم لي؛ لي أنا.كدت أطير من الفرح.اقتربت لأجاذبها أطراف الحديث لكنها لم تلتف لي.لقد كانت تبتسم للفتى الرقيع في الشرفة المقابلة.كدت أقذفها بالرشاش الذي في يدي،لكنني ألقيته على الأرض في عنف،ودخلت محبطا إلى الداخل.ارتميت على الأريكة،وبعينين لا تريان شيئا ظللت أحدق في السقف.انتبهت على دقات الساعة؛إنها الثالثة،الثالثة فقط. ألا تتحرك هذه العقارب أبدا كأنها تسير إلى الوراء.اليوم طويل؛ طويل وخاو؛كشقتي الخاوية،ومعدتي الخاوية؛ الجوع يلتهم أحشائي من جديد.تذكرت فجأة أنني لم أتناول أقراص دوائي بعد.نهضت بجسد مثقل،وذهن مشوش،وابتلعتها مع لقمة خبز جافة تهدئة لمعدتي الخاوية.عدت إلى الأريكة من جديد،محدقا في اللاشيء..خيل إلىّ أنني أرى الأشياء باهتة؛ كأنّ ضبابا خفيفا يغلفها..لعله تأثير الدواء فحسب،لكنني ولأول مرة لاحظت الغبار الذي يغطي الطاولة،وخيوط العنكبوت المدلاة في الزوايا المظلمة.يبدو أن زوجتي لا تقوم بأعمال التنظيف كما يجب،زوجــــــــتي!!،ولكن زوجتي ماتت منذ زمن.أولادي رحلوا كذلك؛لم أعد أذكر إلى أين..(على الجندي) مات منذ عشرين عاما.ليس هو فقط بل كل معارفي تقريبا.أنا فقط بقيت.تجاوز عمري المئة و يأبى أن ينتهي.الآن أعرف من أنا جيدا.مجرد عجوز تعيس تمسك بتلابيبه الحياة،وتأبى أن تفلته..يرغب في الموت ويخشاه و.........ها هي الأشياء تتأرجح أمام عيني؛ تترنح وتتلاشي في العدم..أخيرا..ستجيء الإغماءة المباركة وتنسيني الحقيقة إلى حين،آه،ليتني لا أتذكر أبدا.
هبة الله محمد حسن.

(hmhdecember@gmail.com)

.

هبة الله محمد
28/02/2010, 08:03 PM
ازدواج
- "عرفيني بنفسك أكثر..من أنتِ؟"
اكتسبت كلماتها لمسة سخرية كئيبة:
- "أنا!!.. أنا مجرد فتاة عادية إلى درجة أكبر مما يمكن أن تتصور.."
- "أنا أيضا مجرد شاب عادي..ماذا يمكن أن أقول لك.؟.اسمي بالكامل هو شريف محمد وهبة، والدي رجل أعمال معروف، يملك العديد من الشركات، وبالتبعية طبعا سأعمل في إحداها بعد تخرجي من كلية الهندسة هذا العام..هذا كل شيء.."
- "وهذا ما تعتبره أنت عادي!!!"
- "على الأقل هو كذلك بالنسبة لي.."
سألته فجأة:
- "ألم تفكر في العمل بالتمثيل؟"
رد بلا مبالاة تحمل سعادة خفية:
- "لماذا؟"
ارتبكت أحرفها:
- "أقصد أن مظهرك طبقا لما أراه مناسبا، كما أنا مكانة والدك يمكن أن تساعدك على الدخول في الوسط.."
- "ولد يا سيد..!!"
اخترق الصوت الحلم:
- - "أمك تنادي عليك.."
كتب على الشاشة بسرعة:
- "لدي عمل هام..أراك لا حقا.."
ثم أغلق المربع الحواري الذي يحوي بقايا محادثته وصورته الزائفة..
دس قدميه في خفه المهترئ ونهض..
نظر إليه الرجل في سخرية:
- "ألا تنوي أن تجد عملا بالدبلوم، بدلا من التسكع طوال النهار؟"
وضع سيد الجنيه في يده، وأحنى رأسه وهو يغادر دون أن ينطق بكلمة واحدة..

تمت بحمد الله

هبة الله محمد
28/02/2010, 08:13 PM
القصة التي أريد الأشتراك بها في المسابقة هي
"أشياء غريبة تحدث"

محمد حسن سليم
28/02/2010, 08:24 PM
الخروج

كنت واقفا أمام سيارتي الجديدة، انظر إليها بإعجاب وتباه؛ فلا يوجد في الحي من يملك مثلها، سواء من ناحية ثمنها أو لكونها أحدث طراز في فئتها.لاحت مني التفاتة إلى مرآة السيارة الكهربائية، التي تظل شامخة من جانب سيارتي.نظرت إلى وجهي في المرآة، هالني ما رأيت؛ أ هذا أنا ، ما هذا السواد، حتى الكريمات الحديثة عجزت عن أن تعيد لوجهي ما كان عليه من ضياء.سرحت بخاطري وأنا أنظر في عيني في المرآة..لم تمض سوى سنوات قليلة على حياتي في حي الأغنياء المغلق علينا، حتى أصدقائي لا يستطيعون الوصول إلى بيتي إلا بعد أن يتصل بي الأمن لأحضر لاستلامهم على البوابة ليزورني؛ فالحي تحيط به أسوار عالية، حتى لا يرى الفقراء الحاسدون ما نحن فيه من نعمة.شعرت أن عينيّ تكلماني في المرآة، تقول: أنت لم تتجاوز الأربعين، وكأن وجهك في الثمانين..ألا تعرف لماذا؟..كنت تؤدي الصلاة ساعة الآذان، وكنت تصوم رمضان، وكان قلبك يرق لأي فقير، ومسكين، وتتمنى لو كان مرتبك ضعفين حتى تساعدهم فيه..اليوم لا صلاة، ولا صيام، حتى رمضان اكتفيت بمائدة الرحمن التي تقيمها أمام مصانعك وتقول لنفسك أنك تفوق الصائمين لأنك تطعم أكثر من مسكين في اليوم الواحد. شعرت بقشعريرة في جسدي..ما هذا؟، ماذا جرى لي؟...أهي الحياة الأوروبية الأمريكية التي أحياها وأراها أمامي أم بدايتي؟..كنت موظفا جامعيا أيام كانت الحكومة تعطف على خريجي الجامعة وتعينهم، وكان مرتبي يكفي بالكاد ولم أكن أملك ترف التفكير في شقة وزوجة، وكنت أعيش راضيا في بيت والدتي رحمها الله أنا وباقي أخوتي..ومن خلال وظيفتي تعرفت على تاجر خردة أعجبه في شخصي أني رفضت رشوة عرضها عليّ، وصارت صداقة وثيقة، كل ليلة لابد من السهر معه.في البداية كان السهر بريئا ثم تعلمت شرب المكيفات..أمضيت معه قرابة العامين صداقة متينة فلولا أنه علمني شرب المحرمات والممنوعات لكانت أجمل صداقة..لم أسمعه يوما يتكلم عن زوجته إلا باسم الحريم.. محرم على أي من كان الاقتراب أو الحديث.في يوم من أيام الصيف التي يطول فيها السهر ويغدو الاستيقاظ مبكرا بمثابة عقوبة..أيقظني رنين هاتفي المحمول الذي يصر على أن استيقظ.قمت متكاسلا، أجابني الصوت من الناحية الأخرى..صوت يبكي، صوت لم أسمع أجمل منه، يخبرني بوفاة صديقي المعلم عزوز، وعندما وصلت إلى فيلا المعلم عزوز والتي أدخلها لأول مرة حيث كانت لفاءاتنا تتم في مبنى لزوم السهر، وسط شونة الخردة.طالعتي وجهها الباكي..يا الهي ما هذا الجمال؟..أهي ابنته؟..لقد أذهلتني عندما أخبرتني أنها زوجته..خرجت من لساني كلمات تقال في مثل تلك المناسبات..تناولت القهوة واستأذنت في الانصراف، وفي داخلي شيء يتمنى عدم الانصراف من أمامها رغم كآبة الموقف، وتحقق غرضي، فقد نظرت إليّ نظرة كلها رجاء:
- "أرجوك..لا تنصرف..فأنت الوحيد الذي كان يثق فيه المعلم عزوز، فقد رفضت الرشوة منه في زمن صارت الغالبية تعتبرها إكرامية أو عمولة مقابل أداء الخدمة.."
ظللت صامتا، وكنت أشعر بداخلي بالفخر والإعزاز، فالطيب لا يضيع مع الزمن مهما طال..لم تضيع وقتها فهي سيدة أعمال كزوجها رحمه الله..عرضت علي الموقف بكامله، وطلبت مني تولي الأمور كلها، وأن التوكيل باسمي سيكون جاهزا في الغد..خمسة أشهر أتردد عليها وكنت أمينا بطبعي فحققت لها ماليا ما لم يكن يحققه المعلم نفسه..عرفت منها أنها تملك كل شيء، فلقد كان هذا هو شرطها لموافقة على الزواج من المعلم عزوز، كما عرفت أنه لم ينجب منها.صار اليوم الذي لا أراها فيه يوما مملا ثقيلا..ما هذا؟..هل تعودت عليها أم أحببتها؟..وأين أنا منها؟..فلا أملك غير راتبي..فلأصرف هذا الخاطر عني فإنني لا أتلقى منها مرتبا أو حتى عمولة..


***

رنت إليّ بعينيها وقالت:
- "لمَ لم تتزوج حتى الآن؟"
اندهشت للسؤال لكني فهمت عرضها، فعرضت عليها الزواج..وافقت على الفور..لابد أنها كانت تشعر بنفس الميل..خمس سنوات مرت، أنجبنا فيها ولدين وبنت..ثم صارت الفيلا بمكانها لا تصلح لنا..لماذا؟..لأن رجال المال يعيشون في أحياء خاصة بهم..وأنا صرت منهم..وها أنا اليوم أعيش في حي الأغنياء..ضحكت في داخلي، عندما تذكرت حادثة المهندس الذي يحاكم لأنه أسس جمعية تبادل الزوجات..هنا في هذا الحي، نحن متقدمون جدا ومتحضرون، تبادل الزوجات هنا ليس بحاجة إلى جمعية..سرت الغيرة في صدري، وصحت في داخلي، ولكن زوجتي..ثم اطمئن بالي محدثا نفسي..طالما أنني لم أفعل فزوجتي لم تفعل..تذكرت قصة تاجر السقا وتاجر الذهب؛ دقة بدقة، ولو زدنا لزاد السقا.من جديد نظرت في عيني في المرآة، هل أعود كما كنت إلى سابق عهدي؟..وشعرت بنفور غريب من سيارتي التي أتباهى بها أمام سكان الحي..أريد الالتجاء إلى غرفتي؛ إنها مكاني الذي أعيش فيه داخل نفسي.في طريقي حمام السباحة..ها هي زوجتي ترتدي المايوه وكذلك صديقاتها، رفعن أيديهن لتحيتي ، لم أجد في نفسي الرغبة في رد التحية؛ وفي النظر إليهن..أهذه حقا زوجتي؟..قبل سنوات خارج هذا المستنقع عفوا أقصد الحي الذي أعيش فيه..كانت زوجتي تبكي لو سقطت الطرحة منسابة من على شعرها الناعم؛ فهي تبكي لأن غيري رأى شعرها، اليوم ترتدي المايوه وكأنها ترتدي عباءة فلا حياء ولا خشية..في حجرتي دار صراع، نفسي تصارع نفسي..هل أستطيع الخروج من ذلك الوحل؟..ما موقف زوجتي؟..ما موقف أولادي؟..سيقولون فقري ومتخلف، وغير متحضر..وماذا عن حسد الفقراء؟..هذا أمر سهل يمكنني التغلب عليه بمساعدة المحتاجين، ولكني لا يمكنني التغلب على نفسي وزوجتي وأولادي..يا رب ساعدني، اهدني إلى الطريق المستقيم..أنت الهادي..أمد يدي إليك..ادعوا لي جميعا بالهداية ،فمازلت أعيش في هذا الحي إلى اليوم وحتى متى لا اعلم..الله وحده عليم..







من قتل أبو سويلم؟



من عادتي كلما ذهبت إلى قريتي أن أختلي ونفسي على جسر الترعة المارة بقريتنا، وأختار وقت الظهيرة حيث الكل تقريبا في قيلولة فلن يزعجني أحد.أتطلع إلى مياه النيل الصافية بعد أن خلت من الطمي الذي حجزه أمامه السد العالي وارقب الأسماك الصغيرة وهي تعوم على سطح الماء غير عابئة بما يحيطها من أخطار. إنها تذكرني بطفولتي المرحة؛ فقد كنا صغارا لا نقيم للمخاطر وزنا كتلك الأسماك الصغيرة لتفاجئها سمكة كبيرة تلتهم ما تمسك به من تلك الأسماك الصغيرة. إنها موازين القوى الغاشمة؛ القوي يأكل الضعيف بلا رحمة كما نفعل نحن البشر الآن.هل تدلي مستوانا فصرنا في أدنى سلسلة الفقاريات[1] (http://www.merbad.net/vb/showthread.php?16048&p=97435#_ftn1) ولماذا؟..ومن أجل من يفعل ذلك البشر يلتهم قويهم ضعيفهم.إن العملاء يقرون لنا بحقيقة أن الدنيا كلها، الكرة الأرضية، تعادل حجم حبة رمل في الصحراء إذا ما قورنت بالكون المعروف، وهذه حقيقة علمية وليست نظرية.إن الكون المعروف، هو الذي نراه بالتلسكوبات، أما الكون الغير معروف فهو كل ما هو خارج عن قدرة التلسكوبات على الرؤية. حبة رمل نعيش عليها ونتقاتل عليها؛ سرقة، ظلم ، احتلال، غش، كل الموبقات.شعرت بضآلتي ، إنني إلكترون صغير يعيش في ذرة من ذرات حبة الرمل المسماة بالدنيا. ماذا لو قارنا الكرة الأرضية أي الدنيا بالكون الغير معروف الخارج عن حدود رؤيتنا بالتلسكوبات، لابد أنها ستؤول إلى لاصفر، فأين أنا من هذا الصفر، رحماك يا خالقي..
قمت من مكاني منتفضا فقد راعني صوت صراخ عال، وحين التفت كان هناك دخان كثيف يعلو في السماء.أسرع على القرية مهرولا وجاءني الخبر اليقين من أول شخص قابلته:
- "أحرقوا نخيل أبو سويلم فمات لحظة موت نخيله.."كان أبو سويلم، رجلا متوسط الطول قوي البنية ، لا يجيد القراءة ولا الكتابة وكل ما يتميز به أنه يجيد تلقيح لنخيل ويملك عددا منه حيث يعيش هو وأولاده على إيراد ذلك النخيل.عندما حل المساء تجمع الرجال أهل القرية في مبنى الدوار؛ لأداء واجب العزاء وللتشاور في كيفية مساعدة ومساندة أرملة أبو سويلم وصغارها.إنها عادة كريمة أن يتكاتف أهل القرية في الشدائد أو عند المحن.جلست كعاتي في تلك المواقف، لساني صامتا ، وبداخلي حوار لا يجري أبدا على لساني.إن نفسي تحادث نفسي، لقد صارت نفسين يتحاوران ويتناقشان في صمت بلا كلام وأنا عاجز عن اسكاتهما، وحتى لو طلبت ذلك؛ فأمري لهما غير مطاع.إنهما يتناقشان في هدوء ودون صخب ودون أن يسب أحداهما الأخرى حتى يتفقان على رأي واحد، عندها تعود لي نفسي تارة أخرى وقد كساها الصفاء والهدوء قالت الأولى للثانية من قتل أبو سويلم قالت الثانية لجنة وزارة الزراعة التي أخرقت النخيل، ردت الأولى بالنفي لجنة وزارة الزراعة كانت تؤدي عملها وتمنع انتقال الآفة التي أصابت نخيل أبو سويلم من الانتقال إلى باقي نخيل القرية وربما القرى المجاورة، قالت الثانية إذن تلك الآفة التي أصابت أخي أبو سويلم هي التي قتلته وأحرقت نخيله، ردت الأولى بالنفي فتلك الآفة لا تعرف من هو أبو سويلم ولم تكن حتى تعرف الطريق إلى قريتنا.كنت أستمع إلى ذلك الحوار بداخلي ولا يشعر به أحد من الجالسين حولي.إنني لا أصرح بما يدور في عقلي إلا إلى القلم والأوراق فقط، مخافة أن تذهب ظنون الناس بي إلى أشياء أخرى.
هل هي ميزة موجودة عند كل البشر.إنني أراها نعمة من الله، وإن كانت أحيانا تسبب لي توترا شديدا، فكما تعلمون أن ميكانيزم النوم يحدث حين يرد الدم إلى المخ بصورة طبيعية وعادية، فلا يمتلئ الهايبوثلامس بالدم ولنطلق عليه مجازا الجس الصنبوري بدلا من هذا الاسم الاتي.غن هذا الجسم الصنوبري إذا امتلأ بالدم فلا سبيل إلى النوم وفي بعض الليالي تنقسم نفسي على نفسين ليدور بينهما حوار يجعل الدم يتوارد بمعدل أعلى إلى المخ، نتيجة التفكير فيمتلأ الجسم الصنوبري بالدم فيهرب النوم؛ فأعلم أنني مستيقظ لا محالا إما إلى أن ينتهي النقاش بداخلي أو أن يطلع النهار فأذهب إلى عملي مهدودا من عدم النوم، ومع هذا فأنا راض بذلك؛ فهذا النقاش الذي يدور بداخلي غالبا ما يدلني على الخير؛ فمنذ عدة سنوات.أساء لي أحد أقربائي إساءة آلمتني فقررت أن أنتقم منه لقدرتي على ذلك، ولكن حين دار النقاش بداخلي راحت النفس الثانية تعدد مساوئ هذا الشخص، والأولى ترد عليها بمحاسنه حتى أقنعت الأولى الثانية بأن محاسنه تفوق مساوئه فعدلت عن الانتقام.ألم أقل أنها نعمة من الله.
أفقت من هذا الحوار الداخلي على كلمات الشكر والترحيب. لقد حضرت لجنة وزارة الزراعة التي أحرقت نخي أبو سويلم لأداء واجب العزاء في أبو سويلم ورجال القرية يرحبون بهم.
انتقلت من مكاني لأجلس بجوار كنيرهم مرحبا بهم وسائلا إياه:
- "لمَ أحرقتم بخيل أبو سويلم..لقد أحرقتم معه قلبه؛ فمات الرجل مع نخيله."
ظهر الأسى على وجه الرج إلا أنه أستدرك قائلا:
- "ما البيد حيلة فنخيل أبو سويلم كان مصابا بالإيدز وفي مرحلة متأخرة.."
بدت الدهشة على وجهي فأستمر شارحا:
- "إن حشرة تسمى سوسة النخيل تدخل في قلب النخلة وتظل تأكل فيها من الداخل حتى تصبح مجوفة فتسقط النخلة من تلقاء نفسها لهذا يطلق عليها إيدز النخيل لعدم وجود علاج ناجح لها إلا عند بداية الإصابة..ولسوء حظ أبو سويلم أنه لم يلغنا في القوت المناسب
قلت :- "ولمَ فلقد كان يسمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه.."
قال:- "إنها الأهمية التي أدت إلى الجهل..كان أبو سويلم رحمه الله يسمع صوت السوسة تأكل في داخل النخلة؛ فكان يظن أن نخله يسكنه الشيطان فيأتي بأعواد البخور ليحرقها بجوار نخيله لطرد الشيطان.."
رغم كآبة الموقف قال ذلك وهو يبتسم وابتسمت معه مجامله له..قلت:
- "هذه حشرة عجيبة لم نسمع بها من قبل..هل جاءت مع الريح أم من باطن الأرض.."
قال- "بل جاءت مع التطبيع مع العدو الذي يحتل أرضنا ويجثم على حدودنا.."
قلت:- "ألا يكفيه نقل الإيدز للبشر وانتشار مخدر البانجو بين الشباب.."
قال- "لعنة الله على التطبيع مع العدو.."
ثم استأذن هو ومن معه وانصرفوا..
خشيت أن يعود الحوار مرة ثانية بداخلي فقلت بصوت مسموع:
- "الآن عرفنا من قتل أبو سويلم؟"
تمت بحمد الله

فطيمة عزوني
01/03/2010, 07:20 PM
1-اليتم المركب (القصة المختارة للمسابق)

أذكر آخر يوم رأيتها فيه خارج حدود بيتها ....كان يوما ربيعيا ،فهي كانت تتجنب الخروج عندما يكون الجو شديد البرودة.فهي كانت المرأة الضعيفة التى أخذ المرض منها جزءا لا يستهان به من عافيتها.كما لمحت يومها طفلها حديث الولادة الذي طالما كان يزعجني صراخه المتواصل ليلا ،عندما يشكوا شيئا ما..فبيتها كان مقابلا لبيتنا مباشرة ونور غرفتها طالما أضاء وحشة غرفتي بعد أن تركتني والدتي وحيدا في هذه الحياة .رغم صغر سني لكني طالما كنت أسأل نفسي من أين تأتي تلك المرأة بالطاقة لنهوضها المتكرر كلما صرخ رضيعها وهي التي تعاني مرضا خطيرا كما كان والدي وجدتي يرددان أما مي؟؟؟؟؟؟؟.كثيرا ما كان والدي يضايقه اهتمامي المفرط بها ، وكان يعتبر متابعتي لما تفعل من خلال شباك نافذتي تجسسا،...والتجسس كما كان يقول دائما خلق ذميم ما يجب أن يتحلى به طفل قارب أن يدخل مرحلة الشباب.ولكني لم أكن أهتم كثيرا لما يقول ، ففرط حبي لجارتنا التى لا تختلف ملامحها عن ملامح والدتي كان يغريني دائما بمراقبتها حتى مع وعيد والدي....ففي قرارة نفسي كنت موقنا أن ذاك لم يكن تجسسا بل هو فرط اهتمام ليس إلا...عفوا فالفرق بينهما لما كنت صغيرا لم أكن أكاد أدركه.....
أو لأنني في قرارة نفسي كنت لا أزال أتذكر ملامح وجه أمي...وتلك المرأة كانت تساعدني على الإحتفاظ بما لم تكن لدي الرغبة في نسيانه...أو حتى تناسيه.
أذكر أن أكثر شئ كان يجذبني إليها طريقة تعاملها مع صغيرها....ذلك الحنو المفرط الذي كثيرا ما كان يقودني للبكاء ليلا بعيدا عن أنظار والدي وجدتي .فكل حركاتها معه كانت تجعلني أستشعر لحظات سعادتي مع والدتي. تلك اللحظات التى لا أزال أفتقدها لغاية الأن.أذكر كم كان يغيضني حملها له بين ذراعيها ،لأنه في قرارة نفسي كنت أتمنى أن أكون أنا المحمول لا هو......
لو كان بالإمكان تغيير الأقدار تراه كان يقبل أن أتنازل له عن كل ما أملك مقابل التنازل لي عن يوم أقضيه أنا وهي أما وإبن؟ تمني سخيف، ولكني لحظتها فكرت فيه بقوة .كنت أرغب في الحصول على لحظات رعاية منها مهما كلفني الأمر.
ما أقسى سنوات الحرمان......فهي تجعلك تفقد كل طعم.ولا يبقى في حلقك إلا المرارة حتى ولو كنت طفلا لا تدرك كثيرا مما يدور حولك.
لاحظت تركيز نظري عليها وعلى صغيرها ،فاقتربت مني فهي تعرف أنني إبن جارتها .غمرتني بنظرة حب فوالدتي كانت الجارة الأقرب لقلبها.سألتني عن أحوالي ،فأشرت برأسي أن كل شئ على ما يرام .فكيف عساها تفهم ما يجول في الخاطر والبال...فرق شاسع بين الوصف والواقع .فلم أخبرها عن سوء حالي فهي لن تقدر حتى مشاركتي حرقتي على من رحلت وتركتني كسير الخاطر محروما حتى من لمسات عطف كبقية الأطفال..
وهي تحدثني لاحظت ساعتها تسارع أنفاسها مع نوبات السعال.كنت قد سمعت جدتي قبل هذا تتحدث عن مرضها لم يكن خطيرا كما ذكرت جدتي ولكنها كانت لا تحتمل الرطوبة العالية .ولكن كما لاح لي تلك المرة ،جدتي لم تكن تدرك فعلا درجة مرضها فوجهها كان شاحب حتى إعتلاه إصفرار.لاحظت صمتي لكنها لم تكن تدرك أن ذلك الصمت ما هو إلا حوار داخلي بيني وبين النفس ...إستأذنت في الإنصراف ،فهي لم تكن تقوى على الوقوف كما لاحظت .ودون شعور مني مددت يدي لأمسك بذراعها.وكأنني أرجوها في صمت أن تهبني بعض اللحظات.ابتسمت وكأنها أحست بما يجول في خاطري،فبادرت بالقول أنه يمكنني زيارتها مساءا لو إستطعت أن أنتزع موافقة والدي فهي كانت تعلم صعوبة طبعه.فوالدتي كانت صديقتها.وعادة ما يكون موضوع حديثهما الأزواج وطباع الأزواج.
رجوت والدي ساعتها أن يتركني أزورها وكم كانت دهشتي كبيرة لما وافق دون شروط.فهو عادة متى طلبت منه شئ لا يلبي لي طلبي إلا بعد أخذ عهد بفعل شئ ما...أه الأباء كم هم مستغلون....
وذهبت لزيارتها دون أن يفوتني قطف باقة ورد خصيصا لها...فوالدتي كانت تفعل الشئ ذاته كلما ذهبت لزيارتها.استقبلتني بحرارة وكأنها تستقبل شخصا ناضجا لا طفل لا يتعدى الثالثة عشرمن عمره...لا أزال أذكر تلك الإبتسامة الناعمة التى رسمتها بمجرد فتحها للباب.ولا أزال أذكر صغيرها الذي مد ذراعيه نحوي بمجرد أن رآني أدخل البيت .لم أستطع حمله خشية أن لا ترغب هي في ذلك ولكني مسحت على رأسه.فأطلق ضحكات ساحرة ملأت المكان بهجة .فحملته هي بين ذراعيها.
كانت لا تزال نوبات السعال تنتابها كما كانت صباح ذلك اليوم...لا بل ساء الأمر. فقد أصبحت أكثر حدة من ذي قبل...
أحست أن سعالها أقلقني بشكل ما، فأمسكت يدي وهي تقول بابتسامتها المعهودة:"لا تخف فأنا بخير مجرد نزلة برد لا غير"....ولكن شيئا ما حدثني من داخلي أن الأمر أكبر من أن يكون مجرد نزلة برد...بل الأمر مرتبط أكيد بمرضها المزمن . رغم أنني لم أكن أعي ما هو بالضبط. ولكن كما كنت أسمع من حولي يتحدث عنها أن مرضها له علاقة برئتيها....
استأذنت لتأخذ دواءها .فأشرت برأسي أنني لا أمانع في ذلك طالما الدواء يريحها.لكنها لما غابت عني تمنيت أن تعود بسرعة فوجهها لم يكن يختلف كثيرا عن ملامح أمي.
كم كنت مذهولا ليلتها من طريقة تعاملها معي وكأني ابنها ....هي كانت تعلم من أمي شدة حبي لكعكة الفراولة ...التى أسعدني منظرها وهي تلوح فوق طاولة الشاي التى حضرتها خصيصا من أجلي.فأنا ضيفها الصغير.كانت تحدثني وكأني في سنها ....ربما كانت الوحيدة التى أدركت أن جسمي جسم أطفال ولكن عقلي يجاوز سن الأطفال بعهود ومراحل.
كانت تمازحني مرة وتحدثني عن صغيرها مرة أخرى.والأروع من ذلك كله كلامها ليلتها عن والدتي .
لا أذكر تفاصيل أخرى عن جلوسي معها ومحادثتها سوى أنها كانت تبذل قصارى جهدها لتجعل مني سعيدا بتلك الزيارة لأقصى الحدود.ولا أزال أذكر أنها نجحت في ذلك إلى أبعد الحدود أكثر مما كانت تتصور.
تأخر الوقت فاستأذنت في الإنصراف ..فأوامر والدي كانت صارمة فيما يتعلق بوقت عودتي للبيت .فتحت لي الباب كي أنصرف .ولكن قدماي كانتا ترفضان السير للأمام فالتفت اليها مرة أخرى.ودون شعور مني ارتميت بين أحضانها وقبلت يديها ودون أن أشعرسمعت صوتي يناديها بأمي.ورفضت ليلتها مفارقة حضنها وكأني أنتقم من سنين الحرمان التى أحدثها ظلام الموت الذي غزى عالمي وأن في سن مثل سني.
لأول مرة رأيت ذلك الوجه المبتسم دائما تنزل على خديه دموع كأنها حبات لؤلؤ تناثرت هنا وهناك.
فهي قد لامست حزني على من غاب وجهها عني.
أذكر أنني لم أستطع مفارقة حضنها إلا بعد زمن طويل .كان صوت والدي من ورائي يناديني بأنه قد حان الرجوع للبيت..ولأول مرة لم يؤنبني والدي على عدم تلبيتي طلبه في عدم التأخر .فالموقف كان محزن حتى له . فلم يكن يصعب على من حوله معرفة أنه لم يستطع نسيانها ومن ذلك الإنطلاق من جديد..........أمسكني من يدي وأخذني بعيدا عنها، بعد أن تمنى لها ليلة سعيدة. فبادلته هي بنفس الكلمات.......لا أزال أذكرأني ليلتها رفضت تغيير ملا بسي وصممت على النوم بها لا ثياب النوم، رغم الحاح والدي .ولكن على غير عادته ذلك اليوم كان مسالما للغاية... فآثر الصمت وتركني أفعل ما أريد.لم يكن رفضي لتغيير ملابسي شقاوة مني . ولكن عطر تلك المرأة كان نفسه عطر والدتي ...كان قد بقي شئ منه عالقا بثيابي لما احتضنتها. فكنت أرغب بشدة في أن أنام بتلك الثياب حتى أستشعر ولو لليلة واحدة وجود أمي من جديد.
في اليوم التالي على غير عادتها شباك نافذتها كان مغلق. وصوت الصغير كان يفتقده المكان.غادرت سريري فاتجهت كعادتي لتقبيل جدتي الحنون. ففوجئت بها تتحدث مع والدي عن جارتنا كيف أنها رأتها تغادر ليلا مع زوجها المنزل، وكانت حالها يرثى لها من شدة السعال.
تمنيت لحظتها أن تكون مجرد أزمة عابرة كما اعتدنا على ذلك نحن وكل الجيران....لكن هذه المرة لم تكن كسابقاتها فجارتنا لم تعد تقوى على المقاومة ....وبعد أسبوع فاضت روحها لرب كريم...وعدت مرة اخرى لأحتضن يتمي من جديد.....

فطيمة عزوني
01/03/2010, 07:23 PM
2-يامن ساءك شموخي ذاك سحري....

ترى ...هل يختصر سحر المرأة في جمالها الجسدي....؟تساؤل كثيرا ما كانت تسمعه هنا وهناك. بل و يتررد عليها هذا العنوان كثيرا في المجلات المحلية والخارجية........بينها وبين نفسها الأمر كان محسوما ،،فهي تعرف الإجابة المقنعة لها.فلم تضيع يوما وقتها في سماع الرأي الفلاني وقراءة المقال الفلاني ؟؟؟.لم تكن تهتم للموضوع أصلا.لأنها في قرارة نفسها تقول لو اهتموا بالطفولة المشردة وطرحوا أسئلة عن نساء الشوارع لكان أفضل بكثير..هي كانت من النوع الذي يتفادى أصلا النظر في المرآة،ليس لأنها غير راضية عن صورتها الخارجية. بل لأنها تعلم يقينا أن نسبة الجمال هبة ربانية يجب شكر المنعم عليها قلت أم كثرت.وأن الله تعالى وضع كل شئ بقدر وحساب ،ومتى وهب الإنسان قدرا من شئ، فذاك يعني أن ذاك القدريكفيه دون زيادة أو نقصان..
وهي صغيرة كان الشئ الملفت للنظر في شخصيتها عنادها الذي كان يغضب والدها وكل من هم حولها .ويسبب لها في كثير من الأحيان العقاب والمشاكل.
كلما تتذكر مواقفها مع والدها ووالدتها تضحك بعمق ،وتتمنى لو أن تلك الأيام تعود.فهي تفتقد بعمق ركوض والدها أو والدتها وراءها مع القسم بإنزال أقصى العقوبة عليها .لكن ذلك الغضب سرعان ما ينمحي .ليحل مكانه قبل تطبع على الجبين بعد أخذ عهد بعدم العودة إلى الشغب من جديد.
و تتذكر أيضا أنها لم تكن تفي بشئ .فالأطفال عادة آخر ما يفكرون فيه الوفاء بالعهد... .وتضحك من جديد..
هي الأن ابتعدت عن محطة الصبا بشكل كبير. ولكنها لا تزال تحمل في أعماقها تلك البراءة والطيبة.... من ذلك و لا تزال تحتفظ في عمقها الطفولي بنفس العناد......ولكنه لم يعد كما كان، مجرد عناد أطفال غير مبرر. فقط المراد منه جلب الإنتباه ليس إلا. هي تمارسه اليوم لحماية حدود كرامتها وشموخ عزها والحفاظ على نقاء روحها ونفسها.
تتوقف لبرهة عند كلمة نقاء الروح.....وصفاء النفس ،لتطرح على نفسها تساؤلا هذه المرة خاص بقناعاتها هي لا بعناوين المجلات..........ترى هل بقي لهذه المعاني اليوم مكانة؟؟؟؟ تهز رأسها كأنها تريد أن تطرد إجابة لا تريد أن تواجه بها نفسا.....تتنهد بعمق معلنة بملامح وجهها المتحسرة....لم يعد لهذه المصطلحات وجود.
ربما كانت تجهل هذه الحقيقة في الماضي لكن الأن بعد تجربتها المريرة مع من كان يوهمها بحبه في قرارة نفسها تجزم بتلك الإجابة التى تحاول دائما أن تطردها من ذهنها.
تتذكر أنه كان يحاول دوما جاهدا ،فرض سيطرته الكاملة عليها. وأنه كان يحاول دوما تجريدها من كل سلاح للمقاومة.وحجته في ذلك أن الحب متى قام بين رجل وامرأة فالرضوخ وسلسلة التنازلات هي نصوص مكتوبة في خانة دور المرأة لا الرجل.تضحك بينها وبين نفسها وهي تقول:هذا موضوع جيد لو طرح على الجزيرة في حصة الرأي والرأي الأخر.....؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟تخيلت الرجال في مواجهة النساء كيف سيكون الحوار ساخنا والمنشط يهدئ من روع الجميع..
رغم كل شئ لا تزال تحافظ على روحها المرحة وهذا جيد لبداية جديدة ....فالطبيعة دوما لها القدرة على تجديد نفسها...تعود بفكرها إليه وتركز على منطقه العجيب في العلاقة التي تجمع بين الرجل والمرأة وتقول مخاطبة نفسها بصوت مرتفع:"إذا تجردت المرأة من شموخها ...من سيعلم أبناء هذا الأحمق منطق الشموخ والعز...والوقوف صامدين في زمن انحناء الرؤؤوس....؟؟؟من سيعلم أطفال ذلك الأحمق هذه المعاني..."
أم أنهم سيتعلمونها لوحدهم وأمهم مطأطأة الرأس ...فما أكثر الرؤوس المنحنية في وعصر الرضوح الذي نحياه. ورأس آخر مطأطأ لن يزيد الأمور سوءا أو يغيرمن الأوضاع في شئ.
تمد يديها على حافة أطراف كرسيها الذي تجلس عليه مستعينة بهما للنهوض وتقول هذه المرة بصوت عال : يامن ساءك شموخي ذاك سحري، أطلبه أولا قبل يدي وأعدك أنني سأكون مطيعة ولن أقاوم.

فطيمة عزوني
01/03/2010, 07:25 PM
3-لمسات طفل.....

إلى الذي فاق حبه لي حب كل الأباء....
إلى من رعاني بعد والدي فغرس في نفسي الفضيلة والأخلاق الرفيعة .
إلى أخي م..............
عشقه للأطفال لم يكن سرا بالنسبة لي ،رغم أن ظاهره يدل على خلاف ذلك.فكثير من الأشخاص من تمنع ملامحهم الجادة والحادة انعكاس ما يوجد في باطنهم فعلا، لكن بمجرد الإقتراب منهم أكثر فأكثر تجد أن واقعهم يختلف كلية عن عن ظاهرهم.
هو كان من النوع الذي ألهته الحياة عن مسايرة احلامه ومتطلباته ليس عبثا ،ولكن الظروف القاسية هي التي اجبرته على ذلك .ولما جاء اليوم الذي خففت عنه الحياة عبئها ،التفت للوراء ليجد نفسه قد ابتعد كثيرا عن المحطة التى كانت ستسعده بابتسامة طفل .عرفت ذلك كله من بريق عينيه عندما تقعان على ابتسامة طفل .فحبه للأطفال بالنسبة لي لم يكن سرا.
هي الحياة هكذا يا من أخذتك دوامتها إلى أعماق بحارها .قد تجعلنا نتخلى عن أولى الأولويات لأعتقادنا أن الأخرين هم أولى باوقاتنا وحياتنا من باب الواجب المحتم لا الإختيار.
قد يستغرب من هم حولنا كيف يمكننا فعل ذلكم رغم أن سعادة الآخرين هي لهم لا لنا . ولكننا لا نبالي بأرائهم لإدراكنا انه ليس من الضرورة أن نقنع من حولنا بما نجده نحن مقنع لنا.وواجب علينا.
ولإدراكنا ان وجهات النظر لا تغير من الحقائق شيئا.
لم يكن يصعب علي تحديد داءه ولا دواءه ولو كنت طبيبا نفسيا لكتبت في وصفته .....يحتاج لكثير من الجرعات المستخلصة من لمسات طفل حانية.....

فطيمة عزوني
01/03/2010, 07:26 PM
السلام والرحمة...
القصة التي أريد الإشتراك بها هي : اليتم المركب

إبتهال
03/03/2010, 07:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم




قصة قصيرة

هكذا خلقتْ



ابتهال الجنوب / مصر



.. ومضى الوقت .. وأغمضَ الكون عيونه , والتحفَ بظلام ليله الثقيل , فأقبلتْ روحي رفرافة وسكنتْ إلىِّ وادعة هانئة .

عُــدنا ..

وعلى صفحة وجهي ترتسم زهوة ثرية من ضياء ..

هكذا استشعرتُ ذاتي .. وتلهيتُ راجعا , إلى أن وجدتني على عتبات بيتي أناشد مفتاح مسكني كعادتي أن يفصح بالرنين عن موضعه و مكانه من جيوب سترتي .. هنا ببيتي أشعر جبالا تسكن صدري وحنينا يغرق قلبي وصراعات تتملك روحي .. هنا أنا هو ( عليِّ ) الذي تعرفه الأيام بعلاماتها , التي طبعتها عليه كوشم عتيد .

وكأن نور السعادة , هبّات ذكريات الماضي سرعان ما تطفئه ..

وترحلُ به إلي العدم .. وانسكبتْ أفكاري متناثرة , في غير هدى وتجاذبتني .. وخلخلَ صوتُ من الماضي مسامعي , وتضاربتْ الصورُ أمام عيني , وتحشرجتْ الحروف بحلقي .. واخترقَ صوتي السكون , وأحتلّ المكان : " سلوى أنتِ طالق طالق طالق ، ولترحلي عني " تردادها ينتصرُ لمشاعري و أيام عمري ويرضي علياءَ روحي , ولكنه لمَّا يزل يُبكي القلب .. بالله كيف أمحو الذكرى عني ؟! فقد سكنَ إليها قلبي , و لفظتها روحي بعنفوان .. هي بعثتْ صراع الفتنة في دروب ذاتي بين روح تنكرها وقلب يعشقها , جعلتني سائحا غريبا شريدا في دخيلتي , روحي كانت تهتاج لقسوة أفعالها وتَهدُّج نبرات صوتها الذي كانت ترسله في جنبات البيت كهدير الأمواج الثائرة , وعذرا لكِ يا أمواج البحر ..

عرفتُ سلوى فتاة طموحة , تتفوق على أندادها خلقاً وأدبا . لا أنكر عليها جمالها فهو أول من أرشدني و أخذني إليها من بين الوجوه في مدرج الحرم الجامعي حيث الأستاذ بمواجهة الطالبة .. وما التمحتْ عيني وما كان لها أن ترى مُبصرةً صلابة قلبِها , وصرامة حسّها في كل حين وموضع دونما تفرقة ولا أدنى تمييز , حتى أنها فاقت و تعالتْ على أكثر الرجال حدّة في ردود أفعالها , فذاب وذهب عن عيني جمالها . غاب قرابة العام من تاريخ زواجنا , وباتت روحي نافرة آبقة عن بيتنا الذي اصطنعت فيه زوجتي هيكلا حجريا أصما للحب .. لترضي قلبي وتسكته عن النحيب والبكاء .. رؤياه كانت تهصرني , تنتزع قلبي عني وتهزمني , فقد كانت عاجزة حبيبتي . قاصر قلبها عن الرحمة والحنان و الحب

وهكذا هي خلقت .

بقلم : إبتهال الجنوب

إبتهال
03/03/2010, 08:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

إعصار من الماضي

قصة قصيرة


بقلم :إبتهال الجنوب



وجلستُ أرتشف قهوتي الصباحية , وحيدا كعادتي في شرفة منزلي المطلة على فناء وسيع .. وغبت ذاهلا وعرجتْ بي الأفكار, إلي حيث دروب الماضي البعيد ..

هادئة هي حياتي خاوية إلا من نجاحات مادية وقد بلغت , العقد الخامس من العمر تسير بإنتظام مطرد مليل

ألهذا توانيت عن إحكام توصيد أبوابي , عسى أنْ رياح من الماضي تجتاحني ؛ فتشيع شيئا من الحياة في سكون دربي المرير .. ؟!!

سحقا فعلت أنا .. ومن جراء فعلتي تكسّرت أعصاب قلبي وتشتت أنفاسي ..

يبدو أنه الماضي يُقبر حيّا , وأبدا لا يموت ومتى تنسم فرصة يعود ..

كنت في مطلع شبابي بهي الملمح , ينضح من هيأتي رونق رجولي مهيب , يعلو بي عن أقراني .. فتناست هي من تكون .. وراحت تسبح حتى سكنت أعماق أعماقي , أو أنها شدتني فأسكنتني في رياش نعيمها السرمدي الوثير

ما شعرت أبدا أنها سبقتني في الوجود بعشرين عاما , فقلبها المجبول على الرقة كان ينسيني بل ويغريني بالقوة .. تلك القوة الحانية الحامية لهذا الكائن , الذي قد ولد في شغاف القلب وبات يحيا في شراييني

.. فمن يوم أن ألتقيتها كموظف جديد , في مكتب للمحاسبة هي ترأسه وأسلمتني لأحد موظفيها برفق ليعني بمراني و تدريبي , وأنا قد رحلت عن ذاك عمري لأسجل تاريخ ميلاد جديد .. وطوتني الأيام وأياها طيات الهناء والنعيم , ما بين لقاءاتنا في العمل المقننة المحكومة بالجديّة وبين تهاتفنا الصباحي لدقائق , والمسائي لوقت وإن طال أحسبه قليل وأنا أجتر الحكايا كعازف ينتشي طربا من هيام سامعيه .. متقيا حدودا لم تشأ هي الحديث عنها , ترامت إلي مسامعي (بأنها سيدتي كان لها حبيبا غدرته الأيام راحلا في ريعان الشباب فأدارت وجهها من بعده عن الدنيا غافلة شبابها وجمالها وفاءً للحبيب) وحين غدت الأشواق تلفحني وتحرقني بسياط من لهيب , قرّرت أن أشحذ طاقاتي لأقول لها أنا هو ذا عوضا عن معاناة السنين ..

وحدث .. لأسجل لذات نفسي تاريخ إعصار أطاح فما أبقى ..

جردتني .. أوهنتني .. ذلذلتني .. بعثرتني ..

آه منك وما فعلت ِ ..

قالتْ :

ماذا !!

من أنتَ؟ !!

ما أنتَ غير رسم قد ذكّرني

أين أنت من تاريخ وجودي؟ !!

أين أنت من علائي من شموخي ؟!!

واستلّت من حقيبة يدها صورة فوتوغرافية قد خلّت إلا من لونين الأبيض والأسود لشاب كأنه أنا ..

محمد يوب
04/03/2010, 08:23 AM
في غرفة النوم

صادفتها أول مرة بجانب الطريق وكأنها تنتظر أحدا وعدها باللقاء و أخلف الموعد ، مسندة ظهرها على جذع شجرة مائلة ، تتنهد و ترتعش من شدة البرد القارص ،اقتربت منها مددت لها يدي ، تمنعت أول الأمر ولكن بعد تكرار المحاولة رغبت في مرافقتي ، اقتربت مني و استقبلتني بالأحضان و العناق .

نظرت إليها راقني منظرها ، شقراء اللون على رأسها خصلة شعر حريري أسود ، عيناها براقتان مكحلتان بدون كحل ، أنفها صغير بالكاد تميزه بين قسمات وجهها الدائري ، وفمها الوردي الفاتح بدون أصباغ و لا مساحيق ، و أسنانها المرصوصة اللامعة بدون معجون أسنان و لا مسواك ، رسمت على جيدها الطويل سلسلة ذهبية يغري الناظرين بريقها .

حملتها بين يدي ، استوت وأخذت مكانا بين ذراعي و كأنها عروس تستعد لملاقاة عريسها ليلة الدخلة ، كانت نحيلة الجسم أتلمس ضلوعها أكاد أحسبها ، شعرت بالدفئ و الحنان غطيتها بمعطفي الأسود الطويل ، أغمضت عينيها وكأنها مرهقة من شدة السفر ومعاناة الطريق .

جلست على الأريكة في المقعد الخلفي للسيارة ، انظر إليها خلسة عبر المرآة كانت تتابع حركاتي و سكناتي ، تحسب أنفاسي و تقرأ أفكاري ، شعرت بها و كأنها تعرفني من زمن بعيد لم أر أنثى مثلها مختلفة عن باقي المخلوقات .

أعاود الكرة مرة أخرى و أريد مباغتتها و أسرق منها نظرة و أتمعن في جمالها أجدها تثبت النظر في عيني وتستبق التأمل في ملامحي ، لقد تماهت مشاعرها بشاعري و أحست بحبي وعشقي لها .

اقتربت من باب البيت ارتمت بجانبي ، توقفت السيارة نزلت ، و نزلت معي بحشمة واستحياء ، رفعت رأسها تنظر إلى النوافذ المفتوحة ، تراقب نظرات الفضوليين و الفضوليات .

فتحت لها باب البيت تسللت إلى الغرفة دون استئذان تتمايل في مشيتها ، كانت حافية ، ارتمت على السرير ومدت رجليها النحيلتين.

عادت زوجتي فجأة من عملها بعد تعب و عناء ، سمعتني أكلمها و أسمع صمتها ، شكت في الأمر ، قطبت جبينها ظهرت ملامح الشر على محياها ، مشت على أصابعها تريد أن تضبطني متلبسا بتهمة الخيانة الزوجية ، ثم اختلست نظرة إلى غرفة النوم وجدتها ممددة على فراشها مطت فمها ولطمت وجهها وقالت بعصبية : أخرج كلبتك من غرفة نومي .

محمد يوب 27-02-10

---------------------------------------------------------------------
شقة للبيع

على دراجتي النارية أتنقل من حي لحي أسير بين الدروب كانت أحلامي رديفتي أكلمها تسمعني لا تنبس ببنت كلمة ، أطير في السماء أبني قصرا في الفضاء ، أركب سيارة الشبح لا تلتقطها أعين الرادارات ، كثرت المتطلبات ، انتشر الصمت في المكان التفت ورائي تفقدت أحلامي وجدتها قد وقعت على الأرض ، وكانت نفسي تحدث نفسي ضحكت بصوت مرتفع وقلت مر مجنون من هنا .
أتحايل على الحياة أقتصد درهما من هنا و درهمان من هناك ، انبهرت بإعلانات القروض السكنية اشتريت شقة اقتصادية ، أسمع جاري من وراء الجدار يغازل زوجته ، أدخل الحمام أتمالك نفسي لا آخذ راحتي ، قل الحياء بيني وبين أبنائي ........
في صبيحة يوم ممطر توجهت للعمل رفعت رأسي قرأت إعلانا مكتوبا على ورق الكارتون (الشركة تعتذر عن إغلاق أبوابها بسبب الأزمة العالمية) ، قلت لزميلي في العمل : نحن نعيش في المغرب ما دخل العالم في تشريدنا وضياع لقمة عيشنا ؟ رد علي بطريقة هستيرية قائلا : لقد خربوا بيتي وبدأ ينذب ويشتكي وكأني صاحب الشركة .
جلست على كرسي المقهى طلبت فنجان قهوة ، أكلم نفسي أحاورها ، ما بك سيدتي ؟ لقد كنت من زمن قريب تغازلينني وتكشفين لي عن جمال الدنيا وعيونها البراقة ، لماذا كشرت عن أنيابها وغرست مخالبها في ظهري ، غدرتني بحلو كلامها ، كيف أسدد هذه الديون المتراكمة ؟ كيف أوفر لقمة العيش للأفواه المفتوحة ؟
شقتي تتكون من غرفتين ، أقنعت زوجتي وقلت لها : تكفينا غرفة واحدة نقسمها بستار ، نأوي إلى ركن مع طفلنا الصغير و أطفالنا الكبار يزدحمون في الركن المقابل ، وقلت لها : إن الرحابة في الصدر وليس في المكان ، و الغرفة الثانية سنؤجرها و نسدد الأقساط الشهرية .
عند دورة المياه أنتظر دوري ، ابني بجانبي محصور يترنح ، قدماه ترتعشان وفجأة سمعت شرشرة وقال لي : لقد حاولت حصر البول لكنه خرج عن طاعتي ، وبعد وقت طويل فتح باب الحمام وخرج منه شاب إفريقي قادم من الأحراش و الأدغال ، يستعرض عضلاته بنخوة و نرجسية ثم تحرك إلى غرفته وهو يمسح وجهه دون اعتذار، حينها أصابني الذل و الخزي و العار، وعلقت إعلانا على نافذتي مكتوب عليه شقة للبيع .
محمد يوب 13-02-10
------------------------------------------------------


ندم و هم وغم



تكاثرت علي الديون فهي هم بالليل وفي النهار اختباء من رصد العيون ، كبر الأولاد ازدادت المصاريف ، شكلي لا يسعد العدو ولا يسر الصديق ، لا أتذكر في أي سنة اشتريت حذائي الوحيد وسروالي الذي انكشف لونه من كثرة الغسيل بالماء و الصابون ، أنتظر الزيادات ، لا الرتب تجدي ولا السلالم ولا العلاوات .

أذهب إلى المقهى أطلب قهوتي السادة المعتقة، يقف النادل على رأسي يطلب مني واجب القهوة قبل إحضارها يخاف من إشارة يدي اللولبية .... إلى الغد ، أصدقائي يتهربون مني أسلم عليهم يكشرون في وجهي حتى لا أطلب منهم مزيدا من المال .

زملائي في العمل في راحة تامة يعيشون حياة هنيئة يلبسون البدل السوداء والأقمصة البيضاء و الأحذية اللامعة ، يركبون السيارات الجديدة ، ويسافرون مع أولادهم في الإجازات الربيعية و الصيفية.

أشعر بضيق في صدري ، اسودت الحياة في عيني، الدنيا برحابتها و شساعتها أصبحت بالنسبة لي كعلبة كبريت تقذفني من مكان للآخر ، لا أشعر بآدميتي ماذا فعلت في حياتي ؟ ،لماذا أعاقب هكذا؟ تساؤلات أطرحها على نفسي أبحث عن إجابة تشفي غليلي .

إني أغالط نفسي، أنا أعرف السبب لكنني أتغاضى و أريد أن أنسى أو أتناسى ، لأن أمي ماتت وهي غاضبة مني، كانت تتألم من شدة المرض ، كانت وحيدة لا تجد من يرعاها و يشتري لها الدواء ، تحبوا على ركبيها من أجل قضاء حاجتها ، كانت أبية عفيفة لا ترضى الذل و الهوان .

كانت أمي امرأة عجوز هدها الشغل في بيوت أعيان القرية ،تكنس الأرض وتغسل الملابس والزرابي الثقيلة، وفي الصيف تذهب للحصاد ، تكسب قوت يومها من عرق جبينها ، كانت صغيرة جميلة رفضت الزواج ضحت من أجل سعادتي ، خافت من نظرة زوج الأم وسوء معاملته لي .

في المساء أجلس في بهو الدار على أريكتي الحديدية أراجع دروسي ، تحضر لي أمي كأس الشاي المنعنع الممزوج بالشيبة وقطعة الحلوى التي أحبها ، تحط يدها على ظهري تدلك عنقي أشعر بخشونة في كفها من كثرة العمل في الحقل ، وكانت في الليل تشتكي من شدة التعب و الإرهاق وتقول لي كل هذا يهون من أجل راحتك ومتابعة دراستك ،وأتمنى اليوم الذي أراك فيه قاضيا أو أستاذا وتريحني من هم الزمان .

انتقلت إلى المدينة انشغلت ببريقها الزائل ، تزوجت امرأة تعرفت عليها في المقهى المجاور للعمل كانت أنانية تحب نفسها وتحب أهلها ، كانت تربطني بها علاقة سيئة كنا على خلاف دائم ، في كثير من الأحيان كنا نريد الطلاق ولكني كنت أفكر في الأولاد كنت لا أريد تكرار نفس مأساتي .

مرت الأيام كلمح البصر ماتت أمي ولم أحضنها ولم أحضر جنازتها ، تبرع الجيران كل واحد بما استطاع ، غسلوها كفنوها ودفنوها حاولوا الاتصال بي لكن الخط كان دائما مشغولا ، أخبروني أنها كانت تسأل عني وتنتظرني ، قالت لهم قولوا له : ماتت التي كان الله يرزقك من أجلها .

محمد يوب

23-01-10

إبتهال
04/03/2010, 11:16 PM
الصديقـــان

قصة قصيرة ..

إبتهال الجنوب



وعيتُ الحياة وهو يتعشق خلجات ذاتي .. فلا أدري لوجوده بعمري من تاريخ .. وانسكبنا وامتزجنا فما كان لي أبدا صديق بل أخ حبيب يعتلي شعاف القلب .. يرتع في الوريد ..

ولكن يبدو أن ذا جميعا غير كاف ٍ, وإن تعانقتْ الأرواح وتضامّت ْ.. يبقى هناك مسافات ودروب وأذقة لا يعلمها إلا الخالق تنطوي عليها الأنفس وإن امتزجت وتوحدت على مرالأيام والسنين .

وتهادتْ بنا الأيام وبلغنا ميقات الرجولة ؛ فحملنا تبعاتها في غير ما ضجر وارتوينا من سعة الحياة هانئين وتزوجتُ أنا قبل عام من زواج صديقي وقد كان زواجه حدثا عظيم.. فما كان ينتوي أبدا أن يقرَ ساكنا ؛ لولا لجاجة مني , وإعراضا عنه وقتا من الوقت ليستشعر فراغا ووحدة تجعله يتلوَّى اختناقا ومللا وإن تعددت فنونه في صرف الوقت , وذات مساء على حين غفلة انطلق عقلي مفصحا مذكّرا أيّاي بعائشة تلك الفتاة الجميلة المحتشمة التي كانت بالفرقة الثالثة كلية الهندسة , ونحن في السنة النهائية من نفس الكلية وقد أخذتْ عيني وقلبي من أول مرآها و حين التمحتها على إعجاب صامت حيّي بصديقي الحميم .. هو ما يدريه فما كانت تلك الأمور لتشغله و تعنيه .. صرفتُ القلب عنها رادعا.. في ذلك الوقت البعيد ولمّا ذُكر اسمها عرضا في أحد المشروعات تعرفت السبيل إليها ..فتشجعت متزرعا سببا يتفق وإطار عملنا وتبين لي بلسان حالها بعد أن ألتقيتها أنها أبتْ أن ترتبط بغير ما إنسان على شاكلة رسم بقلبها كالوشم الفريد وسألتني عن توأمي الحبيب , وعدت من لقائي جزلانا فرحا سعيد ؛ لأ ُذكّر صديقي بها ؛ فما تذكَّر غير نثرات من حكي لي مضى عنها منذ زمن بعيد , وعن قناعة منه التقاها و تعددت بينهما اللقاءات تشهد بالعشق والهيام وتمت الخطبة , فالزواج في حفل بهيج لكن ما برح العام إلا وعاد ,عزبا مطلقا بنت الأكرمين أمّ ولده ؛ متعللا بصغائر ما خلا منها بيت راسخ قرير ( لمَ تأخرتَ ؟ أين كنتَ ؟ متى تعود ؟ ) , وأنا من يعلم فداحة فقد امرأة كالجوهرالثمين , ناهيك عن ولده الصغير فقلت في نفسي والعين ترمقه في غضب عظيم ( أيا سوء ما آل إليه حالك فقد عميت بعد أن كنت بصير) وأنطويت على صمتي تاركه راجعا بيتي .. عازما العزوف عنه والرحيل

ولكن بعد أيام قلائل انثال من القلب هطول حنان عليه دفيق ؛ فعمدت إلى هاتفي لأجد هاتفه الشخصي مغلقا فاشتعلت قلقا , فأخذت أسأل صحبه في العمل ؛ فعلمت أنه منقطعا عن الدوام من وقت ليس بالقصير؛ فطارعقلي محمّلا نفسي مغبّة أي حدث خطير .

ومن بعد جهد حيرة أيام وليال , جاءت زوجتي راثية لحالي ؛ تقترح السؤال عن طليقة صديقي , والطفل الصغير, فقد يتبين لنا من الأمرشيئا جديد .. و التقينا وأياهم وقد كانوا في كرب , ومن بعد الحفاوة والترحاب استأذنني والدها لنكونا على إنفراد وعيونه تبدو خجلى والحرج يكاد يلفه يُخفيه .. :

ـ كيف حالك بُني وصديقك الحميم أكيد ما عدت أبدا لتلتقيه ؟ فأجبته والدهشة تغشاني

ـ لم َلا يلقاني وألتقيه ؟!!

ـ أراك تجهل ما آل إليه حالك والصديق , وأنت جوهر التطليق ..

( وكأنّ جلاّد أفزعني ؛ يلوح لي بسياط من لهيب وعينيِّ تبرق من لهف تنتظر من الحكي المزيد)

" أنت وابنتي قد اتخذتما منه جسرا للحلم القديم .. " قال الأب .. ناقلا بتمام اللفظ والحرف قول صديقي .. بشيئ من الخرس المتلعثم فإذا الكلمات وقعها كأسياخ من حديد ؛ تبقر بطني , تنتزع كبدي ؛ ولكأنّها غامت عينايَّ ..

لأرى صديقي ميتا , على الأعناق محمولا وإذ بالمعاول ضرباتها تحتّفر صدري , تصطكّ بعظامي ُتوجعني .. الآه .. لا أقوى أرددها .. حتّى بَان القلبُ مشقوقا عن الصدر فكان هو ذا له, موضع الـقـبـــر .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهي القصة الثالثة التي أرغب المشاركة بها بإذن الله

شكرا لكم

مع

تحيتي و تقديري

إبتهال الجنوب

إيهاب رضوان
05/03/2010, 05:51 AM
1 - ( انفلات الروح ) إيهاب رضوان

فى الغربة يصبح المرض جحيما ، يشتد فتشف الروح ويصفو الذهن .. هذه المرة كانت نوبة البرد الأسيوية قاسية ، والشفافية فى أوجها حتى صارت الروح غيمة شتوية رقراقة ، تحلق بى بين خيالات بعيدة ، تدمع لها العين وتنز منها كل جراح القلب القديمة .. الدموع لا تنهمر لتغسل الروح وينتهى الأمر ، إنما تنحبس ليطول الألم وتتشابك خيوط الذكريات أكثر ، محاوِلةً أن تكبل الروح المحلقة ، لكنها تنفلت ..
فى المساء أصبح عاجزا عن الحركة ، فأضطر للاتصال بأحد الزملاء ليحضر لى بعض الأقراص .. أجاهد لأفتح له الباب وما إن أرتمى على السرير مرة أخرى حتى أشير إلى جيب البنطلون ليأخذ نقود الدواء .. يأخذها ببساطة قاتلة قبل أن يسأل عما بى ويجلس ..
– ما تجيب يا أخى حاجة نشربها .
هو الذى قالها ، فلم أكن قادرا على الكلام .. أشرت إلى الثلاجة فأخذ منها علبة العصير وناولنى مشكورا زجاجة المياه والأقراص ..
الروح الآن تشف أكثر وأكثر ، تصعد حتى تتجاوز عنان السماء .. ماذا لو أموت الآن ؟ .. نعم فى هذه اللحظة بالذات.. سوف يقلبنى مرتين يمينا ويسارا ثم يتصل بالشرطة بهدوئه المثير ، أثق أنه لن يستخدم تليفونه المحمول وإنما ستكون أنامله قادرة على أن تتحرك على أزرار تليفونى برقة مفزعة وهو يحوقل ويترحم علىّ ..
بعدها سيتصلون بخالى الذى أنعم علىّ بعقد العمل ، سيأتى سريعا وينتشر الخبر بين الأقارب هنا ، سيتعاون الجميع لوصول الجثمان سالما إلى مصر بأقصى سرعة ..
فى المطار سيكون أخى الأكبر دامعا .. سيكتمون الخبر عن أمى وزوجتى والأولاد حتى يصل الجثمان إلى البيت.. عندئذ يبدأ الكابوس الحقيقى ..
أفقت على صوت زميلى وهو يمسك الريموت قائلا :
- فين قنوات اللحمة الحمرا ؟
أخذ يتنقل بين الكليبات العارية وهو يهز ركبته اليمنى مع الصراخ المتصاعد .. هذه الميتة البائسة لا تليق بى .. أحد أصدقاء العمر فجرته قنبلة وحبيبتى الأولى ماتت مقتولة فى إيطاليا بعد هربها من زوجها إلى هناك .. أخذت أفكر فى أحلى طريقة للموت .. ستمهلنى الأيام حتى آخر العام .. أستقل الطائرة حالما باللحظة التى سيرتمى فيها طفلاى وزوجتى بأحضانى المستعدة لالتقامهم .. فجأة تنفجر الطائرة .. لا تكن سوداويا .. سيرتمون بأحضانى بالفعل وسيفلت ( عمر ) من أمه كالمعتاد ومن رجال أمن المطار ليكون أول الواصلين إلىّ داخل صالة الوصول ..
فى السيارة العائدة بنا سأضع رأسى المكدود على كتف زوجتى وتلفنى بذراعيها غير عابئة بالسائق ، سوف أسلم الروح عندئذ بهدوء .. نعم .. ذلك الشريان الضيق بالقلب الذى أهمله منذ سنوات والضغط المرتفع ، يؤهلاننى بجدارة لذلك .. ستظن هى أننى نائم ولن تكتشف الأمر إلا حين نصل إلى المنزل .. ياه .. أوحشونى كثيرا .. أوحشونى مووووت .. مرة أخرى موت ؟! .. أيها الأحمق لن تمنحك الدنيا البخيلة هذه الميتة الرومانتيكية أبدا ..
بدأت دموعى تنهمر ، فشددت الغطاء على رأسى متخفيا عن عينيه اللتين تحدقان فى الشاشة الجهنمية بشراهة .. من سيتولى تسديد ديونى من بعدى ؟ .. ديونى هناك لإخوتى ، سيتنازلون عنها ، لكن ديونى هنا لابد من ترتيب أمرها .. سأترك لخالى تفاصيلها لتصل الحقوق لأصحابها من الورثة ..
ماذا لو أموت فى المدرسة ؟ .. نعم .. أفضل وقت أثناء طابور الصباح والفناء ممتلئ .. لتكن اللحظة التى تسبق تحية العلم مباشرة .. السكون يسربل المكان والعيون تتطلع إلى سارية العلم التى سأقترب منها ويطاوعنى شريانى اللعين لينفجر وأنا أحتضن السارية ، ساقطا ليلفنى العلم.. ليس علم بلدى ، أعرف ، نحن أمة عربية واحدة كما تقول إذاعاتنا على أية حال .. ستحملنى سيارة الإسعاف سريعا ويكملون يومهم الدراسى بكل رتابته ولا جدواه ..
أنا متعب هكذا حتى فى الموت .. فلتدهسنى إذن سيارة يابانية فارهة .. ليكن قائدها أحد تلاميذى فى الصف مثلا ، دون العشرين من عمره ، يطير بها مخمورا كعادته .. ربما يلحظ بعد فوات الأوان أننى أستاذه فيحاول كبحها ، لكنها لن تأبه لأمثالى من الوافدين الأجانب كما يقولون .. غلبنى النوم وأفقت فلم أجد من زميلى سوى صوت التليفزيون المرتفع الذى لم يهتم بإغلاقه ..
فى الصباح بينما أرتدى ملابسى بصعوبة بالغة وأشنق رقبتى برباط العنق الذى يفرضونه علينا فى المدرسة ؛ أكون قد عرفت الميتة البشعة التى تدخرها الأيام لى .. ستتركنى لأحيا هنا – وحيدا – مزيدا من السنوات .. المدهش أننى فى هذه اللحظة بالذات ، مع تحطم الجسد وتصاعد اليأس إلى الحلق والروح ؛ وجدتها – روحى – تشف وتشف ولا تزال قادرة على التحليق بعيدا .. وجدتنى أتلمس يد زوجتى لنطيرعاليا ، عاليا جدا .. كعادتنا صرنا غيمتين شتويتين مترعتين بالدمع ، راحتا تمطران .. تمطران بغزارة حتى أوسعتا العالم كله مطرا .
- تمت -
----------------------------------------------------------------------------------------------
2 - ( التوت المحروق ) إيهاب رضوان

والله لم أقصد يا أمى.. أنا أحبك.. والله العظيم أحبك رغم كل ما كان.. صدقينى إننى حتى نسيت.. ورحمة جدى الذى كنت تحبينه نسيت كل شئ.. بالذات المرة الأولى حين قمت أشرب فسمعت ذلك الصوت من حجرتك المغلقة.. آهات عجيبة جعلتنى أشب على أصابعى لأدس عينى المزروعتين بالرمد فى "خرم" الباب..من ذلك البغل الذى كان يأكلك؟ كيف تركته يعب لحمك الكثير ..الكثير هكذا.. الذى كنت تمنعيننى من رؤيته عاريا كأننى لست ولدا مفعوصا كما تقولين دائما.. تذكرت العلقة التى أخذتها منك لما أخرجتنى أنا وبهية من تحت سريرك وقلت لى:
ـ يخيبك.. بتعمل إيه انت وهى؟
حلفت لك أننا فقط نختبئ من باقى العيال.. لكنك لم تصدقينى.. من أسبوعين قلت إننى أصبحت رجلا وطردتنى من حضنك لأنام على الكنبة وسط كل العفاريت الذين تعرفين أننى أموت منهم.. وأنهم يبللون جلبابى الوحيد لتضربينى أنت كل صباح.. تذكرت كلامك وكلام الشيخ "عبد العزيز" عن النار التى سيرمينا الله فيها لو خالفنا ثلاثة: الله والشيخ "عبد العزيز" وأمهاتنا.. جعلنى كل هذا أعرف أن ذلك الرجل كان يفعل بك ما يفعله غصبا عنك.. دفعت الباب وهجمت عليه.. لكنه كان بغلا فعلا.. فلم يمكننى إلا أن أعض يده الكافرة التى تنبش صدرك.. بعد أن زعقت فيه:
ـ سيب أمى يا راجل انت .
ياه.. كانت عضة يا أمى.. ليس أقوى منها إلا القلم الذى أعطاه لى.. فطرت.. طرتُ مثل الكرة الشراب حين يشوطها الولد "سيد" الذى أكرهه.. لابد أنك كنت تخافين منه كثيرا.. لأنك لممت صدرك كأنك تخفينه عنى أنا وأخرجتنى بقسوة زاعقة فىّ:
ـ إنجر نام يا مقصوف الرقبة .
ونمت.. نمت كالكلب أمام بابك المغلق بعد أن بكيت وارتعشت مثل نور لمبة الجاز فوق سريرك.. لكنك فى الصباح كنت طيبة معى.. لم تضربينى وأنا أقف أمامك عاريا لتغسلى جلبابى المبلول.. لم تشتمينى وتدعى علىّ لما تأخرت فى الذهاب مع العيال للشيخ "عبد العزيز" فى الجامع.. هل تعرفين.. لو كنت ضربتنى ساعتها لم أكن سأبكى أبدا.. هل خفتِ منى يا أمى؟ ..
فى الليالى التالية لم ألعب مع العيال فى الجرن.. كنت أقعد على الكنبة بعد أذان العشاء بكثير.. أراقبك وأنت تسرحين شعرك الجميل الطويل الذى أحبه.. حين كان الرجل يدخل كنت أطاوع نفسى وأفكر فى منظرك وشعرك هذا ملفوف على رقبتك وأنا أشده بقوة.. سامحينى يا أمى.. إننى لم أكرهك والله.. كرهت فقط ذلك البغل الذى وضع يده على رأسى مرة فأحسست أنه سيخنقنى ولما حاول أن يعطينى ريالا كاملا رفضت.. هل كان يعطيكِ ريالات أنت أيضا لينام فى حضنك بدلا منى؟ .. فكرت أن الريالات هى السبب فقلت لك فى الصباح إننى سأعمل من اليوم لأحضر لك ريالات كثيرة بشرط أن تأخذينى فى حضنك كل ليلة.. مصمصت شفتيك ونظرت لى باستهتار قائلة:
ـ عيال آخر زمن!
هل أبى هو السبب؟ جريت إلى داره الجديدة العالية.. زوجته سدت الباب وهى تكذب وتقول إنه ليس هنا.. ناديت عليه وأنا أفلت من يديها.. لكنها أمسكتنى وضربتنى.. لم أبكِ إلا حين شتمتكِ وقالت:
ـ أمك "....."
هل كانت تعرف من ينام فى حضنك كل ليلة؟ ..هل كان أبى يعرف ولهذا طلقك؟ كثيرون يضربوننى فى هذه الدنيا يا أمى.. زوجة أبى تضربنى لأنها تكرهنى وأبى نفسه يضربنى وهو لا يرانى إلا صدفة.. الشيخ "عبد العزيز" يسلخ لى رجلىَّ لأننى أتأخر عليه بالفلوس.. الولد "سيد" ينام فوقى على الأرض ويكتم نفسى أمام العيال لأن "بهية" لا تلعب "عريس وعروسة" إلا معى.. أنت أيضا تضربيننى وتركت ذلك الرجل يضربنى أول مرة.. خرج أبى زاعقا فحاولت أن أغطس فى حضنه الذى لم يفتحه لى.. انخرس لسانى فأخذت أبكى وأشد فيه ليجئ معى.. لكنه ترك زوجته ترمينى على عتبة الدار.. صحيح أن فمى امتلأ بالدم والطين.. لكنى فكرت ساعتها كيف سأقطع إذن رِجل ذلك البغل من دارنا.. جاءت "بهية" تسألنى لماذا لم أعد ألعب معهم فى الجرن.. فجريت معها وقلت للعيال إننا سنلعب أمام دارنا كل ليلة.. قالوا كيف نترك الجرن الواسع وأكوام التبن والقش والترعة التى نستحم ونسابق السمك فيها.. فوعدتهم أن أسرق لهم كل السكر الذى فى دارنا.. سرقته من ورائك وأنت تستحمين فى انتظار رجلك الذى تأكدت أنه لن يجئ هذه الليلة لأننا سنلعب أمام الدار طول الليل.. تركتهم يغلبوننى كل المرات.. ولكن لما لعبنا "عريس وعروسة" لم أترك "بهية" للولد "سيد".. كله إلا "بهية" يا أمى.. هل تعرفين أنها جميلة مثلك ولها عينان واسعتان أختبئ فيهما ونحن نلعب "استغماية".. وأنها رفضت أن تأخذ منى نصيبها فى السكر لأنه حرام!! .. الشيخ "عبد العزيز" أذن للعشاء بسرعة لينام.. فقال العيال كفاية لعب.. أرادوا أن يذهبوا كلهم فقلت إننى فى الصباح سأعطى كل من يبقى ليلعب معى حفنة توت مثل العسل من التوتة العجوزة التى عينها الله على ترعتنا قبل تعيين جد العمدة الكبير.. لم يصدقونى.. والولد "سيد" الله يلعنه قال:
ـ لو كنت راجل صحيح هات لنا التوت الليلة ...
نسيت أننا بالليل وجريت أسرع من طيارة الرش.. التوتة لم تكن طيبة معى.. قطعت يدىّ ورجلىّ الحافيتين.. وجذعها طال .. طال حتى خرم السماء.. والعفاريت بللت جلبابى كثيرا حتى أنه لن ينشف لو نشرته فى نِنِّ عين الشمس.. لكنها لم تسخطنى قردا كما تقولين.. جمعت توتا يكفى العيال المفاجيع لأسبوع.. ولما نزلت لممت كل التوت الواقع على الأرض.. هذا التوت كان غاليا جدا.. سيأكله الملاعين صحيح.. لكنه من أجل عيونك أنت.. التوت يا أمى جعلنى لم أعد مفعوصا.. فلما ألصقت كتفى بالتوتة وجدتنى أنظر لها من فوق..
قابلتنى "بهية" وقالت إن العيال أولاد الكلب ضحكوا علىّ وغاروا من زمان.. حلفت لها أننى سأكبس بطونهم طينا بدلا من التوت الذى لففته فى صرة كبيرة قبل أن أجرى للدار.. بابك المغلق خلعته برجلى مثل "طرزان" الذى يحلف الولد "سيد" أنه قريبه.. ارتعشت كالفرخة المذبوحة وأنا أجدكما تأكلان بعضا مثل.. مثل الكلاب المسعورة يا أمى.. سامحينى.. لا أعرف هل وجدتنى بينكما على السرير.. أم أننى رميت صرة التوت فى وجه رجلك.. المهم أننى رأيت التوت يفرش السرير كله ولمبة الجاز تسقط فوقه لترش الحجرة بالنار.. هل عرفت أن رجلك جرى مع أول صرخة لك.. وأننى لم أعد مفعوصا تبلل العفاريت جلبابه.. وأننى واللهِ.. واللهِ العظيم لم أقصد ذلك.. هل عرفت كل هذا يا أمى قبل أن تبلعك النار مع التوت المحروق؟.
- تمت -
-----------------------------------------------------------------------------------------------------

3 - ( العزف على أوتار مقطوعة ) إيهاب رضوان

المذهل أنك حين عدت فجراً لأخذ حقيبتك وجدتها أعدت لك طعام إفطارك رغم فعلتك منذ ساعات .. تندفع إلى باب حجرتها وتكاد تدخل لتنحنى على يدها فى صمت وتبكي لكن يدك اليمنى تتجمد على مقبض الباب فتدرك أنها لم تعد جزءا منك .. تتمنى لو ينفرج الباب قليلا لتلقى فقط نظرة خجلى عليها وعلى إخوتك المتناثرين حولها بلا غطاء ..
فى طريقك إلى محطة القطار تعجز أن تركل كل حصاة تقابلك ولا تتجاهل الرصيف لتمشى فى منتصف الطريق الخالى ، رافعاً صوتك بأغنية مليئة بالشجن لأم كلثوم .. تسرع بإغلاق نافذة الدرجة الثالثة تفادياً لطلقات البرد المتوالية .. تحاول أن تفعل ما تفعله كل مرة ، فتكثف أنفاسك الثلجية على الزجاج وترسم بسبابتك نفس العينين الواسعتين الخائنتين وتكتب حولهما أسماء قصصك التى لم تكتمل بعد .. هذه المرة قطرات الكلمات كلها تهرب من أماكنها وتندمج أسفل العينين المرسومتين ، فى نقطة كبيرة تسقط كدمعة ثلجية ملتهبة فوق ركبتك حيث تلتقى بأخريات تنهمر من عينيك ... تمسح الزجاج بسرعة وتحدق فى أصابعك التى تبدو لك الآن طويلة .. طويلة ..
لماذا تركتها صامتاً تسترسل فى اتهاماتها لك بالتخاذل وتنعى حظ إخوتك اليتامى مكسورى الجناح كما قالت .. صمتك ظنته لا مبالاة ونظراتك الميتة من الأسى تخيلتها استسلاما ، فأخذت تشتمك وتهزك بعنف طالبة منك أن تنطق .. عذاباتك كلها تجمعت فى يدك وهى ترتفع إلى وجهها دون وعى لم يرتد إليك إلا حين تعلقت أصابعك الآثمة فى الهواء ، بعد أن حفرت تلك الخطوط الدامية البشعة على وجهها المتغضن بصورة لم تلحظها سوى الآن .. شهقتها المفزوعة انتزعت قلبك وعصرت روحك بضراوة .. وعيناها المتلاشى نورهما شيئاً فشيئاً فوق ماكينة الخياطة المتهالكة ، لم تبخلا بضخ دموعهما بصمت قاتل .. تمنيت أن ترد على فعلتك بأية طريقة .. تصفعك آلاف الصفعات أو يتصل حبل شتائمها الطويل ويلتف حول عنقك ليزهق روحك .. لكنها صمتت .. أنت أيضا لم تستطع أن تنبس بحرف .. لم تحكِ لها ولا لأحد عن عذاباتك المستمرة .. نسيت حتى أن تخرج لها جيوبك الخاوية قبل أن تصفق الباب وراءك ..
على رصيف محطة الوصول تنتبه إلى أنك ، لأول مرة لم تعد المحطات العشرين التى يقف بها القطار خشية أن تزداد واحدة .. حين يسألك شيطانك متشفياً سؤاله الخبيث المعتاد: " لماذا تخدع نفسك وتتوهم أنك سعيد ؟ " ، تعجز أن تشد أذنيه هذه المرة وأن تقول بصوت يسمعه الجميع: (طظ) .. تعترف بفشلك فى عزف لحن السعادة على أوتار أيامك ..
فى الظلام الدامس على سلم الاستراحة المتآكل ، تلعن الوزارة التى لم يتبقَ من كيانها سوى اسم يثير السخرية ، والتى قذفت بك إلى هذا المنفى بعد تخرجك .. تلقى السلام على زملائك الخمسة فى نفس الحجرة ، ثم تنكمش أطراف جسدك تلقائياً لتستلقى بملابسك على سريرك السجن فى انتظار نوم تعلم أنه لن يجئ .. تنقضى الليلة بعد كابوس مقيت يجعلك تتصبب عرقاً رغم لذعات البرد .. ترى رجلاً مجهول الملامح يخطو نحوك خطوات بطيئة وبيده سكين طويلة .. بسهولة يقيد حركتك ويأخذ فى قطع ذراعك اليمنى .. العجيب أنك لا تقاومه .. فقط تتألم بصمت وتستعذب الألم لتفيق بإحساس أن مخدراً ما يسرى بذراعك ..
تفقد استمتاعك بعملك الذى تحبه رغم دورانك المستمر فى ساقية الضغوط .. فى الفصل تهتز يدك على السبورة وتفلت منك أعصابك عده مرات ، وتنفى البنت الجالسة أمامك فى الصف الأول إلى آخر الفصل لمجرد أنها تمتلك عينين واسعتين تديران الشريط الطويل لخيانات من كانت حبيبتك وخيانات بعض مَن ادعوا أنهم أصدقاؤك .. تتشاجر مع زملائك ونفسك لأتفه الأسباب والرجل ذو الملامح المجهولة يظل يقطع ذراعك كل ليلة .. المأساة أن ملامحه تنكشف أمامك فجأة ، فتجده – مصعوقاً – أباك الراحل .. يزداد المخدر المنتشر فى عروقك حتى توقن أنك ستفقد ذراعك قريباً .. الخميس وزملاؤك يستعدون للسفر ، تكابر فتخبرهم أنك لن تغادر المعتقل هذا الأسبوع .. ليلتها تقاوم النوم خوفاً من براثن نفس الكابوس لكنه يهزمك .. تستقل أول قطار فى الصباح لتكون هناك .. من آثار السهر المحتلة ملامحها تعلم أنها لم تنم ليلة أمس قلقاً عليك .. تختبئ بأحضانها ، تنهنه وتغمر يدها بلثماتك فى تبتل .. تلقف كلمة "يا بني" من بين غمغماتها الباكية فتدرك أنها غفرت لك وأنه سيكون باستطاعتك غدا فى الفجر أن تركل كل حصاة تقابلك وتتجاهل الرصيف لتمشى فى منتصف الطريق الخالى ، رافعا صوتك بأغنية مليئة بالشجن لأم كلثوم.
- تمت -
-----------------------------------------------------------------------------

خالد محمد
05/03/2010, 12:31 PM
إسم الكاتب : خالد محمد محمد .
نوع العمل : قصة قصيرة .
عنوان العمل : عصفور الجنة .


عصفور الجنة – بقلم خالد محمد محمد .


قضى الشيخ إبراهيم صلاة المغرب في مسجد العزيز بالله بحي المندرة ثم إتجه مسرعاً إلى الشاطيء في لهفة وقلق ؛ ولولا رعاية الرب لكان من ضحايا السيارات ؛ وما أن وصل حتى وجد القارب بانتظاره ، فانطلق به داخل البحر حتى اختفى الشاطيء ؛ وأخذت الشمس في الغرق ، مع سكون أصاب كل شيء من حوله ، وضوء أخذ ينطفيء ، ونسيم هاديء يداعب قسماته ، لوحة ربانية تخطّت حد الإعجاز ؛ نظر الشيخ إلى وجه الماء فوجد ابنه يوسف يبتسم له من تحت الموج ؛ إبتسامة طفل له من العمر سبع سنين ، رد الشيخ على إبنه بإبتسامة يملؤها الحنين ؛ وكان ختامها دموعه ، حتى ارتسم الشفق على سطح مقلتيه ، وحَلَّ الغروب على سماء وجهه ؛ وأخذت الذكريات في الفوران ! .


تذكَّر يوم ابتاع لإبنه عصفوراً بديع الألوان ، رقيق الملامح ، حلو الصفير ، عصفور مُبهِج ؛ ديدنه اللعب والغناء ، المرح والسعادة ، الحرية والطلاقة ، الحب والسلام ؛ عصفور الجنة الذي ملء حياة الطفل ، وفاز بصداقته ، وأصبح جليسه الدائم .


أول يوم تعارفا فيه وعد العصفورُ الطفل أنه لن يتركه أبداً ، لن يتركه وحيداً ، لن يتركه لحظة حزيناً ، لن يتركه ساعة جائعاً ، لن يتركه دقيقة خائب الظن ، لن يتركه محتاجاً لأي شيء ، لن يتركه أبداً ؛ ابتهج الطفل بهذه الوعود ؛ وأراد أن يصنع لصديقه العصفور أمر مماثل يكون بمثابة هدية ، فقال له : اسمع يا صديقي .. إنني أعشق البحر .. ولا يفوت يوماً إلا وأنتظر لأشاهد منظر الغروب .. أنتظر غرق الشمس .. فما رأيك أن تذهب معي ؟ .. هل تحب البحر ؟ .
فانتفض العصفور من سعادته ؛ وأخذ يزقزق طرباً ، ويتراقص كأنه درويش ؛ فحمله الطفل بين كفيه برقة واتجه به إلى الشاطيء ؛ وكان الوقت قبيل موعد غرق الشمس ؛ فراح يترنح به في مشيه ، يمنة ويسرة ؛ ويسأل عصفوره – معجباً بنفسه - ما رأيك .. هل أنت خائف ؟ ، تبسم العصفور له وقال : يا يوسف نقف على الشجر ونحلِّق في السماء ولا نهاب السقوط ؛ يا يوسف أنني أعيش في السماء ، هي عالمي ..كما أنك تعيش على الأرض ؛ لكنك يا عزيزي لا تزال صغيراً .. أنت لم تبلغ بعد طول جذعٍ ! .
ضحكا الإثنان ؛ ثم قال يوسف للعصفور : غداً سأصير طول الشجرة .. سأكون طويلاً وقوياً مثل أبي ؛ فرد العصفور بنظرة اشفاق : نعم يا صديقي غداً ستكون كذلك ؛ وظل الطفل يغني والعصفور يزقزق له .


عندما اقتربا من الشاطيء ، وشارفا على خوض طريق السيارات ؛ حذَّره العصفور ، ونبهه إلى خطورة الأمر ؛ وطلب منه أن يسأل أحد المارة كي يساعده على العبور ؛ فضحك منه الطفل بثقة ، ثقة بريئة ؛ وقال له : أيها العصفور الجبان ، أتخشى على نفسك ؟ .. لا تَخَف .. فأنا كبير ولست بحاجة لأحد كي يأخذ بيدي .. لا تقلق .. أنت في حمايتي !


هَمَّ الطفل على اجتياز الطريق ؛ فاستوقفه العصفور ، وقال له : نسيت أن أخبرك بشيء .. أنا لا أحب البحر .. عُد بنا إلى البيت . ؛ فنظر الطفل له نظرة تفقُّد فيها حدّة ؛ كأنه يختبر صدقه ؛ ثم قال : أنت تكذب يا صديقي ! .. ألا تثق بي ؟ . ؛ فرد العصفور : بلى ، أثق بك ، لكني لا أثق بالظروف ؛ فابتسم له الطفل ثم تحرّك نحو الشاطيء ؛ وبعد بِضع خطوات جاءت سيارة تطير على الأرض فتفاجيء بها يوسف ؛ أراد أن يتصرف فلم يقدر ؛ أصابه هلع وتردد ؛ فلم يستطع أن يحمل قدمه خطوة واحدة إلى الأمام ، فتصلَّب مكانه ؛ والعصفور يصرخ : تَحرَّك يا يوسف .. أَسْرِع يا يوسف ؛ لكن السيارة لم تنتظر يوسف فخلعته من الدنيا على الفور ؛ وطار العصفور أيضاً على الفور ؛ وراح ينظر إلى صديقه ، تغطيه الدماء ، منظر كئيب ؛ ثم أدار نفسه ونظر نحو البحر فوجد الشمس تغرق ؛ فبكى ثم انطلق .


كل هذا دار في خُلد الشيخ ؛ ولم يشعر بالوقت الذي مَر ، ولا بالليل الذي حَل ؛ أفاق على صوت ينادي ؛ نداء قوي لكن ذيله الذي يصل ، يصل ضعيفاً ؛ فتحرَّك بقاربه نحو الشاطيء ؛ فوجد زوجته واقفة منتظرة قلقة عليه ؛ فنظر إليها بإبتسامة حزينة على شفتيه وآثار دموع في عينيه ؛ ثم مسك بيدها بشدة ثم اجتازا الطريق .

سبق وقمت بإضافة قصة قصيرة بعنوان (عصفور الجنة) ، لكن احتراماً لشروط المسابقة ها أنا ألحق بها قصتين قصيرتين .. واحدة بعنوان ( حصار ) والأخرى بعنوان ( كربليس ) .. مع اعتمادي للقصة الأولى للمشاركة بها وعنوانها (عصفور الجنة) .. وشكراً لأستاذ طارق


إسم الكاتب : خالد محمد محمد
عنوان العمل : حصار



دقت الساعة في مُنتصف الليل دقة مذبذبة ؛ معترضة على أحوالها الميكانيكية ، معلنة عصيانها الدائم عن قلة الشحنات بالبطارية ؛ وتقدمت بشكوى إلى قسم الأحوال الاجتماعية طاعنة في سوء المعاملة ، وإهمال لوائح العملاء ؛ و تنذر بالتوقف تحت لواء التمرد ؛ وذلك لانتهاك حقوقها الفيزيائية بقرضها والضغط عليها بأسنان البشر لجعلها تعمل لمدة أطول من المدة المحددة والمشروعة وفقاً للمادة....كذا.. من قانون....كذا.. والذي ينص على....كذا .

بعد تلك "السخافات" التي اعتدت عليها من تلك الساعة السخيفة آويتُ إلى فراشي الضئيل بشكله ومضمونه ؛ المرتكز على أرضية الحجرة ؛ لكني لم أستطع النوم ؛ فالأرض رطبة ، وأجزاء منها مبتلة تتسلل إليها المياه من "عتبة الحمام" وهو بذات الغرفة ؛ كما تتسرب البرودة من جدران الحائط متجهة إلى قدميّ الحافيتين فتخترق كالقراصنة و تتفاشى في أنحاء الجسد كالسرطان ؛ ترتكز عند رُكبتيّ ، وتُعسكر كالجنود المرتزقة التي لا مفر من مصائبها ، أضرارها قادمة لا محالة ؛ فكنت كالفأر الهزيل الذي يلجأ مهرولاً إلى جحره يقي نفسه برد الشتاء .

ظلت الرطوبة تتحسسني ؛ لكني رفضت الاستسلام ، و تغلبت على هواجسي الشتوية ؛ و تذوقت رائحة المطر ، وبدأت أصوات الجليد المتساقط تُمرر ألحانها إلى قلبي حتى نامت عيني .

في صباح يوم جديد أطلقت الشمس نهارها في عيني كالسهام حتى أيقظتني منزعجاً عابساً لا أتذكر شيئاً من الليلة الفائتة ؛ إلا إنني أشعر بإرهاق شديد ، خاصة بعيني ؛ فلم أعد أقوى على الرؤية بوضوح ؛كل يوم تزداد سوءً ؛ فكان لا بد من الذهاب إلى دكتور أخصائي طب وجراحة عيون ؛ فلا أستطيع قراءة الجريدة ؛ وكلما حاولت لاحقني ضعف بصري ؛ فقمت بادخار مصروف المعاش من أجل مصاريف العيادة ؛ وبعد اكتمال "مبلغ وقدره" قررت الذهاب ؛ وبالفعل ذهبت إلى تلك الصالة المكتظة ؛ وتفقدت المكان تارة أحملق يميناً وتارة أحملق يساراً ؛ وقد هالني المنظر الذي أكاد لا أراه ؛ حتى نادني رجل يمكث على كرسي ويرتدي بالطو أبيض ؛ منادياً :"أنت يا أستاذ" ؛ فالتفت واتجهت نحوه،ودفعت له رسوم الحجز ؛ وقال لي بهدوء : انتظر دورك ؛ فجلست على أنتريه بيتي – حيث لا توجد كراسي- مُنحشراً وسط جموع من الكتل اللحمية ؛ والروائح الغريبة تعج المكان ؛ ومن جملة ما أذهلني رجلاً كان يجلس بجوار إمرأة لا ملامح لها ؛ وجهها ورقة بيضاء ؛ ومع ذلك ظل يتمسح في قدميها تارة ، ويطلق الدعابات السمجة تارة أخرى ؛ وكانت تبدو مستلذة بذلك ! .
وبعد انتظار طال ساعات ؛ دخلت إلى الدكتور ؛ ومبدئياً قال لي : يتعين عليك إجراء فحص الأشعة المقطعية ؛ فترددت في ذلك ؛ ولكن سرعان ما أجريت الأشعة ، وعاودت أدراجي إليه ؛ فتبين له أن هناك تكوُّن لمياه بيضاء في عيني ويستلزم الأمر فحص قاع العين للاطمئنان على الشبكية قبل إجراء العملية ؛ بالفعل لم أتردد ، و خضعت للفحص ؛ لكن للأسف أوضح الفحص ضرورة مراجعة طبيب الأمراض الباطنية للاطمئنان على الكليتين ؛ وبعد مراجعة الطبيب وإجراء العديد من الفحوصات والعديد من التحاليل قال الطبيب لي إنني أشكو من قصور في وظائف الكليتين ولابد من إجراء فحص بالأشعة المقطعية ؛ فلم أنطق بكلمة أو نصف ؛ واستقت نفسي إلى الطبيب المختص لإجراء الأشعة ؛ وبينما أنا مستلق على سرير الأشعة بدأ الملل والضيق يتسربان إلى نفسي ؛ فانتفضت من لحظتها واندفعت عائداً لغرفتي .
شعرت بالحزن ؛ فالمال ينفد والعمر ينفد والصحة تنفد ؛ وأشعر إنني سأموت ، وهذه الغرفة ستصبح قبري.

الظروف البغيضة تحاصرني حتى أفقدتني السيطرة ؛ أوصال جسدي انسابت ، ضلوع صدري ضاقت ، ساقيّ تتأرجحان في حوضي الأعوج الآهل للسقوط ، الذراعان مرتميان متدليتان ؛ فأصبحت كالأُضحية بين يدي الجزار يقطِّعني حسب الأصول ، والطاهي يقف بجانبه ليتلقى الأعضاء المختلفة ويتلقى "بيت الكلاوي" ويطبخها حسب الطلب ؛ والمرض هو الذي يطلب ويأكل!

بعد خوض ملحمة علاجية بدون جدوى لم يبق لي غير ضريح الأمل ؛ وبعد أن سقطت الانتفاضة وسقطت جذوع الأشجار ، وجاءت البلدوزرات لتقتلع كل حظ يبتسم أصبح فراشي معسكر للآجئين العزّل .

كلما أشعر بالإرهاق أتناول إسبرينتين فيزول الألم ثم ما يلبث أن يعودني!

هذه هي مملكتي الحزينة المحاصرة دائماً، التي تكشف عورتها أمام الجميع ، و تنسى سروالها في دورات المياه ، و تُحدث نشازاً كلما تكلمت ، وترتدي وشم من الجوع على حدود السرة ، وشهوتها للحياة البسيطة أصبحت فكراً زنديقاً يستدعي الجحيم .

ليس هناك غارة أو حظر تجوال أو مدافع أو نيران ؛ ومع ذلك تأوهاتي لا تسكت ، ليس إعتراضاً بل عوضاً عنه .

دائماً يتوه عقلي في الفردوس والحورعين .
الحبيبتان تطلان من شرفات قصري ، تتهامسان ، تركضان نحوي ، وتداعبان خدى البستانيّ .
و وسط الأحلام الطائرة يتحول القصر إلى مقبرة ؛ ويصطدم النور بالظلام ؛ وتتصدر معاني الحزن والبؤس صفحات قلبي و تقضي على كل شئ ؛ وتُعيدني مرة أخرى لغرفتي ، صندوق اعترافاتي ، حيث أجلس مع قلبي نبوح بخطايانا .
لا أريد غير ما حُرمت منه ؛ لذا أجدني أريد كل شيء حيث حُرمت كل شيء .
كل شيء ؛ حتى الأحلام ، مجرد الأحلام ، لا أستطيع ؛ فأنا محاصر.





.................................................. ............................

إسم الكاتب : خالد محمد محمد
عنوان العمل : (كربليس)



كربليس
صديق عورتي

كربليس..مخلوق من طينة حمراء ..طينة شهوانية.. طينة من قاع جهنم

صاحب هذه الطينة ..ما تعلم شيئا قط في حياته .. ما عدا الجنس
الجنس بألوانه.. الخضراء والحمراء والسوداء

الجنس من قعره إلى قمته .. من حلاله إلى حرامه.. من أوله إلى آخره
من شاذه إلى أصله

كربليس يتمنى .. كربليس يحلم.. الذباب يتعاظم لحجم يتسنى له فيه مضاجعته
كربليس يتضاءل ليصل إلى ذبابته
الذبابة .. هي وحيدة الكون التي آمنت له .. هي الفريدة التي بقيت معه في حجرة مغلقة
ولكنها لم تلبث أن فرت منه .. لما أحست منه نظراته الدنيئة.. وملامحه المهتاجة

هكذا تركته عندما توجهت للقاهرة كي ألتحق بجامعتها .. على مراد أبي.. وكنت من قبل أقطن الكفر القبيح
آكل من جوده التصعلق.. وأشرب من فيضه التبذل.. وأتعلم فقه الشارع.. على سنة أصدقائي
أصدقائي .. لا أعرف لهم مأوى ولا مرسى .. بالكاد أتذكر وجوههم .. والمواقف التي جمعتنا
لكن التذكر لا يشفي آلام شوقي.. ولا يسد فراغ قلبي
لكني لم أدع لليأس محلا.. كنت أتتبع أخبارهم .. من صديقي "شاديما" .. فكان ينقل لي الأخبار
ويصف لي الأحداث مفصلا معللا

وكان من جملة ما أدهشني .. وأصابني بالوجم.. هذا الخبر.. عن كربليس

خطف واغتصب

من؟ .. كربليس؟ .. خطف من؟

فتاة من عمرنا .. من كفرنا

لماذا .. أقصد ، كيف هي؟

فاتنة .. فائرة الجسم ..بكر.. هكذا قيل

أمر.. أمر غريب

لم يظهر لهما ظل في الكفر مذ أربعة أيام

هل هو في الكفر أم في الأسكندرية؟.. هل خطفها حقا؟
وهل يعقل ذلك في زماننا هذا؟ ولم لا ؟ إنه زمان الفتن .. إنه زمان القيامة .. لا لا ..إنها فقط طبيعته
إنها معنى من معاني الشر والفساد وضياع الأمانة.. ولكن .. كيف خطفها .. أقصد هل خطفها على الطريقة الامريكية .. طريقة شيكاغو والعصابات

لا أحد يعلم .. الخوف ، كل الخوف أن يكون فضّ شبكها

هذا النذل !.. لابد إنه فعل.. هذه صنعته.. ألم أقل لكم إنه من الطينة الحمراء

لابد إنه ذهب بها عند قريبه "باسموا" بالأسكندرية؟

لكن.. كيف وأمه تمكث معه؟

إذن يستأجر حجرة في نزل ما أيضا بالأسكندرية

ومن أين يأتي بالمال؟ فأنا عليم بحاله وبظروفه

ولكن هذه الفتاة الغامضة .. لماذا لم تصرخ؟ لم َ لم تش به لأحد؟.. أين حيل النساء وتدبيرهن؟!.. أين كيدهن العظيم؟!

لابد إنها كانت معه برغبتها وارادتها.. ونحن نعلم أن شهوة المرأة اذا استشاطت فلا مرد لكوراثها.. ولا مصد لعواقبها

أهلها يهددون ويتوعدون.. وأخوها أقسم إنه لو ظفر بكربليس .. سيجعله من فصيلة أحمد عدوية .. سيذبح عصفوره

كربليس .. أجبني.. ماذا تفعل الآن؟

أنكح.. أنكح.. أنكح.. أضاجع.. أضاجع..أضاجع

ومتى تنتهي يا حقير؟

أنتهي! .. هل أنا أحمق لأتركها؟! .. أنت لا تعرف كم عانيت.. كم انتظرت .. هذه لحظتي
سأنتهي عندما تخبو نيراني.. وتختل أعصابي.. وتنحلّ مفاصلي..وتتحلل عظامي

أيها الدنيء.. إذن لن تنتهي أبداّ!
ولكن أيها المتحذلق.. المتهور.. لا تنس أمر أهلها.. هذه ما لم تحسب له حسابا.. لتعلم كم أنت غبي
أقل ما يأخذونه منك جراء فعلتك الشنيعة هو حياتك .. هل ترتعد الآن؟ أشعر بك يا غبي.. ولكن كيف ظننت انك ستفر بفعلتك الحقيرة هذه دون عقاب؟! المصائب ستأتيك كالسيل منذر بالهلاك.. قضية خطف.. قضية اغتصاب.. وهلم جرا

أيها المثرثر.. هل انتهيت من مقالتك ؟.. دعني أريك كيف ستجري الأمور.. وستتابع الأحداث
عندما أتركها- في المستقبل البعيد طبعا- ستخبرهم إنها كانت معي بمحض ارادتها..كما انها التي أصرت على مرافقتي لها مع رفضي الشديد.. أنت لا تعرف رفيقتي .. إنها متبجحة!

حسنا .. أنت لا تخشى عاقبة الأمور.. اذن .. أخبرني أيها الشجاع أين أنتما الآن؟

لازلت أستمتع بها .. لازلت أزاول واجبي.. لم تنفد حلاوتها بعد.. ولكن أعدك انني سأخبرك وقتما أنتهي منها
أما اذا أخبرتك الآن .. فستضيع هرتي مني.. وسأعود لقصتي مع الذبابة .. أنت تعرفها

اذن أخبرني كم مرة ضاجعتها؟ لكي أطمئن على حالتها.. أخشى أن تكون ماتت.. وأنت لا تزال تضاجعها.. أعرفك تفعلها!

حقا .. تريد أن تعرف.. فأنا لا أرهق نفسي بالعد.. ولكن .. كل ساعة مرة ..منذ أربعة أيام .. هذا أمر يطول حسابه.. لا وقت لدي.. والآن دعني.. لدي عمل

كربليس.. انتظر.. كربليس.. اليوم أجازة.. اليوم الجمعة.. أقصد لا عمل..كربليس
.................................................. ........................زز

القصة التي أشارك بها هي (عصفور الجنة)

طارق شفيق حقي
05/03/2010, 03:03 PM
أخي الكريم خالد محمد
عليك التقدم بثلاثة أعمال للمسابقة وتحدد المشاركة التي تتقدم بها يفعل بقية المتسابقين
تعتبر المشاركة الأولى هي المختارة في حال لم يحدد المشارك ذلك

إسماعيل ابوبكر
07/03/2010, 02:39 PM
إسماعيل أبوبكر..

الأسطورة

جاء صوت صارخ من المذياع يقول: "أيها الناس اتقوا الله، اتقوا الله كي تُسقى الأرض، فقد حلّت علينا لعنة السماء"، فأطفأ خالد المذياع. فالأسطورة القديمة تقول أن أخر حكيم الأرض حذرهم من أن لعنة عظيمة ستحل عليهم بسبب سوء قلوبهم، ولن تزول حتى يجدوا لها حلا يرتضيه رب السماء وطوبى لمن يزيلها. أدار خالد محرك سيارته، ومضى يشق مسيره في تلك البلاد.

فهو مهندس زراعي كان قد تخرج منذ سنوات طويلة، ويعمل موظفا في البلدية. يعاني مثلما يعاني الجميع، لكنه كان رجلا صالحاً، عادلا، أمينا صادقاً، لم يقبل في حياته رشوة قط. وما دفعه للخروج بعد الدوام هو رغبته في جمع بعض المال كي يتسنى لأبنائه إكمال دراستهم ليصبحوا شيئا عظيما في المستقبل، فكم امن بهم وأحبهم ولم يدخر جهدا في إسعادهم.

لم يكن اليوم جيدا بالنسبة له، فهو قحط ككل الأيام في هذه البلاد، يرى فيها نفس المشاهد طوال سنوات عمره. رأى في الطريق رجالا يذبحون أناساً من بلاد أخرى بطرق وحشية لغرض إزالة اللعنة، ومن حولهم يصفقون. ورأى فيها نساء مستضعفات يلوكون في شرف أخريات بأنهن سر اللعنة. ورأى أناسا أوباشا يسجدون لآخرين -يعلمون الحل بنظرهم- فيصدقونهم ويتعلمون منهم الكره والبغضاء، فيسمعون ويبكون.

ورأى منهم من يفجّر نفسه على قارعة طريق فيها طفل ورجل عجوز ودار عبادة، راجيا إله السماء أن يقبل قربانه ويخلصهم. ورأى أناسا يضربون آخرين بالهراوات والعصي ومن خلفهم تمثال كبير، ومجموعة من الكسالى يتابعون أخبارا، وبها يتخاصمون. ورأى في بعض أزقتها أناس يترنحون ويرقصون، وبينهم نساء عاريات. وشاهد أطفالا جوعى ملابسهم ممزقة يستجدون الناس. لم يستطع رؤية ذلك كله أو حتى سماعه، فأغلق نافذته ومضى في طريقه يبحث عن زبون.

وبينما هو في مسيرته، إذ استوقفه رجل يبدو من شاكلته انه من البلاد الأخرى التي طالما سمع أنها سر البلاء واللعنات في أرضه وسبب نكبته. لكن حاجته أوقفته كيلا يعود خالي الوفاض إلى بيته. فركب الغريب وكان يتوق إلى التحدث معه، لكن خالدا لا زال يتملص من الحديث معه، لبغضه إياهم. وكان الغريب يتحدث عن انه سيذهب أخيرا لرؤية أبنائه بعد سنتين كاملتين، وكم يشتاق إليهم. وفي حركة ودية عرض بعض الصور لخالد الذي لم يبد اهتمامه.

توقف خالد وابلغه بالوصول، فلم يخف الرجل دهشته وقال: "أتعرف؟، هذه هي المرة الأولى التي يوصلني فيها سائق أجرة إلى العنوان من طريق مختصرة، مع أني اعرف الطريق جيدا". رد خالد بابتسامة باهتة وهز رأسه في أدب، واخذ المبلغ ورد الباقي للرجل الغريب الذي بدا مصدوما مرة أخرى من المبلغ الزائد المتبقي.

وبينما خالد ماض في طريقه، لاحظ حقيبة. وجد فيها مبلغا كبيرا من المال، ومضى يفكر في تلك الفرحة التي سيراها في وجه زوجته الحبيبة سلوى وابنيه خليل وزياد. لكنها لم تلبث أن تلاشت وحل محلها صورة أبناء ذلك الرجل، ليرى الحسرة في وجههم والألم. أحس بضيق، فأدار مقود سيارته.

شاهد رجلا مذعورا، طمأنه بابتسامة صادقة في وجهه، وقال له: "أنسيت شيئاً مهما قبل سفرك؟". بكى الرجل وتناول محفظته لأخذ بعض المال، لكن خالداً تركه ومضى في سبيله.

سالت قطرات دمع على خد خالد فتحسس وجهه فإذا عيناه تذرفان، ولم يدر لماذا، فمسحها بأطراف أصابعه، وإذا به يرى قطرات أخرى متتابعة، لكنها لم تكن من عينيه هذه المرة، بل كانت من قطر السماء.

تمت..

إسماعيل ابوبكر
07/03/2010, 02:41 PM
إسماعيل ابوبكر..

إجابة العم رمزي..

فكرة: إسماعيل أبوبكر وبكر رواشده.

عدت مسرعا إلى البيت وأنا الهث من السعي، ودموع تنساب من عيني حال تذكّري لما قاله ذلك الرجل الطيب. وأخرجت ذلك الصندوق من خزانتي، وأوقدت نار تلك المدفأة وبدأت ارمي بتلك الأوراق وأرقبها وهي تحترق شيئا فشيئا، فلم تكن يوما ما حقيقة، ومع احتراقها شعرت براحة نفسية بعد انقضاء تلك الأعوام التي ظل فيها قلبي خاويا.

كنت أراه جالسا في تلك المكتبة كلما توجهت إلى اقتناء كتاب معين، بمنظره الهادئ، وبسمته المتواضعة، واضعا نظارته على انفه وهو عاكف يقرأ ذلك الكتاب. كنت آتيه فور رجوعي من الجامعة لأخبره عن مغامراتي وما رأيت وما سمعت. كان نعم الموجه بالنسبة إلي، فقد كان يستمع إلى همومي ويتعاطف معي ويرشدني بخبرته. أخبرته ذلك اليوم عن "سلمى"، عن تلكم الساحرة الجميلة التي أحبتني، فاقتربت مني وطلبت مني أن أكون كاتبا لها في مجلتها الالكترونية.

لم أكن اقترب من الفتيات، لكني شعرت أنها مختلفة عنهن جميعا، فقد كنا نتشارك نفس الاهتمامات والأفكار، وشعرت أن روحنا واحدة وان القدر قد كتب مصيرنا سوية في لوح واحد. أحببتها من كل قلبي وصارحتها بمشاعري حال تلاقينا. واذكر أنها قالت لي في المرة الأولى التي تحدثنا فيها، أني ما أن تركت مجلسها حتى تبعتني بدموع فاضت من عينيها، وسُكبت على خدودها، وأنها شعرت بروحي تلامس روحها وأنها أخيرا وجدت فيّ توأم روحها.

مضت الأيام ونحن نزداد محبة لبعضنا، وتقوى أواصرنا. كانت تشاركني خلالها مشاعرها وآلامها ومخاوفها وكنت أراني بطلا ينتشلها من ذلك كله، وكم كان شعورا جميلا. وبعد أيام وشهور، لا ادري ما حدث فيما بيننا، فقد كثر خصامنا وجدالنا وهجرنا، وأخبرتني أنها تشعر بفتور العلاقة، وحينما سألتها عن سبب ذلك، ذكرت لي أن الوضع قد أصبح صعبا بالنسبة لها، وأنها ما عادت تشعر بمشاعر الحب مثلما كانت تشعر من قبل.

أصبحت حائرا ومشتتا، وتمردت على ظروفي المعيشية وكرهتها، وكنت احكي كل ذلك للعم "رمزي" والذي كان يبتسم لي كالعادة، ويسألني: "كيف شعورك تجاهها؟"، فأجيب: "إني اعشقها واعشق تربتها وكل ما يتعلق بها". فيسألني مرة أخرى: "وما شعورها تجاهك؟؟"، فأجيبه: "هي كذلك". فيصمت قليلا ويقول: "إذن كل شيء على ما يرام".

وفارقتني "سلمى" ذلك اليوم، واذكر تلك اللحظة التي قالت لي فيها أن علاقتنا صعبة وان الظروف والأوضاع لا تسمح بارتباطنا. فثرت عليها وقلت لها: "أين كلام الحب والتضحية والصبر؟ أين التوأمة الروحية والأحلام والآمال". وتركتني وحيدا أسائل نفسي عما جرى، حتى أني كنت ألوم نفسي أحيانا، بأنه كان علي أن ابذل مجهودا اكبر كي أحافظ عليها.

تحطمت بعد ذلك وتبلدت مشاعري وكفرت بالحب وحقيقته وتملكني اليأس، ومع هذا كله والعم رمزي يقول لي كلما ذكرنا الموضوع: "أن الحب الحقيقي لا يموت". وطلب مني أمرا عجيبا، وهو أن اجمع كل رسائل الحب واضعها في صندوق، وانتظر حتى تأتيني الإجابة يوما ما عما حدث وفرّق بيننا. وتُوفي العم رمزي.

وبعد أعوام رأيتها في إحدى الحفلات، ورأيت معها رجلا لا اذكر أني رأيته من قبل، وعرفتني به كخطيبها، واقتربت مني وسألتني عن حالي. فأخبرتها أن الأمور على خير ما يرام، وتحسّنت ظروفي، وحققت كل آمالي وطموحاتي. وهنا تبسّمت ومالت برأسها وهمست في أذني: "أتذكر تلك الأيام؟ لقد كانت أيام مراهقة وتجربة جميلة". تبسمت لها مجيبا: "لكنها كانت حقيقية بالنسبة لي، ولازلت احبك، لكني أخيرا تلقيت إجابة العم رمزي".

تمت..

إسماعيل ابوبكر
07/03/2010, 02:41 PM
إسماعيل ابوبكر

الزهرة..

إنها زهرة ولا كأي زهرة.. بهذه العبارة بدأ المدرس يشرح لطلابه قصة الزهرة التي أقلقت كبير العلماء وسببت له تلك الحادثة التي ربما أودت بحياته.. اسماها علماء النبات بالزهرة القاتلة، ولم تكن يوما كذلك.. كم كان يوما رائعا حين قص علينا قصتها..
توسط المدرس الصف بشعره المشيب ووقفته المستقيمة التي تشبه وقفة الجندي المعتز بوسامه وعلى وجهه رُسمت خطوط الزمان.. حكى لنا تلكم الحكاية الغريبة عن احد العلماء الذين نذورا أنفسهم للبحث عن تلكم الزهرة العجيبة.. تلكم الزهرة التي تفوح منها روائح زكية، ولها منظر بديع، وينساب على جنبات أوراقها الندى بصورة رائعة.. زهرة تذكرك بكل ما هو جميل في هذه الحياة..

لم يعرف الجميع سبب هوس هذا العالم بها بحيث انه كرّس كل حياته للبحث عنها.. كم ارتحل من مدينة لأخرى، ومن بلد لأخر، وعانى الضياع جامعا للمعلومات ومتحملا أعباء الغربة.. تسلق الجبال وهبط الوديان وعكس مسار الشمس بحثا عنها.. كان يرتدي ذلك القفاز الأسود وهو يتفحص الزهرة تلو الزهرة حتى يتأكد من أنها هي الزهرة التي يريد.. كان قد وعد نفسه بعدم مس أي زهرة ما لم يتأكد من أنها هي لا غيرها..

لم تكن هذه الزهرة مختلفة عن غيرها من ناحية الشكل، لكنها كما تذكر الروايات: متينة الأوراق، وشذاها يملأ الآفاق، صحراوية تعيش في أحلك الظروف، الزهور التي تحتفظ برونقها ونضارتها على مدى الزمان وكأنها تفتحت بالأمس..

وهنالك من يذكر كأسطورة أن جد هذا العالِم هو من غرس تلكم الزهرة بنفسه، وسقاها من ماء إناءه الذي شرب منه ذلك العالم حينما كان صغيراً، ولذلك نشئت تلكم العلاقة الغريبة بين الزهرة والعالِم.. ولم يترك أي إشارة إلى مكان وجودها، وان القدر وحده هو الكفيل بنقلها إلى حفيده..

بعد البحث في أمهات الكتب والاستنتاجات منها استطاع أخيرا أن يصل إلى تلك الزهرة العجيبة.. وجدها على سفح جبل شاهق تسلقه على فترات من شدة ارتفاعه، حتى كادت رئته إن تتفجر من ضغط الهواء وقلّته، وكلما اقترب كلما اشتد خفقان قلبه من شدة الفرح، وشعر بدنو الوصول.. فكم هو جميل أن تحقق أمالك، فما بالك بحلم حياتك..

وجد تلكم الزهرة كما هو موصوف عنها: وحيدة ذات بهجة، منفردة عن بقية الزهور.. اقترب منها، ولم يرتد قفازاته هذه المرة.. وكانت الإشارات والمصادر تقول أن من اقترب منها أسكرته رائحتها فيتهاوى متى ما هزّها، فقام بهزها فانتشى بتلكم الرائحة حتى كاد أن يفقد وعيه.. لمس أوراقها فكانت كالحرير على يديه ومالت على أنامله وكأنها تخطب ودّه..

أزاح التراب من حولها وانزاحت معه كل آلامه ومعاناته في طلب تلك الزهرة، وصار يحفر ويحفر كي يصل إلى جذورها.. أحس بلحظة سكينة وراحة لم يعهدها من قبل في حياته.. امتلأت عيناه بالدموع وانسابت على خديه لتسقي تلكم الزهرة.. إنها لحظة اجتماع محبوب بمحبوبته بعد فراق طويل..

امسك بساق الزهرة وشدّها لأنه أراد أن ينقلها إلى مكان مناسب لها لطالما سهر على تنظيمه، لتعيش الزهرة في كنفه حتى يفارق الحياة.. لم يرد أبدا أن يستخدم عطرها، أو أن يقتلع جذورها للأبد، أو تجفيفها ووضعها في متحف كما يفعل بقية العلماء ومروجو العطور.. كل ما أراده هو أن تظل بجانبه ويأنس بها ما تبقى من عمره..

جذب الوردة برفق فأبت التحرك معه فأعاد الكرة ولم تفلح محاولاته.. شدها مرة أخرى فقطف جزء منها عن طريق الخطأ، ويا ليته لم يفعل، فقد أحس بقلبه يتفطر حزنا على ذلك الجزء، وكأنه اقتطع جزءا من جسده.. وبرزت تلكم الأشواك التي لم تكن في الحسبان ووخزت ذلك العالم في يديه.. إنها طريقة حماية لم يكن يتوقعها، ولم يقرأها قط في أي كتاب بأنها من صفات تلكم الزهرة.. كانت تساوره الشكوك والآلام، إن كان يتوجب عليه ارتداء قفازه المتين هذه المرة وإعادة الكرّة..

لكنه اختار عدم ارتداء القفاز وحاول السحب مجددا وازدادت معه كل آلامه، وفي كل الم هنالك الم في داخله وخوف من أن يكرر قطع جزء منها.. ولم تكن تلك نهاية القصة.. فقد وُجد ذلك العالم مغشيا عليه على سفح ذلك الجبل وعلى يديه أثار تلكم الأشواك، وجسده متجمد كالثلج بجانب الزهرة.. لم يعلم العالِم المسكين أن أشواك تلكم الزهرة كانت مسمومة، وان سمّها كان قد انتشر في أنحاءها لوجودها في تلك المنطقة التي لم يكن لها أن تعيش هناك..

رفعت يدي وأنا أتساءل كالمجنون عن مصير العالِم ومصير تلكم النبتة، وهل عاش أم مات؟.. لكن المدرس نظر إلي وفي عينيه حيرة كحيرتي، فهو أيضا لم يعرف نهاية تلك القصة.. ورن جرس نهاية الحصة وطُلب من الطلاب الانصراف إلى منازلهم، وألا ينسوا رسم تلكم الزهرة كواجب مدرسي، وودعنا بابتسامة..

وها أنا ذا بعد سنواتي الدراسية لا زلت انظر إلى الآن إلى صورة الزهرة التي رسمتها على كراستي، واسأل نفسي عن نهاية ذلك العالم وتلك الزهرة وهل سأجدها يوما ما ..

تمت ..

إسماعيل ابوبكر
07/03/2010, 02:43 PM
القصة التي ارغب في المشاركة بها:

إجابة العم رمزي..

إسماعيل ابوبكر

بالتوفيق للجميع :p

عبير الشاوي
07/03/2010, 05:54 PM
السلام عليكم
هده القصص التي اود المشاركه بها في المسابقة

1. الأحشاء تبكي
وهو وسط النار
غارق في دموعه
يصرخ:
انقدوني سأغرق

2. وباء
يبحث بين الكتب ، يحضر عقاراً للوباء..
يرفع رأسه الضخم، ينتشر الجهل.

3. تسمم
نشر روايته الأخيرة
مات ..مات أفراد عائلته.. مات جيرانه و القرى المجاورة
أشارت التقارير الطبية أن سبب الوفاة تسمم حاد

4. فراسة
تزوجت من عاق لمن حوله..
تتفرس ملامحه..
تحسست بطنها المنتفخة.. بقرت بطنها.! رمت جنينها و صلت ركعتين.

5.قرار
قرر أن يصبح رجل..
أشتري شارب و ذقن
أخبر أباه عن رغبته في الزواجمن أجمل بنت
جلس أمامها يحرك سبحته .. ينتظر الإحساس بالرجولة.

6. أمام المرآة
ينظر في المرآة ُيردد " قزم"..
أخذ جرعة زائدة من هرمون النمو..
ينظر في المرآة ُيردد " قزم في صورة عملاق "..




السيرة الذاتية



الاسم: عبير محمد الشاوي
محلالميلاد:الاحساء
التعليم:ماجستير صيدلة سريرية
الإصدارات: كتابان باللغةالانجليزية تم طباعة الكتاب الأول بعنوان أقصي جرعات الأدوية للبالغين
(Maximum Dose for adult)
و الكتاب الثاني تحت الطبع بعنوان
(monographs on dosageof essential drugs in hospitals)
قصة أطفال بعنوان رحلة قمور
الاهتمامات: القراءة و المطالعة
الاهتمام ببرامج الكمبيوتر و لغة الإشارة ,تثقيف المجتمع عن الأدوية والاستخدام الأمثل للدواء
الاهتماماتالبحثية:
الحصول على درجة الدكتوراه في قسم الصيدلةوالإدارة

طارق شفيق حقي
09/03/2010, 03:24 PM
الأخت الكريمة عبير الشاوي

نقبل القصص التي أرسلت كمشاركة واحدة
حيث شرط القصة القصيرة جدا أن يتقدم القاص ب 5 أعمال
ويمكنه إرسال قصتين قصيرتين تكملة للشروط
أو 10 قصص قصيرة جداً أخرى

تركي ناصر الحربي
10/03/2010, 10:06 PM
لقـــاء السحــــاب




ذات ليل دثرني بعباءته الحزينة ليغزو الظلام مشاعل مدينتي المطوقة بمرتزقة الفراق , ولتتيه قوافل الشوق في بيداء الفقد تعصف بها رمال التنائي.
في زمهرير الوجع ,استوقدت ناراً من لهيب زفراتي , علــّي أفزع تساؤلات الصقيع وأُخيـــف بها رؤوس الوحشة المتجهمة حولي , فأنجم السماء أمسكت عن الهدايـــة والقمر حُفـــرت له كوة من عدم ليسقط فيها.
مكثت ردحاً من زمن الضعف ابتلعُ عروق نبتة مسكنة لأزيز الذكرى المتناثرة دماملها على صفحة القلب ولما أشفى بعد.
ما عاد يجدي ضّرس أشواك الملح وحتى ينابيع الجبل ضيعتها غيوم الحزن فتقطعت عروق الجريان.
لينبلج في هزيع الليل عامود نوراني تحفه أصداء صوت أوقظ َ الروح..!!
تناهى الصوت أكثر فـأكثر مردداً
(أود رؤيتك قبيل سفرك ....هــلم إلــّـيَ أرجوك!)
كفرحة الأسير بتحريره استنطقت جوارحي لتصدع بالقبول.
توكأت على منسأة الحلم الأجمل ميماً قبـــلة الهيــــام للذة الموعد , مطهراًً من طريقي قبائل الشك البربرية حائلاً بنحري رؤوس حرابها المتوثبة عن يقين اللقاء .
فما أسقطه بروعي عن أنباء آياته الكبرى عصمني من غياهب صدع حفرته معاول السراب .
هاهو القدر أخيراً يجلب مقعد النجاة فوق ركام سحابة ستقلني الجانب الغربي من أفاق الهداية لجنان العشق.
امتطينا و روح الوله أخر راحلة لـــّدي _ مزن الغرام_ من حسن حظي لم تنفق كمثيلاتها عطشى لــ أنجلاء العذاب , ممتثلاً لدعوة تمنحني فرصة البعث لأطياف الوجد النافض عنه رماد بيات الجمود.
قبيل الميقات المعلوم في يوم التجسد الكبير حُوصرت بدوامة الأفكار وحلت بروحي الهشة زلازل الحيرة , إذ ستبصرها عيني بعد انقشاع حجب التخيل وانسدال ستــر التشبيه
كيف سأبدو لمن بادلني العطـــاء ولم نبرز حقاً حتى في أصدق أحلامــــنا.
أو سنصدم بيقين الرؤيــــــا وإنعتاقنا من مجهر أوغل في تصوير أيقونـــات لربما ستُــفجع من حقيقة أصول قشورها .!!
والسؤال المحال ... هل سنوفق......؟
استكت أوداج العشق ولبست حـــلة الربيع وغمست روحي في عطــــر زنابق البراري حتى فـــــــــر مني الوقت سريعـــاً ولمـــا أعقد العــزم على اختيار أضحية الرؤيـــــا العظيمـــة .ربما أعددت نفسي لتكون كذلك.
هززتُ منسئتي فاستحالت قلمـــاً سطّــــرَ ملاحم فؤادي مخضبة بماء الروح مسومــة بأوجاع المغيب ,ثم قطفتُ من حدائق اللهفة وروداً يقطر شوقــــــاً شـــذاهـــا .في غمرة انشغالي جاءني صوتها من بعيد
_( هل وصلت من مهاجرك ؟)
قلت مرتبكاً ( أنني قريب جداً أحانت ساعة اللقاء؟)
_(نعم , أني أنتظرك في الدور الثاني من البناية الزجاجية
ستجدني عند أول منضدة على اليمين )
( حسنــــاً)
ويــــلي لم أفرغ بعـــــــــــــد!

***


http://crawdaddycove.files.wordpress.com/2007/01/elegant-restaurant.jpg
في البقعة المباركة صوبت بصري لشاهق الملاذ الأخير تحيطه هالات النور. هاأنذا على مرمى خطوات من تعديل مسار كيــــــــاني وإعادة رســـم خطــــى أفـــــلاكي بعيد ما سامتني مدائن الرماد سوء العذاب .
على بعد كبسة ( زر) انزلقت أمامي لجـــــــة إضــــــــاءات خافتــــة تتهادى في جوف ممر طويـــــــــل ترتمي على جنباته منضدات بيضـــــــــاء. بالكاد تحملني قدماي وأنا القابض على ( بوكيه الورد) يتفصد جبيني عرقاً قبل لحظة النشوة.
_(من هنـــــــــــا)
فجأة انداحت موسيقى نــــاعمة تسكبها أوتار قيثارة ديــــانا الأوليمبوس لأجد ضالتي المنشودة تعتمر وشاحها الأسود المطرز بالنجوم , تخبئ عينيها خلف نظارات سوداء, تجلس بركنها الركين .
صافحتني قائلة ( وأخيـــــــــــــراً. حمدلله على سلامتك)
أطبقت على يديها وأنــــا مســـافر في وجهها تضربني صواعق الدهشة! حتى نطـــق ( بوكيه الورد) بأن لــــــــــه علــــي حــــــــق التقديــــم.
جلسنــــــــــــا والصمــــــت عقد على ألسنتنا مستبدلها بحـــواريات الأعين بعدما أزاحت نظارتها جانب كأس العصير الاستوائي.
( ممممممم ... تفضل أشرب العصير) بحياء يقطر
( هـــا ؟ أي عصير؟أوووه شكراً)
ربـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاه. ....ماهذا؟
يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ألهـــي أحقاً ما أرى؟
لوجهها قدرة على إعادة توقيت الزمن.... ولعينيها القوة في تجميده!
وجنتيها المكتنزة قليلاً تجري من تحتها أنهار من دم وردي , والأنف الأقني يتعالى بشموخ الأنثــــى.
شفتيها تفرج عن صفوف من اللآلئ تغتسل دوما في بحر لجي من الشهد المصفى.
يخرج من بينها صوت ملائكي رخيم يضفي على الصورة ألق حورية بحر ساحرة.
ماذا عن شعرها.... حتى ملحمة هــوميروس لا تقارع طوله . خروبي اللون يضوع منه رائحة اللافندر
رباه... ربـــــــــاه رحمــــــــــــــاك!!!
بذكائها لمحت ضياعي فحاولت إنقاذي من دوائر ذهولي .
( عساك ما تعبت بالسفر؟)
( ......................)
( مممم كـــم يوم بتجلس قبل سفرتك للخارج؟)
( ......................)
( بربك هل أنت بخير؟)
( أنا؟ أجل أجل )
( رح توحشني كثير )
( وأنتي أكثر)
( أ حبــــــــــك جداً) قالتها وتعللت بانهزام الوقت المصلوب من أجلنا في صومعة الوله...
( أذن لـــــــــي حبيبي بالمغادرة , بودي المكوث لكن.... تعرف)
( لا عليــــــــــــــــك , سعدت برؤيتك )
***
ذهبت تتهادى خطانا وكل منا يلتفت عقب كل مــــــــــتر يفصلنا أكثر وهانحن نغرق بطود الفراق مجدداً.
خرجت مسرعاً ولم أعقب , أحمل قلبها بين جناحي , أسلكه في روحي لتتوهج بيضاء من دون مرض , أتلقف ألواح العشـــــــــــق بشرائع سأنسخ بها عقيدة اليأس والموت وستنبجس من قلبي أثنتا عشر عيناً لكل أسباط الاشتياق .
وداعـــــــــــــــاً مهوى الفؤاد مسطورة كتبتها فوق جوانح السلوى.......

انتهـــى


بقلم تركي ناصرالحربي

ابومحمدالسوداني
11/03/2010, 09:18 AM
قصة قصيرة
عبدالرضا صالح





القادم من المنفى



مثلما تاتي الطيور المهاجرة ، السابحة في ظلمة الليل وسكونه 00لتستقر في واحات الدفء والأمان 00تجد مكامنها في الفجر السافر بين ألأعشاب وأعواد القصب والبردي 0
يفاجئك الصباح بكل جديد 00بكل غريب , وفي احضان ألأهل والأحبة بعد عناء الغربة وكلل الترحال 00تضع رحالها 0
الفجر ياتي 0، ويأتي نكرة 00يحمل انباء00بعضها أتراحا وأخرى مسرات 00انه ياتي من المجهول 00من خلف ألأسوار ونهايات العالم السحيق 00لم يكن في الحسبان 00يفاجئك بالحضور 0
الخروج في الصباح الباكر 00الى طرقات المدينة الناعسة ، وأطيافها الحالمة 00تنبئك بمفاجئات00لم تكن في يوم على البال00
أعمدة النور الغافية تواً ، ومناقل الشاي التي بدأ دخانها يتصاعد ، ورشقات الماء من صانع المقهى لترطيب الجادة ، وعلى الرصيف شيخ ملتحف بالسواد 00راسه الحاسر ،وشعره ألأبيض الذي يشبه نتف القطن ، وحاجباه الراقدتان على جفنيه لتستريح من تعب الغربة ، وتضاريس وجهه تعلمك بان الدهر قد ترك بصماته بوضوح0
- مددت يدي في جيبي لأستخرج قطعة نقود –حسبته محتاج – وقبل ان اخرج القطعة اشار لي بالرفض 00وضع يده على صدره واشار لي بسبابته الى السماء 00عرفت انه محتاج لله لا لغيره 00نظرت في وجهه00تمليت فيه 00لاح لي وميض من بريق عينيه00اني اعرفه لاشك في ذلك 00مضيت الى عملي وانا افكر فيه 0
- انني اعرفه 00نعم انه قابع في زاوية من زوايا الذاكرة 00في ركن مجهول من اركانها 00حفزتها لكني لم افلح 00قلت لعلي على خطأ ، اوشبه لي 0
عدت الى البيت منهكاً بعد انهاء عملي 00جلست على اريكة الخشب القديمة ، خلعت حذائي واستلقيت عليها وانا سارح افكر برجل الرصيف 0
- قالت امي : اراك متعباً , هائما هذا اليوم !
- قلت : نعم 00اني احاول ان اتذكر ذلك الرجل الجالس على الرصيف 0
- قالت : لعلك تقصد ( العم نعمة ) ؟ 00 لقد عاد !
- العم نعمة !!
- العم نعمة !!
فترة من الصمت 00ثم بدات ذاكرتي تنشط 00تخرج ما اكتنزته في السنين القاحلة00 من وجهه الممتلئ بالدم ، ونظراته الحادة ، وضحكته المدوية التي كانت تملأ الشارع 0
وانا صغير كنت امر امام محله وهو واقف في الحفرة المربعة ، والى جانبه الكورة الحجرية ، ومنفاخ الجلد ( الكير ) ومن خلفه كومة الحديد ، وامامه كتلة ضخمة من الحديد يدعونها ( السندان ) ، ويقف امامه ابنه الذي كان يخلع قميصه اثناءالعمل فتظهر عضلاته المفتولة 0
كنت اتسلى حينما انظر اليه وهو يدس حفنة من الفحم الحجري في الكورة المشتعلة ثم يداعبها بدفقات من الهواء الذي ينفثه منفاخ الجلد ( الكير ) وهو يضغط فيه ؛ ثم يدس قطعا صغيرة من الحديد في الكورة 00يخرج واحدة منها وهي تتلظى ، صفراء تتوهج ، تكاد تضيء المكان 00يضعها على السندان ، ويبدآن الضرب عليها بصورة متتالية ، كأنه إيقاع منظم ، ثم يعيدها في الكورة ويخرج غيرها ، وبين الحين والآخر يأخذ استراحة قصيرة ليحتسي قدح الشاي الذي كان ينتظره 0
سمعت الكثير عن ابنه البكر , ذلك البطل الذي كنت أتصوره وكأنه عملاق أسطوري ، عرفت عن بطولاته الكثير ، لقد قضى معظم حياته في السجون ليس لشئ سوى انه (من المعارضة )0
في المساء كان يجتمع عنده عدد من الفلاحين من المزارع القريبة ومن بينهم ابي يشترون المناجل ، وسكاكين التكريب ، والفدادين ، وكانوا يتبادلون الأحاديث والقصص الشعبية ، ويضحكون 0
أغلق دكان العم نعمة ، ولم اكن اعرف سبب ذلك 00بقيت أراقبه ايام طويلة وهو مغلق وهكذا بقي حتى غاب في عالم النسيان ورقد بين طيات الذاكرة 0
في اليوم التالي ،وجدته كما كان في ألأمس جالسا على الرصيف0
سلمت عليه وسألته :
هل تعرفني يا عم ؟ رفع رأسه ونظر في عيني وقال :
لا00من تكون ؟
قلت انا احمد ، وابي ( العراف ) 0
استبشر الرجل وقال :
رحم الله اباك كان صديقي ، وانا اول ما وضعت قدمي على ارض الوطن ، سالت عنه 0
بادرته : واين كنت يا عم ؟
قال : خمس وعشرون سنة في المنفى 00غائبون عن ألأهل ولأحبه 00كانوا يخافون من افكارنا ان تفسد الناس !!
- وماذا ستفعل ألان ؟
- سأفتح محلي واعمل فيه 0
- حقاً !! أولك قوة على ذلك ؟ !
- نعم00ولدي وأحفادي 0
- آه ومن سيشتري منك ؟
- أصدقائي القدامى 0
- كلهم ماتوا0
- حتى أبنائهم وأحفادهم ؟
غمرتني نشوة من الفرح والأمل الآتي وأنا أودعه

قصة قصيرة

عبدالرضا صالح






أطياف المــوتى


انه00لا يخيفه الموت ان أتى مرة، قد يكون الموت بلسماَ 00تكرار هو الذي يخيف 0
والعاصفة عندما تمر واحدة لا تدمر 00قد تمر برعونة فتستقطب ما خلفها ،ولكن تعددها يعني 00الدمار 00الخراب
انها قتلته مرات بعد رحيلها الأخير أقبلت كقبسه ضوء 00زهرة طافية 00اقبلت وتوارت كحــلم ضبابي دافئ في ثنايا ذاكرته الخرقة 0
ليس هناك أدنى شئ ينسيه احباطاته سوى التأسي بأوراقه القديمة وقصاصاته المتعفنة / المتناثرة في زوايا غرفته الصدئة ليحصل على تميمة يطفئ بها شغفه0
يقتفي أثرها على هاوية النهر الساكن ومائه الآسن 00يلقي حجرا فيخط النهر دوائر صغيرة ، تتوالد وتتسع شيئا فشئ وهو ينظر إليها 00يتأملها 00يرى وجهها الدائري فيها 00يكبر الوجه كلما كبرت الدوائر ، ثم يختفي باختفائها0
وفي المساء كانت تاتي مع النسيم ، تمد يدها ، تمس قميصه الذي تلاعبه نسمات الهواء البنفسجية 00يحاول احتوائها لكنها تمضي مسرعة ًلتتلاشى خلف الظلام 00 خلف الأسوار0
في المحطة - محطة التيه الممل - ينتظر سنين ضوئية لا يعرف مداها المحبط 00نثات من المطر00تخفي الرؤيا تجعلها بلون رمادي قاتم وهو ينظر الى نهاية السكة في نقطة التلاشي من تحت المظلة 0
انه قادم00يتوهم
أشباح تظهر وتختفي مع اختفاء السكة في هاوية الضباب خلف التلال
- واحدة منها هي00قد يكون ذلك 00ولم لا ؟
- نعم أنها هناك 00غير إنها تذوب مع نثات المطر والرمل المتطاير و أوراق الشجر ودخان القطار0
- انه قادم 00ارى لهاثه المنهك يتطاير مع الريح
- انه قادم 00يحمل زهرتي في احد المقاعد قرب النافذة 00تنظر الى النوارس اللاعبة ، وأعمدة النور والمارة ومساحات المزارع الشاسعة
- انه يقترب 00يقترب 00يقف
يقف متعبا ً، يلفظ أنفاسه 00يمسح العرق عن جبينه من عناء المسافات البعيدة ، يتعالى الصياح والضجيج وأصوات الباعة 00ببسي بارد00سندويتش00سكاير,سكاير00جرائدمجلات00مئات من الوجوه تترجل ، حاملة أفراحها وأحزانها ، ولكن الجميع متساوون في لحظة اللقاء 00كل الوجوه تتشابه الا هي فقط طليت عينيها بلون العشب 0
تلك هي!!
يهرع إليها , لكنها تضيع في الزحمة كبلورة سكر في قدح شاي 0
عاد متعبا يلملم خيبته ، ويجر حظه ، خرج منذ انفلاق الفجر 00 لم يحتس شيئا، والطريق إلى البيت يمتد بعيدا ً ، ولا بد من الوصول في الزقاق تراءى له صبية يلعبون لعبهم الساذجة وصفقاتهم المختلة وأهازيج عبثية 00لا يدركها0
وقبل ان يلج البيت سمع من خلفه صريرا ً 00لم يشك لحظة ً انه بابها ، تنتظره كما اعتادت 00 يلتفت إليها 00 يراها ، هي كما هي ، بلونها البرونزي ، وبهجتها الطافحة ، تلوح له – ولكن هذه المرة – بإصبعها المطوق بحلقة – حلقة الموت – موته المتعدد0
قصة قصيرة
عبدالرضا صالح





ســخط الرذيــلة


( الفضيلة ) : وعاء صفته النقاء , وانبعاث في نبوءات الخير , وسفر نحو الخلود 00 ترقى الى المقامات العالية , وتتنزه من براثن ألآثام 0 نقيضها هاوية في العوالم السفلية , وخوض في وحول الخطايا , وسقوط في شباك ( الرذيلة ) 0
منذ زمن طويل وهي تأتي بثيابها الرثة , ووجهها الحالك وعينيها الغائرتين 00 تجلس على حافة الشاطئ قرب القمامة 00 تجلب معها وعاء فارغا فيه قليل من الماء00 تهذي بكلام لا يفقهه الناس 00 تنتظر وليدها يخرج من النهر الذي لفظه00 تضمه إليها وتعود به إلى البيت0
كانت على قدر كبير من الجمال 00تمتلك من الحسن ما لم تمتلك غيرها 00 تتغزل بها النساء قبل الرجال00 ممشوقة القامة 00 باسقة 00 مضيئة الوجه 0 الكل يحب ان يراها ويتمتع بحسنها 0 وهي على هذا الوصف تتصف بالحشمة والرزانة مما زادها تألقا . لم يشاهدوا عليها يوما خلة 0 رفضت كل من تقدم لخطبتها 00 من أشراف المدينة وتجارها ووجهائها 0 حتى انقطعوا عنها ووصفوها ( بالمتعففة )0
تبنت ابن أختها وأشرفت على تربيته حتى كبر وأصبح صبيا 00 لم تشأ ان ترسله للمدرسة كأقرانه , ولم تدعه يخرج الى الشارع كي يلعب مع الصبيان , حتى صار بدين مترهل لا يعرف غيرها 00 تحبه وتدلله وتكنيه ب ( الدمية ) 0
ليلة ظلماء , فيها من الغيوم ما يشبه الدخان , والبرد شديد , والريح عاصفة 00 طائف يجتاح الدار , وشبح يجوب البيت 00 رائحته نتنة وشعره أشعث وثيابه وسخة 00 اعتلى سريرها 00 تغشاها وهي ساكنة لا تمانع ولا تتحرك0
تكرر الموقف مرات 0
رأى الدمية ذلك ,لكنه لم يصدق عينيه وحواسه في البدء 00 تراءى له انه حلم 00كابوس 00 لكنه وبعد أيام تكرر ذلك المشهد 0
كانت الصدمة كبيرة على نفسه وهو يراها وهي تخرج خلفه وتقبل يده , وتهمس له أن لا يتأخر 00 في المرة ألأخيرة خرج خلفه ولم يرجع إلا عند الفجر 0
بعد ايام شوهد الرجل قتيلا في قمامة المدينة قرب الشاطئ 0
ساءت حالة الصبي وقطع علاقته بها , ولم يعد يكلمها 0
حاولت إرضاءه 00
- لقد اشتريت لعبتك التي تحبها
- لا حاجة لي بها 0
- تعال 00 تعال انظر اليها كم هي جميلة 0
- قلت لا أريدها 0
- وهذه تفاحتك التي تحبها 0
ليس بي شهية 0
اخذ يخرج من البيت ولا يعود الا متأخرا ويسلك سلوكا شاذا 0
خرج ( الدمية ) يوما , وتوجه الى النهر 00 وبقرب القمامة وقف على الشاطئ وهو يهمهم ويقول : أنها تقر فني 00انها تخيفني 00 اني اكرهها 00 سأحطمها 00 سأنتقم منها , ثم مزق ثيابه وبدا عاريا ثم تقدم نحو النهر 00 وضع قدميه في الشاطئ ولما لامسها الماء صاح : اه يا للراحة 00 اخذ يتقدم في أعماق النهر وهو يردد : لقد بدأت ارتاح 00 ارتاح 00 وصل الماء الى رقبته 00
- اني الآن ارتاح 00 ارتااااااح0
- لفظه النهر بين طياته 00واغشاه وانقطع خبره0

فريدة ابراهيم
11/03/2010, 08:07 PM
السلام عليكم
أشارك معكم ولأول مرة بثلاث قصص هي :

_ للإنتظــار وجـه لا يشبهني
_ بقــايــا جثــة
_ مــدن الخـــواء

اسم الكاتبة: فريدة ابراهيم بن موسى
طالبة دراسات عليا أدب ونقد



للإنتظار وجه لا يشبهني..

فجأة.. وفي انحناءة خاشعة، يولد الصبح من زفرة طاعنة في عمر الإنتظار. وفي منتصف اللهفة، أغتسل بماء الرجاء، فتذرفنــي آهــاتــي المتوسدة وجع الصمت الليلي. أتدحرج كـكرة ثلجية على قامة الصبح الوليد من تلافيف الحزن الــى أخمص الإنتظــار.


كم مرَ من الوقت، وأنا أجمع صخب رحيلك في علب على شكل هدايا، أنثرها كل مسـاء في حديقة بيتنا، فتلد حزنـــي الليلــي، الممتد في كوة الجرح !..
أغوص في مواسم الوحدة متجردا من كـل الآخرين الذين قد يصيبوا صمتــي بزعيق الأسئلـة، أو حب الفضول لمعرفة سبب إبتعاد الورد عن حرف الجسد..ثــم أزرع قلبي حرفا متوهجا في غيمة غيـابـك الماطر.
ينبت في أحداقــي دمع حافي من تفاصيل الذكريات، فـ أتأهب أخيرا لدفء قد يأتي من حلم مسروق، كنت قد تدثرت به، ذات مساء بارد، وأنا أتفقدك في رفوف مكتبتـي ..لكن سرعان ماصحوت على قامتي، تهوي بين يدي النسيان.
جمعت رماد حكايتي بين دفتــي كتاب، وتمددت الى جوار وجعي المتثائب من أرق ليلة البارحة، وعبثا رحت أنبش بقايا الرماد، عـلنـي أعثر على حلم يشبهك !.
وفي مملكة -الحاء- نبتت علاقـة حميمة بين الحب والحرف.
-فبـــربٍك .. ! مالذي يحِول الحروف الـى نثــــــار رماد، غير حلم متوهـج طاعـن في الإنتظار..
وللإنتظار وجه غريب، لا يشبه أحدا.

علمتنـي أحزانــي -وأنا ما أزال طفلا يحبو في حبك- أن الإنتظار يـأتـي ملثًمَ التفاصيلِ، وينفذُ من خلال الشقوقٍ والنوافذِ والأبواب المواربةِ، التي نصفها حزنٌ، والنصف الآخر ألمٌ يختزل نزيف الوقت المتآكلِ ببطءٍ.

فلا ضير الآن أن أُشرع للإنتظارِ، صفحات كتابي، كـي يعصر ليلـي بصبحي كؤوسا مترعة بطعم الحزن والإنكسار.
فقد مللت رقص الحروف على السطورِ، كفراشات تَعلقُ بخيطِ فجرٍ متلهفٍ لعناقِ الكون..كحبَك ذات عمر، عندما غزا شراييني وأوردتي.
لقد أنهكني الصبح، والتفكير في قتل الحروف شنقا، بتهمة إنتظارك الذي يأتي في شكل غياب.
فلطالما راقصتُ الفرحَ الهاربَ، وطبعتُ على جبينِِ حروفهِ المتناثرةِ إعتزالي لعبـــة الإنتظارِ.

تمت / فريدة ابراهيم بن موسى

فريدة ابراهيم
11/03/2010, 08:17 PM
بقــايـا جثــة

كمَا لو أنَ الزمنَ يمرُ بطيئًا هذه الليلة، تظلُ مزروعًا على حافةِ الوقتِ المتآكلِ، كقطعةِ حديدٍ مهملةٍ في ركنٍ من الحديقةِ.
صدأُُ الجسدِ يُكوِرُكَ كومةَ حلمٍ غير قابل للتأجيل. تراقبُ جحافلَهم تقتحمُ خلوتك،
ثم تجرُ جسدَك..وتجعلك تركضُ ما قُدِر لك من العمرِ، خلف حلمٍ مُوَشمٍ بخدوشِ أظافرِهم.

الآنَ تنتعلُ ما تبقَى من جروحِ حلمٍ..! لتبحثَ لكَ عن مكانٍ يُكَمِلُ نقصَك.
وعبثًا تحاولُ أن تمحوَ تلك الخدوشَ بريشةِ ألوانِك الليلكيةِ، وقبلَ انتصافِ حزنِك على قارعةِ الأرصفةِ التي عبَدُوها، بنتوءاتِ أجسادٍ صدئةٍ، للحالمين الذين مَرُوا قبلَك في هذا الدربِ، وأسَالُوا جرحَ ألوانهم جدائلَ شمسٍ تُغرقُ الكونَ بعطرِ الخزامى، من أجل عيونِ وطنٍ سَلَبَ لُبَ ريشًَتهم الشقية، تقفُ هنيهةً لِتَتَثَبَتَ من ملامحِ صورةٍ ..فعلت بك كل هذه الجروح !.

تُطالعك الثقوبُ في كل الجهاتِ، حُزمًا من العتمةِ التي إنهمرت كوابيسَ شُؤمٍ، تستحيلُ إلى ماضٍ قريبٍ.. عندما حذَرتك أمٌك، وأنتَ تزرعُ على جبينِها قبلةَ الوداعِ، على مشارفِ مزرعِة شهدت طفولتك الحالمة. أن لا تثق في ذئابِ المدينةِ!.
كانت دموعُها الساخنة ممزوجةٌ ببسمةٍ متخفيةٍ..!. تمسحُ عنها الدموعَ، ثم تُطمئِنُها أنَك لن تغيبَ طويلا، كي يتسنى لك إكمالُ النصفِ الآخرِ من جسدِ وطنٍ متآكلٍ ..!
تنحني وتقبلُ يديها، وتطلبُ منها أن تدعو لك.
ثم تغوصُ في إمتدادِ الشارعِ الملتوي.

أخيرًا تستفيقُ من جنازتِك التي أُقيمَت على شرفِ جرحِك، متأملاً تلك الجثةِ التي تلاحقُها الكلابُ المدربةُ والمسعورةُ، يُصيبُك الغثيانُ والخوفُ مرةً واحدةً..وتدركُ في زحمةِ الضجيجِ أنك وقعتَ مرةً أخرى.

تراقبُ أعدادَهم التي كانت بأعدادِ أصابعِ يديكَ المقيدتينِ الى آخر المنعطفِ، يجرُون جسدَك المشتتِ الواهنِ، لكنهم لا يعبأون لما قد يُصيبك، كان كل ما يهمهم هو فصلُ رأسِك عن جسدِك، وعَرضه على لجنةِ التَفتِيشِ، فقد تناهَى الى مسامعِهم أنَك خبأتَ صورةً مَا ..!
وإحتفظت بأسرارِها النديةِ داخل فكرِك.

لم تكن تذكرُ عمَا كانوا يبحثون بالضبطِ !. لكن وفي غفلةٍ من كرابيجِهم الحادةِ، تذكرتَ أنَك رسمتَ جثةً مفصولةَ الرأسِ، معلقةً على مشجبِ المساءاتِ الحارقةِ بصهدِ أسلاكِ الكهرباءِ، التي غُرِزَت بجسدِكَ الهزيلِِ.
وببساطةِ مواطنٍ عادِي قلتَ لهم:

- كيف يمكن للإنسانِ أن يتوبَِ عن حبِ وطنِه؟.
صفَعكَ صاحبُ الجثَةِ الضخمةِ، الذي ظننته ثورًا، لكنه لا يحملُ قرونًا..!
ولكن يحملُ صحراءً قاحلةً، لا تصلحُ إلا لتَزَلُجِ الصَرَاصِيرِ! هكذا تخيلتَه وأنتَ تتلمَسُ مواطنَ الألمِ، الذي تحَوَلَ فجأةً الَى انتصارٍ، حيث قِيلَ لك، أن تحبَ وطنَك في صمتٍ دون ثرثرةٍ مزعجةٍ!.

تغوصُ في الوهنِ أكثر، ويتملكٌك الرعبُ مما قد يأتي..!
يفتشون زوايا الفراغِ، ثم فراغَ جيوبك، ليس إلا قصاصاتِ ورقٍ كٌتِبَت بقلمِ رصاصٍ باهتِ اللونِ، كالغرفةِ التي تحوي جسدَك المنهكِ. تتنبهُ الى فراغِ الغرفةِ، وأنها بدون لونٍ !.
لا تعرفُك التفاصيلُ الغارقةُ حدَ الوجعِ..تواصلُ التحديقَ بعينينِ منفرجتينِ، وكأنَك تتحققٌ من تاريخِ المكانِ، وعَبَقَهُ الذي ينبعثٌ بروائحٍ تُزكِمُ الأنوفَ، لم تعهدها من قبل.

تُراودُك الأسئلةُ وأنتَ معلقٌ على مشجبِ الحيرةِ ..؟؟ فتستحيلُ علاماتُ الإستفهام الى مشنقةٍ باردةٍ، تنتظرُ حرارةَ عنُقِكَ لتلتهبَ صهدًا يَحرقُ جلودَ الحالمين.
تتقافزُ أنفاسُك ذُعرًا من المكانِ، وقد غطَ في فراغٍ مخيفٍ، ومن تلك الوجوهِ المسرفةِ في الكبرياءِ والقسوةِ، والتي أَلقَت القبضَ عليك وأنتَ تتأبطُ جثةً لم تكن لغيرِك..!.
تزحفُ على ركبتيكَ لتلتحقَ برأسكَ المُتَدَلي من شرفةِ قسوتِهم، ثم تلتحف الصمت رداءًا من الخشوعِ، وأنتَ تمدُ قامتَك المتناسلةِ كشجرِ لبلابٍ يتدلى على السقوفِ، طالعًا توًا من نُثارِ الإنكسارِ ..!.
رافضًا أن تنحني لهباتِ الريحِ الصفراءِ اللعينةِ، التي تثقبُ ما تبقى لديك من ألوانِ المساءِ المشعِ. وطامعًا في الإغتسالِ، تسكبُ دمعًا كهطولِ مطرٍ، يغدو رُكامًا من الوحلِ،تنتشلُ جثتَك من الهزائمِ التي مَدَت عُرُوقََها، كي تنخرَ عظامَ خيبَاتِك المعلقةِ في العراءِ.
وكما لو أنَك كنتَ في حلمٍ أرعنٍ، تستفيقٌ على دمعةٍ غارقةٍ في الشجنِ، كنتَ قد خبأتَها طيلةَ مُرَاودتِك للحلمِ..تَفرِكُ عينيك المتثائبتين، ثم تمسحٌ عنهما غبارَ تلك الدُمى التي كانت تعبثُ برأسِك.

يزدادُ طعمُ الملوحةِ في مذاقِ صبحِك البُنِي، المتثاقلِ، تصفعُك صورةُ الجثةِ التي ما تزالُ معلقة وقد اِستَحَالت الى بالونةِ هواءٍ فارغٍ .
تتحسَسُ رأسَك بأطرافِ أصابِعِك، ثم تتحسسُ باقي الجسدِ، لتُثبتَ لعينيك كذبةَ ما ترَى. ثم تغوصُ في حزنِ الهزيمةِ، حيثُ أنتَ لا أنتَ ..! وجُثَتُك ما تزالُ معلقة..
فهل غادرتَ المكانَ، وهذه رُؤَى حلمٍ متصدعٍ في هَدأةِ صمتِك الأخيرِ.
فربما فعلتَ مثل فِعلتهم ،" عندما لم يجدوا من يهزمهم ثانية هزموا أنفسهم".
ورُحتَ تتلصصُ، وتسترقُ النظرَ، ثم توقظُ حُلمَك من غفوتِهِ ثانيةً، وتُقررُ أن تُهاتِفَ أمَك لتسألها عن بقايَا جثتِكَ .
فريدة ابراهيم بن موسى


وهي التي أشارك بها في المسابقة

فريدة ابراهيم
11/03/2010, 08:25 PM
مدن الخواء

في لحظة ما.. قد يبدو لك الرحيل فرحا، تزهو كل الأشياء أمامك، وتحسها أكثر ابتهاجا، وكلها تتحرك صوب فرحك اليتيم، لتقيم لك العرس الجميل !.
وحده قلب أمك يحس الفجيعة، ويقيم للفرح مأتما حزينا. فلإنتقال من بلد الأهل إلى بلد فارغ من الحب، كان بالنسبة إليك فرحا تصنعه رقصات حلم في عينيك المنفرجتين عن آخرهما.. على غير العادة.
فهل تصنع الفرحة بك كل هذا المأتم الذي حل فجأة بقلب أمك؟.
أنت لم تفكر بهذا القلب الضعيف الحزين بعدك، وكل ما فعلته بعض القهقهات والحركات البهلوانية التي تعزز قمة النشوة لديك، وتغرز دبابيس الأسى في قلب أمك..أمك التي لم تستوعب شرحك الطويل لها عن أزمة البطالة في مدينتك.

كانت في ركن البيت قابعة ككومة ملابس تنتظر من يرفع عنها أدران الزمن الآسن.
كان خدها يتكئ على يدها اليمنى النحيلة، وحدها العروق الخضراء البارزة أصبحت زرقاء اللون ترتسم على طول اليد خطوط حكاية تروي.

(أسيدي امحمد خدك ينور ..عند طلوع النجمة زاد الرسول..خرجت احليمة لدار..
زاد المختار..بخَتُو بالعنبر والمسك يفوح ..خرجت احليمة تشكي..زاد المكي..
بختو بالعنبر والمسك يفوح..)

تواصل أمي ترنيمات المولد النبوي بصوت جميل، وبحة حزينة تميزه عن آلاف الأمهات، صوت يراقص أشعة الشموع المنتشرة في أركان البيت..
هذه عادتها منذ سنين، تقول الحكاية، في كل مولد تحتفل، وتغرس فينا حب نبينا.
كان هذا آخر مولد نبوي أشهده مع قلب أمي، ومع بحتها الخاصة جدا..!.

- ستجرب الغربة وستندم.
بحسرة يقولها قلبها الواسع الذي لم يسع فكرة رحيلي..
وتقول الحكاية كذلك..
بعد رحيلي لم تعد أمي تردد ترنيمات المولد النبوي، غاب صوتها الشجي، وجفت الدموع في محاجرها، لم تبق إلا العروق البارزة تنبض، وتنتظر القادم.

من مدينة إلى أخرى ينقلني الضباب البني..يتكدس على قامتي الهزيلة، تتكوم الثلوج، وتتكوم أحزاني يوما بعد يوم..يتجمد الزمن في مدن الخواء.
يحتويني الخواء أبحث لاهثا عن فرحة متبقية في أحداقي، ليس غير الدمع يفارق حنجرتي، وأحرص أن لا ترى هذه المدن خيبتي، أندس في ليل مظلم، على حلم أن نلتقي..


لا أرى غير العروق البارزة من يديها النحيلتين تمدني بعنقود عنب فارغ..
سقطت كل حبيباته قبل أن يصل يدي، أحاول لملمة الحبيبات من على الارض، تبتلع الأرض كل الحبيبات، فلا أرى اليدين، ولا القلب، ولا هي..!.

أستقبل صباح المدينة الخاوية بكثير من الضجر، وقليل من الأفكار التي كانت تتجاذبني، أحاول أن أفتح النوافذ لأتنفس أكثر وأستعيد القليل من القوة، تأبى النوافذ، أكوام الثلج قد أغلقت كل القلوب، وسدت كل النوافذ.
أحن إلى قهوة أمي..وقبلة أمي..وحضن أمي، تلسعني الذاكرة، فأضع البن في "لبراس"، وأشعل النار لعلها تدفئ فائض البرد المتأبد في كوة الجرح .
القهوة المٌرة مسكنة لبعض الجروح، وأنا لا أملك إلا جرحا واحدا، بيدي فتحته، وبقسوة أناملي أعدت خياطته، وهاهي المدن الخاوية تفتق الجرح من جديد..

في الشوارع التي صارت تعرف هزيمتي القسوى، تقاذفتني موجة أفكار ذات سلالة لا أعرفها، أو بالتحديد لا أعرف وصفها.
الضجيج الصاخب يكورني في مساء مظلم معتم، بعد نهاية ساعات التعذيب الجسدي، غسلت وجهي بضباب ذلك المساء الشاحب، أخذت كرسيا على رصيف الذاكرة، في مقهى المشردين، لأحد المغتربين، رميت بجثتي المنهكة،أحرقت ألف سيجارة، ونبهت أفكاري ببرميل قهوة مُرة، ولم ترسُ على ميناء.
تسرح المخيلة بدون قيود، صورة لهيكل عظمي مسجى وسط بيتنا، لا يُرى منه إلا عروق زرقاء بارزة، لحاف أبيض يلف الحزن المكوم، وجوه غريبة بدون أجساد تجوب بحرية أطراف بيتنا، تصرخ بدون أصوات، تبكي بدون دموع.
تختلط الصور، وتحلُ الظلمة على الهيكل العظمي الممدد مكانه، عيون جاحظة، وعيون بدون وجوه تجوب صحراء بيتنا..
ضجيج المكان، ونعيق البوم والغربان، يوقظ المخيلة فجأة..أواصل التحديق في الطيور..لا شئ غير الطيور، وهي تعانق الفضاء دون قيد ..
صوت موؤود بداخلي يستجدي، لا بد لهذه المدن الخاوية من ستار يحجب الظلمة، وشاطئ يستقبل فرح الحقائب.

فريدة ابراهيم بن موسى

فريدة ابراهيم
11/03/2010, 08:28 PM
السلام عليكم,,

يشرفني جدا المشاركة معكم..
وأفضل القصة الثانية كقصة للمسابقـــة وهي:

قصة : بقــــايـــا جثــة

أتمنى التوفيق للجميع
تقديري لمجهوداتكم
فريدة ابراهيم

طارق شفيق حقي
12/03/2010, 10:30 PM
الأخ الكريم ناصر الحربي

يرجى إرسال قصتين إضافيتين
فشروط المسابقة أن يرسل كل متسابق ثلاثة اعمال ويحدد العمل الذي يريد أن يشارك به

عماد اليونس
13/03/2010, 08:59 PM
السادة اعضاء اللجنة المحترمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فيما يلي مشاركاتي للقصة القصيره وارجو اعتماد القصة الاولى لغرض المسابقه


(1)



حبة وكبسولة و...


عادت الجدة عوفه من رحلتها اليومية الى العيادة وهي تحمل كيس من الدواء وعلامات التذمر بادية على وجهها , افرغت محتويات الكيس ثم صاحت قائلة :
ــ ماهذا الدواء مجرد كبسولات وحبوب الملاعين لم يعطونني ولو حقنة مقوية واحدة في حين انهم منحوا عيشه يوم امس ثلاثة حقنات ...انظرو الى صحتها اليوم فهي تزهو ووجها منور مثل القمر... بسيطه اني الهم من يضنون انفسهم انا ذاهبة اليهم غدا وسوف أريهم من اكون سكتت برهة ثم أردفت :
ـــ ماذا سيخسرون لو انهم اعطوني تلك الحقنات أليست العيادة حكومية ؟ أوَليس الدواء مجانياً , اسمعن يابناتي وانتن ياحفيداتي اذا حدث لي مكروه هذه الليلة , فسأحملهم المسؤولية وسأرفع دعوى على ذلك الطبيب الذي منع عني تلك الحقنات وسأجرجره الى المحاكم.
ـــ جدتي الاجال بيد الله وليس بيد الاطباء هكذا سمعت بابا عبدالله دائما يقول, قاطعتها حفيدتها مروه ابنة العشرة سنوات .
ـــ طبعا ابوك يقول ذلك لانه ماشاء الله بصحة جيدة ولايشعر بحال المريض مثلي واني واثقة بانه يكرهني ويتمنى موتي اليوم قبل الباكر فارجوك لاتذكري كلام ابوك وسوالفه وبالمناسبة عزيزتي مروه حضري نفسك لتذهبي معي غداً الى العيادة لانني سوف اقطع التذكرة باسمك لكي احصل على تلك الحقنات المقويه وراح أشوف هذه المرة ماذا سيقول ذلك الطبيب اللئيم.
في صباح اليوم الثاني ذهبت مروة الى غرفة جدتها لتخبرها بان الوقت قد تأخر للذهاب الى العيادة ظنت البنت بان الجدة غارقة في النوم فراحت تصيح
ـــ جدتي ... جدتي ... جدتي الوقت متاخر الا تذهبين للعياده لماذا لاتجيبي .....
وبعد ان يأست من اي حراك للجدة خرجت البنت مسرعة لتخبر أمها ثم يدخلن مسرعات فيطلقن صيحات عرف الجيران منها بان الجدة عوفه قد فارقت الحياة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ

(2)



هَيتَ لكَ


لطالما ابتعد عبدالله عن مزاولة السياسة نظرا لما تسببه من اوجاع للراس ورغم اجادته للتنظير وحسن التوقع و التقدير فكل اقرانه يشهدون له صواب الرأي ابتداءاً من تنبؤاته بنهاية الحرب الايرانية وخروج الجيش العراقي من الكويت عام 1991 وعكس كل التوقعات بسقوط النظام العراقي انذاك , تنبأ بان نظام صدام حسين مستمر و لن يسقط الا باجتياح عسكري وحينما هلل الكثيرين لهذا السقوط تحفظ الرجل ليس حبا بصدام ولكن خوفاً من تداعيات هذا السقوط فتوقع ان يصحب سقوط النظام سقوطا للدولة العراقية وانعداما للامن والسلم الاهلي ومعاناة العراقيين من العنف والقتل والتهجير صدقت تنبؤاته فزادت مكانته.
ونظرا لثقافته الواسعة وكياسته ومؤهلاته واجادته للغة الانكليزية فحين تشكل اول مجلس حكم محلي في المدينة كان اسم عبدالله من الاسماء التي ارسلوا في طلبها لكي يتولى رئاسة المجلس لكنه حين علم ان عليه التعامل مع المحتل كأمر واقع رفض هذا المنصب وبشدة.
كان حال الرجل مع السياسة كحال النبي يوسف وزليخا حينما غلقت الابواب وراودته عن نفسها وقالت :
ـــ هيت لك ... كان جوابه واضحاً قاطعاً :
ـــ معاذ الله اني اخاف الله رب العالمين
وحينما ارسل في طلبه من قبل احدى الكتل طمعا بمكانته وسمعته وعرضو عليه الترشح معهم للانتخابات النيابيه الاخيرة ورغم كل المغريات التي عرضها عليه رسولهم
ـــ ستصبح نائبا وربما وزيرا, سلطة وراتبا كبيرا وحمايات ووو فقاطعه الرجل
ـــ هذه الامتيازات في دنياي و ماذا في اخرتي قل لي هل تظمن لي شيئا هناك ؟
سكت الرجل وانصرف فتوجه عبد الله كعادته صوب المسجد وهو يردد ...
ـــ الحمد لله الذي صرف عني السوء اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ولاتجعلني من الغافلين ....

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ


(3)



كرامة أبي مُرقّعه


كان رجل اشعث اغبر تزدريه الاعين رغم هذا كان وجهه بشوشا نورانيا ينم عن قناعة وحسن سريه. سائحٌ في ارض الله لايعرف أحد من أين أتى قليل الكلام الا همساً كان يحب الاعتزال يفترش الارض ويستظل الاشجار لايسأل زاداً الا مأ ياتيه من الناس عن طيب خاطر, صابراً و محتسباً على أذى الاطفال وهم يرمونه بالحجارة بل أنّ المثير للاعجاب ِأنه يجمعها لهم ويعيدها لهم بابتسامةٍ ولسان حالهِ يقول لهم هاكم اضربوني مرة اخرى ان كان هذا يفرحكم.
كان الرجل يأتي كل حين الى الفلوجة في الستينات ويختفي وكأن الارض تطوى به ,يتنقل بين الاحياء فيختار الارض الخاليه ليرمي بها عدته البسيطة ومتاعه الذي لايزيد عن بطانية ورزمة ملابس كان يرتدي صيفا وشتاءا نفس الجلباب المرقع والذي طالما رأيناه منهمكا بترقيعه ومن هنا جاء لقب "أبومرقعه". حط رحاله مرة غرب المدينة عند النهر وقريبا من مكان مولدة الكهرباء الوحيدة في مدينة الفلوجة انذاك والتي كانت تعمل على النفط الخام .
كان مشغل المولدة حماد يتناوب التشغيل مساءاً مع زميله محسن الذي كان مسؤولا عن التشغيل الصباحي . حين جاء حماد عصرا ليستلم نوبته وجد أبا مرقعة وقد حط رحاله في فناء الساحة التي تطل عليها بناية المولدة ,استنكر حماد وجود أبي مرقعه في هذا المكان فعنّفهُ قائلاً :
ـــ ألم تجد مكاناً أهدأ من هذا المكان لتحط رحالك فيه ايها الاخرق
ـــ سامحك الله انا هنا لاعينك ياحماد...
ـــ وكيف تعينني وانت بأرذل عمرك هذا أيّها العجوز الخرف
ـــ المعانة بالله ياحماد وليس بقوتي أو قوتك
ـــ على اية حال سأدعك تقضي الليلة هنا على شرطِ أن ترحل غدا... هل سمعت؟
كان واجب حماد المشغل التأكد من كفاية الزيت قبل التشغيل ومن ثم مراقبة حرارة المولد أثناء التشغيل من خلال التأكد من وصول ماء التبريد الى المشعه .
اعتاد حماد على متابعة أُمور التشغيل هذه لانه على يقين بأنّ أي تقصير او خلل من قبَلِهِ سوف يُدخل المدينة في ظلامٍ دامس ويجعله عُرضَةً للمسائلة او الطرد من الوضيفة والتي لم يدّخر جهداً للحصول عليها . كما ِان حماد اعتاد كذلك الى اخذ اقساطٍ من الاستراحةِ والاسترخاء حيث أنه وضع لهذا الغرض أريكةً بالية قرب المولد . بعد منتصف الليل أخذ حماد جولته المعتاده من المراقبةِ ثم رمى بجسمه المتعب على الاريكة وبعد لحظات من الاسترخاء لم يتمالك نفسه حيث راح يغطُّ في نوم عميق أخذه ساعةً وساعتان لم ينتبه الا على وخزات قويه فتح عينيه ليرى شبح أبي مرقعه منتصبا فوق رأسه وصوت غليان محرك المولد فرك عينيه فلم يجد أحداً أمامه ...هب مسرعاً صوب المحرك فوجد خرطوم الماء قد افلت من مكانه والمحرك في حالة غليان فاق المسموح. أعاد حماد خرطوم الماء نزلت الحرارة وهدأت الامور, شكر الله واثنى عليه وراح يبحث عن أبي مرقعة ليشكره على هذا التدخل والتنبيه وصل الى حيث مكان أبي مرقعه لكنه لم يجده في المكان ندم على مابدر منه تجاه الرجل الصالح... وظلت كلمات أبي مرقعه ناقوسا يدق باذنيه طويلا " أنا هنا لاعينك يا حماد" مابرح حماد يبحث طويلاً عن الرجل الصالح ليعتذر منه ويشكره لكن دون جدوى فالرجل اختفى منذ ذلك الحين وكأن الارض ابتلعته. فظل حماد والمدينة مدينان لذلك الرجل الصالح أبو مرقعه .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
تمت المشاركات
تحياتي وتقديري للجهود المبذوله

نهي رجب محمد
14/03/2010, 09:07 PM
القصة الأولى:


آخر خطبة للرئيس المخلوع

خلوة الرئيس:
بلا تصفيق أو هتافات حارة أمسك قلم الحبر وشرع في الكتابة:(السادة الأكارم، أعلم أني وُلّيت عليكم ولست بخيركم، وحمُلتُ أمانتكم وقد ترونني غير كفءٍ لحملها، ولكن أشهد الله أنني حاولت أن أكرس جهدي وخبرتي في رفع مستوى المعيشة، وإقامة المشروعات العملاقة التي توفر فرص عمل متنوعة للطبقة الكادحة.

فتحتُ الباب لرؤوس الأموال الوطنية والأجنبية ليساهموا في دفع عجلة التنمية الاقتصادية باستثمارات جادة نهضت بكثير من القطاعات الإنتاجية. إنني لا أعدّد إنجازاتي من قبيل مدح الذات، بل هي الحقيقة التي سيسطرها التاريخ للأجيال القادمة.

كان عهدي عهدًا انتصرنا فيه معًا على شبح الأمية، ونشرنا التعليم المجاني لجميع فئات الشعب، وحاولنا جاهدين خفض نسبة البطالة بين الشباب؛ ولأنه عصر العولمة فتحنا النوافذ على العالم؛ شجّعنا النابهين من الأوائل ومنحناهم منح السفر للتعليم في أرقى جامعات أوربا، بينما خصصنا للمتفوقين الجوائز التشجيعية التي تقوي فيهم العزم وتشد الأزر وتقدم للمجتمع روّادًا في كل المجالات.

لم يكن لي مطمح غير الارتقاء بهذا الوطن الحبيب، تعلمون أنني مزارع من إحدى القرى الجنوبية، عرفت معنى الكدّ والفقر مثلما ذقت حلاوة السلطة والرفعة بانتقالي رئيسًا لكم خادمًا لآمال الوطن.

تمنيتُ أن أكون والدًا بارًّا بكم جميعًا، لا أقول إن كل أحلامي قُيّد لها التحقّق؛ فالظروف أحيانًا تقف عائقًا سلبيًّا، لكن أشدَ ما يعكر صفو نفسي اتهامكم لي بالخيانة وقذفكم شخصيتي بالوصولية، تعالوا وابحثوا خلفي، فتشوا في حساباتي واقرأوا خطاباتي، مذكراتي، قراراتي، فلن تجدوا غير هذا القائد الذي حاول النهوض بكم إلى عهد من الرخاء والرفاهية، بجعل هذا البلد الكريم في مصاف الأوائل.

وإذا كان عزلي من منصبي مطلبًا شعبيًّا وافق عليه الشعب، فأنا ديمقراطي صميم سأرضخ لرأي الأغلبية وأحترم قرار المجموع؛ ضمتنًا للصالح العام. ولكن لا تنصبوا المشانق لي في عيونكم قبل أن تحاكموني وتعلموا الوقائع. إن مجرد اتهامكم لي بالخيانة فشل ذريع مُنِيَ به حكمي فُصمت العلاقة كليًّا بيني وبينكم. كم أتمنى أن تجدوا في ضمائركم صوتًا واحدًا ينصفني حتى أنام مرتاح البال.

دمتم في رعاية الله وأمنه، وحفظ الله بلدنا العظيم من شرور الطامحين، ودسائس الخائنين).
مهر الحديث بتوقيعه الشخصي، وختمه بخاتمه الموثق، ثم أحكم قبضته على مسدسه وضغط على الزناد.

الجندي المناوب:
كنتُ الجندي المكلف بالحراسة إذ وصل إلى سمعي طلق ناريّ، هرولت جزعًا على إثر صرخة مدوّية صادرة من مكتب السيد الرئيس، هُرعت إلى الغرفة، رأيت الرئيس منكفئًا على مكتبه والدماء تنزف على الأوراق، اقتربت متوجسًا، واستطعت أن اعدّل من وضعية الجسد على الكرسي، وقدمت آخر تحية عسكرية، بعدها حاولت قراءة الورقة المطوية التي أفلتها من يده.

كانت الأمانة تقتضي أن أسلم الورقة إلى مسئول موثوق به، تحدثت إلى ضابط رفيع المستوى، فعجّل بإقامة مؤتمر صحفي كبير.
كان الحشد كبيرًا، فمندوبو الإذاعات والمحطات الفضائية المحلية والعالمية علي أهبة الاستعداد، وعدد من كبار الصحفيين والمصورين والكتاب والوزراء والقادة يملأون القاعة، وعيونهم متطلعة في دهشة إلي المنصة.

بدأ صوت المقرئ يجلجل بآي الذكر الحكيم، ثم ظهر نائب الرئيس في سترته السوداء قائلاً: "أيها السادة والسيدات، إنه في صبيحة يوم الأربعاء الموافق الثالث عشر من تموز من هذا العام عُثر على جثمان السيد الرئيس في مكتبه بالقصر الجمهوري على إثر عيار ناري من مسدسه الخاص، نسأل للفقيد العظيم الرحمة والغفران، ولأسرته الكريمة السلوى والعزاء، وإنا لله وإنّا إليه راجعون ".
بُهت الجمع الغفير وانخرطوا في عويل شديد، حاول المتحدث مواصلة الحديث: "وقد عثر على الخطاب التالي: أيها السادة الأكارم..." ولم يستطع إكمال قراءة خطاب الرئيس، فتنحى عن المنصة، وطوي الخطاب علي وعدٍ، بقراءته على الشعب في وقت لاحق.
نكّست رأسي محاولا تذكر الخطاب بينما انفض الجمع وخلت القاعة من الحشود.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
21/6/2009
نهى رجب محمد
ريشة المطر


---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
القصة الثانية:


سـلحفاة

انتبهتُ من نومي على سعلة قوية؛ عرفتُ أن أبي يتأهّب للخروج، عدَّلتُ من وضع الصَّدَفة على ظَهري، دفعتُ الباب، كان الدهليز مظلمًا. لمحتُ إيماءة أمي، قبّلني أبي في عُجالة.

نظرتُ من الشُّرفة، صويحباتي ينتظرنني، حاولت الإسراع قدر جهدي، انضمتُ إليهن. إنه موسم وضع البيض.

وصلنا إلى الشاطئ الرملي، انهمكنا في صناعة الحُفر، صنعت حُفرة عميقة، ساويتها ورتّبت فيها البيض باحتراس. كانت الشمس ساخنة، والرمال تلسع، لكنّ وصول ماء البحر إلى أصابعي يخفّف من حدّة الحرارة.

تركتُ المعوَل جانبًا واخترت أن أهيل الرمال بيديَّ هذه المرة؛ لأتأكّد بنفسي من تغطية البيض، كم مرة جئتُ إلى الشاطئ وصنعت العمل نفسه؟ لا أذكر عدد المرات على وجه التحديد، لكنني أتذكر فقط مشهد السلاحف الخضراء الصغيرة عندما يفقس البيض وتحبو إلى الماء. أحب ابتسامتها، لا أعرف أولادي من أولاد صويحباتي.

أشعر أن قدمي تزداد سماكة والصَّدَفة أثقل من المعتاد؛ لا أقوى على رفعها وحدي لأخلد إلى النوم. نصحتني والدتي ألا أخرج هذا الموسم وأن أبقى في السرير للراحة. ترى هل سأقوى على الخروج مرة أخرى؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العين في20/4/2003م
نهى رجب محمد
ريشة المطر



---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
القصة الثالثة:


الخـادمـة

ماذا ينقصني لتصبح هي سيّدة الدار وأتحوّل أنا إلى تنظيف الأرضيّات؟ أراقبها طيلة الوقت: تستيقظ في العاشرة، تغيب في الحمام وقتًا طويلًا، لا أعرف ماذا تفعل، لكنني أشمّ رائحة العطر الفاخر، أتسمّع رغوة الصابون الكثيفة، ثم يأتي دوري لأقوم بمهامّ النظافة.

تجلس على الأريكة، أحضِّر لها الفطور، أناولها كأس العصير كأنها تنتظر مني أن أطعمها في فمها، ثم تطلب مني أن أذهب لغسل الأواني.
وجهها ناصع البياض، كلامها معي قليل لكنها لا تمنع عني شيئًا، اشترت لي ثوبًا في العيد الماضي وأعطتني زجاجة عطر.

لا أعرف لماذا أنشغل بمتابعتها؟ لا أقصد التلصّص عليها. كل يوم ترتدي ثوبًا مغايرًا، لا يمرّ أسبوع إلاَّ رافقتها إلى صالون التجميل، تعود عروسًا، شعرها الأسود الهفهاف في قصّته الجديدة يجعلها أشبه بالأميرات، وتخطو على السجّادة الوثيرة بدلال فألمح نقش الحنّاء على كعب رجلها الناعم. تمنّيت لو سألتُها مرة واحدة هل جرّبتْ يومًا أن تغسل طبقًا متّسخًا؟ أو هل اضطرت أحيانًا إلى تنظيف الحمام؟!

أنا لا أحقد عليها، أتقاضي راتبًا محترمًا من هذا المنزل الفخم، أحظى بمنزلة مميزة بين أفراده: تستأمنني سيدة الدار على ابنتها الرضيعة ولكنها تصرّ كثيرًا على إطعامها بنفسها، تترك لي مهامّ التنظيف والنزهة.

لست ضجرة بكل هذه المسئوليات؛ فهو عملي الذي أتقاضى عليه الأجر، وفي آخر النهار أنزوي في غرفتي الصغيرة لأنام. ميعاد نومي واستيقاظي محدّد، وطعامي فوق طاولة المطبخ، لا أطمح أن أشارك الأسرة الطعام، الحقّ أنهم يعاملونني بلطف.

ثلاثة أطفال في المدرسة، نظيفون لكنهم مشاغبون، أتعب في إرضائهم وأملُّ من دلالهم الزائد (ماذا أفعل حتى تبقى الدار هادئة وينهي سيدي كتابته على الحاسوب، غرفة المكتب قريبة وصوت الأطفال عالٍ؟).

الحلول المقترحة من سيدتي كثيرة: اذهبي إلى غرفة الألعاب (نُمضِّي ساعات طوال في الرسم وبناء البيوت الصغيرة بالمكعبات)، في بعض الأحيان تسمح لي سيدتي باصطحابهم إلى الشارع الجانبي الهادئ للعب فوق مربع الخضرة في الميدان الفسيح.

الحياة على هذا النحو مُرهقة، فكّرت في أن أترك المنزل لكنني لا أجد مبررًا للمغادرة، أحتاج هذا الراتب وزوجي لا يمانع في هذا العمل، ماذا أصنع؟ سيدتي تنادي عليَّ!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

10/ 2/ 2006م
نهى رجب محمد
ريشة المطر

فتحي فطوم
15/03/2010, 05:15 AM
قــصـص




( 1 )



شــــجاعـة


رآه يهبط درج مبنى المجمع الحكومي ؛ أخذته رعشة . صورته ما زالت محفورة في ذاكرته . تسللت قدمه اليمنى إلى كعب اليسرى ، ضغطت قليلاً ، أجابت أصابع القدم اليسرى بحركة مشابهة ؛ تعرت قدماه من النعلين ، انحنى ، خطف فردتي الحذاء ، وقف جاحظ العينين ، توترت أعصابه ، اهتزت يداه ، تقدم بحذر . لم ينس يوم بادره بصفعة ، أعقبها بصقعة ، ثم صرخ : " ضعوه بالدولاب " . تقدم ... تقدم ، قَدَّرَ أن المسافة بينهما أصبحت تسمح له بالحركة ، رفع يده اليمنى قليلاً حين أمسى قريباً من زاوية طريق فرعية ، انطلق مولياً الأدبار غير مُتَحَرِّفٍ لِلقاء آخر .





الأحد 27 أيلول 2009




( 2 )


شــــفافيـة


في اليوم الثاني لتكليفه مديراً لفرع المؤسسة دعا إلى اجتماع عاجل ، حيث أكد على ضرورة التقيد بالتعليمات وتلبية طلبات المواطنين دون تأخير، واستقبالهم بوجه بشوش ، وهو ـ من جانبه ـ سيعمل بشفافية ، و ... نظر بطرف خفي إلى هدى ، رئيس الديوان ، التي سبق له أن التقى بها أكثر من مرة ، فأوضح بصريح العبارة أن العاملات كلهن مثل أخواته ، وهذا موقفه الذي لن يتخلى عنه أبداً .
بُعيد منتصف اليوم كان أحد العاملين بالمؤسسة عائداً إلى بيته بحي التعاون السكني الغربي ، فلفتت نظره سيارة المدير المخصصة مركونة في إحدى الزوايا ؛ حينئذٍ لم يخامره شك بما يدور في شقة هدى ! مدَّ يده إلى جيبه ، سحب سلسلة المفاتيح ، اختار مفتاحاً منها ، تقدم من السيارة ، انحنى بحذر ، لم يستقم حتى رأى الدولاب ينام متهالكاً .
انتَبَذَ مَكَاناً يَرى منه ولا يُرى ، لم يَطُلْ مكوثه كثيراً ، رأى مديره بشحمه ولحمه وعظمه يتسلل من باب البناية ذاتها .





الأحد 27 أيلول 2009








( 3 )



وفـــــاة


في اليوم الأول لافتتاح الدكان تناول قطعة من الورق المقوى ، وكتب بخط عريض العبارة الشهيرة : ( الدين ممنوع والزعل مرفوع ) ، لكن هذا الشعار لم يطبق في قرية تل الزهور كالعادة . ثَمّ شيء لا يختلف عليه اثنان : دكان وعدم مسك دفتر للديون يعني انعدام البيع ، ثم الإغلاق !
دفتر الديون ينتفخ يوماً بعد يوم ، هذا شيء لا يثير القلق ما دام هناك مَنْ يوفي ذمته في أوقات محددة ، أما أن يتهرب أحدهم ، أو ( يطمس) في مكان بعيد مثل حال ابن حارته خضر موسى ، المكنى بأبي فايز ، فالوضع لا يحتمل ! ومما زاد الطين بلة موقف زوجه ، وتريديها بمناسبة وغير مناسبة : " ظافر ذمته عاطلة ، يحتاج إلى دواء يكوي كياً " .
ماذا يفعل ليحصل حقه ؟ فكر طويلاً ، رأى أن أسلوب بعض أصحاب المحلات بنشر أسماء المدينين والتشهير بهم أسلوب قديم ، يريد وسيلة شديدة التأثير وأنجع ..... ركب شاحنته الصغيرة ، وأمسك بيده مكبراً للصوت ، ثم انطلق وصوته يتماوج : " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . توفيت إلى رحمة الله تعالى ذمة خضر موسى ( أبو فايز ) ... لا صلاة عليها " . أعاد النداء ثلاث مرات ، ختمتها بصوت هادئ : " إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ " .
بعد ساعة كان فايز يقف قبالته في الدكان وهالة من الغضب تهز كيانه ، وإن حاول التخفي وراء ستارة الهدوء . سمعه يقول :
ـ هيك يا جار تفضحنا بالضيعة !
ـ أبوك هو السبب، لا تنسَ أن مَنْ يبَظ ( يفرك المؤشرة بالإبهام ) يبز* .
ـ وأنت لا تنسَ أنك ....
ـ كل شيء قابل للتصحيح بعد التسديد .... جرب وسترى .
فتح دفتر الديون ، وأشار إلى صفحة ظافر ، ثم ركز سبابته في أسفل الصفحة قائلاً :
ـ هنا الحل .
ما كاد يتسلم المبلغ من فايز حتى قفز إلى السيارة ، وأمسك بمكبر الصوت ، وفتح فمه : " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. سُبحانَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ... أدخلت ذمة ( أبو فايز) غرفة الإنعاش ، والوضع في تحسن ... ادعوا لها بالشفاء العاجل " .





الجمعة 9 تشرين الأول 2009






ــــــــــــــــــ


* ( يبظ ) : باللهجة الدارجة بمعنى يدفع . وقد جاء في معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس : " يقولون بَظّ أوتارَه للضَّرْب ، إذا هيّأها " . وفي مختار الصحاح : " في المثل : مَنْ عَزَّ بَزَّ ، أي مَنْ غَلَب سَلَب " . و( المؤشرة ) : السبابة .





( 4 )



محاضـــــرة


ضجرت القرية من كثرة الدراجات النارية ، وقَلِقت من ارتفاع وتيرة الحوادث ، ناهيك عن صخبها وهي تسابق الريح بين الشوارع والأزقة !
يكاد لا يخلو بيت من دراجة أو أكثر ، وكلها مهربة ، فما الحل ؟ ارتأت أطراف عدة أن نقص الوعي بأصول السياقة هو السبب ؛ لذلك اتُفِقَ على ضرورة الشروع بحملة توعية ، تكون بدايتها بدعوة المحامي أشرف لإلقاء محاضرة حول الوعي المروري ، وأثر ظاهرة تهريب الدراجات .
في قاعة المركز الثقافي ما كاد الأستاذ أشرف ينهي محاضرته حتى استرعى انتباهه شاب يشير بسبابته إلى فمه ، ثم يرسلها نحوه بحركة لولبية ؛ فأومأ برأسه أَنْ : اقترب . أقترب الشاب على عجل ، وهمس في أذنه بضع كلمات جعلت الأستاذ أشرف يهب واقفاً ، ثم يغادر القاعة وهو يلوح بيده معتذراً . حين وجد نفسه في الطريق أسرع إلى دراجته غير المهربة ، ركبها وهو يحدث نفسه : " يا بني ! قلت لك : لا شيء يدعو إلى شراء دراجة ثانية . أجبتني : واحدة مهربة بربع الثمن ... تفضل شف نتيجة السياقة برعونة ! " .





الثلاثاء 13 تشرين الأول 2009



( 5 )

تصفيــــق


دخل قاعة المركز الثقافي مع الداخلين ، سار حتى غدا بمحاذاة الصف الثالث ، اتجه إلى الجهة اليمنى كالعادة ، اختار المقعد الأول ، التفت خلفه قبل أن يهبط بسلام وسط ضجيج الأصوات والمقاعد . ارتفع صوت عريف الحفل ؛ فعم الهدوء . قبل أن يصعد المتكلم الأول المنصة صفق له مع المصفقين ، وودعه بمثل ذلك . ظل التصفيق يعلو ؛ نشل الجريدة المطوية من جيبه ، نظر إلى العنوان الرئيس ، أحس بشعاليل الخدر يسري في يديه ، ورمل النعاس يفترش عينيه ؛ دَنَا رأسه من صدره فَتَدَلَّى .
أفاق على صفقة قوية ؛ فصفق بشدة وهو ينظر إلى الأمام والخلف . كانت القاعة خالية تماماً ، وضوء خافت يعم المكان ، وثَمَّ شعاع قادم من البهو يخاتل الباب المتأرجح . داخله خوف ورهبه ، نهض ، بحث بعينيه عن موطئ قدم بين المقاعد ، سار وهو يمكو ويصدي* .


الأربعاء 14 تشرين الأول 2009







ـــــــــــــــــــــــ


* يصفر ويصفق



( 6 )



مـــــــازوت


في إحدى ليالي الصيف استلقى على فراشه فوق المصطبة كالعادة ، وكان قلقاً ؛ أفكار شتى طرقت باب مخيلته ، برزت أمامه صورة الشيخ علي وهو يردد : " إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ ... " ، لكنه لم يفلح في تذكر ما قبلها وما بعدها ؛ فحدث نفسه : " كيف لواحد مثلي أن يلعب أو يلهو ؟ " . تأمل النجوم المضيئة في صفحة السماء الصافية : واحد ، اثنان ، ثلاثة ... ضرب فمه بباطن يده أَنْ : أسكت . فجأة لمعت في ذهنه حكاية جده مع النجوم ؛ أشرق وجهه بابتسامة عريضة ، حدث نفسه : " الله يرحمك يا جدي ! فكرتك الغريبة غدت مضرب الأمثال ، كيف خطر لك أن تسأل جدتي : لو كانت النجوم تعمل على زيت الكاز ، فكم بلورة * تحتاج في كل ليلة ؟ "
التفت إلى زوجه الغارقة في نوم عميق إلى جانبه ، فوخزها أكثر من مرة حتى جعلتها تلتف حول نفسها مذعورة وهي تقول :
ـ اللهم ! اجعله خيراً ... مالك يا رجل !
ـ خطر على بالي خاطر .
ـ خاطر !
ـ عصر زيت الكاز ولى ، اليوم نحن في عصر المازوت .. يا ترى ! لو كانت النجوم تعمل على المازوت ، فكم برميل أمريكي تحتاج كل ليلة ؟
ـ رح اسأل جدك .





الأربعاء 21 تشرين الأول 2009

ـــــــــــــــــــــــ
* وعاء مخروطي سعته / 5 / ليترات




( 7 )



ســــــارق


تأفف صاحب الرفعة والعظمة ، واشتكى رأسه وظَهْرَهُ من الزمن الذي سرق الهدوء والسكينة من حياته ، وجعل الرعاع من الرعية يتمردون ؛ فتوترت أعصاب صاحب العسس ، وجحظت عينا كبير البصاصين ، ثم تحركا بسرعة البرق ، حيث أصدرا تعليمات مشددة لأتباعهم بإلقاء القبض على المسبب فوراً ، وإحضاره موجوداً .








الأحـــد 25 تشرين الأول 2009