المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المنهج التقاطعي كبديل لمعرفة النص



محمد يوب
29/01/2010, 08:41 PM
المنهج التقاطعي كبديل لمعرفة النص
كتاب "في معرفة النص " ليمنى العيد نموذجا
أ‌- مقدمة: بحث جامعي 1985
تعتبر يمنى العيد من بين النقاد العرب المعاصرين الذين حاولوا التنظير لنقدنا العربي على أسس علمية تساعد الناقد على معرفة النص الأدبي معرفة علمية دقيقة .
وللوصول إلى هذه النظرية النقدية دعت إلى ضرورة الاستفادة من كل العلوم اللغوية و النقدية المعاصرة وخاصة أننا نعرف أنها من إنتاج الإنسانية ككل بحيث أن كل أمة تساهم بقسط وافر من علومها قصد تكوين وبلورة معرفة إنسانية شاملة وليس العيب في الاستفادة منها ولكن العيب في التطبيق الحرفي لها على نصوصنا الأدبية إن يمنى العيد هنا تدعو إلى إعادة إنتاجها في سياق ثقافي عربي ، أي خلقها من جديد لكي تصبح ملائمة لواقعنا النقدي ومرنة بيد نقادنا ، لأن التأسي بها يعني موت روح الإبداع في الناقد العربي وجعله دائما معتمدا على الغير وينتظر ما يحققه الآخر (الغرب) من منجزات في ميدان النقد الأدبي ، ولذلك فإن التعامل مع هذه المناهج يجب أن يبقى في حدود الاستفادة ولا يتجاوزها إلى درجة الإعجاب و الاتكالية .
هذا ويجب علينا عدم قطع الخط الرابط بين النقد المعاصر و النقد القديم ، لأن هذا الأخير يحتوي على مادة نقدية خصبة جديرة بالاهتمام تستدعي جهودا متبادلة من طرف الدارسين المعاصرين لتبسيطها وخاصة ما جاء في كتابات ابن جني و الجرجاني و ابن حازم القرطاجني وغيرهم ممن أنتج نظريات لغوية ونقدية ، ومحاولة يمنى العيد النقدية ورغبتها في وضع نظرية نقدية عربية لم تكن هي الرائدة في مجال النقد العربي بل سبقتها محاولات نقدية مهمة من طرف بعض النقاد العرب وخاصة مجهودات محمود أمين العالم الذي يعتبر أهم ناقد عربي مهد للنقد الاجتماعي المستفيد من المناهج الأخرى ، ولذلك يتهم بعض الباحثين يمنى العيد بأنها تلميذة غير مخلصة لأستاذها محمود أمين العالم نظرا لتقيدها بنفس القضايا النقدية التي طرحها في كتاباته النقدية ، غير أنها لم تصرح بهذه الاستفادة وخاصة أننا نعرف بأنها انطلقت من نفس القضية في دراستها للظاهرة الأدبية وهي عدم فصلها بين الشكل و المضمون وأنهما شيئان متداخلان يجب على الناقد دراسة الخارج في إطار النص وليس معزولا عنه ، ومن هنا تبقى يمنى العيد مجرد حلقة داخل سلسلة من الحلقات التي سبقتها في مجال النقد الاجتماعي المستفيد من علوم ونظريات نقدية أخرى وخاصة من البنيوية و اللسانيات ولكن في بعدها الباختيني الذي لا يحصرها في مجالها اللغوي بل يحرفها إلى ما ترمز إليه في الواقع ، أي لا يكتفي بمدلولها القاموسي المعجمي الضيق الذي يحصر مجال الدراسات النقدية .
2- مكونات المنهج التقاطعي :
إن المتصفح لكتاب" في معرفة النص" يجد طرحا لبعض المناهج النقدية المعاصرة و أبرزها المنهج البنيوي و المنهج الواقعي ، وليس هذا العمل إلا مجرد فرش لأرضية صالحة لطرح منهج جديد في العالم العربي وهو عبارة عن مشروع نقدي قدمته يمنى العيد لمعرفة النص الأدبي ، وهو منهج جديد يحاول أن يجمع بين كثير من المناهج النقدية في إطار توفيقي يأخذ كل ما يلائمه من هذه المناهج المطروحة على الساحة النقدية ، وهذا المنهج ليس متعدد الاتجاهات و المبادئ بل له إطار موحد وأيديولوجية واحدة تهدف إلى معرفة النص الأدبي،وهذه التعددية في المناهج لها ما يبررها وهو تعقد الحياة الاجتماعية المعاصرة التي لا تكتفي بحل واحد ، ولذلك استوجب وجود مناهج متعددة لمعرفة النص الذي نريد دراسته ، وقد سمينا هذا المنهج بالمنهج التقاطعي .
لقد سمينا هذا المنهج بالمنهج التقاطعي تجاوزا ، وذلك لتسهيل الدراسة ويساعدنا كقراء على معرفة نوعية المنهج الذي نتعامل معه وعلى أي منهج نتحدث ؟ وإن كانت يمنى العيد قد امتنعت عن تعريفه ( لن نعرف هذا المسار ، وإن كان تعريفه حاجة في ثقافتنا النقدية العربية )
وهذه الاستفادة من عدة مناهج تبدو واضحة من خلال طرحنا للأسس و المبادئ النقدية التي يرتكز عليها هذا المنهج بحيث إنه ينطلق من البنيوية في دراستها للبنية الداخلية للنص وبعد تفكيكها إلى عناصرها الأولى تنتقل إلى مرحلة التفسير فتقوم بدراسة البنية الخارجية باعتبارها مرجعا خارجيا فتدرسه في إطار علاقته بالنص بإقامة عملية التناظر بين البنية الداخلية وما ترمز إليه في العالم الخارجي .
وبهذا الشكل يبقى المنهج التقاطعي عبارة عن إطار عام نجرب فيه مجموعة من المناهج بالاستفادة من مذاهبها ومشاربها و لا ترى يمنى العيد عيبا في هذه الاستفادة بمعنى أنها تؤمن بحرية التعامل مع الآخر كيفما كان اتجاهه وعدم الاكتفاء بالنظرة الفنية الضيقة التي تحصر مجال الدراسة النقدية في منهج محدد يلتزم به الناقد أثناء تعامله مع الإبداعات الأدبية .
3- كيفية تعامل المنهج التقاطعي مع النص الأدبي ؟
من خلال الدراسة البنيوية و الواقعية يتبين لنا مدى اهتمام كل منهج بجانب معين في تناوله للنص الأدبي ، فالمنهج البنيوي يهتم بخصائص البنية الداخلية بنا فيها من لغة وصورة وموسيقى وغيرها من مكونات الإبداع الأدبي مهملة المعطى المرجعي الذي يعبر عنه بواسطة هذه البنية الفنية .
أما المنهج الواقعي فيهتم بالجوانب الخارجية للنص الأدبي أي إعطاء الأولوية للمعطيات الأيديولوجية و الاجتماعية و التاريخية .......واعتبرت أن الشكل الأدبي ما هو إلا وعاء نصب فيه أفكارنا لكن يمنى العيد رفضت الاكتفاء بأحد هذين المنهجين لأن النص في نظرها ( داخل لا فرار له من خارج حاضر فيه ، وهكذا يبقى على الناقد مهمة النظر إلى هذا الخارج في ما هو ينظر في هذا الداخل الذي هو النص )
ومن هنا ارتأت ضرورة الاهتمام بالبنيتين معا : البنية الفنية و البنية الخارجية ، ولهذا استدعت حضور هذين المنهجين في نفس الوقت لمعرفة النص الأدبي ولهذا السبب جمعت بين المنهج البنيوي و المنهج الواقعي في إطار منهج واحد يستفيد من جميع المناهج الأخرى وذلك في ضوء أيديولوجية واحدة و انطلاقا من رؤية شمولية ترى توحد هذه المناهج ولا تفرق بينها أثناء الدراسة النقدية بمعنى أننا لا نتعامل مع الظاهرة الأدبية بمنهج آخر بل على العكس من ذلك إننا نتعامل معها في إطار قالب واحد هو هذا المنهج التوفيقي لأن هذه ( المنهجية لابد أن تركز في الوقت نفسه على رؤية شمولية واحدة وهذه الرؤية أيديولوجية بالضرورة و الأثر الأدبي حامل هو الآخر للأيديولوجية ومهمة الناقد .....أن يميط اللثام عن الأيديولوجية السافرة و الباطنة التي يحملها كل عمل أدبي بين طياته ) .
يتبع......
محمد يوب 29-01-10