المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة بعنوان /فلسفة عالم السكر



عبد الجبار الحمدي
19/12/2009, 10:06 PM
فلسفة عالم السُكْر
بقلم: عبد الجبار الحمدي

همست عقارب وحدته فيما بينها ضجرا من كثرة انتظار , وعقفت ذيولا لنفث سموم حول وجه ظلمة نفسها تسكعت الأنا بين بقايا كؤوس من شراب , فاضت بها قناني الهم سكرا لنسيان , أغدقت سحابات دخان مترنحة من أفواه زخات رطبة تحمل معها رائحة اليأس خوفا من الحياة , جلسوا كعادتهم يعاتبون الزمن ويلعنون حظا فارقهم دون رجعة , بعد أن ترك العديد ممن عشقوا الحياة وحسبوها تبدأ وتنتهي بطاولة شرب وأفخاذ امرأة تعودوا في كل ليلة وهم يقتبسون من الليل سقفا لطرح أسئلة يعلمون جيدا إنها بلا أجوبة , فقد أمست عقيمة رغم تكاثرها عند الغير , هو ترتسم على فمه علامات اليأس من الحياة , وهم رحبوا قبله بأن اليأس خير نديم لعبارات عتب وملامة , حتى ذات ليلة حين شربوا وطفت في غرف عقولهم فياضانات السُكر , وركبت خلايا من عقله هو قاربا ابتعد عن الواقع مستنجدا بقايا أناس في سؤال , بعد أن استقام في جلسته استعدادا لتلقيه من عقل بَطَنَ معه شم رائحة الخمر فأعتادها مزاجا لأسئلة تكاد تكون بعيدة عن وعيهم الحقيقي , فقالت له .. هلا قلت لي ماذا تريد بعد أن تسوقت نفسك عجلة تسير إلى ضياع في عالم خبر الواقع جدية في مصير ؟ وهل برأيك أنك ستغير خارطة العالم بانضوائك تحت سقف أحد القارات ؟ ألم تدرك أن البقاء حيا هو بمثابة حرب على الذات ونقض إحداثيات المستحيل حتى الوصول إلى غاية الهدف ؟ ومتى تعي ان الحياة هي أبعد من ان تكون بمثابة كؤوس تتراشق حبا في تغير مزاج وهروب من وجع العيش في مجتمع تلبسه الشيطان بأشكال متعددة فاختلطت الصورة وعكست شكلها مقلوبة في شبكية عين فما عادت تميز الحقيقة من الوهم ؟ هل نسيت أنكم برادة من بقايا أمزجة أمسكت بالأرواح فأخرجت من تريد برحلة أبدية وأبقت على من لا عقل لهم في اختيار ورأي أو تأثير , وتركت المحرمات تتراقص على منصات دعر بشكل قانوني لتتسيد هي حولكم موزعة بطاقات بمواعيد غير محدودة في عالم جديد , شعرت الرغبة والأنا حينها أنها تعرت ليقف على بابها طوابير من مشتري اللذة , أنظر إلى نفسك والى من جلس معك يشرب ترياق التخدير إلى الغد , هل تدركوا أن برغباتكم تلك يمكنكم أن تحققوا ما تنشدون ؟ وهل رغبتكم في التغيير تأتي بمقارعة تصافق كؤوس ؟ ما ذنبي وأنا من خلقني الله أن أسير كل يوما حاملا أذيال خلاياي حتى لا تبتل ذلا من هزيمة , ألا تدرك للحظة أن الله خلقك بعد أن نفخ فيك من روحه , كيف تسمح لنفسك ومن معك أن تلوثوا ما يحرك أجسادكم الفانية ؟!! وحتى لو قلت هذا ليس محور الحديث وغايته , أتراني أطلب منك أن تخبرني عن الأسباب حتى أقرر بقائي معك أم الرحيل لتعيش في خضم صفات لا تحاسب عليها كونك من أصحاب فاقدي العقل والمصير .
حقيقة مُرة أجهزت على كل انتعاشة كنت قد انتشيت بها أليس كذلك ؟؟ وكنت أظنك ستطلب أن أمسك عنق الزجاجة لأخرج أخر قطرة منها حتى أسقي بها ذيولك التي أنقذتها , فقال بعد صمت .. لقد وقعت يا سيدي على جرحي ومن شاركني , فكلنا نصبو إلى غاية هي أن نلغي العقل فينا وإنسانيتا ونتحول إلى بهائم شاردة تملكتها الرغبة والأنا وباتت لا تعمل على التمييز بين الحقيقة والخيال , تأكل لتجتر الموت في أي لحظة , وتشرب لتتجرع مرارة خلقها حيوانات بلا عقل تشعر فيه أنها أفضل من فصائل البشر الذين سكنوا بقعا في أرض الله الواسعة دون وجه حق , بعد أن تربعوا على أرض بموروثاتها ليتسنى لهم رمي الفتات إلى إنسانيتنا التي لوثوها بقرارات وقوانين ذات أسوار شائكة وتسيد , أما بوابات حكم الخروج منها فتكون بتصاريح وشهادة وفاة , ان الهروب إلى عالم الحيوان ليس جريمة بعد أن أثبت إن الحياة في غابة متعددة الفصائل تنضوي تحت ملك أعطى لكل فصيلة أحقية الحياة في أرض الله دون تمزيق المواثيق التي فطرهم الله عليها , فالحياة يجب أن تختلط وتتمازج بكائناتها حتى يتعايش الجميع , فالمصالح لا يجب أن تكون أهم من الحياة الجماعية , أما الفردية في عالم الحيوان لا تؤدي إلا إلى الانطواء بعيدا والموت في غربة , الجميع يعلم جيدا ويدرك أن الحياة في هذا العالم الكوني ما هي إلا مسيرة أيام معدودات , ولا أدري كيف أفصح , ولم حب الدنيا ذو لذة والمحرمات فيها أكثر متعة ورونقا , لذا حين خلق الله الحيوان جعله فانيا في الحياة والممات ولا يناله عقاب على فعل أو عمل , ولذا ترانا يا سيدي نأمل أن نكون كما هذا النوع لا هم له سوى أن نستمتع بملذات الدنيا , أما العقاب فذاك بحثا أخر , فمن يعلم الغيب ومتغيرات الأشياء في دنيا الله , إن فلسفتنا تقضي أن نحيا لساعتنا هذه ونذم ونلعن المتغيرات ونأمل في طموحات محرمة بعيدا عن بيئة الإنسان , لأننا نشعر إن الإنسانية قد انتحرت في غابر الزمان وتركت إرثها إلى تجار الرقيق , لذا يا سيدي ترانا رقيقا وعبيدا وإن اختلفت الولاة فنحن مسيرون بين عوالم مختلفة القوى ولا يمكنك أن تجزم أن القدر سيستجيب إلى الفقراء ومسلوبي الإرادة , وعليه توصلنا إلى الرغبة في العيش بعالم اللامبالاة ونحاول أن لا نركب سفينة الرغبة التي أبتدعها كاليغولا لنكون مرتزقة الدعر المباح في كسب صولجان محرم .

خليد خريبش
21/12/2009, 09:49 PM
تعجبني مثل هذه الكتابة،وعندي كتابات على هذا الشكل،فيها حمولة ذهنية كبيرة،تحياتي الأخوية.

عبد الحميد دشو
22/12/2009, 09:50 PM
(( فالمصالح لا يجب أن تكون أهم من الحياة الجماعية , أما الفردية في عالم الحيوان لا تؤدي إلا إلى الانطواء بعيدا والموت في غربة )) أي مثالية فلسفية أعمق من هذه التي صاغها قلمك المبدع أخي الأديب عبد الجبار .. تقبل تحيتي و مروري أيها العزيز .