المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحب .. هذه الأكذوبة .. !



عبد المنعم جبر عيسي
30/11/2009, 02:29 PM
الحب .. هذه الأكذوبة .. !

( يا حبيبتي ... يا أحلى اسم نطقه لساني منذ مولدى ، يا أجمل ما رأت عيناي منذ أن أبصرت النور .. ويا أحلى رمز كتبته ، وسيكون كذلك للأبد .. أحبك حتى الموت ، ولن ينسيني إياك إلا الموت .. فإذا كان لي حياة سأحياها معك ، فإن هواءها أنت ، وبلسمها وعطرها أنت ، وإذا كان لي قلب ، فنبضه هو أنت ، وإن كان لي بصر فنوره أنت ، وإذا كان لي سعادة فسعادتي ابتسامة محياك البريئة !.
حبيبتي .. لم أتخيل نفسي بدونكِ .. فالحياة بدونك بلا أمل .. تلاشت فائدتها .. وانعدمت أهميتها .. وتساوت مع الممات .. ولكن ، ما عساي أن أفعل وقد قدِّر لنا أن نفترق ؟! ) .
الحب .. ذلك الوهم الزائف الخداع .. والأكذوبة الكبرى .. وعنه يدور حديثنا اليوم .
وهذه واحدة من عشرات بل مئات وآلاف القصص والحكايا ، التى لا تكاد تخلو منها صحيفة أو مجلة ، أو موقع على الشبكة العنكبوتية ، تتقطع لأحداثها نياط القلوب .. وتدمع العيون دما .. على ما آل إليه حال شباب المسلمين .. وكأن حياتنا خالية من المشكلات .. فارغة من كل معنى .. أو قيمة .. فبعد أن كان شغلنا الشاغل هو طلب العلم والجهاد .. والسعى بجد واجتهاد ، فى دروب الحياة على اتساعها ، بات همنا الأول هو المرأة .. مبادلتها الحب والغرام .. والإيقاع بها : هو المعنى الواضح والجلى للرجولة .. فتجد الشاب مغتما مهتما إذا فقد هذا ( الحب ) .. تحاصره العديد من الأمراض النفسية ، والمشكلات الحياتية بأنواعها ، يقبل البقاء بعيدا عن معترك الحياة التى لا ترحم .. على هامش ضيق محدود .. وزاوية لا تذكر .. لا تنافس ولا عبادة .. بعد أن بثت فى النفوس وسائل الإعلام بأنواعها أن الحياة بلا حب تساوى : لا حياة .. بوسائل شتى وإغراءات لا تقاوم : أفلام ومسلسلات وأغانى .. ومواقع إباحية ؛ تبعد الجميع ـ شبابا وفتيات ـ عن واقعهم وحياتهم ورسالتهم على هذه الأرض ، وقد جعلت من المرأة غاية لا تدرك إلا بالحيلة والخديعة ، ويكفى أن تقرأ بيتا من الشعر : ( ما تعشقتُ غير حبّكِ ديناً ، وسوى الله ما عبدتُ سواكِ ) أو تسمع شطرا من أغنية ( الحبّ ديني ومذهبي ) لتقف على مدى بشاعة هذه الصورة ؛ لهذا الحب الشائه .. !
المغزى فى كل القصص واحد ، الأحداث متشابهة متقاربة ، والنهايات معروفة .. مثل فيلم عربى ممل مخل .. تجعل من الرجل ذئبا يترصد فريسته ، ويتحين فرصته للهجوم .. والفريسة ضعيفة مغلوبة على أمرها .. وتبدأ الأحداث غالبا بمطاردة ، وضعت السيناريو لها أفلام عديدة .. ومسلسلات مديدة .. ورسائل حب وغرام وبث هيام .. تُطير النوم من العيون ، وتسلب الجفون حقها المشروع من كرى لا يطول .. سهد وشوق وعذاب .. تُفقد الإحساس بالحياة ، وتقعد عن العمل والحركة ، ولم لا والحياة لا تقر بغير حب شائه رسُمت صورته بإحكام وبُثت معالمه فى النفوس .. وهنا لا تجد الفريسة بدا من الإستسلام لسلطان الغرام .. فتنطلق بكل قوتها لتخوض التجربة .. وشيئا فشيئا .. تُستدرج المسكينة إلى مالم تكن تفكر فيه ، ولا خطر بقلبها أن تقع فيه .. فتسلم كل شىء باسم الحب .. وتستغرقها الأكذوبة حتى النخاع .. ثم تأتى النهاية المتوقعة ، والخاتمة المؤلمة .. ليكون الفراق هو القدر المقدور ، تحت دعاوى واهية وحجج باطلة .. وتنصل من مسؤولية تفرضها الرجولة والنخوة .. وتبدأ الفريسة المخمورة بوهم الحب الزائف تستفيق ، ولكن بعد أن تكون قد خسرت كل شىء ! ويكون الثمن الباهظ للحظات متعة ولذة لم تدم ، يعقبها ندم طويل .. وذل .. وعار لا تفارق سبته صفحة الجبين ، إلا من رحم ربى .
الأمر جد خطير .. وتزداد خطورته حتما مع تعدد وسائل الإتصال وسهولتها ، فلا تبقى للفريسة المخدوعة سبيلا للهرب ، ولا ملجأ أمينا تلتجىء إليه .. ولا يكاد يخلو هاتف محمول من مقاطع مصورة ، لمغرر بهن .. مخدوعات خدعهن زيف الجب وكذبه .. بعد أن استدرجن وأخذن على غرة وغفلة .. وقد تم اقناعهن بضرورة الحب وأهميته لحياتهن .. وأن ذلك هو الأمر الطبيعى وما خالفه كان باطلا وخروجا على الفطرة .. وصورة فارس الأحلام معروفة للجميع ، أمير شاب فى مقتبل العمر .. وسيم جميل تتهافت على النيل منه كل الحسناوات .. يركب جوادا أبيضا .. تتوفر لديه كافة سبل الحياة المريحة المرفهة .. حتى وإن اختلفت الصورة العصرية لهذا الفارس .. فالأمير اليوم يجب أن يكون نجما لامعا فى سماء الفن أو اللعب .. لديه الفيلا الكبيرة والسيارة الفارهة والشاليه فى المنتجع السياحى .. ولعل أطرف تعليق أحب أن أضيفه هنا ؛ هو لصديق أعرفه رفضته نصف فتيات بلدته ، قال : ( لقد أفسدت السينما أذواق الفتيات .. فكلهن يحلم بالزواج من ( عمرو دياب ) بعد أن فتنتهن عضلاته المنفوخة .. أو ( أبو تريكه ) ـ لاعب كرة ـ ، وهما ممن قدموا لهن على أنهم النجوم .. فأصبحن لا يرين نجما يعلو ( دياب ) .. ولا أخلاق تشبه أخلاق ( أبو تريكه ) .. وليذهب العلماء والأدباء والأطباء والمصلحون والمعلمون إلى الجحيم ) ! ولا عجب أن تجد فى مصر وحدها ما يقارب الستة ملايين عانس .. فكلهن رفضن من تقدم لخطبتهن ، فى انتظار الحب المزعوم .. الحب الأفضل كما ترسخت صورته فى الأذهان .. وفارس الأحلام الأسطورة الذى لن يأتى ؛ إلا فى الخيال المريض .. !
المخاطر جمة ، والأضرار كثيرة ، ويمكن تلخيصها فى : الأضرار الدينية .. والنفسية .. والصحية .. والاجتماعية .. والأدبية .. والمادية .. وتحتاج كل واحدة منها لبحث ودراسة عميقين ؛ للوقوف على أدق التفاصيل وأصدق النتائج ، والنتائج غالبا غير مأمونة العواقب : ففى أكثر من مائة موضوع قمت برصده على الشبكة ، كان السؤال فيه حول : ( هل تقبل الزواج بفتاة أحبت قبلك ؟ ) والمؤسف أن نسبة مائة فى المائة من المشاركين فى هذه الموضوعات من الرجال اتفقت آراؤهم على رفض الزواج بمثل هذه الفتاة .. وحتى لو تم الزواج بعد حب زائف كبير ؛ لا يدوم .. فقد ذهبت دراسة أمريكية إلى أن معظم الذين تزوجوا بعد قصة حبّ كبيرة لم ينجح زواجهم .. كما أجريت كثير من الدراسات فى بعض بلداننا الإسلامية ؛ حول أسباب ارتفاع نسبة الطلاق بين الطبقات المجتمعية على اختلافها ، فتبين أن معظم هذه الزيجات قامت على الحب .. وتوضح إحدى أساتذة ( * ) علم الإجتماع السبب فى ذلك فتقول : ( إن مفهوم الصداقة بين الشاب والفتاة قبل الزواج أمر مرفوض دينياً واجتماعياً ، فهي ضمن الأفكار الفاسدة التي وردت إلى مجتمعاتنا بسبب الانفتاح اللامحدود على المجتمعات الغربية .. ) .. وتضيف : ( إن هذه الصداقة التي تنشأ بين الشاب والفتاة بحجة أنها ضرورية لوضع أخلاق وطباع الشريك المرتقب تحت المجهر أو لغير ذلك ، ما هي إلا وهم كبير ، إذ أنّها تأتي بنتائج عكسية على العلاقة ذاتها فيما بعد إذا ما تم الزواج بينهما .. ففي الغالب تكثر الخلافات ، وعدم التفاهم يزداد حدة لأن كلاً منهما بدأ يرصد بدقة عيوب الآخر وسيئاته بعد أن كانت غائبة عنه تحت ( وهم الحبّ ) الذي ربط بينهما عن طريق الصداقة ، وكثيراً ما تفشل هذه الزيجات ، لأن الأسس التي قامت عليها من البداية أسس واهية ) .
ولا يجب أن ننسى أن الحب فى شريعتنا من أعظم الطاعات وأجل العبادات ، التى لا يجب أن تصرف لغير الله تعالى ، محلّه القلب الذي هو أصل صلاح المرء أو فساده ، وهو أنواع : منه ما هو حب واجب كحبّ الله ورسوله ، وما يندرج تحت ذلك من الحبّ في الله ولله ، ومنه ما هو جائز ومباح ، وهو ما يكون بمقتضى الطبيعة والجبلة كحبّ الوالدين والزوجة والأولاد والعشيرة والوطن ونحو ذلك ، والإسلام بطبيعته يكره المغالاة فى كل شىء .. فمتى حدث التعارض مع حب الله دخل الحب فى نطاق التحريم ، ولا يجب أن نقدم حبا ـ أيَّا كان ـ على حب الله .. ورحم الله من العلماء من وصف تمام العبادة بـ ( منتهى الحب مع منتهى الذل ) .. وقد جعل الله الحب للمسلمين ابتلاء ، فقال جل فى علاه : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } – 31 آل عمران .. فثبت بذلك أن كمال الإتباع للنبى الكريم صلى الله عليه وسلم ؛ هو الدليل على صدق المحبة لله .
كلمتى لك أخيتى : لا تصدقى دعاوى الحب الزائف من كل مدعٍ كذاب ، واقبلى بمن يدق بابك خاطبا ، فهو المحب الصادق .. ولا تضيعى العمر الجميل فى انتظار فارس لا وجود له على أرض الواقع .. ومعه ستبدأ رسالتك ، وسيتولد الحب الصادق عبر سنوات المشاركة والكفاح والبيت والأولاد .. ولقد وعدك رب العزة بالغنى بعد الفقر .. فقال فى محكم تنزيله : { إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } ـ النور 32 .. ولسنا نحن من يحب .. ولسنا نحن من يخادن .. ولسنا نحن من يخون ؛ أو يُسْلِمُ أمانة إستودعنا إياها ربنا إلا بحقه .. وبكلمته جل فى علاه .. وانبذى هذه الصورة الشائهة للحب ، التى ترسخت فى النفوس عبر حقب ظلامية تسيدها دعاة التجرد من القيم والمثل والأخلاق .. لإبعادك عن ساحة نضالك ، وموضع تفردك وإبداعك .. ولكل صاحب أمر أو ذى سلطان أقول : أعيدوا للمرأة رسالتها التربوية والأخلاقية ؛ يعُد لكم مجد هذه الأمة وانتصارها .

-----------------------------------
( * ) هى الدكتورة / خديجة علوي .. جريدة المسلمون ، العدد 605 .