المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قلب السيف- قصة قصيرة



أحمد كمال سالم
25/11/2009, 01:52 PM
قلب السيف
قصة قصيرة


كتبها : أحمد كمال


( فيلسوف القصة )
أنا سيّاف ، مهمتي قطع الرقاب ، وتنفيذ القصاص ، في كل متكبر جبار ، أو خارج على النظام ، أو قاتل النفس ، أو مهتك الأعراض ، ولي سيف ورثته عن الأجداد ، صنعه حداد ، من أمهر الصناع ، معدنه من خليط الذهب ، الفضة ، وبعض الحديد ، وقليلاً من القصدير ، صهر كل هذا في فرن ناره برداً وسلام .
في هذا الصباح سأنفذ القصاص في مجرم من أعداء الناس ، دائماً ما يذكرهم بالماضي ، ويكشف الأستار ، ويقيّم الرجال ، وينصف من ينصف ، لكنه سليط اللسان ، قوي الكلمات ، أنا لم أعرفه ، ولا أكرهه ، لكني في النهاية سيّاف مهمتي قطع الرقاب ؟! .
عبر الممر الطويل الموصل إلى غرفتي كنت أسير ، وأنا أسمع صوت أنين ، لا أدري ما مصدره ، لكنه أخترق أذني ، وأحزن قلبي ، وبات يفسد فرحتي التي أنتظرها مع كل قصاص ! وصلت إلى غرفتي وبدلت ثيابي ، مرتدياً ملابسي الرسمية ، بكل زهو وافتخار ، فأنا أظن نفسي من الأبطال ! ولما فتحت صندوق الزمان لإخراج السيف الهندام ، رأيته يهتز بشدة ، فزعت ، تراجعت حتى التصقت بالجدار ، فما رأيته أمراً محال ! شببت على مشط قدمي ، ومددت رقبتي ، ورنوت ببصري لآخر مدى ، أرقب السيف ، لأتيقن مما رأيت ، وإذا بالضابط يناديني عبر الممر بصوته الجهوري الأجش :-
- عجل أيها السياف !
فأسرعت نحو السيف وأنا أخاف ، وأمسكت به وجذبته إلي بقوة واقتدار ، وهو لا يزال يخفق ، وأسمع من داخله دقات ، وركضت عبر الممر ، نحو ساحة القصاص ، تدوي خطواتي بفعل حذائي الغليظ ، وكأن الأرض تبصق عليه وتغتاظ ، والأنين يزداد ، من نحيب السقف ، وبكاء الجدار ، وخرجت إلى الساحة ووجدتها قد اكتظت بالناس ، ينتظرون القصاص ، وكثيراً من الكبار جالسين على المنصة في الانتظار ، بينهم قاضي غلبه النعاس ؟! وبقى المجرم واقفاً يتلفت باستغراب ، رحت أخطوا نحوه باهتزاز ، من فعل خفقان سيفي ، وأنين الأرض ، كأنني في زلزال ، ولكني تصنعت الثبات ، وبصرت الرجل من قريب ، وقد غطى رأسه الشيب ، وذبلت عيناه من البكاء ، وشحب وجهه من العناء ، وتدلت شفتاه من الدعاء ، وانحنى ظهره من طول البقاء ، كان في قيده مغلولاً ، لكنه راح ببصره يصول ، ويجول ، ثم نظر إلي بثقة وارتسمت على شفتيه ابتسامة الرضا، فأمسكت به متصنعاً الغلظة ، ودفعت به ليجثوا على ركبتيه ، ويسلمني عنقه ، ولما فعل ، إذا بسيفي يزداد خفقانه ، وباتت يدي تعجز عن إمساكه ، وتفصد جسدي عرقاً غزيراً ، ولكني بقيت متماسكاً ، أدعي العدل ، وبداخلي ثورة من الشك ، وأهمس في نفسي قائلاً :
- يا ويلك من هذا القصاص !!
ورفعت سيفي ملوحاً به في الهواء ، بيدي التي أصابها العناء ، ورحت أهوي به على عنقه أدقها، فإذا بالسيف يجهش في البكاء ، وتغيب الشمس ، وتنتحب السماء ، ويصيح الناس ، ويهب الكبار واقفين بهمة ونشاط ، وإذا بالرجل لا يزال حياً ، ونجت عنقه بسلام ؟! أصابني هياج ، وآلمتني عزة نفسي ، وشعرت باختناق ، فرحت أشحذ عزيمتي ، وأستجمع قوتي ، وأرفع سيفي من جديد ملوحاً به في الهواء ، بيدي التي أصابها العناء ، وهويت بت على عنقه أدقها ، فإذا بالسيف يئن ويخيم على الساحة ظلام ، ويلمع السيف من برق السماء ، وساد الساحة صمت وسكون ، وجلس الكبار على المنصة بكل خنوع ، وقد أصاب الجميع ذهول ، فقد نجت عنق الرجل من جديد ؟! فأصابني عناد ، ورحت بكبرياء ، أرفع سيفي من جديد ملوحاً به في الهواء ، بيدي التي كاد أن يشلها الإعياء ، ورحت أهوى به على عنقه أدقها ، فإذا بالسيف يثور ويصرخ قائلاً :
- هذا الرجل مظلوم !!
ويداهم الساحة ضباب ، أعمى الأبصار ، وترعد السماء كأنها ترسل إنذار ، فرميت السيف من يدي وقد ولد في قلبي نور ، جعله يثور ، ورحت أقول غاضباً وأنا أنظر إلى لا شيء ، ولصوتي صدى ، ورنين :
- أيها الناس إن للسيف قلب لا يخطيء ..... وللسياف عقل لا بد أن يدرك ... فأين القاضي ؟! وقد غلبه النعاس !!
فهدأت السماء ، وثبتت الأرض ، وتبدد الضباب ، وانقشع الظلام ، وأصاب الساحة ضياء ، وإذا بالرجل غير موجود ، والساحة زلزلها الذهول ، وأصبح سيفي مسرور !


،،،، تمت ،،،،