المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فكروني ازاي ..هو انا نسيتك



د.حيدرآل شامي
01/10/2009, 02:30 PM
خفض اضاءة مصباح مكتبه وخلع ساعته , اخرج جواله وبحث عن مجلد اغاني الست فيه , اختار اغنيته المفضلة (فكروني ) ..يحبها جدا ويحب الست ..يصفق مع صوت الجمهور عندما يصفق لدخول كوكب الشرق المسرح لشدة ولعه..استرخى على كرسيه الجديد ..متناغما مع كلماتها العبقة ..كأن من كتبها قد كتبها لاجله ..رن جرس هاتف المكتب فخفض الصوت قليلا واجاب:
- الو
- الو دكتور فارس ؟
- ايوه مين معايه ؟؟
- انا دكتور مصطفى
- اهلا وسهلا يا استاذ
- حضرتك ما عرفتنيش اكيد
- لا والله ما حصليش الشرف
- انا دكتور مصطفى تمام دكتور الباطنة في المستشفى مدرس مساعد
- اهلا وسهلا تشرفت بيك يا اخي
- دكتور انا عارف حضرتك النهاردة اول مرة تيجي وتستلم رياسة قسم جراحة الاعصاب هنا ..
- ايوه في اشكال ؟؟!!
- لا لا ... ولا اشكال ولا حاجة بس في حالة محجوزة عندكم في القسم بقالها اسبوعين وهي بتدهور وكل ما نكلمهم يقولوا لما الريس ييجي ...
- ههه سوري انا مش عارف الحالات اصلي لسة راجع من لندن من قيمة اسبوع .
- ياريت حضرتك تبص عليها عشان لو في امل نعمل عمليتها في مكان تاني او حتى نسفرها برة مصر
- اها طيب طيب انا حشوف الموضوع دي الوقت وحنادي على النايب السينيور عشان اشوف القصة ايه هي بالضبط ..
على وقع نغمات المقطع الاخير من قصيدة الست (فكروني ازاي هو انا نسيتك ..) طُرِقَ البابُ باناقةٍ شديدة ..فأذن بالدخول ..دخلت من الباب سيدة جميلة المظهر والمنظر والجوهر ..راها فسكت واسكت معه صوت الست قبل ان تكمل كوبليها الاخير , أومأ لها بالجلوس قرب مكتبه فجلست على استحياء وفي يديها صور اشعة عديدة , لم تكن لشدة حيائها تطالع وجهه , انزل نظارته الطبية على عينيه وأكمل المكالمة :
- خليك معايا حضرتك ثواني ماتقفلش السماعة
- اوك ...خد راحتك يا باشا
- شكرا
ضغط على زر ما لينادي سكرتيرة المكتب فجاءته في الحال :
- ايوة يا ريس
- هاتيلي النايب السينيور و كمان جدول النبطشيات للقسم وشوفي المدام تشرب ايه
- حاضر يا باشا .(متوجهة لها بالسؤال) حضرتك تشربي ايه ؟
- لا شكرا مش عايزة حاجة ..
رمى السماعة جانباً دون ان يقفلها كي يكلم السيدة الجالسة امامه وقال :
- اتفضلي حضرتك أي خدمة؟
- اشكرك يا دكتور..انا عندي حالة والدي تعبان جدا بقالو قيمة اسبوعين كده وهو محطوط في الرعاية المركزة ولا حد بيبص عليه ولا حد قرر يعمل عملية او حتى يرسينا على بر
ما ان تكلمت السيدة حتى بدا قلبه يخفق من جديد اتسعت مقلتاه تمعن في ملامحها جيدا استرجع الذكريات وصدى الصوت, استغرق كل الوقت وهو يتفحص وجهها الجميل ثم اجاب:
- حالة والدك؟؟ عنده ايه بالضبط؟؟
- عندو posterior fossa tumour with triventricular hydrocephalus واكتشفناه من قيمة شهر

فقاطعها متظاهرا بالسؤال :
- فين صور الاشعة ؟؟

- دي صور الاشعة يا دكتور
قام من كرسيه ليأخذ من يدها صور الاشعة لكي يعلقها على فانوس مخصص للاشعة قريب من مكتبه فجذب انتباهها بدلته السوداء ذات الطراز القديم , بدء شك يثور في قلبها واحساس غريب بأنها تعرفه ..واذ هو يتصفح صور الاشعة المقطعية وصور اشعة الرنين المغناطيسي سالته عن اسمه :
- ما عرفتش اسم حضرتك ؟
- انا دكتور صدقي موسى

ردت بابتسامة بسيطة ثم سالت :
- حضرتك معرفتش اسمي انا ..فقاطعها قائلا ..اسمك مريم السيد حسين
- عرفت ازاي حضرتك ان اسمي مريم ؟؟ تعرفني قبل كده ؟؟
استدار اليها وابتسم فقال :
- انت اللي مش فاكراني ..
ثم عاد لكي يلصق صور الاشعة بالفانوس ويتمعن جيدا..تمعن الرسام الذي يحب ان يدقق النظر في وجه الطبيعة قبل ان يرسم , بينما هي كانت تتمعن فيه ذاته , رفع نظارته الطبية المعتمة الى جبهته ويداه الى جيبيه وتنفس بعمق وهو محدق الى صور الاشعة ثم قال :
- ما اعرفش هو حالتو تاخرت ليه ..ممكن نشيل الورم كله بس محتاج وقت وجهد كبيرا الصراحة ..بالنسبة ليه انا ممكن احطلوا صمام مخي بريتوني بعديها حشيل الورم ده خالص بس محتاج مكروسكوب بتاعي ..طيب حالة ما هياش معقدة اوي ..
- انا مش فاهمة يا دكتور حضرتك تعرفني منين ؟؟ اتكلمت معاية قبل كدة ؟؟
- ممكن نتكلم في حالة والدك الاول يا دوك؟؟ ..ابتسم قليلا ثم عاود شرح حالة والدها لها ..
- والله انت لازم تعرفي خطورة العملية , ليها نسبة وفاة بعد العملية ونسبة اعاقة كبيرة ممكن حتى انه ما يصحاش خالص ويخش في كوما عميقة
ارتعاشة صوتها انبأته عن خوفها وهي تسأله :
- يعني اعمل ولا ما اعملش ؟
- (بثقة جراح ماهر ) انتو تقرروا مش انا ..هو ده الاوبشن بس غالبا حيحتاج بعد ازالة الورم شوية اشعاع عشان يقتل الباقي من الورم
- بحزن تجيب (إن شاء الله )
همت لتقوم من مكانها فتوقفت قليلا , ارادت عن سر هذه الكيمياء الرهيبة التي تغذت في جسدها عندما تقابلا
فسالته ما كان يحاول ان يفر منه ولكن بصوت مرتعش حذر:
- احنة تقابلنا قبل كده صح انا حاسة كدة
صمت قليلا ثم اجاب :
- اه تقابلنا كتير صح
- انا حاسة اني سمعت صوتك قبل كده وعارفاك .
جلس الى كرسيه وخلع نظارته المعتمة وهو يحدق فيها ثم قال :
- بطة..ماكنتش متوقع اننا حنتقابل هنا (وضحك قليلا ثم سكت ليحدق بها )
استغرقت خمس دقائق من الصمت كي تبتلع ما سمعت ..ايعقل ان يكون هذا الرجل هو من هجرته منذ عشرين عاما وتخلت عنه لشخص آخر ؟!!...بدا عليها الصمت والترقب بينا هو مبتسم اذ يحدق بها ..قطعت سكونها فقالت :
- معقولة !! انا مش مصدقة ..انا مش مصدقة.. انه تكون انت بعد السنين دي كلها.. شكلك تغير خالص لحيتك وشعرك ابيض دي الوقت
- مش مصدقة ليه... لساك شايفاني مجرد خيال ووهم يا مريم .
- جيت ازاي ؟
- ربنا هو اللي جابني
- كنت فين السنين دي يا فارس ؟
- كنت في لندن ..وفي امريكا وفكل حتة ..بس انا ماكبرتش لسة خمسة و ثلاثين سنة يعني ..
- انت عارف اني بشتغل هنا صح؟؟
- لا ده مش صح..انا جيت من لندن على القاهرة على طول ,من قيمة شهرين قعدت فترة هنا ولقيتهم بيتصلوا بيه عشان امسك القسم هنا , بتكليف من الوزير نفسه .
- غرضك ايه قولي ؟
- غرضي اني ابني القسم بعد وفاة الريس اللي قبلي بس .
- وحتروح بعد كده ؟
- اروح فين ؟
- ترجع لندن ؟
- لا انا بعد المرحومة ما ماتت انا جبت البنات وجدتهم عشان تربيهم هنا , شفت هبل كتير هناك وعايز اربيهم في بلد ابوهم .
- هو انت تجوزت ؟
- اه ..بس بعد وقت طويل من افتراقنا
- الله يرحمها
زَفَرَ زفرة تنمُّ عن تعبٍ وضيم ...ثم نهض من كرسيه وتوجه صوب نافذة المكتب المطلة على ساحة الكلية ومركزها ..خاطبها قائلا :
- بعد ما افترقنا ..كملت انا واقسمت ان اكون حاجة يتكلم عنها كل لسان في مصر ..ركزت في شغلي ودراستي وخدت الدكتوراه باسرع زمن وعملت زمالات ودورات واشتغلت اصعب واحرج العمليات .. كافحت لما رحت لندن ..وكحت في الحجر عشان احقق الحلم اللي فاضللي بعد ما انتي اختفيتي من حياتي ..هي سنة واحدة بس واتعينت مدرس مساعد في اوكسفورد ..اجتهدت وبقيت نمرة واحد في العاصمة نفسها.. اتجوزت زميلتي التونسية في الجامعة وجبت بنتين حلوين ..ثم استدار وعاد الى مكتبه واخرج من درج المكتب لوحة صغيرة تحمل صورة ابنتيه وامهما ..تفاجأت لشدة الشبه بينها وبين زوجته ..
- انا بعد ما اتجوزت دكتور, عشت قصة حب حقيقية بعد الجواز خلفت ولد واحد ...والحمد لله عايشة ..ثم استدركت ..
- بعدين انت ازاي لسة فاكرني المفروض انك تنساني ..انا ..
فقاطعها وقد قرب وجهه من وجهها وقال :
- انا لسة بحبك ..يشهد علي ربنا ..حاولت اترجم حبي ليك بالبعاد عنك ما قدرتش ..سلمت لله امري وصبرت خمس عشر سنة محتسب ..سميت بنتي الكبيرة على اسمك ..مريم ..تعرفي ليه ؟؟ عشان تفكرني بيك كل ثانية لو شيطاني نساك
- ياااااااه ..معقولة فيه كدة ..لسة بتحبني زي زمان ..بس انت عايش ازاي ؟ انا ..انا متجوزة وعندي حياتي ..ارجوك ما تتعلقش بالامل والوهم ..
- انا املي بالله الواحد الاحد اللي ماتخلى عني كل السنين الفاتو ..
- أمل ؟؟ امل بأيه ؟؟
- انك ترجعيلي
- (بغضب ) لسة اوهامك زي ماهية ..ماتغيرتش ..
فاجأها بقبلة حانية على شفاهها تغلفت بحضن هاديء , لم يبد غضبا لما اتهمته به , خطفة اوقفت ساعات الزمن عندما سرق لحظتها ..وقبلة لحّنها كمعزوفةٍ على شفتيها ..ما ادركت هي للبرهة الاولى ماذا جرى حتى سُقيت من طعم شفاهه طعم الحياة وسر الوفاء ..ضَعُفَتْ إرادتها عن دفعه او إبعاده ,كأن الروح تبغي ما جرى ..اكمل قبلته فبكت وقالت بغضب :
- فارس ليه عملت كده ؟؟ ارجوك ابعد عني .
وجرت مندفعة تبكي الى خارج مكتبه ..نسيت ان تأخذ صور اشعة والدها ..اخذت حقيبتها فقط وقد تعثر شكل الكحل في عينيها لفرط بكاءها..وطفقت تجري خارج المبنى هاربة من ماضيها ..خطواتها السريعة قاطعتها رنة جوالها في الحقيبة ..فاخرجته ..مكالمات فائتة من زوجها ..رن مرة اخرى ..رفعت السماعة :
- مريم ..
- ايوه يا مصطفى
- (يزفر زفرة عميقة)..ماترجعيش للبيت ..انت طالق .. طالق .. طالق
وأُقْفِلَت السماعةُ في وجهها
النهاية

عماد اليونس
03/10/2009, 02:14 PM
قصة رومانسيه معبره ارهقها التوضيف المكثف للهجة المصريه الدارجه
تحياتي واعتذاري

عماد اليونس

حسن_العلوي
05/10/2009, 12:19 PM
قصة حالمة و حضور للهجة المصرية.
قراءة سريعة نتيجة ضغط الزمن لي عودة اخرى ان شاء الله.
مودتي