المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيبة الرحلة الأخيرة !! - قصة قصيرة



أحمد كمال سالم
09/09/2009, 08:05 PM
حقيبة الرحلة الأخيرة ؟!
قصة قصيرة


كتبها : أحمد كمال
علا صفير مكابح القطار ، ودوى نفير قاطرته ، وراح الركاب ينزلون الواحد تلو الآخر ، ضوضاء ، غوغائية ، ومكبرات الصوت تنادي :
- على السادة ركاب قطار الرحلة الأخيرة إحضار حقائب أمتعتهم .
تلفت حولي وأنا لا أكاد أرى شيئاً ، أبحث عن حقيبة أمتعتي ، وإذا بها محفوظة على أحد الأرفف ، كانت ثقيلة ، ثقيلة ، وثيابي تعيقني عن الحركة ، بقسوة شديدة ، شديدة ، وبالرغم من ذلك تمكنت من الهبوط إلى الرصيف .
ضوء خافت ، في ظلام حالك ، وزحام شديد ، أفواج ، وأفواج من البشر حشدت ، هبطت كلها من القطار ، وتتدافع في كتلة بشرية واحدة ، كموج متلاطم في أعالي البحار ، أشفقت على نفسي من ذلك الزحام ، ورحت أتلفت يميناً ويساراً أبحث عن مخرج ، بلا جدوى ، فألقيت بجسدي الهزيل ، وسط الحشد المهيب ، وأنا أجر حقيبة أمتعتي ، على أطراف، أطراف أصابعي كانت خطواتي ، ومن ثقب إبرة كانت تأتي أنفاسي ، دارت الدنيا من حولي ، وتفصد جسدي عرقاً غزيراً ، وكدت أن أغوص وسط الحشود ، لولا أني رأيت نهاية الرصيف على مرمى مني .
في نفس الضوء المريض ، جلست أمام أحد المستقبلين ، أعطاني ورقة بها خمسة أسئلة ، أمسكت بالورقة ، قلبتها ذات اليسار ، وذات اليمين ، وأجبت على الأسئلة ، ويملأني استغراب شديد ، حتى أشار لي بالمرور عبر البوابة ، وأنا أحمل حقيبة أمتعتي ، وأتجه نحو باب عظيم ، وتتداعى إلى أذني ، تأوهات الندم ، وصيحات الخوف ، وصرخات الألم ، لم أستطع أن ألتفت ، ولا حتى فكرت في ذلك ، فالمستقبلين غلاظاً ، شدادا .
وبينما الفرحة تملأني لأنني أوشكت أن أجتاز البوابة ، إذا بأصوات مبحوحة تنادي علي ، وتلح في النداء ، هذه الأصوات تألفها أذني ، أدرت رأسي يميناً ويساراً أبحث عن من ينادي ، فإذا بهما أبي ،وأمي ، اقتربت ، ازددت اقترابا ، وأنا مندهش ، ألم يموتا ؟ لقد دفنتهما بيدي، وصببت على قبريهما الماء ، وزرعت لهما النخل والزيتون ، والصبار ، هل عادا إلى الحياة ؟ ولكن كيف ؟
تعانقنا باشتياق ، وضمتني أمي إلى صدرها ، والدموع تفيض من عينيها وتصيح :
- ما خيبت ظني يا ولدي ؟ وصدقت تربيتي لك
بينما والدي يمسح بيده على رأسي قائلاً :
- أنجيتنا بطهارة قلبك يا ولد ، وكنت أنا لها من الساخرين ، زهدت ، فعلوت يا ولدي .
وكان السؤال يلح علي طيلة الرحلة ومن غير أبي يجيب عليه :
- أين نحن يا أبي ؟ وكيف عدتما للحياة ؟
ضحك ضحكة مجلجلة ، هزت أركان المحطة ، وفاضت الدموع من عينيه ، وهو يقهقه ، حتى قال:
- نحن هنا يا ولدي ؟
اتسعت حدقتا عيني مستغرباً ، فواصلت أمي :
- نحن لم نعد للحياة ؟
ونادى المنادي بمرور الركاب عبر بوابة الزمن الخلفية ، وأنا أتأمل والديا متسائلاً :
- ألن تأتيا معي ؟
فقالا في صوت واحد :
- لقاء قريب !!
وتلاشى الاثنين معاً ، بعيداً ، بعيداً ، وأنا شارد الذهن ، مشتت ، لا أستطيع أن أقبل بالحقيقة ؟!
وركضت نحو بوابة الزمن الخلفية ، وأنا أحمل حقيبة أمتعتي الثقيلة ، حتى مررت من تحتها ، ساعة في حجم القمر ، وعقاربها كناطحات السحاب ، ولكن زمنها لا يتقدم ، ولا يتأخر ، وليس بها أرقام ، بها صفر كبير، عملاق ، وفور عبور البوابة أمسك بي الحراس ، شدوا وثاقي ، ووضعوا حقيبتي الثقيلة على الميزان ، فاضت دموع عيني كالأطفال ، أهاب النتيجة ، أخشى العاقبة ، أحاول أن أتخلص من قيدي بدون فائدة ، وطبت كفة الميزان تحمل حقيبتي ، فصحت مهللاً ، لقد نجوت من أصعب امتحان ، ونظر الحراس صوبي مستغربين فرحتي ، وهم يشيرون لي بأن أهدأ ، دون جدوى ، حتى جاء حشد عظيم ، وأنا أتفحصهم ، أحاول أن أشخصهم ، هذا أبي ، وتلك أمي ، وهؤلاء إخواني ، وأخواتي ، أصدقائي ، صديقاتي ، أبنائي ، وبناتي ، وآخرون لا أعرفهم ، ولكنهم يعرفونني ، فتحوا حقيبتي ، سلبوا أمتعتي ، القطعة تلو الأخرى ، اقتسموا ما في حقيبتي من خيرات ، وأنا أصيح فيهم :
- أتركوا أمتعتي ، أنتم لستم بأهلي ، أنا بريء منكم
وبدون أي فائدة ، أتعبت حالي ، وفرغت حقيبتي ، وتبقى من الحشد قليل ، دسوا في حقيبتي قمامتهم ، ونقل الحراس حقيبتي إلى أقصى اليسار بدلاً من أقصى اليمين ، وأنا أدرك أنني ضائع ، هالك لا محالة وتدلى رأسي على صدري ، وتملكني يأس عظيم ، وقد تداعي إلى أنفي رائحة شواء ملايين الأطنان من اللحوم ، فصحت في الحراس متوسلاً :
- فكوا وثاقي فأن لي في البيت أمتعة سوف أحضرها !!
نظر كبير الحرس وقال بصوت لا رحمة فيه :
- لا عودة من هنا !!
وبقيت أنا أصيح ، واصرخ مستغيث ، وإذا بمن يهزني من كتفي قائلاً :
-أستيقظ يا رجل ، فالقطار على وشك المجيء ؟!!


انتهى

حسن_العلوي
09/09/2009, 10:56 PM
في الحلم كل شيئ ممكن,حضور الاموات,حضور العجائبي,ما لا يتصور,انه عالم غريب عالم اللاشعور و رغباتنا الدفينة...
تحيتي و تشجيعي

أحمد كمال سالم
09/09/2009, 11:00 PM
في الحلم كل شيئ ممكن,حضور الاموات,حضور العجائبي,ما لا يتصور,انه عالم غريب عالم اللاشعور و رغباتنا الدفينة...
تحيتي و تشجيعي
ممتن لك كثيراً لمرورك الكريم
طيب الله خاطرك