المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العائمون



وردة قاسمي
18/08/2009, 10:20 PM
اللّوحُ يكتظ بالأجسادِ المتراصةِ المتزاحمةِ. أشكالٌ و ألوانٌ مختلفةٌ، لكن الهدفَ واحدةٌ...الوصول إلى الجِنان. عيناهُ المتعبتان تَتَفَرسان في الوجوه حوله، و الموجُ و الظلامُ يَلُفُهُمْ... مِصباح صغير يُقاوِم وحده وَحْشَةَ الليلِ..البردُ القارصُ يلسعُهُمْ و هم آتُون، حامِلين ما خفَ وزنُهُ و خف ثمنُهُ. بعضهم أَتََى بالملابِسِ التي عليه، باع ما وراءَه و ما أمامَهُ ابْتِغاءَ الوُصولِ إلى هناك..."أَيُّها الناسْ، العَدَمُ من ورائِكم و المجهول من أمامكم...فما أنْتُمْ فاعلون"
- العيَّاش...العيَّاش
- ماذا؟؟
- كمْ بَقِيَ لنا لِنَصِلَ؟
- لا أدري، ولِمَ أنتَ مستعجل هكذا؟
- أريد أن أصِل بِسُرْعَة كي أبدأ حياتي الجديدة...إنشاء لله، سأجد عملاً مناسباً يُدِرُّ عليَّ الكثير من اليورو.
سِيَاطُ البرد تَزيدُ ضراوة على أجسادهم المُنْهَكَة، و اللَّوحُ المُتَداعِي يتأرجَحُ ذاتَ اليَمين و ذاتَ الشِمال يكادُ ينْطِقُ من فرط الحِمْلِ الذِي عليه...بينما يُتاَبِعُ زميله الحلم
- و عندما أجْمَعُ مبلغاً مناسباً، سأبني بيتاً لائقاً،و أُزَوِجُ كلَّ أخَواتِي..و سأبعث بالشيبانيةِ إلى الحجِ، و سأتزوج امرأة مناسبة ذات حسبٍ و نسبٍ...
النسمات الباردة تَلْسَعُ وجهَهُ، لا يُسمعُ إلا صوت تنفسِ زملاءِه في المحشر بينما يَعلو اللوح و يهبط بشدة.
"يمينة" صورتها تطفو فجأة كما يَطفو هوَ على هذا اللوح، ياااه...لونَ شعرها كهذا الليل، و وجهُهَا مثل القمر. زَخَّاتُ المطرِ تنهمر دون سابقِ إنذارٍ، الموج يعلو ويعلو و الأجساد المتراصة تَتَشَبَثُ بِبعضها " أيُّها الناس...البحر من ورائِكم و البحر من أمامكم ، فما أنتم فاعلون...أيُّها الناس."
يالله لا تَجْعَلها النهاية، يالله الرحمة يا رب...لا إله إلا الله، لا إله إلا الله... يا رب.
صوتٌ يُنَادِيه وسط الصُّراخ
- العياش...العياش.
أنفاسه تتلاحق، الصراخ يَصُمُّ أُذُنَيْهِ و البحر يلعب بهم لَعِبًا. يتشبث، يحاول الاتِّزَان " أمي.....أبي.....الحومة، البلاد...يمينة..يمينة.".




زهر الليلك

ايهاب هديب
19/08/2009, 12:37 AM
يا أسفي على شبابنا العربي الذي يغتاله بحر الفقر في وطنه
وتفترسه أمواج الغربة المتلاطمة في مستنقعات اليورو والدولار
زهر الليلك تحيتي لك على هذا النص المفجع

وردة قاسمي
19/08/2009, 05:47 PM
السيد إيهاب
شكرا لك على المرور الكريم بنصي المتواضع
يسعدني دوما حضورك المميز
تحيتي الخالصة
زهر الليلك

عابر سبيل
19/08/2009, 08:42 PM
الكاتبة القديرة " زهر الليلك "

أسعد الله جميع أوقاتك

أيتها الفاضلة لن أتحدث عن جمال القصة ففيها من الإبداع ما يعجز قلمي عن الكتابة حوله

ولكن أحب أن أشيد بمفرداتك العميقة جدا والمعبرة .
لقد وفقت كثيرا في اختيارها فكل واحدة منها تحمل من بديع التصوير ما يغنينا عن جمل تزاحمت في ثناياها الكلمات .

أشكرك كثيرا ودمتي بود .. العابر

حسن_العلوي
21/08/2009, 06:44 PM
الاخت الكريمة زهرة الليلك
لن اكون قادرا مثلك علي ابراز ما يكتنزه النص من دلالات و ما يمنحه من روعة.
ما ساذكره اي اكتبه هو انطباع قارئ عاد,فارجو المعذرة.
طيمة الهجرة من الطيم التي ما زالت تسيل الاقلام و غير الاقلام و انت قمت بمعالجتها بمهارة.
تقوم المعالجة من وجهة نظري علي المقابلة بين الحلم و الواقع و اقع الغرق,مما يوحي انها اي الهجرة حلم غير فعال و غير مجد لان البديل الحقيقي هو فرض الذات في الوطن.ان الغرب في نظر الكثيرين هو الالدورادو او الجنة الموعودة و لا باس من تعريض النفس للخطر من اجل الوصول اليها.حلم رغم سرابيته ما زال يخدع الكثيرين و هو ما يدل علي النفور من الاوطان التي ما عادت تقدم لابنائها الا الذل و العار..
اعجبني حضور التناص اقصد توظيف بعض العبارات العامية بالاضافة الي الفصيحة حيث تتجلي في مقدمة خطبة طارق و كان التوظيف ذكيا لانه يحدث الصدمة .فاذا كان طارق في خطبته فاتحا قويا فان العكس بالنسبة للمهاجر السري انه ضعيف متخلف.في الاولي فتح و في الثانية ملجا...
بقي في الاخير ان اشير الي تصحيح لا يعكر صفو النص و هو
تنفس زملاءه تنفس زملائه.
مع الود و الاحترام.

وردة قاسمي
22/08/2009, 08:29 PM
الكاتبة القديرة " زهر الليلك "

أسعد الله جميع أوقاتك

أيتها الفاضلة لن أتحدث عن جمال القصة ففيها من الإبداع ما يعجز قلمي عن الكتابة حوله

ولكن أحب أن أشيد بمفرداتك العميقة جدا والمعبرة .
لقد وفقت كثيرا في اختيارها فكل واحدة منها تحمل من بديع التصوير ما يغنينا عن جمل تزاحمت في ثناياها الكلمات .

أشكرك كثيرا ودمتي بود .. العابر


سيدي عابر السبيل
تحية عطرة لك و شكر جزيل على وقوفك اللافت بمحطتي...
إن القصة، لا تعدو ان تكون لحظات معدودة قبل المحتوم..هذه اللحظات هي التي تحمل عميق الإيحاء و هي التي تختزل حياة الجميع...إنها فكرة القصة العربية الحديثة، استعمال الزمن كمكون للقصة و ليس مجرد مؤطر. إن اختيار الألفاظ له وقعه الخاص..أردت من القاريء أن يعيش تلك اللحظات الأخيرة مع الركب عبى اللوح المتداعي، أن يحس بتعبهم،حالتهم اليائسة، بالبرد الذي يعانونه و يحتملونه...بكل الألم الذي يسكن قلوبهم و أجسادهم، أرجو أن أكون قد وفقت في ذلك
سيدي العابر، لك يسعدني أن تكون نصوصي مستراحا لك في رحلتك، فتقبل مني فائق التحايا
زهر الليلك

وردة قاسمي
22/08/2009, 08:45 PM
الاخت الكريمة زهرة الليلك
لن اكون قادرا مثلك علي ابراز ما يكتنزه النص من دلالات و ما يمنحه من روعة.
ما ساذكره اي اكتبه هو انطباع قارئ عاد,فارجو المعذرة.
طيمة الهجرة من الطيم التي ما زالت تسيل الاقلام و غير الاقلام و انت قمت بمعالجتها بمهارة.
تقوم المعالجة من وجهة نظري علي المقابلة بين الحلم و الواقع و اقع الغرق,مما يوحي انها اي الهجرة حلم غير فعال و غير مجد لان البديل الحقيقي هو فرض الذات في الوطن.ان الغرب في نظر الكثيرين هو الالدورادو او الجنة الموعودة و لا باس من تعريض النفس للخطر من اجل الوصول اليها.حلم رغم سرابيته ما زال يخدع الكثيرين و هو ما يدل علي النفور من الاوطان التي ما عادت تقدم لابنائها الا الذل و العار..
اعجبني حضور التناص اقصد توظيف بعض العبارات العامية بالاضافة الي الفصيحة حيث تتجلي في مقدمة خطبة طارق و كان التوظيف ذكيا لانه يحدث الصدمة .فاذا كان طارق في خطبته فاتحا قويا فان العكس بالنسبة للمهاجر السري انه ضعيف متخلف.في الاولي فتح و في الثانية ملجا...
بقي في الاخير ان اشير الي تصحيح لا يعكر صفو النص و هو
تنفس زملاءه تنفس زملائه.
مع الود و الاحترام.

السيد العلوي
أولا أشكر لك قلمك على زيارة نصي المتواضع..و أشكرك على القراءة العميقة التي أتحفتني بها
و كما قلت فالنص مقابلة بين الحلم و الواقع و الوهم..وهم أن أوربا هي الفردوس المفقود، وهم أن الكل في أوربا سيعيش حياة رغيدة و ذات كرامة...كما أنها مقابلة تاريخية بين أصحاب طارق..و هؤلاء الناس، الذين ما إن يعبروا الضفة الأخرى حتى يصبحون دون هويات، لقد ذهب طارق إلى هناك حاملا رسالة و هدفا، فما الذي أخذوه معهم، إنكسار و تعاسة و حنق على الوطن..
هذا ما ينفرنا من الوطن، ننتظر أن يقدم لنا، و أن يعطينا، و أن يمنحنا...وطن الخيرات..و لكن هل سأل أحد نفسه: مالذي قدمته لوطني، مالذي أضفته؟؟ لا حاجة لأن يفكر فالجواب لا شيء.
لقد قال جون كنيدي في إحدى خطبه، و أمريكا تعيش قمة الانتصار و الازدهار" لا تسألوا مالذي قدمته أمريكا لنا، الأحرى أن تسألوا أنفسكم مالذي قدمناه نحن لأمريكا."
إننا نجعل من ضعف الوطن و الذل و العار و المهانة التي نعيشها في أوطاننا شماعة لفشلنا و انكسارنا و انحطاطنا، لم يمنحنا الوطن ذلة إلا لأننا أوقعناها على أنفسنا، لم يجبرنا الوطن أن نكون ضعافا إلا لأننا انزوينا في الأركان و انتظرنا...
ثم هناك التناص الذي تحدثت عنه، لقد تقصدت إضفاء بعض الجوانب الواقعية حتى يحس القاريء بالناس المتواجدين على اللوح...هناك سيميائية الأسماء، و التي ظهرت في شخص بطل القصة " العياش" إسم مغاربي يطلق تفاؤلا بالعيش الطويل و العمر المديد...ثم ماذا، يلقي بنفسه إلى التهلكة في حين أنه لم يحاول قط ان يثبت وجوده في وطنه.
إن الهروب من الواقع، السعي وراء الأوهام، الوقوع بين براثن الموت لأجل السراب هو المغزى الحقيقي من القصة...قد يلام صناع القرار في الأوطان عما يفعلونه بالشباب و دفعهم إلى الهروب، لكن هؤلاء الهاربين ليسو بمنأى عن اللوم، لم يتحملوا مسؤولياتهم تجاه أنفسهم..فكيف يتحملونها تجاه أوطانهم؟
لك عين ثاقبة أيها العلوي...تسعدني زيارتك لنصوصي فلا تبخل بها علي.

زهر الليلك

عماد اليونس
28/08/2009, 11:45 AM
زهرة الليلك
قصصت فامتعت وكتبت فابنت وقصدت فاوصلت
شكرا لك على هذه التحفة الفنيه والهدية الغنيه
محبتي وتقديري

عماد اليونس

وردة قاسمي
30/08/2009, 07:28 PM
الفاضل عماد اليونس
شرف لي أن تزور محطتي و تترك توقيعك المميز
حضورك فخر لقصتي
دمت قارئا أعتز بوجوده، و تحية طيبة
زهر الليلك

حكمت الجاسم
02/09/2009, 10:37 AM
يا لها من دقائق ٍ عصيبة يازهر الليلك
الشعور بالضياع يطغى على مصارع النص
نصٌ يحمل في جعبته الكثير من الفراديس العجيبة
كثيرون من شبابنا العربي يرى في بلاد اليورو الفردوس الموعودة
ولكنهم يصطدمون بجدار الواقع المؤلم حيث الهاوية والغرق
حيث الضياع بين أحلام المستقبل الوردية وذكريات " يمينة " الرائعة والواقع المرير
أرى أنكِ قد فتحت الباب على مصراعيه لتصوير ظاهرة الهروب إلى أوربا ....... وأنكِ صورتِ فواجعه بشكل مميز
دمتِ بألق

وردة قاسمي
04/09/2009, 09:47 PM
يا لها من دقائق ٍ عصيبة يازهر الليلك
الشعور بالضياع يطغى على مصارع النص
نصٌ يحمل في جعبته الكثير من الفراديس العجيبة
كثيرون من شبابنا العربي يرى في بلاد اليورو الفردوس الموعودة
ولكنهم يصطدمون بجدار الواقع المؤلم حيث الهاوية والغرق
حيث الضياع بين أحلام المستقبل الوردية وذكريات " يمينة " الرائعة والواقع المرير
أرى أنكِ قد فتحت الباب على مصراعيه لتصوير ظاهرة الهروب إلى أوربا ....... وأنكِ صورتِ فواجعه بشكل مميز
دمتِ بألق



سيدي حكمت الجاسم
إن ألق أي نص كان ، شعرا أم نثرا، لا يكون إلا بالقراءات التي تحلله، تفككه، تركبه، و تخلق منه نصوصا أخرى..ليس على الكاتب غلا ان يرى و يقولب، ثم يكتب...بل أقول يرسم، لأنه هكذا ينقل صورة ما، واقعية أو خيالية، إلى القراء...أما القاريء فعليه تلوين هذه الصور بما يراه فيها و عليها...النص الحقيقي إنتاج القاريء
لقد سعدت كثيرا بمرورك الكريم بركني الصغير، فلا تبخل علي بزياراتك من حين لآخر
تحية خالصة
زهر الليلك