المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل حجاب المرأة يتضمن ستر وجه أم لا؟



أبوسعيد
12/08/2009, 05:17 PM
هل الحجاب في الإسلام يتضمن ستر وجه المرأة، أم لا؟


أصبح الحجاب في الإسلام في الآونة الأخيرة مثار بحث وجدل، يُسلط عليه الضوء في وسائل الإعلام، خاصة الغربية.

وقد تداعت علينا (نحن المسلمين) كافة الأوساط الثقافية شرقاً وغرباً كما تداعى الأكَلَة إلى قصعتها ذماً وقدحاً واتهاماً بانتهاك حقوق المرأة، وأصدروا حكمهم الجائر (بأننا نحن معشر المسلمين) أعداء المرأة وطواغيتها، بل وإننا أمة ضحكت من جهلها وظلمها الأمم.

ثم اتهمونا بأننا وضعنا المرأة في قمقم سيدنا سليمان وختمناه بختمه فحجَّبناها وحجبناها بحجابٍ شديد الخنق والعذاب، وبذا هبطت منزلتنا بنظرهم وتدنت مرتبتنا فكنا أمة رجعية هوت إنسانيتنا للحضيض.

فما هو الحجاب في الإسلام؟

هل هو الغطاء الساتر لشعر الرأس فقط ، أم الغطاء الكامل الساتر للجسم مع الوجه؟

ما الحكمة منه؟ وما هي الأدلة القرآنية التي تنص عليه وتحدد طبيعته؟

طيلة ثلاثة عشر قرناً ونصف ونساء المسلمين يرتدين الحجاب من أقصى آسيا جنوباً وشمالاً مروراً بالبلاد العربية بأسرها إلى بلاد المغرب عموماً.

وأيضاً كانت نساء النصارى ترتدين الحجاب في البلاد العربية في الأزقة والأسواق حتى مطلع القرن العشرين.

وفي بريطانيا العظمى فقد كان ستر الوجه سائداً، حتى أن النساء الأرستقراطيات كن يحضرن مسرح شكسبير وعلى وجوههن الستور ويجلسن في مقصورات مغلقة ليشاهدن روائع أدبيات شكسبير الاجتماعية.

فمن أين مصدر الحجاب حتى شاع ودخل كل البيوت والتزمت به تلك الأمم لقرون طويلة؟

فإليكم أيها السادة القراء نتوجه بهذه القضية الهامة، لنستمع إلى آرائكم ووجهات نظركم فيها ونتحاور معكم في أفكاركم، بغية الوصول إلى حقيقة الحجاب والحكمة المنطوية وراءه.

قبل الدخول في بحث الحجاب نلقي نظرة سريعة على الزواج في المجتمع البشري وعلى الطريق الأخرى والتي هي الزنى .

الزواج: هو واضع القواعد الاجتماعية الأولى لأنه مؤسس، الأسرة وهي كما نعلم الحلقة الأولى من حلقات المجتمع الكبير، وهو أيضاً وسيلة لإنشاء حياة جميلة يغمرها العطف والود، وإن نشوء البنين والبنات في الوسط العائلي يسقيهم العواطف الرقيقة منذ أيامهم الأولى وينمِّي فيهم المشاعر الودية التي تُعدّهم لحياة مقبلة تشيع فيها الرحمة والرأفة. ولولا الزواج لانقرض النوع الإنساني منذ أمد بعيد، فاتصال الحياة واستمرارها على هذه الأرض يقضي إذاً ازدهار الزواج وبقاءه.

على أن الزنى يعمل عملاً عكسياً للغاية، فإنه باعث الفساد في المجتمع ومُشيع الفوضى ومبيد النسل. وإن الشاب يوم يندفع إلى الفاحشة إنما يمسك معولاً بكلتا يديه ويقوِّض به دعائم الأمة.

هَبْ أنه اتصل عن هذا الطريق المنحرف بفتاة تصيَّدها، إنه سيقضي معها زمناً ولكنه سيملُّها عندما يرى مسحة جمالها تذوي بين يدي السنين ويهجرها إلى غيرها ويتركها على أبواب الهرم عرضة للشقاء والفاقة، وهي إذا استطاعت أن تجد عملاً تسد به رمقها، ماذا سيكون مصيرها إذا أمست عاجزة عن العمل؟ ما أشد قسوة تلك الحياة وما أكثر آلامها في حرمان من الزوج والأولاد.

وإذا شئنا أن نعقِّب الشاب الأعزب في مستقبله بعد أن تعوَّد الزنى فإننا نجد أحد حالين:

1ـ هجر الحياة الزوجية بأن يبقى طوال حياته مستمراً في هذه الطريق القبيحة فلا ينعم بأسرة ولا يُساهم في إحياء المجتمع، ويكون عرضة للأمراض المنبعثة عن هذه الحياة ومعولاً هدَّاماً لسعادة كل امرأة يتصل بها. فإذا انقضى الشباب وجاء المشيب لم يجد هذا العابث إلى جانبه ولداً معيناً ولا قريباً حبيباً، عندها يدخل في الأحزان ويكتوي بنار الشقاء في مساء حياته المظلم.

2ـ أو أنه يسعى إلى الزواج يوم تبدأ نضارته نحو الذبول، إنه بعد عهد طويل قضاه في أحضان الغانيات لا غروَ إذا عزم الزواج أنه سينتقي حسناء ولكن هذه الغادة التي اختارها في مقتبل عمرها لن تكون سعيدة إلى جانبه وهو قد سلخ من العمر شوطاً كبيراً.

إن زوجاً في الصبا والجمال لن تعجبها الحياة مع زوج في مساء الشباب، وسوف تمدّ عينها إلى رجال هم أوفر صحة وشباباً، فإذا هي بين عشية وضحاها تسير إلى الزنى وتجتذبها الهاوية، وستُنجب لزوجها الشرعي أولاداً غير شرعيين، فإذا مات الأب، قاسموا إخوتهم من أمهم ميراثهم وشاع الفساد في هذا البيت البائس المتصدع.

هذا وإن كبحت تلك الزوج الشابة جماح شهوتها وصبّرت نفسها ولم تسلك طريق العهر فإنها تظل أمانيها في الكبت ونفسها في الحزن، وناهيك عن الدمار الذي سيصيب أطفال تلك الأسرة، إنهم يرثون عن الصلة العاطفية الواهية بين الأب والأم وهن التكوين كما سنفصِّل بعد قليل.

وهكذا فلن تصفو للزاني والزانية حياة ولو دخلا في المستقبل في حياة زوجية شرعية، لذلك فستشيع في حياتهما السآمة والملل وتغمرهما الأحزان وتكوي قلوباً أفسدتها الرذيلة ولوثتها الجريمة.

هذا هو مصير الزنى، فهو مسبب البؤس لدى الجنسين في مستقبل الحياة، وهو مضعف النسل أو مبيده وماحق الفضائل من آفاق الحياة وماحي السعادة من صفحاتها، إنّ العدوان على الأعراض يرافقه على الأغلب عدوان يشمل كل الشؤون الاجتماعية الأخرى. فكم من فرق شاسع بين نتائج الحياة الزوجية وحياة العهر والفحش. في الأولى تترعرع الفضائل وتنمو المشاعر الرقيقة وينشأ الجو المشبع بالتوادد والتعاطف، وفي الثانية تسيطر الغرائز ويتدنى الإنسان إلى مستوى الحيوان، تُغيِّبُ الغرائزُ العواطفَ الإنسانية العليا ومستقبل قاتم مقفر من عطف الأقرباء وعون الذرية.

ما يقرِّره الواقع أشدّ تقرير:

1ـ إن الغريزة الجنسية مركونة في كل كائن حي وإنها عرضة للإثارة عند معاينة الجمال والإطلاع على فتنة الجسم.

2ـ إن الأخلاق إذا نمت وتكاملت لا تستطيع تدمير القوى الغريزية الجنسية، ولكن بإمكانها توجيهها نحو الخير، كذلك الأخلاق الكاملة لا تقوى على تبديل القوانين النفسية الراهنة.

هذه الملاحظات سوف نشير إليها في الوقت المناسب أثناء انسياب الموضوع التالي:

إن في السفور تدهور المجتمع نحو الرذيلة وفيه التفكك لروابط الحياة العائلية، وهو مسبب الضعف في تكوين النسل وزارع بذور الجفاء والخصام والقسوة في البيت وناشئته.

وأخيراً إن السفور يبدِّد الرضا من نفوس الناس ويبعث سخطهم، وفي ظلال السخط لا ينمو إلا البؤس الإنساني والشقاء الاجتماعي وإليك الشرح والإيضاح:

فلنبحث أولاً في آثار السفور في نفسية الشاب الأعزب والفتاة العزباء:

مهما قيل في تأييد السفور من زخرف القول فإن الواقع مكذِّبه، يقولون إن الأخلاق إذا تكاملت وغدت متينة لدى الجنسين فإن السفور عندئذ لا يسبب التدهور والانحلال، أقول: إن الأخلاق إذا نمت وتكاملت لا تستطيع تدمير القوى الجنسية، فالشاب الظامئ حين تلوح له وجوه صبيحة وتتحدّث إليه نفوس ناعمة بأصوات شجية لا يمكنه إلا أن يصبو إلى الحسان ويشوقه الجمال الفتَّان، وهذه هي الخطوة الأولى نحو الزنى، وقل الأمر نفسه عن الفتاة الظامئة، إنها ستهفو بنفسها نحو رفيقها الشاب، وإذا لم نشأ الآن أن نأخذ بعين الاعتبار ما يقدِّمه الواقع من نماذج فاحشة لنتائج هذه الاتصالات الاجتماعية الأولى فحسبنا أن نقول: إن هذه الصِّلات تبعث القلق في النفوس وتوقظ الأرق، وأنَّى للناشئة أن تستمر في بناء المستقبل والإخلاص للعمل والدراسة والوظيفة بعد أن دبّ في المشاعر طيف الحياة الجنسية ونُصبت الحواجز وطُرق باب الغريزة ودعاها الداعي إلى أمر نكر.

إن الغريزة عمياء لا تفرِّق بين خير وشر ولئن قوي عليها الفكر بعد أن أيقظتها رؤية الحسان وأوثقها في العقال فذلك هو الكبت وهو شر وأدهى، قوتان تتصارعان في ساحة النفس، قوة الغريزة الثائرة الجامحة وقوة الفكر المميزة الواعية. فإن غلبت الواعية فقد دخلت النفس في عذاب الكبت وظلَّت الثانية في السخط حتى تجد طعاماً وإن غلبت الأخرى فتلك الهاوية.

إن مجتمعاً يذيع فيه السفور لا تعرف الطمأنينة سبيلاً إلى أفئدة شبابه، إذ عوامل الإثارة نشيطة والانفعال الجنسي هائج، ويُرى في هذه الأوساط حيث يشيع السفور والعزوبة أن نوع المزاح قد أصبح غريزياً للغاية، وأن الأحاديث التي تستحب للترفيه عن النفس إنما هي أحاديث متصلة بمعالم الاتصال الجنسي أو ما يدور حوله، كل ذلك سعياً وراء إرواء الظمأ الغريزي الذي ألهبته فاجعة السفور.

وهل يستطيع أحد أن يعتقد أن اليد الإلهية التي صاغت هذا الكون الرحيب المكتظ بأعاجيب الخلق وعظمة التكوين، هل يُعتقد أنها هي صاغت هذه النفوس على هذه الحالة من الفساد الذريع والتدني الشديد؟ لا! إنها صاغتها طاهرة كريمة ولكن السبل التي سارت فيها أفسدتها، إن السفور يعرِّض الجنسين لفتنة النظر والنظرات تسوق إلى الحديث وتزرع فيه تعابير التودد والغزل وما بعد ذلك إلا ظمأ محروم يقود إلى السُّقيا من أحواض الدناءة والعهر.

وقد آن لنا أن نرجع إلى طبقة المتزوجين لنبحث عن آثار السفور فيها:

إن العُرى التي تربط بين قلوب الرجال وأزواجهم تأخذ في الانحلال شيئاً فشيئاً في المجتمع السافرة نساؤه.

إن المتزوج وإن كان في شبع جنسي سوف تتطلع نفسه حين يرى نساء أوفر جمالاً من زوجته وأعذب حديثاً وأكثر رشاقة، وإن قويت أخلاقه على صيانته من الانحراف فإنها لن تقوى على منعه من التمني والتحسُّر، إنه سيتمنى زوجة كالتي تطلَّع إليها رشاقة وجمالاً، ويزيد التمني مع الأيام مع مزيد الإطلاع على السافرات الحسان، هنالك تنقلب تلك الأماني حسرات في نفسه ويغدو ساخطاً على حظه البائس، وقل الأمر نفسه على زوجته التي شاهدها الرجال وشاهدت الرجال، لا بدَّ أن تلقى رجلاً تتوافر فيه عناصر تميزه وترفعه فوق زوجها بمراتب التفوق من وجوه كثيرة، إنها ستخطو الخطوة الأولى والثانية وأقصد التمني والتحسُّر.

لنركِّز الآن انتباهنا على تلك الأسرة سوف نرى ما يلي:

1ـ فتوراً في المحبة بينهما، إذ قلب كل منهما متعلق بغير رفيقه ولا يرى فيه إلا صاحباً قضى الحظ العاثر برفقته مدى الحياة، إن في هذه الدنيا أزواجاً كثيرين هم خيرٌ من هذا الزوج وفيها نساء كثيرات هنَّ أوفر حسناً من هذه المرأة، هذه هي الفكرة الثابتة التي سترتكز في ذهن كل من الزوجين في مجتمع السفور، وهي تضعف ولا شك من الروابط الجنسية والزوجية.

2ـ وقد دلّت الأبحاث العلمية على في نفوس الأبوين عند اللقاء.

3ـ زد على ذلك إن أفول المحبة من سماء البيت يجعل الأولاد يترعرعون في وسط مقفر من الود وهذا ما ينعكس في نفوسهم الغضة ويغرس في قلوبهم أن هذا الفتور بين الرجل وزوجه ينعكس على الاتصال الجنسي أسوأ الانعكاس لأن فقدان المحبة المتأججة بين الزوجين يفضي إلى ضعف النسل ووهن في تكوينه الفيزيولوجي.

وإن المحبة إذا نشطت وكانت مكينة تُنتج خيراً كثيراً ساعة الاتصال الغريزي، إذ لها أشد التأثير في إنجاب أولاد أقوياء الأبدان، سليمي التكوين والعكس صحيح جداً. وإن هذه العلل من الضعف في البنية والوهن في التكوين الفيزيولوجي التي تنتاب الأطفال كثيراً إنما هي موروثة من الآباء بسبب الجفاء المتركِّز وهم على عتبة الحياة بذور القسوة ويطبعها بطابع الخصام.

4ـ وأخيراً إن السفور يبدِّد الرضى من نفوس الناس كما قلت ويبعث في قلوبهم السخط على الحظ والحياة وقد قيل: إن السعادة لا تتحقق في المجتمع إلا إذا توفر عنصر الرضى لدى أفراده، إذ النادب لحظه شقي ولو كان يتقلَّب في أحضان النعيم المادي، فلا شيء يبعث الهناء في الحياة كالرضا.

وفي القرآن الكريم لا يوجد آية تأمر النساء بكشف وجوههن ، وإنما العكس تماماً فالأمر جاء من الله تعالى بستر سائر أنحاء الجسد والوجه كاملاً.

والآن لنستمع إلى قوله تعالى وهو أعلم بقوانين العباد وسبل خيرهم وهو المحب الرحيم بهم يأمر بالحجاب ويبيِّن حكمته لنساء الرسول صلى الله عليه وسلم اللواتي هنَّ قدوةً لنساء المؤمنين ليتبعوهنَّ: {...وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فسألوهن مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ...} سورة الأحزاب (53).

طالما على حد زعمهم يوجد كشف الوجه فأين الحجاب؟

والحجاب باللغة: هو حجب الرؤية كليّاً وانعدام المشاهدة.

وتوضح هذه الآية الإيضاح البيّن ذلك الحجاب، فلا ترتضيه إلا ساتراً لمحاسن المرأة كلها مما يشوق القلب ويلوثها بجرثوم الشهوات، ويبقى من المرأة حديثها الذي هو من وراء حجاب، قال تعالى:

{يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} سورة الأحزاب (32).

فالحديث رغم الحجاب الساتر والحائل دون رؤية الوجه الحسن، يجب أن يكون جدِّياً للغاية حازماً لا يتطرق إليه وهن في اللهجة ولا نعومة في الصوت والعبارة ولا تطرُّف في الموضوع، وقد أمر تعالى النساء أن يظللن في بيوتهن لأن فيها عملهن الثمين المنتج ألا وهو تربية البنين والبنات وإعداد جيل للمستقبل صحيح في الجسم والعقل، ولكن إذا اضطررنَ إلى الخروج فقد وجب عليهن صيانة للأخلاق العامة ولسلامة قلوب الناس جميعاً أن يتأدبن بالشرع الآتي، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى...} سورة الأحزاب (33).

وقد جاءت الآية الكريمة من سورة النور تصف لنا ذلك النظام الاجتماعي الكامل الذي رسمه تعالى للحياة المثلى على الأرض.
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة النور (30-31).


ونرى من خلال هذه الآية آداب السير التي يجب أن تتحلَّى بها المرأة في الطريق. فالخمار: إنما هو الغطاء الساتر مأخوذة من خَمَرَ، بمعنى: غطّى وستر، ومنها الخمر والخمرة لأنها تغطي الوعي وتسد الفكر وتستره، وعلى ذلك فالآية تأمر بإسدال الخمار المغطي للوجه على الجيب وهو العنق البادي من فتحة الثوب وما يتصل به من أعالي الصدر، كل ذلك حرصاً على ستر الجمال الذي سمّاه تعالى زينة، إذ الجمال هو الزينة الطبيعية للنساء، والصبا كذلك. فمن كانت لديه جوهرة غالية باهظة الثمن فهو يَعْمَدُ إلى إخفائها عن أعين الناس واللصوص لكيلا تُسلب منه وليحفظ ويحافظ على جوهرة قلبه النفيسة، وهذا ما يكشف عن قيمة المرأة وشأنها في الإسلام.

وقد وصف لنا تعالى حال المرأة المؤمنة في الجنة: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ}: تغض بصرها حياءً. { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ}: خاليات من الشوائب فهي مخبأة لا يراها إلا زوجها .

فلئن كانت نساء الجنة محجبات عن الآخرين فكيف يجب أن تكون نساء الدنيا؟!!.

ولقد سمَّى القرآن الكريم محاسن المرأة التي زيَّنها الله تعالى بها من جمال وجه وأعين وفم وأسنان وشعر وصبا وفتوة وشباب إلى غير ذلك من المفاتن زينة، وبما أن إظهار هذه المحاسن لغير الزوج أو الأب والأخ والابن ومن سواهم من المحارم الذين عدَّدتهم الآية الكريمة يكون سبباً في وقوع الفتنة والفساد في الأرض كالتحبيب بالزنا ويبعث الشقاق والكراهية بين الرجل وزوجه بعد أن رأى من هي أجمل منها وجهاً وأوقع في نفسه منزلة ومكانة. لذلك وقطعاً لدابر الفساد في الأرض وحرصاً على الأسرة وسعادتها ودرءاً لعوامل الانحلال والضعف من التسرُّب، أمر الإسلام بعدم إبداء هذه المحاسن لغير المحارم فقال تعالى:{..وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ..}

وأمر تعالى المرأة الشابة أن تمشي مشية عادية لا يظهر معها في الطريق ما زينها الله تعالى به من فتوة وشباب فقال تعالى:{وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة النور (31)

وفي ختام هذه الآية سنة أخرى من سنن السير في الطريق يجب على المرأة أن تعمل بها، ذلك أن الله تعالى ينهى أن تضرب المرأة برجلها لئلا يهتز جسمها وتظهر علائم فتوتها وصباها من وراء الثوب الفضفاض الساتر والخمار المسدل الحاجب، إذ هذا الاهتزاز في الجسم مما يُثير الشوق الغريزي لدى الرجال ويحرِّك داعي الشهوة الراقدة. وهنالك الدليل القطعي على أن جسم المرأة كله فتنة والمرأة كلها عورة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفتنة نائمة لعنَ اللهُ من أيقظها» الجامع الصغير (الرافعي عن أنس) رقم /600/.

وفي رواية: «الفتنة لا نرضى بها».

وهكذا فجميع محاسن المرأة التي زيَّنها الله تعالى بها والتي هي موضع فتنة الرجال إنما جمعها الله تعالى بكلمة واحدة فقال: [زِينَتَهُنَّ] ومنع من إبدائها بكلمة {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} حرصاً على سعادة المجتمع وسلامته.

وإذا كان أناس يذهبون في تأويل هذه الآية مذاهب بعيدة عن المراد الإلهي فيقولون يجب على المرأة أن تخفي شعرها ولا تظهر إلا وجهها ويُسمُّون ذلك بالسفور الشرعي، فضلال ذلك التأويل ظاهر بيِّن، فإن الوجه والأعين قد تذهب بلبِّ الناظر وتأخذ بقلبه أكثر من الشعر، فمن الضروري والحالة هذه ستر الوجه مثل الشعر.

وإذا كانوا يزعمون أن الزينة هي الصباغ والطلاءات التي توضع على الوجه فتكسبه حمرة وبريقاً فذلك أيضاً خطأ وليست الزينة المعنية في الآية الصباغ والطلاءات، لأنه قد تجتمع امرأتان، حسناء جميلة الوجه منحتها القدرة الإلهية من بريق الوجه واصطباغه بحمرة النشاط والحيوية ما يغنيها عن الطلاءات والأصباغ، وأخرى دميمة قبيحة صبغت وجهها بالأصباغ وأكسبته بريقاً بالطلاوات فما زاده ذلك إلا دمامة وقبحاً. فيا ترى أيهما يؤثِّر بالنظر إليها في قلب الناظر، الحسناء التي زيَّنها الله تعالى بجمالٍ من عنده، أم الدميمة التي زيَّنت وجهها بالأصباغ؟. وهل الزينة ما تُزيِّن المرأة نفسها، أم ما زيَّنها الله به من المحاسن؟.

لا شك أن المعنى أضحى جلياً واضحاً، وكلمة [وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ] إنما يتعين معناها وينصرف قطعاً إلى ما زيَّن الله تعالى به المرأة من محاسن في الوجه والأعضاء مما يكون إظهاره موضعاً للفتنة وسبباً للفساد وما سوى ذلك لا تتأمَّن معه المصلحة ولا ينقطع دابر الفساد، وحاشا لله أن يأمر بأمر فيه مجال لمعترض أو مبعث لفساد.

وإذا كان الله تعالى لم يسمح للمرأة على حسب الآية التي ذكرناها بأن تُبدي زينتها إلاَّ للنساء المؤمنات خوفاً من أن تنقل الكافرة التي لا أمانة لها محاسن المرأة إلى الرجال من غير المحارم وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى:

{أَوْ نِسَائِهِنَّ}.فهل يجوز للمرأة ذاتها أن تُبدي وجهها لغير المحارم من الرجال؟.

إن هذه المعاني جلية واضحة لا مجال فيها لأخذ ورد، لكن عدم تدبُّر الناس آيات الله جعلهم يقعون فيما وقعوا به من ضلال في الفهم، فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا وضلُّوا عن سبيل الله، ورسول الله e يقول:

«أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين» الجامع الصغير /ت/ 2563.

وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} سورة الأحزاب (59).

بهذا يتوضَّح الدليل القاطع أن وجه المرأة عورة لا يرضى الشرع بسفوره، إذ لو سمحت الآية هذه بكشف الوجه (لعُرِفْنَ) ولنقضنا هذه الآية الصريحة. هذه الآية شملت كافة نساء المؤمنين من القمة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهرات إلى كافة المؤمنات.

فلو كشفن عن وجوههن لما وردت الآية الكريمة بهذه الصيغة {أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ}، لأن السافرة عن وجهها معروفة حتماً.

والرجال فيما مضى كانوا يضعون على رؤوسهم أثناء الخروج العمائم، وفي زمننا هذا يرتدي الرجال في بعض البلدان الإسلامية والقرى (الشال، أو الحطة، أو العقال) على رؤوسهم ولا تبدو إلا وجوههم، فهل معنى ذلك أنهم لا يُعرفون إلا قليلاً؟!

فالمرأة الكاشفة لوجهها لا ينطبق عليها لفظ {أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ}.

وهذا واضح وضوح الشمس، وليس بعد كلام الخالق جل وعلا حق حتى نستمع لكلام غيره من المخلوقات، إذ لا جدال فيما نصَّ به صريح القرآن الكريم.

وكذلك فإن النساء في كافة البلدان الإسلامية قاطبةً وفي الثلاثة عشرة قرناً المنصرمة كن يسترن وجوههن.

فمن أشرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يسمح بخروج النساء كاشفات عن أفتن ما فيهن، أي وجوههن. وهذه من خطوات الشيطان، إذ ستتبع ذلك خطوات في العراء حتى يصبحن كاسيات عاريات مائلات: للزنى ، كما في هذا الزمن. مميلات: لمن ينظر إليهن للزنى. فالعنوهن: ابتعدوا عنهن. لأنهن ملعونات: أي بعيدات عن الله، إذ اللعن هو البعد.

قال تعالى: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً} سورة النساء (27).

الحجاب هو الحجاب، فهو كالحصن المنيع إذا أحدثت فيه ثغرة سقط الحصن وانهار، وكذا إذا حدث في الحجاب ثغرة شديدة الإغراء والأشد من أي فتنة أخرى بالسماح بكشف الوجه، فقد سقط المجتمع في مهاوي الرذيلة والانحطاط، ولا نصر يرجى له أبداً ما دام سادراً في هذا الغي.

حكم صلاة المرأة في المسجد

وضح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً لا ريب فيه ولا اجتهاد ولا تأوّل للنصوص.

إذ قالت أم حميد الأنصارية امرأة أبي حميد الساعدي بعد أن أسلمت وحسن إسلامها وأحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً قدسياً بالله، وأحبت صحبته النفسية والصلاة معه بقولها: «يا رسول اللّه إني أحب الصلاة معك "أي أنها تريد الصلاة معه في المسجد". فقال صلى الله عليه وسلم: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي. وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك... خير لك من صلاتك في مسجدي...» مسند الإمام أحمد (25842).

فما كان من هذه المرأة الصادقة إلا أن أمرت فبُني لها مسجد في أقصى شيء في بيتها وأظلمه لتجمع نفسها بالكلية على الله بالصلاة، فكانت تصلي فيه حتى لقيت وجه الله عزوجل.

وعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت، قال: النبي صلى الله عليه وسلم: «خير مساجد النساء قعر بيوتهن» رواه أحمد والبيهيقي والحاكم وغيرهم.

إذن صلاة المرأة في بيتها (غرفتها الخاصة لكمال سترها) خير من صلاتها في صحن الدار، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها» رواه أبو داود والحاكم والبيهيقي والطبراني وغيرهم.

والمخدع: هو البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير يحفظ فيه الأمتعة النفيسة، من الخدع وهو إخفاء الشيء الثمين، إذن كلما كانت السترة أكبر للمرأة، كانت الصلاة أفضل.

والمرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: [المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان] رواه الترمذي وابن حبان.

أي استقبلها وزينها في نظر الرجال ليغويها ويغوي بها، وليوقع أحدهما بالفتنة فالهلاك... وما ذلك الحرص الشديد على ستر المرأة، إلا وأداً للفتنة التي تُحدثها المرأة بخروجها من بيتها (والفتنة لا نرضى بها)، «والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها» الجامع الصغير رقم (5975).

كما قال صلى الله عليه وسلم والذي يؤكده قول الله تعالى:

{يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} سورة الأحزاب (33).

{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} سورة الأحزاب (34). ولئن كان الخطاب لأمهات المؤمنين وهن القدوة المثلى فالخطاب يتضمن ضمناً نساء المؤمنين.

وهناك قاعدة أصولية : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

إذن أمر تعالى النساء أن يظللن في بيوتهن، يُقمن الصلاة ويؤتين الزكاة لأنفسهن، ويُطِعْن الله ورسوله، ويذكرن ما يتلى عليهن في بيوتهن (وليس في المساجد): من آيات الله والحكمة، ذلك شرع الله تعالى، فاستفت قلبك ولو أفتاك المفتون وأفتوك، كما قال الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، ونحن لا نسير إلا بكتاب الله وما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فللرجال مجال وللنساء مجال آخر في دين الإسلام، ولا نرضى بأن تكون المساجد متاحف يختلط الرجال فيها بأم الدنيا (المرأة) فيتحول القلب عن الله وعن الصلاة الصحيحة وتخرب القلوب.

إذ الدنيا والآخرة كالضرَّتان لا تجتمعان، فإذا اجتمعتا فقد قضينا على الدين من أصله، ولن نقبل بقول البشر عن قول الله العظيم، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون، وهو الذي أنزل الكتاب مفصلاً وتبياناً لكل شيء.

أما حجابها في الصلاة:

فلا تجوز صلاتها وشيء من جسمها مكشوف، ولا بد حتى تصح وجهتها أن يكون وجهها ويداها مكشوفان.

ومن هنا ينبغي كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتباعد في غرفة داخل غرفة في بيتها... ولم يقل صلى الله عليه وسلم بكشف وجهها ويديها في الطريق، بل بالصلاة، والصلاة لا تكون بالأسواق كما أوَّلها الذين لا يعلمون.

وما دون ذلك فهو ما يريده الذين يتبعون الشهوات لكم ولنا أي: الهلاك، وأن تميلوا عن جادة الحق والصواب ميلاً عظيماً، فكشف الوجه حرام، لأنه يزيل بذلك الحجاب، والله تعالى يقول في سورة الأحزاب (53): فخاطبوهن: {..مِن وَرَاء حِجَابٍ..}. إذ الحجاب هو ما يحجب الرؤية تماماً.

أما عن لباس المرأة اللون الأبيض الساتر لجسمها وشعرها في الصلاة، فلكي تنحصر وجهتها إلى الله، فما يؤذي العين يؤذي النفس، فالمرأة بطبيعتها البشرية تختلف عن الرجل، فجمالها وشعرها وجسمها يفتنها ويحولها عن الصلاة، وهذا اللباس يذكرها بلباس الإحرام الذي هو تقليد للكفن عند الموت، فتطلق الدنيا وتخلع الفتن وتتوجه بصدق إلى بارئها.


كشف وجه المرأة في الحج:

عن ابن عمر قال: «إِحْرَامُ الْمَرْأَةِ في وَجْهِهَا وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ في رَأْسِهِ» رواه والبيهيقي والدارقطني.

فالمرأة تكون في الحج في حال إحرامها كما في الصلاة تكشف وجهها وكفيها ، وهذا الحديث يبين أن المرأة بغير الحج لا تكشف وجهها ،إذ كيف سُمح لها برفع الحجاب عن وجهها في الحج إن لم تكن مأمورة به أصلاً ؟

والحج كغيره من الفرائض فرض على البشرية جمعاء، كالصيام مثلاً، فقد فرض على الذين من قبلنا.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة (183).

والحجاب وغيره من الشرائع السماوية فرضه تعالى على الذين من قبلنا أيضا، قال تعالى:{ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }سورةالشورى (13)
لكن مع مرور الزمن تهاون الناس في هذه الفرائض شيئاً فشيئاً حتى تركوا أصولها وتغيّرت. فجاء الإسلام وأعاد الصيام والحجاب إلى ما كان عليه من الحق.
كذلك الحج، فهو بالأصل لا يوجد فيه اختلاط بين الرجال والنساء.

لقد كان يوجد وقت مخصّص لطواف الرجال مثلاً ووقت مخصّص لطواف النساء.

وهذا حديث السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها يبين بالدليل القاطع ذلك إذ قَالَتْ: «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا أَسْدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزَنَا كَشَفْنَاهُ» مسند الأمام أحمد (22894).

إلا أنّه ومع مرور الزمن تهاون الناس من جديد في هذا الأمر، ولم يدركوا الحكمة العظيمة المنطوية وراء مناسك الحج، وكذلك الحكمة من الحجاب والفصل بين الرجال والنساء بالحج، ولعدم فهم الحكمة صار هذا الاختلاط الذي تراه في الحج.
وكل من يذهب إلى الحج فهو ونيّته، فالله يكتب له أجره وينيله ثوابه وما هو أهله.

إذن: لقد كان الحجاب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يشمل الرأس والوجه والجسم، وفيه فتحة عين واحدة تستطيع به الصحابية الكريمة أن ترى طريقاً في حال اضطرارها للخروج من منزلها وقد سمعنا أن الحجاب في المغرب مماثلاً للحجاب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أقصى المنى.

والحقيقة أن أي حجاب يخفي المفاتن عن الأجانب ويحفظ من وقوع الفواحش هو حجاب شرعي تنال فيه المرأة المحجبة رضى الله تعالى وتنال الأجر الجزيل بسببه.

علماً بأن لدينا في قرانا السورية من يتلففن بالشراشف فلا يبدو من مفاتنهن شيء، فهو أيضاً حجاباً شرعي مُرْضي.

على كلٍّ تعددت الأسباب والحجاب الذي يمنع الفتن المحرمة هو المأمور به بنص القرآن الكريم .

فلو نظِّم المجتمع في هذه الناحية تنظيماً يتفق والشرع الإلهي لكان مجتمعاً تقدمياً حقّاً...

هذا ما بينه العلامة الإنساني محمد أمين شيخو www.rchss.com (http://www.rchss.com/)

طارق شفيق حقي
13/08/2009, 10:47 PM
رحم الله العلامة محمد أمين شيخو

الحجاب فطرة فطرت عليه البشرية

إن أديان الله السماوية وأهل الكتاب يتعرضون لهجمة من الكفرة الملاحدة في كل مكان من هذا العالم

في عام 1960 يسجن كل من يقبل امرأة في العلن حتى ولو كانت أمه وأين في بريطانيا

معقل الفساد والرذيلة اليوم
بلاد العنف والظلم

من إخواننا النصارى من أنكر السفور وتبرج
و ولازالت عوائل كثر تحافظ على الحجاب خاصة في القرى
بل ومن من قال أن صلاتهم كانت تحوي السجود كما هي صلاتنا

ثم نأتي على المسلمين خاصة
فهم أكثر الناس تمسكاً بدينهم ومدافعة عنه

إن القيم الإنسانية والأخلاقية تحفظ بشكلها الفطري السليم أمانة لدى المسلمين

دافعوا عن أمانة السماء

عبد المنعم جبر عيسي
14/08/2009, 09:24 PM
للعلامة الدمشقى ؛ محدِّث بلاد الشام ومحدِّثنا ( محمد ناصر الدين الألبانى ) رحمه الله تعالى فى هذا الإطار ؛ كتاب رائع اسمه : ( جلباب المرأة المسلمة ) .. الذى أطلق البعض عليه اسم : ( الرد المفحم ، على من خالف العلماء و تشدد و تعصب ، و ألزم المرأة بستر وجهها و كفيها وأوجب ، و لم يقتنع بقولهم : إنه سنة و مستحب .. ) .
بداية ؛ وضع فضيلته شروطا لما يمكن أن يسمى لباسا شرعيا للمرأة ، هى :
1 ـ استيعاب جميع البدن إلا ما استثني .
2 ـ أن لا يكون زينةً في نفسه .
3 ـ أن يكون صفيقاً لا يشف .
4 ـ أن يكون فضفاضاً غير ضيق .
5 ـ أن لا يكون مبخراً مطيباً .
6 ـ أن لا يشبه لباسَ الرجل .
7 ـ أن لا يشبه لباسَ الكافرات .
8 ـ أن لا يكون لباسَ شُهرة .
وفى تفصيله للشرط الأول ؛ ( استعياب جميع البدن إلا ما استثني ) وهو الوجه والكفان ، استدل بقول الله تعالى في [ سورة النور : الآية 31 ] :
{ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن، أو أبنائهن، أو أبناء بعولتهن، أو إخوانهن، أوبني إخوانهن، أو بني أخواتهن أو نسائهن، أو ما ملكت أيمانهن، أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال، أو الطفل الذي لم يظهروا على عورات النساء، ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن، وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } .
وبقوله تعالى في [ سورة الأحزاب : الآية 59 ] :
{ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، وكان الله غفوراً رحيماً } .
ثم قال فضيلته : ففي الآية الأولى التصريح بوجوب ستر الزينة كلها، وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب إلا ما ظهر بغير قصد منهن، فلا يؤاخذن عليه إذا بادرن إلى ستره، قال الحافظ ابن كثير في (( تفسيره )) :
(( أي : لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود: كالرداء والثياب، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب، فلا حرج عليها فيه، لأن هذا لا يمكن إخفاؤه )) .
قلت : وهذا المعنى الذي ذكرنا في تفسير: { إلا ما ظهر منها } [سورة النور: 31 ] هو المتبادر من سياق الآية، وقد اختلفت أقوال السلف في تفسيرها فمن قائل: إنها الثياب الظاهرة ، ومن قائل: إنها الكحل والخاتم والسوار والوجه وغيرها من الأقوال التي رواها ابن جرير في((تفسيره)) عن بعض الصحابة والتابعين ، ثم اختار هو أن المراد بهذا الاستثناء الوجه والكفان، فقال :
(( وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بذلك الوجه والكفين، يدخل في ذلك ـ إذا كان كذلك ـ الكحل والخاتم والسوار والخضاب، وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل، لاجتماع الجميع على أن على كل مصلٍّ أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ماعدا ذلك من بدنها، إلا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها قدر النصف، فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعاً، كان معلوماً بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال، لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره ، وإذا كان لها إظهار ذلك؛ كان معلوماً أنه مما استثنى الله تعالى ذكره بقوله: {إلا ما ظهر منها } [ النور :31 ]، لأن كل ذلك ظاهر منها )) .

عبد المنعم جبر عيسي
14/08/2009, 09:34 PM
ثم قال العلامة الألبانى رحمه الله : وهذا الترجيح غير قوي عندي ، لأنه غير متبادر من الآية على الأسلوب القرآني، وإنما هو ترجيح بالإلزام الفقهي ، وهو غير لازم هنا، لأن للمخالف أن يقول : جواز كشف المرأة عن وجهها في الصلاة، أمر خاص بالصلاة، فلا يجوز أن يقاس عليه الكشف خارج الصلاة لوضوح الفرق بين الحالتين .
وأقول هذا مع عدم مخالفتنا له في جواز كشفها وجهها وكفيها في الصلاة وخارجها، لدليل، بل لأدلة أخرى غير هذه كما يأتي بيانه، وإنما المناقشة هنا في صحة هذا الدليل بخصوصه، لا في صحة الدعوى، فالحق في معنى هذا الاستثناء ما أسلفناه أول البحث، وأيدناه بكلام ابن كثير.
ويؤيده أيضاً ما في (( تفسير القرطبي )) :
(( وقال ابن عطية : ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك فـ{ ما ظهر } على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه )) .
قال القرطبي :
(( قلت : هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما، يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها : أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله ، وقال لها : يا أسماء ! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرَى منها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه، فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس، فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها، والله الموفق لا رب سواه )) .
قلت – أى الألبانى - : وفي هذا التعقيب نظر أيضاً، لأنه وإن كان الغالب على الوجه والكفين ظهورهما بحكم العادة، فإنما ذلك بقصد من المكلف، والآية حسب فهمنا إنما أفادت إستثناء ما ظهر دون قصد، فكيف يسوغ حينئذ جعله دليلاً شاملاً لما ظهر بالقصد؟! فتأمَّل .
ثم تأمَّلت، فبدا لي أن قول هؤلاء العلماء هو الصواب، وأن ذلك من دقة نظرهم رحمهم الله ، وبيانه : أن السلف اتفقوا على أن قوله تعالى:{ إلا ما ظهر منها } يعود إلى فعل يصدر من المرأة المكلفة، غاية ما في الأمر أنهم اختلفوا فيما تظهره بقصد منها، فابن مسعود يقول : هو ثيابها، أي : جلبابها.
وابن عباس ومن معه من الصحابة وغيرهم يقول : هو الوجه والكفان منها .
فمعنى الآية حينئذ : إلا ما ظهر عادة بإذن الشارع وأمره. ألست ترى أن المرأة لو رفعت من جلبابها حتى ظهر من تحته شيء من ثيابها وزينتها ـ كما يفعل ذلك بعض المتجلببات السعوديات ـ أنها تكون قد خالفت الآية باتفاق العلماء، فقد التقى فعلها هذا مع فعلها الأول، وكلاهما بقصد منها، لا يمكن إلا هذا، فمناط الحكم إذن في الآية ليس هو ما ظهر دون قصد من المرأة ـ فهذا مما لا مؤآخذة عليه في غير موضع الخلاف أيضاً اتفاقاً ـ وإنما هو فيما ظهر دون إذن من الشارع الحكيم، فإذا ثبت أن الشرع سمح للمرأة بإظهار شيء من زينتها سواء كان كفاً أو وجهاً أو غيرهما، فلا يعترض عليه بما كنا ذكرناه من القصد، لأنه مأذون فيه كإظهار الجلباب تماماً كما بينتُ آنفاً .
فهذا هو توجيه تفسير الصحابة الذين قالوا : إن المراد بالاستثناء في الآية الوجه والكفان، وجريان عمل كثير من النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده كما سترى في النصوص الآتية المتواترة معنى .

عبد المنعم جبر عيسي
14/08/2009, 09:43 PM
قال العلامة الألبانى - رحمه الله - أيضا :
ويعود الفضل في التنبه لهذا التوجيه ـ بعد الله تعالى ـ إلى الحافظ أبي الحسن بن القطان الفاسي رحمه الله تعالى في كتابه القيم الفريد الذي أطلعني الله عليه وأنا أهيئ مقدمة هذه الطبعة الجديدة، ألا وهو : (( النظر في أحكام النظر ))، فقد تكلم فيها بعلم واسع ونظر ثاقب، على كل مسائله، ومنها ما نحن فيه، فنبهني على ما أشرت إليه قوله فيه :
(( وإنما نعني بالعادة هنا عادة من نزل عليهم القرآن، وبلَّغوا عن النبي صلى الله عليه وسلم الشرع، وحضروا به خطاب المواجهة، ومن لزم تلك العادة بعدهم إلى هلم جرَّا، لا لعادة النسوان وغيرهم المبدين أجسادهم وعوراتهم )) .
ثم قال ابن القطان :
(( ويتأيد المعنى الذي حملنا عليه الآية من أن الظاهر هو الوجه والكفان بقوله تعالى المتقدم متصلاً به : {وليضربن بخمرهن على جيوبهن } ، فإنه يفهم منه أن القِرَطَةَ قد يعفيهنَّ عند بدو وجوههن عن تعاهد سترها فتنكشف، فأمرن أن يضربن بالخمر على الجيوب حتى لا يظهر شيء من ذلك، إلا الوجه الذي من شأنه أن يظهر في حين التصرف، إلا أن يستر بقصدٍ وتكلف مشقة، وكذلك الكفان، وذكر أهل التفسير أن سبب نزول الآية هو أن النساء كن وقت نزولها إذا غطين رؤوسهن بالخمر يسدلنها خلفهن كما تصنع النَّبَطُ، فتبقى النحور والأعناق باديةً، فأمر الله سبحانه بضرب الخمر على الجيوب ليستر جميع ما ذكر، وبالغ في امتثال هذا الأمر نساء المهاجرين والأنصار فزدن فيه تكثيف الخمر...)).
ثم قال الحافظ ابن القطان رحمه الله تعالى :
(( فإن قيل : هذا الذي ذهبتَ إليه من أن المرأة معفوٌ لها عن بُدُوِ وجهها وكفيها ـ وإن كانت مأمورة بالسَّتر جهدها ـ يظهر خلافه من قوله تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذَين } سورة الأحزاب ، الآية 28 .
فالجواب أن يقال :
يمكن أن يفسَّر هذا ( الإدناء ) تفسيراً لا يناقض ما قلناه، وذلك بأن يكون معناه : يدنين عليهن من جلابيبهن ما لا يظهر معه القلائد والقرطة، مثل قوله :{ وليضربن بخمرهن على جيوبهن }، فإن ( الإدناء ) المأمور به مطلقٌ بالنسبة إلى كل ما يطلق عليه (إدناء )، فإذا حملناه على واحد مما يقال عليه ( إدناء ) يقضي به عن عهدة الخطاب، إذ لم يطلب به كل (إدناء)، فإنه إيجاب بخلاف النهي والنفي )).
ويلاحظ القُرَّاءُ الكرام أن هذا البحث القيم الذي وقفت عليه بفضل الله من كلام هذا الحافظ ابن القطان، يوافق تمام الموافقة ما كنت ذكرته اجتهاداً مني، وتوفيقاً بين الأدلة : أن الآية مطلقة، كما ستراه مصرحاً به، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
إلى أن قال رحمه الله :
نعم ، حديث عائشة عند أبي داود دليل واضح على جواز إظهار المرأة الوجه والكفين، لولا أن فيه ما بينَّاه في التعليق، إلا أنه من الممكن أن يقال : إنه يُقَوَّى بكثرة طرقه، وقد قوَّاه البيهقي، فيصلح حينئذ دليلاً على الجواز المذكور لا سيَّما وقد عمل به كثير من النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث كن يكشفن عن وجوههن وأيديهن بحضرته صلى الله عليه وسلم وهو لا ينكر ذلك عليهن، وحديث عائشة رواه أبو داود والبيهقي والطبراني وغيرهم وقال أبو داود عقبه : ( وهذا مرسل ، خالد بن دريك لم يدرك عائشة) وقد ورد من طرق أخرى يتقوى بها وقوَّاه البيهقي وذكر أن جماعة من الصحابة قد عملوا بمقتضاه .

عبد المنعم جبر عيسي
14/08/2009, 09:50 PM
يتبع ......

مصطفى البطران
14/08/2009, 11:20 PM
أخي الكريم الحبيب
عبد المنعم جبرعيسي000
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك 000
ونحن بانتظار المزيد بكل سرور 000

عبد المنعم جبر عيسي
15/08/2009, 09:50 PM
وقد استدل العلامة الألبانى رحمه الله بعدة أحاديث تدل على أن الوجه والكفين لا يجب سترهما ، ساق منها :
1ـ ما رواه جابر بن عبد الله رضى الله عنه ، قال : (( شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ، ثم قام متوكئاً على بلال ، فأمر بتقوى الله ، وحث على طاعته ، ووعظ الناس ، وذكَّرَهم ، ثم مضى حتى أتى النساء ، فوعظهن ، وذكَّرَهنَّ ، فقال: تصدقن فإن أكثركنَّ حطبُ جهنم، فقالت امرأة من سِطَةِ النساء [ أي جالسةٌ في وسطهن ] سفعاء الخدين [ أي فيهما تَغَيرٌ وسوادٌ ] ، فقالت : لِمَ يا رسول الله ؟ قال : لأنكن تكثرن الشكاة ، وتكفرن العشير ، قال : فجعلن يتصدقن من حليهن ، يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن )) رواه مسلم ..
قال الألبانى : ( والحديث واضح الدلالة على ما من أجله أوردناه ، وإلا لما استطاع الراوي أن يصف تلك المرأة بأنها : سفعاء الخدين ) أ . هـ .
2ـ وما رواه ابن عباس [ عن الفضل بن عباس ] :
(( أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع [ يوم النحر ] ، والفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ وكان الفضل رجلاً وضيئاً .... فوقف النبي صلى الله عليه وسلم للناس يفتيهم ] )) الحديث ، وفيه :
(( فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها ، وكانت امرأة حسناء ، ( وفي رواية : وضيئة ) ، ( وفي رواية : فطفق الفضل ينظر إليها ، وأعجبه حسنها ) ، [ وتنظر إليه ] ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذقن الفضل ، فحوَّل وجهه من الشق الآخر )) رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لأحمد من حديث الفضل نفسه :
(( فكنت أنظر إليها ، فنظر إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فقلب وجهي عن وجهها ، ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها ، حتى فعل ذلك ثلاثا وأنا لا أنتهي )) .
ورجاله ثقات ، لكنه منقطع إن كان الحكم بن عتيبة لم يسمعه من ابن عباس .
وروى هذه القصة علي بن أبي طالب رضى الله عنه ، وذكر أن الإستفتاء كان عند المنحر بعدما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة ، وزاد :
فقال له العباس : يا رسول الله ! لم لويت عنق ابن عمك ؟ قال : رأيت شاباً وشابةً فلم آمن الشيطان عليهما )) رواه الترمذي وقال : حسن صحيح، ورواه أحمد والضياء في المختارة وإسناده جيد .
( والحديث يدل على ما دل عليه الذي قبله من أن الوجه ليس بعورة ، لأنه كما قال ابن حزم :
(( ولو كان الوجه عورة يلزم ستره ؛ لما أقرها على كشفه بحضرة الناس ، ولأمرها أن تسبل عليه من فوق ، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء )) .
ثم قال الألبانى :
وفي (( الفتح )) :
(( قال ابن بطال : في الحديث الأمر بغض البصر خشية الفتنة ، ومقتضاه أنه إذا أُمنت الفتنة عليه لم يمتنع .
قال : ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم يحول وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإعجابه بها ، فخشي الفتنة عليه . وفيه مغالبة طباع البشر لابن آدم ، وضعفه عما ركب فيه من الميل إلى النساء والإعجاب بهن . وفيه دليل على ان نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالاستتار ، ولما صرف وجه الفضل .
قال :
وفيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضاً ، لإجماعهم على أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة ، ولو رآه الغرباء )) .
قال العلامة الألبانى : ( هذا كله كلام ابن بطال وهو متين جيد ) .
غير أن الحافظ تعقبه بقوله : (( قلت : وفي استدلاله بقصة الخثعمية لما ادعاه نظر لأنها كانت محرمة)).
قلت – أى الألبانى - : كلا ، فإنه لا دليل على أنها كانت محرمة بل الظاهر خلافه ، وقد ذكر الحافظ نفسه أن سؤال الخثعمية للنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان بعد رمي جمرة العقبة أي بعد التحلل .
3ـ ما حكاه سهل بن سعد رضى الله عنه :
(( أن امرأةً جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [وهو في المسجد ]، فقالت يا رسول الله ! جئت لأهب لك نفسي ، [ فصمت ، فلقد رأيتها قائمةً ملياً ، أو قال : هويناً ] ، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصعَّد النظر إليها وصوَّبه ، ثم طأطأ رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقصد فيها شيئاً جلست )) الحديث رواه البخاري ومسلم .
4ـ ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها قالت :
(( كنَّ نساءُ المؤمنات يَشْهَدْنَ مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يُعرفن من الغلس )) رواه البخاري ومسلم .
قال الألبانى :
( ووجه الإستدلال بها هو قولها : ((لا يُعرفن من الغلس )) ، فإن مفهومه أنه لولا الغلس لعُرفن ، وإنما يُعرفن عادةً من وجوههن وهي مكشوفة ، فثبت المطلوب ) .
وقد ذكر معنى هذا الشوكاني عن الباجي ، ثم وَجدتُ رواية صريحة في ذلك بلفظ :
(( وما يَعرفُ بعضُنا وجوهَ بعض )) رواه أبو يعلى في مسنده بسند صحيح عنها .
5ـ ما روى عن فاطمة بنت قيس :
((أن أبا عمرو بن حفص طلَّقها ألبتة ( وفي رواية : آخر ثلاث تطليقات) ، وهو غائب ... فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ...فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ، ثم قال : تلك امرأة يغشاها أصحابي ، اعتدِّي عند ابن أم مكتوم ؛ فإنه رجلٌ أعمى تضعين ثيابك [عنده ]، (وفي رواية : انتقلي إلى أم شريك ـ وأم شريك أمرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل الله ، ينزل عليها الضيفان ـ فقلت : سأفعل ، فقال : لا تفعلي ، إن أم شريك كثيرة الضيفان ، فإني أكره أن يسقط خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك ، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله ابن أم مكتوم [ الأعمى ] .... وهو من البطن الذي هي منه [ فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك ] ، فانتقلتُ إليه ، فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي ينادي : الصلاة جامعة ، فخرجت إلى المسجد ، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قضى صلاته جلس على المنبر، فقال : إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ، ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً ، فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال .... ) )) الحديث ، رواه مسلم .
قال الألبانى :
( ووجه دلالة الحديث على أن الوجه ليس بعورة ظاهر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ ابنة قيس على أن يراها الرجال وعليها الخمار ـ وهو غطاء الرأس ـ فدل هذا على أن الوجه منها ليس بالواجب ستره كما يجب ستر رأسها ولكنه صلى الله عليه وسلم خشي عليها أن يسقط الخمار عنها فيظهر منها ما هو محرم بالنص ، فأمرها عليه الصلاة والسلام بما هو الأحوط لها ، وهو الانتقال إلى دار ابن أم مكتوم الأعمى ؛ فإنه لا يراها إذا وضعت خمارها وحديث (( أفعمياوان أنتما ؟! )) ضعيف الإسناد ، منكر المتن ؛ كما حققته في الضعيفة (5958 ) . ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا وضعت خمارك )) ؛ أي : إذا حطته ؛ كما في كتب اللغة .
وينبغي أن يُعلم أن هذه القصة وقعت في آخر حياته صلى الله عليه وسلم ، لأن فاطمة بنت قيس ذكرت أنها بعد انقضاء عدتها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بحديث تميم الداري ، وأنه جاء وأسلم .
وقد ثبت في ترجمة تميم أنه أسلم سنة تسع ، فدلَّ ذلك على تأخر القصة عن آية الجلباب ، فالحديث إذن نصٌ على أن الوجه ليس بعورة ) .
6ـ ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما :
(( قيل له : شهدتَ العيدَ مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته ، حتى أتى العَلَمَ الذي عند دار كثير بن الصلت ، فصلَّى [ قال : فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، كأني أنظر إليه حين ُيجلِسُ الرجالَ بيده ، ثم أقبل يشقهم ] ، ثم أتى النساء ومعه بلال ، [ فقال : { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً }، فتلا هذه الآية حتى فرغ منها، ثم قال حين فرغ منها: أنتن على ذلك ؟ فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن : نعم يا نبي الله ! قال: فوعظهنَّ ، وذكرهنَّ ، وأمرهنَّ بالصدقة ، [ قال : فبسط بلال ثوبه ، ثم قال : هلمَّ لكنَّ ، فداكنَّ أبي وأمي ] ، فرأيتهنَّ يهوين بأيديهنَّ يقذفنه ( وفي رواية : فجعلن يلقين الفتخ والخواتم ) في ثوب بلال ، ثم انطلق هو وبلال إلى بيته )) رواه البخاري .
قال الألبانى :
قال ابن حزم بعد أن استدل بآية الضرب بالخمار على أن الوجه ليس بعورة :
(( فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أيديهن ، فصح أن اليد من المرأة والوجه ليسا بعورة ، وما عداهما ففرض ستره )) .
قلت : وفي مبايعته صلى الله عليه وسلم النساء في هذه القصة ، دليل على أنها وقعت بعد فرض الجلباب ؛ لأنه إنما فرض في السنة الثالثة ، وآية المبايعة نزلت في السنة السادسة كما سيأتي ويؤيده ما ذكر في فتح الباري 2/377 أن شهود ابن عباس القصة كان بعد فتح مكة ويشهد له ما سيأتي .
7 ـ ما روى عن ُسبَيْعَةَ بنت الحارث :
(( أنها كانت تحت سعد بن خولة ، فتوفي عنها في حجة الوداع ، وكان بدرياً ، فوضعت حملها قبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته ، فلقيها أبو السنابل بن بعكك حين تعلَّت من نفاسها ، وقد اكتحلت[ واختضبت وتهيأت ] ، فقال لها : اربعي ـ أي ارفقي ـ على نفسك ـ أو نحو هذا ـ ] لعلَّك تريدين النكاح ؟ إنها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك ، قالت : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت له ما قال أبو السنابل بن بعكك ، فقال : قد حللت حين وضعت )) رواه أحمد من طريقين عنها أحدهما صحيح والآخر حسن وأصله في الصحيحين.
قال الألبانى :
( والحديث صريح الدلالة على أن الكفين ليسا من العورة في عرف نساء الصحابة وكذا الوجه أو العينين على الأقل وإلا لما جاز لسبيعة رضي الله عنها أن تظهر ذلك أمام أبي السنابل ولا سيما وقد كان خطبها فلم ترضه ) .
8 ـ وعن ابن عباس أيضاً ، قال :
(( كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حسناء من أحسن الناس ، [ قال ابن عياس : لا والله ما رأيت مثلها قط ] ، فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه [ وجافى يديه ] ، فأنزل الله تعالى : { ولقد علمنا المستقدمين منكم ، ولقد علمنا المستأخرين } )) رواه أصحاب السنن والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وهو كما قالا.

عبد المنعم جبر عيسي
16/08/2009, 05:46 AM
قال العلامة الألبانى :
( ففي هذه الأحاديث دلالة على جواز كشف المرأة عن وجهها وكفيها ، فهي تؤيد حديث عائشة المتقدم ، وتبين أن ذلك هو المراد بقوله تعالى { إلا ما ظهر منها } ( النور 31 ) كما سبق ، على أن قوله تعالى فيما بعد : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } [ النور: 31 ] يدل على ما دلت عليه بعض الأحاديث السابقة من عدم وجوب ستر المرأة لوجهها ، لأن (( الخُمُر )) جمع خمار، وهو ما ُيغَطَّى به الرأس .
و (( الجيوب )) جمع الجيب ، وهو موضع القطع من الدرع و القميص ، وهو من الجوب وهو القطع ، فأمر تعالى بليِّ الخمار على العنق والصدر ، فدل على وجوب سترهما ، ولم يأمر بلبسه على الوجه ، فدل على أنه ليس بعورة ، ولذلك قال ابن حزم في (( المحلى )) :
(( فأمرهنَّ الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب ، وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر، وفيه نص على إباحة كشف الوجه لا يمكن غير ذلك )) .
إلى أن قال الألبانى :
( ومن الغريب حقاً أن لا يتعرض لبيان هذا الحكم الصريح في الكتاب والسنة كل الذين كتبوا اليوم ـ فيما علمت ـ عن لباس المرأة ، مع توسع بعضهم على الأقل في الكلام على أن وجه المرأة عورة ، مع كون ذلك مما اُختلف فيه ، والصواب خلافه ، كما تراه مفصلاً في هذا الكتاب ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..
هذا ، ولا دلالة في الآية على أن وجه المرأة عورة يجب عليها ستره ، بل غاية ما فيها الأمر بإدناء الجلباب عليها ، وهذا كما ترى أمر مطلق ، فيحتمل أن يكون الإدناء على الزينة ومواضعها التي لا يجوز لها إظهارها حسبما صرحت به الآية الأولى ، وحينئذ تنتفي الدلالة المذكورة ، ويحتمل أن يكون أعم من ذلك ، فعليه يشمل الوجه . وقد ذهب إلى كل من التأويلين جماعة من العلماء المتقدمين ، وساق أقوالهم في ذلك ابن جرير في (( تفسيره)) والسيوطي في (( الدر المنثور )) ، ولا نرى فائدة كبرى بنقلها هنا ، فنكتفي بالإشارة إليها ، ومن شاء الوقوف عليهما فليرجع إليهما .
ونحن نرى أن القول الأول أشبه بالصواب لأمور:
الأول : إن القرآن يفسر بعضه بعضاً . وقد تبين من آية النور المتقدمة أن الوجه لا يجب ستره ، فوجب تقييد الإدناء هنا بما عدا الوجه توفيقاً بين الآيتين .
الآخر : أن السنة تبين القرآن فتخصص عمومه ، وتقيد مطلقه ، وقد دلت النصوص الكثيرة منها على أن الوجه لا يجب ستره ، فوجب تفسير هذه الآية على ضوئها ، وتقييدها بها .
فثبت أن الوجه ليس بعورة يجب ستره ، وهو مذهب أكثر العلماء كما قال ابن رشد في (( بداية المجتهد )) ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن أحمد كما جاء في (( المجموع )) للنووي ، وحكاه الطحاوي في (( شرح معاني الآثار )) ، عن صاحبي أبي حنيفة أيضاً ، وجزم في (( المهمات )) ، من كتب الشافعية أنه الصواب ، كما ذكره الشيخ الشربيني في (( الإقناع )) .
لكن ينبغي تقييد هذا بما إذا لم يكن على الوجه وكذا الكفين شيءٌ من الزينة لعموم قوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن } [ النور: 31 ] ، وإلا وجب ستر ذلك ، ولا سيما في هذا العصر الذي تفنن فيه النساء بتزيين وجوههن وأيديهن بأنواع من الزينة والأصبغة ، مما لا يشك مسلم ـ بل عاقل ذو غيرة ـ في تحريمه ، وليس من ذلك الكحل والخضاب ، لاستثنائهما في الآية .
كما ويؤيد هذا ما أخرجه ابن سعد من طريق سفيان عن منصور عن ربعي بن خراش عن امرأة عن أخت حذيفة ، وكان له أخوات قد أدركن النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت :
(( خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا معشر النساء ! أليس لكنَّ في الفضة ما تحلين ؟ أما إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهباً تظهره إلا عُذبت به ، قال منصور : فذكرت ذلك لمجاهد ، فقال : قد أدركتهن وإن إحداهن لتتخذ لكمها زراً تواري خاتمها )).
هذا، وقد أبان الله تعالى عن حكمة الأمر بإدناء الجلباب بقوله :
{ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } [الأحزاب:59 ] ، يعني أن المرأة إذا التحفت بالجلباب ؛ عُرفت بأنها من العفائف المحصنات الطيبات ، فلا يؤذيهن الفساق بما لا يليق من الكلام ، بخلاف ما لو خرجت متبذلة غير مستترة ، فإن هذا مما يُطمع الفساق فيها ، والتحرش بها كما هو مشاهدٌ في كل عصر ومصر، فأمر الله تعالى نساء المؤمنين جميعاً بالحجاب سداً للذريعة .
والخلاصة ؛ أنه يجب على النساء جميعاً أن يتسترن إذا خرجن من بيوتهن بالجلابيب ، لا فرق في ذلك بين الحرائر والإماء ، ويجوز لهن الكشف عن الوجه والكفين فقط ، لجريان العمل بذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، مع اقراره إياهنَّ على ذلك .
ثم قال فضيلته :
هذا ؛ ثم إن كثيراً من المشايخ اليوم يذهبون إلى أن وجه المرأة عورة لا يجوز لها كشفه ، بل يحرم ، وفيما تقدم في هذا البحث كفاية في الرد عليهم ، ويقابل هؤلاء طائفة أخرى ، يرون أن ستره بدعة وتنطع في الدين ! كما قد بلغنا عن بعض من يتمسك بما ثبت في السنَّة في بعض البلاد اللبنانية ، فإلى هؤلاء الإخوان وغيرهم نسوق الكلمة التالية :
ليعلم أن ستر الوجه والكفين له أصل في السنة ، وقد كان ذلك معهوداً في زمنه صلى الله عليه وسلم كما يشير إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: (( لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين )) رواه البخاري.
والقفاز ما تلبسه المرأة في يديها فيغطي أصابعها وكفيها ليحفظها من البرد ونحوه .
والنقاب الخمار الذي يُشَدُ على الأنف أو تحت المحاجر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (( تفسير سورة النور )) :
(( وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن ، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن )).


* * * *

هذا ولمن أراد الوقوف على تفصيل باقى الشروط التى وضعها الإمام الألبانى رحمه الله للباس المرأة المسلمة ، أو التوسع فى مطالعة الموضوع ، يمكنه مراجعة أصل كتابه ( جلباب المرأة المسلمة ) أو مختصره للدكتور ( حسام الدين موسى عفانه ) الأستاذ المشارك في الفقه والأصول بكلية الدعوة وأصول الدين جامعة القدس .

عبد المنعم جبر عيسي
16/08/2009, 08:18 AM
أخي الكريم الحبيب
عبد المنعم جبرعيسي000
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك 000

ونحن بانتظار المزيد بكل سرور 000

وجزاكم الله خيرا شاعرنا المجيد ..
وتقبل منكم صالح العمل ..
سعدت لمروركم الكريم ..