المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " اليد اليمنى "



فيصل محمد الزوايدي
06/08/2009, 10:19 PM
الــــــيَدُ اليُـــمــنـى ..


مضى الليلُ كَما مَضَت ليالٍ و أُخرى عَلى عَزْفِ نُواحي، كَما مَضى العُمرُ، كما مَرَّ الساربونَ عَلَى نَزْفِ جِراحي .. أُغلِقُ دَهاليزي الـمُعتِمَةَ تـحتَ غِطاءٍ ثَقيلٍ مِنَ الصوفِ و الـخَوْفِ فَتَتَبَدَّدَ سَحائِبُ الـخَدَرِ و تَتَنادى شارِداتُ الأَفكارِ إلـى الانتِظامِ فـي فِكرَةٍ واحِدَةٍ : هذا يَومٌ لا مَثيلَ لَهُ .. لا يَومَ لَهُ مَثيلٌ .. أَقفِزُ مِنَ الـمضجَعِ و أُسرِعُ إلـى الـمغسَلِ ، لَكنّي أَتـجمد أمامَ الـمرآة فهذا الرجلُ ظلَّ ينظرُ إلـي بِـحَيْرَةٍ كأن الإنسانَ لغزٌ .. أَوَ لَيسَ كذلكَ قالَ لـي .. ؟ أَرفُضُ أَنْ أُجيبَه فَما أَظُنُّ فـي العُمرِ مُتَّسعًا للسؤالِ .. أَتَـهَيَّأُ للاغتِسالِ كالعادَةِ فَأَمُدُّ يدي اليُمنـى نَـحوَ حَبلِ الـماءِ الـمُتَدَفِّقِ كالسنين، لا تَـهـدَأُ و لا تَعبَأُ بالـمُتعَبينَ .. أَنظُرُ إلـى اليَدِ الـمُمتَدَّةِ و يتبادَرُ سُؤالٌ يَفْجَأُنـي لِأَوِّل مَرَّةٍ : و لِمَ اليُمنـى ؟ أَلِأَنّـي تَعوَّدتُ ذلكَ .. أَغسِلُ اليُمنـى ثُـمَّ اليُـسرى و أَمسَحُ ظاهرَ الأجفانِ و أَسيرُ كالأَسيـرِ فَأَتَـحَدَّثُ لِأَقولَ باطِلا و أَطـــمَئِنَّ غافِلا و أَضحَكَ نِفاقًا ..أَرتَدي ثِيابًا داكنَةً أَلوانـها لَعَلَّها تَستُرُ عيوبًا لا يستُرُها إلا القَبـرُ مَتـى قُبِرتُ. أرسُـمُ على فَمي اِبتِسامَةً صفراءَ أو بيضاءَ ، سِيانَ فَما عادَ للألوانِ عِندي تَـمايُزٌ.. هُوَ لَونٌ واحدٌ قَاتِـمٌ حالِكٌ لَـن أُخبِرَكُم بِهِ .. وَ أَمُرُّ أمـامَ دُكانِ العـمِّ صالـح ، أُلقـي إلَيْهِ تَـحيَّةَ الصباحِ و أُصافِحُهُ بِيُمْنايَ بِتَوَدُّدٍ ظاهرٍ و أَلعنُهُ فـي سِرّي فَأنا مَدينٌ لَهُ بِـمالٍ أَقرضَنيهِ مُنذُ أَمَدٍ .. أَمضي فـي الطريقِ أَتَتَبَّعُ أعجازَ النساءِ و ما ظَهَرَ مِن زينَتِهن، أَقصِدُ الـمقهى فَما لـي مِن مَلهى غيرها لِأُجالِسَ صحبًا أُشارِكهم لَغوًا و بَغْيًا عَلى الآخرينَ.. أَتَتَبَّعُ على التلفازِ مُطرِبَةً هيفاءَ تكشِفُ ساقَيْها البَديعَتَيْنِ لِتُثبِتَ أنَّ صوتَـها جـميلٌ ، لَكنَّ ساقَيْها لا تُثيرانِ العَناكِبَ الـمُعَشِّشَةَ حولَ الـجهازِ الذي يَبُثُّ صورَتَـها و يَنسى صوتَـها البديعَ..هُـما تُثيـران عَناكِبَ أُخرى تَرتَـدي ثِيابًا أنيقَةً و لَكِنَّها داكنةٌ كَأَثوابـي و لا أدري لِـماذا .. أَقلِّبُ باليُمنى صفحاتِ صُحُفٍ فَأعثُرُ بَيْنَ العناوين على هَزائِم بِأسـماء اِنتِصاراتٍ و لَـمْ أَفهَم يَومًا كَيفَ يَقَعُ ذَلِكَ و لَـم تُفِدنـي دُروسُ اللسانياتِ بِشَيْءٍ. يُقبِلُ الغلامُ مُساعِدُ النادلِ عندَما يُناديهِ أَحَدُ عُقلائِنا بِكُنيَتِهِ التـي تُعَبِّـرُ عَن بَلاهَتِهِ يَسخَرُ مِنهُ بِكلِماتٍ تُثيرُهُ فَتُخرِجُهُ عَن طَورِهِ لِيَتَفوَّهَ بِكَلامٍ فاضِحٍ .. فَنَضحـَكُ لِعَقْلِ صديقِنا و بلاهةِ الآخر .. هذا شطرُ يَوْمي ..ثُـمَّ أَمضي إلَيْها.. أُنثايَ ، عِندَ زاوِيَةٍ مُنعَزِلَـةٍ فـي حَـديقَةٍ أَو مُنتَزَهٍ تَقولُ لـي:" أُحبُّكَ "سَذاجةً و أَقولُ لَـها:" أُحِبُّكِ " اِشتِهاءً و نَبتَسِمُ لِبعضِنا مُصَدِّقَيْنِ فالـحياةُ تَـحتاجُ إلى التصابـي يومًا و إلـى التَّغابـي أيامًا..
تَزدادُ ابتِسامَتُها تَأَلُّقًا عندَما تَبدَأُ أَصابِعُ يَدي اليُمنى فـي العَبَثِ بِأَزرارِ قَميصِها.. ثُـمَّ نَنصَرِفُ إلـى فِعلٍ أكرَهُها بَعدَهُ .. أَعودُ مَكدودًا إلـى البَيتَِ و أَلعَُن العمَّ صالِـح مُـجَدَّدًا بَعدَ أَن تَكونَ يُـمنايَ قَد اِرتَفَعت لإلقاءِ تَـحِيَّةِ الـمساءِ عَلَيْهِ بِـحَميمِيَّةٍ بالغَةٍ ..
و دونَ أَن أُدرِكَ كَيفَ وَقَعَ ذَلِكَ الاتفاقُ : تَراجَعَت اليَدُ اليُمنى خَـجْلى مِن كُلِّ ذَلِكَ و اِندَفَعَت اليُسرى نَـحوَ الـماءِ ِاندِفاعاً عُنفُوَانِـيا غَريبًا لا عَهدَ لـي بِهِ ..


فـيصل الــزوايـــــــــدي

مصطفى البطران
07/08/2009, 07:26 AM
قصة موحية إلى كثير من الأفعال التي نقوم بها باليمنى امتثالا لشرع أو استجابة لدين ولكن بنفس اليمنى يمكن أن نرتكب الكثير من الأفعال التي لا تحمد عقباها

( اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين )
ولكن لي همسة عجلى وتساؤل بسيط وهو: هل اليمين وحده يقوم بفعل الخير وإن كان العرف يقول ذلك؟؟؟ ولكن أين نحن من فعل الخير ولو باليسار ولكن الأخ فيصل يعزف على وتر حساس وجميل ليقول لنا :
لقد كثرت أفعالنا التي لا تحمد عقباها باليمين أما أفعالنا التي لا تحمد عقباها باليسار فهي كثيرة لا تقبل العدّ والحصر 0
الفكرة جميلة ولطيفة تحتاج إلى تأمل يتناولها الكاتب بذكاء وحرفنة ساعدته في ذلك خبرة قصصية كبيرة العبارات واضحة عموما ولكن ذلك لا يضيرها لأنها موحية عموماً0
بطل القصة :هو المسيطر على أحداثها بكل قوة فكل أحداثها له أو من خلاله وتأتي النهاية الجميلة والقفلة التي أراها مدهشة على الرغم من بساطتها بقولك:
و دونَ أَن أُدرِكَ كَيفَ وَقَعَ ذَلِكَ الاتفاقُ : تَراجَعَت اليَدُ اليُمنى خَـجْلى مِن كُلِّ ذَلِكَ و اِندَفَعَت اليُسرى نَـحوَ الـماءِ ِاندِفاعاً عُنفُوَانِـيا غَريبًا لا عَهدَ لـي بِهِ ..

دمت قاصا تعرف كيف تصل إلى المتلقي وتهمس في أذنه ما تشاء بكل لطف 0

ملاك الكون
07/08/2009, 05:11 PM
وااصلواا ف كتاابة هذه القصاائد الجمييلة

طارق شفيق حقي
07/08/2009, 11:11 PM
نص عميق يعج فلسفة وجدانية

وقفت عند صدقه
وقفت عند صراحته
وقفت عند عفة ألفاظه إذ وصف واكتفى بالإيحاء الدال

أخيراً عليك الرحيل أخي في ذلك السبيل
لا سبيل غيره يأويك
كل السبل الأخرى لا تجدي قلبك المتعب

إن يدك القوية لن تحول البراعم زهراً

وكان نفث الحياة كفيلاً أن يحولها زهراً
ويجعل اليد اليمنى ترفع ابتسامة العم صالح رغماً عنه

لك تحياتي

فيصل محمد الزوايدي
16/08/2009, 12:25 PM
قصة موحية إلى كثير من الأفعال التي نقوم بها باليمنى امتثالا لشرع أو استجابة لدين ولكن بنفس اليمنى يمكن أن نرتكب الكثير من الأفعال التي لا تحمد عقباها

( اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين )
ولكن لي همسة عجلى وتساؤل بسيط وهو: هل اليمين وحده يقوم بفعل الخير وإن كان العرف يقول ذلك؟؟؟ ولكن أين نحن من فعل الخير ولو باليسار ولكن الأخ فيصل يعزف على وتر حساس وجميل ليقول لنا :
لقد كثرت أفعالنا التي لا تحمد عقباها باليمين أما أفعالنا التي لا تحمد عقباها باليسار فهي كثيرة لا تقبل العدّ والحصر 0
الفكرة جميلة ولطيفة تحتاج إلى تأمل يتناولها الكاتب بذكاء وحرفنة ساعدته في ذلك خبرة قصصية كبيرة العبارات واضحة عموما ولكن ذلك لا يضيرها لأنها موحية عموماً0
بطل القصة :هو المسيطر على أحداثها بكل قوة فكل أحداثها له أو من خلاله وتأتي النهاية الجميلة والقفلة التي أراها مدهشة على الرغم من بساطتها بقولك:
و دونَ أَن أُدرِكَ كَيفَ وَقَعَ ذَلِكَ الاتفاقُ : تَراجَعَت اليَدُ اليُمنى خَـجْلى مِن كُلِّ ذَلِكَ و اِندَفَعَت اليُسرى نَـحوَ الـماءِ ِاندِفاعاً عُنفُوَانِـيا غَريبًا لا عَهدَ لـي بِهِ ..

دمت قاصا تعرف كيف تصل إلى المتلقي وتهمس في أذنه ما تشاء بكل لطف 0

أعتز بهذه القراءة كثيرا أخي مصطفى .. و ما بين اليمين و اليسار وشائج كثيرة ..
سررت فعلا بهذه التفاعل و ما فيه من اضافة حقيقية
دمت في الخير

فيصل محمد الزوايدي
16/08/2009, 12:26 PM
وااصلواا ف كتاابة هذه القصاائد الجمييلة


شكرا للدعوة الراقية اختي الكريمة
دمت في الخير

فيصل محمد الزوايدي
16/08/2009, 12:27 PM
نص عميق يعج فلسفة وجدانية

وقفت عند صدقه
وقفت عند صراحته
وقفت عند عفة ألفاظه إذ وصف واكتفى بالإيحاء الدال

أخيراً عليك الرحيل أخي في ذلك السبيل
لا سبيل غيره يأويك
كل السبل الأخرى لا تجدي قلبك المتعب

إن يدك القوية لن تحول البراعم زهراً

وكان نفث الحياة كفيلاً أن يحولها زهراً
ويجعل اليد اليمنى ترفع ابتسامة العم صالح رغماً عنه

لك تحياتي

اسعدني كثيرا هذا التفاعل الايجابي مع النص اخي طارق و انا ممتن لاطلالتك الراقيةحقا
دمت في الود