المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة نقدية للمجموعة القصصية اشراقة أمل



علي الصيرفي
05/08/2009, 06:14 PM
اشراقة أمل >?d
القص بيئــة ماديــة تبــدأ مـــن 56./,7
الذات المفكرة وينمي الاختيار


ابتسام شاكوش


بقلم الناقد: علي الصيرفي:p

القص يعكس الاتصال المباشر مع المجتمع
من الممكن إقامة حجج تدل على إمكانية القص وزمانه ، وهذه الحجج تستمد من الوسائل، وذلك العالم الذي بنته الأديبة المميزة ابتسام شاكوش في مجموعتها القصصية (اشراقة أمل) حيث تميل إلى صبغ المكان والزمان بصبغة إنسانية وموضوعية، تنشأ عن الحاجة إلى تنسيق مكانية الهم الإنساني، المتزامن مع القص الناشئ في مجموعتها.
فهي تنظر إلى الآخرين من خلال التكوين الاجتماعي، حيث يتطلب هذا العمل بيئة مادية، مؤلفة من أشخاص،وهي داخل هذا العالم ،فتجدهم مراكز اهتمام يبنى عليهم القص بوصفهم وسائله وأدواته، وهي تسعى إلى البرهنة على أن هناك موجودات قصصية تكوَّن، ويمكن أن تكون فلسفة لا تبدأ من الذات المفكرة، ولا من الفرد وإنما تبدأ من الوجود مع الآخرين، وعلى الرغم من أن القص ليس إلا ذات الكاتبة الواعية فهي تهتم أن يكون لديها ألفاظ تعبر بها عن التفرقة بين نوعية من العلاقة والاهتمام، والانشغال بالآخر ، فالاهتمام عند الأديبة ، أن تبعد الأشياء السلبية عن طريق تفكيرها وبالطريقة نفسها تنشغل بالآخر حيث تحاول أن تسقط عليه صورة إيجابية، وتبتعد عن التعامل مع التجاهل والغباء ، بل تظهر الحقائق بوضوح ودقة تعكس ترتيب المألوف من الأشياء وتبدأ بالارتياب في حقيقة ازدحام المعرفة وسيادتها الشرعية ، فالقص هو نقطة البداية المعترف عليها عند الكاتبة ، وإن كان علينا أن نلاحظ أن هذا لا يقتضي فكرة التعامل مع الوجود ذاته ، بل تعكس الاتصال المباشر مع المجتمع ، وتقيم على هذا الأساس وسائلها القصصية ، وتعالج معرفتها للأسس التي بني على ركائزها الموجود الإنساني والاجتماعي في بيئتها ، فهي ترى أن الآخرين مخلوقات عاطفية تتهرب من الوجدان والاندفاع وأحياناً لاتبالي بعدم قدرتهم على الفهم الدقيق ، فهي مقتنعة بأن الطريقة المألوفة في تناول المجتمع هي طريقة خاطئة تفرز مشكلات مزيفة .
(لو كان أخي متعاطياً للمخدر أو حتى مدمناً عليه لبلعت قهري غصة في حلقي لأن ضرره سيكون محدوداً لكنه لا يتعاطى أياً من الأنواع التي يتاجر بها رغم كثرتها) ص47
إن موضوع الأخلاق بحاجة إلى أن تعيد الكاتبة مراجعتها ومن المفيد أن تجمع خلاصة ملاحظاتها المفترقة عنها ،فهي تعتمد فلسفة تترتب عليها أخلاقيات رؤيتها ،وترفض التقيد الحرفي بالقواعد والقوانين ، وترى أنها أعباء مفروضة على الموجود من الخارج وتجبره على سلوك محدد سلفاً وتمنع الأفراد من تحقيق ذواتهم الأصلية ، ونرى رؤية الكاتبة تسهل على نفسها نقد المواقف المتطرفة من خلال الأخلاق وتبحث عن نقاط الضعف وهي ترى أن من عيوب هذه المواقف ، الفردية والذاتية ، وتحاول تنمية فكرة الاختيار فوق فكرة الحكمة والفضيلة ، وترى الكاتبة أن الأخلاق التي ترتكز علىالقانون هي أخلاق تنظر إلى العادات والتقاليد ، وتحترمها ،أما الطريقة التي تتحدث بها عن الأشياء فهي تراها تجلب الاستقرار ويمكن أن تسبب الركود والوقوع في خطر الجمود ، وإن المخاطر يمكن أن تتقلص عندما نعيد النظر في معنى القانون ، وهي تريد قانوناً يكون متفاعلاً مع الإنسان يندفع نحو إنسانية أكثر اكتمالاً ، وترى أن الاختيار في عدم إلزام نفسها وحدها وإنما التعامل مع البشرية كلها ، فالإنسان يشعر بالألم والضياع النفسي ، وهذا يعني أنه عندما تلتزم الأديبة بعمل ما تدرك بوعي كامل ٍ إنها تختار ما سوف يكونه قرار مجتمعها نفسه فهي لا تستطيع الهروب من المسؤولية التي تسببها التساؤلات والاختيارات التي تعممها للجميع .
فهي ترى أن الإنسان لا يمكن أن يقفز فوق مسؤولياته ، وهو بنظر الكاتبة يؤكد نفسه ، ويصحح ما هو عليه بفضل قراراته وأعماله ، وهذا يعني بالضبط عدم الاعتراف بوجود رسم بياني يحدد مسارات المجتمع،فالقص يقرر بنفسه ما الذي سيكون وأكثر من كل هذا لابد أن يحسم القص المشكلات التي تخص الشخوص الذين يتكلم عنهم،فالقص يتسم بالخصوصية ، وليس هناك نمط كلي لمجتمع يمكن أن يفرض على الكل .
(يراودني علي بيع أرضي ، جيل ملعون لا يعرف أن الأرض أغلى من العرض ، يقولون تدّعي الفقر وأرضك تساوي الكثير ، لا تريد بيعها ، أجرّها وستكفيك، ما لهم ولأرضي) ص58
إن الكاتبة ابتسام شاكوش تبحث عما يقلق الشخوص، وهي تشير إلى أشياء مجددة تدل على سبب نشوء القلق وهي ترى أن القلق لصيق بنا إلى حد أنه يطغى علينا ويخنقنا ، فالقلق يوقظنا من أوهامنا ويجعلنا نواجه مسؤولياتنا ويدفعنا لإدراك وجودنا ، كما أن الكاتبة ترى أن الهم ظاهرة معقدة تتضمن التوجه إلى الأمام ضمن الإمكانات التي تؤدي إلى التوتر مع الأوضاع والحدود الواقعية ، وترى أن هناك استمرار للنقص وعدم التناسب بين الذات وبين ما يلقى في المستقبل ، وهي ترى أن الذات قائمة بالفعل حتى لو ابتعدت عن التواصل مع الغير، وتسمي ذلك شرخاً أو ضعفاً ، لا يستحق اللوم بقدر ما يعني خللاً بالواقع الاجتماعي وضعفاً في عملية التواصل مع الغير ، وهذه الفجوة تحاول الأديبة ردمها بين الواقع والإمكان ، حيث يبدو الاهتمام بالماضي مؤدياً إلى الاضطراب في أغلب العلاقات التي تراها ، فهي تبحث عن وعي مكثف يقوم عليه الفعل المعرفي خوفاً من الوصول إلى شبه الشلل للإرادة الحقيقية ، فتظهر الحالات الأكثر شيوعاً ويبدو اللاتوازن مع الحاضر يتجه بالأفراد نحو الضياع .
(عاد حازم إلى الكتاب ،ففيه وحده العزاء والسلوى يدفن رأسه في مواضيع معقدة ورحلات أسطورية هرباً من التفكير، بأي شيء كان ينسى بذلك نايفه وينسى أمه التي تجلس بين جاراتها وصديقاتها ، تتباهى عليهن بأخيه حسان)ص95
هناك مغزى هام عند الأديبة لاستخدام المعرفة فهي تراها مشاركة بينها وبين الآخرين لتتمكن من معرفة الأشخاص ، ومعرفة الواقع ، فهي تربط نفسها بعلاقات تتضمن الاهتمام بالمجتمع ومشكلاته ، وتؤكد أهمية مشاركة المعرفة في فحص العلاقات الخارجية حيث تهدف من خلال ذلك الوصول إلى الموضوعية وترى أن العرض القصصي يقف أمامها ، وفي مواجهتها فتربط بين الموضوع القصصي والذات ، وتضع كلاً منهما وجهاً لوجه ، علما أنها تؤمن أن معرفة الإنسان لا يمكن ردها إلى معرفة عامة وشاملة ،بل هي نتيجة للوقائع التجربية التي يمكن أن تكسبها معرفة شخوصها المتوترين ، فاللغة بدورها وظيفة للاتصال وتبادل الآراء ،فهي ترى أنه لا توجد لغة خاصة بالمثقفين ، ولغة أخرى للعوام بل هناك لغة تربط الجميع من خلال همومهم ومشكلاتهم وقلقهم، فاللغة ليست بمعزل عن أحد ، حيث يصعب وجود التفكير بدون اللغة ، فاللغة عند الكاتبة ، تجعل الفكر يخرج ويصبح مباحاً للأشخاص ، واللغة عندها ليست ظاهرة بشرية فقط بل هي تحمل القدرة الأساسية للتعامل الإنساني ،
( ثقبت الفراشة جدار شرنقتها الحريرية ، وخرجت تلفتت حولها ، وبهرها ضياء الكون وصخب الحياة ، وراحت تضرب بأجنحتها صفحات الهواء ، بجناح أخضر حلقت في الفضاء ، والتقت به ، تعارفا تحدثا لحظة ، هبت نسمة قوية فرقت بينهما بعد أن تعاهدا على اللقاء ) ص75
قد يبدو أن الكاتبة تتجه إلى إظهار العلاقات بين الأشخاص على أن تظل في مستواها الأصيل وهي تحاول الاعتراف بأنه لا يوجد تحديد دقيق للوجود الإنساني الأصيل مع الآخرين بطريقة واضحة ومميزة ، لترسل من خلاله أملاً أرادته غيماً يحمل معه المطر لتلك الأرض الجرداء.