المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العرب والكاوبوي



علي طه النوباني
20/01/2006, 10:00 PM
العرب والكاوبوي



بقلم : علي طه النوباني

قد تختلف الاجتهادات في معرفة مدلولات الألفاظ والاصطلاحات وقد يصل الأمر في حالات نادرة إلى أن تدل اللفظة على الشيء وضدِّه في الوقت نفسه، أما في حالتنا العربية فتتحوَّل هذه الندرة إلى كثرة وبخاصة إذا ما كنا بصدد الحوار مع الثقافة الإنجلوأمريكية التي ما زالت تحتفظ بشوفينية طاغية على الرغم من تغليفها بالثياب المزركشة كحقوق الإنسان والليبرالية والديموقراطية وغير ذلك ، والتي ما كان للغرب أن يلبسها لولا اعتماده على نهب خيرات الشعوب التي ضلت الطريق وجاءها زمن البوار والضياع.
الجنون الذي ينتج عن الإحساس العميق بالظلم يتفق العالم الآن على تسميته بالإرهاب ، وتُصادق الأنظمة العربية بكل فرح على هذه الدوغمائيَّة مُنتهزة الفرصة لتعزيز شكلها المخابراتي البوليسيَّ القميء ، ومزوِّدة إيّاه بالحدِّ الأعلى من العجرفة والحجم الأكبر من البساطير من أجل الدَّوس على أحلام الأطفال الصِّغار قبل الكبار ، ومن أجل تخنيث ما تبقى من معالم الأصالة الثقافيَّة للإنسان العربي .
لقد تأكَّد أنَّ حقَّ العودة للاجئين الفلسطينيين أصبح في قاموس عالم اليوم وبالإجماع تقريباً يعني العودة إلى الرفيق الأعلى ، وليس إلى أرض الآباء والأجداد كما شاهدنا في مخيم جنين ورفح وصبرا وشاتيلا وغيرها .
الخطابات المطوَّلة التي تتحدَّث عن الحريَّة والديمقراطية وحقوق الإنسان إنَّما يتمخَّض عنها في النهاية دعم لأنظمة دكتاتورية فاسدة ، وتسويغٌ لشكلٍ ديمقراطي كاذب يقتصر على انتخابات مفبركة لممثلين يصادقون على أعمال السلب والنهب ؛ بل ويشاركون في هذه الأعمال أنَّى طالت أيديهم ، وينالون بذلك إشادة الديمقراطيات العريقة وثناءها المفرط على رموز الفساد وتجار البلاد .
الإعلانات في بعض العواصم العربية تؤكِّد حريَّة الذكور في تشقير شعرهم أو جعله أزرقَ أو حتَّى برتقالياً ووضع الحَلَقِ في آذانهم وتحمير شفاههم وربّما تغيير جنسهم ، وتكتب بالبنط العريض على هذه الإعلانات" حرّية على طول" ، ولكنَّها لا تشير أبداً إلى إمكانية الحديث ومجرّد الحديث في محاسبة قطاعي الطرق والحراميَّة الذين يجبون آلاف الضرائب من أجل التنزُّه في الريفيرا وبيكادلي والتنقل في منتجعات البذخ وموائد النذالة .
وهكذا لم نحصل نحن العرب من عصر الديمقراطية المزعومة الذي تحمل لواءه الولايات المتحدة الأمريكية إلا على أنظمة شمولية فاسدة عنقائية التكوين ،قادرةٍ على تجديد ارتباطها بالمشاريع الأمريكية على حساب مصالح شعوبها وتطلُّعاتها ، وبدلاً من أن يكون لنا ربٌّ واحدٌ نعبده كما هو الحال في ثقافتنا ، تكاثر الأرباب حتى أنَّنا لم نعد نعرف قِبْلَةً نُوَلِِّّ شطرها ولا لغة نتحدّث عن مأساتنا من خلالها ، ولا طريق الذهاب فنذهب ولا طريق الرجوع فنرجع .
ماذا بقي لنا في هذا العالم المجنون الذي يتلاعب بالأسماء والمسميات إلى حدِّ التعمية ، فينحاز بقوَّة إلى حقِّ اليهود المفترض في العودة إلى فلسطين بعد غياب أكثر من ألفي عام ولا يتعاطف مع حق الفلسطينيين الذين ما زالوا يحملون مفاتيح بيوتهم .
لقد قرأنا منذ طفولتنا المبكرة في كتب التربية الإسلامية عن عدالة عمر ، وفي الوقت نفسه شاهدنا رجل الكاوبوي على شاشة التلفاز ، أعجبتنا اليوتوبيا الشرقية بإنسانيتها الظاهرة للعيان في الوقت الذي أشعرتنا بالإثارة والدهشة فجاجة رجل الكاوبوي وهو يقتل العشرات من المسلحين وغير المسلحين دون أن يهتزَّ له رمش عين أو تنزف منه قطرة دماء ، لم نكن إذاك ندرك الخداع البصريَّ الذي انطوت عليه مثل تلك المشاهد كما لم نكن ندري بأنَّ تطبيقها العمليَّ الأوسع سيكون هنا في منطقتنا ...
كانت مشاهدة الكاوبوي من خلال أجهزة التلفزة المحلية في السبعينيات من القرن الماضي وفي غياب الفضائيات هي الوحيدة ربَّما التي مرت عبر أنظمة الرقابة والفلترة المحكمة الإغلاق ، حيث كان خبر في إحدى الصحف لا يعجب السلطة- على صحَّته- يستوجب إغلاق الصحيفة أو منع دخولها إلى البلاد إلى أجل غير محدود ... هل كان ذلك عبثاً ... تسكين المناضلين والمثقفين في الزنازين والسراديب واستفراد الكاوبوي بأجهزة الإعلام ، وتمرير حالة الدهشة التي تصل الآن إلى مرحلة تزريق الشعر الذكوريِّ وتشقيره ... أما يشي ذلك بشيءٍ ما ... لسنا نحتاج إلى ذكاء أرسطو وحكمة فارس لنعرف أنَّ هذه الأنظمة قد تواطأت منذ زمن بعيد لرسم هذا المستقبل الذي نعيش فيه الآن ... وأيُّ مستقبل ؟
تهبط أحذية المارينز على سعف النخيل مدججين بالأسلحة ، لا يحملون أيَّ عاطفةٍ نحو دجلة والفرات ، ولا نحو بغداد حاضرة العصور الوسطى ولا تجاه الإرث العظيم لحضارات العراق القديمة المختزنة في متاحف ومكتبات العراق ... تهبط هذه الأحذية القذرة لتحرر الشعوب من السلاسل التي وضعتها في أيديهم ذات يوم ، وعملت على صيانتها وإدامتها ، وتستبدلها بسلاسل قطّاعي الطرق واللصوص الذين تخرَّّجوا من مدارس اللصوصيَّة الأمريكية والكاوبوي ورامبو حتى ملَّ الناس بلادهم، وخرج العلماء والشعراء ورجال الدين وحتى بنات الليل من البلاد وتمنى الناس جميعهم الهجرة حتى لو كانت إلى مجاهل إفريقيا .

محمود الحسن
20/01/2006, 10:52 PM
الكاوبوي الامريكي يتجول في بلادنا كلهاو يعتقلنا في غوانتنامو و أبو غريب يملي علينا نظرياته في الديمقراطية حتى حاول أن يغير لنا ديننا
لكن ما زال هناك فرسانا لا يشق لهم غبار. أصبحت مهمتهم لا ان يجاهدوا .. ولا أن يهزموا الكفر ..بل وقعوا في اسر الكاوبوي العربي
تحياتي للكاتب