المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مدارس التسول



علي طه النوباني
20/01/2006, 09:56 PM
مدارس التسول


علي طه النوباني

ليست المدرسة فقط مكانا يتعلم فيه الإنسان ويكتسب المعارف والسلوكات .الدولة أيضا مدرسة ، ومع الأسف فقد كانت هذه المدرسة في بلاد العرب كارثية الخريجين ومأساوية التطور من حيث قلبها للمنظومة القيمية للناس ، وإعادة التشكيل القسري للأخلاق بما يضمن إيجاد إنسان خانع مستسلم يقبل بالأشياء التي كان من المستحيل أن يقبل بها في يوم من الأيام.
جميعنا نعلم أن دخل السواد الأعظم من الناس في بلاد العرب وبخاصة في الدول غير النفطية لا يكاد يكفي للخبز الجاف الذي يورث أعراض المجاعة والأنيميا ، ولكن المفارقة أن يتم فصل جزء من المال العام لمن يسرفون في التذلل للأنظمة ويمزقون ثيابهم ويشحذوا عليها ، وهم في غالبيتهم أفضل حالاً من بقية المدعوسين الذين لا تسمح لهم أخلاقهم ولا نفوسهم الأبية بالتسوُّل. وهكذا يتم مكافأة الأقلِّ حياءً والأكثر وقاحةً وتشجيع بقية الناس على أن يتمتعوا بمثل هذه الأخلاق ، كما يتم الحطُّ من قيمة العمل لأن التسوُّل على هذه الطريقة قد يقدم مستوى حياة أفضل من حياة الذين يكدحون ويعملون .
أي مدرسة تلك التي تشجِّع التسوُّل ، وتمنح الأوسمة للانتهازيين والأنذال ، وأي عقلية هي تلك التي تتكون استجابةً لمنطق شراء الولاء بدلا من دعم الكفاءة ، والانتقاء العشوائي بدلا من تعزيز التميز والنجاح والعمل.
هنالك مثل شعبي شائع يقول ما معناه أنه إذا قام مجنون بإلقاء حجر في بئر فإنَّ مائة عاقل لا يستطيعون إخراجه ، وهذا ما يحدث في بلادنا العربية ، لقد كثر المجانين الذين يلقون الحجارة في البئر حتى أنه لم يبق فيها متسع إلا لقليل من المياه .
وهكذا فإن أي شخصٍ في العالم يتساءل عن فكرةٍ غرائبية أو تقليعة عجيبة حتما سيجدها في بلاد العرب :
من يستطيع تحويل الدولة إلى مدرسة للتسول ؟
العرب
من يستطيع أن يحول الدولة إلى عصابة للفساد ؟
العرب
من يستطيع أن يحول الإنسان إلى حشرة قميئة؟
العرب
إذا جرب شخص أن ينشئ مصلحة خاصة لكي يتذوق طعم الكرامة ، فإنه يستدين رأس المال عبر إجراءات بيروقراطية تشبه مراحل تأسيس دولة ويستهلك ما يزيد عن نصفه في المواصلات والرسوم والضرائب وضرائب الضرائب والفوائد وفوائد الفوائد ، ثم يبتلي بنظام ضرائبي يسحق أصحاب المشاريع الصغيرة ؛ ويعيده إلى الخانة الأولى التي بدأ منها ... مدرسة التسول .
وإذا جرب آخر أن يكتفي بدخل وظيفة بسيطة فإنه يتحول إلى مديونير للبنوك وإلى عامل غير ماهر في كافة المهن والصنائع ، يحاول إصلاح كل ما يخرب في بيته لأنه لا يستطيع أن يدفع الأجور ، فهو نصف نجار وربع حداد وخمس سباك وهو حلاق يجمع أطفاله ويجز فروة رؤوسهم كما الأغنام ، لكي يوفر لهم ثمن الخبز ... وبالمقابل يغلق الكثيرون من أصحاب المشاريع الصغيرة أبواب مشاريعهم على كم وافر من الديون ، ويؤولون إلى السجون أو إلى مدرسة التسول.
قبل فترة قريبة ناقشت واحدا من أبرز منظري الإصلاح الحداثي الذين يتحدثون عن إصلاح الاقتصاد دون أي اعتناء بالإصلاح السياسي ، تشدَّق كثيرا بالحديث عن أن الناس جبناء ولا يمتلكون روح المغامرة ، وقال أن الحل هو نشر روح المغامرة بين الناس حتى لو كان ذلك عن طريق أفلام الكرتون وسخافات رامبو المثيرة .
كم كرهت هذا الأسلوب الفجّ الذي يجتزئ الأفكار من سياقاتها ويشبع الضحية لكماً والجاني واقفٌ يقهقه مثل ماردٍ أسطوريّ ، فجميعنا يعرف أن للمغامرة شروطا ليس أولها أن يكون هنالك احتمال للربح حتى لو كان ذلك الاحتمال ضعيفاً ، وليس آخرها أن يمتلك الإنسان شيئا يغامر به، كما أن الأساس فيها أن يكون الإنسان حرا يمتلك كيانه وشخصيته ، ويستطيع أن يعبر عن رأيه بأعلى صوته لأن المغامرة سلوك إنساني يهدف إلى الحياة وليس إلى الانتحار .
وعودا على بدء فقد تشرب الناس في هذه المدارس الكبيرة المنتشرة على أرضنا العربية أن هنالك من يفكر عنهم ويخطط لهم ويقرر طريقة لباسهم ويختار لهم ديانتهم وكيفية أداء صلواتهم، فكانوا بذلك إلا قليلا منهم نتاجا مفرطاً في التبعية تماماً مثل دولهم غير قادر على إنتاج الأفكار ولا تنفيذ الأقوال أو حتى التصريح بها ... إذا حكى شيئاً تأتأ وإذا واجه مسؤولاً تعتع وإذا قرر أمرا تردد ألف مرة .كما تعوّدوا على أن الرزق له باب واحد هو باب المنح التي تقدمها الدولة ضمن برامجها المكثفة لتعليم التسول وتخريج المتسوّلين.
وإنني وهذا الحال أتساءل كم من الزمن يلزمنا لإخراج الحجارة من البئر ، وإصلاح ما أفسده الدهر وإعادة الإباء والشجاعة والثقة للإنسان العربي الذي تعرض لبرنامج ممنهج للتخنيث والتشويه ، وإنني أنظر بمزيد من الاحترام والأمل إلى أولئك المفكرين الكبار الذين ما زالوا قابضين على جمر النضال النزيه على الرغم من الظروف القاهرة والمنافي ، متصلين بالجماهير العربية بما توفر لهم من أدوات الاتصال أمثال الأساتذة الكبار الطيب تيزيني وبرهان غليون وغيرهم لإخراج الحجارة من البئر وإحياء نهضة عربية عقلانية تتفاعل ولا تكتفي بالانفعال، وتشارك ولا تكتفي بالتلقي، وتنتج ولا تكتفي بالاستهلاك.

محمود الحسن
21/01/2006, 10:50 PM
التسول الذي تحدثت عنه عزيزي هو شغلة اللي ما لو شغلة أو هي من اختصاص هؤلاء الذين رفضتهم اختصاصاتهم الحقيقية لكن رغم كل ذلك ستنقرض هذه المدارس هي و خريجيها باذن الله لكن متى وكيف؟؟
تحياتي لك