المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نص غير مكتمل



أحمد غانم عبد الجليل
20/06/2009, 11:28 AM
نـص غـيـر مـكـتـمـل
ـ قصة قصيرة ـ

احتجزه سحرنومها على جنبها الأيمن في مكانه لمدة، يرقب سكون جسدها فوق الفراش، تفاصيله، انحناءاته المشتهاة، استكانة وجهها الدائري الجميل إلى ذراعها الحليبية، أطراف شعرها الأسود المتناثرة على الوسادة، تتناوشه نوايا غريبة وحشية، تقاطع إحداها الأخرى بحدة و سرعة ومض البرق الخاطف، سرعة خطوه نحو الخارج ...
يطول الطريق به نحو شقة صديقتها، كانا قد زاراها و زوجها عدة مرات، تفاصيل المكان تتناثر أمامه عبرالشوارع التي تمرق بها السيارة سريعا، لا يكاد يقطع مسافة حتى ينتظر أول استدارة يصلها ليعود من حيث أتي، ومن ثم يغير من مساره نحو الاتجاه المعاكس، من يبصر السيارة من أعلى يجدها تدور في شبه حلقة مغلقة، تتسع تارة وتضيق أخرى، تتشنج قبضتاه على المقود بوتيرة متزايدة، حبات منفرطة من مسبحة طويلة تواصل تدحرجها داخل رأسه، تضخم الطنين الذي رافق عودته المتأخرة للمنزل، كما أضحت عادته في الأونة الأخيرة ...
((صرت لا أذهب إلى تلك الكافتريا إلا لأرقبه و تصرفاته عن كثب، لأعترف بذلك، ارتشافه الشاي ـ طلبه الوحيد ـ بتمهلٍ شديد، تدخينه للسجائر التي يستلها فرادا من جيب قميصه غير المكوي، شعره الكث و شعيرات لحيته المبعثرة على وجهه الذابل، عرفته منذ أول مرة رأيته فيها، ولكني ترددت في البداية بالاقتراب منه وتذكيره بصديقة أخته القديمة، كثيرة التردد إلى بيتهم أثناء فترة الدراسة وحتى سفري برفقة زوجي إلى هنا، ولكن مخاوفي من عدم رؤيته مجددا حفرتني في النهاية على الدنو منه، محادثته عن أخته التي ارتحلت هي الأخرى مع زوجها وطفلهما إلى الدنمارك، أتراسل معها عبر البريد الألكتروني في فترات متباعدة، يخبو حماسها و حميميتها حينا بعد حين، تفاجأت أنه لم يخفِ عني شيئا من بؤس واقعه، فيما كنت أخفض وجهي خجلا مما وصل به الحال ...
لا أدري كيف باغتتني تلك الفكرة الغريبة الجريئة و كيف استطعت إقناعه بها، ركبنا سيارة أجرة نحو شقة صديقة لي، سافرت منذ فترة وعائلتها إلى كندا لنيل الإقامة هناك وتركت لدي المفتاح، فتحت باب الشقة ودخلت بينما ظل متسمرا على العتبة في وجل، قدته من يده نحو الداخل، أخذ ينظر من حوله كالمشدوه وأنا أفتح النوافذ لولوج الشمس المكان ... أخبرته بأنه سيقيم هنا مؤقتا لحين تدبير أموره، خاصة وإنه لا يملك إذن إقامة، بدلا من قضاء لياليه عند هذا أو ذاك من أصدقائه، أو في غرفة ضيقة ضاجة بالأنفاس والروائح الخانقة، ما أن يحاول أن ينقلب من جانب لآخر حتى يجد نفسه مرتطما بجسد من ينام ملتصقا به كعروسين يمضيان شهر العسل، أو ربما تحت أغصان شجرة أو سعف نخلة في أحد المتنزهات العامة حتى يأتي عامل البلدية لإيقاظه بزغدة غاضبة من عصا مكنسته ...
عبأت له الشقة بشتى أصناف المأكولات والمشروبات، بلا أن أعطيه فرصة للرفض، متشاغلة عن شحوب الخجل الذي يتلبسه بأحاديثٍ مبعثرة أسَجي بها الوقت الذي صرت لا أريد له الإنقضاء و أنا أستمتع بمسؤولية متزايدة نحو ذلك الشاب التائه في مغبة الحياة، و لكنه رفض أن يلبس أيا من الثياب الذي استلبتها من ملابس زوجي الكثيرة, بلا أن ينتبه لذلك، كما لم يعد يتنبه لأمور و أمور منذ فترة طويلة ...........))
مذاق الشاي الحار كان حاد الحرقة في المعدة الخاوية، لم يستطع تناول لقمة من طعام العشاء الذي اعتادت زوجته تحضيره له قبل أن تخلد للنوم، قدر المستطاع باتت تتحاشى مزاجه المتأرجح تأرجح أسعار البورصة، ما أن ترتفع نقطة، أو عدة نقاط في أحسن الأحوال حتى تعاود التهاوي من جديد، يستفزه استغراقها في عالمها الوردي الشفاف، تتابع دوما بعثرات نشرها في المواقع و المنتديات الألكترونية, بالإضافة إلى بعض الصحف و المجلات الأدبية، تزهز في عينيها فرحة طفلة نالت أحسن الدرجات لدى قراءتها إسمها ببنط بارز بعض الشيء، أو عند التبحر في تعليق أو قراءة حول مجموعتها القصصية الوحيدة و التي لم تدر عليها أي عائد ، تتمطى جذَلا بما يسبغ هذا الناقد أو ذاك على نصوصها من إطراء ...
اهنئي يا حبيبتي بموسيقى حروفك و أنغام جملك التي لا أعرف كيف يتم انهيالها عليك بذلك التدفق السحري حتى تكتمل نصوصك بالانسجام الذي يروق لأولئك السابحين في لجة خيالك، و أتركيني أواجه بمفردي زوابع الريح العاتية ...
فضول غريب دفعه إلى فتح كومبيوترها القريب منه ليواجهه هذا النص الغريب، كأنها ترويه له بصوتها الحنون، المشتاق إليه أكثر من أي وقت آخر، وصل إلى هذه الفقرة أم التي قبلها ؟ لا يهم ...
((عبثي, كل الرجال عبثيون بطبيعتهم، لا أود أن أنبهه إلى ضرورة الاهتمام بالنظافة خاصة في شقة لا يملك ولا أملك فيها شيئا، لئلا أثير المزيد من حساسيته فيصر على ترك المكان، وقد أصبحت حاجتي إلى وجوده قريبا مني، ولو لبعض الوقت، بعيدا عن منغصات الحياة التي فرضت علي منذ سنوات في هذه الغربة المقيتة، أضعاف حاجته إلي كنجدة أرسلها إليه الله في الوقت الذي حاده تفكيره مرارا نحو الانتحار ...
صرت أنتهز فترات غيابه غير الطويلة لتنظيف الشقة بأسرع وأبرع ما أستطيع، بمتعة المتزوجة حديثا من حبها الأول ...
أحبك ... لا أدري أي جرأة واتته لقولها، بعينين تتجرعان المرارة منذ أعوام, لم أشعر بدنوه منى، التصاقه بي، عناقه الحار اخترقني بسحرٍ عجيب، لم أملك أن أفعل إزاءه شيئا، لا الانصياع و لا نفور الرفض، كنت أنظف الغرفة الصغيرة التي أمسى ينام فيها حينما فاجأني بعودته بعد دقائق من خروجه، و كأنه قد نسي شيئا و أتى لأخذه، اندمج وقوفنا بمحاذاة السرير الذي لم أنته من ترتيبه بعد، كان الشباك المقابل مفتوحا، تدخل عبره نفحات من هواء حار، صرت أنز عرقا يغزارة شديدة، لف جسدي كشلال متدفق لا سبيل لإيقافه، والمجنون كما لو كان يعرف كل ما تهس به نفسي الفوضوية، دون أن يراودها خوف أو حياء من شيء، أتلك كانت صرخات شبقنا الأولى ؟ لا أصدق ...))
نحي وجهه الممتعض عن الشاشة بعنف، ابتلع ريقه، تنفس ومن ثم بصق أنفاسه باشمئزاز، دخن سيجارة بحرقة، تلاها بأخرى، تمرغا أمامه فوق السجادة، لا يتوارى عنه أي تفصيل مما حفلت به الأسطر التالية، وكأنها بالكاد تلقط أنفاسها لدى كتابتها الجارفة ...
أتركه يعيد تشكيل تفاصيل جسدي وروحي بين يديه كقطعة صلصال، قد يصوغني عروس بحر انتشلها من الأعماق المظلمة، تعتلي صخرته الولهى، ظمأها يتشرب المسك الناضح من مسام جسدها اللؤلؤي، يرتعش مع مرمرية الموج تحت ظفائر شمس صافية أشرقت لأجلهما فقط، أو راقصة باليه تنقر الأرض بأصابع قدميها، يداها تخفقان عاليا نحو الأفق الرحب، تحيل العالم إلى مسرح كبير يشهد ولادتهما ...
كان جنينا أشهق مخاض ولادته، وليدا يرضع و يبلل نهدي بدموعه، طفلا يعبث بكل ما حوله، صبيا يجابه غموض مغامرته الأولى، مراهقا نزقا لا يحد من جموحه شيئا، رجلا تمهر خصوبته نفائسي بعنفوان غريب ... تمنيت لو عرف ذلك الغافل شيئا من وهج الحياة الذي يعبره بلا دراية منه ...
من العسير عليه الآن تذكر آخرمعاشرة، شبه صامتة، تلهث عبث الرتابة تمت بينهما ... أي تفصيلة عنها، أي تمرد عما اعتاداه بعد مرور أشهر عدة على زواجهما ... كان منتشيا بصفقة مربحة، أم يداري طعنة هزيمة مالية، يستقبل مفاجآتها وتبعاتها منذ نهوضه من نومه القلق، اتصالات هاتفية متواصلة، طالب و مطلوب، صوته الحاد قلما يكف عن الصراخ، تخدشت حباله الصوتية أكثر من مرة، فكاد يفقد قدرته على النطق تماما ...
يحبها بهوس، وفي كل الأحوال، في أكثر أوقاته العاصفة، ما من إمرأة تستطيع احتماله سواها، يوقن بذلك جيدا، رغم سكونها حينا وتجهمها في وجهه ومقاطعته وتهديده بتركه والعودة إلى بلدهما في أي وقت حينا آخر ...
أدار مقود السيارة بقوة نحو شقة صديقتها ... إنها حامل بأكثر من شهرين !!! ...
أظنه يتعاطى الحبوب المنشطة، و أنا لم أكن أهتم سوى بالمتعة التي كان يهبني إياها، بنهمٍ جنوني لا يقاوم ...
عودة إلى الاتجاه الآخر من الطريق ... إنها مجرد هذر قصة غير مكتملة، مكررة الفكرة، أقرب إلى سيناريو فيلم تحاري ضاج بالإثارة الجنسية، تصدر السيارة فرملة قوية ... لا بد أن تستسخفها بدلا من أن تسهب في كتابة تفاصيلها بذلك المجون الغريب عنها، على الأقل حسب ما قرأت من قصصها القصيرة ...
أخذ يعب جرعات كبيرة من قنينة كحول صغيرة كان يخبئها عنها في جيب الباب، فما عاد يميز أي الإتجاهين يسلك، وما تزال تهيمن عليه تصورات كثيرة لدى مواجهته ذلك العاشق المتوله، صاحب اللمسات السحرية التي لم تستطع حتى زوجته المحجبة، دائمة الانتقاد لتركه الصلاة، مقاومتها ...
أخذته البهتة لدى رؤيته جلوسها إلى طاولة في الكافتريا التي شهدت جل أوقات فراغها اللاهجة بالملل, ترتدي ملابس الحداد، تضع نظارة سوداء فوق عينيها المنتفختين، عبر صوت مختنق العبرات، يستنزف بقايا الدمع الكامن في مقلتيها
راحت تروي له مصابها بفقدانها زوجها في حادث اصطدام مروع بعد عدة لقاءات سريعة جمعتهما مصادفة في ذات المكان، استعادت معها بعض ذكريات ميلها القديم نحوه ...
مقاطعة رنات هاتفه شبه المتواصلة مضت في بتر كلماته المواسية الرتيبة، يجيبها بصوت يتلوى بين الحدة و الانفعال المتشنج، بالكاد يمنع نبرة صوته المتحشرجة من الصراخ، يعتذر و ينهض فجأة بعد النظر أكثر من مرة في ساعته، أعطى صديقة أخته القديمة رقم هاتفه، مؤكدا عليها عدم التردد في طلب أي مساعدة منه قبل سفرها ...
تتتبع مغادرته واسعة الخطى نحو سيارته الفارهة، تغيبه الزحمة عنها بسرعة، تخرج كومبيوترها الصغير ـ آخر هدايا زوجها إليها ـ من حقيبته الخاصة، تفتح شاشته، تتأمل عناوين نصوصها لوهلة، توجه المؤشر نحو نصها غير المعَنوَن بعد، وبسخرية كامنة تضغط على كلمة ( Delete ) ...

.........................................
7 ـ 3 ـ 2009 عَمان


http://www.dalilmag.net/index.php?id=227

أحمد غانم عبد الجليل
20/06/2009, 11:31 AM
محمد باقي محمد | سوريا حرر في 2009-05-11 18:47:18 موقع القصة العربية

أحمد غانم عبد الجليل.. اكتمال النصّ أم اكتمال المعنى!؟

ولأنّ الرجل والمرأة هما قطبا الوجود وركنه الأساس، ولأنّ العالم بمعنى ما تجسيد / أو صوى ومُرتسمات لطبيعة العلاقة التي تسوسهما، كان نصّ " عبد الجليل" يدور في الفلك ذاته، فما جديده في المسألة، سواء أكان هذا في زاوية الرؤية، التي تحدّد أين يقف كل واحد منهما، أو في الأسلوبية التي اشتغل عليها، والتي تتحدّد هي الأخرى وإلى حدّ بعيد في ظل تلك الرؤية، ومُكوناتها الرئيسة!، على زعم منا بأنّ الرؤيا أحد محدّدات الرؤية، وأساليب تنفيذها!
على هذا الأساس راح بطله يتأمل تفاصيل الجسد الأنثوي السادر في نومه، ثمّ هرع بسرعة نحو الخارج هارباً من سطوة هذا الجسد الغواية، وها هو كما الخذروف في طريقه إلى شقة صديقتها يدور في دوائر متسعة هربا منها, ولكن إليها!
أمّا المرأة فراحت تستعيد ذكرياتها المتعلقة بمراقبته عن كثب في الكافتيريا التي يجلس إليها، ثمّ استرجعت الكيفية التي قادته بها إلى شقة صديقة لها كانت قد غادرت البلاد، ليقيم فيها بدل النوم في الحدائق العامة، متحملاً فظاظة عامل البلدية، وهو يوقظه زاجراً، أو لدن الأصدقاء على ضيق المكان، حتى أنّها أعارته شيئاً من ثياب زوجها!
وعلى سبيل التناوب يعود إلى الرجل في ذكرياته عن زوجته، صاحبة المجموعة القصصية الوحيدة،مُستفزّاً من استغراقها في عالمها ذاك، وبشيء من الفضول فتح حاسوبها ذات فجأة، فواجهه نصّها الذي راح يسرده ككتاب مفتوح، هو مهمل للنظافة إذن، وهي تنتظر خروجه بفارغ الصبر لتنظف المكان بسرعة، هو يقول لها ذات جرأة بأنّه يحبها ويغادر، لكنّه يعود على نحو مباغت كمن نسي شيئاً، ليبدأ الشبق الأول، وبامتعاض راح يكمل القراءة، كان يعيد تشكيل جسدها وفق منطق اللذة، فترى في نفسها عروس بحر من صلصال أو راقصة باليه في أفق مسرح فسيح" وعلى نكيد أخذ يستعيد التفاصيل، مدركاً على نحو واضح أن لا أحد غيرها يستطيع أن يتحمله، فأدار مقود عربته، هي حامل إذن، فهل كانت تستخف بقصتهما!
وعلى نحو مباغت تفاجأ بامرأة متشحة بسوادها, أخذت تهذر عن الحادث المروع الذي أودى بزوجها، إنّها هي، وعرض عليها المساعدة غبّ أن واساها، ثمّ غادرها على عجل، وبهدوء أخرجت هي حاسوبها، لتضغط على أيقونة الحذف!
وفي التنفيذ نحن إزاء ما يشبه مونتاج مزدوج عن حدثين منفصلين في الظاهر، متوالجين في الأسّ العميق، يتمفصلان في غير محطة، والقاصّ إذ راح يحيك نسيجه القصصي، اتكأ على الكشف المتدرج حيناً والمتناوب، الذي جاء عليه كل من الرجل والمرأة على تفاوت حيناً آخر، لكنّه لم يكتف بالتدرج في الكشف، ربّما لينأى بنصّه أكثر فأكثر عن التقليديّ، ويسدّ المنافذ على الملل، فعمد إلى الاشتغال على ذاكرة الشخصيتين المحورتين، وبذكاء قدّم الرجل كما هو عبر صورته المحفوظة في حاسوب المرأة، فانتحى بزمن القصّ جهات المنكسر، ما أتاح له فرصة اللعب على وتر التشويق، وذلك عبر التقديم والتأخير في الأجزاء، تأسيساً على مبدأ أنّ الذاكرة حامل حرّ في ارتحاله عبر الزمن ، إنْ إلى الأمام، أو إلى الخلف، كما اتاح له من ثمّ الشتغال على ترتيب قصدي مُضمَر يسرّ بمقولة العمل!
أمّا لغة عبد الجليل، فهي على عادتها تنحو نحو التعبيريّ الدال، هي لغة مشغولة بدلالة الاقتصاد اللغوي، الذي يتوخى السلامة والاقتصاد، ما ينأى بها عن الترهلّ، وهكذا لغة تكون عادة قد قطعت حبل السرّة مع المستوى الأولي الخام، لتندرج في نسيج فنيّ قصصيّ، بل أنّها لا تخلو من الجميل والرصين والجليل حتى، ولكنّها لا تأبه كثيراً بالمجنح القائم على الانزياح والهدم وإعادة البناء وفق سياقات تنأى عن الأنساق التعبيرية المألوفة، وتجنح جهات المبتكر، ناهيك عن مستويات ترقى إلى النحت أوو التوليد أو الاشتقاق!
المكان هو الآخر مشغول بدلالة الجوانيّ الكشف لما يعتمل في النفوس من محددات ، ولذلك فهو يحيل إلى عناصر تكسبه بعضاً من الحضور النفسي، وذلك إلى جانب حضوره الواقعيّ، من غير أن يرقى المرجع الواقعيّ إلى النفسي في اكتمال ضريمه واحتدامه، ولا نظننا نجانب الحقيقة كثيراً إذ نزعم بأنّ نصوص عبد الجليل تنضوي على غموض محسوب بدقة، غموض أضحى اليوم مطلوباً، ولا يحتاج من القاصّ سوى بعض الاهتمام للاشتغال عليه بقصد إكسابه حضوراً سحرياً، بدت ملامح أولية لعناصر لم تكتمل، تطل برأسها هنا أو هناك!
لكنّ الموغل في مقام الدهشة يتبدى باستخدام لغة مفاتيح الحاسوب، ليؤنسن عبد الجليل تلك المفاتيح، ويتيح للمرأة أن تحذف علاقتها بالرجل، تماماً كما حينما نلجأ إلى مفتاح الحذف، فنحذف ما نريد ببساطة، وإذا كان ثمّة فرق بين الحالين، فهو في البساطة ذاتها، ذلك أنّنا لا نلغي جزءاً مهماً من تاريخنا سطرناه بالدموع والدم والأعصاب إذ تتوفز بكبسة زر،نحن إزاء خواتيم صادمة ومفارقة، في نصّ لا ينقصه الجميل، ولاحتى الذكيّ، ما اقتضى التنويه!