المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقالة المثقفة



محمد حسن المنلا
18/06/2009, 10:45 PM
المقالة المثقّفةـــــــــــــــــــــــــقد يظنّ البعض، في لحظة إلهام ، أنّ سرّ نجاح المقالة هو العنوان، فيبحث جاهداً عن عنوان طنّان ، دون أن ينسى المصطلحات المستوردة التي تدعم عصرنة مقالته وثقافتها ، كما يظنّ، حتّى يُخيّل إليك بأنّه يهيم في وادي عبقر بحثاً عن عنوان يحقّق به ، أو من خلاله، نجاح المقالة، ومن ثمّ يدخل مكتبه، وينثر كلّ ما لديه من صحف ومجلاّت ليأخذ ما يلزمه أيضاً من المصطلحات التي تواكب عنوان المقالة المتربّع على عرش الإلهام وتدعم عصرنتها دون أن يعي ما يكتب، حتّى إننا نلاحظ في بعض المقالات أنّ من المصطلحات التي زجّها في مقالته لا تخدم المقالة بل تناقض ما يُراد منها، وإن واكبت المقالة تكون أقرب إلى الترجمة التي يُستحسَن أن تُنسَب لمترجميها لا لصائديها. فلو دُعيَ - مثلاً - كاتب المقالة لأن يقوم بتحليل النصّ الذي أنجزه فماذا تراه فاعلاً ؟ أشكُّ فيما إذا كان يعرف أن يواكب مقالته ، بل سيقع في متاهاتٍ يصعب الخروج منها ، لأنّه كتب مقالته وهو ينظر إلى الصحف والمجلاّت التي جاء بها لهذا الغرض ، دون أن يكلّف نفسه عناء القراءة ، فهو بذلك أكثر ما يشبه التلميذ الذي كان ينظر إلى ورقة زميله وهو ينسخ حلّ المسألة، أو كما خُيِّلَ إليه، لكنّه رسم أرنباً دون أن يدري ، وعندما سأله المعلّم بعد أن تسلّم ورقته : ما هذا الذي رسمتَ؟ أجابه : لم أرسم شيئاً. فقال له : وهذا الأرنب ؟ ثمّ جرّه من أذنه متّجهاً به نحو السبّورة ، وطلب منه أن يرسم الأرنب ذاته ، لكنّه لم يستطع لا أن يرسم الأرنب ، ولا أن يحلّ المسألة.فالمقالة المثقّفة هي نتاج كاتب مثقّف يعرف ما يريد وما يُراد منه ، وليست نتاج اسم يسبقه حرف الدال، ذلك الحرف السحري الذي يختصر مصطلحين في آن : دال الأكاديمية، ودال الدعم !المثقّف الذي يرهقه ما يكتب ويحزنه ما يقرأ ، المثقّف الذي ينصهر مع نصّه إلى حدِّ أنّا نصافحه بين السطور، فقوّة المقالة تتأتّى من ثقافة كاتبها ، ومن قبل إيمانه بما يكتب ، فإن لم يكن هناك تكافؤ أيضاً بين الثقافة والإيمان برسالتها فلن تؤتي أُكُلها إلاّ على نحوٍ ينافي ما يُراد منها.فثقافة المقالة تتأتّى من معرفتنا بالمادّة التي تتناولها، والإحاطة بكلّ معطياتها، لا تتأتّى من مصطلح أو عنوان أو حرف دال وصورة شخصية مرفقة مع النصّ المرسل. فليس بوسع كلّ ما ذُكِر أن يصنع مقالاً، بل في أكثر الأحيان يكون أقرب إلى ثوب طويل يتعثّر به مَنْ يرتديه ، ومع الخطوة الأولى.أنا لا أدعو أحداً لأن يتبوّأ مكان أحد، بل أسأل أهنالك أزمة مقالة ؟ مع هذا الكمّ الهائل من المقالات الثقافية والأدبية والسياسية والاجتماعية ؟ ولقد كُتِب ومنذ عقود عن الحداثة والحداثيين والسياسة والسياسيين، إلى ما لا نهاية، وهل تساءلْنا في لحظة تعقّل : ما الوظيفة الأساس للمقالة التي نكتب ؟ أهي إبراز كتّابها عبر مصطلحاتهم الببغائية وعناوينهم الطنّانة التي تصادر الصفحات الأولى ؟ فإن كان الأمر كذلك إذاً هناك مصطلح آخر يجب أن يُضاف إلى قائمة المصطلحات ، فلا أحد خير من أحد، فكما هنالك مقالة ثقافية ، ومقالة أدبية ، ومقالة سياسية، ومقالة اجتماعية ، هنالك أيضاً مقالة الذات ومقالة الأنا ، وهذا إنجاز، بل مكتسب آخر لعالم المصطلحات والعناوين ، لكن لا بُدَّ أن ننثر الحروف ، حروف المصطلحات والعناوين ، ونجمعها من جديد، علّنا نتحصّل على جملةٍ مفادها أنّنا بحاجة للحظة تقييم، يليها لحظة تصميم، فنحن في مطلع قرنٍ وعلى أعتاب هاوية .