المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القرآن ومثله معه



عبد المنعم جبر عيسي
05/06/2009, 10:18 PM
{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }

افتتح بها الصحابةُ كتاب الله ، واتّفق العلماء على أنها بعض آية من سورَة النمل ، ثمّ اختلفوا : هل هي آية مستقلة في أوّل كل سورة ، أو من أول كل سورة كتبت في أوّلها ، أو أنها بعض آية من أوّل كل سورة ، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها ، أو أنها كتبت للفصل بين السور ؟ على أقوال للعلماء سلفًا وخلفًا.
وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } أخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضًا .
وممن قال عنها أنها آية من كل سورة إلا براءة : ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبو هريرة ، وعليّ . ومن التابعين : عطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، والزهري ، وبه يقول عبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، في رواية عنه ، وإسحاق بن رَاهوَيه ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، رحمهم الله .
عن ابن عباس ؛ أن عثمان بن عفان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . فقال : "هو اسم من أسماء الله ، وما بينه وبين اسم الله الأكبر ، إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب ". ( تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 34 ) والمستدرك ( 2 / 260 ) .
ما رُوى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنزلت عليّ آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود وغيري ، وهي بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" . ورواه الطبراني في المعجم الكبير ( 4 / 23 ) .
وقد روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : عن عاصم ، قال : سمعت أبا تميمة يحدث ، عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال : عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : تَعِس الشيطان . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تقل تعس الشيطان . فإنك إذا قلت : تعس الشيطان تعاظم ، وقال : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : باسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب " .
هكذا وقع في رواية الإمام أحمد وقد روى النسائي في اليوم والليلة ، وابن مَرْدُويه في تفسيره ، من حديث خالد الحذاء ، عن أبي تميمة هو الهجيمي ، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير ، عن أبيه ، قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقال : " لا تقل هكذا ، فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت ، ولكن قل : بسم الله ، فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة " .


قال ابن كثير – رحمه الله تعالى - : ( فهذا من تأثير بركة بسم الله ؛ ولهذا تستحب في أوّل كل عمل وقول ، فتستحب في أوّل الخطبة لما جاء : " كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم ، فهو أجذم " ، وتستحب البسملة عند دخول الخلاء ولما ورد من الحديث في ذلك ، وتستحب في أوّل الوضوء لما جاء في مسند الإمام أحمد والسنن ، من رواية أبي هريرة ، وسعيد بن زيد ، وأبي سعيد مرفوعًا : " لا وضوء لمن لميذكر اسم الله عليه " ، وهو حديث حسن . . ) ا . هـ .
ومن العلماء من أوجبها عند الذكر ، ومنهم من قال بوجوبها مطلقًا، وكذا تستحب عند الذبيحة في مذهب الشافعي وجماعة ، وأوجبها آخرون عند الذكر ، ومطلقا في قول بعضهم .. وتستحب عند الأكل لما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة : " قل : باسم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك " ، ومن العلماء من أوجبها والحالة هذه ، وكذلك تستحب عند الجماع لما في الصحيحين ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : باسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا " (صحيح البخاري برقم ( 8 ) وصحيح مسلم برقم (16) ... ) .





( يتبع )

عبد المنعم جبر عيسي
05/06/2009, 10:30 PM
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

قال ابن كثير : ( القراء السبعة على ضم الدال من قوله : { الحمدُ لِله } وهو مبتدأ وخبر.. وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة بن العجاج أنهما قالا " الحمدَ لِله " بالنصب وهو على إضمار فعل ، وقرأ ابن أبي عبلة : " الحمدُ لُله " بضم الدال واللام إتباعًا للثاني الأول وله شواهد لكنه شاذ ، وعن الحسن وزيد بن علي : " الحمدِ لِله " بكسر الدال إتباعًا للأول الثاني ) .
قال أبو جعفر بن جرير: معنى { الحمد لله } الشكر لله خالصًا دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه ، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ، ولا يحيط بعددها غيره أحد ، في تصحيح الآلات لطاعته ، وتمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه ، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق ، وغذَّاهم به من نعيم العيش ، من غير استحقاق منهم ذلك عليه ، ومع ما نبههم عليه ودعاهم إليه ، من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم ، فلربنا الحمد على ذلك كله أولا وآخرًا .
وقد قيل : إن قول القائل : الحمد لله ، ثناء عليه بأسمائه وصفاته الحسنى ..
والألف واللام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد ، وصنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث : " اللهم لك الحمد كله ، ولك الملك كله ، وبيدك الخير كله ، وإليك يرجع الأمر كله " .
وروى الترمذي ، والنسائي وابن ماجه ، من حديث موسى بن إبراهيم بن كثير ، عن طلحة بن خراش ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الذكر لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمد لله " . قال الترمذي : حسن غريب .
وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنعم الله على عبد نعمة فقال : الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ " .. قال القرطبي في تفسيره ، وفي نوادر الأصول عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال : الحمد لله ، لكان الحمد لله أفضل من ذلك " . قال القرطبي وغيره : أي لكان إلهامه الحمد لله أكبر نعمة عليه من نعم الدنيا ؛ لأن ثواب الحمد لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى ، قال الله تعالى : { المال وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا } [الكهف: 46] .
وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم : " أن عبدًا من عباد الله قال : يا رب ، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها ، فصعدا إلى السماء فقالا يا رب ، إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها ، قال الله - وهو أعلم بما قال عبده - : ماذا قال عبدي ؟ قالا يا رب إنه قد قال : يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك . فقال الله لهما : اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها " .
{ رَبِّ الْعَالَمِينَ } والرب هو: المالك المتصرف ، ويطلق في اللغة على السيد ، وعلى المتصرف للإصلاح ، وكل ذلك صحيح في حق الله تعالى .
[ ولا يستعمل الرب لغير الله ، بل بالإضافة تقول : رب الدار رب كذا ، وأما الرب فلا يقال إلا لله عز وجل ، وقد قيل : ( إنه الاسم الأعظم ) .. والعالمين : جمع عالم ، وهو كل موجود سوى الله عز وجل ، والعالم جمع لا واحد له من لفظه ، والعوالم أصناف المخلوقات في السماوات والأرض في البر والبحر، وكل قرن منها وجيل يسمى عالمًا أيضًا ] .
روى عن ابن عباس : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الفاتحة: 2] الحمد لله الذي له الخلق كله ، السماوات والأرضون ، ومن فيهن وما بينهن ، مما نعلم ، وما لا نعلم .
وفي رواية سعيد بن جبير ، وعكرمة ، عن ابن عباس : رب الجن والإنس .

عبد المنعم جبر عيسي
24/06/2009, 10:26 PM
{ الرحمن الرحيم }

اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة ، ورحمن أشد مبالغة من رحيم ، وفي كلام ابن جرير ما يُفْهِم حكاية الاتفاق على هذا ، وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك ، كما تقدم في الأثر، عن عيسى عليه السلام ، أنه قال : والرحمن رحمن الدنيا والآخرة ، والرحيم رحيم الآخرة .
قال القرطبي : والدليل على أنه مشتق ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تعالى : أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي ، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ، قال : وهذا نص في الاشتقاق .
وقال ابن عباس: هما اسمان رقيقان ، أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر رحمة ، ثم حكي عن الخطابي وغيره : أنهم استشكلوا هذه الصفة ، وقالوا : لعله أرفق كما جاء في الحديث : " إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله وإنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف " صحيح البخاري برقم (4485، 7362) من حديث لأبي هريرة رضي الله عنه .
وقال ابن المبارك : الرحمن إذا سئل أعطى ، والرحيم إذا لم يسأل يغضب ، وهذا كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي صالح الفارسي الخوزي عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يسأل الله يغضب عليه " .
وقد روى ابن جريرعن السري بن يحيى التميمي ، عن عثمان بن زُفَر، قال سمعت العَرْزَميّ يقول : الرحمن الرحيم ، قال : الرحمن لجميع الخلق ، الرحيم ، قال : بالمؤمنين ، قالوا : ولهذا قال : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ } [الفرقان: 59] وقال : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه: 5] فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته ، وقال : { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } [الأحزاب: 43] فخصهم باسمه الرحيم ، قالوا : فدل على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمة لعمومها في الدارين لجميع خلقه ، والرحيم خاصة بالمؤمنين ، لكن جاء في الدعاء المأثور : رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما .
قال ابن كثير : ان من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره ، ومنها ما لا يسمى به غيره ، كاسم الله والرحمن والخالق والرزاق ونحو ذلك ؛ فلهذا بدأ باسم الله ، ووصفه بالرحمن ؛ لأنه أخص وأعرف من الرحيم ؛ لأن التسمية أولا إنما تكون بأشرف الأسماء ، فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص ،فإن قيل : فإذا كان الرحمن أشد مبالغة ؛ فهلا اكتفى به عن الرحيم ؟ فقد رُوي عن عطاء الخراساني ما معناه : أنه لما تسمى غيره تعالى بالرحمن ، جيء بلفظ الرحيم ليقطع التوهم بذلك ، فإنه لا يوصف بالرحمن الرحيم إلا الله تعالى .. كذا رواه ابن جرير عن عطاء .. والله أعلم .

ايهاب هديب
08/07/2009, 03:12 PM
بارك الله بكم أستاذي

عبد المنعم جبر عيسي
13/07/2009, 06:40 AM
بارك الله بكم أستاذي

الأديب المهاب / ايهاب ..
وبارك بك أخى ..
شرفتنى بإطلالتك البهية .. وأثلجت صدرى كلماتك العطرة الشذية ..
ولقد عانقنا توقيعك .. فما تركنا حتى حلق بنا الى فضاءات لا مثيل لها ، بجمعه لمتناقضات تُحير الألباب وتُدهش الأفئدة .. تفيض نبلا .. وتنضح صبرا ..
حياك الله من طائر يحلق فى سماء الأدب والإبداع ..
يغنى للحب .. وبالحب ..
أبدا لن يكون مقعدا ..
بقلمه وفنه وقدرته على امتاعنا ؛ ورغبته فى البناء والإصلاح ؛ بأدب فريد وقلم عذب رشيق ..
تقبل محبتى الأبدية .. وأخوَّتى .
أخوك .