المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هام للتواصل من د.أسد محمد



د.أسد محمد
16/01/2006, 04:29 PM
تجربته تمتدُّ إلى أحوال الكتابة في مجال القصة والمسرح والكتابة للأطفال. د. أسد محمد كان لنا معه هذا الحوار:



ملحق ثقافي
الثلاثاء 8/11/2005
مانيا معروف

الكاتب أسد محمد: كل ما يفعله الأديب هو محاولة منه ليتعرف إلى ذاته – أناه المتشكلة من أنا الجماعة وأنا البيئة> صدرت لك رواية بعنوان " حب أخضر" ماذا عن هذه التجربة ؟ >> رواية " حب أخضر " هي تجربتي الروائية الأولى, هكذا وجدت نفسي أكتب رواية,





بعد استدعاء الحب ليكون بطلا, ليكون طقسا, خارج لعبة الجسد والصراع والفروسية, فكتب رواية بطلها " الحب " وحسب, قدمت الحب على أنه البطل, الكائن الاجتماعي, الذي رفض أن يكون سلطة, وأن يكون نقيا من تشويه أُلحِق بالفضيلة, هو لم يدافع عن نفسه, لأنه أصلا ليس في موقع صراع, وإنما هو مساواة لتذيل الخراب دون إشعال معارك, سمح لي الحب أن أقدمه عبر فن الرواية وفق منطق المرحلة الجديدة للمجتمع. علمني الحب كبطل أشياء كثيرة, سار معي خطوة خطوة نحو آفاق لم أكن أعرفها, راقبت معه ميكانيكا الكتابة الطويلة وعلاقتها بالخيال, ميكانيكا تدور في عالم لا يمكن لأدوات المختبرات العلمية أن تصل إليه, فلاحظت أن هناك ميكانيكا معرفية تتعامل مع الخيال, ولا بأس أن أضيف عن هذه التجربة, بأن الرواية هي أكثر الفنون التي يخرجها الخيال, وتناظره, هي فضاء ممتد, واسع, افتراضي, يحتمل الكثير من التنوع, والاستيعاب, وشحنات هامة قادرة على الكشف عن المُرسِل – الخيال- لذا هي فن الافتراض الذي يستحوذ على القدرة على التواصل, الاستمرار, والكشف, ومن هذا المنطلق بدأت ما بعد عصرا لآلة أو عصر العقل, هي بداية للكشف عن الفضاء الافتراضي لقوة الخيال, العهد الجديد الذي بدأ يتقدم فيه الخيال كقوة تتميز بتحقيق توازن ما بين فعلها وبين مُنتجها, قوة ليست استلابية, وإنما تفاعلية, سلمية, تصالحية, مرحلة جديدة تقدم الفن كوسيلة للتعريف بها. > كتبت المسرح, هل للمسرح الروح ذاتها, أم أنه مختلف ؟ >> من حيث المختبر الذي ينتجه, فهما متشابهان, لكن المسرح يتم إخراجه بطريقة فنية مختلفة, المسرح, ليس فن الفرجة, بل فن لتخلص من سيطرة العقل على الخيال, شكل من أشكال تحدي سلطة العقل, لهذا السبب هو من أعظم الفنون, فن التمثيل, ليس على الناس, بل على عقولهم, والابتعاد بهم من أكذوبة أن العقل هو أداة التفكير والتحليل والتركيب, ليس العقل كذلك, بل هو لا يعرف, ولا يحلل, ولا يفكر, وإنما ينهب مادته ويسرقها من الخيال, على الأقل في إطار اكتشاف القوانين العلمية, هو مثل بوابة جمارك, تمر مادة الخيال من عنده, وتُقدم على إنها من إنتاجه – القوانين تقدم نفسها لنا, وبمشاركة محضة من الخيال - العقل لا يتعدى كونه مجالا للدماغ ومرهونا به, والمجال المادي لا يقدم إبداعا, و لا معرفة,الإبداع يأتي من الخيال, والعقل الآن يسقط, ودور الفن أنه يكشف لنا هذا السقوط المدوي, والإبداع كفعل أهم ما يقدمه هو هذه القراءة لعملية الخلق الفني, قدم والمسرح مادة من الخيال, مادة تهزم مادة الحسي, وتفرز من الجسد قوى خفية, نعم تجعل الجسد يتحرر من ممارساته العادية : المشي, العبور, اللباس, الزينة, اللياقة،, إلى جسد يرقص, يتماهى مع الطبقة العليا للخيال, يخرج من الجسد أجساد - مثل قطرات الماء التي تشكل البحر, قطرة بذاتها لا تتغير, ضمن مياه البحر الواسع, والبحر دون هذه القطرات يفقد ماهيته – الكشف عن حيز الجسد, عمّا يحتويه, عن كمونه, عن خلقه, فمن هنا أهمية المسرح, إنه ضد التشكل المادي, ضد العقل المتربع على سلطة لا يمكنه الحفاظ عليها, لذا يقبل الخضوع والاستسلام لضربات الخيال المتقدم عبر ميكانيكا التحول التي لا تعجبنا, لكنها لا تنتظر منا إعجابا أو إقرارا, أو اعترافا, إنها تعبر وحسب. >> أفهم من جوابك, أن للنص الإبداعي وظيفة أخرى, فما هي ؟ > كنت أظن أن للأدب وظيفة, ووظيفته تكمن في كشف الجمال والتسلية والتوعية والتأريخ, قد يبدو هذا من الناحية الظاهرية, لأن الوظيفة لها علاقة ببنية المُنتج, لكن وظيفة الأدب غير ذلك, كما أحاول أن أتعرف إليها، فكما الأنزيم يُعرف بطبيعة الخلايا التي تنتجه, فكذلك الأدب له وظيفة أخرى تكمن في التعرف إلى الذي أنتجه, والذي أنتجه هو الذي يريد أن نتعرف إليه عبر الأدب خصوصا والفن عموما, لأن الذي ينتج الأدب ليست قوة الجسد وليست قوة العقل, بل قوة أخرى, هي الخيال, قوة لا تزال افتراضية – ربما – يراد أن نتعرف إليها, ويريد الخيال من خلال الإبداع أن نتعرف إليه أو نكتشفه, أو ندركه, وندرك سماته وخصائصه, هذه مهمة منقولة عبر الأدب, أو وظيفة للأدب من قبل المُرسل لكي نفهمه. > تتردد أقوال عن موت الكاتب, والنص, فما رأيك ؟ >> نحن نتلقى أوامر الموت وحسب, وكل موجود على الإطلاق يتلقى مثل هذه الأوامر عاجلا أم آجلا, فمن يعطي هذه الأوامر ؟ هنا السؤال الملح, غير مضر للإجابة عنه, لكن الإبداع يقول أشياء في غاية الأهمية حول موت النص, النص هل يموت ؟ الجواب, نعم. متى يموت ؟ لحظة قراءته. يموت, ويقتل معه القارئ, المشهد كذلك : موت للكاتب, للقارئ, للنص. موت رحيم, مفاجئ, هادئ. ويبقى أن نقرأ ما يحدث, لمكون النص بعد موته : هل يقتل معه العقل, هل هي معركة ثأر بين العقل والخيال, أو القوة الأكبر من العقل, النص هو تجربة مماثلة لإنتاج العقل عبر خلايا الدماغ, أوامر العقل ضد ذاته, هي لعبة خاسرة ضد المعرفة كطاقة, ضد الموت كطاقة, النص لا يمكن تثبيته تماما كذلك الدماغ, فكلاهما ضمن متحول حتمي ينتهي إلى شيء آخر, والسؤال ما هذا الشيء الآخر, والجواب هنا مغامرة. > كتبت للطفل قصصا, ألا ترى معي أن الكتابة للطفل تحتاج إلى قلب كاتب يحمل مخزونا طفوليا هائلا ومقاربة عالية لهذا العالم المدهش ؟ >> أنت على حق, إنه بالفعل عالم مدهش, لأن الطفولة, هي المرحلة الأقرب من ذلك العالم الذي جئنا منه, والغريب أنه يجعلنا ننساه, يرغمنا على نسيانه, ونمضي ما تبقى من العمر أن نتعلم ما نسيناه, لذا كل واحد منا يجرب أن يتذكر, والذاكرة هنا مثقوبة, ولا تسمح بالتواصل مع الأصل كما يجب,على الأقل الخيال وقوته الخارقة, والمساحة المتاحة للتخيل, لو قدر للكبار أن يمتلكوا هذه القوة من الخيال التي يمتلكها الأطفال لكانوا عباقرة, وما كتبته للأطفال من قصص " ريم والصياد ", " أنا النمر "، " بستان الجوز " إنما كتبته لطفولتي المفقودة وحسب. > القصة القصيرة تعرف بكاتبها من خلال سرده وإيقاعه في قصته, ما شرط كتابة القصة القصيرة ؟ >> لا شرط سوى حشرية الخيال, الذي يفرز أبجدية خاصة بهذا الفن, أبجدية لها علاقة بتراكم الخبرة واللغة والموهبة وقابلية الواقع للكتابة على صفحاته, ما تم تشفيره في فضاء الخيال عبر منظومة استنساخ الواقع من واقع افتراضي آخر : القصة القصيرة ترجمة لأبجدية خاصة في فضاء الخيال, وتستخدم أدوات مختلفة: الواقع, المتلقي, المتعة.. وتُفرز من الخيال كما يفرز الأنزيم من الغدد, والشرط الأهم : القصة هي مولود يحدد ماهيته, هي من تحدد كيف تولد والشكل الذي تولد عليه, لا أحد سواها, لها شيفرتها الرائعة التي تتناسخ عن شيفرة الخيال, فتظهر. > يعتمد المبدعون على المخزون البصري والحواس الأخرى, ثم الاشتغال عليه لينقل تجربته للآخرين,فماذا عن تجربتك ؟ >> أشعر أن الأديب, كل ما يفعله هو محاولة منه ليتعرف إلى ذاته – أناه المتشكلة من أنا الجماعة وأنا البيئة, ومخزونه الحسي والمعرفي, في النهاية تتعلق بهذه الذات, هو يكذب إن أراد إضافة الجديد إلى العالم, بل هو إضافة للعالم, والأدب هو أحد أشكال التعبير عن هذه الإضافة, الكشف عن قوى كامنة فيه : تبدأ بغريزته, وتنتهي بخياله ليتمكن من ترجمة كوامنه, وهذا ليس بالقليل, رغم أنه غير مضطر لذلك, وإنما ينفذ أوامر عليا كما يبدو لي, هي لصالحه إلى حد ما. > قبول الآخر بما له وما عليه شرط إنساني.. هل هو شرط أدبي أيضا ؟ >> توجد مصطلحات مثل نحن - الآخر, الداخل - الخارج, القديم – الحديث, هذه الصيغ هي صيغ تفاضلية – أصولية – تمايزية – قهرية, أوجدت, ولم تكن موجودة أصلا. صيغة نحن – الآخر في جوهرها تتضمن صيغة النفي, نفي طرف لطرف لآخر, والأدب يجيب على هذا السؤال, فهو أدب كوني, اجتماعي, فمثلا أدب أمريكا اللاتينية أو غيره هو أدب له خصوصية – مكانية, تلغيها العمومية – الافتراضية, والهوية للفن أو سواه هي سلطة تفترض التباين والإلغاء والمواجهة, وكل ذلك في الأدب غير موجود, وأيضا بقية الصيغ, نحن الآن في فضاء : الداخل فيه هو الخارج, والقديم هو الحديث, والآخر هو نحن, العالم يسير نحو أصله, يلغي التباينات التي أفرزتها سلطة العقل, وأرادت ترسيخها, لكن قوة الخيال تعالجها الآن, وتلغي تلك المفاهيم التي بنيت على الفصل والمواجهة, لتحل محلها قوة جديدة, ونحن لسنا فاعلين فيها, بقدر ما نحن متفرجون, والأدب يقدم لنا شرحا حول ما يحدث, وهو متقدم على بقية المعارف, كونه مؤسساً من قبل القوة الزاحفة التي تعيد تشكيل حياتنا, ونقرؤها من خلاله. > مرحلة جديدة, ماذا تقصد ؟ >> نقترب من حالة جديدة لم تتضح صورتها بعد, الأدباء يسمونها الحداثة أو ما بعد الحداثة, دون توضيح ماهيتها وشكلها وقواها, وهم على حق, لأن المرحلة في بدايتها, و يمكن للأدب أن يكون له الريادة في رسم ملامحها : مررنا بمرحلتين هامتين : 1 - مرحلة القوة الجسدية, وأول شيء فعله الإنسان هو الاعتماد على قوى الطبيعة الأخرى لاستكمال قوته الناقصة: مثلا استخدم أغصان الأشجار للصيد, والجمال للنقل, قوته الجسدية ولدت متطفلة. 2 - قوة العقل: وبدأت المرحلة الثالثة أو المرحلة الجديدة, مرحلة قيد التشخيص, مرحلة قادمة دون استئذان من أحد, هي مرحلة أو قوة ما بعد قوة العقل, يمكن تسميتها, المرحلة الافتراضية أو العقل الافتراضي ( الخيال ) – الحداثة. > ما سمات هذه المرحلة الجديدة التي تتكلم عنها ؟ >> أراها كذلك : لا تمايز, لا تفوق, لا تفاضل لأحد على أحد, لا امتلاك مطلق للحقيقة, وهذه الشروط تحققها الصيغة الاجتماعية, ولا تحققها أي فئة أو طائفة أو أمة أو فرد بعينه, فالعالم أصبح يعمل جماعيا, فالخارطة الوراثية مثلا التي دشنت 26- أيار عام 2000, اشترك في إنتاجها عشرات الدول ومئات العلماء, وأي عمل فني درامي هو بالمطلق عمل جماعي – اجتماعي, لا يمكن أن يكتمل دون اشتراك عناصر الطبيعة الأخرى, فالجميع شركاء فيما أُنتج, وما يُنتج. > الإنسان يقاس بعمر زمني, كيف تفلسف " الزمن " >> الزمن حالة افتراضية, وعلاقته بالمكان تساوي الصفر المطلق, أو القيمة المطلقة التي لا يمكنها أن تعرف عن ذاتها إلا بوجود المولِّد, فلا زمن دون مكان, والمكان كتلة متحولة, تنتهي إلى الطاقة أو الخيال أو المعرفة, فحيز الطاقة, مثلا لا يمكن تحديده, وأي موجود فيه كامن طاقة إذا أُزحت منه يلتغي, فهو متحول, والنص الإبداعي لا يبتعد عن هذا المفهوم, فالكامن فيه طاقة, وخيال, ومعرفة, و المعلومة التي فيه هي متحول, مكان, تكثيف للخيال, تمكين المكان, بمعنى آخر سلطة, والزمن افتراض لفهم الحركة من الناحية العيانية, أما من الناحية الجوهرية, فهو قيمة مرهونة للثابت من الأشياء وليس المتحرك منها.‏