المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عناقيد.. في الذاكرة



عائده محمد نادر
18/05/2009, 03:03 PM
(( عناقيد.. في الذاكرة))

زحمة المكان حشرتني في الزاوية..!
لملمت جسدي..
كورته وكأنني جنين..والعيون المتلفعة بالخوف والترصد ’ تتابع الثغرة والضوء المغبر المنبعث منها.
الوجوه حولي ما عادت تمتلك نفس ملامحها’ تغطيها أكوام من التعب’ وحيرة رسمت أخاديد حادة’ لم أدر متى حفرتها يد الزمن’ أم إنها كانت موجودة أصلا’ لكني لم أعرها يوما انتباهي..؟!
الزمن الضائع هاهنا’ يعلن عن بطئ حركته’ أم إنه تجمد..؟
لا أعرف..!!
ذكرني انحشارنا وجلوسنا جميعا كأجنة’ يوم كنت صغيرا’ أجمع رفاقي خفية عن أعين الفلاحين’ وأذهب وإياهم ’ويدي تمسك بيد الزهراء ابنة العم.. حبيبة طفولتي.. إلى ((كرمات العنب)) المتدلية عناقيدها كمصابيح صغيرة متلاصقة’ وهي تتلألأ بألوانها القرمزية فوقنا ونحن نقطفها بأفواهنا وهي معلقة بأغصانها’ وألقم حبة العنب من فمي لفم الزهراء الصغير المكتنز’ كحبة حان قطافها’ ونضحك ملئ أشداقنا بكل شقاوة الطفولة وبراءتها من مطاردة الفلاحين لنا’ نسابق الريح حفاة هربا من ضرباتهم الموجعة’ ونبتلع حبات العنب بشراهة.. و نمصمص شفاهنا.
فضحكت بصوت مسموع’ وأنا أردد:
- كم كنت مغرما فيها.. كم كنت أعشق عناقيد العنب..!!
لكزني صاحبي’ بخاصرتي’ وهمس:
- صه’ أجننت.. سيسمعونك.. وسيأتون؟
قهقهت بسخرية مريرة’ وبالكاد استطعت أن أقول له:
- أو تظن أنهم سيسمعوننا’ إنهم بعيدين عنا كثيرا’ لكنهم... يتحسسونا..!!
ذهل صاحبي’ وفغر فاه الواسع’ الذي كنت أسميه’((الحفرة)) فهو لا يفتأ’ يدفع بكل شيء إلى داخله دون عناء’ ونضحك منه وهو يسابقنا وقت الوجبات باللقيمات الكبيرة التي يحشرها بفمه حشرا’ وكثيرا ما لحقنا به مهرولين خلفه وهو يحمل (( القصعة)) ويهرب منا’ يجري ويأكل.. مع إنه نحيف بشكل ملفت..!!
وهل الأمس يشبه اليوم..؟؟!!
وهذه العناقيد التي تتناثر علينا من السماء’ فنهرب منها إلى أي جوف .. يصادفنا!!

ساد صمت رهيب إلا من دوي بعيد عنا’ فخرجنا من الفجوة ’ الواحد تلو الآخر’ لكننا لم نستطع أن نفرد أجسامنا’ نتلفت حولنا..والرهبة تقتحم أجسادنا.. اقتحاما.
أحسست بيد صاحبي الباردة تمسك يدي’ فسرت بجسدي قشعريرة خفيفة .. همس واهنا’ قريبا من أذني:
- أنا جائع حد الخواء.. وخائف.
ضغطت بيدي على يده المتشبثة بذراعي وهمست له’ مطمئنا إياه:
- لا تخف صديقي’ سنمضي الليلة نسير بلا توقف’ وعند الصباح’ سنكون قد وصلنا.
خيل لي أني سمعت صوت تنفسه الصعداء’ فابتسمت بحزن ’ ومضيت معه نحث الخطى ورفاقنا الباقين دون كلل.. نتعثر بخطانا والليل ستارنا’ من أعين بتنا نخشاها أكثر من قصف الطائرات’ وقنابل عمياء.. لا تعرفنا..!
أضاءت السماء’ ومضات قوية.. تتفجر ((عناقيد)) قاتلة.. تمسك بي صاحبي أكثر’ وصرنا نركض بسرعة.. وفوضى.. نبحث عن مخبأ لنا..وانفلاق (( القنابل العنقودية)) حولنا ينير عتمة الليل.. فكان منظر الوجوه الخائفة.. موجعا.
تعالت صرخات الألم المفرط’ بعد أن دكت منطقتنا بالصواريخ فلم أعد أسمع جيدا’ غير وشوشة تدوي بأذني!!
لكني شعرت بالقنبلة حين سقطت قريبة منا’ فأسقطني عصفها أرضا’ وكأنه اقتلعني’ وابتعد صاحبي عني وصرخة مكتومة أطلقها’ جعلتني أرتعش.. ثم تلاشت مع أصوات التوجع الأخرى ..
ما عرفت سابقا إن الألم يمكن أن يكون موجعا هكذا’’
ما عرفت..!!
رباه.. إني أتوجع كثيرا..وهذا الخدر الغريب الذي بدأ يعتري جسدي.. أثار مخاوفي.. بأني ربما أحتضر..!!
فتحت عيناي’ كان الفجر يكاد أن يولد لحظتها.. حاولت رفع يدي لأتحسس بها جسدي المثخن بالوجع’ فوجدتها ثقيلة جدا.. أدرت رأسي نحوها لأعرف مدى إصابتها.. كان جسد صاحبي يرقد بعيدا عني..وعيناه المفتوحتان تنظر نحوي..
ويده الباردة ما تزال تمسك .. بذراعي!!
17/5/2009

ناصرفارس
18/05/2009, 03:46 PM
اختي الغالية, شاطرتك الالم وانا اقرأ هذا النص ولا اعرف مدى النفع من ذلك.شتان مابين عناقيدنا وعناقيدهم. اكتب لك بذراعي التي شعرت بانها قطعت .نجح نصك بأن جعلني اشعر بالوجع وربما هو وجع الجميع .(لست ادري)ربما.

يوسف أبوسالم
20/05/2009, 06:53 PM
إنه الظلم والحرب ومنطق القتلة
الذي يحوّل حتى معاني الأشياء
فتختلط التصورات في ذاكرتنا
نسمع كلمة عنقود
وبدل أن نتذكر عناقيد العنب المتدلية كأقمار صغيرة متراصة
نتذكر القنابل العنقودية
وما بين عناقيد العنب والقنابل العنقودية
يذبحنا تتالي الأحداث
ومدى الجرائم المروعة
التي تحدث كل يوم على أرض العراق وفي فلسطين
فماذا أقول يا عائدة
إلا أننا نتشبث بكل ما أوتينا من أمل بالمقاومة العظيمة في العراق
التي بعزمها وعزم شعب العراق
ستدحر الغاصب من حيث أتى
لكنني من ناحية فنية أتساءل
لماذا تكتب المرأة بلسان الرجل
ونحن نبحث عن نصوص إبداعية تتحدث فيها المرأة
أليست للمرأة معاناتها أيضا
بلا أدنى شك
وربما تكون معاناتها أشد تأثيرا وبلاغة
قصة حزينة من واقع أكثر حزنا وأشد إيلاما
تحياتي

عائده محمد نادر
22/05/2009, 10:12 PM
اختي الغالية, شاطرتك الالم وانا اقرأ هذا النص ولا اعرف مدى النفع من ذلك.شتان مابين عناقيدنا وعناقيدهم. اكتب لك بذراعي التي شعرت بانها قطعت .نجح نصك بأن جعلني اشعر بالوجع وربما هو وجع الجميع .(لست ادري)ربما.

الزميل القدير
ناصر فارس
أشكرك كثيرا زميلي على مداخلتك وعلى مشاطرتي الألم
فعلا شكرا لك
ويسعدني إني أوصلت الوجع إليك .. ليس المقصود أن إوجعك عامدة ..لا
ولكن
هذا معناه إني وصلت إلى روحك ونقلت الحدث لها فتفاعلت كثيرا لحد إنك أحسست بالوجع
تحياتي لك وودي

عبد المنعم جبر عيسي
22/05/2009, 11:05 PM
مؤلم كثيرا أن أهرب - فى ليلة غاب عنى فيها النوم - الى نص للأديبة عائدة ..
فلن ينفعنى الهرب اليوم .. ولن يقربنى النوم حتى اشعار آخر .. !
موجع قلمها ..

مؤلم شجنها ..

ومحزن تقريعها ..
تُرى .. كم من هارب مثلى اليوم .. نام ملء الجفون .. ؟
مدين لك باعتذار أختاه .. فتقبليه .

عائده محمد نادر
24/05/2009, 08:12 PM
إنه الظلم والحرب ومنطق القتلة

الذي يحوّل حتى معاني الأشياء
فتختلط التصورات في ذاكرتنا
نسمع كلمة عنقود
وبدل أن نتذكر عناقيد العنب المتدلية كأقمار صغيرة متراصة
نتذكر القنابل العنقودية
وما بين عناقيد العنب والقنابل العنقودية
يذبحنا تتالي الأحداث
ومدى الجرائم المروعة
التي تحدث كل يوم على أرض العراق وفي فلسطين
فماذا أقول يا عائدة
إلا أننا نتشبث بكل ما أوتينا من أمل بالمقاومة العظيمة في العراق
التي بعزمها وعزم شعب العراق
ستدحر الغاصب من حيث أتى
لكنني من ناحية فنية أتساءل
لماذا تكتب المرأة بلسان الرجل
ونحن نبحث عن نصوص إبداعية تتحدث فيها المرأة
أليست للمرأة معاناتها أيضا
بلا أدنى شك
وربما تكون معاناتها أشد تأثيرا وبلاغة
قصة حزينة من واقع أكثر حزنا وأشد إيلاما
تحياتي


الزميل الرائع
يوسف أبو سالم
تعودت منك المداخلات الثرية جدا
رائع أنت زميلي وتعطي الأعمال حقها
أما بخصوص الأدب الرجالي أو النسائي.. فمايضير لو كتبت بلسان رجل
سمعت الكثير من الأدباء يقولون إن المرأة لاتستطيع أن تكتب بلسان الرجل.. فهل صحيح هذا ولهذا كتبت ملاحظتك هذه؟؟!!
زميلي العزيز
أنا مجنونة وحين تخطر فكرة نص قصصي ببالي أنفذها فورا دون أن أفكر بغير الكتابة وهذا النص أتعب رأسي جدا ولم يتركني إلا حين أتمتته!!
والواقع يايوسف كان أصعب من هذا بكثير صدقني وأكثر أيلاما
مأساة العراق كبيرة
أشكرك كثيرا زميلي وجدا جدا
أنت فعلا زميل رائع
كل الود لك مع نسمات معطرة بعطر الفراتين

عائده محمد نادر
01/06/2009, 03:50 PM
مؤلم كثيرا أن أهرب - فى ليلة غاب عنى فيها النوم - الى نص للأديبة عائدة ..
فلن ينفعنى الهرب اليوم .. ولن يقربنى النوم حتى اشعار آخر .. !
موجع قلمها ..

مؤلم شجنها ..

ومحزن تقريعها ..
تُرى .. كم من هارب مثلى اليوم .. نام ملء الجفون .. ؟
مدين لك باعتذار أختاه .. فتقبليه .

الزميل الرائع
عبد المنعم جبر عيسى
جفاك النوم وقرأت نص قصتي
أما أنا فقد جفاني النوم حتى أتممتها
حقيقة هذا النص ظل يطارد رأسي المجنون أيام طويلة
وكم حاولت الهروب منه دون جدوى
كانت الصور تلاحق مخيلتي
صور حقيقية من أرض الواقع رأتها عيني ولمستها يداي
وآه ثم آه ثم آة
وكم يؤلمني قلبي
أشكرك زميلي لأنك صاحب ضمير حي
أشكرك لأنك هكذا
تحياتي وودي